باب 24- غزوة مؤتة و ما جرى بعدها إلى غزوة ذات السلاسل

 1-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمران المرزباني عن علي بن سليمان عن محمد بن حميد عن محمد بن إسحاق عن محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن محمد بن شهاب الزهري قال لما قدم جعفر بن أبي طالب من بلاد الحبشة بعثه رسول الله ص إلى مؤتة و استعمل على الجيش معه زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة فمضى الناس معهم حتى كانوا بنحو البلقاء فلقيهم جموع هرقل من الروم و العرب فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها و اقتتلوا قتالا شديدا و كان اللواء يومئذ مع زيد بن حارثة فقاتل به حتى شاط في رماح القوم ثم أخذه جعفر فقاتل به قتالا شديدا ثم اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها و قاتل حتى قتل قال و كان جعفر أول رجل من المسلمين عقر فرسه في الإسلام ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقتل ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد فناوش القوم  و راوغهم حتى انحاز بالمسلمين منهزما و نجا بهم من الروم و أنفذ رجلا يقال له عبد الرحمن بن سمرة إلى النبي ص بالخبر قال عبد الرحمن فسرت إلى النبي ص فلما وصلت إلى المسجد قال لي رسول الله ص على رسلك يا عبد الرحمن ثم قال ص أخذ اللواء زيد فقاتل به فقتل رحم الله زيدا ثم أخذ اللواء جعفر و قاتل و قتل رحم الله جعفرا ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة و قاتل فقتل فرحم الله عبد الله قال فبكى أصحاب رسول الله ص و هم حوله فقال لهم النبي ص و ما يبكيكم فقالوا و ما لنا لا نبكي و قد ذهب خيارنا و أشرافنا و أهل الفضل منا فقال لهم ص لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكبها و بنى مساكنها و حلق سعفها فأطعمت عاما فوجا ثم عاما فوجا ثم عاما فوجا فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا و أطولها شمراخا و الذي بعثني بالحق نبيا ليجدن عيسى ابن مريم في أمتي خلفا من حواريه

 قال و قال كعب بن مالك يرثي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه و المستشهدين معه

هدت العيون و دمع عينك يهمل سحا كما و كف الضباب المخضل‏و كان ما بين الجوانح و الحشا مما تأوبني شهاب مدخل‏وجدا على النفر الذين تتابعوا يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوافتغير القمر المنير لفقدهم و الشمس قد كسفت و كادت تأفل‏قوم بهم نصر الإله عباده و عليهم نزل الكتاب المنزل

  قوم علا بنيانهم من هاشم فرع أشم و سودد ما ينقل‏و لهديهم رضي الإله لخلقه و بجدهم نصر النبي المرسل‏بيض الوجوه ترى بطون أكفهم تندى إذا اغبر الزمان الممحل

 بيان شاط فلان هلك و في بعض النسخ بالسين المهملة و السوط الخلط و ساطت نفسي تقلصت و الأول أصح قال في النهاية في حديث زيد بن حارثة يوم مؤتة إنه قاتل براية رسول الله ص حتى شاط في رماح القوم أي هلك. و قال في جامع الأصول أراد بالاقتحام هنا نزوله عن فرسه مسرعا. و في القاموس راغ الرجل و الثعلب روغا و روغانا حاد و مال و المراوغة المصارعة و أن يطلب بعض القوم بعضا و قال انحاز عنه عدل و القوم تركوا مراكزهم و الراكب و الراكبة و الراكوب و الراكوبة و الركابة فسيلة في أعلى النخل متدلية لا تبلغ الأرض قوله و حلق سعفها بالحاء المهملة أي أزال زوائدها أو بالمعجمة من خلق العود بتخفيف اللام و تشديده إذا سواه و السح الصب و السيلان من فوق و الضباب ندى كالغيم أو سحاب رقيق و في رواية ابن أبي الحديد الرباب مكان الضباب و هو السحاب الأبيض و أخضله بله و تأوبه أتاه ليلا و فرع كل شي‏ء أعلاه و من القوم شريفهم و الشمم ارتفاع في الجبل و الأشم السيد ذو الأنفة و النفل العطاء و انتفل طلب و منه تبرأ و انتفى و في بعض النسخ بالغين من نغل الأديم كفرح إذا فسد و في بعضها بالقاف

