باب 11- نزول الآيات في أمر فدك و قصصه و جوامع الاحتجاج فيه و فيه قصّة خالد و عزمه على قتل أمير المؤمنين عليه السلام

 ن فيما احتجّ الرضا عليه السلام في فضل العترة الطاهرة. قال و الآية الخامسة قال اللّه عزّ و جلّ وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ خصوصيّة خصّهم العزيز الجبّار بها، و اصطفاهم على الأمّة. فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال ادعوا إليّ فاطمة. فدعيت له، فقال يا فاطمة قالت لبّيك يا رسول اللّه. فقال صلّى اللّه عليه و آله فدك هي ممّا لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و هي لي خاصّة دون المسلمين، و قد جعلتها لك، لما أمرني اللّه به، فخذيها لك و لولدك.

بيان نزول هذه الآية في فدك رواه كثير من المفسّرين، و وردت به الأخبار من طرق الخاصّة و العامّة. قال الشيخ الطبرسي رحمه اللّه قيل إنّ المراد قرابة الرسول.

 عن السدي قال إنّ عليّ بن الحسين قال لرجل من أهل الشام حين بعث به عبيد اللّه بن زياد إلى يزيد بن معاوية عليه اللعنة أ قرأت القرآن قال نعم. قال أ ما قرأت وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قال و إنّكم ذو القربى الّذي أمر اللّه أن يؤتى حقّه قال نعم.

و هو الّذي رواه أصحابنا رضي اللّه عنهم عن الصادقين عليهم السلام. و أخبرنا السيّد مهدي بن نزار الحسني بإسناد ذكره عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت قوله وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة فدك. قال عبد الرحمن بن صالح كتب المأمون إلى عبيد اللّه بن موسى يسأله عن قصّة فدك، فكتب إليه عبيد اللّه بهذا الحديث، رواه عن الفضيل بن مرزوق عن عطية، فردّ المأمون فدك على ولد فاطمة، انتهى. و روى العياشي حديث عبد الرحمن بن صالح، إلى آخره.

 جا الجعابي، عن محمد بن جعفر الحسني، عن عيسى بن مهران، عن يونس، عن عبد اللّه بن محمد بن سليمان الهاشمي، عن أبيه، عن جدّه، عن زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام قالت لمّا اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة عليها السلام فدك و العوالي، و آيست من إجابته لها، عدلت إلى قبر أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فألقت نفسها عليه، و شكت إليه ما فعله القوم بها، و بكت حتّى بلّت تربته صلّى اللّه عليه و آله بدموعها عليها السلام، و ندبته. ثم قالت في آخر ندبتها

قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب‏إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها و اختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبواقد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغبت عنّا فكلّ الخير محتجب‏و كنت بدرا و نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزّة الكتب

 تجهّمتنا رجال و استخفّ بنا بعد النبيّ و كلّ الخير مغتصب‏سيعلم المتولي ظلم حامتنا يوم القيامة أنّي سوف ينقلب‏فقد لقينا الّذي لم يلقه أحد من البريّة لا عجم و لا عرب‏فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت لنا العيون بتهمال له سكب

 بيان الحامّة خاصّة الرّجل، و التخفيف لضرورة الشعر، قال في النهاية في الحديث الّلهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي و حامّيتي أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.. حامّة الإنسان خاصّته و من يقرب منه، و هو الحميم أيضا، انتهى. و التّهمال من الهمل، و إن لم يرد في اللغة، قال الجوهري هملت عينه تهمل و تهمل هملا و هملانا أي فاضت، و انهملت مثله. و قال سكبت الماء سكبا أي صبيته، و سكب الماء نفسه سكوبا و تسكابا و انسكب بمعنى و سيأتي شرح باقي الأبيات في بيان خطبتها.

 فر زيد بن محمّد بن جعفر العلوي، عن محمد بن مروان، عن عبيد بن يحيى، عن محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال لما نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، شدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سلاحه و أسرج دابّته، و شدّ عليّ عليه السلام سلاحه و أسرج دابّته، ثمّ توجّها في جوف الليل و عليّ عليه السلام لا يعلم حيث يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى ]انتهيا[ إلى فدك. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا عليّ تحملني أو أحملك. فقال عليّ عليه السلام أحملك يا رسول اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا عليّ بل أنا أحملك، لأنّي أطول بك و لا تطول بي. فحمل عليّا عليه السلام على كتفيه، ثم قام به، فلم يزل يطول به حتّى علا عليّ سور الحصن، فصعد عليّ عليه السلام على الحصن و معه سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأذّن على الحصن و كبّر. فابتدر أهل الحصن إلى باب الحصن هرابا، حتّى فتحوه و خرجوا منه، فاستقبلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بجمعهم، و نزل عليّ إليهم، فقتل عليّ عليه السلام ثمانية عشر من عظمائهم و كبرائهم، و أعطى الباقون بأيديهم، و ساق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذراريهم و من بقي منهم و غنائمهم يحملونها على رقابهم إلى المدينة. فلم يوجف فيها غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فهي له و لذريّته خاصّة دون المؤمنين.

 كنز محمد بن العباس، عن عليّ بن العباس المقانعي، عن أبي كرب، عن معاوية بن هشام، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال لمّا نزلت فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام و أعطاها فدكا.

 مد بإسناده إلى البخاري من صحيحه، عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل بن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا نورث ما تركناه صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال، و إنّي و اللّه لا أغيّر شيئا من صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن حالها الّتي كانت عليها في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا. فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفيت، و عاشت بعد النبيّ ستة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ عليه السلام ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر، و صلّى عليها عليّ عليه السلام.

 و روى مثل ذلك من صحيح مسلم بسنده.

 مصباح الأنوار عن يحيى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب عليهما السلام قال قالت فاطمة عليها السلام لعليّ عليه السلام إنّ لي إليك حاجة يا أبا الحسن. فقال تقضى يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقالت نشدتك باللّه و بحقّ محمّد رسول اللّه أن لا يصلّي عليّ أبو بكر و لا عمر، فإنّي لأكتمك حديثا، فقالت قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا فاطمة إنّك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي، فكنت أكره أن أسوءك. قال فلمّا قبضت أتاه أبو بكر و عمر و قالا لم لا تخرجها حتّى نصلّي عليها فقال ما أرانا إلّا سنصبح، ثمّ دفنها ليلا، ثمّ صوّر برجله حولها سبعة أقبر. قال فلمّا أصبحوا أتوه فقالا يا أبا الحسن ما حملك على أن تدفن بنت رسول اللّه )ص( و لم نحضرها قال ذلك عهدها إليّ. قال فسكت أبو بكر، فقال عمر هذا و اللّه شي‏ء في جوفك. فثار إليه أمير المؤمنين عليه السلام فأخذ بتلابيبه، ثم جذبه فاسترخى في يده، ثم قال و اللّه لو لا كتاب سبق و قول من اللّه، و اللّه لقد فررت يوم خيبر و في مواطن، ثم لم ينزل اللّه لك توبة حتى الساعة. فأخذه أبو بكر و جذبه و قال قد نهيتك عنه.

 فس وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ يعني قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نزلت في فاطمة عليها السلام، فجعل لها فدك. و المسكين من ولد فاطمة، و ابن السبيل من آل محمد و ولد فاطمة.

 فس مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ، قال المنّاع الثاني، و الخير ولاية أمير المؤمنين و حقوق آل محمد عليهم السلام. و لمّا كتب الأول كتاب فدك بردّها على فاطمة منعه الثاني، فهو مُعْتَدٍ مُرِيبٍ.

0-  يج روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج في غزاة، فلمّا انصرف راجعا نزل في بعض الطريق، فبينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطعم و الناس معه إذ أتاه جبرئيل فقال يا محمد قم فاركب. فقام النبيّ فركب و جبرئيل معه، فطويت له الأرض كطيّ الثوب حتّى انتهى إلى فدك. فلمّا سمع أهل فدك وقع الخيل ظنّوا أنّ عدوّهم قد جاءهم، فغلقوا أبواب المدينة و دفعوا المفاتيح إلى عجوز لهم في بيت لهم خارج من المدينة، و لحقوا برءوس الجبال. فأتى جبرئيل العجوز حتّى أخذ المفاتيح، ثمّ فتح أبواب المدينة، و دار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بيوتها و قرأها. فقال جبرئيل يا محمد هذا ما خصّك اللّه به و أعطاكه دون الناس، و هو قوله تعالى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى ]في[ قوله فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، و لم يعرف المسلمون و لم يطئوها، و لكن اللّه أفاءها على رسوله، و طوّف به جبرئيل في دورها و حيطانها، و غلّق الباب و دفع المفاتيح إليه. فجعلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في غلاف سيفه و هو معلّق بالرحل ثمّ ركب، و طويت له الأرض كطيّ الثوب، ثم أتاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هم على مجالسهم و لم يتفرقوا و لم يبرحوا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد انتهيت إلى فدك، و إنّي قد أفاءها اللّه عليّ. فغمز المنافقون بعضهم بعضا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذه مفاتيح فدك، ثم أخرج من غلاف سيفه، ثم ركب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ركب معه الناس. فلمّا دخل المدينة دخل على فاطمة عليها السلام فقال يا بنّية إن اللّه قد أفاء على أبيك بفدك و اختّصه بها، فهي له خاصّة دون المسلمين أفعل بها ما أشاء، و إنه قد كان لأمّك خديجة على أبيك مهر، و إنّ أباك قد جعلها لك بذلك، و أنحلتكها لك و لولدك بعدك. قال فدعا بأديم، و دعا عليّ بن أبي طالب، فقال اكتب لفاطمة عليها السلام بفدك نحلة من رسول اللّه، فشهّد على ذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام و مولى لرسول اللّه و أمّ أيمن، فقال رسول اللّه إنّ أمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة. و جاء أهل فدك إلى النبي، فقاطعهم على أربعة و عشرين ألف دينار في كلّ سنة.

