باب 32- المباهلة و ما ظهر فيها من الدلائل و المعجزات

 الآيات آل عمران إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ  تفسير قال الطبرسي رحمه الله في نزول الآيات قيل نزلت في وفد نجران السيد و العاقب و من معهما قالوا لرسول الله ص هل رأيت ولدا من غير ذكر فنزلت إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآيات فقرأها عليهم عن ابن عباس و قتادة و الحسن فلما دعاهم رسول الله ص إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف انظروا محمدا في غد فإن غدا بولده و أهله فاحذروا مباهلته و إن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه على غير شي‏ء فلما كان من الغد جاء النبي ص آخذا بيد علي بن أبي طالب ع و الحسن و الحسين ع بين يديه يمشيان و فاطمة ع تمشي خلفه و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم فلما رأى النبي قد أقبل بمن معه سأل عنهم فقيل له هذا ابن عمه و زوج ابنته و أحب الخلق إليه و هذان ابنا بنته من علي و هذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس عليه و أقربهم إليه و تقدم رسول الله فجثا على ركبتيه فقال أبو حارثة الأسقف جثا و الله كما جثا الأنبياء للمباهلة فرجع و لم يقدم على المباهلة فقال له السيد ادن يا حارثة للمباهلة قال لا إني لأرى رجلا جريئا على المباهلة و أنا أخاف أن يكون صادقا و لئن كان صادقا لم يحل علينا الحول و الله و في الدنيا نصراني يطعم الماء فقال الأسقف يا أبا القاسم إنا لا نباهلك و لكن نصالحك فصالحنا على ما ننهض به فصالحهم رسول الله على ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهما فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك و على عارية ثلاثين درعا و ثلاثين رمحا و ثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد و رسول الله ص ضامن حتى يؤديها و كتب لهم بذلك كتابا و روي أن الأسقف قال لهم إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة و قال النبي ص و الذي نفسي بيده لو لاعنوني لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم الوادي عليهم نارا و لما حال الحول على النصارى حتى هلكوا كلهم قالوا فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد و العاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي ص و أهدى العاقب له حلة و عصا و قدحا و نعلين و أسلما. فرد الله سبحانه على النصارى قولهم في المسيح إنه ابن الله فقال إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ أي في خلق الله إياه من غير أب كَمَثَلِ آدَمَ في خلق الله إياه من غير أب و لا أم فليس هو بأبدع و لا أعجب من ذلك فكيف أنكروا ذا و أقروا بذلك خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ أي خلق عيسى من الريح و لم يخلق قبله أحدا من الريح كما خلق آدم من التراب و لم يخلق أحدا قبله من التراب ثُمَّ قالَ لَهُ أي لآدم كما قيل لعيسى كُنْ فَيَكُونُ أي فكان في الحال كما أراد الْحَقُّ أي هذا هو الحق مِنْ رَبِّكَ أضافه إلى نفسه تأكيدا و تعليلا فَلا تَكُنْ أيها السامع مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين فَمَنْ حَاجَّكَ أي جادلك و خاصمك فِيهِ أي في عيسى مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي من البرهان الواضح على أنه عبدي و رسولي و قيل معناه فمن حاجك في الحق فَقُلْ يا محمد لهؤلاء النصارى تَعالَوْا أي هلموا إلى حجة أخرى فاصلة بين الصادق و الكاذب نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ أجمع المفسرون على أن المراد بأبنائنا الحسن و الحسين ع قال أبو بكر الرازي هذا يدل على أن الحسن و الحسين ابنا رسول الله ص و أن ولد الابنة ابن على الحقيقة و قال ابن أبي علان و هو أحد أئمة المعتزلة هذا يدل على أنهما ع كانا مكلفين في تلك الحال لأن المباهلة لا يجوز إلا مع البالغين و قال إن صغر السن و نقصانها عن حد بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل و إنما جعل بلوغ الحلم حدا لتعلق الأحكام الشرعية و كان سنهما ع في تلك الحال سنا لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل على أن عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة

  و يخصهم بما لا يشركهم فيه غيرهم فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمن سواهم و دلالة على مكانهم من الله و اختصاصهم به و مما يؤيده من الأخبار قول النبي ص ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا. وَ نِساءَنا اتفقوا على أن المراد به فاطمة ع لأنه لم يحضر المباهلة غيرها من النساء و هذا يدل على تفضيل الزهراء ع على جميع النساء و يعضده ما جاء في الخبر

 أن النبي ص قال فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها

 و قال إن الله يغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها.

 و قد صح عن حذيفة أنه قال سمعت النبي ص يقول أتاني ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة و نساء أمتي

 و عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت أسر النبي ص إلى فاطمة شيئا فضحكت فسألتها قالت قال لي أ لا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك

 وَ نِساءَكُمْ أي من شئتم من نسائكم وَ أَنْفُسَنا يعني عليا ع خاصة و لا يجوز أن يكون المعني به النبي ص لأنه هو الداعي و لا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه و إنما يصح أن يدعو غيره و إذا كان قوله وَ أَنْفُسَنا لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى علي ع لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين و زوجته و ولديه ع في المباهلة و هذا يدل على غاية الفضل و علو الدرجة و البلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد إذ جعله الله سبحانه نفس الرسول و هذا ما لا يدانيه فيه أحد و لا يقاربه و مما يعضده في الروايات

 ما صح عن النبي ص أنه سئل عن بعض أصحابه فقال له قائل فعلي فقال إنما سألتني عن الناس و لم تسألني عن نفسي.

و قوله ص لبريدة لا تبغض عليا فإنه مني و أنا منه و إن الناس خلقوا من شجر شتى و خلقت أنا و علي من شجرة واحدة

و قوله ص بأحد و قد ظهر من نكايته في المشركين و وقايته إياه بنفسه حتى قال جبرئيل يا محمد إن هذه لهي المواساة فقال يا جبرئيل إنه لمني و أنا منه فقال جبرئيل و أنا منكما

 وَ أَنْفُسَكُمْ يعني من شئتم من رجالكم ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نتضرع في الدعاء عن ابن عباس و قيل نلتعن فنقول لعن الله الكاذب فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ منا و في هذه الآية دلالة على أنهم علموا أن الحق مع النبي ص لأنهم امتنعوا من المباهلة و أقروا بالذل و الخزي و انقادوا لقبول الجزية فلو لم يعلموا ذلك لباهلوه و كان يظهر ما زعموا من بطلان قوله في الحال و لو لم يكن النبي ص متيقنا بنزول العقوبة بعدوه دونه لو باهلوه لما أدخل أولاده و خواص أهله في ذلك مع شدة إشفاقه عليهم انتهى كلامه رفع الله مقامه. و لنذكر هنا بعض ما ذكره المخالفون في تفسير تلك الآية ليكون أجلى للعمى و أبعد عن الارتياب قال الزمخشري في الكشاف فَمَنْ حَاجَّكَ من النصارى فِيهِ في عيسى مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي من البينات الموجبة للعلم تَعالَوْا هلموا و المراد المجي‏ء بالرأي و العزم كما تقول تعال نفكر في هذه المسألة نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ أي يدع كل مني و منكم أبناءه و نساءه و نفسه إلى المباهلة ثُمَّ نَبْتَهِلْ ثم نتباهل بأن نقول بهله الله على الكاذب منا و منكم و البهلة بالفتح و الضم اللعنة و بهله الله لعنه و أبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله و ناقة باهل لا صرار عليها و أصل الابتهال هذا ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه و إن لم يكن التعانا.

 و روي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع و ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب و كان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى فقال و الله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا ثبت صغيرهم و لئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله ص و قد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و أن نقرك على دينك و نثبت على ديننا فقال فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم فأبوا قال فإني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة و لكن نصالحك على أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ألف في صفر و ألف في رجب و ثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم على ذلك و قال و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم عليهم الوادي نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا

 و عن عائشة أن رسول الله ص خرج و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

فإن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه و من خصمه و ذلك أمر يختص به و بمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء و النساء قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله و استيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته و أفلاذ كبده و أحب الناس إليه لذلك و لم يقتصر على تعريض نفسه له و على ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته و أعزته هلاك الاستيصال إن تمت المباهلة و خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب و ربما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتى يقتل و من ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب و يسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق و قدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم و قرب منزلتهم و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء ع و فيه برهان واضح علىصحة نبوة النبي ص لأنه لم يرو أحد من موافق و لا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك انتهى. و روى إمامهم الرازي في تفسيره الروايتين في المباهلة و الكساء مثل ما رواه الزمخشري إلى قوله وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ثم قال و اعلم أن هذه الرواية كأنها متفق على صحتها بين أهل التفسير و الحديث ثم قال هذه الآية دلت على أن الحسن و الحسين ع كانا ابني رسول الله ص ثم قال كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الخصيمي و كان متكلم الاثني عشرية و كان يزعم أن عليا ع أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد ص قال و الذي يدل عليه قوله تعالى وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ و ليس المراد بقوله وَ أَنْفُسَنا نفس محمد ص لأن الإنسان لا يدعو نفسه بل المراد به غيره و أجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب ع فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد و لا يمكن أن يكون المراد أن هذه النفس هي عين تلك النفس فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس و ذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة و في حق الفضل لقيام الدلائل على أن محمدا ص كان نبيا و ما كان علي كذلك و لانعقاد الإجماع على أن محمدا ص كان أفضل من علي فيبقى فيما سواه معمولا به ثم الإجماع دل على أن محمدا ص كان أفضل من سائر الأنبياء فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآية ثم قال و تأكد الاستدلال بهذه الآية بالحديث المقبول عند الموافق و المخالف و هو

قوله ع من أراد أن يرى آدم في علمه و نوحا في طاعته و إبراهيم في خلته و موسى في قربته و عيسى في صفوته فلينظر إلى علي بن أبي طالب ع

فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم و ذلك يدل على أن عليا أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد ص و أما سائر الشيعة فقد كانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية على أن عليا ص أفضل من سائر الصحابة و ذلك لأن الآية لما دلت على أن نفس علي مثل نفس محمد ص إلا فيما خصه الدليل و كان نفس محمد ص أفضل من الصحابة فوجب أن يكون نفس علي أفضل من سائر صحابته و الجواب كما أنه انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمدا ص أفضل من علي ع فكذلك انعقد الإجماع بينهم قبل ظهور هذا الإنسان على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي و أجمعوا على أن عليا ما كان نبيا فلزم القطع بأن ظاهر الآية مخصوص في حق محمد ص فكذلك مخصوص في حق سائر الأنبياء ع انتهى. أقول انعقاد الإجماع على كون النبي أفضل ممن ليس بنبي مطلقا ممنوع كيف و أكثر علماء الإمامية بل كلهم قائلون بأن أئمتنا ع أفضل من سائر الأنبياء سوى نبينا ص و لو سلم فلا نسلم حجية مثل هذا الإجماع الذي لم يتحقق دخول المعصوم فيه كيف و أخبار أئمتنا ع مستفيضة بخلافه و لنعم ما فعل حيث أعرض عن الجواب في حق الصحابة إذ لم يجد عنه محيصا. ثم قال هذه الآية دلت على صحة النبوة النبي ص من وجهين أحدهما أنه ص خوفهم بنزول العذاب و لو لم يكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه لأن بتقدير أن رغبوا في مباهلته ثم لا ينزل العذاب فحينئذ كان يظهر كذبه فلما أصر على ذلك علمنا أنه إنما أصر عليه لكونه واثقا بنزول العذاب عليهم. و الثاني أن القوم لما تركوا مباهلته فلو لا أنهم عرفوا من التوراة و الإنجيل ما يدل على نبوته لما أحجموا عن مباهلته. فإن قيل لعلهم كانوا شاكين فتركوا مباهلته خوفا من أن يكون صادقا فينزل بهم ما ذكر من العذاب قلنا هذا مدفوع من وجهين الأول أن القوم كانوا يبذلون النفوس و الأموال في المنازعة مع رسول الله ص فلو كانوا شاكين لما فعلوا ذلك. الثاني فقد نقل عن تلك النصارى أنهم قالوا و الله هو النبي المبشر به في التوراة و الإنجيل و إنه لو باهلتموه لحصل الاستيصال و كان ذلك تصريحا منهم بأن الامتناع عن المباهلة كان لأجل علمهم بأنه نبي مرسل من عند الله تعالى انتهى كلامه. و أما النيشابوري فقد ذكر في تفسيره الروايتين مثل ما مر ثم قال بعد قوله وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و هذه الرواية كالمتفق على صحتها ثم ساق الكلام نحوا مما ساقه الرازي في الاستدلال و الجواب ثم قال و أما فضل أصحاب الكساء فلا شك في دلالة الآية على ذلك و لهذا ضمهم إلى نفسه بل قدمهم في الذكر و فيها أيضا دلالة على صحة نبوته ص فإنه لو لم يكن واثقا بصدقه لم يتجرأ على تعريض أعزته و خويصته و أفلاذ كبده في معرض الابتهال و مظنة الاستيصال. و قال البيضاوي بعد تفسير الآية و إيراد خبر المباهلة و هو دليل على نبوته و فضل من أتى بهم من أهل بيته. أقول سيأتي تمام القول في الاستدلال بالآية و الأخبار على إمامة أمير المؤمنين ع و سائر الأخبار المروية في هذا الباب في أبواب الآيات النازلة في شأنه ع.

 و قال السيوطي في الدر المنثور أخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده أن رسول الله ص كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان بسم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران و أهل نجران إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد و أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب و السلام

فلما قرأ الأسقف الكتاب قطع به و ذعر ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب رسول الله ص فقرأه فقال له الأسقف ما رأيك فقال شرحبيل قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ليس لي في النبوة رأي لو كان أمر من أمور الدنيا أشرت عليك فيه و جهدت لك فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل و عبد الله بن شرحبيل و جبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله ص فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله فساءلهم و ساءلوه فلم يزل به و بهم المسألة حتى قالوا له ما تقول في عيسى ابن مريم فقال رسول الله ص ما عندي فيه شي‏ء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد فأنزل الله هذه الآية إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله ص الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن و الحسين في خميلة له و فاطمة تمشي عند ظهره و خلفها علي للملاعنة و له يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه إني أرى امرأ مقبلا إن كان الرجل نبيا مرسلا فلعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر و لا ظفر إلا هلك فقالا له ما رأيك فقال رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا له أنت و ذاك فتلقى شرحبيل رسول الله فقال إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك قال و ما هو قال حكمك اليوم إلى الليل و ليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا جائز فرجع رسول الله ص و لم يلاعنهم و صالحهم على الجزية. و قال السيد ابن طاوس رحمه الله في كتاب إقبال الأعمال روينا بالأسانيد الصحيحة و الروايات الصريحة إلى أبي المفضل محمد بن عبد المطلب الشيباني رحمه الله من كتاب المباهلة و من أصل كتاب الحسن بن إسماعيل بن أشناس من كتاب عمل ذي الحجة فيما رويناه بالطرق الواضحة عن ذوي الهمم الصالحة لا حاجة إلى ذكر أسمائهم لأن المقصود ذكر كلامهم قالوا لما فتح النبي ص مكة و انقادت له العرب و أرسل رسله و دعاته إلى الأمم و كاتب الملكين كسرى و قيصر يدعوهما إلى الإسلام و إلا أقرا بالجزية و الصغار و إلا أذنا بالحرب العوان أكبر شأنه نصارى نجران و خلطاؤهم من بني عبد المدان و جميع بني الحارث بن كعب و من ضوى إليهم و نزل بهم من دهماء الناس على اختلافهم هناك في دين النصرانية من الأروسية و السالوسية و أصحاب دين الملك و المارونية و العباد و النسطورية و أملأت قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه و رعبا فإنهم كذلك من شأنهم إذ وردت عليهم رسل رسول الله ص بكتابه و هم عتبة بن غزوان و عبد الله بن أمية و الهدير بن عبد الله أخو تيم بن مرة و صهيب بن سنان أخو النمر بن قاسط يدعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا فإخوان و إن أبوا و استكبروا فإلى حظة المخزية إلى أداء الجزية عن يد فإن رغبوا عما دعاهم إليه من أحد المنزلين و عندوا فقد آذنهم على سواء و كان في كتابه ص قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ قالوا و كان رسول الله ص لا يقاتل قوما حتى يدعوهم فازداد القوم لورود رسل نبي الله ص و كتابه نفورا و امتزاجا ففزعوا لذلك إلى بيعتهم العظمى و أمروا ففرش أرضها و ألبس جدرها بالحرير و الديباج و رفعوا الصليب الأعظم و كان من ذهب مرصع أنفذه إليهم قيصر الأكبر و حضر ذلك بنو الحارث بن كعب و كانوا ليوث الحرب و فرسان الناس قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيامهم في الجاهلية فاجتمع

