باب 29- غزوة تبوك و قصة العقبة

 الآيات التوبة قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ و قال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ

 إلى قوله سبحانه وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ إلى قوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ إلى قوله يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ إلى قوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ و قال تعالى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَ قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَ سَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ إلى قوله سبحانه وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إلى قوله وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ إلى قوله سبحانه لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

  إلى قوله ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ قيل نزلت هذه الآية حين أمر رسول الله ص بحرب الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك عن مجاهد و قيل هي على العموم وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أي موسى و عيسى من كتمان بعث محمد ص أو ما حرمه محمد ص وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ أي دين الله أو لا يعترفون بالإسلام الذي هو الدين الحق مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وصف الذين ذكرهم بأنهم من أهل الكتاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ أي نقدا من يده إلى يد من يدفعه إليه من غير نائب أو عن قدرة لكم عليهم و قهر لهم أو يد لكم عليهم و نعمة تسدونها إليهم بقبول الجزية منهم وَ هُمْ صاغِرُونَ أي ذليلون مقهورون. و قال في قوله تعالى انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي اخرجوا إلى مجاهدة المشركين قال المفسرون لما رجع رسول الله ص من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم و ذلك في زمان إدراك الثمرات فأحبوا المقام في المسكن و المال و شق عليهم الخروج إلى القتال و كان ص قل ما خرج في غزوة إلا كنى عنها و ورى بغيرها إلا غزوة تبوك لبعد شقتها و كثرة العدو ليتأهب الناس فأخبرهم بالذي يريد فلما علم الله سبحانه تثاقل الناس أنزل الآية و عاتبهم على التثاقل أَ رَضِيتُمْ استفهام إنكار أي آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة في الآخرة الباقية فَما مَتاعُ أي فما فوائد الدنيا و مقاصدها في فوائد الآخرة و مقاصدها إِلَّا قَلِيلٌ لانقطاع هذه و دوام تلك يُعَذِّبْكُمْ أي في الآخرة أو في الدنيا وَ يَسْتَبْدِلْ بكم قَوْماً غَيْرَكُمْ لا يتخلفون عن الجهاد قيل هم أبناء فارس و قيل أهل اليمن و قيل هم الذين أسلموا بعد نزول هذه الآية وَ لا تَضُرُّوهُ أي و لا تضروا الله بهذا القعود شَيْئاً لأنه غني أو لا تضروا الرسول لأن الله عاصمه و ناصره بالملائكة أو بقوم آخرين انْفِرُوا أي اخرجوا إلى الغزو خِفافاً وَ ثِقالًا أي شبانا و شيوخا و قيل نشاطا و غير نشاط أو مشاغيل و غير مشاغيل أو أغنياء و فقراء و قيل أراد بالخفاف أهل العسرة من المال و قلة العيال و بالثقال أهل الميسرة في المال و كثرة العيال و قيل ركبانا و مشاة و قيل ذا ضيعة و غير ذي ضيعة و قيل عزابا و متأهلين و الوجه أن يحمل على الجميع وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ و هذا يدل على أن الجهاد بالنفس و المال واجب على من استطاع بهما و من لم يستطع على الوجهين فعليه أن يجاهد بما استطاع ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ من التثاقل إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن الله صادق في وعده و وعيده قال السدي لما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله بقوله لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ الآية. لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً أي لو كان ما دعوتهم إليه غنيمة حاضرة وَ سَفَراً قاصِداً أي قريبا هينا و قيل أي ذا قصد و قيل سهلا متوسطا غير شاق لَاتَّبَعُوكَ طمعا في المال وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أي المسافة يعني غزوة تبوك أمروا فيها بالخروج إلى الشام وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ فيه دلالة على صحة نبوته ص إذ

  أخبر بحلفهم قبل وقوعه يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بما أسروه من الشرك و قيل باليمين الكاذبة و العذر الباطل وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في هذا الاعتذار و الحلف عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ في التخلف عنك حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ أي حتى تعرف من له العذر منهم في التخلف و من لا عذر له فيكون إذنك لمن أذنت له على علم قال ابن عباس و ذلك أن رسول الله ص لم يكن يعرف المنافقين يومئذ و قيل إنه إنما خيرهم بين الظعن و الإقامة متوعدا لهم و لم يأذن لهم فاغتنم القوم ذلك و في هذا إخبار من الله سبحانه أنه كان الأولى أن يلزمهم الخروج معه حتى إذا لم يخرجوا ظهر نفاقهم لأنه متى أذن لهم ثم تأخروا لم يعلم أن للنفاق كان تأخرهم أم لغيره و كان الذين استأذنوه منافقين و منهم الجد بن قيس و معتب بن قشير و هما من الأنصار. أقول قد مر الكلام في هذه الآية في باب عصمته ص. و قال في قوله تعالى لا يَسْتَأْذِنُكَ أي في القعود و قيل في الخروج لأنه مستغن عنه بدعائك بل يتأهب له أَنْ يُجاهِدُوا أي في أن يجاهدوا وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ أي اضطربت و شكت فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ أي في شكهم يذهبون و يرجعون و يتحيرون و أراد به المنافقين أي يتوقعون الإذن لشكهم في دين الله و فيما وعد المجاهدون و لو كانوا مخلصين لوثقوا بالنصر و بثواب الله فبادروا إلى الجهاد و لم يستأذنوك فيه وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ في الجهاد كالمؤمنين لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً أي أهبة الحرب من الكراع و السلاح وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ أي خروجهم إلى الغزو لعلمه أنهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين و كانوا عيونا للمشركين و كان الضرر في خروجهم أكثر من الفائدة فَثَبَّطَهُمْ عن الخروج الذي عزموا عليه لا عن الخروج الذي أمرهم به لأن الأول كفر و الثاني طاعة وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ أي مع النساء و الصبيان و القائلون أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبي ص للجهاد أو النبي ص على وجه التهديد و الوعيد لا على وجه الإذن و يجوز أن يكون على وجه الإذن لهم في القعود الذي عاتبه الله عليه إذ كان الأولى أن لا يأذن لهم ليظهر للناس نفاقهم ثم بين سبحانه وجه الحكمة في كراهية انبعاثهم و تثبيطهم عن الخروج فقال لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أي شرا و فسادا و قيل غدرا و مكرا و قيل عجزا و جبنا أي أنهم كانوا يجبنونكم عن لقاء العدو بتهويل الأمر عليكم وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أي لأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب و الإفساد و النميمة يريد و لسعوا فيما بينكم بالتفريق بين المسلمين و قيل أي لأوضعوا إبلهم خلالكم يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ بعدو الإبل وسطكم و معنى يبغونكم يبغون لكم أو فيكم أي يطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة و الفرقة و قيل أي يبغونكم أن تكونوا مشركين و الفتنة الشرك و قيل أي يخوفونكم بالعدو و يخبرونكم أنكم منهزمون و أن عدوكم سيظهر عليكم وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي و فيكم عيون للمنافقين ينقلون إليهم ما يسمعون منكم و قيل معناه و فيكم قابلون منهم عند سماع قولهم يريد ضعفة المسلمين وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ أي بهؤلاء المنافقين الذين ظلموا أنفسهم لما أضمروا عليه من الفساد منهم عبد الله بن أبي و جد بن قيس و أوس بن قبطي ثم أقسم الله سبحانه فقال لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ الفتنة اسم يقع على كل سوء و شر و المعنى لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف كلمتكم و تشتيت أهوائكم و افتراق آرائكم من قبل غزوة تبوك أي في يوم أحد حين انصرف عبد الله بن أبي بأصحابه و خذل النبي ص فصرف الله سبحانه عن المسلمين فتنتهم و قيل أراد

  بالفتنة صرف الناس عن الإيمان و إلقاء الشبهة إلى ضعفاء المسلمين و قيل أراد بالفتنة الفتك بالنبي ص في غزوة تبوك ليلة العقبة و كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا على الثنية ليفتكوا بالنبي ص عن ابن جبير و ابن جريح وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ أي احتالوا في توهين أمرك و إيقاع الاختلاف بين المؤمنين و في قتلك بكل ما أمكنهم فيه فلم يقدروا عليه و قيل إنهم كانوا يريدون في كيده وجها من التدبير فإذا لم يتم ذلك فيه تركوه و طلبوا المكيدة في غيره فهذا تقليب الأمور حَتَّى جاءَ الْحَقُّ أي النصر و الظفر وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ أي دينه و هو الإسلام و ظفر المسلمين وَ هُمْ كارِهُونَ أي في حال كراهتهم لذلك وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي قيل إن رسول الله ص لما استنفر الناس إلى تبوك قال انفروا لعلكم تغنمون بنات الأصفر فقام جد بن قيس أخو بني سلمة من بني الخزرج فقال يا رسول الله ائذن لي و لا تفتني ببنات الأصفر فإني أخاف أن أفتن بهن فقال قد أذنت لك فنزلت

 عن ابن عباس و مجاهد فلما نزلت قال رسول الله ص لبني سلمة من سيدكم قالوا جد بن قيس غير أنه بخيل جبان فقال ص و أي داء أدوى من البخل بل سيدكم الفتى الأبيض الجعد بشر بن براء بن معرور

 وَ لا تَفْتِنِّي أي ببنات الأصفر قال الفراء سميت الروم أصفر لأن حبشيا غلب على ناحية الروم فكان له بنات قد أخذن من بياض الروم و سواد الحبشية فكن صفرا لعسا و قيل معناه لا تؤثمني بمخالفة أمرك في الخروج و ذلك غير متيسر لي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا أي في العصيان و الكفر وقعوا بمخالفتهم أمرك و قيل معناه لا تعذبني بتكليف الخروج في شدة الحر ألا قد سقطوا في حر أعظم من ذلك و هو حر جهنم وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ أي ستحيط بهم فلا مخلص لهم منها إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ أي نعمة من الله و فتح و غنيمة تَسُؤْهُمْ يحزن المنافقون بها وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ أي شدة و نكبة يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ أي أخذنا حذرنا و احترزنا بالقعود من قبل هذه المصيبة وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ بما أصاب المؤمنين قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا أي كل ما يصيبنا من خير أو شر فهو مما كتبه الله لنا في اللوح المحفوظ من أمرنا و ليس على ما تظنون من إهمالنا و قيل لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كتبه الله لنا في القرآن من النصر الذي وعدنا و إنا نظفر بالأعداء فتكون النصرة حسنى لنا أو نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا أيضا فقد كتب الله لنا ما يصيبنا و عملنا ما لنا فيه الحظ هُوَ مَوْلانا أي مالكنا و نحن عبيده أو ولينا و ناصرنا وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أمر من الله تعالى بالتوكل قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا أي هل تنتظرون لنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ أي إحدى الخصلتين الحميدتين إما الغلبة و الغنيمة في العاجل و إما الشهادة و الثواب الدائم في الآجل وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أي نتوقع لكم أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا أي يوقع الله بكم عذابا من عنده يهلككم به أو بأن ينصرنا عليكم فيقتلكم بأيدينا فَتَرَبَّصُوا أمر للتهديد إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ أي منتظرون إما الشهادة و الجنة و إما الغنيمة و الأجر لنا و إما البقاء في الذل و الخزي و إما الموت و القتل مع المصير إلى النار لكم. قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً أي طائعين أو مكرهين لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ

 أي إنما لم يتقبل منكم لأنكم كنتم متمردين عن طاعة الله وَ ما مَنَعَهُمْ أي ما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله و برسوله و ذلك مما يحبط الأعمال وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى أي متثاقلين وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ لذلك لأنهم إنما يصلون و ينفقون للرياء و التستر بالإسلام لا لابتغاء مرضاة الله فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ الخطاب للنبي ص و المراد جميع المؤمنين و قيل لا تعجبك أيها السامع أي لا تأخذ بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين و أولادهم و لا تنظر إليهم بعين الإعجاب إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فيه وجوه أحدها أن فيه تقديما و تأخيرا أي لا تسرك أموالهم و أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عن ابن عباس و قتادة. و ثانيها إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف و أمرهم بالإنفاق في الزكاة و الغزو فيؤدونها على كره منهم و مشقة إذ لا يرجون به ثوابا في الآخرة فيكون ذلك عذابا لهم. و ثالثها أن معناه إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا أي بسبي الأولاد و غنيمة الأموال عند تمكن المؤمنين من أخذها و غنمها فيتحسرون عليها و يكون ذلك جزاء على كفرهم. و رابعها أن المراد يعذبهم بجمعها و حفظها و حبها و البخل بها و الحزن عليها و كل هذا عذاب و كذلك خروجهم عنها بالموت لأنهم يفارقونها و لا يدرون إلى ما ذا يصيرون. و خامسها إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها و المصائب فيها مع حرمان المنفعة بها و اللام في قوله لِيُعَذِّبَهُمْ يحتمل أن يكون لام العاقبة و التقدير إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ أي تهلك وَ هُمْ كافِرُونَ في موضع الحال وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أي يقسم هؤلاء المنافقون أنهم من جملتكم أي مؤمنون أمثالكم وَ ما هُمْ مِنْكُمْ أي ليسوا مؤمنين بالله وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ أي يخافون القتل و الأسر إن لم يظهروا الإيمان لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أي حرزا أو حصنا أَوْ مَغاراتٍ أي غيرانا في الجبال أو سراديب أَوْ مُدَّخَلًا أي موضع دخول يأوون إليه و قيل نفقا كنفق اليربوع و قيل أسرابا في الأرض عن ابن عباس و أبي جعفر ع و قيل وجها يدخلونه على خلاف رسول الله ص لَوَلَّوْا إِلَيْهِ أي لعدلوا إليه و قيل لأعرضوا عنكم إليه وَ هُمْ يَجْمَحُونَ أي يسرعون في الذهاب إليه وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ قيل إنها نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول الله أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلفهم و يعتلون و يحلفون فنزلت. أقول سيأتي تفسير الآيات في باب جمل ما جرى بينه و بين أصحابه ص. و قال رحمه الله في قوله تعالى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ قيل نزلت في اثني عشر رجلا وقفوا على العقبة ليفتكوا برسول الله ص عند رجوعه من تبوك فأخبر جبرئيل ع رسول الله بذلك و أمره أن يرسل إليهم و يضرب وجوه رواحلهم و عمار كان يقود دابة رسول الله ص و حذيفة يسوقها فقال لحذيفة اضرب وجوه رواحلهم فضربها حتى نحاهم فلما نزل قال لحذيفة من عرفت من القوم فقال لم أعرف منهم أحدا فقال رسول الله ص إنه فلان و فلان حتى عدهم كلهم فقال حذيفة أ لا تبعث إليهم فتقتلهم فقال أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم عن ابن كيسان