بيان آية الفي‏ء في موضعين إحداهما ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ. ثانيتهما وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ. و الفي‏ء الرّجوع أي أرجعه اللّه و ردّه على رسوله. و المشهور أنّ الضمير في منهم راجع إلى بني النضير. و الإيجاف من الوجيف و هو السّبر السرّيع. و الرّكاب من الإبل ما يركب، و الواحدة راحلة.

 قب نزل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على فدك يحاربهم. ثم قال لهم و ما يأمنكم أن تكونوا آمنين في هذا الحصن و أمضي إلى حصونكم فأفتحها. فقالوا إنّها مقفلة، و عليها من يمنع عنها، و مفاتيحها عندنا. فقال عليه السلام إنّ مفاتيحها دفعت إليّ، ثم أخرجها و أراها القوم. فاتهموا ديانهم أنّه صبا إلى دين محمد، و دفع المفاتيح إليه. فحلف أنّ المفاتيح عنده، و أنّها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه، فلمّا فتّش عنها ففقدت. فقال الديان لقد أحرزتها و قرأت عليها من التوراة و خشيت من سحره، و أعلم الآن أنه ليس بساحر، و أنّ أمره لعظيم. فرجعوا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قالوا من أعطاكها قال أعطاني الّذي أعطى موسى الألواح جبرئيل. فتشهّد الديّان، ثم فتحوا الباب و خرجوا إلى رسول اللّه، و أسلم من أسلم منهم، فأقرّهم في بيوتهم و أخذ منهم أخماسهم. فنزل وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ. قال و ما هو قال أعط فاطمة فدكا، و هي من ميراثها من أمّها خديجة، و من أختها هند بنت أبي هالة، فحمل إليها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما أخذ منه، و أخبرها بالآية. فقالت لست أحدث فيها حدثا و أنت حيّ، أنت أولى بي من نفسي و مالي لك. فقال أكره أن يجعلوها عليك سبّة فيمنعوك إيّاها من بعدي. فقالت أنفذ فيها أمرك، فجمع الناس إلى منزلها و أخبرهم أنّ هذا المال لفاطمة عليها السلام، ففرّقه فيهم، و كان كلّ سنة كذلك، و يأخذ منه قوتها، فلمّا دنا وفاته دفعه إليها.

بيان السّبّة بالضّمّ العار، أي يمنعونها منك فيكون عارا عليك. و يحتمل أن يكون شبهة، أو نحوها.

 شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن أحدهما قال إنّ فاطمة صلوات اللّه عليها انطلقت إلى أبي بكر فطلبت ميراثها من نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال إنّ نبيّ اللّه لا يورث. فقالت أ كفرت باللّه و كذّبت بكتابه قال اللّه يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

 شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن حفص بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لمّا أنزل اللّه تعالى فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا جبرئيل قد عرفت المسكين، فمن ذوو القربى قال هم أقاربك. فدعى حسنا و حسينا و فاطمة فقال إنّ ربّي أمرني أن أعطيكم ما أفاء عليّ، قال أعطيتكم فدك.

 شي، ]تفسير العياشي[ عن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى فاطمة عليها السلام فدكا قال كان وقفها، فأنزل اللّه وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، فأعطاها فدكا.

 شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن تغلب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى فاطمة عليها السلام فدكا قال كان لها من اللّه تعالى.

 شي، ]تفسير العياشي[ عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أتت فاطمة أبا بكر تريد فدك. فقال هاتي أسود أو أحمر يشهد بذلك. قال فأتت بأمّ أيمن. فقال لها بم تشهدين قالت أشهد أنّ جبرئيل أتى محمدا فقال إنّ اللّه تعالى يقول فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، فلم يدر محمّد صلّى اللّه عليه و آله من هم فقال يا جبرئيل سل ربّك من هم فقال فاطمة ذو القربى، فأعطاها فدكا. فزعموا أنّ عمر محا الصحيفة و قد كان كتبها أبو بكر.

 شي، ]تفسير العياشي[ عن عطية العوفي قال لمّا افتتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر، و أفاء اللّه عليه فدك، و أنزل عليه وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ. قال يا فاطمة لك فدك.

 شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي الطفيل، عن عليّ عليه السلام قال قال يوم الشورى أ فيكم أحد تمّ نوره من السماء حين قال وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ قالوا لا.

 فر جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي، معنعنا عن أبي مريم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لمّا نزلت الآية وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة فدكا. فقال أبان بن تغلب رسول اللّه أعطاها قال فغضب أبو جعفر عليه السلام، ثم قال اللّه أعطاها.

 فر فرات بن إبراهيم الكوفي، معنعنا عن أبي سعيد الخدري قال لمّا نزلت الآية دعا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكا. فقال هذا لك و لعقبك بعدك فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.

 فر الحسين بن الحكم، معنعنا عن عطية قال لمّا نزلت هذه الآية فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعا النبي صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكا. فكلّما لم يوجف عليه أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بخيل و لا ركاب فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضعه حيث يشاء، ]و[ فدك مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب.

 فر جعفر بن محمد الفزاري، معنعنا عن ابن عباس في قوله تعالى وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، و ذلك حين جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سهم ذي القربى لقرابته، فكانوا يأخذونه على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى توفي، ثم حجبوا الخمس عن قرابته فلم يأخذوه.

أقول روى السيّد ابن طاوس في كتاب سعد السعود من تفسير محمد ابن العباس بن علي بن مروان، قال روي حديث فدك في تفسير قوله تعالى وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ عن عشرين طريقا.

23-  فمنها ما رواه عن محمد بن محمد بن سليمان الأعبدي، و هيثم ابن خلف الدوري، و عبد اللّه بن سليمان بن الأشعب، و محمد بن القاسم بن زكريا، قالوا حدثنا عباد بن يعقوب قال أخبرنا علي بن عابس.

 و حدثنا جعفر بن محمد الحسيني، عن علي بن المنذر الطريفي، عن علي بن عابس، عن فضل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال لمّا نزلت وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة و أعطاها فدكا.

 و قال رحمه اللّه في كشف المحجّة فيما أوصى إلى ابنه قد وهب جدّك محمد صلّى اللّه عليه و آله أمّك فاطمة صلوات اللّه عليها فدكا و العوالي.

و كان دخلها في رواية الشيخ عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري أربعة و عشرين ألف دينار في كلّ سنة، و في رواية غيره سبعين ألف دينار.