 2-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه لما قتل زيد بن حارثة بمؤتة قال ص بالمدينة قتل  زيد و أخذ الراية جعفر ثم قال قتل جعفر و توقف وقفة ثم قال و أخذ الراية عبد الله بن رواحة و ذلك أن عبد الله لم يسارع في أخذ الراية كمسارعة جعفر ثم قال و قتل عبد الله ثم قام النبي ص إلى بيت جعفر إلى أهله ثم جاءت الأخبار بأنهم قد قتلوا على تلك الهيئة

 3-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه لما بعث النبي ص عسكرا إلى مؤتة ولى عليهم زيد بن حارثة و دفع الراية إليه و قال إن قتل زيد فالوالي عليكم جعفر بن أبي طالب و إن قتل جعفر فالوالي عليكم عبد الله بن رواحة الأنصاري و سكت فلما ساروا و قد حضر هذا الترتيب في الولاية من رسول الله ص قال رجل من اليهود إن كان محمد نبيا كما يقول سيقتل هؤلاء الثلاثة فقيل له لم قلت هذا قال لأن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا بعث نبي منهم بعثا في الجهاد فقال إن قتل فلان فالوالي فلان بعده عليكم فإن سمى للولاية كذلك اثنين أو مائة أو أقل أو أكثر قتل جميع من ذكر فيهم الولايات قال جابر فلما كان اليوم الذي وقع فيه حربهم صلى النبي ص بنا الفجر ثم صعد المنبر فقال قد التقى إخوانكم من المشركين للمحاربة فأقبل يحدثنا بكرات بعضهم على بعض إلى أن قال قتل زيد بن حارثة و سقطت الراية ثم قال قد أخذها جعفر بن أبي طالب و تقدم للحرب بها ثم قال قد قطعت يده و قد أخذ الراية بيده الأخرى ثم قال قطعت يده الأخرى و قد أخذ الراية في صدره ثم قال قتل جعفر بن أبي طالب و سقطت الراية ثم أخذها عبد الله بن رواحة و قد قتل من  المشركين كذا و قتل من المسلمين كذا فلان و فلان إلى أن ذكر جميع من قتل من المسلمين بأسمائهم ثم قال قتل عبد الله بن رواحة و أخذ الراية خالد بن الوليد فانصرف المسلمون ثم نزل عن المنبر و صار إلى دار جعفر فدعا عبد الله بن جعفر فأقعده في حجره و جعل يمسح على رأسه فقالت والدته أسماء بنت عميس يا رسول الله إنك لتمسح على رأسه كأنه يتيم قال قد استشهد جعفر في هذا اليوم و دمعت عينا رسول الله ص و قال قطعت يداه قبل أن استشهد و قد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر فهو الآن يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء

 4-  سن، ]المحاسن[ النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه ع قال لما كان يوم مؤتة كان جعفر على فرسه فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف و كان أول من عرقب في الإسلام

 5-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن النوفلي مثله

 6-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم بن أحمد عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال لما مات جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله ص فاطمة ع أن تتخذ طعاما لأسماء بنت عميس و تأتيها و نساؤها ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة أن يصنع لأهل الميت ثلاثة أيام طعام

 سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن أبي عمير مثله   كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري و هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع مثله

 7-  سن، ]المحاسن[ بعض أصحابنا عن العباس بن موسى بن جعفر قال سألت أبي ع عن المأتم فقال إن رسول الله ص لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر فقال أين بني فدعت بهم و هم ثلاثة عبد الله و عون و محمد فمسح رسول الله ص رءوسهم فقالت إنك تمسح رءوسهم كأنهم أيتام فعجب رسول الله ص من عقلها فقال يا أسماء أ لم تعلمي أن جعفرا رضوان الله عليه استشهد فبكت فقال لها رسول الله ص لا تبكي فإن الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر فقالت يا رسول الله لو جمعت الناس و أخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله فعجب رسول الله ص من عقلها ثم قال ابعثوا إلى أهل جعفر طعاما فجرت السنة