 و روي عن أبي جعفر ع مثله إلا أنه قال ائتمروا بينهم ليقتلوه و قال بعضهم لبعض إن فطن نقول إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ و إن لم يفطن نقتله

و قيل إن جماعة من المنافقين قالوا في غزوة تبوك ظن هذا الرجل أن يفتح قصور الشام و حصونها هيهات هيهات فأطلع الله نبيه ص على ذلك فقال احبسوا على الركب فدعاهم فقال لهم قلتم كذا و كذا فقالوا يا نبي الله إنما كنا نخوض و نلعب و حلفوا على ذلك فنزلت الآية وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ عن الحسن و قتادة و قيل كان ذلك عند منصرفه من تبوك إلى المدينة فكان بين يديه أربعة نفر أو ثلاثة نفر يستهزءون و يضحكون واحدهم يضحك و لا يتكلم فنزل جبرئيل و أخبر رسول الله ص بذلك فدعا عمار بن ياسر و قال إن هؤلاء يستهزءون بي و بالقرآن أخبرني جبرئيل بذلك و لئن سألتهم ليقولن كنا نتحدث بحديث الركب فأتبعهم عمار و قال لهم لم تضحكون قالوا نتحدث بحديث الركب فقال عمار صدق الله و صدق رسوله احترقتم أحرقكم الله فأقبلوا إلى النبي ص يعتذرون فأنزل الله الآيات عن الكلبي و علي بن إبراهيم و أبي حمزة و قيل إن رجلا قال في غزوة تبوك ما رأيت أكذب لسانا و لا أجبن عند اللقاء من هؤلاء يعني رسول الله و أصحابه فقال له عوف بن مالك كذبت و لكنك منافق و أراد أن يخبر رسول الله ص بذلك فجاءه و قد سبقه الوحي فجاء الرجل معتذرا و قال إنما كنا نخوض و نلعب ففيه نزلت الآية عن ابن عمر و زيد بن أسلم و محمد بن كعب و قيل إن رجلا من المنافقين قال يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا و كذا أ و ما يدريه ما أمر الغيث فنزلت الآية عن مجاهد و قيل نزلت في عبد الله بن أبي و رهطه عن الضحاك أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ فيه قولان أحدهما أنه إخبار بأنهم يخافون أن يفشوا سرائرهم و قيل إن ذلك الحذر أظهروه على وجه الاستهزاء. و الثاني أن لفظه الخبر و معناه الأمر قُلِ اسْتَهْزِؤُا أمر على الوعيد إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أي مبين لنبيه ص باطن حالكم و نفاقكم وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ عن طعنهم في الدين و استهزائهم بالنبي ص و بالمسلمين لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ اللام للتأكيد و القسم أي لقالوا كنا نخوض خوض الركب في الطريق لا على طريق الجد قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ أي حججه و بيناته و كتابه وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم لا تَعْتَذِرُوا بالمعاذير الكاذبة قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ أي بعد إظهاركم الإيمان إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ إذا تابوا نُعَذِّبْ طائِفَةً لم يتوبوا بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ أي كافرين مصرين على النفاق. قوله تعالى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا أقول قد مر في باب إعجاز القرآن أنها نزلت في غزوة تبوك و قصصها قال يعني أنهم حلفوا كاذبين ما قالوا ما حكي عنهم ثم حقق عليهم و أقسم بأنهم قالوا ذلك وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ يعني ظهر كفرهم بعد أن كان باطنا وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا فيه أقوال أحدها أنهم هموا بقتل النبي ص ليلة العقبة و التنفير بناقته. و ثانيها أنهم هموا بإخراج الرسول ص من المدينة فلم يبلغوا ذلك. و ثالثها أنهم هموا بالفساد و التضريب بين أصحابه و نقم منه شيئا أي أنكر و عاب فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ أي المنافقون الذين خلفهم النبي ص و لم يخرجهم معه إلى تبوك لما استأذنوه في التأخر بِمَقْعَدِهِمْ أي بقعودهم عن الجهاد خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ أي بعده و قيل بمخالفتهم له وَ قالُوا أي للمسلمين أو بعضهم لبعض لا تَنْفِرُوا أي لا تخرجوا إلى الغزو فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ التي وجبت لهم بالتخلف عن أمر الله أَشَدُّ حَرًّا من هذا الحر لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ أو أمر الله و وعده و وعيده فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً هذا تهديد لهم في

  صورة الأمر أي فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا لأن ذلك يفنى و إن دام إلى الموت و لأن الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها و همومها و ليبكوا كثيرا في الآخرة لأن ذلك يوم مقداره خمسون ألف سنة فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ أي ردك الله عن غزوتك هذه و سفرك هذا إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ أي من المنافقين الذين تخلفوا عنك و عن الخروج معك فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك إلى غزوة أخرى فَقُلْ لهم لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً إلى غزوة وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ثم بين تعالى سبب ذلك فقال إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي عن غزوة تبوك فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ في كل غزوة. و اختلف في المراد بالخالفين فقيل معناه مع النساء و الصبيان و قيل مع الرجال الذين تخلفوا من غير عذر و قيل مع المخالفين قال الفراء يقال فلان عبد خالف و صاحب خالف إذا كان مخالفا و قيل مع الخساس و الأدنياء يقال فلان خالفة أهله إذا كان أدونهم و قيل مع أهل الفساد من قولهم خلف الرجل على أهله خلوفا فسد و قيل مع المرضى و الزمنى و كل من تأخر لنقص وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ أي من المنافقين ماتَ أَبَداً أي بعد موته وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ للدعاء فإنه ص كان إذا صلى على ميت يقف على قبره ساعة و يدعو له فما صلى بعد ذلك على منافق حتى قبض.

 و روي أنه ص صلى على عبد الله بن أبي و ألبسه قميصه قبل أن ينهى عن الصلاة على المنافقين و قيل أراد ص أن يصلي عليه فأخذ جبرئيل بثوبه و تلا عليه لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً

 و روي أنه قيل لرسول الله ص لم وجهت بقميصك إليه يكفن فيه و هو كافر فقال إن قميصي لن يغني عنه من الله شيئا و إني أؤمل من الله أن يدخل بهذا السبب في الإسلام خلق كثير

فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستشفاع بثوب رسول الله ص ذكره الزجاج و قال الأكثر في الرواية إنه لم يصل عليه وَ لا تُعْجِبْكَ إنما كرر للتذكير في موطنين مع بعد أحدهما من الآخر و يجوز أن تكون الآيتان في فريقين من المنافقين اسْتَأْذَنَكَ أي في القعود أُولُوا الطَّوْلِ أي أولو المال و القدرة مِنْهُمْ أي من المنافقين مَعَ الْقاعِدِينَ أي المتخلفين عن الجهاد من النساء و الصبيان مَعَ الْخَوالِفِ أي النساء و الصبيان و المرضى و المقعدين وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ أي المقصرون الذين يعتذرون و ليس لهم عذر و قيل هم المعتذرون الذين لهم عذر و هم نفر من بني غفار عن ابن عباس لِيُؤْذَنَ لَهُمْ في التخلف وَ قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أي و قعدت طائفة من المنافقين من غير اعتذار لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ قيل نزلت في عبد الله بن زائدة و هو ابن أم مكتوم و كان ضرير البصر جاء إلى رسول الله ص فقال يا نبي الله إني شيخ ضرير ضعيف الحال نحيف الجسم و ليس لي قائد فهل لي رخصة في التخلف عن الجهاد فسكت النبي ص فأنزل الله الآية و قيل نزلت في عائذ بن عمرو و أصحابه و الضعفاء هم الذين قوتهم ناقصة بالزمانة و العجز عن ابن عباس و قيل هم الذين لا يقدرون على الخروج وَ لا عَلَى الْمَرْضى و هم أصحاب العلل المانعة من الخروج وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ أي من ليست معه نفقة الخروج و آلة السفر حَرَجٌ أي ضيق و جناح في التخلف و ترك الخروج إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ بأن يخلصوا العمل من الغش ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ أي ليس على من يفعل الحسن الجميل في التخلف عن الجهاد أو مطلقا طريق للتقريع في الدنيا و العذاب في الآخرة وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ أي يسألونك مركبا يركبونه فيخرجون معك قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ أي مركبا و لا ما أسوي به أمركم حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا أي لحزنهم على أن لا يجدوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ من تأخرهم عنكم بالأباطيل و الكذب إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ من غزوة تبوك لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ أي لا نصدقكم على ما تقولون قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ما علمنا به كذبكم و قيل أراد به قوله لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا

 الآية وَ سَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ أي سيعلم الله فيما بعد و رسوله عملكم هل تتوبون من نفاقكم أم تتمون عليه و قيل سيعلم الله أعمالكم و عزائمكم في المستقبل و يظهر ذلك لرسوله فيعلمه الرسول بإعلامه إياه ثُمَّ تُرَدُّونَ بعد الموت إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ أي الذي يعلم ما غاب و ما حضر و لا يخفى عليه السر و العلانية فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي فيخبركم بأعمالكم كلها حسنها و قبيحها فيجازيكم عليها أجمع سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ أي سيقسم هؤلاء المنافقون المتخلفون فيما يعتذرون به إليكم إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ أنهم إنما تخلفوا بعذر لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ أي لتصفحوا عن جرمهم و لا توبخوهم فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إعراض رد و إنكار و تكذيب إِنَّهُمْ رِجْسٌ أي نجس و معناه أنهم كالشي‏ء المنتن الذي يجب الاجتناب عنه. وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر و ثعلبة بن وديعة و أوس بن حذام تخلفوا عن رسول الله عند مخرجه إلى تبوك فلما بلغهم ما أنزل فيمن تخلف عن نبيه ص أيقنوا بالهلاك فأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد فلم يزالوا كذلك حتى قدم رسول الله ص فسأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله ص محلهم فقال رسول الله ص و أنا أقسم لا أكون أول من حلهم إلا أن أؤمر فيهم بأمر فلما نزل عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ عمد رسول الله ص إليهم فحلهم فانطلقوا فجاءوا بأموالهم إلى رسول الله ص فقالوا هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فخذها و تصدق بها عنا فقال ص ما أمرت فيها بأمر فنزل خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآيات و قيل إنهم كانوا عشرة رهط منهم أبو لبابة عن ابن عباس و قيل كانوا ثمانية منهم أبو لبابة و هلال و كردم و أبو قيس عن ابن جبير و زيد بن أسلم و قيل كانوا سبعة و قيل خمسة و روي عن أبي جعفر ع أنها نزلت في أبي لبابة و لم يذكر معه غيره و سبب نزولها فيه ما جرى منه في بني قريظة حين قال إن نزلتم على حكمه فهو الذبح و به قال مجاهد و قيل نزلت فيه خاصة حين تأخر عن النبي ص في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية على ما تقدم ذكره عن الزهري قال ثم قال أبو لبابة يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب و أن أنخلع من مالي كله قال يجزيك يا أبا لبابة الثلث و في جميع الأقوال أخذ رسول الله ص ثلث أموالهم و ترك الثلثين لأن الله تعالى قال خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ و لم يقل خذ أموالهم وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ أي مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر الله فيهم قال مجاهد و قتادة نزلت الآية في هلال بن أمية الواقفي و مرارة بن الربيع و كعب بن مالك و هم من الأوس و الخزرج و كان كعب رجل صدق غير مطعون عليه و إنما تخلف توانيا عن الاستعداد حتى فاته المسير و انصرف رسول الله ص فقال و الله ما لي من عذر و لم يعتذر إليه بالكذب فقال ص صدقت قم حتى يقضي الله فيك أمره و جاء الآخران فقالا مثل ذلك و صدقا فنهى رسول الله ص عن مكالمتهم و أمر نساءهم باعتزالهم حتى ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ فأقاموا على ذلك خمسين ليلة و بنى كعب خيمة على سلع يكون فيها وحده و قال في ذلك

