باب 7- نزوله ص المدينة و بناؤه المسجد و البيوت و جمل أحواله إلى شروعه في الجهاد

 1-  عم، ]إعلام الورى[ روي عن ابن شهاب الزهري قال كان بين ليلة العقبة و بين مهاجر رسول الله ص ثلاثة أشهر كانت بيعة الأنصار رسول الله ص ليلة العقبة في ذي الحجة و قدوم رسول الله ص المدينة في شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه يوم الإثنين و كانت الأنصار خرجوا يتوكفون أخباره فلما آيسوا رجعوا إلى منازلهم فلما رجعوا أقبل رسول الله ص فلما وافى ذا الحليفة سأل عن طريق بني عمرو بن عوف فدلوه فرفعه الآل فنظر رجل من اليهود و هو على أطم إلى ركبان ثلاثة يمرون على طريق بني عمرو بن عوف فصاح يا معشر المسلمة هذا صاحبكم قد وافى فوقعت الصيحة بالمدينة فخرج الرجال و النساء و الصبيان مستبشرين لقدومه يتعادون فوافى رسول الله ص و قصد مسجد قباء و نزل و اجتمع إليه بنو عمرو بن عوف سروا به و استبشروا و اجتمعوا حوله و نزل على كلثوم بن الهدم شيخ من بني عمرو صالح مكفوف البصر و اجتمعت إليه بطون الأوس و كانت بين الأوس و الخزرج عداوة فلم يجسروا أن يأتوا رسول الله ص لما كان بينهم من الحروب فأقبل رسول الله ص يتصفح الوجوه فلا يرى أحدا من الخزرج و قد كان قدم على بني عمرو بن عوف قبل قدوم رسول الله ص ناس من المهاجرين فنزلوا فيهم. و روي أن النبي ص لما قدم المدينة جاء النساء و الصبيان فقلن  

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع

 و كان سلمان الفارسي عبدا لبعض اليهود و قد كان خرج من بلاده من فارس يطلب الدين الحنيف الذي كان أهل الكتب يخبرونه به فوقع إلى راهب من رهبان النصارى بالشام فسأله عن ذلك و صحبه فقال اطلبه بمكة فثم مخرجه و اطلبه بيثرب فثم مهاجره فقصد يثرب فأخذه بعض الأعراب فسبوه و اشتراه رجل من اليهود فكان يعمل في نخله و كان في ذلك اليوم على النخلة يصرمها فدخل على صاحبه رجل من اليهود فقال يا با فلان أ شعرت أن هؤلاء المسلمة قد قدم عليهم نبيهم فقال سلمان جعلت فداك ما الذي تقول فقال له صاحبه ما لك و للسؤال عن هذا أقبل على عملك قال فنزل و أخذ طبقا فصير عليه من ذلك الرطب و حمله إلى رسول الله ص فقال له رسول الله ص ما هذا قال هذه صدقة تمورنا بلغنا أنكم قوم غرباء قدمتم هذه البلاد فأحببت أن تأكلوا من صدقاتنا فقال رسول الله ص سموا و كلوا فقال سلمان في نفسه و عقد بإصبعه هذه واحدة يقولها بالفارسية ثم أتاه بطبق آخر فقال له رسول الله ص ما هذه فقال له سلمان رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية أهديتها إليك فقال ص سموا و كلوا و أكل ع فعقد سلمان بيده اثنتين و قال هذه آيتان يقولها بالفارسية ثم دار خلفه فألقى رسول الله ص عن كتفه الإزار فنظر سلمان إلى خاتم النبوة و الشامة فأقبل يقبلها فقال له رسول ص من أنت قال أنا رجل من أهل فارس قد خرجت من بلادي منذ كذا و كذا و حدثه بحديثه. و له حديث فيه طول. فأسلم و بشره رسول الله ص فقال له أبشر و اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا من هذا اليهودي. فلما أمسى رسول الله ص فارقه أبو بكر و دخل المدينة و نزل على بعض الأنصار و بقي رسول الله ص بقباء نازلا على كلثوم بن الهدم فلما صلى رسول الله ص المغرب و العشاء الآخرة جاءه أسعد بن زرارة مقنعا فسلم على رسول الله و فرح بقدومه ثم قال يا رسول الله ما ظننت أن أسمع بك في مكان فأقعد عنك إلا أن بيننا و بين إخواننا من الأوس ما تعلم فكرهت أن آتيهم فلما أن كان هذا الوقت لم أحتمل أن أقعد عنك فقال رسول الله ص للأوس من يجيره منكم فقالوا يا رسول الله جوارنا في جوارك فأجره قال لا بل يجيره بعضكم فقال عويم بن ساعدة و سعد بن خيثمة نحن نجيره يا رسول الله فأجاروه و كان يختلف إلى رسول الله ص فيتحدث عنده و يصلي خلفه فبقي رسول الله خمسة عشر يوما فجاءه أبو بكر فقال يا رسول الله تدخل المدينة فإن القوم متشوقون إلى نزولك عليهم فقال ص لا أريم من هذا المكان حتى يوافي أخي علي ع و كان رسول الله قد بعث إليه أن احمل العيال و اقدم فقال أبو بكر ما أحسب عليا يوافي قال بلى ما أسرعه إن شاء الله فبقي خمسة عشر يوما فوافى علي ع بعياله. فلما وافى كان سعد بن الربيع و عبد الله بن رواحة يكسران أصنام الخزرج و كان كل رجل شريف في بيته صنم يمسحه و يطيبه و لكل بطن من الأوس و الخزرج صنم في بيت لجماعة يكرمون و يجعلون عليه منديلا و يذبحون له فلما قدم الاثنا عشر من الأنصار أخرجوها من بيوتهم و بيوت من أطاعهم فلما قدم السبعون كثر الإسلام و فشا و جعلوا يكسرون الأصنام. قال و بقي رسول الله ص بعد قدوم علي ع يوما أو يومين ثم ركب راحلة فاجتمعت إليه بنو عمرو بن عوف فقالوا يا رسول الله أقم عندنا فإنا أهل الجد و الجلد و الحلقة و المنعة فقال ص خلوا عنها فإنها مأمورة و بلغ الأوس و الخزرج خروج رسول الله ص فلبسوا السلاح و أقبلوا يعدون حول ناقته

