باب 23- ذكر الحوادث بعد غزوة خيبر إلى غزوة مؤتة

 1-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عم، ]إعلام الورى[ ثم بعث رسول الله ص بعد غزوة خيبر فيما رواه الزهري عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا فيهم عبد الله بن أنيس إلى البشير بن رازم اليهودي لما بلغه أنه يجمع غطفان ليغزو بهم فأتوه فقالوا أرسلنا إليك رسول الله ص ليستعملك على خيبر فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين فلما صاروا ستة أميال ندم البشير فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن أنيس ففطن له عبد الله فزجر بعيره ثم اقتحم يسوق بالقوم حتى إذا استمكن من البشير ضرب رجله فقطعه فاقتحم البشير و في يده مخرش من شوحط فضرب به وجه عبد الله فشجه مأمومة و انكفأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا و لم يصب من المسلمين أحد و قدموا على رسول الله ص فبصق في شجة عبد الله بن أنيس فلم تؤذه حتى مات. و بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى أرض بني مرة فقتل و أسر. و بعث عيينة بن حصن البدري إلى أرض بني العنبر فقتل و أسر. ثم كانت عمرة القضاء سنة سبع اعتمر رسول الله ص و الذين شهدوا معه الحديبية و لما بلغ قريشا ذلك خرجوا متبددين فدخل مكة و طاف بالبيت على بعيره بيده محجن يستلم به الحجر و عبد الله بن رواحة أخذ بخطامه و هو يقول  خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله إلى آخر ما مر من الأبيات. و أقام بمكة ثلاثة أيام تزوج بها ميمونة بنت الحارث الهلالية ثم خرج فابتنى بها بسرف و رجع إلى المدينة فأقام بها حتى دخلت سنة ثمان. بيان المخرش عصاء معوجة الرأس كالصولجان و الشوحط ضرب من شجر الجبال يتخذ منه القسي و المأمومة الشجة التي بلغت أم الرأس

 2-  أقول قال الكازروني في حوادث سنة سبع و فيها نام رسول الله ص عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس.

 بالإسناد عن أبي هريرة أن رسول الله ص حين قفل من غزوة خيبر سار حتى إذا أدركه الكرى عرس و قال لبلال اكلأ لنا الليل فصلى بلال ما قدر له و نام رسول الله ص فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عينه و هو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله ص و لا بلال و لا أحد من الصحابة حتى ضربتهم الشمس و كان رسول الله ص أولهم استيقاظا ففزع رسول الله ص فقال أي بلال فقال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت يا رسول الله ص قال اقتادوا فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله ص و أمر بلالا فأقام الصلاة و صلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي

أقول قد مضى الكلام فيه في باب سهوه ص. ثم قال و فيها طلعت الشمس بعد ما غربت لعلي ع على ما

 أورده الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي ص كان يوحى  إليه و رأسه في حجر علي ع فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله ص أ صليت يا علي قال لا فقال رسول الله اللهم إنه كان في طاعتك و طاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت و وقعت على الجبل و الأرض و ذلك بالصهباء في خيبر

و هذا حديث ثابت رواته ثقات. و حكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كان يقول لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من علامات النبوة. قصة أم حبيبة كانت قد خرجت مهاجرة إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر و ثبتت على الإسلام روي عن سعيد بن العاص قال قالت أم حبيبة رأيت في المنام كان عبيد الله بن جحش زوجي أسوأ صورة و أشوهها ففزعت فقلت تغيرت و الله حاله فإذا هو يقول حين أصبح يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية و كنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد قد رجعت إلى النصرانية فقلت و الله ما خير لك و أخبرته بالرؤيا التي رأيت له فلم يحفل بها و أكب على الخمر حتى مات فأرى في المنام كأن آتيا يقول يا أم المؤمنين ففزعت فأولتها أن رسول الله يتزوجني قالت فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه و دهنه فدخلت علي فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله ص كتب إلي أن أزوجكه فقلت بشرك الله بخير قالت يقول لك الملك وكلي من يزوجك فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته فأعطت أبرهة سوارين من فضة و خدمتين كانتا في رجليها و خواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سرورا بما بشرتها فلما كان العشي  أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب و من هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أنه الذي بشر به عيسى ابن مريم أما بعد فإن رسول الله ص كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله ص و قد أصدقتها أربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال الحمد لله أحمده و أستعينه و أستغفره و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله ص و زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله ص. و دفع الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا قالت أم حبيبة فلما أتى بالمال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ و لا مال بيدي فهذه خمسون مثقالا فخذيها فاستعيني بها فأخرجت حقا فيه كل ما كنت أعطيتها فردته علي و قالت عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئا و أنا الذي أقوم على ثيابه و دهنه و قد اتبعت دين محمد رسول الله و أسلمت لله و قد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر قالت فلما كان الغد جاءتني بعدد ورس و عنبر و زباد كثير فقدمت بكله على النبي ص و كان يراه علي و عندي و لا ينكره ثم قالت أبرهة حاجتي إليك أن تقرئي على رسول الله ص مني السلام و تعليمه أني قد اتبعت دينه قالت و كانت هي التي جهزتني و كانت كلما دخلت علي