أبعد دور بني القين الكرام و ما شادوا علي بنيت البيت من سعف

. ثم نزلت التوبة عليهم بعد الخمسين في الليل و هي قوله وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا الآية فأصبح المسلمون يبتدرونهم و يبشرونهم قال كعب فجئت إلى رسول الله ص في المسجد و كان ص إذا سر يستبشر كأن وجهه فلقة قمر فقال لي و وجهه يبرق من السرور أبشر بخير يوم طلع عليك شرفه مذ ولدتك أمك قال كعب فقلت له أ من عند الله أم من عندك يا رسول الله فقال من عند الله و تصدق كعب بثلث ماله شكرا لله على توبته. لَقَدْ تابَ اللَّهُ نزلت في غزاة تبوك و ما لحق المسلمين فيها من العسرة حتى هم قوم بالرجوع ثم تداركهم لطف الله سبحانه قال الحسن كان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك و كان زادهم الشعير المسوس و التمر المدود و الإهالة السنخة و كان النفر منهم يخرجون ما معهم من التمرات بينهم فإذا بلغ الجوعمن أحدهم أخذ التمر فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم فلا يبقى من التمرة إلا النواة. قالوا و كان أبو خيثمة عبد الله بن خيثمة تخلف إلى أن مضى من مسير رسول الله ص عشرة أيام ثم دخل يوما على امرأتين له في يوم حار في عريشين لهما قد رشتاهما و بردتا الماء و هيأتا له الطعام فقام على العريشين و قال سبحان الله رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر في الضح و الريح و الحر و القر يحمل سلاحه على عاتقه و أبو خيثمة في ظلال باردة و طعام مهيإ و امرأتين حسناوين ما هذا بالنصف ثم قال و الله لا أكلم واحدة منكما كلمة و لا أدخل عريشا حتى ألحق بالنبي ص فأناخ ناضحه و اشتد عليه و تزود و ارتحل و امرأتاه تكلمانه و لا يكلمهما ثم سار حتى إذا دنا من تبوك قال الناس هذا راكب على الطريق فقال النبي ص كن أبا خيثمة أولى لك فلما دنا قال الناس هذا أبو خيثمة يا رسول الله ص فأناخ راحلته و سلم على رسول الله ص فقال أولى لك فحدثه الحديث فقال له خيرا و دعا له و هو الذي زاغ قلبه للمقام ثم ثبته الله عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ إنما ذكر اسم النبي ص مفتاحا للكلام و تحسينا له و لأنه سبب توبتهم و إلا فلم يكن منه ما يوجب التوبة و قد روي عن الرضا ع أنه قرأ لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين و الأنصار الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في الخروج معه إلى تبوك فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ و هي صعوبة الأمر قال جابر يعني عسرة الزاد و عسرة الظهر و عسرة الماء و المراد وقت العسرة لأن الساعة تقع على كل زمان مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عن الجهاد فهموا بالانصراف فعصمهم الله ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ بعد ذلك الزيغ وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا أي عن قبول التوبة بعد قبول توبة من قبل توبتهم من المنافقين كما قال وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ أو خلفوا عن غزاة تبوك لما تخلفوا و أما قراءة أهل البيت ع خالفوا فإنهم قالوا لو كانوا خلفوا لما توجه عليهم العتب و لكنهم خالفوا و هذه الآية نزلت في شأن كعب بن مالك و مرارة بن الربيع و هلال بن أمية و ذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله ص و لم يخرجوا معه لا عن نفاق و لكن عن توان ثم ندموا فلما قدم النبي ص المدينة جاءوا إليه و اعتذروا فلم يكلمهم

  النبي ص و تقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم فهجرهم الناس حتى الصبيان و جاءت نساؤهم إلى رسول الله ص فقلن يا رسول الله نعتزلهم فقال لا و لكن لا يقربوكن فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رءوس الجبال و كان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام و لا يكلمونهم فقال بعضهم لبعض قد هجرنا الناس و لا يكلمنا أحد فهلا نتهاجر نحن أيضا فتفرقوا و لم يجتمع منهم اثنان و بقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله و يتوبون إليه فقبل الله توبتهم و أنزل فيهم هذه الآية حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي برحبها و هذه صفة من بلغ غاية الندم حتى كأنه لا يجد لنفسه مذهبا لأنه كان نزلت توبة الناس و لم تنزل توبتهم لتشديد المحنة عليهم و استصلاحهم و استصلاح غيرهم لئلا يعودوا إلى مثله وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ عبارة عن المبالغة في الغم حتى كأنهم لم يجدوا لأنفسهم موضعا يخفونها فيه. و قيل معنى ضيق أنفسهم ضيق صدورهم بالهم الذي حصل لهم فيها وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ أي أيقنوا و علموا أن لا معتصم من الله إلا به ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أي سهل الله عليهم التوبة حتى تابوا و قيل ليعودوا إلى حالتهم الأولى قبل المعصية و قيل أنزل توبة الثلاثة ليتوب المؤمنون من ذنوبهم ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ظاهره خبر و معناه نهي أي ما كان يجوز وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ قيل إنهم مزينة و جهينة و أشجع و غفار و أسلم أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أي في غزوة تبوك وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أي يطلبوا نفع نفوسهم بتوقيتها دون نفسه و قيل و لا يرضوا لأنفسهم بالحفظ و الدعة و رسول الله في الحر و المشقة يقال رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي ترفعت عنه بل عليهم أن يجعلوا أنفسهم وقاية للنبي ص ذلِكَ أي ذلك النهي و الزجر عن التخلف بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ أي عطش وَ لا نَصَبٌ و لا تعب في أبدانهم وَ لا مَخْمَصَةٌ و هي شدة الجوع فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعته وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ أي لا يضعون أقدامهم موضعا يغيظ الكفار وطؤهم إياه أي دار الحرب وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا أي و لا يصيبون من المشركين أمرا من قتل أو جراحة أو مال أو أمر يغمهم و يغيظهم إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ و طاعة رفيعة إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أي الذين يفعلون الأفعال الحسنة وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً في الجهاد و لا في غيره من سبل الخير و المعروف وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ثواب ذلك لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي يكتب طاعاتهم ليجزيهم عليها بقدر استحقاقهم و يزيدهم من فضله حتى يصير الثواب أكثر و أحسن من عملهم و قيل إن الأحسن من صفة فعلهم لأن الأعمال على وجوه واجب و مندوب و مباح و إنما يجازى على الواجب و المندوب دون المباح فيقع الجزاء على أحسن الأعمال. بيان قال في القاموس اللعس بالتحريك سواد مستحسن في الشفة لعس كفرح و النعت العس و لعساء من لعس و السرب الحفير تحت الأرض و القين الحداد و بنو القين حي من أسد و شاد الحائط يشيده طلاه بالشيد و هو ما طلي به حائط من جص و نحوه و قوله على متعلق بقوله بنيت أو حال عن الدور و في بعض النسخ شاروا بالراء من قولهم شرت الدابة شورا عرضتها على البيع فالظرف متعلق بقوله شاروا و الشورة و الشارة الحسن و الهيئة و اللباس و الزينة و الشوار متاع البيت و الدال أنسب. و في النهاية كل شي‏ء من الأدهان مما يؤتدم به إهالة و قيل هو ما أذيب من الألية و الشحم و قيل الدسم الجامد و السنخة المتغيرة الريح و قال في حديث أبي خيثمة يكون رسول الله في الضح و الريح و أنا في الظل أي يكون بارزا لحر الشمس و هبوب الرياح و الضح ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض هكذا هو أصل الحديث و معناه و ذكره الهروي فقال أراد كثرة الخيل و الجيش يقال جاء فلان بالضح و الريح أي بما طلعت عليه الشمس و هبت عليه الريح يعنون المال الكثير و الأول أشبه بهذا الحديث.

  و قال في قوله كن أبا خيثمة أي صر يقال للرجل يرى من بعد كن فلانا أي أنت فلان أو هو فلان و قال أولى لك أي قرب منك ما تكره و هي كلمة تلهف يقولها الرجل إذا أفلت من عظيمة و قيل هي كلمة تهدد و وعيد قال الأصمعي معناه قاربه ما يهلكه

 1-  شا، ]الإرشاد[ ثم كانت غزاة تبوك فأوحى الله عز اسمه إلى نبيه ص أن يسير إليها بنفسه و يستنفر الناس للخروج معه و أعلمه أنه لا يحتاج فيها إلى حرب و لا يمنى بقتال عدو و أن الأمور تنقاد له بغير سيف و تعيده بامتحان أصحابه بالخروج معه و اختبارهم ليتميزوا بذلك و تظهر به سرائرهم فاستنفرهم النبي ص إلى بلاد الروم و قد أينعت ثمارهم و اشتد القيظ عليهم فأبطأ أكثرهم عن طاعته رغبة في العاجل و حرصا على المعيشة و إصلاحها و خوفا من شدة القيظ و بعد المسافة و لقاء العدو ثم نهض بعضهم على استثقال للنهوض و تخلف آخرون و لما أراد النبي ص الخروج استخلف أمير المؤمنين في أهله و ولده و أزواجه و مهاجره و قال يا علي إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك و ذلك أنه ص علم خبث نيات الأعراب و كثير من أهل مكة و من حولها ممن غزاهم و سفك دماءهم فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها و حصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم و إيقاع الفساد في دار هجرته و التخطي إلى ما يشين أهله و مخلفيه و علم ص أنه لا يقوم مقامه في إرهاب العدو و حراسة دار الهجرة و حياطة من فيها إلا أمير المؤمنين ع فاستخلفه استخلافا ظاهرا و نص عليه بالإمامة من بعده نصا جليا و ذلك فيما تظاهرت به الرواية أن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله ص عليا على المدينة حسدوه لذلك و عظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه و علموا أنها تتحرس به و لا يكون فيها للعدو مطمع فساءهم ذلك و كانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد و الاختلاط عند نأي رسول الله ص عن المدينة و خلوها من مرهوب مخوف يحرسها و غبطوه ع على الرفاهية و الدعة بمقامه في أهله و تكلف من خرج منهم المشاق بالسفر و الخطر فأرجفوا به ع و قالوا لم يستخلفه رسول الله ص إكراما له و إجلالا و مودة و إنما خلفه استثقالا له فبهتوا بهذا الإرجاف كبهت قريش للنبي ص بالجنة تارة و بالشعر أخرى و بالسحر مرة و بالكهانة أخرى و هم يعلمون ضد ذلك و نقيضه كما علم المنافقون ضد ما أرجفوا به على أمير المؤمنين ع و خلافه و أن النبي ص كان أخص الناس بأمير المؤمنين ع و كان هو أحب الناس إليه و أسعدهم عنده و أفضلهم لديه

فلما بلغ أمير المؤمنين ع إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم و إظهار فضيحتهم فلحق بالنبي ص فقال يا رسول الله إن المنافقين يزعمون أنك خلفتني استثقالا و مقتا فقال له النبي ص ارجع يا أخي إلى مكانك فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي و دار هجرتي و قومي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي

فتضمن هذا القول من رسول الله ص نصه عليه بالإمامة و إبانته من الكافة بالخلافة و دل به على فضل لم يشركه فيه أحد سواه و أوجب له به جميع منازل هارون من موسى إلا ما خصه العرف من الأخوة و استثناه هو من النبوة أ لا ترى أنه ص جعل له كافة منازل هارون من موسى إلا المستثنى منها لفظا و عقلا و قد علم من تأمل معاني القرآن و تصفح الروايات و الأخبار أن هارون كان أخا موسى ع لأبيه و أمه و شريكه في أمره و وزيره على نبوته و تبليغه رسالات ربه و إن الله سبحانه شد به أزره و أنه كان خليفته على قومه و كان له من الإمامة عليهم و فرض الطاعة كإمامته و فرض طاعته و أنه كان أحب قومه إليه و أفضلهم لديه قال الله عز و جل حاكيا عن موسى ع رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي الآية فأجاب الله تعالى مسألته و أعطاه أمنيته حيث يقول قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى و قال تعالى حاكيا عن موسى وَ قالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فلما جعل رسول الله ص عليا ع منه بمنزلة هارون من موسى أوجب له بذلك جميع ما عددناه إلا ما خصه العرف من الأخوة و استثناه من النبوة لفظا و هذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من المخلوقين أمير المؤمنين و لا ساواه في معناها و لا قاربه فيها على حال و لو علم الله عز و جل أن لنبيه ص في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب و الأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين ع عنه حسب ما قدمناه بل علم أن المصلحة في استخلافه و أن إقامته في دار هجرته مقامه أفضل الأعمال فدبر الخلق و الدين بما قضاه في ذلك و أمضاه على ما بيناه و شرحنا. أقول سيأتي تمام القول في هذا الخبر و كونه نصا على إمامته ع في أبواب النصوص عليه صلوات الله عليه