  لا يمر بحي من أحياء الأنصار إلا وثبوا في وجهه و أخذوا بزمام ناقته و تطلبوا إليه أن ينزل عليهم و رسول الله ص يقول خلوا سبيلها فإنها مأمورة حتى مر ببني سالم و كان خروج رسول الله ص من قباء يوم الجمعة فوافى بني سالم عند زوال الشمس فتعرضت له بنو سالم فقالوا يا رسول الله هلم إلى الجد و الجلد و الحلقة و المنعة فبركت ناقته عند مسجدهم و قد كانوا بنوا مسجدا قبل قدوم رسول الله ص فنزل في مسجدهم و صلى بهم الظهر و خطبهم و كان أول مسجد خطب فيه بالجمعة و صلى إلى بيت المقدس و كان الذين صلوا معه في ذلك الوقت مائة رجل ثم ركب رسول الله ص ناقته و أرخى زمامها فانتهى إلى عبد الله بن أبي فوقف عليه و هو يقدر أنه يعرض عليه النزول عنده فقال له عبد الله بن أبي بعد أن ثارت الغيرة و أخذ كمه و وضعه على أنفه يا هذا اذهب إلى الذين غروك و خدعوك و أتوا بك فانزل عليهم و لا تغشنا في ديارنا فسلط الله على دور بني الحبلى الذر فخرب دورهم فصاروا نزالا على غيرهم و كان جد عبد الله بن أبي يقال له ابن الحبلى فقام سعد بن عبادة فقال يا رسول الله لا يعرض في قلبك من قول هذا شي‏ء فإنا كنا اجتمعنا على أن نملكه علينا و هو يرى الآن أنك قد سلبته أمرا قد كان أشرف عليه فانزل علي يا رسول الله فإنه ليس في الخزرج و لا في الأوس أكثر فم بئر مني و نحن أهل الجلد و العز فلا تجزنا يا رسول الله فأرخى زمام ناقته و مرت تخب به حتى انتهت إلى باب المسجد الذي هو اليوم و لم يكن مسجدا إنما كان مربدا ليتيمين من الخزرج يقال لهما سهل و سهيل و كانا في حجر أسعد بن زرارة فبركت الناقة على باب أبي أيوب خالد بن زيد فنزل عنها رسول الله ص. فلما نزل اجتمع عليه الناس و سألوه أن ينزل عليهم فوثبت أم أبي أيوب إلى الرحل فحلته فأدخلته منزلها فلما أكثروا عليه قال رسول الله ص أين الرحل فقالوا أم أبي أيوب قد أدخلته بيتها فقال ص المرء مع رحله و أخذ أسعد بن زرارة بزمام الناقة فحولها إلى منزله. و كان أبو أيوب له منزل أسفل و فوق المنزل غرفة فكره أن يعلو رسول الله فقال يا رسول الله بأبي أنت و أمي العلو أحب إليك أم السفل فإني أكره أن أعلو فوقك فقال ص السفل ارفق بنا لمن يأتينا قال أبو أيوب فكنا في العلو أنا و أمي فكنت إذا استقيت الدلو أخاف أن يقع منه قطرة على رسول الله ص و كنت أصعد و أمي إلى العلو خفيا من حيث لا يعلم و لا يحس بنا و لا نتكلم إلا خفيا و كان إذا نام ص لا نتحرك و ربما طبخنا في غرفتنا فنجيف الباب على غرفتنا مخافة أن يصيب رسول الله ص دخان و لقد سقطت جرة لنا و أهريق الماء فقام أم أبي أيوب إلى قطيفة لم يكن لنا و الله غيرها فألقتها على ذلك الماء تستنشف به مخافة أن يسيل على رسول الله ص من ذلك شي‏ء و كان يحضر رسول الله ص المسلمون من الأوس و الخزرج و المهاجرين و كان أبو أمامة أسعد بن زرارة يبعث إليه في كل يوم غداء و عشاء في قصعة ثريد عليها عراق فكان يأكل معه من جاء حتى يشبعون ثم ترد القصعة كما هي و كان سعد بن عبادة يبعث إليه في كل ليلة عشاء و يتعشى معه من حضره و ترد القصعة كما هي و كانوا يتناوبون في بعث الغداء و العشاء إليه أسعد بن زرارة و سعد بن خيثمة و المنذر بن عمرو و سعد بن الربيع و أسيد بن حضير قال فطبخ له أسيد يوما قدرا فلم يجد من يحملها فحملها بنفسه و كان رجلا شريفا من النقباء فوافاه رسول الله ص و قد رجع من الصلاة فقال حملتها بنفسك قال نعم يا رسول الله لم أجد أحدا يحملها فقال بارك الله عليكم من أهل بيت و في كتاب دلائل النبوة عن أنس بن مالك قال قدم رسول الله المدينة فلما دخلها جاءت الأنصار برجالها و نسائها فقالوا إلينا يا رسول الله فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف و هن يقلن

