باب 14- فضائل أمته ص و ما أخبر بوقوعه فيهم و نوادر أحوالهم

 الآيات البقرة وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً آل عمران كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الحج هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى أُمَّةً وَسَطاً الوسط العدل و قيل الخيار قال صاحب العين الوسط من كل شي‏ء أعدله و أفضله أو الواسطة بين الرسول و بين الناس و متى قيل إذا كان في الأمة من ليس هذه صفته فكيف وصف جماعتهم بذلك فالجواب أن المراد به من كان بتلك الصفة لأن كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم

 و روى بريد العجلي عن الباقر ع قال نحن الأمة الوسط و نحن شهداء الله على خلقه و حجته في أرضه

 و في رواية أخرى إلينا يرجع الغالي و بنا يلحق المقصر

 و روى الحسكاني في شواهد التنزيل بإسناده عن سليم بن قيس عن علي ع أن الله تعالى إيانا عنى بقوله لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فرسول الله ص شاهد علينا و نحن شهداء الله على خلقه و حجته في أرضه و نحن الذين قال الله وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً

و قوله لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فيه أقوال أحدها أن المعنى لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا و الآخرة كما قال تعالى وَ جِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ و قال وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ و قيل الأشهاد أربعة الملائكة و الأنبياء و أمة محمد ص و الجوارح و الثاني أن المعنى لتكونوا حجة على الناس فتبينوا لهم الحق و الدين و يكون الرسول شهيدا مؤديا إليكم و الثالث أنهم يشهدون للأنبياء على أممهم المكذبين لهم بأنهم قد بلغوا و جاز ذلك لإعلام النبي ص إياهم بذلك وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً أي شاهدا عليكم بما يكون من أعمالكم و قيل حجة عليكم و قيل شهيدا لكم بأنكم قد صدقتم يوم القيامة فيما تشهدون به كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ قيل هم أصحاب رسول الله ص خاصة و قيل هو خطاب للصحابة و لكنه يعم سائر الأمة هُوَ اجْتَباكُمْ أي اختاركم و اصطفاكم لدينه مِنْ حَرَجٍ أي من ضيق لا مخرج منه و لا مخلص من عقابه بل جعل التوبة و الكفارات و رد المظالم مخلصا من الذنوب و قيل لم يضيق عليكم أمر الدين فلم يكلفكم ما لا تطيقون بل كلف دون الوسع و قيل يعني الرخص عند الضرورات كالقصر و التيمم و أكل الميتة مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ أي دينه لأن ملة إبراهيم داخلة في ملة محمد ص و إنما سماه أبا للجميع لأن حرمته على المسلمين كحرمة الوالد على الولد أو لأن العرب من ولد إسماعيل و أكثر العجم من ولد إسحاق فالغالب عليهم أنهم أولاده هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ أي الله سماكم المسلمين و قيل إبراهيم مِنْ قَبْلُ أي من قبل إنزال القرآن وَ فِي هذا أي في القرآن لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ بالطاعة و القبول فإذا شهد لكم به صرتم عدولا تستشهدون على الأمم الماضية بأن الرسل قد بلغوهم الرسالة و أنهم لم يقبلوا وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ أي تمسكوا بدين الله أو امتنعوا بطاعة الله عن معصيته أو بالله من أعدائكم أو ثقوا بالله و توكلوا عليه هُوَ مَوْلاكُمْ أي وليكم و ناصركم و المتولي لأموركم و مالككم فَنِعْمَ الْمَوْلى هو لمن تولاه  وَ نِعْمَ النَّصِيرُ لمن انتصره

1-  ل، ]الخصال[ سلمان بن أحمد اللخمي عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن منجاب بن الحارث عن أبي حذيفة الثعلبي عن زياد بن علاقة عن جابر بن سمرة السواني عن علي بن أبي طالب ع قال إن النبي ص قال سألت ربي تبارك و تعالى ثلاث خصال فأعطاني اثنتين و منعني واحدة قلت يا رب لا تهلك أمتي جوعا قال لك هذه قلت يا رب لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم يعني من المشركين فيجتاحوهم قال لك ذلك قلت يا رب لا تجعل بأسهم بينهم فمنعني هذه