 8-  يه، ]من لا يحضر الفقيه[ قال الصادق ع إن النبي ص حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب و زيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا و يقول كانا يحدثاني و يؤنساني فذهبا جميعا

 9-  عم، ]إعلام الورى[ و كانت غزوة مؤتة في جمادى من سنة ثمان بعث جيشا عظيما و أمر على الجيش زيد بن حارثة ثم قال فإن أصيب زيد فجعفر فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فإن أصيب فليرتض المسلمون واحدا فليجعلوه عليهم.

 و في رواية أبان بن عثمان عن الصادق ع أنه استعمل عليهم جعفرا فإن قتل فزيد فإن قتل فابن رواحة

ثم خرجوا حتى نزلوا معان فبلغهم أن هرقل ملك  الروم قد نزل بمأرب في مائة ألف من الروم و مائة ألف من المستعربة. و في كتاب أبان بن عثمان بلغهم كثرة عدد الكفار من العرب و العجم من لخم و حذام و بلي و قضاعة و انحاز المشركون إلى أرض يقال لها المشارف و إنما سميت السيوف المشرفية لأنها طبعت لسليمان بن داود بها فأقاموا بمعان يومين فقالوا نبعث إلى رسول الله ص فنخبره بكثرة عدونا حتى يرى في ذلك رأيه فقال عبد الله بن رواحة يا هؤلاء إنا و الله ما نقاتل الناس بكثرة و إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فقالوا صدقت فتهيئوا و هم ثلاثة آلاف حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها شرف ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة قرية فوق الأحساء.

 و عن أنس بن مالك قال نعى النبي ص جعفرا و زيد بن حارثة و ابن رواحة نعاهم قبل أن يجي‏ء خبرهم و عيناه تذرفان

 رواه البخاري في الصحيح. قال أبان و حدثني الفضيل بن يسار عن أبي جعفر ع قال أصيب يومئذ جعفر و به خمسون جراحة خمس و عشرون منها في وجهه.

 قال عبد الله بن جعفر أنا أحفظ حين دخل رسول الله ص على أمي فنعى لها أبي فأنظر إليه و هو يمسح على رأسي و رأس أخي و عيناه تهراقان الدموع حتى تقطر لحيته ثم قال اللهم إن جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته ثم قال يا أسماء  أ لا أبشرك قالت بلى بأبي و أمي يا رسول الله قال إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة قالت فأعلم الناس ذلك فقام رسول الله ص و أخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي إلى المنبر و أجلسني أمامه على الدرجة السفلى و الحزن يعرف عليه فقال إن المرء كثير بأخيه و ابن عمه إلا أن جعفرا قد استشهد و جعل له جناحان يطير بهما في الجنة ثم نزل ص و دخل بيته و أدخلني معه و أمر بطعام يصنع لأجلي و أرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيبا مباركا و أقمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا فأتانا رسول الله ص و أنا أساوم شاة أخ لي فقال اللهم بارك له في صفقته قال عبد الله فما بعت شيئا و لا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه.

 قال الصادق ع قال رسول الله ص لفاطمة اذهبي فابكي على ابن عمك فإن لم تدعي بثكل فما قلت فقد صدقت