نحن جوار من بني النجار. يا حبذا محمد من جار.

 فخرج إليهم رسول الله ص فقال أ تحبونني فقالوا بلى و الله يا رسول الله قال أنا و الله أحبكم ثلاث مرات. قال علي بن إبراهيم بن هاشم و جاءته اليهود قريظة و النضير و قينقاع فقالوا يا محمد إلى ما تدعو قال إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أني رسول الله و أني الذي تجدونني مكتوبا في التوراة و الذي أخبركم به علماؤكم أن مخرجي بمكة و مهاجري في هذه الحرة و أخبركم عالم منكم جاءكم من الشام فقال تركت الخمر و الخمير و جئت إلى البؤس و التمور لنبي يبعث في هذه الحرة مخرجه بمكة و مهاجره هاهنا و هو آخر الأنبياء و أفضلهم يركب الحمار و يلبس الشملة و يجتزئ بالكسرة في عينيه حمرة و بين كتفيه خاتم النبوة و يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى و هو الضحوك القتال يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر فقالوا له قد سمعنا ما تقول و قد جئناك لنطلب منك الهدنة على أن لا نكون لك و لا عليك و لا نعين عليك أحدا و لا نتعرض لأحد من أصحابك و لا تتعرض لنا و لا لأحد من أصحابنا حتى ننظر إلى ما يصير أمرك و أمر قومك فأجابهم رسول الله ص إلى دلك و كتب بينهم كتابا ألا يعينوا على رسول الله ص و لا على أحد من أصحابه بلسان و لا يد و لا بسلاح و لا بكراع في السر و العلانية لا بليل و لا بنهار الله بذلك عليهم شهيد فإن فعلوا فرسول الله في حل من سفك دمائهم و سبي ذراريهم و نسائهم و أخذ أموالهم و كتب لكل قبيلة منهم كتابا على حدة و كان الذي تولى أمر بني النضير حي بن أخطب فلما رجع إلى منزله قال له إخوته جدي بن أخطب و أبو ياسر بن أخطب ما عندك قال هو الذي نجده في التوراة و الذي بشرنا به علماؤنا و لا أزال له عدوا لأن النبوة خرجت من ولد إسحاق و صارت في ولد إسماعيل و لا نكون تبعا لولد إسماعيل أبدا. و كان الذي ولي أمر قريظة كعب بن أسد و الذي ولي أمر بني قينقاع مخيريق و كان أكثرهم مالا و حدائق فقال لقومه تعلمون أنه النبي المبعوث فهلموا نؤمن به و نكون قد أدركنا الكتابين فلم يجبه قينقاع إلى ذلك. قال و كان رسول الله ص يصلي في المربد بأصحابه. فقال لأسعد بن زرارة اشتر هذا المربد من أصحابه فساوم اليتيمين عليه فقالا هو لرسول الله فقال رسول الله ص لا إلا بثمن فاشتراه بعشرة دنانير و كان فيه ماء مستنقع فأمر به رسول الله فسيل و أمر باللبن فضرب فبناه رسول الله ص فحفره في الأرض ثم أمر بالحجارة فنقلت من الحرة فكان