 ع أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لما منع أبو بكر فاطمة عليها السلام فدكا و أخرج وكيلها، جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد، و أبو بكر جالس و حوله المهاجرون و الأنصار. فقال يا أبا بكر لم منعت فاطمة ما جعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لها و وكيلها فيه منذ سنين فقال أبو بكر هذا في‏ء للمسلمين، فإن أتت بشهود عدول، و إلّا فلا حقّ لها فيه. قال يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف ما تحكم في المسلمين قال لا. قال أخبرني لو كان في يد المسلمين شي‏ء فادعيت أنا فيه، من كنت تسأل البينة قال إيّاك كنت أسأل. قال فإذا كان في يدي شي‏ء فادّعى فيه المسلمون، تسألني فيه البينة قال فسكت أبو بكر، فقال عمر هذا في‏ء للمسلمين، و لسنا من خصومتك في شي‏ء. فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر يا أبا بكر تقرّ بالقرآن قال بلى. قال أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فينا أو في غيرنا نزلت قال فيكم. قال فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهدا على فاطمة عليها السلام بفاحشة ما كنت صانعا قال كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين قال كنت إذا عند اللّه من الكافرين. قال و لم قال لأنّك كنت تردّ شهادة اللّه و تقبل شهادة غيره، لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد شهد لها بالطهارة، فإذا رددت شهادة اللّه و قبلت شهادة غيره كنت عند اللّه من الكافرين. قال فبكى الناس، و تفرقوا، و دمدموا. فلمّا رجع أبو بكر إلى منزله بعث إلى عمر فقال ويحك يا ابن الخطاب أ ما رأيت عليا و ما فعل بنا و اللّه لئن قعد مقعدا آخر ليفسدنّ هذا الأمر علينا و لا نتهنّأ بشي‏ء ما دام حيّا. قال عمر ما له إلّا خالد بن الوليد. فبعثوا إليه، فقال له أبو بكر نريد أن نحملك على أمر عظيم. قال احملني على ما شئت و لو على قتل عليّ. قال فهو قتل عليّ. قال فصر بجنبه، فإذا أنا سلّمت فاضرب عنقه. ]فبعثت[ أسماء بنت عميس و هي أمّ محمد بن أبي بكر خادمتها فقالت اذهبي إلى فاطمة فأقرئيها السلام، فإذا دخلت من الباب فقولي إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ، فإن فهمتها و إلّا فأعيديها مرّة أخرى. فجاءت فدخلت، و قالت إنّ مولاتي تقول يا بنت رسول اللّه كيف أنت ثم قرأت هذه الآية إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فلمّا أرادت أن تخرج قرأتها. فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام أقرئيها السلام و قولي لها إنّ اللّه عزّ و جلّ يحول بينهم و بين ما يريدون إن شاء اللّه. فوقف خالد بن الوليد بجنبه، فلمّا أراد أن يسلّم لم يسلّم، ]و[ قال يا خالد لا تفعل ما أمرتك، السلام عليكم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام ما هذا الّذي أمرك به ثم نهاك قبل أن يسلّم قال أمرني بضرب عنقك، و إنما أمرني بعد التسليم. فقال و كنت فاعلا فقال إي و اللّه، لو لم ينهني لفعلت. قال فقال أمير المؤمنين عليه السلام فأخذ بمجامع ثوب خالد، ثم ضرب به الحائط، و قال لعمر يا ابن الصهاك و اللّه لو لا عهد من رسول اللّه و كتاب من اللّه سبق لعلمت أيّنا أَضْعَفُ جُنْداً وَ أَقَلُّ عَدَداً.

أقول الدّمدمة الغضب، و دمدم عليه كلّمه مغضبا.

 ج عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لمّا بويع أبو بكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللّه منها. فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر فقالت يا أبا بكر لم تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمر اللّه تعالى. فقال هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت لا أشهد يا أبا بكر حتّى أحتجّ عليك بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنشدك باللّه أ لست تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال إنّ أمّ أيمن امرأة من أهل الجنة فقال بلى. قالت فأشهد أنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فجعل فدك لفاطمة بأمر اللّه. و جاء عليّ فشهد بمثل ذلك. فكتب لها كتابا و دفعه إليها. فدخل عمر، فقال ما هذا الكتاب فقال إنّ فاطمة ادّعت في فدك و شهدت لها أمّ أيمن و عليّ فكتبته. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه. فخرجت فاطمة عليها السلام تبكي. فلمّا كان بعد ذلك جاء عليّ عليه السلام إلى أبي بكر و هو في المسجد و حوله المهاجرون و الأنصار فقال يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال أبو بكر إنّ هذا في‏ء للمسلمين، فإن أقامت شهودا أنّ رسول اللّه جعله لها، و إلّا فلا حقّ لها فيه. فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين قال لا. قال فإن كان في يد المسلمين شي‏ء يملكونه ثم ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة قال إيّاك كنت أسأل البيّنة. قال فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يدها و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بعده، و لم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادعوها شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم فسكت أبو بكر، فقال عمر يا عليّ دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوى على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول، و إلّا فهو في‏ء للمسلمين، لا حقّ لك و لا لفاطمة فيه. فقال عليّ عليه السلام يا أبا بكر تقرأ كتاب اللّه قال نعم. قال أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فينا نزلت أو في غيرنا قال بل فيكم. قال فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بفاحشة ما كنت صانعا بها قال كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيم على سائر نساء العالمين قال كنت إذا عند اللّه من الكافرين. قال و لم قال لأنّك رددت شهادة اللّه لها بالطهارة و قبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم اللّه و حكم رسوله أن جعل لها فدك و قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابيّ بائل على عقبيه عليها، و أخذت منها فدكا، و زعمت أنّه في‏ء للمسلمين، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، فرددت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادّعي عليه. قال فدمدم الناس و أنكر بعضهم و قالوا صدق و اللّه عليّ، و رجع عليّ عليه السلام إلى منزله. قال و دخلت فاطمة عليها السلام المسجد، و طافت على قبر أبيها، و هي تقول

قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

 إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها و اختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبواقد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغاب عنّا فكلّ الخير محتجب‏قد كنت بدرا و نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزّة الكتب‏تهجّمتنا رجال و استخفّ بنّا إذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب‏فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت منّا العيون بتهمال لها سكب

قال فرجع أبو بكر و عمر إلى منزلهما، و بعث أبو بكر إلى عمر ثم دعاه، فقال أ ما رأيت مجلس عليّ منّا في هذا اليوم و اللّه لئن قعد مقعدا مثله ليفسدنّ أمرنا، فما الرأي. قال عمر الرأي أن نأمر بقتله. قال فمن يقتله قال خالد بن الوليد. فبعثا إلى خالد فأتاهم. فقالا له نريد أن نحملك على أمر عظيم. فقال احملوني على ما شئتم، و لو على قتل عليّ بن أبي طالب. قالا فهو ذاك. قال خالد متى أقتله قال أبو بكر احضر المسجد و قم بجنبه في الصلاة، فإذا سلّمت قم إليه و اضرب عنقه. قال نعم. فسمعت أسماء بنت عميس و كانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل عليّ و فاطمة عليهما السلام و أقرئيهما السلام، و قولي لعليّ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. فجاءت الجارية إليهم فقالت لعليّ إنّ أسماء بنت عميس تقرأ عليك السلام و تقول إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. فقال أمير المؤمنين عليه السلام قولي لها إنّ اللّه يحول بينهم و بين ما يريدون. ثمّ قام و تهيّأ للصلاة، و حضر المسجد، و صلّى لنفسه خلف أبي بكر، و خالد بن الوليد بجنبه و معه السيف، فلمّا جلس أبو بكر للتشهد ندم على ما قال و خاف الفتنة، و عرف شدّة عليّ و بأسه، فلم يزل متفكّرا لا يجسر أن يسلّم، حتّى ظنّ الناس أنّه سها. ثمّ التفت إلى خالد و قال يا خالد لا تفعلن ما أمرتك، السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته. فقال أمير المؤمنين عليه السلام يا خالد ما الّذي أمرك به. قال أمرني بضرب عنقك. قال أ و كنت فاعلا. قال إي و اللّه لو لا أنّه قال لي لا تفعله قبل التسليم لقتلتك. قال فأخذه عليّ فجلد به الأرض، فاجتمع الناس عليه. فقال عمر يقتله و ربّ الكعبة. فقال الناس يا أبا الحسن اللّه اللّه، بحقّ صاحب القبر. فخلّى عنه، ثمّ التفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه فقال يا ابن صهاك و اللّه لو لا عهد من رسول اللّه و كتاب من اللّه سبق لعلمت أيّنا أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً و دخل منزله.

 فس أبي، عن ابن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى و حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله. و فيه فأخذ عمر الكتاب من فاطمة عليها السلام فمزّقه، و قال هذا في‏ء المسلمين، و قال أوس بن الحدثان و عائشة و حفصة يشهدون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأنّه قال إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة، و أنّ عليّا زوجها يجرّ إلى نفسه، و أمّ أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه. فخرجت فاطمة صلوات اللّه عليها من عندهما باكية حزينة، فلمّا كان بعد هذا جاء عليّ. و فيه بعد قوله لها نغتصب

فكلّ أهل له قربى و منزلة عند الإله على الأدنين يقترب‏أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما مضيت و حالت دونك الكتب‏فقد رزينا بما لم يرزه أحد من البريّة لا عجم و لا عرب

 و قد رزينا به محضا خليقته صافي الضرائب و الأعراق و النسب‏فأنت خير عباد اللّه كلّهم و أصدق الناس حين الصدق و الكذب

و فيه بعد البيت الأخير

سيعلم المتولّي ظلم حامتنا يوم القيامة أنّا كيف ننقلب

 بيان تجهّمتنا، في بعض النسخ تهضّمتنا، يقال تهضّمه أي ظلمه. و في )فس( ]تفسير علي بن إبراهيم[ فغمصتنا، من غمصت الشيّ‏ء احتقرته، و التشديد للتكثير و المبالغة، و يقال رزأه ماله كجعله و عمله رزءا بالضّم أصاب منه شيئا. و الرزيئة المصيبة. و الضّريبة الطّبيعة. و العرق أصل كلّ شي‏ء، و الجمع عروق و أعراق. و في )فس( ]تفسير علي بن إبراهيم[ مكان قوله بتهمال بهمّال كشداد. و في بعض الروايات مكان العيون الشئون. و التلبيب ما في بعض اللّبب من الثّياب، و اللّبب موضع القلادة.