و ذكر محمد بن إسحاق عن عروة قال لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله ص و المسلمون معه فجعلوا يحثون عليهم التراب و يقولون يا فرار فررتم في سبيل الله فقال رسول الله ص ليسوا بفرار و لكنهم الكرار إن شاء الله. بيان قال الفيروزآبادي المعان موضع بطريق حاج الشام و قال مؤتة موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر بن أبي طالب و فيه كان تعمل السيوف. قوله ص إن المرء كثير لعل المراد بالكثرة هنا العزة كما يكنى عن الذلة بالقلة أي عزة المرء و كثرة أعوانه إنما يكون بأخيه و ابن عمه قوله إن لم تدعي بثكل أي لا تقولي وا ثكلاه ثم كل ما قلت فيه من الفضائل فقد صدقت لكثرة فضائله و قيل المعنى لا تقولي إلا صدقا و لا يخفى بعده

   -10  كا، ]الكافي[ حميد بن زياد عن الحسن بن محمد الكندي عن أحمد الميثمي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال بينا رسول الله ص في المسجد إذ خفض له كل رفيع و رفع له كل خفيض حتى نظر إلى جعفر يقاتل الكفار قال فقتل فقال رسول الله ص قتل جعفر و أخذه المغص في بطنه

 بيان المغص بالفتح و يحرك وجع في البطن و الأظهر إرجاع الضمير في أخذه إلى النبي ص و إرجاعه إلى جعفر بعيد. أقول سيأتي بعض أخبار شهادته ع في باب فضائله

 11-  و روي في جامع الأصول، عن ابن عمر قال أمر النبي ص في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال إن قتل زيد فجعفر فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال ابن عمر فكنت معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه في القتلى و وجدنا فيما أقبل من جسده بضعا و تسعين من طعنة و رمية

 و في رواية أخرى أنه وقف على جعفر يومئذ و هو قتيل فعددت خمسين بين طعنة و ضربة ليس منها شي‏ء في دبره

 12-  و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة روى الواقدي عن عمر بن الحكم قال بعث رسول الله ص الحارث بن عمير الأزدي في سنة ثمان إلى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال أين تريد قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه صبرا و لم يقتل لرسول الله ص رسول غيره و بلغ ذلك رسول الله ص فاشتد عليه و ندب الناس و أخبرهم بقتل الحارث فأسرعوا و خرجوا فعسكروا بالجرف فلما صلى رسول الله ص الظهر جلس و جلس أصحابه حوله و جاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف مع الناس فقال رسول الله ص  زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم فقال النعمان بن مهض يا أبا القاسم إن كنت نبيا فسيصاب من سميت قليلا كانوا أو كثيرا إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة اعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا قال زيد أشهد أنه نبي صادق فلما أجمعوا المسير و عقد رسول الله ص لهم اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة و هو لواء أبيض و مشى الناس إلى أمراء رسول الله ص يودعونهم و يدعون لهم و كانوا ثلاثة آلاف فلما ساروا في معسكرهم ناداهم المسلمون دفع الله عنكم و ردكم صالحين غانمين. قلت اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة هو كان الأمير الأول و أنكرت الشيعة و قالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول فإن قتل فزيد بن حارثة فإن قتل فعبد الله و رووا في ذلك روايات.

 و روى الواقدي بإسناده عن زيد بن أرقم أن رسول الله ص خطبهم فأوصاهم فقال أوصيكم بتقوى الله و بمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا بسم الله و في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا و لا تغلوا و لا تقتلوا وليدا و إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم و اكفف عنهم ادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن فعلوه فاقبل و اكفف ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين و عليهم ما على المهاجرين و إن دخلوا في الإسلام و اختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله و لا يكون لهم في الفي‏ء و لا في الغنيمة شي‏ء إلا أن  يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم و اكفف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله و قاتلهم و إن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله و لكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أ تصيب حكم الله فيهم أم لا و إن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسوله فلا تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسوله و لكن اجعل لهم ذمتك و ذمة أبيك و ذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله و ذمة رسوله.