  المسلمون ينقلونها فأقبل رسول الله ص يحمل حجرا على بطنه فاستقبله أسيد بن حضير فقال يا رسول الله أعطني أحمله عنك قال لا اذهب فاحمل غيره فنقلوا الحجارة و رفعوها من الحفرة حتى بلغ وجه الأرض ثم بناه أولا بالسعيدة لبنة لبنة ثم بناه بالسميط و هو لبنة و نصف ثم بناه بالأنثى و الذكر لبنتين مخالفتين و رفع حائطه قامة و كان مؤخره مائة ذراع ثم اشتد عليهم الحر فقالوا يا رسول الله لو أظللت عليه ظلا فرفع ص أساطينه في مقدم المسجد إلى ما يلي الصحن بالخشب ثم ظلله و ألقى عليه سعف النخل فعاشوا فيه فقالوا يا رسول الله لو سقفت سقفا قال لا عريش كعريش موسى الأمر أعجل من ذلك و ابتنى رسول الله ص منازله و منازل أصحابه حول المسجد و خط لأصحابه خططا فبنوا فيه منازلهم و كل شرع منه بابا إلى المسجد و خط لحمزة و شرع بابه إلى المسجد و خط لعلي بن أبي طالب ع مثل ما خط لهم و كانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمد إن الله يأمرك أن تأمر كل من كان له باب إلى المسجد أن يسده و لا يكون لأحد باب إلى المسجد إلا لك و لعلي ع و يحل لعلي فيه ما يحل لك فغضب أصحابه و غضب حمزة و قال أنا عمه يأمر بسد بابي و يترك باب ابن أخي و هو أصغر مني فجاءه فقال يا عم لا تغضبن من سد بابك و ترك باب علي فو الله ما أنا أمرت بذلك و لكن الله أمر بسد أبوابكم و ترك باب علي فقال يا رسول الله رضيت و سلمت لله و لرسوله. قال و كان رسول الله ص حيث بنى منازله كانت فاطمة ع عنده فخطبها أبو بكر فقال رسول الله أنتظر أمر الله ثم خطبها عمر فقال مثل ذلك فقيل لعلي ع لم لا تخطب فاطمة فقال و الله ما عندي شي‏ء فقيل له إن رسول الله ص لا يسألك شيئا فجاء إلى رسول الله ص فاستحيا أن يسأله فرجع ثم جاءه في اليوم الثاني فاستحيا فرجع ثم جاءه في اليوم الثالث فقال له رسول الله ص يا علي أ لك حاجة قال بلى يا رسول الله فقال لعلك جئت خاطبا قال نعم يا رسول الله قال له رسول الله هل عندك شي‏ء يا علي قال ما عندي يا رسول الله شي‏ء إلا درعي فزوجه رسول الله على اثنتي عشرة أوقية و نش و دفع إليه درعه فقال له رسول الله ص هيئ منزلا حتى تحول فاطمة إليه فقال علي ع يا رسول الله ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان و كان لفاطمة ع يوم بنى بها أمير المؤمنين ع تسع سنين فقال رسول الله ص و الله لقد استحيينا من حارثة بن النعمان قد أخذنا عامة منازله فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله أنا و مالي لله و لرسوله و الله ما شي‏ء أحب إلي مما تأخذه و الذي تأخذه أحب إلي مما تتركه فجزاه رسول الله ص خيرا فحولت فاطمة إلى علي ع في منزل حارثة و كان فراشهما إهاب كبش جعلا صوفه تحت جنوبهما. قال و كان رسول الله ص يصلي إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة و في هجرته حتى أتى له سبعة أشهر فلما أتى له سبعة أشهر عيرته اليهود و قالوا له أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا و نحن أقدم منك في الصلاة فاغتم رسول الله ص

  من ذلك و أحب أن يحول الله قبلته إلى الكعبة فخرج في جوف الليل و نظر إلى آفاق السماء ينتظر أمر الله و خرج في ذلك اليوم إلى مسجد بني سالم الذي جمع فيه أول جمعة كانت بالمدينة و صلى بهم الظهر هناك بركعتين إلى بيت المقدس و ركعتين إلى الكعبة و نزل عليه قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها الآيات ثم نزل على رسول الله ص آية القتال و أذن له في محاربة قريش و هي قوله أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ. توضيح التوكف التوقع و الانتظار و قال الجوهري الآل الذي تراه في أول النهار و آخره كأنه يرفع الشخوص و ليس هو السراب انتهى. و في بعض رواياتهم رأى رجلا مبيضا يزول به السراب قال في النهاية أي يرفعه و يظهره يقال زال به السراب إذا ظهر شخصه فيه خيالا. و قال الأطم مثل الأجم يخفف و يثقل و الجمع آطام و هي حصون لأهل المدينة و قال تشوفت إلى الشي‏ء أي تطلعت يقال النساء يتشوفن إلى السطوح أي ينظرن و يتطاولن قوله لا أريم أي لا أبرح و لا أزول قوله و الحلقة في بعض النسخ بالحاء المهملة و القاف و هي بالفتح و سكون اللام السلاح و في بعضها بالفاء و هي بالكسر المعاقدة و المعاهدة على التعاضد و التساعد. قوله أكثر فم بئر لعله جعل كثرة الناس في فم البئر أو كثرة البئر كناية عن كثرة الأتباع و الأضياف و الخبب ضرب من العدو. و قال الجزري فيه إن مسجده كان مربدا ليتيمين المربد الموضع الذي يحبس فيه الإبل و الغنم و به سمي مربد المدينة و البصرة بكسر الميم و فتح الباء من ربد بالمكان إذا أقام فيه و ربده إذا حبسه و المربد أيضا الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف

 2-  كا، ]الكافي[ في الروضة محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي حمزة عن سعيد بن المسيب قال سألت علي بن الحسين ع ابن كم كان علي بن أبي طالب ع يوم أسلم فقال أ و كان كافرا قط إنما كان لعلي ع حيث بعث الله عز و جل رسوله ص عشر سنين و لم يكن يومئذ كافرا و لقد آمن بالله تبارك و تعالى و برسوله ع و سبق الناس كلهم إلى الإيمان بالله و برسوله و إلى الصلاة بثلاث سنين و كانت أول صلاة صلاها مع رسول الله ص الظهر ركعتين و كذلك فرضها الله تبارك و تعالى على من أسلم بمكة ركعتين ركعتين و كان رسول الله ص يصليها بمكة ركعتين و يصليها علي ع معه بمكة ركعتين مدة عشر سنين حتى هاجر رسول الله ص إلى المدينة و خلف عليا ع في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره و كان خروج رسول الله ص من مكة في أول يوم من ربيع الأول و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث و قدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس فنزل بقباء فصلى الظهر ركعتين و العصر ركعتين ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا ع يصلي الخمس صلوات ركعتين ركعتين و كان نازلا على عمرو بن عوف فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له أ تقيم عندنا فنتخذ لك مسجدا فيقول لا إني أنتظر علي بن أبي طالب و قد أمرته أن يلحقني و لست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي و ما أسرعه إن شاء الله فقدم علي ع و النبي ص في بيت عمرو بن عوف فنزل معه ثم إن رسول الله ص لما قدم علي تحول من قباء إلى بني سالم بن عوف و علي ع معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس فخط لهم مسجدا و نصب قبلته و صلى بهم فيه الجمعة ركعتين و خطب خطبتين ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها و علي ع معه لا يفارقه يمشي بمشيه و ليس يمر رسول الله ص ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم فيقول لهم خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة فانطلقت به و رسول الله ص واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى و أشار بيده إلى باب مسجد رسول الله ص الذي يصلي عنده بالجنائز فوقفت عنده و بركت و وضعت جرانها على الأرض فنزل رسول الله ص و أقبل أبو أيوب مبادرا حتى احتمل رحله فأدخله منزله و نزل رسول الله ص و علي ع معه حتى بنا له مسجده و بنيت له مساكنه و منزل علي ع فتحولا إلى منازلهما فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين ع جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول الله ص حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه فقال إن أبا بكر لما قدم رسول الله ص إلى قباء فنزل بهم ينتظر قدوم علي ع فقال له أبو بكر انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك و هم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا و لا تقم هاهنا تنتظر عليا فما أظنه يقدم إليك إلى شهر فقال له رسول الله ص كلا ما أسرعه و لست أريم حتى يقدم ابن عمي و أخي في الله عز و جل و أحب أهل بيتي إلي فقد وقاني بنفسه من المشركين قال فغضب عند ذلك أبو بكر و اشمأز و داخله من ذلك حسد لعلي ع و كان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله ص في علي ع و أول خلاف على رسول الله ص فانطلق حتى دخل المدينة و تخلف رسول الله ص بقباء حتى ينتظر عليا قال فقلت لعلي بن الحسين ع فمتى زوج رسول الله ص فاطمة ع من علي ع فقال بالمدينة بعد الهجرة بسنة و كان لها يومئذ تسع سنين

 قال علي بن الحسين ع و لم يولد لرسول الله ص من خديجة ع على فطرة الإسلام إلا فاطمة ع و قد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة و مات أبو طالب رضي الله عنه بعد موت خديجة رضي الله عنها بسنة فلما فقدهما رسول الله ص سئم المقام بمكة و دخله حزن شديد و أشفق على نفسه من كفار قريش فشكا إلى جبرئيل ع ذلك فأوحى الله عز و جل إليه اخرج من الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها و هاجر إلى المدينة فليس لك اليوم بمكة ناصر و انصب للمشركين حربا فعند ذلك توجه رسول الله ص إلى المدينة فقلت فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم فقال بالمدينة حين ظهرت الدعوة و قوي الإسلام و كتب الله عز و جل على المسلمين الجهاد زاد رسول الله ص في الصلاة سبع ركعات في الظهر ركعتين و في العصر ركعتين و في المغرب ركعة و في العشاء الآخرة ركعتين و أقر الفجر على ما فرضت لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء و لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء و كان ملائكة الليل و ملائكة النهار يشهدون مع رسول الله ص صلاة الفجر فلذلك قال الله عز و جل وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يشهده المسلمون و تشهده ملائكة النهار و ملائكة الليل

 بيان البضع ما بين الثلاث إلى العشرة و جران البعير بالكسر مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره قوله و هم يستريثون أي يستبطئون قوله على فطرة الإسلام أي بعد بعثته ص. قوله ع لتعجيل نزول ملائكة الليل. أقول تعليل قصر الصلاة بتعجيل عروج ملائكة الليل ظاهر و أما تعليله بتعجيل ملائكة النهار فيمكن أن يوجه بوجوه الأول أن يقال إن صلاة الفجر إذا كانت قصيرة يعجلون في النزول ليدركوه بخلاف ما إذا كانت طويلة لإمكان تأخيرهم النزول إلى الثالثة أو الرابعة و فيه أن هذا إنما يستقيم إذا لم يكن شهودهم من أول الصلاة لازما و هو خلاف ظاهر الخبر. الثاني أن يقال لعل الحكمة اقتضت عدم اجتماع ملائكة الليل و النهار كثيرا في الأرض فيكون تعجيل عروج ملائكة الليل أمرا مطلوبا في نفسه و معللا أيضا بتعجيل نزول ملائكة النهار. الثالث أن يكون شهود ملائكة النهار لصلاة الفجر في الهواء و يكون المراد بنزولهم نزولهم إلى الأرض فلا ينزلون إلا مع عروج ملائكة الليل. الرابع ما قيل إن معناه أنه لما كانت ملائكة النهار تنزل بالتعجيل لأجل فعل ما هي مأمورة به في الأرض من كتابة الأعمال و غيرها فكان مما يتعلق بها أول النهار ناسب ذلك تخفيف الصلاة ليشتغلوا بما أمروا به كما أن ملائكة الليل تتعجل العروج إما لمثل ما ذكر من كونها تتعلق بها أمور بحيث تكون من أول الليل كعبادة و نحوها بل لو لم يكن إلا أمرها بالعروج إذا انقضت مدة عملها لكفى فتعجيل النزول للفرض المذكور علة للتخفيف كما أن تعجيل العروج علة مع تحصيلهم جميعا الصلاة معه و لا يضر كون التعجيل في الأول علة العلة. ثم اعلم أنه ورد في الفقيه و العلل هكذا و أقر الفجر على ما فرضت بمكة لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء و لتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض فكانت ملائكة الليل و ملائكة النهار يشهدون. فعلى هذا يزيد احتمال خامس و هو أن يكون قصر الصلاة معللا بتعجيل العروج فقط و أما تعجيل النزول فيكون علة لما بعده أعني شهود ملائكة الليل و النهار جميعا