 ج روي أنّ أبا بكر و عمر بعثا إلى خالد بن الوليد، فواعداه و فارقاه على قتل عليّ عليه السلام، فضمن ذلك لهما. فسمعت أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر و هي في خدرها، فأرسلت خادمة لها و قالت تردّدي في دار عليّ عليه السلام و قولي إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ. ففعلت الجارية، و سمعها عليّ عليه السلام فقال رحمها اللّه، قولي لمولاتك فمن يقتل الناكثين و القاسطين و المارقين و وقعت المواعدة لصلاة الفجر، إذ كان أخفى و أخوت للسدفة و الشبهة، و لكن اللّه بالغ أمره، و كان أبو بكر قال لخالد بن الوليد إذا انصرفت من الفجر فاضرب عنق عليّ. فصلّى إلى جنبه لأجل ذلك، و أبو بكر في الصلاة يفكّر في العواقب، فندم، فجلس في صلاته حتّى كادت الشمس تطلع، يتعقّب الآراء و يخاف الفتنة و لا يأمن على نفسه، فقال قبل أن يسلّم في صلاته يا خالد لا تفعل ما أمرتك به، ثلاثا. و في رواية أخرى لا يفعلنّ خالد ما أمرته. فالتفت عليّ عليه السلام، فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه، فقال يا خالد أ و كنت فاعلا فقال إي و اللّه، لو لا أنّه نهاني لوضعته في أكثرك شعرا. فقال له عليّ عليه السلام كذبت لا أمّ لك، من يفعله أضيق حلقة است منك، أما و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو لا ما سبق من القضاء لعلمت أيّ الفريقين شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً. و في رواية أبي ذر رحمه اللّه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخذ خالدا بإصبعيه السبابة و الوسطى في ذلك الوقت، فعصره عصرا، فصاح خالد صيحة منكرة، ففزع الناس، و همّتهم أنفسهم، و أحدث خالد في ثيابه، و جعل يضرب برجليه و لا يتكلم. فقال أبو بكر لعمر هذه مشورتك المنكوسة، كأنّي كنت أنظر إلى هذا و أحمد اللّه على سلامتنا. و كلّما دنا أحد ليخلّصه من يده عليه السلام لحظه لحظة تنحّى عنه راجعا. فبعث أبو بكر عمر إلى العباس، فجاء و تشفّع إليه و أقسم عليه، فقال بحقّ القبر و من فيه، و بحقّ ولديه و أمّهما إلّا تركته. ففعل ذلك، و قبّل العباس بين عينيه.

بيان و أخوت، قال الفيروزآبادي خات الرّجل ماله تنقّصه، و الخوّات بالتّشديد الرّجل الجري‏ء، و خات الرّجل اختطف، و اختات الذئب الشاة ختلها فسرقها، و خاوت طرفه دوني سارقه. و في أكثر النسخ و اختيرت السدفة، و السّدفة بالضّم الظّلمة، أو اختلاط الضّوء و الظّلمة معا لوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار. في أكثر شعرا، أي في رأسك، فإنّه أكثر أجزاء البدن شعرا. و الاست بالكسر الدبر، و يحتمل أن يكون ضيقه كناية عن الجرأة و الشجاعة. ثمّ اعلم أنّ هذه القصة من المشهورات بين الخاصّة و العامّة، و إن أنكره بعض المخالفين.

 و قال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن زيد فقلت له إنّي لأعجب من عليّ عليه السلام كيف بقي تلك المدّة الطويلة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كيف ما اغتيل و فتك به في جوف منزله مع تلظّي الأكباد عليه فقال لو لا أنّه أرغم أنفه بالتراب، و وضع خدّه في حضيض الأرض، لقتل، و لكنّه أخمل نفسه، و اشتغل بالعبادة و الصلاة و النظر في القرآن، و خرج عن ذلك الزيّ الأوّل و ذلك الشّعار، و نسي السيف، و صار كالفاتك يتوب و يصير سائحا في الأرض أو راهبا في الجبال، فلمّا أطاع القوم الّذين ولوا الأمر و صار أذلّ لهم من الحذاء، تركوه و سكتوا عنه، و لم تكن العرب لتقدم عليه إلّا بمواطأة من متولّي الأمر، و باطن في السرّ منه، فلمّا لم يكن لولاة الأمر باعث و داع إلى قتله وقع الإمساك عنه، لو لا ذلك لقتل، ثمّ الأجل بعد معقل حصين. فقلت له أ حق ما يقال في حديث خالد. فقال إنّ قوما من العلويّة يذكرون ذلك. و قد روي أنّ رجلا جاء إلى زفر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة فسأله عمّا يقول أبو حنيفة في جواز الخروج من الصلاة بأمر غير التسليم نحو الكلام و الفعل الكثير أو الحدث. فقال إنّه جائز، قد قال أبو بكر في تشهّده ما قال. فقال الرجل و ما الّذي قاله أبو بكر. قال لا عليك. قال فأعاد عليه السؤال ثانية و ثالثة. فقال أخرجوه أخرجوه، قد كنت أحدث أنّه من أصحاب أبي الخطاب. قلت له فما الّذي تقوله أنت. قال أنا أستبعد ذلك، و إنّه روته الإماميّة.. إلى آخر ما قال.

 ج رسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي بكر، لمّا بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء عليها السلام فدك شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة، و حطّوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر، و استضيئوا بنور الأنوار، و اقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار، و احتقبوا ثقل الأوزار، بغصبهم نحلة النبيّ المختار. فكأنّي بكم تتردّدون في العمى كما يتردّد البعير في الطاحونة، أما و اللّه لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رءوسكم عن أجسادكم كحبّ الحصيد بقواضب من حديد، و لقلعت من جماجم شجعانكم ما أقرح به آماقكم، و أوحش به محالكم. فإنّي منذ عرفتموني مردي العساكر، و مفني الجحافل، و مبيد خضرائكم، و محمد ضوضائكم، و جزّار الدوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون، و إنّي لصاحبكم بالأمس، لعمر أبي لن تحبوا أن تكون فينا الخلافة و النبوة و أنتم تذكرون أحقاد بدر و ثارات أحد. أما و اللّه لو قلت ما سبق من اللّه فيكم لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم كتداخل أسنان دوارة الرحى، فإن نطقت تقولون حسد، و إن سكتّ فيقال جزع ابن أبي طالب من الموت، هيهات هيهات. أنا الساعة يقال لي هذا، و أنا الموت المميت، خوّاض المنيات في جوف ليل خامد، حامل السيفين الثقيلين، و الرمحين الطويلين، و مكسّر الرايات في غطامط الغمرات، و مفرج الكربات عن وجه خيرة البريات، ايهنوا فو اللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل إلى محالب أمّه، هبلتكم الهوابل. لو بحت بما أنزل اللّه فيكم في كتابه لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطويّ البعيدة، و لخرجتم من بيوتكم هاربين، و على وجوهكم هائمين، و لكنّي أهوّن وجدي حتّى ألقى ربي بيد جذّاء صفراء من لذّاتكم، خلوا من طحناتكم. فما مثل دنياكم عندي إلّا كمثل غيم علا فاستعلى، ثمّ استغلظ فاستوى، ثمّ تمزّق فانجلى. رويدا فعن قليل ينجلي لكم القسطل، فتجدون ثمر فعلكم مرّا أم تحصدون غرس أيديكم ذعافا ممزّقا، و سمّا قاتلا. و كفى باللّه حكما، و برسول اللّه خصيما، و بالقيامة موقفا، و لا أبعد اللّه فيها سواكم، و لا أتعس فيها غيركم، وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى. فلمّا أن قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعبا شديدا، و قال يا سبحان اللّه ما أجرأه عليّ، و أنكله عن غيري. معاشر المهاجرين و الأنصار تعلمون أنّي شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول اللّه فقلتم إنّ الأنبياء لا يورّثون، و إن هذه أموال يجب أن تضاف إلى مال الفي‏ء، و تصرف في ثمن الكراع و السلاح و أبواب الجهاد و مصالح الثغور، فأمضينا رأيكم و لم يمضه من يدّعيه. و هو ذا يبرق وعيدا، و يرعد تهديدا، إيلاء بحقّ نبيّه أن يمضخها دما ذعافا. و اللّه لقد استقلت منها فلم أقل، و استعزلتها عن نفسي فلم أعزل، كلّ ذلك احترازا من كراهيّة ابن أبي طالب، و هربا من نزاعه، و ما لي لابن أبي طالب هل نازعه أحد ففلج عليه. فقال له عمر أبيت أن تقول إلّا هكذا، فأنت ابن من لم يكن مقداما في الحروب، و لا سخيّا في الجدوب، سبحان اللّه ما أهلع فؤادك، و أصغر نفسك ]قد صفّيت[ لك سجالا لتشربها، فأبيت إلّا أن تظمأ كظمائك، و أنخت لك رقاب العرب، و ثبّت لك إمارة أهل الإشارة و التدبير، و لو لا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صيّر عظامك رميما، فاحمد اللّه على ما قد وهب لك منّي، و اشكره على ذلك، فإنّه من رقي منبر رسول اللّه كان حقيقا عليه أن يحدث للّه شكرا. و هذا عليّ بن أبي طالب الصخرة الصمّاء الّتي لا ينفجر ماؤها إلّا بعد كسرها، و الحيّة الرقشاء الّتي لا تجيب إلّا بالرّقى، و الشجرة المرّة الّتي لو طليت بالعسل لم تنبت إلّا مرّا، قتل سادات قريش فأبادهم، و ألزم آخرهم العار ففضحهم. فطب نفسا، و لا تغرّنّك صواعقه، و لا تهولنّك رواعده، فإنّي أسدّ بابه قبل أن يسدّ بابك. فقال أبو بكر ناشدتك اللّه يا عمر لمّا تركتني من أغاليطك و تربيدك، فو اللّه لو همّ بقتلي و قتلك لقتلنا بشماله دون يمينه، ما ينجينا منه إلّا ثلاث