 قال الواقدي و روى أبو صفوان عن خالد بن بريد قال خرج النبي ص مشيعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف و وقفوا حوله فقال اغزوا بسم الله فقاتلوا عدو الله و عدوكم بالشام و ستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم و ستجدون آخرين للشيطان في رءوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف لا تقتلن امرأة و لا صغيرا ضرعا و لا كبيرا فانيا و لا تقطعن نخلا و لا شجرا و لا تهدمن بناء قال فلما ودع عبد الله بن رواحة رسول الله ص قال له مرني بشي‏ء أحفظه عنك قال إنك قادم غدا بلدا السجود به قليل فأكثر السجود فقال عبد الله زدني يا رسول الله قال اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع فقال يا رسول الله إن الله وتر يحب الوتر فقال يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجز إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة فقال ابن رواحة لا أسألك عن شي‏ء بعدها

  قال الواقدي و مضى المسلمون و نزلوا وادي القرى فأقاموا به أياما و ساروا حتى نزلوا بمؤتة و بلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر و بهراء و لخم و جذام و غيرهم مائة ألف مقاتل و عليهم رجل من بلي فأقام المسلمون ليلتين ينظرون في أمرهم و قالوا نكتب إلى رسول الله ص فنخبره الخبر فإما أن يردنا أو يزيدنا رجالا فبينا الناس على ذلك إذ جاءهم عبد الله بن رواحة فشجعهم و قال و الله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد و لا كثرة سلاح و لا كثرة خيل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به انطلقوا فقاتلوا فقد و الله رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان إنما هي إحدى الحسنيين إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله و رسوله و ليس لوعده خلف و إما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان فشجع الناس على قول ابن رواحة. قال و روى أبو هريرة قال شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد و السلاح و الكراع و الديباج و الحرير و الذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أقرم ما لك يا با هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة قلت نعم قال لم تشهدنا ببدر إنا لم ننصر بالكثرة. قال الواقدي فالتقى القوم فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل طعنوه بالرماح ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها فقاتل حتى قتل قيل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في كرم هناك فوجد فيه ثلاثون أو بضع و ثلاثون جرحا. قال و قد روى نافع عن ابن عمر أنه وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان و سبعون ضربة و طعنة بالسيوف و الرماح.  و قال البلاذري قطعت يداه و لذلك قال رسول الله ص لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة و لذلك سمي الطيار. قال ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فنكل يسيرا ثم حمل فقاتل حتى قتل فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزيمة كانت في كل وجه ثم تراجعوا فأخذ اللواء ثابت بن أقرم و جعل يصيح يا للأنصار فثاب إليهم منهم قليل فقال لخالد بن الوليد خذ اللواء يا أبا سليمان قال خالد لا بل خذه أنت فلك سن و قد شهدت بدرا قال ثابت خذه أيها الرجل فو الله ما أخذته إلا لك فأخذه خالد و حمل به ساعة و جعل المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير فانحاز بالمسلمين و انكشفوا راجعين. قال الواقدي و قد روي أن خالدا ثبت بالناس فلم ينهزموا و الصحيح أن خالد انهزم بالناس. و روى محمد بن إسحاق قال لما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية قاتل قتالا شديدا حتى إذا أثخنه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر ع أول رجل عقر في الإسلام. قال الواقدي و قال عبيد الله بن عبد الله ما لقي جيش بعثوا مبعثا ما لقي أصحاب مؤتة من أهل المدينة لقوهم بالشر حتى أن الرجل لينصرف إلى بيته و أهله فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له يقولون أ لا تقدمت مع أصحابك فقتلت و جلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس حتى أرسل النبي ص رجلا رجلا يقول لهم أنتم الكرار في سبيل الله فخرجوا.