  القوم جميعا للمشورة و النظر في أمورهم و أسرعت إليهم القبائل من مذحج و عك و حمير و أنمار و من دنا منهم نسبا و دارا من قبائل سبإ و كلهم قد ورم أنفه أنفة و غضبا لقومهم و نكص من تكلم منهم بالإسلام ارتدادا فخاضوا و أفاضوا في ذكر المسير بنفسهم و جمعهم إلى رسول الله ص و النزول به بيثرب لمناجزته فلما رأى أبو حارثة حصين بن علقمة أسقفهم الأول و صاحب مدارسهم و علامهم و كان رجلا من بني بكر بن وائل ما أزمع القوم عليه من إطلاق الحرب دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن عينيه و قد بلغ يومئذ عشرين و مائة سنة ثم قام فيهم خطيبا معتمدا على عصا و كانت فيه بقية و له رأي و روية و كان موحدا يؤمن بالمسيح و بالنبي ع و يكتم ذلك من كفرة قومه و أصحابه فقال مهلا بني عبد المدان مهلا استديموا العافية و السعادة فإنهما مطويان في الهوادة دبوا إلى قوم في هذا الأمر دبيب الذر و إياكم و السورة العجلى فإن البديهة بها لا تنجب إنكم و الله على فعل ما لم تفعلوا أقدر منكم على رد ما فعلتم ألا إن النجاة مقرونة بالأناة ألا رب إحجام أفضل من إقدام و كأين من قول أبلغ من صول ثم أمسك فأقبل عليه كرز بن سبرة الحارثي و كان يومئذ زعيم بني الحارث بن كعب و في بيت شرفهم و المعصب فيهم و أمير حروبهم فقال لقد انتفخ سحرك و استطير قلبك أبا حارثة فظلت كالمسبوع اليراعة المهلوع تضرب لنا الأمثال و تخوفنا النزال لقد علمت و حق المنان بفضيلة الحفاظ بالنوء بالعب‏ء و هو عظيم و نلقح الحرب و هي عقيم نثقف أود الملك الجبار و لنحن أركان الرائس و ذي المنار اللذين شددنا ملكهما فأي أيامنا تنكر أم لأيها ويك تلمز فما أتى على آخر كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا و غضبا و هو لا يشعر فلما أمسك كرز بن سبرة أقبل عليه العاقب و اسمه عبد المسيح بن شرجيل و هو يومئذ عميد القوم و أمير رأيهم و صاحب مشورتهم الذي لا يصدرون جميعا إلا عن قوله فقال له أفلح وجهك و أنس ربعك و عز جارك و امتنع ذمارك ذكرت و حق مغبرة الجباه حسبا صميما و عيصا كريما و عزا قديما و لكن أبا سبرة لكل مقام مقال و لكل عصر رجال و المرء بيومه أشبه منه بأمسه و هي الأيام تهلك جيلا و تديل قبيلا و العافية أفضل جلباب و للآفات أسباب فمن أوكد أسبابها التعرض لأبوابها ثم صمت العاقب مطرقا فأقبل عليه السيد و اسمه أهتم بن النعمان و هو يومئذ أسقف نجران و كان نظير العاقب في علو المنزلة و هو رجل من عامله و عداده في لخم فقال له سعد جدك و سما جدك أبا وائلة إن لكل لامعة ضياء و على كل صواب نورا و لكن لا يدركه و حق واهب العقل إلا من كان بصيرا أنك أفضيت و هذان فيما تصرف بكما الكلمة إلى سبيلي حزن و سهل و لكل على تفاوتكم حظ من الرأي الربيق و الأمر الوثيق إذا أصيب به مواضعه ثم إن أخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم و أمر جسيم فما عندكم فيه قولوا و أنجزوا أ بخوع و إقرار أم نزوع قال عتبة و الهدير و النفر من أهل نجران فعاد كرز بن سبرة لكلامه و كان كميا أبيا فقال أ نحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا و مضى عليه آباؤنا و عرف ملوك الناس ثم العرب ذلك أ نتهالك إلى ذلك أم نقر بالجزية و هي الخزية حقا لا و الله حتى نجرد البواتر من أغمادها و

  تذهل الحلائل عن أولادها أو نشرق نحن و محمد بدمائنا ثم يديل الله عز و جل بنصره من يشاء قال له السيد اربع على نفسك و علينا أبا سبرة فإن سل السيف يسل السيوف و إن محمدا قد بخعت له العرب و أعطته طاعتها و ملك رجالها و أعنتها و جرت أحكامه في أهل الوبر منهم و المدر و رمقه الملكان العظيمان كسرى و قيصر فلا أراكم و الروح لو نهد لكم إلا و قد تصدع عنكم من حف معكم من هذه القبائل فصرتم جفاء كأمس الذاهب أو كلحم على وضم و كان فيهم رجل يقال له جهير بن سراقة البارقي من زنادقة نصارى العرب و كان له منزلة من ملوك النصرانية و كان مثواه بنجران فقال له أبا سعاد قل في أمرنا و أنجدنا برأيك فهذا مجلس له ما بعده فقال فإني أرى لكم أن تقاربوا محمدا و تطيعوه في بعض ملتمسه عندكم و لينطلق وفودكم إلى ملوك أهل ملتكم إلى الملك الأكبر بالروم قيصر و إلى ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة يعني ملوك السودان ملك النوبة و ملك الحبشة و ملك علوة و ملك الرعاوة و ملك الراحات و مريس و القبط و كل هؤلاء كانوا نصارى قال و كذلك من ضوى إلى الشام و حل بها من ملوك غسان و لخم و جذام و قضاعة و غيرهم من ذوي يمنكم فهم لكم عشيرة و موالي و أعوان و في الدين إخوان يعني أنهم نصارى و كذلك نصارى الحيرة من العباد و غيرهم فقد صبت إلى دينهم قبائل تغلب بنت وائل و غيرهم من ربيعة بن نزار لتسر وفودكم ثم لتخرق إليهم البلاد أغذاذا فيستصرخونهم لدينكم فستنجدكم الروم و تسير إليكم الأساودة مسير أصحاب الفيل و تقبل إليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن فإذا وصلت الأمداد واردة سرتم أنتم في قبائلكم و سائر من ظافركم و بذل نصره و موازرته لكم حتى تضاهئون من أنجذكم و أصرخكم من الأجناس و القبائل الواردة عليكم فأموا محمدا حتى تنيخوا به جميعا فسيعتق إليكم وافدا لكم من صبا إليه مغلوبا مقهورا و ينعق به من كان منهم في مدرته مكثورا فيوشك أن تصطلموا حوزته و تطفئوا جمرته و يكون لكم بذلك الوجه و المكان في الناس فلا تتمالك العرب حينئذ حتى تتهافت دخولا في دينكم ثم لتعظمن بيعتكم هذه و لتشرفن حتى تصير كالكعبة المحجوجة بتهامة هذا الرأي فانتهزوه فلا رأي لكم بعده فأعجب القوم كلام جهير بن سراقة و وقع منهم كل موقع فكاد أن يتفرقوا على العمل به و كان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بني قيس بن ثعلبة يدعى حارثة بن أثال على دين المسيح ع فقام حارثة على قدميه و أقبل على جهير و قال متمثلا

متى ما تقد بالباطل الحق يأبه و إن قدت بالحق الرواسي تنقدإذا ما أتيت الأمر من غير بابه ضللت و إن تقصد إلى الباب تهتدي

. ثم استقبل السيد و العاقب و القسيسين و الرهبان و كافة نصارى نجران بوجهه لم يخلط معهم غيرهم فقال سمعا سمعا يا أبناء الحكمة و بقايا حملة الحجة إن السعيد و الله من نفعته الموعظة و لم يعش عن التذكرة ألا و إني أنذركم و أذكركم قول مسيح الله عز و جل ثم شرح وصيته و نصه على وصيه شمعون بن يوحنا و ما يحدث على أمته من الافتراق ثم ذكر عيسى ع و قال إن الله جل جلاله أوحى إليه فخذ يا ابن أمتي كتابي بقوة ثم فسره لأهل سوريا بلسانهم و أخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم البديع الدائم الذي لا أحول و لا أزول إني بعثت رسلي و نزلت كتبي رحمة و نورا و عصمة لخلقي ثم إني باعث بذلك نجيب رسالتي أحمد صفوتي و خيرتي من بريتي البارقليطا عبدي أرسله في خلو من الزمان أبتعثه بمولده فاران من مقام إبراهيم ع أنزل عليه توراة حديثة أفتح بها أعينا عمياء و آذانا صماء و قلوبا غلفا طوبى لمن شهد أيامه و سمع كلامه فآمن به و اتبع النور الذي جاء به فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي فصل عليه فإني و ملائكتي نصلي عليه قالوا فما أتى حارثة بن أثال على قوله هذا حتى أظلم بالسيد و العاقب مكانهما و كرها ما قام به في الناس معربا و مخبرا عن المسيح ع بما أخبر و قدم من ذكر النبي محمد ص لأنهما كانا قد أصابا بموضعهما من دينهما شرفا بنجران و وجها عند ملوك النصرانية جميعا و كذلك عند سوقتهم و عربهم في البلاد فأشفقا أن يكون ذلك سببا لانصراف قومهما عن طاعتهما لدينهما و فسخا لمنزلتهما في الناس. فأقبل العاقب على حارثة فقال أمسك عليك يا حار فإن راد هذا الكلام عليك أكثر من قابله و رب قول يكون بلية على قائله و للقلوب نفرات عند الإصداع بمضنون الحكمة فاتق نفورها فلكل نبإ أهل و لكل خطب محل و إنما الذرك ما أخذ لك بمواضي النجاة و ألبسك جنة السلامة فلا تعدلن بهما حظا فإني لم آلك لا أبالك نصحا ثم أرم يعني أمسك فأوجب السيد أن يشرك العاقب في كلامه فأقبل على حارثة فقال إني لم أزل أتعرف لك فضلا تميل إليه الألباب فإياك أن تقتعد مطية اللجاج و أن توجف إلى آل السراب فمن عذر بذلك فلست فيه أيها المرء بمعذور و قد أغفلك أبو واثلة و هو ولي أمرنا و سيد حضرنا عتابا فأوله إعتابا ثم تعلم أن ناجم قريش يعني رسول الله ص يكون رزه قليلا ثم ينقطع و يكون بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبي المبعوث بالحكمة و البيان و السيف و السلطان يملك ملكا مؤجلا تطبق فيه أمته المشارق و المغارب و من ذريته الأمير الظاهر يظهر على جميع الملكات و الأديان و يبلغ ملكه ما طلع عليه الليل و النهار و ذلك يا حار أمل من ورائه أمد و من دونه أجل فتمسك من دينك بما تعلم و تمنع لله أبوك من أنس متصرم بالزمان أو لعارض من الحدثان فإنما نحن ليومنا و لغد أهله. فأجابه حارثة بن أثال فقال إيه عليك أبا قرة فإنه لا حظ في يومه لمن لا درك له في غده و اتق الله تجد الله جل و تعالى بحيث لا مفزع إلا إليه و عرضت مشيدا بذكر أبي واثلة فهو العزيز المطاع الرحب الباع و إليكما معا ملقى الرجال فلو أضربت التذكرة عن أحد لتبريز فضل لكنتماه لكنها أبكار الكلم تهدى لأربابها و نصيحة كنتما أحق من أصفى بها إنكما مليكا ثمرات قلوبنا و وليا طاعتنا في ديننا فالكيس الكيس يا أيها المعظمان عليكما به أرمقا ما بدهكما نواحيه و اهجرا سنة التسويف فيما أنتما بعرضه آثرا الله فيما آتاكما يؤثركما بالمزيد من فضله و لا تخلدا فيما أظلكما إلى الونية فإنه من أطال عنان الأمن أهلكته العزة و من اقتعد مطية الحذر كان بسبيل أمن من المتالف

  و من استنصح عقله كانت العبرة له لا به و من نصح لله عز و جل آنسه الله جل و تعالى بعز الحياة و سعادة المنقلب. ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال و زعمت أبا واثلة أن راد ما قلت أكثر من قابله و أنت لعمرو الله حري أن لا يؤثر هذا عنك فقد علمت و علمنا أمة الإنجيل معا بسيرة ما قام به المسيح ع في حواريه و من آمن له من قومه و هذه منك فهة لا يرحضها إلا التوبة و الإقرار بما سبق به الإنكار فلما أتى على هذا الكلام صرف إلى السيد وجهه فقال لا سيف إلا ذو نبوة و لا عليم إلا ذو هفوة فمن نزع عن وهله و أقلع فهو السعيد الرشيد و إنما الآفة في الإصرار و عرضت بذكر نبيين يخلقان زعمت بعد ابن البتول فأين يذهب بك عما خلد في الصحف من ذكرى ذلك أ لم تعلم ما انتبأ به المسيح ع في بني إسرائيل و قوله لهم كيف بكم إذا ذهب بي إلى أبي و أبيكم و خلف بعد أعصار تخلو من بعدي و بعدكم صادق و كاذب قالوا و من هما يا مسيح الله قال نبي من ذرية إسماعيل ع صادق و متنبئ من بني إسرائيل كاذب فالصادق منبعث منهما برحمة و ملحمة يكون له الملك و السلطان ما دامت الدنيا و أما الكاذب فله نبز يذكر به المسيح الدجال يملك فواقا ثم يقتله الله بيدي إذا رجع بي. قال حارثة و أحذركم يا قوم أن يكون من قبلكم من اليهود أسوة لكم إنهم أنذروا بمسيحين مسيح رحمة و هدى و مسيح ضلالة و جعل لهم على كل واحد منهما آية و أمارة فجحدوا مسيح الهدى و كذبوا به و آمنوا بمسيح الضلالة الدجال و أقبلوا على انتظاره و أضربوا في الفتنة و ركبوا نتجها و من قبل ما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم و قتلوا أنبياءه و القوامين بالقسط من عباده فحجب الله عز و جل عنهم البصيرة بعد التبصرة بما كسبت أيديهم و نزع ملكتهم منهم ببغيهم و ألزمهم الذلة و الصغار و جعل منقلبهم إلى النار. قال العاقب فما أشعرك يا حار أن يكون هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن يثرب و لعله ابن عمك صاحب اليمامة فإنه يذكر من النبوة ما يذكر منها أخو قريش و كلاهما من ذرية إسماعيل و لجميعهما أتباع و أصحاب يشهدون بنبوته و يقرون له برسالته فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها. قال حارثة أجل و الله أجدها و الله أكبر و أبعد مما بين السحاب و التراب و هي الأسباب التي بها و بمثلها تثبت حجة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله و أنبيائه و أما صاحب اليمامة فليكفك فيه ما أخبركم به سفهاؤكم و عيركم و المنتجعة منكم أرضه و من قدم من أهل اليمامة عليكم أ لم تخبركم جميعا عن رواد مسيلمة و سماعيه و من أوفده صاحبهم إلى أحمد بيثرب فعادوا إليه جميعا بما تعرفوا هناك في بني قيلة و تبينوا به قالوا قدم علينا أحمد يثرب و بئارنا ثماد و مياهنا ملحة و كنا من قبله لا نستطيب و لا نستعذب فبصق في بعضها و مج في بعض فعادت عذابا محلولية و جاش منهما ما كان ماؤها ثمادا فحار بحرا قالوا و تفل محمد في عيون رجال ذوي رمد و على كلوم رجال ذوي جراح فبرأت لوقته عيونهم فما اشتكوها و اندملت جراحهم فما ألموها في كثير مما أدوا و نبئوا عن محمد ص من دلالة و آية و أرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك فأنعم لهم كارها و أقبل بهم إلى بعض بئارهم فمج فيها و كانت الركي معذوذبة فحارت

  ملحا لا يستطاع و بصق في بئر كان ماؤها وشلا فعادت فلم تبض بقطرة من ماء و تفل في عين رجل كان بها رمد فعميت و على جراح أو قالوا جراح آخر فاكتسى جلده برصا فقالوا لمسيلمة فيما أبصروا في ذلك منه و استبرءوه فقال ويحكم بئس الأمة أنتم لنبيكم و العشيرة لابن عمكم إنكم تحيفتموني يا هؤلاء من قبل أن يوحى إلي في شي‏ء مما سألتم و الآن فقد أذن لي في أجسادكم و أشعار دون بئاركم و مياهكم هذا لمن كان منكم بي مؤمنا و أما من كان مرتابا فإنه لا يزيده تفلتي عليه إلا بلاء فمن شاء الآن منكم فليأت لأتفل في عينه و على جلده قالوا ما فينا و أبيك أحد يشاء ذلك إنا نخاف أن يشمت بك أهل يثرب و أضربوا عنه حمية لنسبه فيهم و تذمما لمكانه منهم. فضحك السيد و العاقب حتى فحصا الأرض بأرجلهما و قالا ما النور و الظلام و الحق و الباطل بأشد تباينا و تفاوتا مما بين هذين الرجلين صدقا و كذبا. قالوا و كان العاقب أحب مع ما تبين من ذلك أن يشيد ما فرط من تقريظه مسيلمة و يؤثل منزلته ليجعله لرسول الله ص كفؤا استظهارا بذلك في بقاء عزه و ما طار له من السمو في أهل ملته فقال و لئن فجر أخو بني حنيفة في زعمه أن الله عز و جل أرسله و قال من ذلك ما ليس له بحق فلقد بر في أن نقل قومه من عبادة الأوثان إلى الإيمان بالرحمن. قال حارثة أنشدك بالله الذي دحاها و أشرق باسمه قمراها هل تجد فيما أنزل الله عز و جل في الكتب السالفة يقول الله عز و جل أنا الله لا إله إلا أنا ديان يوم الدين أنزلت كتبي و أرسلت رسلي لأستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان و جعلتهم في بريتي و أرضي كالنجوم الدراري في سمائي يهدون بوحيي و أمري من أطاعهم أطاعني و من عصاهم فقد عصاني و إني لعنت و ملائكتي في سمائي و أرضي و اللاعنون من خلقي من جحد ربوبيتي أو عدل بي شيئا من بريتي أو كذب بأحد من أنبيائي و رسلي أو قال أوحي إلي و لم أوح إليه شيئا أو غمص سلطاني أو تقمصه متبرئا أو أكمه عبادي و أضلهم عني ألا و إنما يعبدني من عرف ما أريد من عبادتي و طاعتي من خلقي فمن لم يقصد إلي من السبيل التي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادته مني إلا بعدا. قال العاقب رويدك فأشهد لقد نبأت حقا. قال حارثة فما دون الحق من مقنع و لا بعده لامرئ مفزع و لذلك قلت الذي قلت. فاعترضه السيد و كان ذا محال و جدال شديد فقال ما أحرى و ما أرى أخا قريش مرسلا إلا إلى قومه بني إسماعيل دينه كذا و هو مع ذلك يزعم أن الله عز و جل أرسله إلى الناس جميعا. قال حارثة أ فتعلم أنت يا با قرة أن محمدا مرسل من ربه إلى قومه خاصة قال أجل قال أ تشهد له بذلك قال ويحك و هل يستطاع دفع الشواهد نعم أشهد غير مرتاب بذلك و بذلك شهدت له الصحف الدارسة و الأنباء الخالية فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الأرض بسبابته. قال السيد ما يضحكك يا ابن أثال قال عجبت فضحكت قال