2-  فس، ]تفسير القمي[ انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا قال شبابا و شيوخا يعني إلى غزوة تبوك و في رواية أبي الجارود في قوله لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً يقول غنيمة قريبة لَاتَّبَعُوكَ قوله وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ يعني إلى تبوك و ذلك أن رسول الله لم يسافر سفرا أبعد منه و لا أشد منه و كان سبب ذلك أن الصيافة كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرنوك و الطعام و هم الأنباط فأشاعوا بالمدينة أن الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله ص في عسكر عظيم و أن هرقل قد سار في جنوده و جلب معهم غسان و جذام و فهرا و عامله و قد قدم عساكره البلقاء و نزل هو حمص فأمر رسول الله أصحابه التهيؤ إلى تبوك و هي من بلاد البلقاء و بعث إلى القبائل حوله و إلى مكة و إلى من أسلم من خزاعة و مزينة و جهينة فحثهم على الجهاد و أمر رسول الله ص بعسكره فضرب في ثنية الوداع و أمر أهل الجدة أن يعينوا من لا قوة به و من كان عنده شي‏ء أخرجوا و حملوا و قووا و حثوا على ذلك

و خطب رسول الله ص فقال بعد أن حمد الله و أثنى عليه أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب الله و أولى القول كلمة التقوى و خير الملل ملة إبراهيم و خير السنة سنن محمد و أشرف الحديث ذكر الله و أحسن القصص هذا القرآن و خير الأمور عزائمها و شر الأمور محدثاتها و أحسن الهدي هدي الأنبياء و أشرف القتل قتل الشهداء و أعمى العمى الضلالة بعد الهدى و خير الأعمال ما نفع و خير الهدى ما اتبع و شر العمى عمى القلب و اليد العليا خير من اليد السفلى و ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى و شر المعذرة حين يحضر الموت و شر الندامة يوم القيامة و من الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا و منهم من لا يذكر الله إلا هجرا و من أعظم الخطايا اللسان الكذب و خير الغنى غنى النفس و خير الزاد التقوى و رأس الحكمة مخافة الله و خير ما ألقي في القلب اليقين و الارتياب من الكفر و التباعد من عمل الجاهلية و الغلول من جمر جهنم و السكر جمر النار و الشعر من إبليس و الخمر جماع الإثم و النساء حبائل إبليس و الشباب شعبة من الجنون و شر المكاسب كسب الربا و شر المآكل أكل مال اليتيم و السعيد من وعظ بغيره و الشقي من شقي في بطن أمه و إنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع و الأمر إلى آخره و ملاك العمل خواتيمه و أربى الربا الكذب و كل ما هو آت قريب و شنآن المؤمن فسق و قتال المؤمن كفر و أكل لحمه من معصية الله و حرمة ماله كحرمة دمه و من توكل على الله كفاه و من صبر ظفر و من يعف يعف الله عنه و من كظم الغيظ يأجره الله و من يصبر على الرزية يعوضه الله و من يتبع السمعة يسمع الله به و من يصم يضاعف الله له و من يعص الله يعذبه اللهم اغفر لي و لأمتي اللهم اغفر لي و لأمتي أستغفر الله لي و لكم

 قال فرغب الناس في الجهاد لما سمعوا هذا من رسول الله ص و قدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم و قعد عنه قوم من المنافقين و غيرهم و لقي رسول الله الجد بن قيس فقال له يا با وهب أ لا تنفر معنا في هذه القرى لعلك أن تحتفد بنات الأصفر فقال يا رسول الله و الله إن قومي ليعلمون أنه ليس فيهم أحد أشد عجبا بالنساء مني و أخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر فلا تفتني و ائذن لي أن أقيم و قال لجماعة من قومه لا تخرجوا في الحر فقال ابنه ترد على رسول الله ص و تقول له ما تقول ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر و الله لينزلن الله في هذا قرآنا يقرؤه الناس إلى يوم القيامة فأنزل الله على رسوله في ذلك وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ثم قال الجد بن قيس أ يطمع محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء أحد أبدا

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ أما الحسنة فالغنيمة و العافية و أما المصيبة فالبلاء و الشدة يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ إلى قوله وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ و قوله قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ يقول الغنيمة و الجنة إلى قوله إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ

و نزل أيضا في الجد بن قيس في رواية علي بن إبراهيم لما قال لقومه لا تخرجوا في الحر فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ إلى قوله وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ ففضح الله الجد بن قيس و أصحابه فلما اجتمع لرسول الله ص الخيول رحل من ثنية الوداع و خلف أمير المؤمنين ع على المدينة فأرجف المنافقون بعلي ع فقالوا ما خلفه إلا تشؤما به فبلغ ذلك عليا ع فأخذ سيفه و سلاحه و لحق برسول الله ص بالجرف فقال له رسول الله ص يا علي أ لم أخلفك على المدينة قال نعم و لكن المنافقون زعموا أنك خلفتني تشؤما بي فقال كذب المنافقون يا علي أ ما ترضى أن تكون أخي و أنا أخوك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و أنت خليفتي في أمتي و أنت وزيري و أخي في الدنيا و الآخرة فرجع علي ع إلى المدينة و جاء البكاءون إلى رسول الله و هم سبعة من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير فقد شهد بدرا لا اختلاف فيه و من بني واقف هرمي بن عمير و من بني حارثة علية بن زيد و هو الذي تصدق بعرضه و ذلك أن رسول الله ص أمر بصدقة فجعل الناس يأتون بها فجاء عليه فقال يا رسول الله و الله ما عندي ما أتصدق به و قد جعلت عرضي حلا فقال له رسول الله ص قد قبل الله صدقتك و من بني مازن بن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب و من بني سلمة عمر بن غنمة و من بني زريق سلمة بن صخر و من بني الغر ناصر بن سارية السلمي هؤلاء جاءوا إلى رسول الله ص يبكون فقالوا يا رسول الله ليس بنا قوة أن نخرج معك فأنزل الله فيهم لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إلى قوله أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ قال و إنما سألوا هؤلاء البكاءون نعلا يلبسونها ثم قال إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ و المستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتى و الخوالف النساء

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ يقول تعرف أهل العذر و الذين جلسوا بغير عذر

قوله لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إلى قوله لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أي وبالا وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أي يهربوا عنكم و تخلف عن رسول الله قوم أهل نيات و بصائر لم يكن يلحقهم شك و لا ارتياب و لكنهم قالوا نلحق برسول الله منهم أبو خيثمة و كان له زوجتان و عريشتان فكانتا زوجتاه قد رشتا عريشتيه و بردتا له الماء و هيأتا له طعاما فأشرف على عريشتيه فلما نظر إليهما قال لا و الله ما هذا بإنصاف رسول الله ص قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر قد خرج في الضح و الريح و قد حمل السلاح يجاهد في سبيل الله و أبو خيثمة قوي قاعد في عريشته و امرأتين حسناوين لا و الله ما هذا بإنصاف ثم أخذ ناقته فشد عليها رحله فلحق برسول الله ص فنظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا رسول الله بذلك فقال رسول الله ص كن أبا خيثمة أقبل فأخبر النبي ص بما كان فجزاه خيرا و دعا له و كان أبو ذر رحمه الله تخلف عن رسول الله ص ثلاثة أيام و ذلك أن جمله كان أعجف فلحق بعد ثلاثة أيام و وقف عليه جملة في بعض الطريق فتركه و حمل ثيابه على ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل فقال رسول الله كن أبا ذر فقالوا هو أبو ذر فقال رسول الله ص أدركوه بالماء فإنه عطشان فأدركوه بالماء و وافى أبو ذر رسول الله ص و معه إداوة فيها ماء فقال رسول الله ص يا با ذر معك ماء و عطشت فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت و أمي انتهيت إلى صخرة عليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد فقلت لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله ص فقال رسول الله ص يا با ذر رحمك الله تعيش وحدك و تموت وحدك و تبعث وحدك و تدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك و تجهيزك و الصلاة عليك و دفنك

بيان أقول سيأتي تمام الكلام في أحوال أبي ذر رضي الله عنه و قال الجوهري عاملت الرجل مصايفة أي أيام الصيف و صائفة القوم ميرتهم في الصيف و الصائفة غزوة الروم لأنهم يغزون صيفا لمكان البرد و الثلج و قال الدرنوك ضرب من البسط ذو خمل و تشبه به فروة البعير و قال النبط و النبيط قوم ينزلون البطائح بين العراقين و الجمع أنباط و تبوك أرض بين الشام و المدينة و بلقاء بلد بالشام. قوله ص و أولو القربى لعل هذه الفقرة زيدت هنا من النساخ و على تقديرها فيه تقدير مضاف أي قول أولي القربى أو مودتهم. و قال في النهاية فيه خير الأمور عوازمها أي فرائضها التي عزم الله تعالى عليك بفعلها و المعنى ذوات عزمها التي فيها عزم و قيل هي ما وكدت رأيك و عزمك عليه و وفيت بعهد الله فيه و العزم الجد و الصبر و قال فيه إياكم و محدثات الأمور جمع محدثة بالفتح و هي ما لم يكن معروفا في كتاب و لا سنة و لا إجماع و قال اليد العليا المعطية و قيل المتعففة و السفلى السائلة و قيل المانعة. و قال الفيروزآبادي النزر القليل و الإلحاح في السؤال و الاحتثاث و الاستعجال و ما جئت إلا نزرا أي بطيئا و فلان لا يعطي حتى ينزر أي حتى يلح عليه و يهان و قال في النهاية في الحديث و من الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرا يريد هجران القلب و ترك الإخلاص في الذكر فكأن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له و منه الحديث و لا يسمعون القرآن إلا هجرا يريد الترك و الإعراض عنه. قوله ص و التباعد أي من الحق أو المؤمنين و الجمرة النار المتقدة و الجمع جمر و السكر محركة الخمر و كل ما يسكر. و في النهاية الخمر جماع الإثم أي مجمعه و مظنته قوله ص و الأمر إلى آخره أي الأمر إنما ينفع إذا انتهى إلى آخره أو الأمر ينسب في الخير و الشر و السعادة و الشقاوة إلى آخره و على التقديرين الفقرة الثانية كالتفسير لها و في النهاية الملاك بالكسر و الفتح قوام الشي‏ء و نظامه و ما يعتمد عليه. قوله ص أربى الربا الكذب الربا الزيادة و النمو أي لا يزيد و لا ينمو عقاب معصية كما ينمو عقاب الكذب أو المراد أن عقابه أكثر من الربا فالمناسبة من جهة أن الربا زيادة في المال بغير حق و الكذب زيادة في القول بغير حق و في روايات العامة شر الروايا روايا الكذب قوله و أكل لحمه أي بالغيبة. قوله ص و من يتبع السمعة أي يعمل العمل ليسمعه الناس أو يذكر عمله للناس و يحب ذلك يسمع الله به على بناء التفعيل أي يشهره الله تعالى بمساوي عمله و سوء سريرته قوله تحتفد أي تجعلهن حفدة لك أي أعوانا و خدما و في بعض النسخ تستحفد و لعله أصوب. و قال في القاموس بنو الأصفر ملوك الروم أولاد الأصفر بن روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم أو لأن جنسا من الحبش غلب عليهم فوطئ نساءهم فولد لهم أولاد صفر و قال الجوهري الضح الشمس.

 أقول قال الطبرسي رحمه الله البكاءون كانوا سبعة نفر منهم عبد الرحمن بن كعب و علية بن زيد و عمرو بن غنيمة و هؤلاء من بني النجار و سالم بن عمير و هرم بن عبد الله و عبد الله بن عمرو من بني عمرو بن عوف و عبد الله بن معقل من بني مزينة جاءوا إلى رسول الله ص فقالوا يا رسول الله احملنا فإنه ليس لنا ما نخرج عليه فقال لا أجد ما أحملكم عليه عن أبي حمزة الثمالي و قيل نزلت في سبعة نفر من قبائل شتى أتوا النبي ص فقالوا احملنا على الخفاف و البغال و قيل كانوا جماعة من مزينة و قيل كانوا سبعة من فقراء الأنصار فلما بكوا حمل عثمان منهم رجلين و العباس بن عبد المطلب رجلين و ياسر بن كعب النضيري ثلاثة عن الواقدي قال و كان الناس بتبوك مع رسول الله ص ثلاثين ألفا منهم عشرة آلاف فارس.