   و روى الواقدي بإسناده عن أسماء بنت عميس قالت أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر و أصحابه فأتاني رسول الله ص و قد منأت أربعين منا من أدم و عجنت عجيني و أخذت بني فغسلت وجوههم و دهنتهم فدخل علي رسول الله ص فقال يا أسماء أين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم و شمهم ثم ذرفت عيناه فبكى فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شي‏ء قال نعم إنه قتل اليوم فقمت أصيح و اجتمعت إلي النساء فجعل رسول الله ص يقول يا أسماء لا تقولي هجرا و لا تضربي صدرا ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة ع و هي تقول وا عماه فقال على مثل جعفر فلتبك الباكية ثم قال اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم. و روى أبو الفرج في كتاب مقاتل الطالبيين أن كنية جعفر بن أبي طالب أبو المساكين و كان ثالث الإخوة من ولد أبي طالب أكبرهم طالب و بعده عقيل و بعده جعفر و بعده علي ع و كل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين و أمهم جميعا فاطمة بنت أسد و هي أول هاشمية ولدت لهاشمي و فضلها كثير و قربها من رسول الله ص و تعظيمه لها معلوم عند أهل الحديث قال أبو الفرج و لجعفر ع فضل و قد ورد فيه حديث كثير من ذلك أن رسول الله ص لما فتح خيبر قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة فالتزمه رسول الله ص و جعل يقبل بين عينيه و يقول ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر.

 و عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص خير الناس حمزة و جعفر و علي ع

 قال و قد روى جعفر بن محمد عن أبيه ع قال قال رسول الله ص  خلق الناس من أشجار شتى و خلقت أنا و جعفر من شجرة واحدة أو قال من طينة واحدة

 و بالإسناد قال قال رسول الله ص لجعفر أشبهت خلقي و خلقي

و قال ابن عبد البر في الاستيعاب كانت سن جعفر ع يوم قتل إحدى و أربعين سنة.

 و قد روى سعيد بن المسيب أن رسول الله ص قال مثل لي جعفر و زيد و عبد الله في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا و ابن رواحة في أعناقهما صدود و رأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود فسألت فقيل لي إنهما حين غشيهما الموت أعرضا و صدا بوجههما و أما جعفر فلم يفعل

و روى الشعبي قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول كنت إذا سألت عمي عليا ع شيئا فمنعني أقول له بحق جعفر فيعطيني.

 و روي أن رسول الله ص لما أتاه قتل جعفر و زيد بمؤتة بكى و قال أخواي و مؤنساي و محدثاي

 13-  و قال الكازروني بعد إيراد غزوة مؤتة في حوادث السنة الثامنة و في هذه السنة كانت سرية الخبط روي عن جابر بن عبد الله قال بعثنا رسول الله ص في ثلاثمائة راكب و أميرنا أبو عبيدة بن الجراح في طلب عير قريش فأقمنا على الساحل حتى فني زادنا و أكلنا الخبط ثم إن البحر ألقى إلينا دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر حتى صلحت أجسامنا و أخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعها فنصبها و نظر إلى أطول بعير في الجيش و أطول رجل فحمله عليه فجاز تحته و قد كان رجل نحر ثلاث جزائر ثم ثلاث جزائر ثم نهاه عنه أبو عبيدة و كانوا يرونه قيس بن سعد

 أقول و روي في جامع الأصول بأسانيد عن أسامة بن زيد قال بعثنا  رسول الله ص إلى الحرقات فصبحنا القوم فهزمناهم و لحقت أنا و رجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري و طعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي ص فقال يا أسامة أ قتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قلت إنما كان متعوذا فقال أ قتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم

 و في رواية أخرى قال بعثنا رسول الله ص في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي ص فقال أ قال لا إله إلا الله و قتلته قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح قال أ فلا شققت قلبه حتى تعلم أ قالها أم لا فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ

 أقول أورد تلك القصة بعد غزوة مؤتة. بيان في النهاية الضارع النحيف الضاوي الجسم يقال ضرع يضرع فهو ضارع و ضرع بالتحريك و قال منأت الأديم إذا ألقيته في الدباغ و يقال له ما دام في الدباغ منيئة و منه حديث أسماء بنت عميس و هي تمعس منيئة لها و في القاموس صد عنه صدودا أعرض و قال الخبط محركة ورق ينفض بالمخابط و يجفف و يطحن و يخلط بدقيق أو غيره و يوخف بالماء فيؤجره الإبل و كل ورق مخبوط و الجزائر جمع الجزور و هو البعير