  أ و عجب ما تسمع قال نعم العجب أجمع أ ليس بالإله بعجيب من رجل أوتي أثرة من علم و حكمة يزعم أن الله عز و جل اصطفى لنبوته و اختص برسالته و أيد بروحه و حكمته رجلا خراصا يكذب عليه و يقول أوحي إلي و لم يوح إليه فيخلط كالكاهن كذبا بصدق و باطلا بحق فارتدع السيد و علم أنه قد وهل فأمسك محجوجا. قالوا و كان حارثة بنجران جنيبا يعني غريبا فأقبل العاقب عليه و قد قطعه ما فرط إلى السيد من قوله فقال له عليك أخا بني قيس بن ثعلبة و احبس عليك ذلق لسانك و ما لم تزل تستحم لنا من مثابة سفهك فرب كلمة يرفع صاحبها بها رأسا قد ألقته في قعر مظلمة و رب كلمة لامت و رابت قلوبا نغلة فدع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره و إن كان عندك ما يتان اعتذاره ثم اعلم أن لكل شي‏ء صورة و صورة الإنسان العقل و صورة العقل الأدب و الأدب أدبان طباعي و مرتاضي فأفضلهما أدب الله جل جلاله و من أدب الله سبحانه و حكمته أن يرى لسلطانه حق ليس لشي‏ء من خلقه لأنه الحبل بين الله و بين عباده و السلطان اثنان سلطان ملكة و قهر و سلطان حكمة و شرع فأعلاهما فوقا سلطان الحكمة و قد ترى يا هذا أن الله عز و جل قد صنع لنا حتى جعلنا حكاما و قواما على ملوك ملتنا و من بعدهم من حشوتهم و أطرافهم فاعرف لذي الحق حقه أيها المرء و خلاك ذم ثم قال و ذكرت أخا قريش و ما جاء به من الآيات و النذر فأطلت و أعرضت و لقد بررت فنحن بمحمد عالمون و به جدا موقنون شهدت لقد انتظمت له الآيات و البينات سالفها و آنفها إلا آية هي أشفاها و أشرفها و إنما مثلها فيما جاء به كمثل الرأس للجسد فما حال جسد لا رأس له فأمهل رويدا نتجسس الأخبار و نعتبر الآثار و نستشف ما ألفينا مما أفضى إلينا فإن آنسنا الآية الجامعة الخاتمة لديه فنحن إليه أسرع و له أطوع و إلا فاعلم ما تذكر به النبوة و السفارة عن الرب الذي لا تفاوت في أمره و لا تغاير في حكمه. قال له حارثة قد ناديت فأسمعت و قرعت فصدعت و سمعت و أطعت فما هذه الآية التي أوحش بعد الآنسة فقدها و أعقب الشك بعد البينة عدمها. قال له العاقب قد أثلجك أبو قرة بها فذهبت عنها في غير مذهب و حاورتنا فأطلت في غير ما طائل حوارنا. قال حارثة و أنى ذلك فجلها الآن لي فداك أبي و أمي. قال العاقب أفلح من سلم للحق و صدع به و لم يرغب عنه و قد أحاط به علما فقد علمنا و علمت من أنباء الكتب المستودعة علم القرون و ما كان و ما يكون فإنها استهلت بلسان كل أمة منهم معربة مبشرة و منذرة بأحمد النبي العاقب الذي تطبق أمته المشارق و المغارب يملك و شيعته من بعده ملكا مؤجلا يستأثر مقتبلهم ملكا على الأحم منهم بذلك النبي تباعة و بيتا و يوسع من بعدهم أمتهم عدوانا و هضما فيملكون بذلك سبتا طويلا حتى لا يبقى بجزيرة العرب بيت إلا و هو راغب إليهم أو راهب لهم ثم يدال بعد لأي منهم و يشعث سلطانهم حدا حدا و بيتا فبيتا حتى تجي‏ء أمثال النغف من الأقوام فيهم ثم يملك أمرهم

  عليهم عبداؤهم و قنهم يملكون جيلا فجيلا يسيرون في الناس بالقعسرية خيطا خيطا و يكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا فتنتقص الأرض حينئذ من أطرافها و يشتد البلاء و تشتمل الآفات حتى يكون الموت أعز من الحياة الحمر أو أحب حينئذ إلى أحدهم من الحياة إلى المعافاة السليم و ما ذلك إلا لما يدهون به من الضر و الضراء و الفتنة العشواء و قوام الدين يومئذ و زعماؤه يومئذ أناس ليسوا من أهله فيمج الدين بهم و تعفو آياته و يدبر توليا و امحاقا فلا يبقى منه إلا اسمه حتى ينعاه ناعيه و المؤمن يومئذ غريب و الديانون قليل ما هم حتى يستأيس الناس من روح الله و فرجه إلا أقلهم و تظن أقوام أن لن ينصر الله رسله و يحق وعده فإذا بهم الشصائب و النقم و أخذ من جميعهم بالكظم تلافى الله دينه و راش عباده من بعد ما قنطوا برجل من ذرية نبيهم أحمد و نجله يأتي الله عز و جل به من حيث لا يشعرون تصلي عليه السماوات و سكانها و تفرج به الأرض و ما عليها من سوام و طائر و أنام و تخرج له أمكم يعني الأرض بركتها و زينتها و تلقي إليه كنوزها و أفلاذ كبدها حتى تعود كهيئتها على عهد آدم و ترفع عنهم المسكنة و العاهات في عهده و النقمات التي كانت تضرب بها الأمم من قبل و تلقى في البلاد الأمنة و تنزع حمة كل ذات حمة و مخلب كل ذي مخلب و ناب كل ذي ناب حتى أن الجويرية اللكاع لتلعب بالأفعوان فلا يضرها شيئا و حتى يكون الأسد في الباقر كأنه راعيها و الذئب في البهم كأنه ربها و يظهر الله عبده على الدين كله فيملك مقاليد الأقاليم إلى بيضاء الصين حتى لا يكون على عهده في الأرض أجمعها إلا دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده و بعث به آدم بديع فطرته و أحمد خاتم رسالته و من بينهما من أنبيائه و رسله فلما أتى العاقب على اقتصاصه هذا أقبل عليه حارثة مجيبا فقال أشهد بالله البديع يا أيها النبيه الخطير و العليم الأثير لقد ابتسم الحق بقيلك و أشرق الجناب بعدل منطقك و تنزلت كتب الله التي جعلها نورا في بلاده و شاهدة على عباده بما اقتصصت من مسطورها حقا فلم يخالف طرس منها طرسا و لا رسم من آياتها رسما فما بعد هذا قال العاقب فإنك زعمته أخا قريش فكنت بما تأثر من هذا حق غالط قال و بم أ لم تعترف له لنبوته و رسالته الشواهد قال العاقب بلى لعمرو الله و لكنهما نبيان رسولان يعتقبان بين مسيح الله عز و جل و بين الساعة اشتق اسم أحدهما من صاحبه محمد و أحمد بشر بأولهما موسى ع و بثانيهما عيسى ع فأخو قريش هذا مرسل إلى قومه و يقفوه من بعده ذو الملك الشديد و الأكل الطويل يبعثه الله عز و جل خاتما للدين و حجة على الخلائق أجمعين ثم يأتي من بعده فترة تتزايل فيها القواعد من مراسيها فيعيدها الله عز و جل على الدين كله فيملك هو و الملوك الصالحون من عقبه جميع ما طلع عليه الليل و النهار من أرض و جبل و بر و بحر يرثون أرض الله عز و جل ملكا كما ورثها و ملكا الأبوان آدم و نوح ع يلقون و هم الملوك الأكابر في مثل هيئة المساكين بذاذة و استكانة فأولئك الأكرمون الأماثل لا يصلح عباد الله و بلاده إلا بهم عليهم ينزل عيسى بن البشر ع على آخرهم بعد مكث طويل و ملك شديد لا خير في العيش بعدهم و تردفهم رجراحة طغام

  في مثل أحلام العصافير عليهم تقوم الساعة و إنما تقوم على شرار الناس و أخابثهم فذلك الوعد الذي صلى به الله عز و جل على أحمد كما صلى به على خليله إبراهيم في كثير مما لأحمد صلى الله عليه من البراهين و التأييد الذي خبرت به كتب الله الأولى. قال حارثة فمن الأثر المستقر عندك أبا واثلة في هذين الاسمين أنهما لشخصين لنبيين مرسلين في عصرين مختلفين قال العاقب أجل قال فهل يتخالجك في ذلك ريب أو يعرض لك فيه ظن قال العاقب كلا و المعبود أن هذا لأجلى من بوح و أشار له إلى جرم الشمس المستدير فأكب حارثة مطرقا و جعل ينكت في الأرض عجبا ثم قال إنما الآفة أيها الزعيم المطاع أن يكون المال عند من يخزنه لا من ينفقه و السلاح عند من يتزين به لا من يقاتل به و الرأي عند من يملكه لا من ينصره. قال العاقب لقد أسمعت يا حويرث فأقذعت و طفقت فأقدمت فمه قال أقسم بالذي قامت السماوات و الأرض بإذنه و غلب الجبابرة بأمره أنهما اسمان مشتقان لنفس واحدة و لنبي واحد و رسول واحد أنذر به موسى بن عمران و بشر به عيسى ابن مريم و من قبلهما أشار به في صحف إبراهيم ع. فتضاحك السيد يرى قومه و من حضرهم أن ضحكه هزء من حارثة و تعجبا و انتشط العاقب ذلك فأقبل على حارثة مؤنبا فقال لا يغررك باطل أبي قرة فإنه و إن ضحك لك فإنما يضحك منك قال حارثة لئن فعلها لأنها لإحدى الدهارس أو سوءة أ فلم تتعرفا راجع الله بكما من موروث الحكمة لا ينبغي للحكيم أن يكون عباسا في غير أرب و لا ضحاكا من غير عجب أ و لم يبلغكما عن سيدكما المسيح قال فضحك العالم في غير حينه غفلة من قلبه أو سكرة ألهته عما في غده قال السيد يا حارثة إنه لا يعيش و الله أحد بعقله حتى يعيش بظنه و إذا أنا لم أعلم إلا ما رويت فلا علمت أ و لم يبلغك أنت عن سيدنا المسيح علينا سلامه أن لله عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة ربهم و بكوا سرا من خيفة ربهم قال إذا كان هذا فنعم قال فما هنا فلتكن مراجم ظنونك بعباد ربك و عد بنا إلى ما نحن بسبيله فقد طال التنازع و الخصام بيننا يا حارثة قالوا و كان مجلسا ثالثا في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم. فقال السيد يا حارثة أ لم ينبئك أبو واثلة بأفصح لفظ اخترق أذنا و عاد لك بمثله مخبرا فألفاك مع عزماتك بموارده حجرا و ها أنا ذا أؤكد عليك التذكرة بذلك من معدن ثالث فأنشدك الله و ما أنزل إلى كلمة من كلماته هل تجد في الزاجرة المنقولة من لسان أهل سوريا إلى لسان العرب يعني صحيفة شمعون بن حمون الصفا التي توارثها عنه أهل نجران قال السيد أ لم يقل بعد نبذ طويل من كلام فإذا طبقت و قطعت الأرحام و عفت الأعلام بعث الله عبده الفارقليطا بالرحمة و المعدلة قالوا و ما الفارقليطا يا مسيح الله قال أحمد النبي الخاتم الوارث ذلك الذي يصلى عليه حيا و يصلى عليه بعد ما يقبضه إليه بابنه الطاهر الخابر ينشره الله في آخر الزمان بعد ما انفصمت عرى الدين و خبت مصابيح الناموس و أفلت نجومه فلا يلبث ذلك العبد الصالح إلا

  أمما حتى يعود الدين به كما بدأ و يقر الله عز و جل سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه و ينشر منه حتى يبلغ ملكه منقطع التراب قال حارثة قد أشدتما بهذه المأثرة لأحمد ص و كررتما بها القول و هي حق لا وحشة مع الحق و لا أنس في غيره فمه قال السيد فإن من الحق أن لا حظ في هذه الأكرومة لأبتر قال حارثة إنه لكذلك و ليس بمحمد ص قال السيد إنك ما عملت إلا لدا أ لم يخبرنا سفرنا و أصحابنا فيما تجسسنا من خبره أن ولديه الذكرين القرشية و القبطية بادا يعني هلكا و غودر محمد كقرن الأعضب مؤف على ضريحة فلو كان له بقية لكان لك بذلك مقالا إذا وليت أبناؤه الذي تذكر قال حارثة العبر لعمرو الله كثيرة و الاعتبار بها قليل و الدليل مؤف على سنن السبيل إن لم يعش عنه ناظر و كما أن الأبصار الرمدة لا تستطيع النظر في قرص الشمس لسقمها فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها ألا و من كان كذلك فلستماه و أشار إلى السيد و العاقب أنكما و يمين الله لمحجوجان بما آتاكم الله عز و جل من ميراث الحكمة و استودعكما من بقايا الحجة ثم بما أوجب لكما من الشرف و المنزلة في الناس فقد جعل الله عز و جل من آتاه سلطانا ملوكا للناس و أربابا و جعلكما حكما و قواما على ملوك ملتنا و ذادة لهم يفزعون إليكما في دينهم و لا تفزعان إليهم و تأمرانهم فيأتمرون لكما و حق لكل ملك أو موطئ الأكناف أن يتواضع لله عز و جل إذ رفعه و أن ينصح لله عز و جل في عباده و لا يدهن في أمره و ذكرتما محمدا بما حكمت له به الشهادات الصادقة و بينته فيه الأسفار المستحفظة و رأيتماه مع ذلك مرسلا إلى قومه لا إلى الناس جميعا و أن ليس بالخاتم الحاشر و لا الوارث العاقب لأنكما زعمتماه أبتر أ ليس كذلك قالا نعم قال أ رأيتكما لو كان له بقية و عقب هل كنتما ممتريين لما تجدان و بما تكذبان من الوراثة و الظهور على النواميس أنه النبي الخاتم و المرسل إلى كافة البشر قالا لا قال أ فليس هذا القيل لهذه الحال مع طول اللوائم و الخصائم عندكما مستقر قالا أجل قال الله أكبر قالا كبرت تكبيرا فما دعاك إلى ذلك قال حارثة الحق أبلج و الباطل لجلج و لنقل ماء البحر و لشق الصخر أهون من إماتة ما أحياه الله عز و جل و إحياء ما أماته الآن فاعلما أن محمدا غير أبتر و أنه الخاتم الوارث و العاقب الحاشر حقا فلا نبي بعده و على أمته تقوم الساعة و يرث الله الأرض و من عليها و أن من ذريته الأمير الصالح الذي بينتما و نبأتما أنه يملك مشارق الأرض و مغاربها و يظهره عز و جل بالخفية الإبراهيمية على النواميس كلها قالا أولى لك يا حارثة لقد أغفلناك و تأبى إلا مراوغة كالثعالبة فما تسأم المنازعة و لا تمل من المراجعة و لقد زعمت مع ذلك عظيما فما برهانك به قال أما و جدكما لأنبئكما ببرهان يجير من الشبهة و يشفي به جوى الصدور ثم أقبل على أبي حارثة حصين بن علقمة شيخهم و أسقفهم الأول فقال إن رأيت أيها الأب الأثير أن تؤنس قلوبنا و تثلج صدورنا بإحضار الجامعة و الزاجرة قالوا

  و كان هذا المجلس الرابع من اليوم الرابع و ذلك لما حلقت الشمس و ركدت و في زمن قيظ شديد فأقبلا على حارثة فقالا أرج هذا إلى غد فقد بلغت القلوب منا الصدور فتفرقوا على إحضار الزاجرة و الجامعة من غد للنظر فيهما و العمل بما يتراءان منهما فلما كان من الغد صار أهل نجران إلى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه و تبينه من الجامعة و لما رأى السيد و العاقب اجتماع الناس لذلك قطع بهما لعلمهما بصواب قول حارثة و اعترضاه ليصدانه عن تصفح الصحف على أعين الناس و كانا من شياطين الإنس فقال السيد إنك قد أكثرت و أمللت فض الحديث لنا مع فضه و دعنا من تبيانه فقال حارثة و هل هذا إلا منك و صاحبك فمن الآن فقولا ما شئتما فقال العاقب ما من مقال إلا ما قلنا و سنعود فنخبر بعد ذلك لك تخبيرا غير كاتمين لله عز و جل من حجة و لا جاحدين له آية و لا مفترين مع ذلك على الله عز و جل لعبد أنه مرسل منه و ليس برسوله فنحن نعترف يا هذا بمحمد ص أنه رسول من الله عز و جل إلى قومه من بني إسماعيل ع في غير أن يجب له بذلك على غيرهم من عرب الناس و لا أعاجمهم تباعة و لا طاعة بخروج له عن ملة و لا دخول معه في ملة إلا الإقرار له بالنبوة و الرسالة إلى أعيان قومه و دينه. قال حارثة و بم شهدتما له بالنبوة و الأمر قالا حيث جاءتنا فيه البينة من تباشير الأناجيل و الكتب الخالية فقال منذ وجب هذا لمحمد ص عليكما في طويل الكلام و قصيره و بدئه و عوده فمن أين زعمتما أنه ليس بالوارث الحاشر و لا المرسل إلى كافة البشر قالا لقد علمت و علمنا فما نمتري بأن حجة الله عز و جل لن ينتهي أمرها و إنها كلمة الله جارية في الأعقاب ما اعتقب الليل و النهار و ما بقي من الناس شخصان و قد ظننا من قبل أن محمدا ص ربها و أنه القائد بزمامها فلما أعقمه الله عز و جل بمهلك الذكورة من ولده علمنا أنه ليس به لأن محمدا أبتر و حجة الله عز و جل الباقية و نبيه الخاتم بشهادة كتب الله عز و جل المنزلة ليس بأبتر فإذا هو نبي يأتي و يخلد بعد محمد ص اشتق اسمه من اسم محمد و هو أحمد الذي نبأ المسيح ع باسمه و بنبوته و رسالاته الخاتمة و بملكة ابنه القاهرة الجامعة للناس جميعا على ناموس الله عز و جل الأعظم ليس بظهرة دينه و لكنه من ذريته و عقبه يملك قرى الأرض و ما بينهما من لوب و سهل و صخر و بحر ملكا مورثا موطأ و هذا نبأ أحاطت سفرة الأناجيل به علما و قد أوسعناك بهذا القيل سمعا و عدنا لك به آنفة بعد سالفة فما إربك إلى تكراره. قال حارثة قد أعلم أنا و إياكما في رجع من القول منذ ثلاث و ما ذاك إلا ليذكر ناس و يرجع فارط و يطمئن لنا الكلم و ذكرتما نبيين يبعثان يعتقبان بين مسيح الله عز و جل و الساعة قلتما و كلاهما من بني إسماعيل أولهما محمد بيثرب و ثانيهما أحمد العاقب و أما محمد ص أخو قريش هذا القاطن بيثرب فإنا به حق مؤمن أجل و هو و المعبود أحمد الذي نبأت به كتب الله عز و جل و دلت عليه آياته و هو حجة الله عز و جل و رسوله ص الخاتم الوارث حقا و لا نبوة و لا رسول لله عز و جل و لا حجة بين ابن البتول و الساعة غيره بلى و من كان منه من ابنته البهلولة الصديقة فأنتما ببلاغ الله إليكما من