3-  فس، ]تفسير القمي[ كان مع رسول الله ص بتبوك رجل يقال له المضرب من كثرة ضرباته التي أصابته ببدر و أحد فقال له رسول الله ص عد لي أهل العسكر فعددهم فقال هم خمسة و عشرون ألف رجل سوى العبيد و التباع فقال عد المؤمنين فعددهم فقال هم خمسة و عشرون رجلا و قد كان تخلف عن رسول الله ص قوم من المنافقين و قوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشاعر و مرارة بن الربيع و هلال بن أمية الرافقي فلما تاب الله عليهم قال كعب ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله ص إلى تبوك و ما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم فكنت أقول أخرج غدا أخرج بعد غد فإني مقوي و توانيت و بقيت بعد خروج النبي ص أياما أدخل السوق و لا أقضي حاجة فلقيت هلال بن أمية و مرارة بن الربيع و قد كانا تخلفا أيضا فتوافقنا أن نبكر إلى السوق فلم تقض لنا حاجة فما زلنا نقول نخرج غدا و بعد غد حتى بلغنا إقبال رسول الله ص فندمنا فلما وافى رسول الله ص استقبلناه نهنيه بالسلامة فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام و أعرض عنا و سلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا و كنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد و لا يكلمنا فجئن نساؤنا إلى رسول الله ص فقلن قد بلغنا سخطك على أزواجنا أ فنعتزلهم فقال رسول الله ص لا تعتزلنهم و لكن لا يقربونكن فلما رأى كعب بن مالك و صاحباه ما قد حل بهم قال ما يقعدنا بالمدينة و لا يكلمنا رسول الله ص و لا إخواننا و لا أهلونا فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون و كان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم فبقوا على هذا أياما كثيرة يبكون الليل و النهار و يدعون الله أن يغفر لهم فلما

 طال عليهم الأمر قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا و رسوله قد سخط علينا و إخواننا سخطوا علينا و أهلونا سخطوا علينا فلا يكلمنا أحد فلم لا يسخط بعضنا على بعض فتفرقوا في الليل و حلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه و لا يكلمه فلما كان في الليلة الثالثة و رسول الله ص في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله قوله لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين و الأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة قال الصادق ع هكذا نزلت و هو أبو ذر و أبو خيثمة و عمرو بن وهب الذين تخلفوا ثم لحقوا برسول الله ص ثم قال في هؤلاء الثلاثة وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فقال العالم إنما نزل و على الثلاثة الذين خالفوا و لو خلفوا لم يكن عليهم عتب حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ حيث لم يكلمهم رسول الله ص و لا إخوانهم و لا أهلوهم فضاقت المدينة عليهم حتى خرجوا منها وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ حيث حلفوا أن لا يكلم بعضهم بعضا فتفرقوا و تاب الله عليهم لما عرف من صدق نياتهم.

4-  فس، ]تفسير القمي[ قوله في المنافقين قُلْ لهم يا محمد أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً إلى قوله وَ هُمْ كافِرُونَ و كانوا يحلفون لرسول الله ص أنهم مؤمنون فأنزل الله وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ يعني غارات في الجبال أَوْ مُدَّخَلًا قال موضعا يلتجئون إليه لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ أي يعرضون عنكم قوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ فإنها نزلت في المنافقين الذين كانوا يحلفون للمؤمنين أنهم منهم لكي يرضى عنهم المؤمنون فقال الله وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ و قوله يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ قال كان قوم من المنافقين لما خرج رسول الله ص إلى تبوك كانوا يتحدثون فيما بينهم و يقولون أ يرى محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع منهم أحد أبدا فقال بعضهم ما أخلقه أن يخبر الله محمدا بما كنا فيه و بما في قلوبنا و ينزل عليه بهذا قرآنا يقرؤه الناس و قالوا هذا على حد الاستهزاء فقال رسول الله ص لعمار بن ياسر الحق القوم فإنهم قد احترقوا فلحقهم عمار فقال ما قلتم قالوا ما قلنا شيئا إنما كنا نقول شيئا على حد اللعب و المزاح فأنزل الله وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ قال هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا و شكوا و نافقوا بعد إيمانهم و كانوا أربعة نفر و قوله إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ كان أحد الأربعة مختبر بن الحمير فاعترف و تاب و قال يا رسول الله أهلكني اسمي فسماه رسول الله عبد الله بن عبد الرحمن فقال يا رب اجعلني شهيدا حيث لا يعلم أحد أين أنا فقتل يوم اليمامة و لم يعلم أحد أين قتل فهو الذي عفا الله عنه قال و لما قدم النبي ص من تبوك كان أصحابه المؤمنون يتعرضون للمنافقين و يؤذونهم فكانوا يحلفون لهم أنهم على الحق و ليسوا بمنافقين لكي يعرضوا عنهم و يرضوا عنهم فأنزل الله سبحانه سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ الآية قوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ أي عطش وَ لا نَصَبٌ أي عناء وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي جوع وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ يعني يدخلون بلاد الكفار وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا يعني قتلا و أسرا

أقول سيأتي أن رسول الله ص لعن أبا سفيان في سبعة مواطن أحدها يوم حملوا على رسول الله ص في العقبة و هم اثنا عشر رجلا من بني أمية و خمسة من سائر الناس فلعن رسول الله ص من على العقبة غير النبي ص و ناقته و سائقه و قائده

5-  ل، ]الخصال[ العجلي عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبيه عن زياد بن المنذر قال حدثني جماعة من المشيخة عن حذيفة بن اليمان أنه قال الذين نفروا برسول الله ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر أبو الشرور و أبو الدواهي و أبو المعازف و أبوه و طلحة و سعد بن أبي وقاص و أبو عبيدة و أبو الأعور و المغيرة و سالم مولى أبي حذيفة و خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و أبو موسى الأشعري و عبد الرحمن بن عوف و هم الذين أنزل الله عز و جل فيهم وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا

 بيان أبو الشرور و أبو الدواهي و أبو المعازف أبو بكر و عمر و عثمان فيكون المراد بالأب الوالد المجازي أو لأنه كان ولد زنا أو المراد بأبي المعازف معاوية و أبوه أبو سفيان و لعله أظهر و يؤيده الخبر السابق

6-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع قال لقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله ص على العقبة و رام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب ع فما قدروا على مغالبة ربهم حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله ص في علي ع لما فخم من أمره و عظم من شأنه من ذلك أنه لما خرج من المدينة و قد كان خلفه عليها و قال له إن جبرئيل أتاني و قال لي يا محمد إن العلي الأعلى يقرئك السلام و يقول لك يا محمد إما أنت تخرج و يقيم علي أو تقيم أنت و يخرج علي لا بد من ذلك فإن عليا قد ندبته لإحدى اثنتين لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما و عظيم ثوابه غيري فلما خلفه أكثر المنافقون الأقوال فيه قالوا مله و سئمه و كره صحبته فتبعه علي ع حتى لحقه و قد وجد بما قالوا فيه فقال رسول الله ص ما أشخصك عن مركزك قال بلغني عن الناس كذا و كذا فقال له أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فانصرف علي إلى موضعه فدبروا عليه أن يقتلوه و تقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة بقدر خمسين ذراعا ثم غطوها بحصر دقاق و نثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا وجوه الحصر و كان ذلك على طريق علي الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو و دابته في الحفيرة التي قد عمقوها و كان ما حوالي المحفور أرضا ذات حجارة دبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه فلما بلغ علي ع قرب المكان لوى فرسه عنقه و أطاله الله فبلغت جحفلته أذنه و قال يا أمير المؤمنين قد حفر هاهنا و دبر عليك الحتف و أنت أعلم لا تمر فيه فقال له علي ع جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر تدبيري فإن الله عز و جل لا يخليك من صنعه الجميل و سار حتى شارف المكان فتوقف الفرس خوفا من المرور على المكان فقال علي ع سر بإذن الله سالما سويا عجيبا شأنك بديعا أمرك فتبادرت الدابة فإذا ربك عز و جل قد متن الأرض و صلبها و لأم حفرها و جعلها كسائر الأرض فلما جاوزها علي ع لوى الفرس عنقه و وضع جحفلته على أذنه ثم قال ما أكرمك على رب العالمين أجازك على هذا المكان الخاوي فقال أمير المؤمنين ع جازاك الله بهذه السلامة عن تلك النصيحة التي نصحتني ثم قلب وجه الدابة إلى ما يلي كفلها و القوم معه بعضهم كان أمامه و بعضهم خلفه و قال اكشفوا عن هذا المكان فكشفوا عنه فإذا هو خاو و لا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفرة فأظهر القوم الفزع و التعجب مما رأوا فقال علي ع للقوم أ تدرون من عمل هذا قالوا لا ندري قال علي ع لكن فرسي هذا يدري يا أيها الفرس كيف هذا و من دبر هذا فقال الفرس يا أمير المؤمنين إذا كان الله عز و جل يبرم ما يروم جهال الخلق نقضه أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق إبرامه فالله هو الغالب و الخلق هم المغلوبون فعل هذا يا أمير المؤمنين فلان و فلان و فلان إلى أن ذكر العشرة بمواطاة عن أربعة و عشرين هم مع رسول الله ص في طريقه ثم دبروا هم على أن يقتلوا رسول الله ص على العقبة و الله عز و جل من وراء حياطة رسول الله ص و ولي الله لا يغلبه الكافرون فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين ع عليه بأن يكاتب رسول

 الله ص في ذلك و يبعث رسولا مسرعا فقال أمير المؤمنين ع إن رسول الله إلى محمد أسرع و كتابه إليه أسبق فلا يهمنكم فلما قرب رسول الله ص من العقبة التي بإزائها فضائح المنافقين و الكافرين نزل دون العقبة ثم جمعهم فقال لهم هذا جبرئيل الروح الأمين يخبرني أن عليا دبر عليه كذا و كذا فدفع الله عز و جل عنه من ألطافه و عجائب معجزاته بكذا و كذا أنه صلب الأرض تحت حافر دابته و أرجل أصحابه ثم انقلب على ذلك الموضع علي ع و كشف عنه فرئيت الحفيرة ثم إن الله عز و جل لائمها كما كانت لكرامته عليه و إنه قيل له كاتب بهذا و أرسل إلى رسول الله ص فقال رسول الله إلى رسول الله أسرع و كتابه إليه أسبق و لم يخبرهم رسول الله ص بما قال علي ع على باب المدينة أن مع رسول الله ص منافقين سيكيدونه و يدفع الله تعالى عنه فلما سمع الأربعة و العشرون أصحاب العقبة ما قاله ص في أمر علي ع قال بعضهم لبعض ما أمهر محمدا بالمخرقة إن فيجا مسرعا أتاه أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه أن عليا قتل بحيلة كذا فهو الذي واطأنا عليه أصحابنا فهو الآن لما بلغه كتم الخبر و قلبه إلى ضده يريد أن يسكن من معه لئلا يمدوا أيديهم عليه و هيهات و الله ما لبث عليا بالمدينة إلا حينه و لا أخرج محمدا إلى هاهنا إلا حينه و قد هلك علي ع و هو هاهنا هالك لا محالة و لكن تعالوا حتى نذهب إليه و نظهر له السرور بأمر علي ليكون أسكن لقلبه إلينا إلى أن نمضي فيه تدبيرنا فحضروه و هنئوه على سلامة علي من الورطة التي رامها أعداؤه ثم قالوا له أخبرنا عن علي أ هو أفضل أم ملائكة الله المقربون فقال رسول الله ص و هل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد و علي و قبولها لولايتهما إنه لا أحد من محبي علي ع نظف قلبه من قذر الغش و الدغل و الغل و نجاسة الذنوب إلا كان أطهر و أفضل من الملائكة و هل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم أنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوهم عنها إلا و هم يعنون أنفسهم أفضل منهم في الدين فضلا و أعلم بالله و بدينه علما فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطئوا في ظنونهم و اعتقاداتهم فخلق آدم و علمه الأسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها فأمر آدم أن ينبئهم بها و عرفهم فضله في العلم عليهم ثم أخرج من صلب آدم ذرية منهم الأنبياء و الرسل و الخيار من عباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد ص و من الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد و خيار أمة محمد و عرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال و قاسوا ما هم فيه بعرض من أعوان الشياطين و مجاهدة النفوس و احتمال أذى ثقل العيال و الاجتهاد في طلب الحلال و معاناة مخاطرة الخوف من الأعداء من لصوص مخوفين و من سلاطين جورة قاهرين و صعوبة في المسالك في المضايق و المخاوف و الأجزاع و الجبال و التلال