 خصال إحداها أنّه واحد لا ناصر له. و الثانية أنّه يتبع فينا وصيّة رسول اللّه. و الثالثة فما من هذه القبائل أحد إلّا و هو يتخضمه كتخضّم ثنية الإبل أوان الربيع. فتعلم لو لا ذلك لرجع الأمر إليه و لو كنّا له كارهين، أما إنّ هذه الدنيا أهون عليه من لقاء أحدنا الموت. أ نسيت له يوم أحد و قد فررنا بأجمعنا و صعدنا الجبل، و قد أحاطت به ملوك القوم و صناديدهم، موقنين بقتله، لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم، فلمّا أن سدّد القوم رماحهم، نكس نفسه عن دابته حتّى جاوزه طعان القوم، ثمّ قام قائما في ركابه و قد طرق عن سرجه و هو يقول يا اللّه يا اللّه يا جبريل يا جبريل يا محمّد يا محمّد النجاة النجاة. ثمّ عهد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على رأسه فبقي على فكّ و لسان، ثمّ عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربة على جمجمته ففلقها، فمرّ السيف يهوي في جسده فبراه و دابته نصفين. فلمّا أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه، فجعل يمسحهم بسيفه مسحا، حتّى تركهم جراثيم خمودا على تلعة من الأرض يتمرغون في حسرات المنايا، و يتجرعون كئوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه، و نحن نتوقّع منه أكثر من ذلك. و لم نكن نضبط أنفسنا من مخافته، حتّى ابتدأت أنت منك إليه، فكان منه إليك ما تعلم. و لو لا أنّه أنزل اللّه إليه آية من كتاب اللّه لكنّا من الهالكين، و هو قوله ]تعالى[ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ. فاترك هذا الرجل ما تركك، و لا يغرّنّك قول خالد إنّه يقتله، فإنّه لا يجسر على ذلك، و إن رامه كان أوّل مقتول بيده، فإنّه من ولد عبد مناف، إذا هاجوا أهيبوا، و إذا غضبوا أذمّوا، و لا سيّما عليّ بن أبي طالب، فإنّه بابها الأكبر و سنامها الأطول، و همامها الأعظم، وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.

 تبيين قوله عليه السلام شقوا. أقول

 روى في نهج البلاغة تلك الفقرات في موضع آخر يناسبها، حيث قال لمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خاطبه العبّاس و أبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة، قال أيّها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، و عرّجوا عن طريق المنافرة، و ضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح.

و ما هنا يحتمل أن يكون بصيغة الماضي، فيكون بيان حالهم أوّلا، أي أنّهم في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركبوا سفن النجاة و خرجوا من بين الفتن، فشبّه الفتن بالأمواج، لاشتراكهما في اضطراب النفس بهما، و كونهما سبب الهلاك. و الحيازيم جمع الحيزوم، و هو ما استدار بالظّهر و البطن، أو ضلع الفؤاد، و ما اكتنف الحلقوم من جانب الصّدر، و الغليظ من الأرض و المرتفع، ذكرها الفيروزآبادي، و لعلّ المراد هنا صدر السفينة، فإنّه يشقّ الماء، و لا يبعد أن يكون تصحيف المجاذيف جمع المجذاف الّذي به تحرّك السّفينة. و كذا حطّ تيجان أهل الفخر كناية عن اتّباع أهل الحقّ، و ترك المفاخرة الّتي تدعو إلى ترك اتّباع الحقّ. و جمع أهل الغدر مجمعهم، أي تركوا المفاخرة الواقعة في مجامع أهل الغدر، و هو ضدّ المتفرّق، و الجيش، و الحيّ المجتمع، ذكرها الفيروزآبادي و الحاصل أنّهم كانوا في حياة الرسول صلّى اللّه عليه و آله ظاهرا على الحقّ و تابعين لأهله، و آل أمرهم بعده إلى أن اقتسموا مواريث العترة الطاهرة. و يحتمل أن يكون الجميع بصيغة الأمر، كما أنّ في بعض النسخ و استضيئوا، فيكون أوّلا أمرهم بمتابعة أهل الحقّ، ثمّ بيّن حالهم بقوله و اقتسموا، على سبيل الالتفات. و يحتمل على الأوّل أن يكون الجميع مسوقا للذمّ، فالمعنى أنّهم دخلوا في غمرات الفتنة و تشبّثوا ظاهرا بما يوهم أنّه من وسائل النجاة، و تركوا المفاخرة و استسلموا، بأن جمعوا أهل الغدر، و أظهروا للناس النصح و ترك الأغراض، ليتمشّى لهم ما دبّروا، فيكون قوله و استضاءوا.. و اقتسموا..، بمنزلة فقرة واحدة، أي تمسّكوا في اقتسام مواريث الطاهرات بالاستضاءة بنور الأنوار، و بخبر وضعوه و افتروه على سيّد الأبرار. و كلّ من الوجوه لا يخلو من بعد، و الظاهر أنّه سقط شي‏ء من الكلام أو زيد فيه، و لعلّ الأبرار على التغليب. و قال الجوهري الحقب بالتحريك حبل يشدّ به الرّحل إلى بطن البعير.. و الحقيبة واحدة الحقائب، و احتقبه و استحقبه بمعنى، أي احتمله، و منه قيل احتقب فلان الإثم كأنّه جمعه و احتقبه من خلفه. و قال سيف قاضب و قضيب أي قطّاع، و الجمع قواضب و قضب.