  نبوة محمد ص في أمر مستقر و لو لا انقطاع نسله لما ارتبتما فيما زعمتما به أنه السابق العاقب قالا أجل إن ذلك لمن أكبر أماراته عندنا قال فأنتما و الله فيما تزعمان من نبي ثان من بعده في أمر ملتبس و الجامعة في ذلك يحكم بيننا فتنادى الناس من كل ناحية و قالوا الجامعة يا با حارثة الجامعة و ذلك لما مسهم في طول تحاور الثلاثة من السامة و الملل و ظن القوم مع ذلك أن الفلج لصاحبهما بما كانا يدعيان في تلك المجالس من ذلك فأقبل أبو حارثة إلى علج واقف منه أمما فقال امض يا غلام فأت بها فجاء بالجامعة يحملها على رأسه و هو لا يكاد يتماسك بها لثقلها. قال فحدثني رجل صدق من النجرانية ممن كان يلزم السيد و العاقب و يخف لهما في بعض أمورهما و يطلع على كثير من شأنهما قال لما حضرت الجامعة بلغ ذلك من السيد و العاقب كل مبلغ لعلمهما بما يهجمان عليه في تصفحها من دلائل رسول الله ص و صفته و ذكر أهل بيته و أزواجه و ذريته و ما يحدث في أمته و أصحابه من بوائق الأمور من بعده إلى فناء الدنيا و انقطاعها فأقبل أحدهما على صاحبه فقال هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه لقد شهدته أجسامنا و غابت عنه آراؤنا بحضور طغامنا و سفلتنا و لقلما شهد سفهاء قوم مجمعة إلا كانت لهم الغلبة قال الآخر فهم شر غالب لمن غلب إن أحدهم ليفتق بأدنى كلمة و يفسد في بعض ساعته ما لا يستطيع الآسي الحليم له رتقا و لا الخولي النفيس إصلاحا له في حول مجرم ذلك لأن السفيه هادم و الحليم بان و شتان بين البناء و الهدم قال فانتهز حارثة الفرصة فأرسل في خفية و سر إلى النفر من أصحاب رسول الله ص فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم فحضروا فلم يستطمع الرجلان فض ذلك المجلس و لا إرجاءه و ذلك لما تبينا من تطلع عامتهما من نصارى نجران إلى معرفة ما تضمنت الجامعة من صفة رسول الله ص و انبعاثهم له مع حضور رسل رسول الله لذلك و تأليب حارثة عليهما فيه و صغو أبي حارثة شيخهم إليه قال قال لي ذلك الرجل النجراني فكان الرأي عندهما أن ينقاد المائد همهما من هذا الخطب و لا يظهران شماسا منه و لا نفورا حذار أن يطرقا الظنة فيه إليهما و أن يكونا أيضا أول معتبر للجامعة و مستحث لها لئلا يفتات في شي‏ء من ذلك المقام و المنزلة عليهما ثم يستبينان الصواب في الحال و يستنجدانه ليأخذان بموجبه فتقدما لما تقدم في أنفسهما من ذلك إلى الجامعة و هي بين يدي أبي حارثة و حاذاهما حارثة بن أثال و تطاولت إليهما فيه الأعناق و حفت رسل رسول الله ص بهم فأمر أبو حارثة بالجامعة ففتح طرفها و استخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة علم ملكوت الله عز و جل جلاله و ما ذرأ و ما برأ في أرضه و سمائه و ما وصلهما جل جلاله به من ذكر عالميه و هي الصحيفة التي ورثها شيث من أبيه آدم ع عما دعا من الذكر المحفوظ فقرأ القوم السيد و العاقب و حارثة في الصحيفة تطلبا لما تنازعوا فيه من نعت رسول الله ص و صفته و من حضرهم يومئذ من الناس إليهم

  مضجون مرتقبون لما يستدرك من ذكرى ذلك فألفوا في المسباح الثاني من فواصلها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم معقب الدهور و فاصل الأمور سبقت بمشيتي الأسباب و ذللت بقدرتي الصعاب فأنا العزيز الحكيم الرحمن الرحيم أرحم و أترحم سبقت رحمتي غضبي و عفوي عقوبتي خلقت عبادي لعبادتي و ألزمتهم حجتي ألا إني باعث فيهم رسلي و منزل عليهم كتبي أبرم ذلك من لدن أول مذكور من بشر إلى أحمد نبيي و خاتم رسلي ذاك الذي أجعل عليه صلواتي و أسلك في قلبه بركاتي و به أكمل أنبيائي و نذري قال آدم ع إلهي من هؤلاء الرسل و من أحمد هذا الذي رفعت و شرفت قال كل من ذريتك و أحمد عاقبهم و وارثهم قال رب بما أنت باعثهم و مرسلهم قال بتوحيدي ثم أقفي ذلك بثلاثمائة و ثلاثين شريعة أنظمها و أكملها لأحمد جميعا فأذنت لمن جاءني بشريعة منها مع الإيمان بي و برسلي أن أدخله الجنة. ثم ذكر ما جملته أن الله تعالى عرض على آدم ع معرفة الأنبياء ع و ذريتهم و نظر إليهم آدم ع ثم قال ما هذا لفظه ثم نظر آدم ع إلى نور قد لمع فسد الجو المنخرق فأخذ بالمطالع من المشارق ثم سرى كذلك حتى طبق المغارب ثم سما حتى بلغ ملكوت السماء فنظر فإذا هو نور محمد رسول الله ص و إذا الأكناف به قد تضوعت طيبا و إذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه و شماله و من خلفه و أمامه أشبه شي‏ء به أرجا و نورا و يتلوها أنوار من بعدها تستمد منها و إذا هي شبيهة بها في ضيائها و عظمها و نشرها ثم دنت منها فتكللت عليها و حفت بها و نظر فإذا أنوار من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب و دون منازل الأوائل جدا جدا و بعض هذه أضوأ من بعض و هم في ذلك متفاوتون جدا ثم طلع عليه سواد كالليل و كالسيل ينسلون من كل وجهة و أوب فأقبلوا كذلك حتى ملئوا القاع والأكم فإذا هم أقبح شي‏ء صورا و هيئة و أنتنه ريحا فبهر آدم صلى الله عليه ما رأى من ذلك و قال يا عالم الغيوب و غافر الذنوب و يا ذا القدرة القاهرة و المشية الغالبة من هذا الخلق السعيد الذي كرمت و رفعت على العالمين و من هذه الأنوار المكتنفة له فأوحى الله عز و جل إليه يا آدم هذا و هؤلاء وسيلتك و وسيلة من أسعدت من خلقي هؤلاء السابقون المقربون و الشافعون المشفعون و هذا أحمد سيدهم و سيد بريتي اخترته بعلمي و اشتققت اسمه من اسمي فأنا المحمود و هو محمد و هذا صنوه و وصيه آزرته به و جعلت بركاتي و تطهيري في عقبه و هذه سيدة إمائي و البقية في علمي من أحمد نبيي و هذان السبطان و الخلفان لهم و هذه الأعيان الضارع نورها أنوارهم بقية منهم إلا أن كلا اصطفيت و طهرت و على كل باركت و ترحمت فكلا بعلمي جعلت قدوة عبادي و نور بلادي و نظر فإذا شبح في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح كما يزهر كوكب الصبح لأهل الدنيا فقال الله تبارك و تعالى و بعبدي هذا السعيد أفك عن عبادي الأغلال و أضع عنهم الآصار و أملأ أرضي

  به حنانا و رأفة و عدلا كما ملئت من قبله قسوة و قشعرية و جورا قال آدم رب إن الكريم من كرمت و إن الشريف من شرفت و حق يا إلهي لمن رفعت و أعليت أن يكون كذلك فيا ذا النعم التي لا تنقطع و الإحسان الذي لا يجازى و لا ينفد بم بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شرف عطائك و عظيم فضلك و حبائك كذلك من كرمت من عبادك المرسلين قال الله تبارك و تعالى إني أنا الله لا إله إلا أنا الرحمن الرحيم العزيز الحكيم عالم الغيوب و مضمرات القلوب أعلم ما لم يكن مما يكون كيف يكون و ما لا يكون كيف لو كان يكون و إني اطلعت يا عبدي في علمي على قلوب عبادي فلم أر فيهم أطوع لي و لا أنصح لخلقي من أنبيائي و رسلي فجعلت لذلك فيهم روحي و كلمتي و ألزمتهم عب‏ء حجتي و اصطفيتهم على البرايا برسالتي و وحيي ثم ألقيت بمكاناتهم تلك في منازلهم حوامهم و أوصيائهم من بعد فألحقتهم بأنبيائي و رسلي و جعلتهم من بعدهم ودائع حجتي و الأساة في بريتي لأجبر بهم كسر عبادي و أقيم بهم أودهم ذلك أني بهم و بقلوبهم لطيف خبير ثم اطلعت في قلوب المصطفين من رسلي فلم أجد فيهم أطوع لي و لا أنصح لخلقي من محمد خيرتي و خالصتي فاخترته على علم و رفعت ذكره إلى ذكري ثم وجدت قلوب حامته اللاتي من بعده على صبغة قلبه فألحقتهم به و جعلتهم ورثة كتابي و وحيي و أوكار حكمتي و نوري و آليت بي أن لا أعذب بناري من لقيني معتصما بتوحيدي و حبل مودتهم أبدا. ثم أمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى التي انتهى ميراثها إلى إدريس النبي صلى الله عليه قال و كان كتابتها بالقلم السرياني القديم و هو الذي كتب به من بعد نوح ع من ملوك الهياطلة و هم النماردة قال فاقتص القوم الصحيفة و أفضوا منها إلى هذا الرسم قالوا اجتمع إلى إدريس ع قومه و صحابته و هو يومئذ في بيت عبادته من أرض كوفان فخبرهم فيما اقتص عليهم قال إن بني أبيكم آدم ع لصلبه و بني بنيه و ذريته اختصموا فيما بينهم و قالوا أي الخلق عندكم أكرم على الله عز و جل و أرفع لديه مكانة و أقرب منه منزلة فقال بعضهم أبوكم آدم ع خلقه الله عز و جل بيده و أسجد له ملائكته و جعله الخليفة في أرضه و سخر له جميع خلقه و قال آخرون بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عز و جل و قال بعضهم لا بل حملة العرش الثمانية العظماء من الملائكة المقربين و قال بعضهم لا بل رؤساء الملائكة الثلاثة جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل ع و قال بعضهم لا بل أمين الله جبرئيل ع فانطلقوا إلى آدم صلى الله عليه فذكروا الذي قالوا و اختلفوا فيه فقال يا بني أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على الله عز و جل إنه و الله لما أن نفخ في

  الروح حتى استويت جالسا فبرق لي العرش العظيم فنظرت فيه فإذا فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله فلان أمين الله فلان أمين الله فلان خيرة الله عز و جل فذكر عدة أسماء مقرونة بمحمد صلى الله عليه و عليهم قال آدم ع ثم لم أر في السماء موضع أديم أو قال صفيح منها إلا و فيه مكتوب لا إله إلا الله و ما من موضع فيه مكتوب لا إله إلا الله إلا و فيه مكتوب خلقا لا خطا محمد رسول الله و ما من موضع فيه مكتوب محمد رسول الله إلا و فيه مكتوب فلان خيرة الله فلان صفوة الله فلان أمين الله عز و جل فذكر عدة أسماء ينتظم الحساب المعدود قال آدم ع فمحمد ص يا بني و من خط من تلك الأسماء معه أكرم الخلائق على الله عز و جل جميعا. ثم ذكر أن أبا حارثة سأل السيد و العاقب أن يقفا على صلوات إبراهيم ع الذي جاء بها الأملاك من عند الله عز و جل فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة قال أبو حارثة لا بل شارفوها بأجمعها و اسبروها فإنه أصرم للغدور و أرفع لحكة الصدور و أجدر أن لا ترتابوا في الأمر من بعد فلم يجدا من المصير إلى قوله من بد فعمد القوم إلى تابوت إبراهيم ع قال و كان الله عز و جل بفضله على من يشاء من خلقه قد اصطفى إبراهيم ع بخلته و شرفه بصلواته و بركاته و جعله قبلة و إماما لمن يأتي من بعده و جعل النبوة و الإمامة و الكتاب في ذريته يتلقاها آخر عن أول و ورثه تابوت آدم ع المتضمن للحكمة و العلم الذي فضله الله عز و جل به على الملائكة طرا فنظر إبراهيم ع في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوي العزم من الأنبياء المرسلين و أوصيائهم من بعدهم و نظر فإذا بيت محمد ص آخر الأنبياء عن يمينه علي بن أبي طالب ع آخذ بحجزته فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه هذا صنوه و وصيه المؤيد بالنصر فقال إبراهيم ع إلهي و سيدي من هذا الخلق الشريف فأوحى الله عز و جل هذا عبدي و صفوتي الفاتح الخاتم و هذا وصيه الوارث قال رب ما الفاتح الخاتم قال هذا محمد خيرتي و بكر فطرتي و حجتي الكبرى في بريتي نبأته و اجتبيته إذ آدم بين الطين و الجسد ثم إني باعثه عند انقطاع الزمان لتكملة ديني و خاتم به رسالاتي و نذري و هذا علي أخوه و صديقه الأكبر آخيت بينهما و اخترتهما و صليت و باركت عليهما و طهرتهما و أخلصتهما و الأبرار منهما و ذريتهما قبل أن أخلق سمائي و أرضي و ما فيهما و بينهما من خلقي ذلك لعلمي بهم و بقلوبهم إني بعبادي عليم خبير قال و نظر إبراهيم ع فإذا اثنا عشر عظيما تكاد تلألأ أشكالهم بحسنها نورا فسأل ربه جل و تعالى فقال رب نبئني بأسماء هذه الصور المقرونة بصورتي محمد و وصيه و ذلك لما رأى من رفيع درجاتهم و التحاقهم بشكلي محمد و وصيه ع فأوحى الله عز و جل إليه هذه أمتي و البقية من نبيي فاطمة الصديقة الزاهرة و جعلتها مع خليلها عصبة لذرية نبيي هؤلاء و هذان الحسنان و هذا فلان و هذا فلان و هذا كلمتي التي أنشر به رحمتي في بلادي و به أنتاش ديني و عبادي ذلك بعد إياس منهم و قنوط منهم من غياثي فإذا ذكرت محمدا نبيي بصلواتك فصل عليهم معه يا إبراهيم قال فعندها صلى