 لتحصيل أقوات الأنفس و العيال من الطيب الحلال عرفهم الله عز و جل أن خيار المؤمنين سيحتملون هذه البلايا و يتخلصون منها و يحاربون الشياطين و يهزمونهم و يجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها و يغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوة الفحولة و حب اللباس و الطعام و العز و الرئاسة و الفخر و الخيلاء و مقاساة العناء و البلاء من إبليس لعنه الله و عفاريته و خواطرهم و إغوائهم و استهوائهم و دفع ما يكابدونه من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله و سماع الملاهي و الشتم لأولياء الله و مع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم و الهرب من أعداء دينهم و الطلب لما يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم قال الله عز و جل يا ملائكتي و أنتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة تزعجكم و لا شهوة الطعام تحفزكم و لا خوف من أعداء دينكم و دنياكم ينخب في قلوبكم و لا لإبليس في ملكوت سماواتي و أرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم يا ملائكتي فمن أطاعني منهم و سلم دينه من هذه الآفات و النكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا و اكتسب من القربات إلى ما لم تكتسبوا فلما عرف الله ملائكته فضل خيار أمة محمد ص و شيعة علي و خلفائه ع و احتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا تحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم ثم قال فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين و لم يكن سجودهم لآدم إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز و جل و كان بذلك معظما له مبجلا و لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله يخضع له خضوعه لله و يعظم به السجود كتعظيمه لله و لو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا و سائر المكلفين أن يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله ص و محض وداد خير خلق الله علي بعد محمد رسول الله ص و احتمل المكاره و البلايا في التصريح بإظهار حقوق الله و لم ينكر علي حقا أرقبه عليه قد كان جهله أو أغفله ثم قال رسول الله ص عصى الله إبليس فهلك لما كانت معصيته بالكبر على آدم و عصى الله آدم بأكل الشجرة فسلم و لم يهلك لما لم يقارن بمعصيته التكبر على محمد و آله الطيبين و ذلك أن الله تعالى قال له يا آدم عصاني فيك إبليس و تكبر عليك فهلك و لو تواضع لك بأمري و عظم عز جلالي لأفلح كل الفلاح كما أفلحت و أنت عصيتني بأكل الشجرة و بالتواضع لمحمد و آل محمد تفلح كل الفلاح و تزول عنك وصمة الزلة فادعني بمحمد و آله الطيبين ع لذلك فدعا بهم فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا أهل البيت ثم إن رسول الله ص أمر بالرحيل في أول نصف الليل الأخير و أمر مناديه فنادى ألا لا يسبقن رسول الله ص أحد إلى العقبة و لا يطؤها حتى يجاوزها رسول الله ص ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة فينظر من يمر به و يخبر رسول الله ص و كان رسول الله ص أمره أن يتشبه بحجر فقال حذيفة يا رسول الله ص إني أتبين الشر في وجوه رؤساء عسكرك و إني أخاف إن قعدت في أصل الجبل و جاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بي فيكشف عني فيعرفني و موضعي

 من نصيحتك فيتهمني و يخافني فيقتلني فقال رسول الله ص إنك إذا بلغت أصل العقبة فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة و قل لها إن رسول الله ص يأمرك أن تنفرجي لي حتى أدخل جوفك ثم يأمرك أن ينثقب فيك ثقبة أبصر منها المارين و يدخل علي منها الروح لئلا أكون من الهالكين فإنها تصير إلى ما تقول لها بإذن الله رب العالمين فأدى حذيفة الرسالة و دخل جوف الصخرة و جاء الأربعة و العشرون على جمالهم و بين أيديهم رجالتهم يقول بعضهم لبعض من رأيتموه هاهنا كائنا من كان فاقتلوه لئلا يخبروا محمدا أنهم قد رأونا هنا فينكص محمد و لا يصعد هذه العقبة إلا نهارا فيبطل تدبيرنا عليه فسمعها حذيفة و استقصوا فلم يجدوا أحدا و كان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم فتفرقوا فبعضهم صعد على الجبل و عدل عن الطريق المسلوك و بعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين و شمال و هم يقولون أ لا ترون حين محمد كيف أغراه بأن يمنع الناس من صعود العقبة حتى يقطعها هو لنخلو به هاهنا فيمضي فيه تدبيرنا و أصحابه عنه بمعزل و كل ذلك يوصله الله من قريب أو بعيد إلى أذن حذيفة و يعيه حذيفة فلما تمكن القوم على الجبل حيث أرادوا كلمت الصخرة حذيفة و قالت انطلق الآن إلى رسول الله فأخبره بما رأيت و ما سمعت قال حذيفة كيف أخرج عنك و إن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم قالت الصخرة إن الذي مكنك في جوفي و أوصل إليك الروح من الثقبة التي أحدثها في هو الذي يوصلك إلى نبي الله و ينقذك من أعداء الله فنهض حذيفة ليخرج و انفرجت الصخرة فحوله الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى انقض بين يدي رسول الله ص ثم أعيد إلى صورته فأخبر رسول الله ص بما رأى و سمع فقال رسول الله ص أ و عرفتهم بوجوههم قال يا رسول الله كانوا متلثمين و كنت أعرف أكثرهم بجمالهم فلما فتشوا الموضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم فعرفتهم بأعيانهم و أسمائهم فلان و فلان حتى عد أربعة و عشرين فقال رسول الله ص يا حذيفة إذا كان الله يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء و لا الخلق أجمعون أن يزيلوه إن الله تعالى بالغ في محمد أمره وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ثم قال يا حذيفة فانهض بنا أنت و سلمان و عمار و توكلوا على الله فإذا جزنا الثنية الصعبة فأذنوا للناس أن يتبعونا فصعد رسول الله ص و هو على ناقته و حذيفة و سلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها و الآخر خلفها يسوقها و عمار إلى جانبها و القوم على جمالهم و رجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات و قد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله ص لتقع في المهوى الذي يهول الناظر النظر إليه من بعده فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله ص أذن الله تعالى لها فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله ص ثم سقطت في جانب المهوى و لم يبق منها شي‏ء إلا صار كذلك و ناقة رسول الله ص كأنها لا تحس بشي‏ء من تلك القعقعات التي كانت للدباب ثم قال رسول الله ص لعمار اصعد الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه رواحلهم فارم بها ففعل ذلك عمار فنفرت بهم و سقط بعضهم فانكسر عضده و منهم من انكسرت رجله و منهم من انكسر جنبه و اشتدت لذلك أوجاعهم فلما جبرت و اندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا و لذلك قال رسول الله ص في حذيفة و أمير المؤمنين ع إنهما أعلم الناس بالمنافقين لقعوده في أصل الجبل و مشاهدته من مر سابقا لرسول الله ص و كفى الله رسوله أمر من قصد له و عاد رسول الله ص إلى المدينة فكسى الله الذل و العار من كان قعد عنه و ألبس الخزي من كان دبر على علي ع ما دفع الله عنه

 بيان كبست البئر طممتها و الجحفلة للحافر كالشفة للإنسان و المخرقة الكذب و الحين بالفتح الهلاك و حفزه دفعه من خلفه و النخب النزع و في بعض النسخ بالحاء المهملة و هو السير السريع

7-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن الناس في غزاة تبوك لما ساروا يومهم نالهم عطش كادت تنقطع أعناق الرجال و الخيل و الركاب عطشا فدعا بركوة فصب فيها ماء قليلا من إداوة كانت معه و وضع أصابعه عليها فنبع الماء من تحت أصابعه فاستقوا و ارتووا و العسكر ثلاثون ألف رجل سوى الخيل و الإبل

8-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى عن عبد الرحمن عن أبيه عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص لعلي بن أبي طالب ع في غزوة تبوك اخلفني في أهلي فقال علي ع يا رسول الله إني أكره أن تقول العرب خذل ابن عمه و تخلف عنه فقال أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى قال بلى قال فاخلفني

9-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن الصلت عن ابن عقدة عن علي بن محمد بن علي عن جعفر بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن علي عن علي بن موسى عن أبيه عن جده عن آبائه عن علي ع قال خلف رسول الله ص عليا في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني بعدك قال أ لا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي

10-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن أبيه عن سعد عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي عن النضر عن موسى بن بكر قال قال بعض أصحابنا لأبي عبد الله ع علم رسول الله ص أسماء المنافقين فقال لا و لكن رسول الله ص لما كان في غزوة تبوك كان يسير على ناقته و الناس أمامه فلما انتهى إلى العقبة و قد جلس عليها أربعة عشر رجلا ستة من قريش و ثمانية من أفناء الناس أو على عكس هذا فأتاه جبرئيل ع فقال إن فلانا و فلانا و فلانا فقد قعدوا لك على العقبة لينفروا ناقتك فناداهم رسول الله ص يا فلان و يا فلان و يا فلان أنتم القعود لتنفروا ناقتي و كان حذيفة خلفه فلحق بهم فقال يا حذيفة سمعت قال نعم قال اكتم

11-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن أبي عبد الله ع قال ما زال القرآن ينزل بكلام المنافقين حتى تركوا الكلام و اقتصروا بالحواجب يغمزون فقال بعضهم تأمنون أن تسموا في القرآن فتفتضحوا أنتم و عقبكم هذه عقبة بين أيدينا لو رمينا به منها ينقطع فقعدوا على العقبة و يقال لها عقبة ذي فتق و قال حذيفة كان رسول الله إذا أراد النوم على ناقته اقتصدت في السير فقال حذيفة قلت ليلة من الليالي لا و الله لا أفارق رسول الله ص قال فجعلت أحبس ناقتي عليه فنزل جبرئيل على رسول الله ص فقال هذا فلان و فلان و فلان حتى عدهم قد قعدوا ينفرون بك فقال رسول الله يا فلان يا فلان يا فلان يا أعداء الله حتى سماهم بأسمائهم كلهم ثم نظر فإذا حذيفة فقال عرفتهم قلت نعم برواحلهم و هم متلثمون فقال لا تخبر بهم أحدا فقلت يا رسول الله أ فلا تقتلهم قال إني أكره أن يقول الناس قاتل بهم حتى ظفر فقتلهم فكانوا من قريش

12-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه ص لما توجه إلى تبوك ضلت ناقته القصوى و عنده عمارة بن حزم قال كالمستهزئ يخبرنا محمد بخبر السماء و لا يدري أين ناقته فقال ع إني لا أعلم إلا ما علمني الله و قد أخبرني الآن أنها بشعب كذا و كذا و زمامها ملتف بشجرة فكان كما قال

13-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ من معجزاته أنه لما غزا بتبوك كان معه من المسلمين خمسة و عشرون ألفا سوى خدمهم فمر ص في مسيره بجبل يرشح الماء من أعلاه إلى أسفله من غير سيلان فقالوا ما أعجب رشح هذا الجبل فقال إنه يبكي قالوا و الجبل يبكي قال أ تحبون أن تعلموا ذلك قالوا نعم قال أيها الجبل مم بكاؤك فأجابه الجبل و قد سمعه الجماعة بلسان فصيح يا رسول الله ص مر بي عيسى ابن مريم و هو يتلو نار وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ فأنا أبكي منذ ذلك اليوم خوفا من أن أكون من تلك الحجارة فقال اسكن مكانك فلست منها إنما تلك الحجارة الكبريت فجف ذلك الرشح من الجبل في الوقت حتى لم ير شي‏ء من ذلك الرشح و من تلك الرطوبة التي كانت

  -14  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه صار بتبوك فاختلف الرسل بين رسول الله ص و ملك الروم فطالت في ذلك الأيام حتى نفد الزاد فشكوا إليه نفاده فقال من كان معه شي‏ء من الدقيق أو التمر أو السويق فليأتني فجاء أحد بدقيق و الآخر بكف تمر و الآخر بكف سويق فبسط رداءه و جعل ذلك عليه و وضع يده على كل واحد منها ثم قال نادوا في الناس من أراد الزاد فليأت فأقبل الناس يأخذون الدقيق و التمر و السويق حتى ملئوا جميع ما كان معهم من الأوعية و ذلك الدقيق و التمر و السويق على حاله ما نقص من واحد منها شي‏ء و لا زاد عما كان ثم سار إلى المدينة فنزل يوما على واد كان يعرف فيه الماء فيما تقدم فوجدوه يابسا لا ماء فيه فقالوا ليس في الوادي ماء يا رسول الله ص فأخذ سهما من كنانته فقال لرجل خذه فانصبه في أعلى الوادي فنصب فتفجرت من حول السهم اثنتا عشرة عينا تجري في الوادي من أعلاه إلى أسفله و ارتووا و ملئوا القرب

15-  شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله ع في قوله إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قال هم أصحاب العقبة

16-  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع في قول الله لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ الآية إنهم يستطيعون و قد كان في علم الله أنه لو كان عرضا قريبا و سفرا قاصدا لفعلوا

 بيان كأن المعنى أن الغرض بيان أنهم كانوا مستطيعين للفعل و لم يفعلوا إذ كان في علم الله أنه لو كان موافقا لأغراضهم لفعلوا

17-  شي، ]تفسير العياشي[ عن المغيرة قال سمعته يقول في قول الله وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً قال يعني بالعدة النية يقول لو كان لهم نية لخرجوا

 بيان لا يبعد أن يكون النية تصحيف التهيئة

18-  شي، ]تفسير العياشي[ عن جابر الجعفي قال قال أبو جعفر ع نزلت هذه الآية وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ إلى قوله نُعَذِّبْ طائِفَةً قال قلت لأبي جعفر ع تفسير هذه الآية قال تفسيرها و الله ما نزلت آية قط إلا و لها تفسير ثم قال نعم نزلت في عدد بني أمية و العشرة معهم إنهم اجتمعوا اثنا عشر فكمنوا لرسول الله ص في العقبة و ائتمروا بينهم ليقتلوه فقال بعضهم لبعض إن فطن نقول إنما كنا نخوض و نلعب و إن لم يفطن لنقتلنه فأنزل الله هذه الآية وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ فقال الله لنبيه ص قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ يعني محمدا ص كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ يعني عليا إن يعف عنهما في أن يلعنهما على المنابر و يلعن غيرهما فذلك قوله تعالى إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً

 بيان لعل المعنى أن العفو و العذاب اللذين نسبهما إلى نفسه إنما هو عفو علي ع و انتقامه إذ كانا بأمره تعالى و قد عفا أمير المؤمنين ع عن اثنين منهم يعني أبا بكر و عمر فلم يجاهر بلعنهما و البراءة منهما و جاهر بسب العشرة الباقية و حاربهم و تبرأ منهم

19-  شي، ]تفسير العياشي[ عن جابر عن أبي جعفر ع في قوله تعالى رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ قال مع النساء

20-  شي، ]تفسير العياشي[ عن عبيد الله الحلبي قال سألته عن قوله رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ فقال النساء إنهم قالوا إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ و كانت بيوتهم في أطراف البيوت حيث يتقرر الناس فأكذبهم الله قال وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً و هي رفيعة السمك حصينة

 بيان لعلهم في تلك الغزوة أيضا قالوا إن بيوتنا عورة و إن لم يذكر الله تعالى فيها مع أنه ع إنما فسر الآيتين و لا يلزم أن تكونا في غزوة واحدة و يحتمل أن يكون الاختصار المخل من الراوي

21-  شي، ]تفسير العياشي[ عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قال كعب و مرارة بن الربيع و هلال بن أمية

22-  شي، ]تفسير العياشي[ عن فيض بن المختار قال قال أبو عبد الله ع كيف تقرأ هذه الآية في التوبة وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قال قلت خُلِّفُوا قال لو خلفوا لكانوا في حال طاعة

 و زاد الحسين بن المختار عنه لو كانوا خلفوا ما كان عليهم من سبيل و لكنهم خالفوا عثمان و صاحباه أما و الله ما سمعوا صوت حافر و لا قعقعة سلاح إلا قالوا أتينا فسلط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا

 قال صفوان قال أبو عبد الله ع قال كان أبو لبابة أحدهم يعني في وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

23-  شي، ]تفسير العياشي[ عن سلام عن أبي جعفر ع في قوله ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا قال أقالهم فو الله ما تابوا

 بيان على هذا يكون المراد بقوله تعالى تابَ عَلَيْهِمْ دعاهم إلى التوبة

24-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال علي بن الحسين ع لقد كان من المنافقين و الضعفاء من أشباه المنافقين مع رسول الله ص أيضا قصد إلى تخريب المساجد بالمدينة و إلى تخريب مساجد الدنيا كلها بما هموا به من قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بالمدينة و من قتل رسول الله ص في طريقهم إلى العقبة و لقد زاد الله في ذلك السير إلى تبوك في بصائر المستبصرين و في قطع معاذير متمرديهم زيادات تليق بجلال الله و طوله على عباده منها لما كانوا مع رسول الله ص في مسيره إلى تبوك قالوا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ كما قالت بنو إسرائيل لموسى ع و كانت آية رسول الله ص الظاهرة لهم في ذلك أعظم من الآية الظاهرة لقوم موسى و ذلك أن رسول الله ص لما أمر بالمسير إلى تبوك أمر بأن يخلف عليا بالمدينة فقال علي ع يا رسول الله ما كنت أحب أن أتخلف عنك في شي‏ء من أمورك و أن أغيب عن مشاهدتك و النظر إلى هديك و سمتك فقال رسول الله ص يا علي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و أن لك في مقامك من الأجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله ص و لك مثل أجور كل من خرج مع رسول الله ص موفيا طائعا و إن لك على الله يا علي لمحبتك أن تشاهد من محمد سمته في سائر أحواله إن الله يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا أن يرفع الأرض التي نسير عليها و الأرض التي تكون أنت عليها و يقوي بصرك حتى تشاهد محمدا و أصحابه في سائر أحوالك و أحواله فلا يفوتك الأنس من رؤيته و رؤية أصحابه و يغنيك ذلك عن المكاتبة و المراسلة فقام إليه رجل من مجلس زين العابدين ع لما ذكر هذا و قال يا ابن رسول الله كيف يكون هذا لعلي إنما يكون هذا للأنبياء دون غيرهم فقال زين العابدين ع هذا هو معجزة لمحمد رسول الله ص لا لغيره لأن الله لما رفعه بدعاء محمد زاد في نوره و ضيائه بدعاء محمد حتى شاهد ما شاهد و أدرك ما أدرك ثم قال الباقر ع يا عباد الله ما أكثر ظلم كثير من هذه الأمة لعلي بن أبي طالب ع و أقل إنصافهم له يمنعون هذا ما يعطونه سائر الصحابة و علي ع أفضلهم فكيف يمنع منزلة يعطونها غيره قيل و كيف ذلك يا ابن رسول الله ص قال إنكم تتولون محبي أبي بكر بن أبي قحافة و تتبرءون من أعدائه كائنا من كان و تتولون محبي عمر بن الخطاب و تتبرءون من أعدائه كائنا من كان و تتولون محبي عثمان بن عفان و تتبرءون من أعدائه كائنا من كان حتى إذا صار إلى علي بن أبي طالب ع قالوا نتولى محبيه و لن نتبرأ من أعدائه بل نحبهم و كيف يجوز هذا لهم و رسول الله يقول اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله فترونهم لا يعادون من عاداه و لا يخذلون من خذله ليس هذا بإنصاف ثم أخرى إنهم إذا ذكر لهم ما اختص الله به عليا ع بدعاء رسول الله ص و كرامته على ربه عز و جل جحدوه و هم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة فما الذي منع عليا ع ما جعلوه لأصحاب رسول الله ص هذا

 عمر بن الخطاب إذا قيل لهم إنه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال خطبته يا سارية الجبل و عجبت الصحابة و قالوا ما هذا الكلام الذي في هذه الخطبة فلما قضى الخطبة و الصلاة قالوا ما قولك في خطبتك يا سارية الجبل فقال اعلموا أنني كنت أخطب رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند و عليهم سعد بن أبي وقاص ففتح الله لي الأستار و الحجب و قوى بصري حتى رأيتهم و قد اصطفوا بين يدي جبل هناك و قد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية فيهجموا عليه و على سائر من معه من المسلمين فيحيطوا بهم فيقتلونهم فقلت يا سارية الجبل ليتنحى عنهم فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا بهم ثم يقاتلوا و منح الله إخوانكم المؤمنين أكتاف الكافرين و فتح الله عليهم بلادهم فاحفظوا هذا الوقت فسيرد عليكم الخبر بذلك و كان بين المدينة و نهاوند مسيرة أكثر من خمسين يوما قال الباقر ع فإذا كان مثل هذا لعمر فكيف لا يكون مثل هذا الآخر لعلي بن أبي طالب ع و لكنهم قوم لا ينصفون بل يكابرون ثم عاد الباقر ع إلى حديثه عن علي بن الحسين ع قال و كان تعالى يرفع البقاع التي كان عليها محمد ص و يسير فيها لعلي بن أبي طالب ع حتى يشاهدهم على أحوالهم قال علي ع و إن رسول الله كان كلما أراد غزوة ورى بغيرها إلا غزاة تبوك فإنه عرفهم أنه يريدها و أمرهم أن يتزودوا لها فتزودوا لها دقيقا كثيرا يختبزونه في طريقهم و لحما مالحا و عسلا و تمرا و كان زادهم كثيرا لأن رسول الله كان حثهم على التزود لبعد الشقة و صعوبة المفاوز و قلة ما بها من الخيرات فساروا أياما و عتق طعامهم و ضاقت من بقاياه صدورهم فأحبوا طعاما طريا فقال قوم منهم يا رسول الله قد بشمنا هذا الذي معنا من الطعام فقد عتق و صار يابسا و كاد يريح و لا صبر لنا عليه فقال رسول الله ص ما معكم قالوا خبز و لحم قديد مالح و عسل و تمر فقال رسول الله ص فأنتم الآن كقوم موسى لما قالوا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فما الذي تريدون قالوا نريد لحما طريا قديدا و لحما مشويا من لحم الطيور و من الحلواء المعمول قال رسول الله ص و لكنكم تخالفون في هذه الواحدة بني إسرائيل لأنهم أرادوا البقل و القثاء و الفوم و العدس و البصل فاستبدلوا الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ و أنتم تستبدلون الذي هو أفضل بالذي هو دونه و سوف أسأله لكم ربي قالوا يا رسول الله فإن فينا من يطلب مثل ما طلبوا مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها فقال رسول الله ص سوف يعطيكم الله ذلك بدعاء رسول الله ص يا عباد الله إن قوم عيسى لما سألوا عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ فأنزلها عليهم فمن

 كفر بعد منهم مسخه الله إما خنزيرا و إما قردا و إما دبا و إما هرا و إما على صورة بعض الطيور و الدواب التي في البر و البحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ و إن محمدا رسول الله ص لا يستنزل لكم ما سألتموه من السماء حتى يحل بكافركم ما حل بكفار قوم عيسى ع و إن محمدا أرأف بكم من أن يعرضكم لذلك ثم نظر رسول الله ص إلى طائر في الهواء فقال لبعض أصحابه قل لهذا الطائر إن رسول الله يأمرك أن تقع على الأرض فقالها فوقع ثم قال رسول الله ص يا أيها الطائر إن الله يأمرك أن تكبر فازداد عظما حتى صار كالتل العظيم ثم قال رسول الله ص لأصحابه أحيطوا به فأحاطوا به و كان عظم ذلك الطير أن أصحاب رسول الله و هم فوق عشرة آلاف اصطفوا حوله فاستدار صفهم ثم قال رسول الله ص يا أيها الطائر إن الله يأمرك أن تفارقك أجنحتك و زغبك و ريشك ففارقه ذلك أجمع و بقي الطائر لحما على عظم و جلدة فوقه فقال رسول الله ص إن الله يأمرك أن تفارق عظام بدنك و رجليك و منقارك ففارقه ذلك أجمع و صار حول الطائر و القوم حول ذلك أجمع ثم قال رسول الله ص إن الله تعالى يأمر هذه العظام أن تعود قثا فعادت كما قال ثم قال إن الله يأمر هذه الأجنحة و الزغب و الريش أن يعود بقلا و بصلا و فوما و أنواع البقول فعادت كما قال ثم قال رسول الله ص يا عباد الله ضعوا الآن أيديكم عليها فمزقوا منها بأيديكم و قطعوا منها بسكاكينكم فكلوه ففعلوا فقال بعض المنافقين و هو يأكل إن محمدا يزعم أن في الجنة طيورا يأكل منه الجناني من جانب له قديدا و من جانب مشويا فهلا أرانا نظير ذلك في الدنيا فأوصل الله تعالى علم ذلك إلى قلب محمد ص فقال عباد الله ليأخذ كل واحد منكم لقمته و ليقل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و صلى الله على محمد و آله الطيبين و ليضع لقمته في فيه فإنه يجد طعم ما شاء قديدا و إن شاء مشويا و إن شاء مرقا طبيخا و إن شاء سائر ما شاء من ألوان الطبيخ أو ما شاء من ألوان الحلواء ففعلوا فوجدوا الأمر كما قال رسول الله ص حتى شبعوا فقالوا يا رسول الله ص شبعنا و نحتاج إلى ماء نشربه فقال رسول الله ص أ و لا تريدون اللبن أ و لا تريدون سائر الأشربة قالوا بلى يا رسول الله فينا من يريد ذلك فقال رسول الله ص ليأخذ كل واحد منكم لقمة منها فيضع في فيه و ليقل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و صلى الله على محمد و آله الطيبين فإنه يستحيل في فيه ما يريد إن أراد لبنا و إن أراد شرابا آخر من الأشربة ففعلوا فوجدوا الأمر على ما قال رسول الله ص ثم قال رسول الله ص إن الله تعالى يأمرك أيها الطائر أن تعود كما كنت و يأمر هذه الأجنحة و المناقير و الريش و الزغب التي قد استحالت إلى البقل و القثاء و البصل و الفوم أن تعود جناحا و ريشا و عظما كما كانت على قدر قلتها فانقلبت و عادت أجنحة و ريشا و زغبا و عظما ثم تركبت على قدر الطائر كما كانت ثم قال رسول الله ص أيها الطائر إن الله يأمر الروح التي كانت فيك فخرجت أن تعود إليك فعادت روحه في جسده ثم قال رسول الله ص أيها الطائر إن الله يأمرك أن تقوم و تطير كما كنت تطير فقام و طار في الهواء و هم ينظرون إليه ثم نظروا إلى ما بين أيديهم فإذا لم يبق هناك من ذلك البقل و القثاء و البصل و الفوم شي‏ء

 ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع أنه قال كان علي بن الحسين ع قال يوما في مجلسه إن رسول الله ص لما أمر بالمسير إلى تبوك أمر بأن يخلف عليا ع بالمدينة أقول و ساق الحديث مثل ما مر إلى قوله و لكنهم قوم لا ينصفون بل يكابرون