 و قال الجمجمة عظم الرّأس المشتمل على الدّماغ. و قال مؤق العين طرفها ممّا يلي الأنف، و الجمع آماق و أمآق، مثل آبار و أبآر. و أرداه أهلكه. و قال و الجحفل الجيش، و رجل جحفل أي عظيم القدر. قال و قولهم أباد اللّه خضراءهم، أي سوادهم و معظمهم، و أنكره الأصمعيّ و قال إنّما يقال أباد اللّه خضراءهم أي خيرهم و غضارتهم. و في النهاية الضّوضاة أصوات النّاس و غلبتهم، و في أكثر النسخ بالمدّ، بدون التاء. قوله عليه السلام و جزّار الدوارين، لعلّ المراد بالدوارين الدهور و الأزمنة على التخفيف، قال الجوهري الدّوّاريّ الدّهر يدور بالإنسان دهرا، أو الشّجعان، أي أنا قاتل الّذين يدورون و يجولون في المعركة لطلب المبارزة، و في بعض النسخ و جرّار الدّاوئر بالراءين المهملتين أي كنت أجرّ الدّولة و الغلبة للمسلمين على الكافرين، قال في النهاية فيه فيجعل الدّائرة عليهم، أي الدّولة بالغلبة و النّصر. قوله عليه السلام و إنّي لصاحبكم، أي إمامكم الّذي بايعتموني يوم الغدير. و الثأر بالهمزة طلب الدّم، يقال ثأرت القتيل و بالقتيل ثأرا و ثؤرة، أي قتلت قاتله. قوله عليه السلام ما سبق من اللّه فيكم، أي من العذاب و النكال في الآخرة. قوله عليه السلام خوّاض المنيّات.. الخوض في الشّي‏ء الدخول فيه، و خضت الغمرات اقتحمتها، و المنيّة الموت، أي بادرت بالدخول فيما هو مظنّة الموت، و في بعض النسخ خوّاض الغمرات، و الغمرات، و الغمرة الكثيرة من النّاس و الماء، و غمرات الموت شدائده. قوله عليه السلام ليل خامد، أي ساكن نام الناس فيه فلا تسمع أصواتهم، يقال خمدت النّار إذا سكن لهبها. و قال الجوهري التّغطمط صوت معه بحح، و الغطامط بالضّم صوت غليان القدر و موج البحر، و لا يخفى مناسبتهما للمقام. قوله عليه السلام ايهنوا.. المذكور في كتب اللغة أنّ إيه كلمة يراد بها الاستزادة، و هي مبنيّة على الكسر، فإذا وصلت نوّنت فقلت إيه حدّثنا، و إذا قلت إيها بالنصب فإنّما تأمره بالكفّ و السّكوت، و لم أر فيها تجويز التثنية و الجمع، و يظهر من الخبر جوازهما إن لم يكن فيه تصحيف. و المحالب جمع المحلب بالفتح و هو موضع الحلب أي الثّدي أو رأسه. و هبلته أمّه بكسر الباء أي ثكلته. و باح بالشيّ‏ء يبوح به أعلنه و أظهره. و الرّشاء بالكسر و المدّ الحبل، و الجمع أرشية. و الطّويّ البئر المطويّة، و هو في الأصل صفة، و لذا يجمع على أطواء كأشراف و أيتام، ثمّ نقل إلى الاسميّة، و تأنيث الصفة باعتبار البئر. و هام على وجهه يهيم هيما و هيمانا ذهب من العشق و غيره. قوله عليه السلام بيد جذّاء، أي مقطوعة أو مكسورة. و الصّفر بالكسر الخالي كالخلو بالكسر. و الطحنات لعلّه جمع الطّحنة أي البرّ المطحونة و أشباهها. قوله عليه السلام فاستعلى أي اشتدّ علوّه. و التّمزّق التّفرّق. قوله عليه السلام رويدا، أي اصبروا و أمهلوا قليلا. فعن قليل، أي بعد زمان قليل. و القسطل بالسين و الصاد الغبار. و قال الجوهري الذّعاف السّم، و طعام مذعوف... و موت ذعاف.. أي سريع يعجّل القتل، و في بعض النسخ بعده ممزّقا، أي يفرّق الأعضاء و يقطع الأمعاء. و لا أبعد اللّه فيها، أي في القيامة. و أتعسه اللّه، أي أهلكه. قوله يا سبحان اللّه أي يا قوم تعجّبوا و سبّحوا اللّه تعجّبا. و قال الجوهري نكل عن العدوّ و عن اليمين ينكل بالضم أي جبن، و النّاكل الجبان الضّعيف، و في أكثر النسخ على غيري، و لعلّه بتضمين معنى الشفقة و نحوها. و قال في النهاية فيه لا يحبسون إلّا الكراع و السلاح. و الكراع بالضمّ اسم لجمع الخيل. و قال الجوهري أرعد الرّجل و أبرق إذا تهدّد و أوعد. و الإيلاء الحلف.

 قوله أن يمضخها، يقال مضخ كمنع بالضّاد و الخاء المعجمتين أي لطخ الجسد بالطّيب، و في بعض النسخ بالصاد المهملة من المصخ، و هو انتزاع الشيّ‏ء و أخذه، و الأول أظهر. و الفلج الظّفر و الفوز. و المقدام بالكسر الرّجل الكثير الإقدام على العدوّ. و الجدوب جمع الجدب و هو نقيض الخصب. و الهلع أفحش الجزع. و السّجال بالكسر جمع السّجل بالفتح، و هو الدّلو إذا كان فيه ماء. و الظّمأ بالتحريك العطش. و أنخت الجمل فاستناخ، أي أبركته فبرك. و الصماء المصمتة الصّلبة. و يقال حيّة رقشاء إذا كان فيها نقط سواد و بياض، و في بعض النسخ الرّقطاء، و الرّقطة سواد يشوبه نقط بياض. و الرّقى بضمّ الراء جمع رقية بالضم، و هي التّعويذات و الطّلسمات و أشباهها، و في أكثر النسخ الّتي لا تجيب إلّا بالرّقى، و في بعضها الّتي لا تؤثّر فيها الرّقى. قوله وتر بيدك، في أكثر النسخ بالراء و الدال المهملتين من ربد ربودا أقام و حبس، و تربّد تغيّر، و لعلّ الأصوب تدبيرك، أو تدابيرك. و قال في النهاية في حديث عليّ عليه السلام يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الرّبيع الخضم الأكل بأقصى الأضراس، و القضم بأدناها، خضم يخضم خضما. قوله و قد طرق عن سرجه، و في بعض النسخ اطرق، يقال اطّرق جناح الطّائر على افتعل، أي التفّ، و طرق يطرق كنصر أتى أهله ليلا، و أطرق على بناء الإفعال سكت فلم يتكلّم، أو أرخى عينيه ينظر إلى الأرض، و لعلّه تصحيف طال. قوله عليه السلام يا اللّه في بعض النسخ بتثليث كلّ من الثلاثة، و تقديم يا محمّد على يا جبرئيل. و البري النحت، استعير هنا للشقّ و القطع. و انجفل القوم، أي انقلعوا كلّهم و مضوا، ذكره الجوهري. و قال مسحه بالسّيف قطعه. و قال الفيروزآبادي جرثومة الشيّ‏ء بالضّم أصله، أو هي التّراب المجتمع في أصول الشّجر، و الّذي تسفيه الرّيح، و قرية النّمل، و قال الجزري في حديث ابن الزبير كانت في المسجد جراثيم، أي كان فيه أماكن مرتفعة عن الأرض مجتمعة من تراب أو طين، فالمعنى أنّه عليه السلام جعلهم كأصول الشجر المقطوعة بغير حياة، أو أحدث من القتل في الأرض تلالا مرتفعة. و الخمود جمع الخامد أي ميّتين، يقال خمد المريض.. أي مات. و التّلعة بفتح التاء و سكون اللّام ما ارتفع من الأرض. و التّمرغ التّقلّب في التّراب. قوله تعالى وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ... هو ما ذكره تعالى في طيّ ما لام أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و غيرهم على وهنهم و انهزامهم في غزوة أحد، حيث قال وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، إلى قوله تعالى ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. قوله أهبّوا، يقال هبّ فلان، أي غاب دهرا، و في الحرب انهزم، و الأظهر أنّه أهمّوا بالميم، و هو أنسب بالفقرة التالية، يقال أهمّه الأمر إذا أقلقه و حزنه، و في أكثر النسخ، أهيبوا، و لا يمكن أن يكون على بناء المعلوم، لأنّ ترك القلب نادر مسموع في مواضع معدودة، و لا على بناء المجهول إلّا بالحذف و الإيصال. قوله أذمّوا، قال في القاموس أذمّه وجده ذميما، و أذمّ تهاون بهم و تركهم مذمومين في النّاس، و في بعض النسخ دمروا، أي أهلكوا. و الهمام بالضم الملك العظيم الهمّة و السّيّد الشّجاع السّخيّ.

 ب عنهما، عن حنان قال سأل صدقة بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده، فقال من الشاهد على فاطمة بأنها لا ترث أباها فقال شهدت عليها عائشة و حفصة و رجل من العرب يقال له أوس بن الحدثان من بني نضر، شهدوا عند أبي بكر بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا أورّث، فمنعوا فاطمة عليها السلام ميراثها من أبيها صلّى اللّه عليه و آله.

 مصباح الأنوار لبعض علمائنا الأخيار، عن أبي جعفر عليه السلام قال دخلت فاطمة عليها السلام بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله على أبي بكر، فسألته فدكا، قال النبيّ لا يورّث، فقالت قد قال اللّه تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ. فلمّا حاجّته أمر أن يكتب لها، و شهد عليّ بن أبي طالب عليه السلام و أم أيمن. قال فخرجت فاطمة عليها السلام، فاستقبلها عمر، فقال من أين جئت يا بنت رسول اللّه قالت من عند أبي بكر من شأن فدك، قد كتب لي بها. فقال عمر هاتي الكتاب، فأعطته، فبصق فيه و محاه، عجّل اللّه جزاه. فاستقبلها عليّ عليه السلام فقال ما لك يا بنت رسول اللّه غضبى فذكرت له ما صنع عمر، فقال ما ركبوا منّي و من أبيك أعظم من هذا. فمرضت فجاءا يعودانها فلم تأذن لهما، فجاءا ثانية من الغد، فأقسم عليها أمير المؤمنين عليه السلام فأذنت لهما، فدخلا عليها، فسلّما، فردّت ضعيفا. ثمّ قالت لهما سألتكما باللّه الّذي لا إله إلّا هو أ سمعتما يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حقّي من آذى فاطمة فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه. قالا اللّهمّ نعم، قالت فاشهد أنكما قد آذيتماني.

  و عن أسماء بنت عميس قالت طلب إليّ أبو بكر أن أستأذن له على فاطمة يترضّاها، فسألتها ذلك، فأذنت له، فلمّا دخل ولّت وجهها الكريم إلى الحائط، فدخل و سلّم عليها، فلم تردّ، ثمّ أقبل يعتذر إليها و يقول ارضي عنّي يا بنت رسول اللّه. فقالت يا عتيق أتيتنا من ماتت أو حملت الناس على رقابنا، اخرج فو اللّه ما كلّمتك أبدا حتّى ألقى اللّه و رسوله فأشكوك إليهما.