  عليهم إبراهيم ع فقال رب صل على محمد و آل محمد كما اجتبيتهم و أخلصتهم إخلاصا فأوحى عز و جل ليهنئك كرامتي و فضلي عليك فإني صائر بسلالة محمد و من اصطفيت معه منهم إلى قناة صلبك و مخرجهم منك ثم من بكرك إسماعيل ع فأبشر يا إبراهيم فإني واصل صلواتك بصلواتهم و متبع ذلك بركاتي و ترحمي عليك و عليهم و جاعل حناني و حجتي إلى الأمد المعدود و اليوم الموعود الذي أرث فيه سمائي و أرضي و أبعث له خلقي بفصل قضائي و إفاضة رحمتي و عدلي. قال فلما سمع أصحاب رسول الله ص ما أفضى إليه القوم من تلاوة ما تضمنت الجامعة و الصحف الدارسة من نعت رسول الله ص و صفة أهل بيته المذكورين معه بما هم به منه و بما شاهدوا من مكانتهم عنده ازداد القوم بذلك يقينا و إيمانا و استطيروا له فرحا. قال ثم صار القوم إلى ما نزل على موسى ع فألفوا في السفر الثاني من التوراة إني باعث في الأميين من ولد إسماعيل رسولا أنزل عليه كتابي و أبعثه بالشريعة القيمة إلى جميع خلقي أوتيه حكمتي و أؤيده بملائكتي و جنودي تكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لها كإسماعيل و إسحاق أصلين لشعبين عظيمين أكثرهم جدا جدا يكون منهم اثنا عشر قيما أكمل بمحمد ص و بما أرسله به من بلاغ و حكمة ديني و أختم به أنبيائي و رسلي فعلى محمد و أمته تقوم الساعة. فقال حارثة الآن اسفر الصبح لذي عينين و وضح الحق لمن رضي به دينا فهل في أنفسكما من مرض تستشفيان به فلم يرجعا إليه قولا. فقال أبو حارثة اعتبروا الأمارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح ع فصار القوم إلى الكتب و الأناجيل التي جاء بها عيسى صلى الله عليه فألفوا في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح ع يا عيسى يا ابن الطاهر البتول اسمع قولي و جد في أمري إني خلقتك من غير فحل و جعلتك آية للعالمين فإياي فاعبد و علي فتوكل و خذ الكتاب بقوة ثم فسره لأهل سوريا و أخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم الذي لا أحول و لا أزول فآمنوا بي و برسولي النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان نبي الرحمة و الملحمة الأول و الآخر قال أول النبيين خلقا و آخرهم مبعثا ذلك العاقب الحاشر فبشر به بني إسرائيل قال عيسى ع يا مالك الدهور و علام الغيوب من هذا العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي و لم تره عيني قال ذاك خالصتي و رسولي المجاهد بيده في سبيلي يوافق قوله فعله و سريرته علانيته أنزل عليه توراة حديثة أفتح بها أعينا عميا و آذانا صما و قلوبا غلفا فيها ينابيع العلم و فهم الحكمة و ربيع القلوب و طوباه و طوبى أمته قال رب ما اسمه و علامته و ما أكل أمته يقول ملك أمته و هل له من بقية يعني ذرية قال سأنبئك بما سألت اسمه أحمد منتخب من ذرية إبراهيم و مصطفى من سلالة إسماعيل ذو الوجه الأقمر و الجبين الأزهر راكب الجمل تنام عيناه و لا ينام قلبه يبعثه الله في أمة أمية ما بقي الليل و النهار مولده في بلد أبيه إسماعيل يعني مكة كثير الأزواج قليل الأولاد نسله من مباركة صديقة يكون له منها ابنة لها فرخان سيدان يستشهدان أجعل نسل أحمد منهما فطوباهما و لمن أحبهما و شد أيامهما فنصرهما قال عيسى ع إلهي و ما طوبى قال شجرة في الجنة ساقها و أغصانها من ذهب ورقها حلل و حملها

  كثدي الأبكار أحلى من العسل و ألين من الزبد و ماؤها من تسنيم لو أن غرابا طار و هو فرخ لأدركه الهرم من قبل أن يقطعها و ليس منزل من منازل أهل الجنة إلا و ظلاله فنن من تلك الشجرة. قال فلما أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عز و جل إلى المسيح ع من نعت محمد رسول الله ص و صفته و ملك أمته و ذكر ذريته و أهل بيته أمسك الرجلان مخصومين و انقطع التحاور بينهم في ذلك قال فلما فلج حارثة على السيد و العاقب بالجامعة و ما تبينوه في الصحف القديمة و لم يتم لهما ما قدروا من تحريفها و لم يمكنهما أن يلبسا على الناس في تأويلهما أمسكا عن المنازعة من هذا الوجه و علما أنهما قد أخطئا سبيل الصواب بذلك فصارا إلى بيعتهم آسفين لينظرا و يرتئيا و فزع إليهما نصارى نجران فسألوهما عن رأيهما و ما يعملان في دينهما فقالا ما معناه تمسكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد و سنسير إلى بني قريش إلى يثرب و ننظر ما جاء به و إلى ما يدعو إليه قال فلما تجهز السيد و العاقب للمسير إلى رسول الله ص بالمدينة انتدب معهما أربعة عشر راكبا من نصارى نجران هم من أكابرهم فضلا و علما في أنفسهم و سبعون رجلا من أشراف بني الحارث بن كعب و سادتهم قال و كان قيس بن الحصين ذو الغصة و يزيد بن عبد المدان ببلاد حضرموت فقدما نجران على تفيئة مسير قومهم فشخصا معهم فاعترز القوم في ظهور مطاياهم و جنبوا خيلهم و أقبلوا لوجوههم حتى وردوا المدينة. قال و لما استراث رسول الله ص خبر أصحابه أنفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرحها معه لمشارفة أمرهم فألفوهم و هم عامدون إلى رسول الله ص. قال و لما دنوا من المدينة أحب السيد و العاقب أن يباهيا المسلمين و أهل المدينة بأصحابهما و بمن حف من بني الحارث معهما فاعترضاهم فقالا لو كففتم صدور ركابكم و مسستم الأرض فألقيتم عنكم تفثكم و ثياب سفركم و شننتم عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا من شعثهم و ألقوا عنهم ثياب بذلتهم و لبسوا ثياب صونهم من الأتحميات و الحرير و الحبر و ذروا المسك في لممهم و مفارقهم ثم ركبوا الخيل و اعترضوا بالرماح على مناسج خيلهم و أقبلوا يسيرون رزدقا واحدا و كانوا من أجمل العرب صورا و أنمهم أجساما و خلقا فلما تشوفهم الناس أقبلوا نحوهم فقالوا ما رأينا وفدا أجمل من هؤلاء فأقبل القوم حتى دخلوا على رسول الله ص في مسجده و حانت صلاتهم فقاموا يصلون إلى المشرق فأراد الناس أن ينهوهم عن ذلك فكفهم رسول الله ص ثم أمهلهم و أمهلوه ثلاثا فلم يدعهم و لم يسألوه لينظروا إلى هديه و يعتبروا ما يشاهدون منه مما يجدون من صفته فلما كان بعد ثالثة دعاهم ص إلى الإسلام فقالوا يا أبا القاسم ما أخبرتنا كتب الله عز و جل بشي‏ء من صفة النبي المبعوث من بعدالروح عيسى ع إلا و قد تعرفناه فيك إلا خلة هي أعظم الخلال آية و منزلة و أجلاها أمارة و دلالة قال و ما هي قالوا إنا نجد في الإنجيل من صفة النبي الغابر من بعد المسيح أنه يصدق به و يؤمن به و أنت تسبه و تكذب به و تزعم أنه عبد قال فلم تكن خصومتهم و لا منازعتهم للنبي ص إلا في عيسى ع فقال النبي ص لا بل أصدقه و أصدق به و أؤمن به و أشهد أنه

  النبي المرسل من ربه عز و جل و أقول إنه عبد لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا قالوا و هل تستطيع العبيد أن تفعل ما كان يفعل و هل جاءت الأنبياء بما جاء به من القدرة القاهرة أ لم يكن يحيي الموتى و يبرئ الأكمه و الأبرص و ينبئهم بما يكنون في صدورهم و ما يدخرون في بيوتهم فهل يستطيع هذا إلا الله عز و جل أو ابن الله و قالوا في الغلو فيه و أكثروا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فقال ص قد كان عيسى أخي كما قلتم يحيي الموتى و يبرئ الأكمه و الأبرص و يخبر قومه بما في نفوسهم و بما يدخرون في بيوتهم و كل ذلك بإذن الله عز و جل و هو لله عز و جل عبد و ذلك عليه غير عار و هو منه غير مستنكف فقد كان لحما و دما و شعرا و عظما و عصبا و أمشاجا يأكل الطعام و يظمأ و ينصب و الله بأربه و ربه الأحد الحق الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ و ليس له ند قالوا فأرنا مثله جاء من غير فحل و لا أب قال هذا آدم ع أعجب منه خلقا جاء من غير أب و لا أم و ليس شي‏ء من الخلق بأهون على الله عز و جل في قدرته من شي‏ء و لا أصعب إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و تلا عليهم إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قالا فما نزداد منك في أمر صاحبنا إلا تباينا و هذا الأمر الذي لا نقره لك فهلم فلنلاعنك أينا أولى بالحق فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فإنها مثلة و آية معجلة فأنزل الله عز و جل آية المباهلة على رسول الله ص فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فتلا عليهم رسول الله ص ما نزل عليه في ذلك من القرآن فقال إن الله قد أمرني أن أصير إلى ملتمسكم و أمرني بمباهلتكم إن أقمتم و أصررتم على قولكم قالا و ذلك آية ما بيننا و بينك إذا كان غدا باهلناك ثم قاما و أصحابهما من النصارى معهما فلما أبعدا و قد كانوا نزلوا بالحرة أقبل بعضهم على بعض فقالوا قد جاءكم هذا بالفصل من أمره و أمركم فانظروا أولا بمن يباهلكم أ بكافة أتباعه أم بأهل الكتابة من أصحابه أو بذوي التخشع و التمسكن و الصفوة دينا و هم القليل منهم عددا فإن جاءكم بالكثرة و ذوي الشدة منهم فإنما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك فالفلج إذا لكم دونه و إن أتاكم بنفر قليل ذوي تخشع فهؤلاء سجية الأنبياء و صفوتهم و موضع بهلتهم فإياكم و الإقدام إذا على مباهلتهم فهذه لكم أمارة و انظروا حينئذ ما تصنعون بينكم و بينه فقد أعذر من أنذر فأمر ص بشجرتين فقصدتا و كسح ما بينهما و أمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء أسود رقيق فنشر على الشجرتين فلما أبصر السيد و العاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن و عبد المنعم و سارة و مريم و خرج معهما نصارى نجران و ركب فرسان بني الحارث بن كعب في أحسن هيئة و أقبل الناس من أهل المدينة من المهاجرين و الأنصار و غيرهم من الناس في قبائلهم و شعارهم من راياتهم و ألويتهم و أحسن شارتهم و هيئتهم لينظروا ما يكون من الأمر و لبث رسول الله ص في حجرته حتى متع النهار ثم خرج آخذا بيد علي و الحسن و الحسين أمامه و فاطمة ع من خلفهم فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التي خرج بها من حجرته فأرسل إليهما يدعوهما إلى ما دعواه إليه من المباهلة فأقبلا إليه فقالا بمن تباهلنا يا أبا القاسم قال بخير أهل الأرض و أكرمهم على الله عز و جل بهؤلاء و أشار لهما إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم قالا فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر و لا من

  الكثر و لا أهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك و اتبعك و ما نرى هاهنا معك إلا هذا الشاب و المرأة و الصبيين أ فبهؤلاء تباهلنا قال نعم أ و لم أخبركم بذلك آنفا نعم بهؤلاء أمرت و الذي بعثني بالحق أن أباهلكم فاصفارت حينئذ ألوانهما و كرا و عادا إلى أصحابهما و موقفهما فلما رأى أصحابهما ما بهما و ما دخلهما قالوا ما خطبكما فتماسكا و قالا ما كان ثم من خطب فنخبركم و أقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتي فيهم علما فقال ويحكم لا تفعلوا و اذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فو الله إنكم لتعلمون حق العلم أنه لصادق و إنما عهدكم بإخوانكم حديث قد مسخوا قردة و خنازير فعلموا أنه قد نصح لهم فأمسكوا قال و كان للمنذر بن علقمة أخي أسقفهم أبي حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له و كان نازحا عن نجران في وقت تنازعهم فقدم و قد اجتمع القوم على الرحلة إلى رسول الله ص فشخص معهم فلما رأى المنذر انتشار أمر القوم يومئذ و ترددهم في رأيهم أخذ بيد السيد و العاقب و أقبل على أصحابه فقال اخلوني و هذين فأعتزل بهما ثم أقبل عليهما فقال إن الرائد لا يكذب أهله و أنا لكما حق نصيح و عليكما جد شفيق فإن نظرتما لأنفسكما نجيتما و إن تركتما ذلك هلكتما و أهلكتما قالا أنت الناصح جيبا المأمون عيبا فهات قال أ تعلمان أنه ما باهل قوم نبيا قط إلا كان مهلكهم كلمح البصر و قد علمتما و كل ذي إرب من ورثة الكتب معكما أن محمدا أبا القاسم هذا هو الرسول الذي بشرت به الأنبياء ع و أفصحت بنعته و أهل بيته الأمناء و أخرى أنذركما بها فلا تعشوا عنها قالا و ما هي يا أبا المثنى قال انظرا إلى النجم قد استطلع على الأرض و إلى خشوع الشجر و تساقط الطير بإزائكما لوجوهها قد نشرت على الأرض أجنحتها و قاءت ما في حواصلها و ما عليها لله عز و جل من تبعة ليس ذلك إلا لما قد أظل من العذاب و انظرا إلى اقشعرار الجبال و إلى الدخان المنتشر و قزع السحاب هذا و نحن في حمارة القيظ و إبان الهجير و انظرا إلى محمد ص رافعا يده و الأربعة من أهله معه إنما ينتظر ما تجيبان به ثم اعلموا أنه إن نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا و لم نرجع إلى أهل و لا مال فنظرا فأبصرا أمرا عظيما فأيقنا أنه الحق من الله عز و جل فزلزلت أقدامهما و كادت أن تطيش عقولهما و استشعرا أن العذاب واقع بهما فلما أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة و الرهبة قال لهما إنكما إن أسلمتما له سلمتما في عاجلة و آجلة و إن آثرتما دينكما و غضارة أيكتكما و شححتما بمنزلتكما من الشرف في قومكما فلست أحجر عليكما الضن بما نلتما من ذلك و لكنكما بدهتما محمدا ص يتطلب المباهلة له و جعلتماها حجازا و آية بينكما و بينه و شخصتما من نجران و ذلك من بالكما فأسرع محمد ص إلى ما بغيتما منه و الأنبياء إذا أظهرت بأمر لم ترجع إلا بقضائه و فعله فإذ نكلتما عن ذلك و أذهلتكما مخافة ما تريان فالحظ في النكول

  لكما فالوحا يا إخوتي الوحا صالحا محمدا ص و ارضياه و لا ترجئا ذلك فإنكما و أنا معكما بمنزلة قوم يونس لما غشيهم العذاب قالا فكن يا أبا المثنى أنت الذي تلقى محمدا ص بكفالة ما يبتغيه لدينا و التمس لنا إليه ابن عمه هذا ليكون هو الذي يبرم الأمر بيننا و بينه فإنه ذو الوجه و الزعيم عنده و لا تبطئن لنطمأن بما ترجع إلينا به و انطلق المنذر إلى رسول الله ص فقال السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله الذي ابتعثك و أنك و عيسى عبدان لله عز و جل مرسلان فأسلم و بلغه ما جاء له فأرسل رسول الله ص عليا لمصالحة القوم فقال علي ع بأبي أنت على ما أصالحهم فقال له رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم رأيي فصار إليهم فصالحاه على ألف حلة و ألف دينار خرجا في كل عام يؤديان شطر ذلك في المحرم و شطرا في رجب فصار علي ع بهما إلى رسول الله ص ذليلين صاغرين و أخبره بما صالحهما عليه و أقرا له بالخرج و الصغار فقال لهما رسول الله ص قد قبلت ذلك منكم أما إنكم لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم الوادي نارا تأجج ثم لساقها الله عز و جل في أسرع من طرف العين إلى من وراءكم فحرقهم تأججا فلما رجع النبي ص بأهل بيته و صار إلى مسجده هبط عليه جبرئيل فقال يا محمد إن الله عز و جل يقرئك السلام و يقول لك إن عبدي موسى ع باهل عدوه قارون بأخيه هارون و بنيه فخسفت بقارون و أهله و ماله و بمن آزره من قومه و بعزتي أقسم و بجلالي يا أحمد لو باهلت بك و بمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض و الخلائق جميعا لتقطعت السماء كسفا و الجبال زبرا و لساخت الأرض فلم تستقر أبدا إلا أن أشاء ذلك فسجد النبي ص و وضع على الأرض وجهه ثم رفع يديه حتى تبين للناس عفرة إبطيه فقال شكرا للمنعم شكرا للمنعم قالها ثلاثا فسئل نبي الله ص