 25-  عم، ]إعلام الورى[ تهيأ رسول الله ص في رجب لغزو الروم و كتب إلى قبائل العرب ممن قد دخل في الإسلام و بعث إليهم الرسل يرغبهم في الجهاد و الغزو و كتب إلى تميم و غطفان و طيئ و بعث إلى عتاب بن أسيد عامله على مكة يستنفرهم لغزو الروم فلما تهيأ للخروج قام خطيبا فحمد الله تعالى و أثنى عليه و رغب في المواساة و تقوية الضعيف و الإنفاق فكان أول من أنفق فيها عثمان بن عفان جاء بأواقي من فضة فصبها في حجر رسول الله ص فجهز ناسا من أهل الضعف و هو الذي يقال إنه جهز جيش العسرة و قدم العباس على رسول الله ص فأنفق نفقة حسنة و جهز و سارع فيها الأنصار و أنفق عبد الرحمن و الزبير و طلحة و أنفق ناس من المنافقين رياء و سمعة فنزل القرآن بذلك و ضرب رسول الله ص عسكره فوق ثنية الوداع بمن تبعه من المهاجرين و قبائل العرب و بني كنانة و أهل تهامة و مزينة و جهينة و طيئ و تميم و استعمل على المدينة عليا و قال إنه لا بد للمدينة مني أو منك و استعمل الزبير على راية المهاجرين و طلحة بن عبيد الله على الميمنة و عبد الرحمن بن عوف على الميسرة و سار رسول الله ص حتى نزل الجرف فرجع عبد الله بن أبي بغير إذن فقال ع حسبي الله هو الذي أيدني بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ الآية فلما انتهى إلى الجرف لحقه علي ع و أخذ بغرز رحله و قال يا رسول الله زعمت قريش أنك إنما خلفتني استثقالا لي فقال ع طال ما آذت الأمم أنبياءها أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى فقال قد رضيت قد رضيت ثم رجع إلى المدينة و قدم رسول الله ص تبوك في شعبان يوم الثلاثاء و أقام بقية شعبان و أياما من شهر رمضان و أتاه و هو بتبوك نحبة بن روبة صاحب أيلة فأعطاه الجزية و كتب رسول الله ص له كتابا و الكتاب عندهم و كتب أيضا لأهل حرباء و أذرح كتابا و بعث رسول الله ص و هو بتبوك أبا عبيدة بن الجراح إلى جمع من جذام مع زنباع بن روح الجذامي فأصاب منهم طرفا و أصاب منهم سبايا و بعث سعد بن عبادة إلى ناس من بني سليم و جموع من بلي فلما قارب القوم هربوا و بعث خالدا إلى الأكيدر صاحب دومة الجندل و قال له لعل الله يكفيكه بصيد البقر فتأخذه فبينا خالد و أصحابه في ليلة إضحيان إذ أقبلت البقر تنتطح فجعلت تنتطح باب حصن أكيدر و هو مع امرأتين له يشرب الخمر فقام فركب هو و حسان أخوه و ناس من أهله فطلبوها و قد كمن له خالد و أصحابه فتلقاه أكيدر و هو يتصيد البقر فأخذوه و قتلوا حسانا أخاه و عليه قباء مخوص بالذهب و أفلت أصحابه فدخلوا الحصن و أغلقوا الباب دونهم فأقبل خالد بأكيدر و سار معه أصحابه فسألهم أن يفتحوا له فأبوا فقال أرسلني فإني أفتح الباب فأخذ عليه موثقا و أرسله فدخل و فتح الباب حتى دخل خالد و أصحابه و أعطاه ثمانمائة رأس و ألفي بعير و أربعمائة درع و أربعمائة رمح

  و خمسمائة سيف فقبل ذلك منه و أقبل به إلى رسول الله ص فحقن دمه و صالحه على الجزية. و في كتاب دلائل النبوة للشيخ أبي بكر أحمد البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و ذكر الإسناد مرفوعا إلى أبي الأسود عن عروة قال لما رجع رسول الله ص قافلا من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه فتأمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق أرادوا أن يسلكوها معه فأخبر رسول الله ص خبرهم فقال من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم فأخذ النبي ص العقبة و أخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا المكر به استعدوا و تلثموا و أمر رسول الله ص حذيفة بن اليمان و عمار بن ياسر فمشيا معه مشيا و أمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة و أمر حذيفة بسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه فغضب رسول الله ص و أمر حذيفة أن يراهم فرجع و معه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم و ضربها ضربا بالمحجن و أبصر القوم و هم متلثمون فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة و ظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس و أقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله ص فلما أدركه قال اضرب الراحلة يا حذيفة و امش أنت يا عمار فأسرعوا فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي ص يا حذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا فقال حذيفة عرفت راحلة فلان و فلان و كان ظلمة الليل غشيتهم و هم متلثمون فقال ص هل علمتم ما شأن الركب و ما أرادوا قالوا لا يا رسول الله قال فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت بي العقبة طرحوني منها قالوا أ فلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءوك الناس فتضرب أعناقهم قال أكره أن يتحدث الناس و يقولون إن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما ثم قال اكتماهم و في كتاب أبان بن عثمان قال الأعمش و كانوا اثني عشر سبعة من قريش قال و قدم رسول الله ص المدينة

و كان إذا قدم من سفر استقبل بالحسن و الحسين ع فأخذهما إليه و حف المسلمون به حتى يدخل على فاطمة ع و يقعدون بالباب و إذا خرج مشوا معه و إذا دخل منزله تفرقوا عنه.

 و عن أبي حميد الساعدي قال أقبلنا مع رسول الله ص من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال هذه طابة و هذا أحد جبل يحبنا و نحبه.

 و عن أنس بن مالك أن رسول الله ص لما دنا من المدينة قال إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير و لا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه قالوا يا رسول الله و هم بالمدينة قال نعم و هم بالمدينة حبسهم العذر

و كان تبوك آخر غزوات رسول الله ص و مات عبد الله بن أبي بعد رجوع رسول الله ص من غزوة تبوك. بيان في النهاية جربى و أذرح هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال و كتب لهما النبي ص أمانا انتهى و زنباع كقنطار و الطرف جمع الطرفة نفائس الأموال و غرائبها و ليلة إضحيانة بالكسر مضيئة لا غيم فيها و قال الجزري فيه عليه ديباج مخوص بالذهب أي منسوج به كخوص النخل و هو ورقه و الوكز العدو و في بعض النسخ بالراء المهملة بمعناه و في بعضها بالراء أولا ثم الزاي و هو بالكسر الصوت الخفي و الحس و لعله أنسب و في النهاية غشوه أي ازدحموا عليه و كثروا و المحجن كمنبر العصا المعوجة و طيبة و طابة من أسماء المدينة و في النهاية في حديث جبل أحد هو جبل يحبنا و نحبه هذا محمول على المجاز أراد أنه جبل يحبنا أهله و نحب أهله و هم الأنصار و يجوز أن يكون من باب المجاز الصريح أي إننا نحب الجبل بعينه لأنه في أرض من نحب انتهى و قال الطيبي و الأولى أنه على ظاهره و لا ينكر حب الجمادات للأنبياء و الأولياء كما حنت الأسطوانة على مفارقته و كان يسلم الحجر عليه و قيل أراد به أرض المدينة و خص الجبل لأنه أول ما يبدو منها و لعله حبب إليه بدعائه اللهم حبب إلينا المدينة انتهى و أقول سيأتي تحقيق منا في ذلك في المجلد السابع إن شاء الله

26-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن ابن يزيد عن عبد الحميد عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال لما نفروا برسول الله ص ناقته قالت له الناقة و الله لا أزلت خفا عن خف و لو قطعت إربا إربا

27-  أقول قال في المنتقى كان النبي ص في غزوة تبوك قد ظهر منه معجزات شتى فمنها أنه لما وصل إلى وادي القرى و قد أمسى بالحجر قال إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن منكم أحد إلا مع صاحبه و من كان له بعير فليوثقه بعقاله فهاجت ريح شديدة أفزعت الناس فلم يقم أحد إلا مع صاحبه إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته و آخر لطلب بعير له فأما الخارج لحاجته فقد خنق في مذهبه و أما الذي خرج في طلب البعير فاحتملته الريح فطرحته في جبلي طيئ ثم دعا ص للذي أصيب في مذهبه فعاد إليه و أما الذي وقع بجبلي طيئ فإن طيئا أهدته للنبي ص حين قدم المدينة.

و منها أنه لما ارتحل عن الحجر أصبح و لا ماء معه و لا مع أصحابه و نزلوا على غير ماء فشكوا إليه العطش فاستقبل القبلة و دعا و لم تكن في السماء سحابة فما زال يدعو حتى اجتمعت السحائب من كل ناحية فما برح من مقامه حتى سحت بالرواء فانكشفت السحابة من ساعتها فسقي الناس و ارتووا و ملئوا الأسقية قال بعض الصحابة قلت لرجل من المنافقين ويلك أ بعد هذا شي‏ء فقال سحابة مارة ثم ارتحل النبي ص متوجها إلى تبوك فأصبح في منزل فضلت ناقة النبي ص فقال منافق يزعم محمد أنه نبي و يخبركم بخبر السماء و لا يدري أين ناقته فخرج ص فقال يزعم منافق أن محمدا ص يقول إنه نبي و يخبركم بخبر السماء و لا يدري أين ناقته و إني و الله لا أعلم إلا ما علمني الله و لقد أعلمني الآن و دلني عليها و إنها في الوادي في شعب كذا و أشار إلى الشعب حبستها شجرة بزمامها فذهبوا و جاءوا بها.

و منها أنه ص قال إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك و إنكم لن تأتوها إلا حين يضحي النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي قال معاذ فجئناها و قد سبق إليها رجلان و العين مثل الشراك يبض بشي‏ء يسير من الماء فسألهما هل مسستما من مائها شيئا فقالا نعم فقال لهما ما شاء أن يقول ثم أمر فغرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع شي‏ء ثم غسل النبي ص فيه وجهه و يديه ثم أعاده فيها فجاءت العين بماء كثير فاستقى الناس و كفاهم.

و منها أن ذا البجادين لما أسلم و لبث زمانا و تعلم القرآن خرج معه ص إلى تبوك فلما حصل بتبوك قال يا رسول الله ص ادع الله لي بالشهادة فقال ائتني بلحاء سمرة فأتاه به فربطه رسول الله ص على عضده و قال اللهم حرم دمه على الكفار فقال يا رسول الله ما هذا أردت فقال النبي ص إنك إذ خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى و قتلتك فأنت شهيد فلما أقاموا بتبوك أياما أخذته الحمى فتوفي.

و منها أنه ص في تبوك دعا مرارا كثيرة بالطعام فجاءه بلال ببقية من الطعام قليلة و كانت عنده جماعة كثيرة فمس بيده الطعام و كان تمرا و غيره فأكلوا منه جميعا حتى شبعوا و بقي من الطعام أكثر مما كان أولا

 و قد ظهر على يده من المعجزات في هذه السفرة أكثر من ذلك لكنا ذكرنا منها لمعا و لما نزل النبي ص تبوك أقام بها شهرين و كان ما أخبر به النبي ص من بعث هرقل أصحابه و دنوه إلى أدنى الشام و عزمه على قتال النبي ص و المسلمين باطلا و بعث هرقل رجلا من غسان إلى النبي ص ينظر إلى صفته و علاماته و إلى حمرة في عينيه و إلى خاتم النبوة و سأل فإذا هو لا يقبل الصدقة فوعى أشياء من صفات النبي ص ثم انصرف إلى هرقل فذكرها له فدعا هرقل قومه إلى التصديق به فأبوا عليه حتى خافهم على ملكه و أسلم هو سرا منهم و امتنع من قتال النبي ص فلم يؤذن النبي ص لقتاله فرجع قالوا و هاجت ريح شديدة بتبوك فقال رسول الله ص هذا لموت منافق عظيم النفاق فقدموا المدينة فوجدوا منافقا قد مات ذلك اليوم ثم ذكر قصة العقبة و قصة أكيدر. توضيح الحجر بالكسر ديار ثمود خنق أي خنقته الجن في خلائه حتى غشي عليه أو مات و على التقديرين أفاق أو حيي بدعائه ص حتى سحت بتشديده الحاء أي صبت و السح الصب أو السيلان من فوق و الرواء بالفتح و المد الماء الكثير و قيل العذب الذي للواردين فيه ري و يقال بض الماء إذا قطر و سال

28-  من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين ع

ألا باعد الله أهل النفاق و أهل الأراجيف و الباطل‏يقولون لي قد قلاك الرسول فخلاك في الخالف الخاذل‏و ما ذاك إلا لأن النبي جفاك و ما كان بالفاعل‏فسرت و سيفي على عاتقي إلى الراحم الحاكم الفاضل

 فلما رآني هفا قلبه و قال مقال الأخ السائل‏أ مم ابن عمي فأنبأته بإرجاف ذي الحسد الداغل‏فقال أخي أنت من دونهم كهارون موسى و لم يأتل

 بيان الخالف المتأخر لنقصان أو قصور و قال الأصمعي إذا تخلف الظبي عن القطيع قيل خذل و هفا الطائر أي خفق و طار و يقال ائتلى في الأمر إذا قصر