  -3  كا، ]الكافي[ علي بن محمد و محمد بن الحسين عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر و علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال سمعته ع يقول إن رسول الله ص بنى مسجده بالسميط ثم إن المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال نعم فأمر به فزيد فيه و بناه بالسعيدة ثم إن المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال نعم فأمر به فزيد فيه و بنى جداره بالأنثى و الذكر ثم اشتد عليهم الحر فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل فقال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال لهم رسول الله ص لا عريش كعريش موسى ع فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله ص و كان جداره قبل أن يظلل قامة فكان إذا كان الفي‏ء ذراعا و هو قدر مربض عنز صلى الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر و قال ع السميط لبنة لبنة و السعيدة لبنة و نصف و الذكر و الأنثى لبنتان مخالفتان

 4-  كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن الحسن بن علي عن عبيس بن هشام عن عبد الصمد بن بشير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال لما دخل النبي ص المدينة خط دورها برجله ثم قال اللهم من باع رباعه فلا تبارك له

 بيان خط دورها بالفتح أي حولها أو بالضم جمع الدار فالمراد بها الدور التي بناها له و لأهل بيته و أصحابه ص و الرباع بالكسر جمع الربع بالفتح و هي الدار

 5-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد قال سألت أبا عبد الله ع إنا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ فقال ابدأ بقباء فصل فيه و أكثر فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله ص في هذه العرصة ثم ائت مشربة أم إبراهيم فصل فيها و هي مسكن رسول الله ص و مصلاه ثم تأتي مسجد الفضيح فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيك ص

 6-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال سألته عن المسجد الذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى فقال مسجد قباء

 7-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ سلمان قال لما قدم النبي ص المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال النبي ص يا قوم دعوا الناقة فهي مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده فأطلقوا زمامها و هي تهف في السير حتى دخلت المدينة فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري و لم يكن في المدينة أفقر منه فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي ص فنادى أبو أيوب يا أماه افتحي الباب فقد قدم سيد البشر و أكرم ربيعة و مضر محمد المصطفى و الرسول المجتبى فخرجت و فتحت الباب و كانت عمياء فقالت وا حسرتاه ليت كانت لي عين أبصر بها وجه سيدي رسول الله ص فكان أول معجزة النبي ص في المدينة أنه وضع كفه على وجه أم أبي أيوب فانفتحت عيناها

 بيان الهفيف سرعة السير

 8-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ هاجر النبي ص إلى المدينة و أمر أصحابه بالهجرة و هو ابن ثلاث و خمسين سنة و كانت هجرته يوم الإثنين و صار ثلاثة أيام في الغار و روي ستة أيام و دخل المدينة يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول و قيل الحادي عشر و هي السنة الأولى من الهجرة فرد التاريخ إلى المحرم و كان نزل بقباء في دار كلثوم بن الهدم ثم بدار خيثمة الأوسي ثلاثة أيام و يقال اثنا عشر يوما إلى بلوغ علي ع و أهل البيت و كان أهل المدينة يستقبلون كل يوم إلى قباء و ينصرفون فأسس بقباء مسجدهم و خرج يوم الجمعة و نزل المدينة و صلى في المسجد الذي ببطن الوادي قال النسوي في تاريخه أول صلاة صلاها في المدينة صلاة العصر ثم نزل على أبي أيوب فلما أتى لهجرته شهر و أيام تمت صلاة المقيم و بعد ثمانية أشهر آخى بين المؤمنين و فيها شرع الأذان