  عن سجدته و عما رأى من تباشير السرور في وجهه فقال شكرا لله عز و جل لما أبلاني من الكرامة في أهل بيتي ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل ع. بيان و إلا أذنا كعلما بمعناه قال تعالى فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ و يقال ضويت إليه أضوي ضويا إذا آويت إليه و انضممت ذكره الجوهري و قال دهماء الناس جماعتهم و قال الخطة بالضم الأمر و القصة و قال حفزه يحفزه دفعه من خلفه و بالرمح طعنه و عن الأمر أعجله و أزعجه و قال يقال أزمعت على أمر إذا ثبت عليه عزمه و كانت فيه بقية أي من القوة أو شفقة و إبقاء على قومه في القاموس أبقيت ما بيننا لم أبالغ في إفساده و الاسم البقية و أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ أي إبقاء أو فهم و الهوادة الصلح قوله دبوا إلى قوم لعله بتشديد الباء و رفع قوم من قبيل أكلوني البراغيث أو بالتخفيف و جر قوم أي دب قوم إلى قوم في هذا الأمر كدبيب النمل من غير روية و تأمل و في بعض النسخ القديمة أي قوم حرف نداء فدبوا أمر و المراد به التأني و التثبت و ترك الاستعجال و هو أظهر و السورة الشدة و الحدة و السطوة و الاعتداء قوله فإن البديهة بها أي المفاجاة بالسورة من غير تأمل لا ينجب و لا يحسن و الأناة كقناة الترفق و الحلم و الإحجام الكف و الصول الاستطالة و الحملة و المعصب كمحدث السيد المطاع لأنه يعصب بالتاج أو تعصب به أمور الناس أي تردد إليه و السحر بالفتح و الضم و التحريك الرية و يقال للجبان انتفخ سحره و في القاموس استطار الفجر انتشر و الحائط انصدع و استطير طير و فلان ذعر و المسبوع الذي افترسه السبع أو افترس ولده و اليراعة الأحمق و الجبان و النعامة و الهلع أفحش الجزع قوله بالنوء بالعب‏ء أي حمل الأثقال العظيمة يقال ناء بالحمل إذا نهض به مثقلا و العب‏ء بالكسر الحمل قوله و تلقيح الحرب أي جعل الحرب ذات حمل أي فائدة و هو عقيم أي معطلة غير قائمة و غير مفيدة و في بعض النسخ نلقح بصيغة المتكلم و تثقيف الرماح تسويتها و الأود بالتحريك الاعوجاج. و قوله ويك بمعنى ويلك و اللمز العيب و الربع بالفتح الدار و المحلة و المنزل و الذمار بالكسر ما يلزمك حفظه و حمايته و في القاموس العيص بالكسر الشجر الكثير الملتف و الأصل و ما اجتمع و تدانى من العضاة و في بعض النسخ عصبا و هو بالتحريك خيار القوم. قوله و المرء بيومه أي ينبغي للإنسان أن ينظر إلى أحوال زمانه فيعمل ما يناسبه و لا يقيس على الأزمنة السالفة و الجيل بالكسر الصنف من الناس و الجلباب الملحفة. قوله من الرأي الربيق أي الرأي الذي عزم عليه كأنه مشدود في ربقة أو يلزم العمل به كأنه يجعل عنق الإنسان في ربقة و هي العروة التي يشد بها البهيمة يقال ربقه يربقه بالضم و الكسر إذا جعل رأسه في الربقة و الربيقة كسفينة البهيمة المربوقة و في بعض النسخ القديمة بالتاء من الرتق ضد الفتق و هو أصوب. و قال الفيروزآبادي النجد الغلبة و أنجد ارتفع و الدعوة أجابها و النجدة القتال و الشجاعة و الشدة و الهول و نجد الأمر وضح و استبان و التنجيد العدو و التزيين و استنجد استعان و قوي بعد ضعف و في بعض النسخ بالذال المعجمة يقال نجذه أي ألح عليه و نجز كفرح و نصر انقضى و فني و الوعد حضر و الكلام انقطع و أنجز حاجته قضاها و الوعد وفى به و بخع بالحق بخوعا أقر به و خضع له و نزع عن الأمر انتهى عنه و الكمي الشجاع. قوله أ نتهالك أي نسرع إلى هذا الدين فندخل فيه من غير روية من قولهم تهالك الفراش إذا تساقط و البواتر السيوف القاطعة. قوله أو نشرق على المجرد أي نظهر أو على التفعيل من قولهم شرق

  إذا أخذ في ناحية المشرق و لعله تصحيف. و قولهم اربع على نفسك بفتح الباء أي ارفق بنفسك و كف و رمقته أرمقه نظرت إليه قوله و الروح أقسم بروح القدس و نهد إلى العدو كمنع أي نهض و الجفاء بالضم ما قذفه السيل و الوضم بالتحريك كل شي‏ء يجعل عليه اللحم من خشب أو بارية يوقى به من الأرض و الخرق قطع المفاوز و الإغذاذ الإسراع في السير و أعنق أسرع في السير و في نسخة قديمة بالتاء المثناة الفوقانية من عتق الفرس كضرب أي سبق فنجا و نعق الراعي بغنمه يعنق بالكسر أي صاح بها و زجرها و المدرة البلدة و المكثور المغلوب بالكثرة و الحوزة الناحية و انتهزه اغتنمه. و قال الجوهري عشوت إلى النار أعشو إليها عشوا إذا استدللت عليها ببصر ضعيف و إذا صدرت عنه إلى غيره قلت عشوت عنه و منه قوله تعالى وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ و الخلق بالتحريك البالي و هنا كناية عن فساد الزمان و امتداد الفترة و في القديمة في خلو بالواو المشددة أي عند خلو الزمان من الحجج و آثار الهداية و فاران اسم جبل بمكة كما مر و السوقة خلاف الملك و الصدع الشق و صدع بالأمر تكلم به جهارا و الدرك بالتحريك اللحاق و الوصول إلى الشي‏ء و أرم القوم أي سكتوا و القعدة بالضم من الإبل الذي يركبه الراعي في كل وجه و اقتعده اتخذه قعدة و الآل الذي تراه أول النهار و آخره كأنه يرفع الشخوص و ليس بالسراب و أغفلت الشي‏ء إذا تركته على ذكر منك و أغفله أي غفل عنه عتابا تميز عن نسبة أغفل أو حضر و الحاصل حضرنا و عاتبنا فأوله إعتابا أي أعطه ما يصير سببا لرضاه يقال أعتبه أي أعطاه العتبى و هو الرضا و نجم الشي‏ء ظهر و طلع. قوله يكون رزه قليلا في بعض النسخ بتقديم المهملة و هو بالكسر الصوت و في بعضها بتأخيرها و هو بالفتح العض و في النسخة القديمة بتقديم المهملة و ضمها مهموزا بمعنى المصيبة و هو أصوب و إيه بكسر الهمزة و الهاء منونا و غير منون استزادة في الكلام فإذا أسكته و كففته قلت إيها عنا و إذا أردت التبعيد قلت أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات ذكره الجوهري. و قال برز الرجل فاق على أصحابه و الحاصل أنه لو كان تفوق رجل و فضله مانعا من التذكير لكنتما مصداق ذلك لكن ليس كذلك قوله أصغى بها أي إليها و في القديمة بالفاء من قولهم أصفى فلانا بكذا أي آثره و يقال رمقه أي لحظه لحظا خفيفا و بدهه أمر فجأه و النواحي الجوانب و في بعض النسخ بواجبة أي بما يجب و يلزم من الرمق سنة التسويف أي الغفلة الداعية إلى تأخير النظر أو هو بالضم و التشديد أي طريقته و أخلدت إلى فلان أي ركنت إليه و يقال ونيت في الأمر ونية أي ضعفت قوله أن لا يؤثر أي يروى و يذكر عنك و الفهة بالفتح و تشديد الهاء السقطة و الجهلة و الرحض بالحاء المهملة و الضاد المعجمة غسل الثوب و الجسد و يقال نبا السيف إذا لم يعمل في الضريبة و الهفوة الزلة و يقال وهل كفرح ضعف و فزع و عنه غلط فيه و نسيه و توهله عرضه لأن يغلط و خلد خلودا دام و بالمكان أقام و الملحمة القتال و النبز بالفتح مصدر نبزه ينبزه أي لقبه و بالتحريك اللقب و الفواق بالضم و الفتح ما بين الحلبتين من الوقت و هو كناية عن قلة زمان ملكه. قوله و أضربوا في الفتنة لعله من قولهم أضرب الرجل الفحل الناقة فضربها و فيه استعارة بليغة و قطن بالمكان أقام به و النجعة طلب الكلاء في موضعه تقول منه انتجعت و انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفه و الرواد جمع الرائد و هو الذي يبعث لاستعلام الأمر و في الأصل هو الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء و مساقط الغيث و منه قولهم الرائد لا يكذب أهله و وفد فلان على

  الأمير ورد رسولا و أوفدته أرسلته و المراد بصاحبهم مسيلمة و بنو قيلة الأنصار و الثمد بالفتح و التحريك و ككتاب الماء القليل الذي لا مادة له و ماء ملح بالكسر أي ليس بعذب و استعذب القوم ماءهم إذا استقوه عذبا و مج الماء من فيه رمى به و احلولى أي صار حلوا و جاش الوادي كثر ماؤه و زخر و امتد و حار أي رجع و تحير الماء اجتمع و دار و الجراح جمع الجراحة بكسرهما و الكلم الجراحة و قال الجوهري الألم الوجع و قد ألم يألم ألما و قولهم ألمت بطنك كقولهم رشدت أمرك أي ألم بطنك و أنعم له أي قال له نعم و الركي جمع الركية و هي البئر و الوشل بالتحريك الماء القليل و بض الماء يبض بالكسر أي سال قليلا قليلا و تحيفته تنقصته من حيفه أي من نواحيه قوله و أبيك الواو للقسم و التذمم الاستنكاف و فرط إليه مني قول أي سبق و التقريظ المدح بباطل أو حق و التأثيل التأصيل قوله دحاها أي الأرض و القمران الشمس و القمر و الكوكب الدري الثاقب المضي‏ء. و قال الفيروزآبادي غمصه كضرب و سمع و فرح احتقره كاغتمصه و عابه و تهاون بحقه و النعمة لم يشكرها و التقمص لبس القميص أي ادعى سلطان الله و خلافته متبرئا من صاحبه أو من شرائطه أو بغير همز من قولهم تبريت له أي تعرضت لمعروفه و الأظهر أنه كان مبتزا بالزاء أي غاصبا من قولهم ابتز الشي‏ء أي سلبه و الكمه العمى قوله رويدك أي أمهل و المقنع بالفتح ما يقنع به و المحال ككتاب الكيد و المكر و القدرة و الجدال و المعاداة قوله الدارسة أي القديمة من درست الآثار عفت و درس الثوب خلق و الخالية الماضية و النكت أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها. قوله أثرة من علم بالتحريك أي بقية و الخراص الكذاب و المحجوج المغلوب بالحجة و يقال جنب أي نزل غريبا. قوله ما لم تزل تستخم في بعض النسخ بالخاء المعجمة من قولهم خم البئر و البيت أي كنسها و الناقة حلبها و في بعضها بالمهملة يقال استحم أي اغتسل أو عرق و حم حمة قصده و التنور سجره و الماء سخنه و في بعضها بالجيم و لعله من قولهم استجم الفرس إذا استراح و قال الجوهري يقال إني لأستجم قلبي بشي‏ء من اللهو لأقوى به على الحق أي لم تزل تستريح و تتقوى لنا في بيتك و تهيئ لنا الحشو من الكلام لتجادلنا به و المثابة المرجع و المنزل و موضع حبالة الصائد و يقال لامت بين القوم أي أصلحت و جمعت و رابت الإناء شعبته و أصلحته و منه قولهم اللهم ارأب بينهم أي أصلح و نغل قلبه على أي ضغن و يقال نغلت نياتهم أي فسدت ما يتسان بتشديد النون من السنن و هو الطريقة أي لم يتطرق و يقال من حشوة بني فلان بالكسر أي من رذالهم و الأطراف جمع طرف بالكسر و هو الكريم الطرفين و خلاك ذم أي أعذرت و سقط عنك الذم و يقال استشفه أي نظر ما وراءه و قد أثلجك كذا فيالنسخ القديمة من قولهم ثلجت نفسي أي اطمأنت و الإثلاج الإفلاج و المجاوبة المحاورة و تجلية الشي‏ء كشفه و إيضاحه قوله يستأثر مقتبلهم الاستيثار الاستبداد و اقتبل أمره استأنفه و اقتبل الخطبة ارتجلها أو المراد بالمقتبل من يقبل الدين بكراهة اضطرارا و الأحم الأقرب و تباعة و بيتا تميزان أي على من كان أقرب منهم من جهة المتابعة و البيت أي النسب و هذا إشارة إلى غصب الخلافة أي يستبد بأمر الخلافة من لم يسبق له نص و لا فضيلة على من هو أقرب من ذلك النبي نسبا و فضلا من كل أحد و السبت الدهر و النغف بالتحريك الدود الذي يكون في أنوف الإبل و الغنم و في حديث يأجوج و مأجوج فيرسل عليهم النغف و العبداء بالقصر و المد جمع العبد كالعبدان و العبدان بالضم و الكسر و القن بالكسر عبد ملك هو و أبواه للواحد و الجمع و القعسرة الصلابة و الشدة. قوله خيطا بالياء المثناة و هو السلك و الجماعة من النعام و الجراد أو بالموحدة من قولهم خبط خبط عشواء و يقال أتوا خبطة أي جماعة جماعة.

  و قال الجزري فيه ثم يكون ملك عضوض أي يصيب الرعية فيه عسف و ظلم كأنهم يعضون فيه عضا. و قال الفيروزآبادي الضرس كالضرب العض الشديد بالأضراس و اشتداد الزمان و قال الجمر من حر الغيظ أشده و من الرجل شره و قوله إلى المعافا كأنه بدل من قوله إلى أحدهم قوله لما يدهون على بناء المجهول أي يصابون بالدواهي و الأمور العظيمة و العشواء الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شي‏ء و ركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة و الشصائب الشدائد و يقال أخذت بكظمه بالتحريك أي بمخرج نفسه و رشت فلانا أصلحت حاله. و قال الجزري في أشراط الساعة و تقي‏ء الأرض أفلاذ كبدها أي تخرج كنوزها المدفون فيها و هو استعارة و الأفلاذ جمع فلذ و الفلذ جمع فلذة و هي القطعة المقطوعة طولا. و الحمة بضم الحاء و تخفيف الميم و قد يشدد السم و رجل لكع أي لئيم و يقال هو ذليل النفس و امرأة لكاع مثال قطام و الأفعوان بضم الهمزة و العين ذكر الأفاعي و الباقر جماعة البقر مع رعاتها و البهم بالفتح جمع بهمة و هي أولاد الضأن و بالضم جمع البهيمة و البيضاء كورة بالمغرب و يقال فلان أثيري أي من خلصائي و الجناب الفناء و الرحل و الناحية و الطرس بالكسر الصحيفة. قوله فمما بعد هذا أي فمن أي شي‏ء و لأي سبب تتأمل في الإيمان بعد هذا البيان. و البذاذة هيئة أهل الفقر و الأمثل الأفضل و الرجرجة الاضطراب و الجماعة الكثيرة في الحرب و من لا عقل له و الطغام كسحاب رذال الناس و بوح بالباء الموحدة المضمومة و يوح بالياء المثناة التحتانية المضمومة كلاهما اسم للشمس و الزعيم سيد القوم و رئيسهم و المتكلم عنهم و قذعه كمنعه و أقذعه رماه بالفحش و سوء القول و طفق في الفعل شرع و طفق الموضع لزمه و الدهارس جمع الدهرس كجعفر و هو الداهية و الخفة و النشاط. قوله حتى يعيش بظنه لعل المعنى أن الذين يعيشون بعقولهم و يستبدون بها يتبعون الظنون الفاسدة أو المعنى أن العاقل لا يكون عاقلا إلا أن يجد أشياء بظنه و فهمه و لا يتوقف فهمه على الرواية و الأثر و لعله كان في الموضعين يغتر من الاغترار قوله إلا ما رويت لعله على الخطاب أي إن كنت لا أعلم إلا روايتك التي رويت فلست من أهل العلم قوله إذا كان هذا فنعم أي إذا كانت تلك الرواية مروية فضحكك حسن أو إذا كان ضحكك على هذا الوجه فله وجه قوله فما هنا أي فما قلت في هذا المقام من الظنون التي رجمت بها عباد ربك و في بعض النسخ فكف مراجم و هو أظهر فقوله فما هنا أي أي شي‏ء كان هاهنا غير هذا الوجه على الوجه الثاني و على الوجه الأول لما كان كلامه مشعرا بعدم صحة الخبر قال فما هنا أي انتسب إلى الكذب و في النسخة القديمة فهاهنا فلتكن و كأنه أصوب و الفصم الكسر و خبت النار سكنت و طفئت و أفل كضرب و نصر و علم غاب و الأمم بالتحريك القرب و اليسير و البين من الأمر و لده خصمه و الألد الخصم الذي لا يزيغ إلى الحق و لددت لدا صرت ألد و المغادرة الترك و الأعضب المكسور القرن و الأعضب من الرجال من لا ناصر له قوله موف على ضريحه أي مشرف على الموت من أوفى على الشي‏ء أشرف عليه فلا يترقب له بعد ذلك ولد و ذدت الإبل سقتها و طردتها و رجل ذائد و ذواد أي حامي الحقيقة دفاع. قوله أو موطأ الأكناف الأكناف الجوانب و هو إما كناية عن حسن الخلق من قولهم فراش وطي‏ء أي لا يؤذي جنب النائم أو عن الكرم و العز و كثرة ورود الأضياف و غيرهم عليهم.