   تقول لا تنسى حاجتي إليك فلما قدمت على رسول الله ص أخبرته كيف كانت الخطبة و ما فعلت بي أبرهة فتبسم و أقرأته منها السلام فقال و عليها السلام و رحمة الله و بركاته و كان لأم حبيبة حين قدم بها المدينة بضع و ثلاثون سنة و لما بلغ أبا سفيان تزويج رسول الله ص أم حبيبة قال ذاك الفحل لا يقرع أنفه و قيل إن هذه القصة في سنة ست. و فيها قتل شيرويه أباه قال الواقدي كان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الآخرة سنة سبع لست ساعات مضين من الليل و روي أنه لما قتل أباه قتل معه سبعة عشر أخا له ذوي أدب و شجاعة فابتلي بالأسقام فبقي بعده ثمانية أشهر فمات. و فيها وصلت هدية المقوقس و هي مارية و سيرين أخت مارية و يعفور و دلدل كانت بيضاء فاتخذ لنفسه مارية و وهب سيرين لحسان بن وهب و كان معهم خصي يقال له مايوشنج كان أخا مارية و بعث ذلك كله مع حاطب بن أبي بلتعة فعرض حاطب الإسلام على مارية و رغبها فيه فأسلمت و أسلمت أختها و أقام الخصي على دينه حتى أسلم بالمدينة و كان رسول الله ص معجبا بأم إبراهيم و كانت بيضاء جميلة و ضرب عليها الحجاب و كان يطؤها بملك اليمين فلما حملت و وضعت إبراهيم قبلتها سلمى مولاة رسول الله ص فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله ص بإبراهيم فوهب له عبدا و ذلك في ذي الحجة سنة ثمان في رواية أخرى.  و فيها كانت عمرة القضاء و ذلك أن رسول الله ص أمر أصحابه حين رأوا هلال ذي القعدة أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية و أن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف منهم أحد إلا من استشهد منهم بخيبر و من مات و خرج مع رسول الله ص قوم من المسلمين عمارا و كانوا في عمرة القضية ألفين و استخلف على المدينة أبا رهم الغفاري و ساق رسول الله ص ستين بدنة و جعل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي و حمل رسول الله ص السلاح و الدروع و الرماح و قاد مائة فرس و خرجت قريش من مكة إلى رءوس الجبال و أخلوا مكة فدخل رسول الله ص من الثنية بطلعة الحجون و عبد الله بن رواحة أخذ بزمام راحلته فلم يزل رسول الله ص يلبي حتى استلم الركن بمحجنه و أمر النبي ص بلالا فأذن على ظهر الكعبة و أقام بمكة ثلاثا فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو و حويطب بن عبد العزى فقالا قد انقضى أجلك فاخرج عنا فأمر أبا رافع ينادي بالرحيل و لا يمسين بها أحد من المسلمين و ركب رسول الله ص حتى نزل بسرف و هي على عشرة أميال من مكة. و فيها تزوج رسول الله ص ميمونة بنت الحارث زوجه إياها العباس و كان يلي أمرها و هي أخت أم ولده و كان هذا التزويج بسرف حين نزل بها مرجعه من عمرة القضية و كانت آخر امرأة تزوجها ص و بنى بها بسرف. ثم ذكر في حوادث السنة الثامنة فيها أسلم عمرو بنالعاص و خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة قدموا المدينة في صفر. و فيها تزوج رسول الله ص فاطمة بنت الضحاك الكلابية فلما دخلت  على رسول الله ص و دنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال رسول الله ص عذت بعظيم الحقي بأهلك. و فيها اتخذ المنبر لرسول الله ص و قيل كان ذلك في سنة سبع و الأول أصح

 و عن جابر قال كان رسول الله ص يخطب على جذع نخلة فقالت امرأة من الأنصار كان لها غلام نجار يا رسول الله إن لي غلاما نجارا أ فلا آمره يتخذ لك منبرا تخطب عليه قال بلى قال فاتخذ له منبرا فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر قال فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين الصبي فقال النبي ص إن هذا بكى لما فقد من الذكر و اسم تلك الأنصارية عائشة و اسم غلامها النجار ياقوم الرومي