 و عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام قال بينما أبو بكر و عمر عند فاطمة عليها السلام يعودانها، فقالت لهما أسألكما باللّه الّذي لا إله إلّا هو هل سمعتما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول من آذى فاطمة فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه فقالا اللّهمّ نعم، قالت فأشهد أنّكما آذيتماني

 و عن زيد بن عليّ قال قدمت مع أبي مكّة و فيها مولى لثقيف من أهل الطائف، فكان ينال من أبي بكر و عمر، فأوصاه أبي بتقوى اللّه، فقال له ناشدتك اللّه و ربّ هذا البيت هل صلّيا على فاطمة عليها السلام فقال أبي اللّهمّ لا، قال فلمّا افترقنا سببته، فقال لي أبي لا تفعل فو اللّه ما صلّيا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فضلا عن فاطمة عليها السلام، و ذلك أنه شغلهما ما كانا يبرمان.

 يج روي أنّ عليّا عليه السلام امتنع من البيعة على أبي بكر فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يقتل عليّا إذا سلّم من صلاة الفجر بالناس. فأتى خالد و جلس إلى جنب عليّ عليه السلام و معه سيف، فتفكّر أبو بكر في صلاته في عاقبته ذلك، فخطر بباله أنّ بني هاشم يقتلونني إن قتل عليّ عليه السلام، فلمّا فرغ من التشهد التفت إلى خالد قبل أن يسلّم و قال لا تفعل ما أمرتك به، ثمّ قال السلام عليكم. فقال عليّ عليه السلام لخالد أ و كنت تريد أن تفعل ذلك قال نعم، فمدّ يده إلى عنقه و خنقه بإصبعه و كادت عيناه تسقطان، و ناشده باللّه أن يتركه، و شفّع إليه الناس، فخلّاه. ثمّ كان خالد بعد ذلك يرصد الفرصة و الفجأة لعلّه يقتل عليّا عليه السلام غرّة، فبعث بعد ذلك عسكرا مع خالد إلى موضع، فلمّا خرجوا من المدينة و كان خالد مدججا و حوله شجعان قد أمروا أن يفعلوا كلّ ما أمرهم خالد فرأى عليّا عليه السلام يجي‏ء من ضيعة له منفردا بلا سلاح، ]فقال خالد في نفسه الآن وقت ذلك[، فلمّا دنا منه فكان في يد خالد عمود من حديد، فرفعه ليضربه على رأس عليّ، فانتزعه عليه السلام من يده و جعله في عنقه و فتله كالقلادة. فرجع خالد إلى أبي بكر، و احتال القوم في كسره فلم يتهيّأ لهم، فأحضروا جماعة من الحدّادين، فقالوا لا يمكن انتزاعه إلّا بعد حلّه في النار، و في ذلك هلاكه، و لمّا علموا بكيفية حاله، قالوا إنّ عليّا عليه السلام هو الّذي يخلصه من ذلك كما جعله في جيده، و قد ألان اللّه له الحديد كما ألانه لداود، فشفع أبو بكر إلى عليّ عليه السلام، فأخذ العمود و فكّ بعضه من بعض بإصبعه.

بيان قال الجوهري رجل مدجّج و مدجّج أي شاك في السّلاح، تقول منه تدجّج في شكّته أي دخل في سلاحه كأنّه تغطّى بها.

 إرشاد القلوب عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري و عبد اللّه بن العباس قالا كنّا جلوسا عند أبي بكر في ولايته و قد أضحى النهار، و إذا بخالد ابن الوليد المخزومي قد وافى في جيش قام غباره و كثر صهيل أهل خيله و إذا بقطب رحى ملويّ في عنقه قد فتل فتلا. فأقبل حتّى نزل عن جواده و دخل المسجد، و وقف بين يدي أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم فهالهم منظره. ثمّ قال أ عدل يا ابن أبي قحافة حيث جعلك الناس في هذا الموضع الّذي ليس له أنت بأهل و ما ارتفعت إلى هذا المكان إلّا كما يرتفع الطافي من السمك على الماء، و إنّما يطفو و يعلو حين لا حراك به، ما لك و سياسة الجيوش و تقديم العساكر، و أنت بحيث أنت، من لين الحسب، و منقوص النسب، و ضعف القوى، و قلّة التحصيل، لا تحمي ذمارا، و لا تضرم نارا، فلا جزى اللّه أخا ثقيف و ولد صهاك خيرا. إنّي رجعت منكفئا من الطائف إلى جدّة في طلب المرتدّين، فرأيت عليّ بن أبي طالب و معه عتاة من الدين حماليق، شزرات أعينهم من حسدك بدرت حنقا عليك، و قرحت آماقهم لمكانك. منهم ابن ياسر، و المقداد، و ابن جنادة أخو غفار، و ابن العوام، و غلامان أعرف أحدهما بوجهه، و غلام أسمر لعلّه من ولد عقيل أخيه. فتبيّن لي المنكر في وجوههم، و الحسد في احمرار أعينهم، و قد توشّح عليّ بدرع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لبس رداءه السحاب، و لقد أسرج له دابّته العقاب، و قد نزل عليّ على عين ماء اسمها روية. فلمّا رآني اشمأزّ و بربر، و أطرق موحشا يقبض على لحيته. فبادرته بالسلام استكفاء و اتقاء و وحشة، فاستغنمت سعة المناخ و سهولة المنزلة، فنزلت و من معي بحيث نزلوا اتقاء عن مراوغته. فبدأني ابن ياسر بقبيح لفظه و محض عداوته، فقرعني هزوا بما تقدّمت به إليّ بسوء رأيك. فالتفت إليّ الأصلع الرأس، و قد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد أو كقعقعة الرعد، فقال لي بغضب منه أ و كنت فاعلا يا أبا سليمان فقلت له إي و اللّه، لو أقام على رأيه لضربت الّذي فيه عيناك. فأغضبه قولي إذ صدقته، و أخرجه إليّ طبعه الّذي أعرفه به عند الغضب، فقال يا ابن اللخناء مثلك من يقدر على مثلي أن يجسر أو يدير اسمي في لهواته الّتي لا عهد لها بكلمة حكمة ويلك إنّي لست من قتلاك و لا من قتلى صاحبك، و إنّي لأعرف بمنيتي منك بنفسك. ثمّ ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، و جعل يسوقني، فدعا إلى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد إلى القطب الغليظ فمدّ عنقي بكلتا يديه و أداره في عنقي، ينفتل له كالعلك المستخن. و أصحابي هؤلاء وقوف، ما أغنوا عنّي سطوته، و لا كفوا عني شرّته، فلا جزاهم اللّه عنّي خيرا، فإنّهم لمّا نظروا إليه كأنّهم نظروا إلى ملك موتهم. فو الّذي رفع السماء بلا أعماد، لقد اجتمع على فكّ هذا القطب مائة رجل أو يزيدون من أشدّ العرب فما قدروا على فكّه، فدلّني عجز الناس عن فتحه أنّه سحر منه أو قوة ملك قد ركبت فيه.