 قال سليمان بن أحمد لا يروى هذا الحديث عن علي ع إلا بهذا الإسناد تفرد به منجاب بن الحارث

2-  ل، ]الخصال[ أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن ابن هاشم عن عبد الله بن القاسم عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال النبي ص لم تعط أمتي أقل من ثلاث الجمال و الصوت الحسن و الحفظ

 بيان قيل المعنى أنه لم يخل واحد منهم من واحدة منها و الأظهر عندي أن المراد به أن تلك الخصال في تلك الأمة أقل من سائر الخصال

3-  ل، ]الخصال[ العطار عن سعد عن ابن يزيد عن حريز عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص رفع عن أمتي تسعة الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطروا إليه و الحسد و الطيرة و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة

أقول قد مر شرحه في كتاب العدل

4-  ب، ]قرب الإسناد[ هارون عن ابن زياد عن جعفر عن أبيه عن النبي صلوات الله عليهم قال مما أعطى الله أمتي و فضلهم به على سائر الأمم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلا أمتي و ذلك أن الله تبارك و تعالى كان إذا بعث نبيا قال له اجتهد في دينك و لا حرج عليك و إن الله تبارك و تعالى أعطى ذلك أمتي حيث يقول وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ يقول من ضيق و كان إذا بعث نبيا قال له إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني أستجب لك و إن الله تعالى أعطى أمتي ذلك حيث يقول ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ و كان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه و إن الله تبارك و تعالى جعل أمتي شهداء على الخلق حيث يقول لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ

 5-  ضه، ]روضة الواعظين[ قيل إن الله سبحانه أعطى هذه الأمة مرتبة الخليل و مرتبة الكليم و مرتبة الحبيب فأما مرتبة الخليل فإن إبراهيم ع سأل ربه خمس حاجات فأعطاها إياه بسؤاله و أعطى ذلك هذه الأمة بلا سؤال سأل الخليل المغفرة بالتعريض فقال في سورة الشعراء وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ و أعطى هذه الأمة بلا سؤال فقال يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً و الثاني سأل الخليل فقال في الشعراء وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ و قال لهذه الأمة يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ و الثالث سأل الخليل الوراثة قال في الشعراء وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ و قال لهذه الأمة أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ و الرابع سأل الخليل القبول فقال رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا و قال لهذه الأمة وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ و الخامس سأل الخليل الأعقاب الصالحة فقال رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ و قال لهذه الأمة في سورة الأنعام هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ ثم أعطى الخليل ست مراتب بلا سؤال و أعطى جميع هذه الأمة بلا سؤال. الأول قال للخليل ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً و قال لهذه الأمة هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ. و الثاني قال للخليل يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ و قال لهذه الأمة وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها. و الثالث قال للخليل فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ و قال لهذه الأمة وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً. و الرابع قال للخليل سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ و قال لهذه الأمة قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى. و الخامس قال للخليل وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ و قال لأمة الحبيب وَ عِبادُ الرَّحْمنِ. و السادس قال للخليل شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ و قال لهذه الأمة هُوَ اجْتَباكُمْ. و أما مرتبة الكليم فإن الله تعالى أعطى الكليم عشرة مراتب و أعطى أمة محمد عشر أمثالها قال للكليم وَ أَنْجَيْنا مُوسى و قال لأمة محمد كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ. و الثاني أعطى الكليم النصرة فقال إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَ أَرى و قال لهذه الأمة إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا. و الثالث القربة قال وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا و قال لهذه الأمة وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ. و الرابع المنة قال تعالى وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَ هارُونَ و قال لهذه الأمة بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ. و الخامس الأمن و الرفعة قال الله تعالى لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى و قال لهذه الأمة وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. و السادس المعرفة و الشرح في القلب فقال الكليم رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي فأعطاه ذلك بقوله قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ و قال لأمة محمد أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ. و السابع التيسير قال وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي و قال لهذه الأمة يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. و الثامن الإجابة قال الله تعالى قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و قال لهذه الأمة وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. و التاسع المغفرة قال الكليم رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ و قال لأمة محمد ص يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ. و العاشر النجاح قال قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى و قال لهذه الأمة وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ و في ضمنها و ما لم تسألوه كقوله سَواءً لِلسَّائِلِينَ أي لمن سأل و لمن لم يسأل. و أما مرتبة الحبيب فإن الله سبحانه أعطى حبيبه محمدا ص تسع مراتب و أعطى أمته مثلها تسعا الأول التوبة قال للحبيب لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ و قال لأمته وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ و قال ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا. و الثاني المغفرة قال الله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ و قال لأمته إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً. و الثالث النعمة قال له وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ و قال لأمته وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. و الرابع النصرة قوله تعالى وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً و قال لأمته وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ. و الخامس الصلوات قال له إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ و قال لأمته هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ. و السادس الصفوة قال للحبيب اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ

 يعني محمدا و قال لأمته ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا. السابع الهداية قال للحبيب وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً و قال لأمته وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. و الثامن السلام قال للحبيب في ليلة المعراج السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته و قال لأمته وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ. و التاسع الرضا قال للحبيب وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى و قال لأمته لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ يعني الجنة و من رحمة الله سبحانه على هذه الأمة و تخصيصه إياهم دون الأمم ما خص به شريعتهم من التخفيف و التيسير فقال سبحانه يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ و قال ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ و قال وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و قال يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و قال وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ و كان مما أنعم الله تعالى على هذه الأمة أن الأمم الماضية كانوا إذا أصابهم بول أو غائط أو شي‏ء من النجاسات كان تكليفهم قطعه و إبانته من أجسادهم و خفف عن هذه الأمة بأن جعل الماء طهورا لما يصيب أبدانهم و أثوابهم قال الله تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً و قال وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ و منها أنهم كانوا يعتزلون النساء في حال الحيض فلم يكونوا يؤاكلونهن و لا يجالسونهن و ما أصاب الحائض من الثياب و الفرش و الأواني و غير ذلك نجس حتى لا يجوز الانتفاع به و أباح لها جميع ذلك إلا المجامعة و منها أن صلاتهم كانت خمسين و صلاتنا خمسة و فيها ثواب الخمسين و زكاتهم ربع المال و زكاتنا العشر و ثوابه ثواب ربع المال و منها أنهم كانوا إذا فرغوا من الطعام ليلة صيامهم حرم عليهم الطعام و الشراب و الجماع إلى مثلها من الغد و أحل الله التسحر و الوطء في ليالي الصوم فقال كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ يعني بياض النهار من سواد الليل و قال أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ يعني الجماع و منها كانت الأمم السالفة تجعل قربانها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نار فأكلته و من لم يقبل منه رجع مثبورا و قد جعل الله قربان أمة نبيه محمد ص في بطون فقرائها و مساكينها فمن قبل ذلك منه أضعف له أضعافا مضاعفة و من لم يقبل منه رفعت عنه عقوبات الدنيا. و منها أن الله تعالى كتب عليهم في التوراة القصاص و الدية في القتل و الجراح و لم يرخص لهم في العفو و أخذ الدية و لم يفرق بين الخطإ و العمد في وجوب القصاص فقال وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ثم خفف عنا في ذلك فخير بين القصاص و الدية و العفو و فرق بين الخطإ و العمد فقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى إلى قوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ و من ذلك تخفيف الله عنهم في أمر التوبة فقال لبني إسرائيل وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ

  فكانت توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا الأب ابنه و الابن أباه و الأخ أخاه و الأم ولدها و من فر من القتل أو دفع عن نفسه أو اتقى السيف بيده أو أن ترحم على ذي رحمه لم تقبل توبته ثم أمرهم الله بالكف عن القتل بعد أن قتلوا سبعين ألفا في مكان واحد فهذا توبتهم و جعل توبتنا الاستغفار باللسان و الندم بالجنان و ترك العود بالأبدان فقال عز و جل وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ و قال أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ و قال أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ. و من الأمم السالفة من ينظر إلى امرأة بريبة فيؤمر بقلع العين ليقبل عنه التوبة و كفارتنا فيه غض البصر و التوبة بالقلب و العزم على ترك العود إليه و كان منهم من يلاقي بدنه بدن امرأة حراما فيكون التوبة منه إبانة ذلك العضو من نفسه و توبتنا فيه الندم و ترك العود عليه و من يرتكب منهم الخطيئة في خفية و خلوة فيخرج و خطيئته مصورة على باب داره ألا إن فلان بن فلان ارتكب البارحة خطيئة كذا و كذا و كان ينادى عليه من السماء بذلك فيفتضح و ينتهك ستره و من يرتكب منا الخطيئة و يخفيها عن الأبصار فيطلع عليه ربه فيقول للملائكة عبدي قد ستر ذنبه عن أبناء جنسه لقلة ثقته بهم و التجأ إلي لعله يتبعه رحمتي اشهدوا أني قد غفرتها له لثقته برحمتي فإذا كان في يوم القيامة و أوقف للعرض و الحساب يقول عبدي أنا الذي سترتها عليك في الدنيا و أنا الذي أسترها عليك اليوم و مما فضل الله به هذه الأمة أن قيض لهم الأكرمين من الملائكة يستغفرون لهم و يسترحمون لهم منه الرحمة فقال سبحانه الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا و منها أنه جعلهم شهداء على الناس في الدنيا و شهداء و شفعاء في الآخرة

 قال ص المؤمنون شهداء في الأرض و ما رأوه حسنا فهو عند الله حسن و ما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح

 قال رسول الله ص يا ليتني قد لقيت إخواني فقيل يا رسول الله أ و لسنا إخوانك آمنا بك و هاجرنا معك و اتبعناك و نصرناك قال بلى و لكن إخواني الذين يأتون من بعدكم يؤمنون بي كإيمانكم و يحبوني كحبكم و ينصروني كنصرتكم و يصدقوني كتصديقكم يا ليتني قد لقيت إخواني

أقول أوردنا كثيرا من أخبار هذا الباب في باب خصائص النبي ص و سيأتي في باب فضائل الشيعة أيضا فإنهم أمة الإجابة

 6-  ل، ]الخصال[ أبي عن علي عن أبيه عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي عن سليمان بن جعفر البصري عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة الفخر بالأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة و إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب

 بيان السربال بالكسر القميص و القطران عصارة الأبهل و القطر بالكسر النحاس الذائب قال الجوهري و منه قوله تعالى مِنْ قَطِرانٍ و الجرب داء معروف

7-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص ثلاث أخافهن على أمتي من بعدي الضلالة بعد المعرفة و مضلات الفتن و شهوة البطن و الفرج

 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن عمر بن محمد الصيرفي عن علي بن مهرويه عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه عن النبي ص مثله

  -8  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بهذه الأسانيد عن علي ع قال قال رسول الله ص إني أخاف عليكم استخفافا بالدين و بيع الحكم و قطيعة الرحم و أن تتخذوا القرآن مزامير تقدمون أحدكم و ليس بأفضلكم في الدين

 بيان قوله ص و بيع الحكم أي لا يحكمون إلا بالرشوة و في بعض النسخ و منع الحكم أي لا يحكمون بالحق أو يمنعون الحكام عنه قوله مزامير أي يتغنون به كأنهم جعلوه مزمارا و المراد بالتقديم التقديم في إمامة الصلاة أو في الخلافة الكبرى

9-  مع، ]معاني الأخبار[ القطان عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عن حفص عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال قال رسول الله ص يأتي على الناس زمان يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع خير الناس يومئذ مؤمن بين كريمين