 و في رواية أن رجلا سأل ذلك فأجابه إليه و فيها أنه صنع له ثلاث درجات و فيها أنه حن الجذع حتى تصدع و انشق فنزل رسول الله ص يمسحه بيده حتى سكن ثم رجع إلى المنبر فلما هدم المسجد و غير ذلك أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب و كان عنده في تلك الدار حتى بلي و أكلته الأرضة و عاد رفاتا

بيان في النهاية قاد البعير و اقتاده جره خلفه و منه حديث الصلاة اقتادوا رواحلهم و قال الخدمة بالتحريك الخلخال و قال القدع الكف و المنع و منه حديث زواجه بخديجة قال ورقة بن نوفل محمد يخطب خديجة هو الفحل لا يقدع أنفه يقال قدعت الفحل و هو أن يكون غير كريم فإذا أراد ركوب الناقة الكريمة ضرب أنفه بالرمح أو غيره حتى يرتدع و ينكف و يروى بالراء أي إنه كفو كريم لا يرد

 3-  و قال ابن الأثير في حوادث السنة السابعة و فيها قدم حاطب من عند  المقوقس بمارية و أختها و بغلته دلدل و حماره يعفور. و فيها كانت سرية بشير بن سعد والد النعمان بن بشير الأنصاري إلى بني مرة في شعبان في ثلاثين رجلا أصيب أصحابه و ارتث في القتلى ثم رجع إلى المدينة. و فيها كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى أرض بني مرة فأصاب مرداس بن بهل حليفا لهم من جهينة قتله أسامة و رجل من الأنصار قال أسامة لما غشيناه قال أشهد أن لا إله إلا الله فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على النبي ص أخبرناه الخبر فقال كيف نصنع بلا إله إلا الله. و فيها كانت سرية غالب بن عبد الله أيضا في مائة و ثلاثين راكبا إلى بني عبد بن تغلبة فأغار عليهم و استاق الغنم إلى المدينة. و فيها كانت سرية بشير بن سعد إلى نمر و صاب في شوال. و فيها كانت عمرة القضاء و تزوج في سفره هذا بميمونة بنت الحارث. و فيها كانت غزوة ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم فلقوه و أصيب هو و أصحابه و قيل بل نجا و أصيب أصحابه. و قال في حوادث السنة الثامنة و فيها توفيت زينب بنت رسول الله ص. و فيها كانت سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح فلقيهم الحارث  بن البرصاء الليثي فأخذوه أسيرا فقال إنما جئت لأسلم فقال له غالب إن كنت صادقا فلن يضرك رباط ليلة و إن كنت كاذبا استوثقنا منك و وكل به بعض أصحابه و قال له إن نازعك فخذ رأسه و أمره بالقيام إلى أن يعود ثم ساروا حتى أتوا بطن الكديد فنزلوا بعد العصر و أرسل جندب الجهني رئية لهم قال فقصدت تلا هناك يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه فخرج منهم رجل فرآني و معه قوسه و سهمان فرماني بأحدهما فوضعه في جنبي قال فنزعته و لم أتحول ثم رماني بالثاني فوضعه في رأس منكبي قال فنزعته فلم أتحول فقال أما و الله لقد خلطه سهماي و لو كان رئية لتحرك قال فأمهلناهم حتى راحت مواشيهم و احتلبوا و شننا عليهم الغارة فقتلنا منهم و استقنا النعم و رجعنا سراعا و إذا بصريخ القوم فجاءنا ما لا قبل لنا به حتى إذا لم يكن بيننا إلا بطن الوادي بعث الله بسيل لا يقدر أحد أن يجوزه فلقد رأيتهم ينظرون إلينا لا يقدر أحد أن يتقدم و قدمنا المدينة و كان شعار المسلمين أمت أمت و كان عدتهم بضعة عشر رجلا. و فيها بعث رسول الله ص العلاء بن الحضرمي إلى البحرين و بها المنذر بن شاوي و صالحه المنذر على أن على المجوس الجزية و لا يؤكل ذبائحهم و لا ينكح نساؤهم و قيل إن إرساله كان سنة ست من الهجرة مع الرسل الذين أرسلهم  رسول الله ص إلى الملوك. و فيها كانت سرية عمرو بن كعب الغفاري إلى ذات أطلاح في خمسة عشر رجلا فوجد بها جمعا كثيرا فدعاهم إلى الإسلام فأبوا أن يجيبوا و قتلوا أصحاب عمرو و نجا حتى قدم إلى المدينة و ذات أطلاح من ناحية الشام