باب 7- وفاته ع و ما كان بعده

 الآيات البقرة وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ سبأ فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ تفسير قال الطبرسي رحم الله وَ اتَّبَعُوا أي اليهود الذين كانوا على عهد النبي ص أو على عهد سليمان ع أو الأعم أي اقتدوا بما كانت تَتْلُوا الشَّياطِينُ أي تتبع و تعمل به و قيل تقرأ و قيل تكذب يقال تلا عليه إذا كذب و الشياطين شياطين الجن و قيل شياطين الإنس عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ قيل أي في ملك سليمان على وجهين أحدهما في عهده و الثاني في نفس ملك سليمان كما يقال فلان يطعن في ملك فلان و قيل معناه على عهد ملك سليمان وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ بين بهذا أن ما كانت تتلوه الشياطين و ترويه كان كفرا إذ برئ سليمان منه ثم بين أن ذلك الكفر كان من نوع السحر فإن اليهود أضافوا إلى سليمان السحر و زعموا أن ملكه كان به فبرأه الله منه و قيل في السبب الذي لأجله أضافت السحر إلى سليمان ع أن سليمان ع كان قد جمع كتب السحرة و وضعها في خزائنه و قيل كتمها تحت كرسيه لئلا يطلع الناس عليها و لا يعملوا بها فلما مات سليمان ع استخرجت السحرة تلك الكتب و قالوا إنما تم ملك سليمان ع بالسحر و به سخر الجن و الإنس و الطير و زينوا السحر في أعين الناس بالنسبة إلى سليمان ع و شاع ذلك في اليهود و قبلوه لعداوتهم لسليمان ع وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا بما استخرجوه من السحر أو بما نسبوه إلى سليمان ع أو بأنهم سحروا فعبر عن السحر بالكفر  يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ أي ألقوا السحر إليهم فتعلموه أو دلوهم على استخراجه من تحت الكرسي فتعلموه ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ أي ما دل الجن على موته إلا الأرضة حيث أكلت عصاه فسقط فعلموا أنه ميت فَلَمَّا خَرَّ أي سقط ميتا

 1-  ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الهمداني عن علي عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد ع قال إن سليمان بن داود ع قال ذات يوم لأصحابه إن الله تبارك و تعالى قد وهب لي ملكا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي سخر لي الريح و الإنس و الجن و الطير و الوحوش و علمني منطق الطير و آتاني من كل شي‏ء و مع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل و قد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه و أنظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لأحد علي لئلا يرد علي ما ينغص على يومي قالوا نعم فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده و صعد إلى أعلى موضع من قصره و وقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي فرحا بما أعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه و اللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره فلما بصر به سليمان ع قال له من أدخلك إلى هذا القصر و قد أردت أن أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت فقال الشاب أدخلني هذا القصر ربه و بإذنه دخلت فقال ربه أحق به مني فمن أنت قال أنا ملك الموت قال و فيما جئت قال جئت لأقبض روحك قال امض لما أمرت به فهذا يوم سروري و أبى الله عز و جل أن يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك الموت روحه و هو متكئ على عصاه فبقي سليمان ع متكئا على عصاه و هو ميت ما شاء الله و الناس ينظرون إليه و هم يقدرون أنه حي فافتتنوا فيه و اختلفوا فمنهم من قال إن سليمان ع قد بقي متكئا على عصاه هذه الأيام الكثيرة و لم يتعب و لم ينم و لم يأكل و لم يشرب إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده و قال قوم إن سليمان ع ساحر و إنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه يسحر أعيننا و ليس كذلك فقال المؤمنون إن سليمان هو عبد الله و نبيه يدبر الله أمره بما شاء فلما اختلفوا بعث الله عز و جل الأرضة فدبت في عصاه فلما أكلت جوفها انكسرت العصا و خر سليمان ع من قصره على وجهه فشكرت الجن للأرضة صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا و عندها ماء و طين و ذلك قول الله عز و جل فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ يعني عصاه فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ثم قال الصادق ع و الله ما نزلت هذه الآية هكذا و إنما نزلت فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعملون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين

 بيان نسب صاحب الكشاف هذه القراءة إلى ابن مسعود و على القراءة المشهورة قيل معناه علمت الجن بعد ما التبس عليهم أنهم لا يعلمون الغيب و قيل معناه علمت عامة الجن و ضعفاؤهم أن رؤساءهم لا يعلمون الغيب و قيل المعنى ظهرت الجن و أن بما في حيزه بدل منه أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب

 2-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال أمر سليمان بن داود ع الجن فصنعوا له قبة من قوارير فبينما هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون و هم ينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا رجل معه في القبة قال من أنت قال أنا الذي لا أقبل الرشاء و لا إهاب الملوك أنا ملك الموت فقبضه و هو قائم متكئ على عصاه في القبة و الجن ينظرون إليه قال فمكثوا سنة و هم يدأبون له حتى بعث الله عز و جل الأرضة فأكلت منسأته و هي العصا فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ قال أبو جعفر ع إن الجن يشكرون الأرضة ما صنعت بعصا سليمان فما تكاد تراها في مكان إلا و عندها ماء و طين

 3-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير مثله إلى قوله و هي العصا فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان قال فلا تكاد تراها في مكان إلا و عندها ماء و طين فلما هلك سليمان ع وضع إبليس السحر و كتبه في كتاب ثم طواه و كتب على ظهره هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا و كذا فليفعل كذا و كذا ثم دفنه تحت السرير ثم استشاره لهم فقرءوه فقال الكافرون ما كان سليمان يغلبنا إلا بهذا و قال المؤمنون بل هو عبد الله و نبيه فقال جل ذكره وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ

 شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال لما هلك سليمان إلى آخر الخبر

  -4  فس، ]تفسير القمي[ فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ قال لما أوحى الله تعالى إلى سليمان ع إنك ميت أمر الشياطين أن يتخذوا له بيتا من قوارير و وضعوه في لجة البحر و دخله سليمان ع فاتكأ على عصاه و كان يقرأ الزبور و الشياطين حوله ينظرون إليه و لا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه سليمان ع فقال له من أنت قال أنا الذي لا أقبل الرشاء و لا إهاب الملوك فقبضه و هو متكئ على عصاه سنة و الجن يعملون له و لا يعلمون بموته حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته فلما خر على وجهه تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين كذا نزلت هذه الآية و ذلك أن الإنس كانوا يقولون إن الجن يعلمون الغيب فلما سقط سليمان ع على وجهه علم الإنس أن لو علم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان ع و هو ميت و يتوهمونه حيا قال فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان ع و ذكر نحو ما مر إلى قوله عبد الله و نبيه و في بعض النسخ ما هو من عند الله و نبيه و في بعضها إنما هو

 5-  ع، ]علل الشرائع[ المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن محمد بن نصير عن أحمد بن محمد عن ابن معروف عن علي بن مهزيار عن البزنطي و فضالة عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال إن الجن شكروا الأرضة ما صنعت بعصا سليمان ع فما تكاد تراها في مكان إلا و عندها ماء و طين

 6-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن محمد العطار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن الحسن بن علي عن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال لقد شكرت الشياطين الأرضة حين أكلت عصا سليمان حتى سقط و قالوا عليك الخراب و علينا الماء و الطين فلا تكاد تراها في موضع إلا رأيت ماء و طينا

 7-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله ع قال إن الله تعالى أوحى إلى سليمان ع أن آية موتك أن شجرة تخرج في بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان ع يوما إلى شجرة قد طلعت في بيت المقدس فقال لها سليمان ع ما اسمك قالت الخرنوبة فولى مدبرا إلى محرابه حتى قام فيه متكئا على عصاه فقبضه الله من ساعته فجعلت الإنس و الجن يخدمونه و يسعون في أمره كما كانوا من قبل و هم يظنون أنه حي حتى دبت الأرضة في عصاه فأكلت منسأته فانكسرت و وقع سليمان ع إلى الأرض

 كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله و زاد في آخره أ فلا تسمع لقوله عز و جل فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ الآية

 8-  ك، ]إكمال الدين[ أبي عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى عن الأشعري عن محمد بن يوسف التميمي عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص عاش سليمان بن داود سبعمائة سنة و اثنتي عشرة سنة