 اللكع العبد و اللئيم و قد قيل إن اللكع الصغير و قد قيل إنه الردي و مؤمن بين كريمين أي بين أبوين مؤمنين كريمين و قد قيل بين الحج و الجهاد و قد قيل بين فرسين يغزو عليهما و قيل بين بعيرين يستقي عليهما و يعتزل الناس. بيان قال الجزري اللكع عند العرب العبد ثم استعمل في الحمق و الذم و أكثر ما يقع في النداء و هو اللئيم و قيل الوسخ و قد يطلق على الصغير و قال بين كريمين أي بين أبوين مؤمنين و قيل بين أب مؤمن هو أصله و ابن مؤمن هو فرعه و الكريم الذي كرم نفسه عن التدنس بشي‏ء من مخالفة ربه

10-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن بسران عن إسماعيل بن محمد الصفار عن محمد بن إبراهيم بن عبد الحميد عن علي بن بحر عن قتادة بن الفضل عن هشام بن العار عن أبيه عن جده ربيعة قال سمعت رسول الله ص يقول يكون في أمتي الخسف و المسخ و القذف قال قلنا يا رسول الله بم قال باتخاذهم القينات و شربهم الخمور

11-  جع، ]جامع الأخبار[ قال رسول الله ص يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الآدميين و قلوبهم قلوب الشياطين كأمثال الذئاب الضواري سفاكون للدماء لا يتناهون عن منكر فعلوه إن تابعتهم ارتابوك و إن حدثتهم كذبوك و إن تواريت عنهم اغتابوك السنة فيهم بدعة و البدعة فيهم سنة و الحليم بينهم غادر و الغادر بينهم حليم المؤمن فيما بينهم مستضعف و الفاسق فيما بينهم مشرف صبيانهم عارم و نساؤهم شاطر و شيخهم لا يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر الالتجاء إليهم خزي و الاعتداد بهم ذل و طلب ما في أيديهم فقر فعند ذلك يحرمهم الله قطر السماء في أوانه و ينزله في غير أوانه و يسلط عليهم شرارهم فيسومونهم سوء العذاب يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم

 قال رسول الله ص يأتي على الناس زمان بطونهم آلهتهم و نساؤهم قبلتهم و دنانيرهم دينهم و شرفهم متاعهم لا يبقى من الإيمان إلا اسمه و لا من الإسلام إلا رسمه و لا من القرآن إلا درسه مساجدهم معمورة من البناء و قلوبهم خراب عن الهدى علماؤهم شر خلق الله على وجه الأرض حينئذ ابتلاهم الله في هذا الزمان بأربع خصال جور من السلطان و قحط من الزمان و ظلم من الولاة و الحكام فتعجبت الصحابة فقالوا يا رسول الله أ يعبدون الأصنام قال نعم كل درهم عندهم صنم

 و قال النبي ص يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد يقعدون فيها حلقا ذكرهم الدنيا و حبهم الدنيا لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة

 و قال رسول الله ص سيأتي زمان على الناس يفرون من العلماء كما يفر الغنم من الذئب ابتلاهم الله بثلاثة أشياء الأول يرفع البركة من أموالهم و الثاني سلط الله عليهم سلطانا جائرا و الثالث يخرجون من الدنيا بلا إيمان

 عن أنس عن النبي ص أنه قال يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمرة

 و قال ص يأتي على أمتي زمان أمراؤهم يكونون على الجور و علماؤهم على الطمع و عبادهم على الرياء و تجارهم على أكل الربا و نساؤهم على زينة الدنيا و غلمانهم في التزويج فعند ذلك كساد أمتي ككساد الأسواق و ليس فيها مستقيم الأموات آيسون في قبورهم من خيرهم و لا يعيشون الأخيار فيهم فعند ذلك الهرب خير من القيام

 قال النبي ص سيأتي زمان على أمتي لا يعرفون العلماء إلا بثوب حسن و لا يعرفون القرآن إلا بصوت حسن و لا يعبدون الله إلا في شهر رمضان فإذا كان كذلك سلط الله عليهم سلطانا لا علم له و لا حلم له و لا رحم له

 توضيح العارم الخبيث الشرير و السيئ الخلق و الشاطر من أعيا أهله خبثا. أقول سيأتي كثير من الأخبار في ذلك في باب أشراط الساعة و باب علامات ظهور القائم ع