 9-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ روي أنه كان أصحاب النبي ص يستقبلونه و ينصرفون عند الظهيرة فدخلوا يوما فقدم النبي ص فأول من رآه رجل من اليهود فلما رآه صرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فنزل النبي ص على كلثوم بن هدم و كان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة و كان قيام علي ع بعد النبي ص ثلاث ليال ثم لحق برسول الله ص فنزل معه على كلثوم و كان أبو بكر في بيت حبيب بن إساف فأقام النبي ص بقباء يوم الإثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و أسس مسجده و صلى يوم الجمعة في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوقا فكانت أول صلاة صلاها بالمدينة ثم أتاه غسان بن مالك و عباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا يا رسول الله أقم عندنا في العدد و العدة و المنعة فقال خلوا سبيلها فإنها مأمورة يعني ناقته ثم تلقاه زياد بن لبيد و فروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقال كذلك ثم اعترضه سعد بن الربيع و خارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجد رسول الله ص و هو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار فلما بركت و رسول الله ص لم ينزل و ثبت فسارت غير بعيد و رسول الله ص واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت ثم تجلجلت و رزمت و وضعت جرانها فنزل عنها رسول الله ص و احتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته و نزل النبي ص في بيت أبي أيوب و سأل عن المربد فأخبره أنه لسهل و سهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء فأرضاهما معاذ و أمر النبي ص ببناء المسجد و عمل فيه رسول الله ص بنفسه فعمل فيه المهاجرون و الأنصار و أخذ المسلمون يرتجزون و هم يعملون فقال بعضهم

لئن قعدنا و النبي يعمل فذاك منا العمل المضلل

و النبي ص يقول لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم ارحم الأنصار و المهاجرة و علي بن أبي طالب ع يقول

لا يستوي من يعمل المساجدا يدأب فيها قائما و قاعداو من يرى عن الغبار حائدا

 ثم انتقل من بيت أبي أيوب إلى مساكنه التي بنيت له و قيل كان مدة مقامه بالمدينة إلى أن بنى المسجد و بيوته من شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة القابلة

 بيان قال الجزري في حديث سلمان ابني قيلة يريد الأوس و الخزرج قبيلتي الأنصار و قيلة اسم أم لهم قديمة و هي قيلة بنت كاهل انتهى. قوله هذا جدكم أي صاحب جدكم و سلطانكم و يحتمل أن يريد هذا سعدكم و دولتكم. أقول قال الطبرسي رحمه الله في تفسير آية الجمعة قال ابن سيرين جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي ص المدينة و قيل قبل أن تنزل الجمعة قالت الأنصار لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام و للنصارى يوم أيضا مثل ذلك فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله عز و جل و نشكره أو كما قالوا فقالوا يوم السبت لليهود و يوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ و ذكرهم فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة فتغدوا و تعشوا من شاة واحدة و ذلك لقلتهم فأنزل الله تعالى في ذلك إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ الآية فهذه أول جمعة جمعت في الإسلام فأما أول جمعة جمعها رسول الله ص بأصحابه فقيل إنه قدم رسول الله ص مهاجرا حتى نزل قباء على بني عمرو بن عوف و ذلك يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين الضحى فأقام بقباء يوم الإثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و أسس مسجدهم ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذوا اليوم في ذلك الموضع مسجدا و كانت هذه الجمعة أول جمعة جمعها رسول الله ص في الإسلام فخطب في هذه الجمعة و هي أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل.

 فقال ص الحمد لله الذي أحمده و أستعينه و أستغفره و أستهديه و أومن به و لا أكفره و أعادي من يكفره و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و النور و الموعظة عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ و قلة من العلم و ضلالة من الناس و انقطاع من الزمان و دنو من الساعة و قرب من الأجل من يطع الله و رسوله فقد رشد و من يعصهما فقد غوى و فرط و ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة و أن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه و إن تقوى الله لمن عمل به على وجل و مخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة و من يصلح الذي بينه و بين الله من أمره في السر و العلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره و ذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم و ما كان من سوى ذلك يود لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ و الذي صدق قوله و نجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فاتقوا الله في عاجل أمره و آجله في السر و العلانية فإنه مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً و من يتق الله فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً و إن تقوى الله توقي مقته و توقي عقوبته و توقي سخطه و إن تقوى الله تبيض الوجوه و ترضي الرب و ترفع الدرجة خذوا بحظكم و لا تفرطوا في جنب الله فقد علمكم الله كتابه و نهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا و يعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم و عادوا أعداءه وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ و سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ و لا حول و لا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله و اعملوا لما بعد الموت فإنه من يصلح ما بينه و بين الله يكفه الله ما بينه و بين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس و لا يقضون عليه و يملك من الناس و لا يملكون منه الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة انتهى. و قال في المنتقى في حوادث السنة الأولى من الهجرة إنه ص لبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة و أسس المسجد الذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى فصلى فيه رسول الله ص ثم دخل المدينة ثم ذكر كيفية دخوله المدينة و صلاة الجمعة و الخطبة نحو ما تقدم ثم قال و إنه لما بنى رسول الله ص مسجده طفق ينقل معهم اللبن و يقول و هو ينقل اللبن

هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا و أطهر

  و يقول اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار و المهاجرة

قوله هذا الحمال أي هذا الحمل و المحمول من اللبن أبر عند الله و أطهر أي أبقى ذخرا و أدوم منفعة لا حمال خيبر من التمر و الزبيب و الطعام المحمول منها الذي يغتبطه حاملوه و الذي كنا من قبل نحمله و نعطيه و الحمال و الحمل واحد و روي بالجيم و له وجه و الأول أظهر. و في هذه السنة تكلم الذئب خارج المدينة ينذر برسول الله ص كما روي عن أبي هريرة قال جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه فصعد الذئب على تل فأقعى و استثفر و قال عمدت إلى رزق رزقنيه الله انتزعته مني فقال الرجل بالله أن رأيت كاليوم ذئب يتكلم قال الذئب أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى و ما هو كائن عندكم و كان الرجل يهوديا فجاء إلى النبي ص فأخبره خبره و صدقه النبي ص ثم قال ص إنها أمارة من أمارات الساعة أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه بما أحدث أهله بعده. و في هذه السنة بعث رسول الله ص إلى بناته و زوجته سودة بنت زمعة زيد بن حارثة و أبا رافع فحملاهن من مكة إلى المدينة و لما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر بمكان أبيه فخرج عبد الله بعيال أبيه إليه و صحبهم طلحة بن عبيد الله و معهم أم رومان أم عائشة و عبد الرحمن حتى قدموا المدينة. و في هذه السنة بنى رسول الله ص بعائشة في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر و قيل في السنة الثانية و الأول أصح و كان تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين. و في هذه السنة زيد في صلاة الحضر و كانت صلاة الحضر و السفر ركعتين غير المغرب و ذلك بعد مقدم رسول الله ص المدينة بشهر. و في هذه السنة آخى بين المهاجرين و الأنصار و ذلك أنه لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين و الأنصار على الحق و المواساة يتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام و كانوا تسعين رجلا خمسة و أربعين رجلا من المهاجرين و خمسة و أربعين رجلا من الأنصار و قيل كانوا خمسين و مائة من الأنصار و خمسين و مائة من المهاجرين و كان ذلك قبل بدر فلما كانت وقعة بدر أنزل الله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ نسخت هذه الآية ما كان قبلها و رجع كل إنسان إلى نسبه و ورثه ذو رحمه. و في هذه السنة صام عاشوراء و أمر بصيامه و في هذه السنة أسلم عبد الله بن سلام

 قال أنس لما قدم رسول الله ص المدينة أخبر عبد الله بن سلام بقدومه فأتاه فقال إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي فإن أخبرتني بها آمنت بك قال و ما هن قال سأله عن الشبه و عن أول شي‏ء يأكله أهل الجنة و عن أول شي‏ء يحشر الناس فقال رسول الله ص أخبرني بهن جبرئيل آنفا قال ذاك عدو اليهود قال أما الشبه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ذهب بالشبه و إذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ذهبت بالشبه و أما أول شي‏ء يأكله أهل الجنة فزائد كبد الحوت و أما أول شي‏ء يحشر الناس فنار تجي‏ء من قبل المشرق فتحشرهم إلى المغرب فأمسك و قال أشهد أنك رسول الله و قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت و إنهم إن سمعوا بإسلامي بهتوني فأخبئني عندك و ابعث إليهم فسلهم عني فخباه رسول الله ص و بعث إليهم فجاءوا فقال أي رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا هو خيرنا و ابن خيرنا و سيدنا و ابن سيدنا و عالمنا و ابن عالمنا قال أ رأيتم إن أسلم أ تسلمون فقالوا أعاذه الله من ذلك فقال يا عبد الله بن سلام اخرج إليهم فلما خرج إليهم قال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله قالوا شرنا و ابن شرنا و جاهلنا و ابن جاهلنا فقال ابن سلام قد أخبرتك يا رسول الله إن اليهود قوم بهت

و فيها أسلم سلمان رضي الله عنه على ما سيأتي شرحه. و فيها شرع الأذان. و مما كان في هذه السنة ما روي أنه كان امرأة من بني النجار يقال لها فاطمة بنت النعمان لها تابع من الجن و كان يأتيها فأتاها حين هاجر النبي ص فانقض على الحائط فقالت ما لك لم تأت كما كنت تأتي قال قد جاء النبي الذي يحرم الزنى و الحرام. و فيها مات البراء بن معرور و كان أول من تكلم ليلة العقبة حين لقي رسول الله ص السبعون من الأنصار فبايعوه و هو أحد النقباء توفي قبل قدوم رسول الله ص المدينة بشهر فلما قدم رسول الله ص انطلق بأصحابه فصلى على قبره و قال اللهم اغفر له و ارحمه و ارض عنه و قد فعلت و هو أول من مات من النقباء. و فيها مات أسعد بن زرارة أحد النقباء مات قبل أن يفرغ رسول الله ص من بناء مسجده و دفن بالبقيع و الأنصار يقولون هو أول من دفن فيها و المهاجرون يقولون عثمان بن مظعون و لما مات أسعد بن زرارة جاءت بنو النجار إلى رسول الله ص فقالوا قد مات نقيبنا فنقب علينا فقال رسول الله ص أنا نقيبكم. و فيها مات كلثوم بن الهدم و كان شريفا كبير السن قبل قدومه فلما هاجر نزل عليه و نزل عليه جماعة منهم أبو عبيدة و المقداد و خباب في آخرين و توفي بعد قدوم رسول الله ص بيسير. و فيها مات من المشركين العاص بن وائل السهمي و الوليد بن المغيرة بمكة و روي عن الشعبي قال لما حضر الوليد بن المغيرة جزع فقال له أبو جهل يا عم ما يجزعك قال و الله ما بي جزع من الموت و لكني أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكة فقال أبو سفيان لا تخف أنا ضامن من أن لا يظهر