باب 8- قصة قوم سبإ و أهل الثرثار

الآيات سبأ لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

 1-  فس، ]تفسير القمي[ لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ قال فإن بحرا كان من اليمن و كان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك و عقدوا له عقدة عظيمة من الصخر و الكلس حتى يفيض على بلادهم و جعلوا للخليج مجاري و كانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه و كانت لهم جنتان عن يمين و شمال عن مسيرة عشرة أيام فيمن يمر لا تقع عليه الشمس من التفافها فلما عملوا بالمعاصي و عتوا عن أمر ربهم و نهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ و هي الفأرة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلها الرجل و ترمي بها فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا و تركوا البلاد فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل و خرب بلادهم و قلع أشجارهم و هو قوله لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ إلى قوله سَيْلَ الْعَرِمِ أي العظيم الشديد وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ و هو أم غيلان وَ أَثْلٍ قال هو نوع من الطرفاء وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا إلى قوله بارَكْنا فِيها قال مكة فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ إلى قوله شَكُورٍ

 2-  سن، ]المحاسن[ عن عبد الله بن المغيرة عن عمرو بن شمر قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إني لألعق أصابعي من المأدم حتى أخاف أن يرى خادمي أن ذلك من جشع و ليس ذلك كذلك إن قوما أفرغت عليهم النعمة و هم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا هجاء فجعلوا ينجون به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل قال فمر رجل صالح على امرأة و هي تفعل ذلك بصبي لها فقال ويحكم اتقوا الله لا تغيروا ما بكم من نعمة فقالت كأنك تخوفنا بالجوع أما ما دام ثرثارنا يجري فإنا لا نخاف الجوع قال فأسف الله عز و جل و ضعف لهم الثرثار و حبس عنهم قطر السماء و نبت الأرض قال فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه ثم احتاجوا إلى ذلك الجبل فإن كان ليقسم بينهم بالميزان

 أقول قد أوردنا أخبارا كثيرة في ذلك في باب آداب الاستنجاء

 3-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن سدير قال سأل رجل أبا جعفر ع عن قول الله عز و جل فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فقال هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض و أنهار جارية و أموال ظاهرة فكفروا بأنعم الله و غيروا ما بأنفسهم فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم و أخرب ديارهم و ذهب بأموالهم و أبدلهم مكان جناتهم جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ثم قال الله عز و جل ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ

 كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب مثله ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب مثله قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ المراد بسبإ هاهنا القبيلة الذين هم أولاد سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فِي مَسْكَنِهِمْ أي في بلدهم آيَةٌ أي حجة على وحدانية الله عز اسمه و كمال قدرته و علامة على سبوغ نعمه ثم فسر سبحانه الآية فقال جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ أي بستانان عن يمين من أتاهما و شماله و قيل عن يمين البلد و شماله و قيل إنه لم يرد جنتين اثنتين و المراد كانت ديارهم على وتيرة واحدة إذ كانت البساتين عن يمينهم و شمالهم متصلة بعضها ببعض و كان من كثرة النعم أن المرأة كانت تمشي و المكتل على رأسها فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا و قيل الآية المذكورة هي أنه لم يكن في قريتهم بعوضة و لا ذباب و لا برغوث و لا عقرب و لا حية و كان الغريب إذا دخل بلادهم و في ثيابه قمل و دواب ماتت عن ابن زيد و قيل إن المراد بالآية خروج الأزهار و الثمار من الأشجار على اختلاف ألوانها و طعومها و قيل إنها كانت ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه يقولون لهم كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ أي كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنان و اشكروا له يزدكم من نعمه و استغفروه يغفر لكم بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ أي هذه بلدة مخصبة نزهة أرضها عذبة تخرج النبات و ليست بسبخة و ليس فيها شي‏ء من الهوام الموذية و قيل أراد به صحة هوائها و عذوبة مائها و سلامة تربتها و أنه ليس فيها حر يؤذي في القيظ و لا برد يؤذي في الشتاء وَ رَبٌّ غَفُورٌ أي كثير المغفرة للذنوب فَأَعْرَضُوا عن الحق و لم يشكروا الله سبحانه و لم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ و ذلك أن الماء كان يأتي أرض سبإ من أودية اليمن و كان هناك جبلان يجتمع ماء المطر و السيول بينهما فسدوا ما بين الجبلين فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة فكانوا يسقون زروعهم و بساتينهم فلما كذبوا رسلهم و تركوا أمر الله بعث الله جرذا نقب ذلك الردم و فاض الماء عليهم فأغرقهم عن وهب. و قال البيضاوي سَيْلَ الْعَرِمِ أي سيل الأمر العرم أي الصعب من عرم الرجل فهو عارم و عرم إذا شرس خلقه و صعب أو المطر الشديد أو الجرذ أضاف إليه السيل لأنه نقب عليهم سكرا ضربت لهم بلقيس فحقنت به ماء الشجر و تركت فيه نقبا على مقدار ما يحتاجون إليه أو المسناة التي عقدت سكرا على أنه جمع عرمة و هي الحجارة المركومة و قيل اسم واد جاء السيل من قبله و كان ذلك بين عيسى ع و محمد ص. وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ مر بشع فإن الخمط كل نبت أخذ طعما من مرارة و قيل الأراك أو كل شجر لا شوك له وَ أَثْلٍ وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ

 و الأثل هو الطرفاء و لا ثمر له و وصف السدر بالقلة فإن جناه و هو النبق مما يطيب أكله و لذلك يغرس في البساتين ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا بكفرانهم النعمة أو بكفرهم بالرسل إذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ و هل نجازي بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها بالتوسعة على أهلها و هي قرى الشام قُرىً ظاهِرَةً متواصلة يظهر بعضها لبعض أو راكبة متن الطريق ظاهرة لأبناء السبيل وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ بحيث يقيل الغادي في قرية و يبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام سِيرُوا فِيها على إرادة القول بلسان الحال أو المقال لَيالِيَ وَ أَيَّاماً متى شئتم من ليل أو نهار آمِنِينَ فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا أشروا النعمة و ملوا العافية كبني إسرائيل فسألوا الله أن يجعل بينهم و بين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل و تزود الأزواد فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ حيث بطروا النعمة و لم يعتدوا بها فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يتحدث الناس بهم تعجبا و ضرب مثل فيقولون تفرقوا أيدي سبإ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشام و أنمار بيثرب و جذام بتهامة و الأزد بعمان. و قال الطبرسي رحمه الله روى الكلبي عن أبي صالح قال ألقت طريقة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء و كانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب و أنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين فباع عمرو بن عامر أمواله و سار هو و قومه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا و ما حولها فأصابتهم الحمى و كانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى فدعوا طريفة و شكوا إليها الذي أصابهم فقالت لهم قد أصابني الذي تشتكون و هو مفرق بيننا قالوا فما ذا تأمرين قالت من كان منكم ذا هم بعيد و جمل شديد و مزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد فكانت أزد عمان ثم قالت من كان منكم ذا جلد و قسر و صبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر فكانت خزاعة ثم قالت من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس و الخزرج ثم قالت من كان منكم يريد الخمر و الخمير و الملك و التأمير و ملابس التاج و الحرير فليلحق ببصرى و عوير و هما من أرض الشام و كان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان ثم قالت من كان منكم يريد الثياب الرقاق و الخيل العتاق و كنوز الأرزاق و الدم المهراق فليلحق بأرض العراق و كان الذين سكنوها آل جزيمة الأبرش و من كان بالحيرة و آل محرق