  و قال الجوهري البلوج الإشراف و بلج الحق إذا اتضح يقال الحق أبلج و الباطل لجلج و قال التلجلج التردد في الكلام و الباطل لجلج أي يردد من غير أن ينفذ و قولهم أولى لك تهدد و وعيد قوله أغفلناك أي تركناك و في بعض النسخ أعقلناك من أعقله أي وجده عاقلا و في بعضها أعضلناك يقال أعضلني فلان أي أعياني أمره و عضلت عليه تعضيلا إذا ضيقت عليه في أمره و راغ الرجل و الثعلب مال و حاد عن الشي‏ء و المراوغة المصارعة و الجوى داء الجوف إذا تطاول و يقال ثلجت نفسي كنصرت اطمأنت و تحليق الشمس ارتفاعها و يقال أرجأت الأمر و أرجيته أي أخرته و قطع بفلان إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت أو قامت عليه راحلته أو أتاه أمر لا يقدر أن يتحرك قوله فض الحديث بالفاء و الضاد المعجمة و الفض الكسر أو بالقاف و الصاد المهملة من قص الجناح أو القطع أو من القصة أو بالقاف و الضاد المعجمة من قض اللؤلؤة ثقبها و الشي‏ء دقه و الوتد قطعه و جاءوا قضهم و قضيضهم أي جميعهم. قوله فنخبر بالخاء المعجمة بمعنى الإخبار أو الاختبار أو بالمهملة من تحبير الكلام تحسينه و التباشير البشرى و تباشير الصبح أوائله. قوله ليس بظهرة دينه أي ليس هذا الرجل من أعوان دينه و أمته بل من ذريته و اللوب بالضم جمع اللوبة و اللابة و هي الحرة قوله موطأ أي متهيأ له و الإرب بالكسر الحاجة و الفارط المقصر و المضيع. قوله البهلولة البهلول بالضم السيد الجامع لكل خير و في بعض النسخ البتولة و هو أظهر و الآسي كالقاضي الطبيب و الخائل الحافظ للشي‏ء يقال هو خولي مال أي حسن القيام به. و في القاموس حول مجرم كمعظم تام. و التأليب التحريض و الصغو بالفتح و الكسر الميل و تقول أصغيت إلى فلان إذا ملت بسمعك نحوه و شمس الفرس شموسا و شماسا منع ظهره. قوله لئلا يفتات في القاموس لا يفتات عليه لا يعمل دون أمره. و استنجدني فأنجدته أي استعان بي فأعنته. و قال أبو عبيد أضج القوم إضجاجا إذا جلبوا و صاحوا فإذا جزعوا من شي‏ء و غلبوا قيل ضجوا. و استدرك الشي‏ء بالشي‏ء حاول إدراكه به و ضاع المسك و تضوع أي تحرك فانتشرت رائحته و أرج الطيب يأرج أرجا بالتحريك فاح و تضوع و التكلل الإحاطة و نسل كنصر و ضرب أسرع و الأوب الناحية و القاع المستوي من الأرض و الأكم بالتحريك التلال و بهره غلبه و ناف الشي‏ء أي طال و ارتفع و أناف على الشي‏ء أي أشرف و الصفيح السماء و وجه كل شي‏ء عريض و الإصر الذنب و الثقل. و قال الفيروزآبادي اقشعر جلده أخذته قشعريرة أي رعدة و السنة أمحلت و كعلابط الخشن المس. و قال الهياطلة جنس من الترك و الهند كانت لهم شوكة. و شارفه و عليه اطلع من فوقه و السبر امتحان غور الشي‏ء و الصرم القطع قوله لحكة الصدور أي لخلجان الشبه فيها و في بعض النسخ لحسكة الصدور و هي نبات تعلق ثمرته بالصوف و الحقد و العداوة قوله طرا بالضم أي جميعا و العصبة قوم الرجل الذين يتعصبون له بما هم به منه أي الذين ذكروا بنعت هم متلبسون به من قرابة الرسول و نسبه و قناة الظهر التي تنتظم الفقار و البكر بالكسر أول كل شي‏ء و أول ولد الأبوين و الانتياش التناول و الإخراج و الفنن الغصن و الأسف أشد الحزن و قد أسف على ما فاته تلهف و أسف عليه غضب و ارتأى افتعال من الرأي و ندبه الأمر فانتدب له أي دعاه فأجابه و تفيئة الشي‏ء حينه و إبانه و يقال غرز رجله في الغرز و هو ركاب من جلد وضعها فيه كاغترز و اغترز السير دنا و راث علي خبرك أبطأ و الاستراثة الاستبطاء و التفث الشعث و الكثافات و شن الماء صبه و فرقه

  و أماط أبعد و البذلة بالكسر ما لا يصان من الثياب و الأتحمية نوع من البرد و ذر الملح و الطيب نثره و فرقه و اللمم كعنب جمع اللمة بالكسر و هي الشعر يجاوز شحمة الأذن و منسج الفرس أسفل من حاركه و الرزدق الصف من الناس و تشوقت إلى الشي‏ء أي تطلعت و الغابر الماضي و الباقي و كننت الشي‏ء سترته و أكننته في نفسي أسررته و الأمشاج الأخلاط قوله و ينصب و الله بإربه أي يتعب بسبب حاجته و يمكن أن يكون كناية عن الذهاب إلى الخلاء. فهؤلاء سجية الأنبياء أي المباهلة بهم طريقتهم و الأظهر شجنة بالشين المعجمة و النون كما في بعض النسخ قال في النهاية الرحم شجنة من الرحمن أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق شبهه بذلك مجازا و اتساعا و أصل الشجنة بالكسر و الضم شعبة من غصن من غصون الشجرة انتهى. و سيأتي وشيج و له أيضا وجه و في نسخة قديمة وشجة. و الشارة اللباس و الهيئة و متع النهار كمنع ارتفع و النازح البعيد و رجل ناصح الجيب أي أمين و القزع بالتحريك قطع من السحاب رقيقة و حمارة القيظ بفتح الحاء و تشديد الراء شدته و الهجير و الهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر و إبان الشي‏ء بالكسر و التشديد وقته و الغضارة طيب العيش و في القاموس الأيك الشجر الكثير و الواحدة أيكة و الشح البخل مع حرص تقول شححت بالكسر و الفتح و حجر عليه منعه و الضن بالكسر البخل و بدهه بأمر استقبله به و بادهه فاجأه. من بالكما في القاموس البال الحال و الخاطر و القلب و في بعض النسخ من تأليكما و التألي التقصير و الحلف و في الحديث من يتألى على الله بكذبه أي من حكم عليه و حلف و الوحا السرعة يقال الوحا الوحا البدار البدار و الكسف بكسر الكاف و فتح السين القطع و كذا الزبر بضم الزاء و فتح الباء و ساخت قوائمه في الأرض دخلت و غابت و العفرة بالضم البياض ليس بالشديد.

 1-  عم، ]إعلام الورى[ قدم على رسول الله ص وفد نجران فيهم بضعة عشر رجلا من أشرافهم و ثلاثة نفر يتولون أمورهم العاقب و هو أميرهم و صاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه و أمره و اسمه عبد المسيح و السيد و هو ثمالهم و صاحب رحلهم و اسمه الأيهم و أبو حارثة بن علقمة الأسقف و هو حبرهم و إمامهم و صاحب مدارسهم و له فيهم شرف و منزلة و كانت ملوك الروم قد بنوا له الكنائس و بسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم من علمه و اجتهاده في دينهم فلما وجهوا إلى رسول الله جلس أبو حارثة على بغلة و إلى جنبه أخ له يقال له كرز أو بشر بن علقمة يسايره إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال كرز تعس الأبعد يعني رسول الله ص و قال له أبو حارثة بل أنت تعست قال له و لم يا أخي فقال و الله إنه للنبي الذي كنا ننتظر فقال كرز فما يمنعك أن تتبعه فقال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا و مولونا و أكرمونا و قد أبوا إلا خلافه و لو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه أخوه كرز حتى أسلم ثم مر يضرب راحلته و يقول

إليك تغدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينهامخالفا دين النصارى دينها

. فلما قدم على النبي ص أسلم قال فقدموا على رسول الله وقت العصر و في لباسهم الديباج و ثياب الحيرة على هيئة لم يقدم بها أحد من العرب فقال أبو بكر بأبي أنت و أمي يا رسول الله لو لبست حلتك التي أهداها لك قيصر فرأوك فيها قال ثم أتوا رسول الله ص فسلموا عليه فلم يرد ع و لم يكلمهم فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و كانا معرفة لهم فوجدوهما في مجلس من المهاجرين فقالوا إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا و لم يكلمنا فما الرأي فقالا لعلي بن أبي طالب ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم قال أرى أن يضعوا حللهم هذه و خواتيمهم ثم يعودون إليه ففعلوا ذلك فسلموا فرد سلامهم ثم قال و الذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى و إن إبليس لمعهم ثم ساءلوه و دارسوه يومهم و قال الأسقف ما تقول في السيد المسيح يا محمد قال هو عبد الله و رسوله قال بل هو كذا و كذا فقال ع بل هو كذا و كذا فترادا فنزل على رسول الله من صدر سورة آل عمران نحو من سبعين آية يتبع بعضها بعضا و فيما أنزل الله إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ إلى قوله عَلَى الْكاذِبِينَ فقالوا للنبي ص نباهلك غدا و قال أبو حارثة لأصحابه انظروا فإن كان محمد غدا بولده و أهل بيته فاحذروا مباهلته و إن غدا بأصحابه و أتباعه فباهلوه.

 قال أبان حدثني الحسين بن دينار عن الحسن البصري قال غدا رسول الله آخذا بيد الحسن و الحسين تتبعه فاطمة و بين يديه علي و غدا العاقب و السيد بابنين على أحدهما درتان كأنهما بيضتا حمام فحفوا بأبي حارثة فقال أبو حارثة من هؤلاء معه قالوا هذا ابن عمه زوج ابنته و هذان ابنا ابنته و هذه بنته أعز الناس عليه و أقربهم إلى قلبه و تقدم رسول الله ص فجثا على ركبتيه فقال أبو حارثة جثا و الله كما جثا الأنبياء للمباهلة فكع و لم يقدم على المباهلة فقال له السيد ادن يا با حارثة للمباهلة فقال لا إني لأرى رجلا جريئا على المباهلة و أنا أخاف أن يكون صادقا فلا يحول و الله علينا الحول و في الدنيا نصراني يطعم الماء قال و كان نزل العذاب من السماء لو باهلوه فقالوا يا أبا القاسم إنا لا نباهلك و لكن نصالحك فصالحهم رسول الله على ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهما جيادا و كتب لهم بذلك كتابا و قال لأبي حارثة الأسقف لكأنني بك قد ذهبت إلى رحلك و أنت وسنان فجعلت مقدمه مؤخره فلما رجع قام يرحل راحلته فجعل رحله مقلوبا فقال أشهد أن محمدا رسول الله ص.

 بيان يقال فلان ثمال قومه بالكسر أي غياث لهم يقوم بأمرهم التعس الهلاك و العثار و السقوط و الشر و البعد و الانحطاط و الفعل كمنع و سمع فإذا خاطبت قلت تعست كمنع و إذا حكيت قلت تعس كسمع و الأبعد الخائن و المتباعد عن الخير و قال الجزري في حديث علي ع إنك لقلق الوضين القلق الانزعاج و الوضين بطان منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج أراد أنه سريع الحركة يصفه بالخفة و قلة الثبات كالحزام إذا كان رخوا و منه حديث ابن عمر

إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها

. أراد أنها هزلت و دقت للسير عليها و قال يقال كع الرجل عن الأمر إذا جبن عنه و أحجم

 2-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو عن ابن عقدة عن محمد بن أحمد بن الحسين عن أبيه عن هاشم بن المنذر عن الحارث بن الحصين عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي ع قال خرج رسول الله ص حين خرج لمباهلة النصارى بي و بفاطمة و الحسن و الحسين رضوان الله عليهم

 3-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو و ابن الصلت معا عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يوسف الضبي عن محمد بن إسحاق بن عمار عن هلال بن أيوب عن عبد الكريم عن أبي أمية عن مجاهد قال قلت لابن عباس من الذين أراد رسول الله ص أن يباهل بهم قال علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأنفس النبي ص و علي ع

 4-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ محمد بن أحمد بن أبي الفوارس عن أحمد بن محمد الصائغ عن محمد بن إسحاق السراج عن قتيبة بن سعيد عن حاتم عن بكير بن يسار عن عامر بن سعد عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول الله ص عليا و فاطمة و حسنا و حسينا ع و قال اللهم هؤلاء أهل بيتي الخبر

 أقول قد مر فيما احتج به الرضا ع في مجلس المأمون في فضل العترة الاحتجاج بالمباهلة

 5-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن النضر عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله و كان سيدهم الأهتم و العاقب و السيد و حضرت صلواتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس و صلوا فقال أصحاب رسول الله يا رسول الله هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا إلى ما تدعو فقال إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ص و أن عيسى عبد مخلوق يأكل و يشرب و يحدث قالوا فمن أبوه فنزل الوحي على رسول الله ص فقال قل لهم ما يقولون في آدم أ كان عبدا مخلوقا يأكل و يشرب و يحدث و ينكح فسألهم النبي ص فقالوا نعم فقال فمن أبوه فبقوا ساكتين فأنزل الله إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ الآية إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فقال رسول الله ص فباهلوني إن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم و إن كنت كاذبا أنزلت علي فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد و العاقب و الأهتم إن باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس بنبي و إن باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا و هو صادق فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول الله ص و معه أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين ع فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم هذا ابن عمه و وصيه و ختنه علي بن أبي طالب و هذه ابنته فاطمة و هذان ابناه الحسن و الحسين ففرقوا و قالوا لرسول الله ص نعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة فصالحهم رسول الله ص على الجزية و انصرفوا

 6-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أنه لما قدم وفد نجران دعا النبي ص العاقب و الطيب رئيسيهم إلى الإسلام فقالا أسلمنا قبلك فقال كذبتما يمنعكما من ذلك حب الصليب و شرب الخمر فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يغادياه فغدا رسول الله ص و لقد أخذ بيد علي و الحسن و الحسين و فاطمة فقالا أتى بخواصه واثقا بديانتهم فأبوا الملاعنة فقال ص لو فعلا لأمطر الوادي عليهم نارا

 7-  شي، ]تفسير العياشي[ عن حريز عن أبي عبد الله ع قال إن أمير المؤمنين ع سئل عن فضائله فذكر بعضها ثم قالوا له زدنا فقال إن رسول الله ص أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران فتكلما في أمر عيسى فأنزل الله هذه الآية إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ إلى آخر الآية فدخل رسول الله ص فأخذ بيد علي و الحسن و الحسين و فاطمة ثم خرج و رفع كفه إلى السماء و فرج بين أصابعه و دعاهم إلى المباهلة

  قال و قال أبو جعفر ع و كذلك المباهلة يشبك يده في يده يرفعهما إلى السماء فلما رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه و الله لئن كان نبيا لنهلكن و إن كان غير نبي كفانا قومه فكفا و انصرفا

 8-  شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن سعيد الأردني عن موسى بن محمد بن الرضا عن أخيه أبي الحسن ع أنه قال في هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و لو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة و قد علم أن نبيه مؤد عنه رسالاته و ما هو من الكاذبين

 9-  شي، ]تفسير العياشي[ عن المنذر قال حدثنا علي ع قال لما نزلت هذه الآية تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الآية قال أخذ بيد علي و فاطمة و ابنيهما ع فقال رجل من اليهود لا تفعلوا فتصيبكم عنت فلم يدعوه

 10-  شي، ]تفسير العياشي[ عن عامر بن سعد قال قال معاوية لأبي ما يمنعك أن تسب أبا تراب قال لثلاث رويتهن عن النبي ص لما نزلت آية المباهلة تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الآية أخذ رسول الله بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع قال هؤلاء أهلي

 11-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تفسير ابن عباس و قتادة و مجاهد و ابن جبير و الكلبي و الحسن و أبي صالح و القزويني و المغربي و الوالبي و في صحيح مسلم و شرف الخركوشي و اعتقاد الأشنهي في قوله تعالى وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ كانت فاطمة ع فقط و هو المروي عن الصادق و سائر أهل البيت ع

 12-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ حديث المباهلة رواه الترمذي في جامعه و قال هذا حديث حسن صحيح و ذكر مسلم أن معاوية أمر سعد بن أبي وقاص أن يسب أبا تراب فذكر قول النبي ص أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الخبر و قوله لأعطين الراية غدا رجلا الخبر و قوله تعالى نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ القصة

 و قد رواه أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال لعلي ثلاث فلأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ثم روى الخبر بعينه

 و في أخرى لمسلم قال سعد بن أبي وقاص لما نزلت قوله تعالى فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول الله ص عليا و فاطمة و الحسن و الحسين ع و قال اللهم هؤلاء أهلي

 أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين ع أنه قال الشعبي قال جابر أنفسنا و أنفسكم رسول الله و علي و أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة

 و روى الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه و روى ابن البيع في معرفة علوم الحديث عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس و روى مسلم في الصحيح و الترمذي في الجامع و أحمد بن حنبل في المسند و في الفضائل أيضا و ابن بطة في الإبانة و ابن ماجة القزويني في السنن و الأشنهي في اعتقاد أهل السنة و الخركوشي في شرف النبي و قد رواه محمد بن إسحاق و قتيبة بن سعيد و الحسن البصري و محمود الزمخشري و ابن جرير الطبري و القاضي أبو يوسف و القاضي المعتمد أبو العباس و روي عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و الحسن و أبي صالح و الشعبي و الكلبي و محمد بن جعفر بن زبير و أسند أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني عن شهر بن حوشب و عن عمر بن علي و عن الكلبي و عن أبي صالح و ابن عباس و عن الشعبي و عن الثمالي و عن شريك و عن جابر و عن أبي رافع و عن الصادق و عن الباقر و عن أمير المؤمنين ع و قد اجتمعت الإمامية و الزيدية مع اختلاف رواياتهم على ذلك و مجمع الحديث من الطرق جميعا أن وفد نجران كانوا أربعين رجلا و فيهم السيد و العاقب و قيس و الحارث و عبد المسيح بن يونان أسقف نجران فقال الأسقف يا أبا القاسم موسى من أبوه قال عمران قال فيوسف من أبوه قال يعقوب قال فأنت من أبوك قال أبي عبد الله بن عبد المطلب قال فعيسى من أبوه فأعرض النبي ص عنهم فنزل إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ الآية فتلاها رسول الله فغشي عليه فلما أفاق قال أ تزعم أن الله أوحى إليك أن عيسى خلق من تراب ما نجد هذا فيما أوحي إليك و لا نجده فيما أوحي إلينا و لا يجده هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم فنزل فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الآية قالوا أنصفتنا يا أبا القاسم فمتى نباهلك فقال بالغداة إن شاء الله و انصرف النصارى فقال السيد لأبي الحارث ما تصنعون بمباهلته إن كان كاذبا ما نصنع بمباهلته شيئا و إن كان صادقا لنهلكن فقال الأسقف إن غدا فجاء بولده و أهل بيته فاحذروا مباهلته و إن غدا بأصحابه فليس بشي‏ء فغدا رسول الله ص محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و في رواية آخذا بيد علي و الحسن و الحسين بين يديه و فاطمة تتبعه ثم جثا بركبتيه و جعل عليا ع أمامه بين يديه و فاطمة بين كتفيه و الحسن عن يمينه و الحسين عن يساره و هو يقول لهم إذا دعوت فأمنوا فقال الأسقف جثا و الله محمد كما يجثو الأنبياء للمباهلة و خافوا فقالوا يا أبا القاسم أقلنا أقال الله عثرتك فقال نعم قد أقلتكم فصالحوه على ألفي حلة و ثلاثين درعا و ثلاثين فرسا و ثلاثين جملا و لم يلبث السيد و العاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي ص و أسلما و أهدى العاقب له حلة و عصا و قدحاو نعلين