  -9  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن البزنطي عن عبد الله بن القاسم عن أبي خالد القماط عن أبي عبد الله ع قال قالت بنو إسرائيل لسليمان ع استخلف علينا ابنك فقال لهم إنه لا يصلح لذلك فألحوا عليه فقال إني سائله عن مسائل فإن أحسن الجواب فيها استخلفته ثم سأله فقال يا بني ما طعم الماء و طعم الخبز و من أي شي‏ء ضعف الصوت و شدته و أين موضع العقل من البدن و من أي شي‏ء القساوة و الرقة و مم تعب البدن و دعته و مم تكسب البدن و حرمانه فلم يجبه بشي‏ء منها فقال أبو عبد الله ع طعم الماء الحياة و طعم الخبز القوة و ضعف الصوت و شدته من شحم الكليتين و موضع العقل الدماغ أ لا ترى أن الرجل إذا كان قليل العقل قيل له ما أخف دماغه و القسوة و الرقة من القلب و هو قوله فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ و تعب البدن و دعته من القدمين إذا أتعبا في المشييتعب البدن و إذا أودعا أودع البدن و كسب البدن و حرمانه من اليدين إذا عمل بهما ردتا على البدن و إذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئا

 تذنيب قال الطبرسي رحمه الله قيل إن سليمان ع كان يعتكف في مسجد بيت المقدس السنة و السنتين و الشهر و الشهرين و أقل و أكثر يدخل فيه طعامه و شرابه و يتعبد فيه فلما كان في المرة التي مات فيها لم يكن يصبح يوما إلا و تنبت شجرة كان يسألها سليمان ع فتخبره عن اسمها و نفعها و ضرها فرأى يوما نبتا فقال ما اسمك قال الخرنوب قال لأي شي‏ء أنت قال للخراب فعلم أنه سيموت فقال اللهم أعم على الجن موتي ليعلم الإنس أنهم لا يعلمون الغيب و كان قد بقي من بنائه سنة و قال لأهله لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بنائه و دخل محرابه و قام متكئا على عصاه فمات و بقي قائما سنة و تم البناء ثم سلط الله على منسأته الأرضة حتى أكلتها فخر ميتا فعرف الجن موته و كانوا يحسبونه حيا لما كانوا يشاهدون من طول قيامه قبل ذلك. و قيل إن في إماتته قائما و بقائه كذلك أغراضا منها إتمام البناء و منها أن يعلم الإنس أن الجن لا يعلم الغيب و أنهم في ادعاء ذلك كاذبون و منها أن يعلم أن من حضر أجله فلا يتأخر إذ لم يتأخر سليمان ع مع جلالته و روي أنه أطلعه الله سبحانه على حضور وفاته فاغتسل و تحنط و تكفن و الجن في عملهم

 و عن أبي عبد الله ع قال كان آصف يدبر أمره حتى دبت الأرضة

قال و ذكر أهل التأريخ أن عمر سليمان ع كان ثلاثا و خمسين سنة مدة ملكه منها أربعون سنة و ملك و هو ابن ثلاث عشرة سنة و ابتدأ في بناء بيت المقدس بعد أربع سنين مضين من ملكه و قال رحمه الله و أما الوجه في عمل الجن تلك الأعمال العظيمة فهو أن الله تعالى زاد في أجسامهم و قوتهم و غير خلقهم عن خلق الجن الذين لا يرون للطافتهم و رقة أجسامهم على سبيل الإعجاز الدال على نبوة سليمان ع فكانوا بمنزلة الأسراء في يده و كانوا تتهيأ لهم الأعمال التي كان يكلفها إياهم ثم لما مات ع جعل الله خلقهم على ما كانوا عليه فلا يتهيأ لهم في هذا الزمان شي‏ء من ذلك انتهى. أقول لا استبعاد في أن يكونوا مخلوقين خلقة يمكنهم التصور بصورة مرئية و لا استحالة في أن يجعلهم الله مع لطافة أجسامهم قادرين على الأعمال الصعبة كالملك و سيأتي القول فيهم في كتاب السماء و العالم و قد مضى في الباب الأول نقلا عن الإحتجاج لذلك وجه