 و روي أنه قال النبي ص و الذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضرم عليهم الوادي نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا

 و في رواية لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم نارا تتأجج ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين فأحرقتهم تأججا

 و في رواية لو لاعنوني لقلعت دار كل نصراني في الدنيا

 و في رواية أما و الذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول و بحضرتهم منهم بشر و كانت المباهلة يوم الرابع و العشرين من ذي الحجة و روي يوم الخامس و العشرين و الأول أظهر

 13-  ضه، ]روضة الواعظين[ قال ابن عباس في قوله تعالى فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ قال وفد وفد نجران على نبي الله و فيهم السيد و العاقب و أبو الحارث و هو عبد المسيح بن يومان أسقف نجران سادة أهل نجران فقالوا لم تذكر صاحبنا قال و من صاحبكم قالوا عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد الله قال أجل هو عبد الله قالوا فأرنا فيمن خلق الله عبدا مثله فأعرض النبي ص عنهم فنزل جبرئيل ع بقوله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فقال لهم تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ قالوا نعم نلاعنك فخرج رسول الله ص فأخذ بيد علي و معه فاطمة و الحسن و الحسين فقال رسول الله ص هؤلاء أبناؤنا و نساؤنا و أنفسنا فهموا أن يلاعنوه ثم إن السيد قال لأبي الحارث و العاقب ما تصنعون بملاعنة هذا إن كان كاذبا ما تصنع بملاعنته شيئا و إن كان صادقا لنهلكن فصالحوه على الجزية فقال رسول الله ص أما و الذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول و بحضرتهم بشر قال الصادق ع إن الأسقف قال لهم إن غدا فجاء بولده و أهل بيته فاحذروا مباهلته و إن غدا بأصحابه فليس بشي‏ء فغدا رسول الله ص آخذا بيد علي و الحسن و الحسين بين يديه و فاطمة تتبعه و تقدم رسول الله ص فجثا لركبتيه فقال الأسقف جثا و الله محمد كما يجثو الأنبياء للمباهلة و كاع عن التقدم و قال رسول الله ص لو لاعنوني يعني النصارى لقطعت دابر كل نصراني في الدنيا

 14-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ الحسين بن سعيد معنعنا عن أبي جعفر ع في قوله تعالى أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الحسن و الحسين وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ رسول الله ص و علي بن أبي طالب ع وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ فاطمة الزهراء ع

 15-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي معنعنا عن أبي رافع قال قال مر صهيب مع أهل نجران فذكر لرسول الله ص ما خاصموه به من أمر عيسى ابن مريم عليه الصلاة و السلام و أنهم دعوه ولد الله فدعاهم رسول الله ص فخاصمهم و خاصموه فقال تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ إلى آخر الآية فدعا رسول الله ص عليا فأخذ بيده فتوكأ عليه و معه ابناه الحسن و الحسين ع و فاطمة ع خلفهم فلما رأى النصارى أشار عليهم رجل منهم فقال ما أرى لكم تلاعنوه فإن كان نبيا هلكتم و لكن صالحوه قال فصالحوه قال رسول الله ص لو لاعنوني ما وجد لهم أهل و لا ولد و لا مال

 16-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ الحسين بن سعيد و أحمد بن الحسن معنعنا عن الشعبي قال جاء العاقب و السيد النجرانيان إلى رسول الله ص فدعاهم إلى الإسلام فقالا إننا مسلمان فقال إنه يمنعكما من الإسلام ثلاث أكل الخنزير و تعليق الصليب و قولكم في عيسى ابن مريم فقالا و من أين عيسى فسكت فنزل القرآن إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ إلى آخر القصة فنبتهل فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فقالا فنباهلك فتواعدوا لغد فقال أحدهما لصاحبه لا تلاعنه فو الله لئن كان نبيا لا ترجع إلى أهلك و لك على وجه الأرض أهل و لا مال فلما أصبح النبي ص أخذ بيد علي و الحسن و الحسين و قدمهم و جعل فاطمة وراءهم ثم قال لهما تعاليا فهذا أبناؤنا الحسن و الحسين و هذا نساؤنا فاطمة و أنفسنا علي فقالا لا نلاعنك

 17-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ أحمد بن جعفر معنعنا عن علي ع قال لما قدم وفد نجران على النبي ص قدم فيهم ثلاثة من النصارى من كبارهم العاقب و محسن و الأسقف فجاءوا إلى اليهود و هم في بيت المدارس فصاحوا بهم يا إخوة القردة و الخنازير هذا الرجل بين ظهرانيكم قد غلبكم انزلوا إلينا فنزل إليهم منصور اليهودي و كعب بن الأشرف اليهودي فقالوا لهم احضروا غدا نمتحنه قال و كان النبي ص إذا صلى الصبح قال هاهنا من الممتحنة أحد فإن وجد أحدا أجابه و إن لم يجد أحدا قرأ على أصحابه ما نزل عليه في تلك الليلة فلما صلى الصبح جلسوا بين يديه فقال له الأسقف يا أبا القاسم فذاك موسى من أبوه قال عمران قال فيوسف من أبوه قال يعقوب قال فأنت فداك أبي و أمي من أبوك قال عبد الله بن عبد المطلب قال فعيسى من أبوه قال فسكت النبي ص و كان رسول الله ص و ما احتاج إلى شي‏ء من المنطق فينقض عليه جبرئيل ع من السماء السابعة فيصل له منطقه في أسرع من طرفة العين فذاك قول الله تعالى وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ قال فجاء جبرئيل ع فقال هو روح الله و كلمته فقال له الأسقف يكون روح بلا جسد قال فسكت النبي ص قال فأوحي إليه إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قال فنزا الأسقف نزوة إعظاما لعيسى أن يقال له من تراب ثم قال ما نجد هذا يا محمد في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا تجد هذا عندك قال فأوحى الله إليه فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ فقالوا أنصفتنا يا أبا القاسم فمتى موعدك قال بالغداة إن شاء الله قال فانصرف و هم يقولون لا إله إلا الله ما نبالي أيهما أهلك الله النصرانية و الحنيفية إذا هلكوا غدا قال علي بن أبي طالب ع فلما صلى النبي ص الصبح أخذ بيدي فجعلني بين يديه و أخذ فاطمة ع فجعلها خلف ظهره و أخذ الحسن و الحسين عن يمينه و عن شماله ثم برك لهم باركا فلما رأوه قد فعل ذلك ندموا و تآمروا فيما بينهم و قالوا و الله إنه لنبي و لئن باهلنا ليستجيبن الله له علينا فيهلكنا و لا ينجينا شي‏ء منه إلا أن نستقيله قال فأقبلوا حتى جلسوا بين يديه ثم قالوا يا أبا القاسم أقلنا قال نعم قد أقلتكم أما و الذي بعثني بالحق لو باهلتكم ما ترك الله على ظهر الأرض نصرانية إلا أهلكه

 18-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن صبيح معنعنا عن شهر بن حوشب قال قدم على رسول الله ص عبد المسيح بن أبقى و معه العاقب و قيس أخوه و معه حارث بن عبد المسيح و هو غلام و معه أربعون حبرا فقال يا محمد كيف تقول في المسيح فو الله إنا لننكر ما تقول قال فأوحى الله تعالى إليه إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فقال إجلالا له مما يقول بل هو و الله فأنزل الله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ إلى آخر الآية فلما سمع ذكر الأبناء غضب غضبا شديدا و دعا الحسن و الحسين و عليا و فاطمة ع فأقام الحسن عن يمينه و الحسين عن يساره و علي إلى صدره و فاطمة إلى ورائه فقال هؤلاء أبناؤنا و نساؤنا و أنفسنا فأتيا لهم بأكفاء قال فوثب العاقب فقال أذكرك الله أن تلاعن هذا الرجل فو الله إن كان كاذبا ما لك في ملاعنته خير و إن كان صادقا لا يحول الحول و منكم نافخ ضرمة قال فصالحوه كل الصلح

 بيان قال الجزري في حديث علي ود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة أي أحد لأن النار ينفخها الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى

 19-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ أحمد بن يحيى معنعنا عن الشعبي قال لما نزلت الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ أخذ رسول الله ص بيد الحسن و الحسين و تبعتهم فاطمة قال فقال هذه أبناؤنا و هذه نساؤنا و هذه أنفسنا ع فقال رجل لشريك يا أبا عبد الله إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى إلى آخر الآية قال يلعنهم كل شي‏ء حتى الخنافس في جحرها ثم غضب شريك و استشاط فقال يا معافا فقال له رجل يقال له ابن المقعد يا أبا عبد الله إنه لم يعنك فقال أنت له أنفع إنما أرادني تركت ذكر علي بن أبي طالب ع

 20-  أقول قال السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب سعد السعود رأيت في كتاب تفسير ما نزل من القرآن في النبي ص و أهل بيته تأليف محمد بن العباس بن مروان أنه روى خبر المباهلة من أحد و خمسين طريقا عمن سماه من الصحابة و غيرهم رواه عن أبي الطفيل عامر بن واثلة و عن جرير بن عبد الله السجستاني و عن أبي قيس المدني و عن أبي أويس المدني و عن الحسن بن مولانا علي ع و عن عثمان بن عفان و عن سعد بن أبي وقاص و عن بكر بن سمال و عن طلحة بن عبد الله و عن الزبير بن العوام و عن عبد الرحمن بن عوف و عن عبد الله بن العباس و عن أبي رافع مولى رسول الله ص و عن جابر بن عبد الله و عن البراء بن عازب و عن أنس بن مالك و عن المنكدر بن عبد الله عن أبيه و عن علي بن الحسين ع و عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ع و عن أبي عبد الله جعفر الصادق ع و عن الحسن البصري و عن قتادة و عن علباء بن أحمر و عن عامر بن شراحيل الشعبي و عن يحيى بن يعمر و عن مجاهد و عن شهر بن حوشب و نحن نذكر حديثا واحدا فإنه أجمع و هو من أول الوجهة الأولة من القائمة السادسة من الجزء الثاني بلفظه المنكدر بن عبد الله عن أبيه حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز قال حدثنا محمد بن الفيض بن فياض أبو الحسن بدمشق قال حدثني عبد الرزاق بن همام الصنعاني قال حدثنا عمر بن راشد قال حدثنا محمد بن المنكدر عن أبيه قال لما قدم السيد و العاقب أسقفا نجران في سبعين راكبا وفدا على النبي ص كنت معهم و كرز يسير و كرز صاحب نفقاتهم فعثرت بغلته فقال تعس من نأتيه يريد بذلك النبي ص فقال له صاحبه و هو العاقب بل تعست و انتكست فقال و لم ذاك فقال لأنك أتعست النبي الأمي أحمد قال و ما علمك بذلك قال أ ما تقرأ المصباح الرابع من الوحي إلى المسيح أن قل لبني إسرائيل ما أجهلكم تطيبون بالطيب لتطيبوا به في الدنيا عند أهلها و أهلكم و أجوافكم عندي جيف الميتة يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان صاحب الوجه الأقمر و الجمل الأحمر المشرب بالنور ذي الجناب الحسن و الثياب الخشن سيد الماضين عندي و أكرم الباقين علي المستن بسنتي و الصابر في ذات نفسي و المجاهد بيده المشركين من أجلي فبشر به بني إسرائيل و مر بني إسرائيل أن يعزروه و ينصروه قال عيسى قدوس من هذا العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي و لم تره عيني قال هو منك و أنت منه و هو صهرك على أمك قليل الأولاد كثير الأزواج يسكن مكة من موضع أساس وطء إبراهيم ع نسله من مباركة و هي ضرة أمك في الجنة له شأن من الشأن تنام عيناه و لا ينام قلبه يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة له حوض من شفير زمزم إلى مغرب الشمس حيث يعرف فيه شرابان من الرحيق و التسنيم فيه أكاويب عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لا يظمأ بعده أبدا و ذلك بتفضيلي إياه على سائر المرسلين يوافق قوله فعله و سريرته علانيته فطوباه و طوبى أمته الذين على ملته يحيون و على سنته يموتون و مع أهل بيته يميلون آمنين مؤمنين مطمئنين مباركين يكون في زمن قحط و جدب فيدعوني فيرخي السماء عزاليها حتى يرى أثر بركاتها في أكنافها و أبارك فيما يصنع يده فيه قال إلهي سمه قال نعم هو أحمد و هو محمد رسولي إلى الخلق كافة أقربهم مني منزلة و أخصهم مني شفاعة لا يأمر إلا بما أحب و لا ينهى إلا عما أكره قال له صاحبه فأنى تقدم بنا على من هذه صفته قال نشهد أقواله و ننظر آياته فإن يكن هو هو ساعدناه بالمسالمة و نكفه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا و إن يكن كذابا كفيناه بكذبه على الله قال

 له صاحبه و لم إذا رأيت العلامة لا تتبعه قال أ ما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم كرمونا و مولونا و نصبوا لنا كنائسنا و أعلوا فيها ذكرنا فكيف تطيب النفس بدين يستوي فيه الشريف و الوضيع فلما قدموا المدينة قال من يراهم من أصحاب رسول الله ص ما رأينا وفدا من وفود العرب كانوا أجمل من هؤلاء لهم شعور و عليهم ثياب الحبر و كان رسول الله ص متناء عن المسجد فحضرت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجد رسول الله ص تلقاء المشرق فهم رجال من أصحاب رسول الله ص بمنعهم فأقبل رسول الله ص فقال دعوهم فلما قضوا صلاتهم جلسوا إليه و ناظروه فقالوا يا أبا القاسم حاجنا في عيسى فقال عبد الله و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه فقال أحدهم بل هو ولده و ثاني اثنين و قال آخر بل ثالث ثلاثة أب و ابن و روح قدس و قد سمعنا في قرآن نزل عليك يقول فعلنا و جعلنا و خلقنا و لو كان واحدا لقال خلقت و جعلت و فعلت فتغشى النبي ص الوحي و نزل على صدره سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ الآية فقص عليهم رسول الله ص القصة و تلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض قد و الله أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم و قال لهم رسول الله ص إن الله قد أمرني بمباهلتكم فقالوا إذا كان غدا باهلناك فقال القوم بعضهم لبعض حتى ننظر بمن يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش الناس أم بأهله من أهل الصفوة و الطهارة فإنهم وشيج الأنبياء و موضع بهلهم فلما كان من غد غدا رسول الله ص بيمينه علي و بيساره الحسن و الحسين و من ورائهم فاطمة ع عليهم الحلل النجرانية و على كتف رسول الله ص كساء قطواني رقيق خشن ليس بكثيف و لا لين فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما و نشر الكساء عليهما و أدخلهم تحت الكساء و أدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء معتمدا على قوسه النبع و رفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة و أشرف الناس ينظرون و اصفر لون السيد و العاقب و زلزلا حتى كاد أن يطيش عقولهما فقال أحدهما لصاحبه أ نباهله قال أ و ما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم و بقي كبيرهم و لكن أره أنك غير مكترث و أعطه من المال و السلاح ما أراد فإن الرجل محارب و قل له أ بهؤلاء تباهلنا لئلا يرى أنه قد تقدمت معرفتنا بفضله و فضل أهل بيته فلما رفع النبي ص يده إلى السماء للمباهلة قال أحدهما لصاحبه أي رهبانية دارك الرجل فإنه إن فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل و لا مال فقالا يا أبا القاسم أ بهؤلاء تباهلنا قال نعم هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى الله وجهة و أقربهم إليه وسيلة قال فبصبصا يعني ارتعدا و كرا و قالا له يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف و ألف درع و ألف حجفة و ألف دينار كل عام على أن الدرع و السيف و الحجف عندك إعارة حتى نأتي من وراءنا من قومنا فنعلمهم بالذي رأينا و شاهدنا فيكون الأمر على ملاء منهم فإما الإسلام و إما الجزية و إما المقاطعة في كل عام فقال النبي ص قد قبلت منكما أما و الذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم الوادي نارا تأجج ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرف العين فحرقتهم تأججا فهبط عليه جبرئيل الروح الأمين فقال يا محمد إن الله يقرئك السلام و يقول لك و عزتي و جلالي لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماء و أهل الأرض لتساقطت عليهم السماء كسفا متهافتة و لتقطعت الأرضون زبرا سائحة فلم يستقر عليها بعد ذلك فرفع النبي ص يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال على من ظلمكم حقكم و بخسني الأجر الذي افترضه الله عليهم فيكم بهله الله تتابع إلى يوم القيامة

 ختص، ]الإختصاص[ أبو بكر محمد بن إبراهيم العلاف الهمداني عن عبد الله بن محمد بن جعفر بن موسى بن شاذان البزاز عن الحسين بن محمد بن سعيد البزاز و جعفر الدقاق عن محمد بن الفيض بن فياض الدمشقي عن إبراهيم بن عبد الله ابن أخي عبد الرزاق عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن معمر بن راشد عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جده مثله.

 بيان قال في النهاية الوشيج هو ما التف من الشجر و الوشيجة عرق الشجرة و ليف يفتل ثم يشد به ما يحمل و الوشيج جمع وشيجة وشجت العروق و الأغصان اشتبكت. و في القاموس الوشيج اشتباك القرابة و الواشجة الرحم المشتبكة و قال النمرة كفرحة الحبرة و شملة فيها خطوط بيض و سود و قال قطوان محركة موضع بالكوفة منه الأكسية. و في بعض النسخ قرطق بالقافين و في بعضها قرطف بالفاء أخيرا في القاموس القرطق كجندب لبس معروف معرب كرته و قال القرطف كجعفر القطيفة و قال النبع شجر القسي و السهام و قال البصيص الرعدة و بصبص الكلب حرك ذنبه