 ففكّه الآن عنّي إن كنت فاكّه، و خذ لي بحقّي إن كنت آخذا، و إلّا لحقت بدار عزّي و مستقرّ مكرمتي، قد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار. فالتفت أبو بكر إلى عمر و قال ما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل كأنّ ولايتي ثقل على كاهله، وشجا في صدره. فالتفت إليه عمر فقال فيه دعابة لا تدعه حتّى تورده فلا تصدره، و جهل و حسد قد استحكما في خلده، فجريا منه مجرى الدماء لا يدعانه حتّى يهينا منزلته، و يورطاه ورطة الهلكة. ثمّ قال أبو بكر لمن بحضرته ادعوا إليّ قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، فليس لفكّ هذا القطب غيره. قال و كان قيس سيّاف النبيّ، و كان رجلا طويلا، طوله ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة أشبار، و كان أشدّ الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين عليه السلام. فحضر قيس فقال له يا قيس إنّك من شدّة البدن بحيث أنت، ففكّ هذا القطب من عنق أخيك خالد، فقال قيس و لم لا يفكّه خالد عن عنقه قال لا يقدر عليه، قال فما لا يقدر عليه أبو سليمان و هو نجم عسكركم، و سيفكم على أعدائكم كيف أقدر عليه أنا. قال عمر دعنا من هزئك و هزلك و خذ فيما حضرت له، فقال أحضرت لمسألة تسألونها طوعا، أو كرها تجبروني عليه فقال له إن كان طوعا و إلّا فكرها، قال قيس يا ابن صهاك خذل اللّه من يكرهه مثلك، إنّ بطنك لعظيمة و إنّ كرشك لكبيرة، فلو فعلت أنت ذلك ما كان منك ]عجب، قال[ فخجل عمر من قيس بن سعد، و جعل ينكث أسنانه بأنامله. فقال أبو بكر و ما بذلك منه، اقصد لما سألت، فقال قيس و اللّه لو أقدر على ذلك لما فعلت، فدونكم و حدادي المدينة، فإنّهم أقدر على ذلك منّي. فأتوا بجماعة من الحدّادين، فقالوا لا ينفتح حتّى نحميه بالنار. فالتفت أبو بكر إلى قيس مغضبا فقال و اللّه ما بك من ضعف عن فكّه، و لكنّك لا تفعل فعلا يعيب عليك فيه إمامك و حبيبك أبو الحسن، و ليس هذا بأعجب من أن أباك وام الخلافة ليبتغي الإسلام عوجا فحصد اللّه شوكته، و أذهب نخوته، و أعزّ الإسلام بوليّه، و أقام دينه بأهل طاعته، و أنت الآن في حال كيد و شقاق. قال فاستشاط قيس بن سعد غضبا و امتلأ غيظا، فقال يا ابن أبي قحافة إنّ لك عندي جوابا حميّا، بلسان طلق، و قلب جري، و لو لا البيعة الّتي لك في عنقي لسمعته منّي، و اللّه لئن بايعتك يدي لم يبايعك قلبي و لا لساني، و لا حجّة لي في عليّ بعد يوم الغدير، و لا كانت بيعتي لك إلّا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، أقول قولي هذا غير هائب منك و لا خائف من معرّتك، و لو سمعت هذا القول منك بداة لما فتح لك منّي صلحا. إن كان أبي رام الخلافة فحقيق من يرومها بعد من ذكرته، لأنّه رجل لا يقعقع بالشنان، و لا يغمز جانبه كغمز التينة، ضخم صنديد، وسمك منيف، و عزّ بازخ أشوس، بخلافك و اللّه أيّتها النعجة العرجاء، و الديك النافش، لا عزّ صميم، و لا حسب كريم، و ايم اللّه لئن عاودتني في أبي لألجمنّك بلجام من القول يمجّ فوك منه دما، دعنا نخوض في عمايتك، و نتردى في غوايتك، على معرفة منّا بترك الحقّ و اتّباع الباطل. و أمّا قولك إنّ عليّا إمامي، ما أنكر إمامته و لا أعدل عن ولايته، و كيف أنقض و قد أعطيت اللّه عهدا بإمامته و ولايته، يسألني عنه فأنا إن ألقى اللّه بنقض بيعتك أحبّ إليّ أن أنقض عهده و عهد رسوله و عهد وصيّه و خليله، و ما أنت إلّا أمير قومك، إن شاءوا تركوك و إن شاءوا عزلوك.

 فتب إلى اللّه ممّا اجترمته، و تنصّل إليه ممّا ارتكبته، و سلّم الأمر إلى من هو أولى منك بنفسك، فقد ركبت عظيما بولايتك دونه، و جلوسك في موضعه، و تسميتك باسمه، و كأنّك بالقليل من دنياك و قد انقشع عنك كما ينقشع السحاب، و تعلم أيّ الفريقين شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً. و أمّا تعييرك إيّاي فإنّه مولاي، هو و اللّه مولاي و مولاك و مولى المؤمنين أجمعين، آه.. آه.. أنّى لي بثبات قدم، أو تمكّن وطء حتّى ألفظك لفظ المنجنيق الحجرة، و لعلّ ذلك يكون قريبا، و نكتفي بالعيان عن الخبر. ثمّ قام و نفض ثوبه و مضى، و ندم أبو بكر عمّا أسرع إليه من القول إلى قيس، و جعل خالد يدور في المدينة و القطب في عنقه أياما. ثمّ أتى آت إلى أبي بكر فقال له قد وافى عليّ بن أبي طالب الساعة من سفره، و قد عرق جبينه، و احمر وجهه، فأنفذ إليه أبو بكر الأقرع بن سراقة الباهلي و الأشوس بن الأشجع الثقفي يسألانه المضيّ إلى أبي بكر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فأتياه فقالا يا أبا الحسن إنّ أبا بكر يدعوك لأمر قد أحزنه، و هو يسألك أن تصير إليه في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلم يجبهما، فقالا يا أبا الحسن ما تردّ علينا فيما جئناك له فقال بئس و اللّه الأدب أدبكم، أ ليس يجب على القادم أن لا يصير إلى الناس في أجلبتهم إلّا بعد دخوله في منزله، فإن كان لكم حاجة فأطلعوني عليها في منزلي حتّى أقضيها إن كانت ممكنة إن شاء اللّه تعالى. فصار إلى أبي بكر فأعلماه بذلك، فقال أبو بكر قوموا بنا إليه، و مضى الجمع بأسرهم إلى منزله، فوجدوا الحسين عليه السلام على الباب يقلب سيفا ليبتاعه، قال له أبو بكر يا أبا عبد اللّه إن رأيت أن تستأذن لنا على أبيك، فقال نعم. ثمّ استأذن للجماعة فدخلوا و معهم خالد بن الوليد، فبدأ به الجمع بالسلام، فردّ عليهم السلام مثل ذلك، فلما نظر إلى خالد قال نعمت صباحا يا أبا سليمان نعم القلادة قلادتك. فقال و اللّه يا عليّ لا نجوت منّي إن ساعدني الأجل. فقال له عليّ عليه السلام أفّ لك يا ابن دميمة، إنّك و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة عندي لأهون، و ما روحك في يدي لو أشاء إلّا كذبابة وقعت على إدام حار فطفقت منه، فاغن عن نفسك غنائها، و دعنا بحالنا حكماء، و إلّا لألحقنّك بمن أنت أحقّ بالقتل منه، و دع عنك يا أبا سليمان ما مضى، و خذ فيما بقي، و اللّه لا تجرّعت من الجرار المختمة إلّا علقمها، و اللّه لقد رأيت منيتي و منيتك و روحي و روحك، فروحي في الجنّة و روحك في النار. قال و حجز الجميع بينهما و سألوه قطع الكلام. فقال أبو بكر لعليّ عليه السلام إنا ما جئناك لما تناقض منه أبا سليمان، و إنّما حضرنا لغيره، و أنت لم تزل يا أبا الحسن مقيما على خلافي

 و الاجتراء على أصحابي، و قد تركناك فاتركنا، و لا تردّنا فيرد عليك منّا ما يوحشك و يزيدك تنويما إلى تنويمك. فقال عليّ عليه السلام لقد أوحشني اللّه منك و من جمعك، و آنس بي كلّ مستوحش، و أمّا ابن الوليد الخاسر، فإنّي أقصّ عليك نبأه، إنّه لمّا رأى تكاثف جنوده و كثرة جمعه زها في نفسه، فأراد الوضع منّي في موضع رفع و محلّ ذي جمع، ليصول بذلك عند أهل الجمع، فوضعت عنه عند ما خطر بباله، و همّ بي و هو عارف بي حقّ معرفته، و ما كان اللّه ليرضى بفعله. فقال له أبو بكر فنضيف هذا إلى تقاعدك عن نصرة الإسلام، و قلّة رغبتك في الجهاد، فبهذا أمرك اللّه و رسوله، أم عن نفسك تفعل هذا. فقال عليّ عليه السلام يا أبا بكر و على مثلي يتفقّه الجاهلون إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمركم ببيعتي، و فرض عليكم طاعتي، و جعلني فيكم كبيت اللّه الحرام يؤتى و لا يأتي، فقال يا علي ستغدر بك أمّتي من بعدي كما غدرت الأمم بعد مضيّ الأنبياء بأوصيائها إلّا قليل، و سيكون لك و لهم بعدي هناة و هناة، فاصبر، أنت كبيت اللّه مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً و من رغب عنه كان كافرا، قال اللّه عزّ و جلّ وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً، و إنّي و أنت سواء إلّا النبوة، فإنّي خاتم النبيين و أنت خاتم الوصيّين، و أعلمني عن ربّي سبحانه بأنّي لست أسلّ سيفا إلّا في ثلاثة مواطن بعد وفاته، فقال تقاتل الناكثين، و القاسطين، و المارقين، و لم يقرب أوان ذلك بعد، فقلت فما أفعل يا رسول اللّه بمن ينكث بيعتي منهم و يجحد حقّي قال فاصبر حتّى تلقاني، و تستسلم لمحنتك حتّى تلقى ناصرا عليهم. فقلت أ فتخاف عليّ منهم أن يقتلونني فقال تاللّه لا أخاف عليك منهم قتلا و لا جراحا، و إنّي عارف بمنيّتك و سببها، و قد أعلمني ربي، و لكنّي خشيت أن تفنيهم بسيفك فيبطل الدين، و هو حديث، فيرتدّ القوم عن التوحيد. و لو لا أنّ ذلك كذلك، و قد سبق ما هو كائن، لكان لي فيما أنت فيه شأن من الشأن، و لرويت أسيافا، و قد ظمئت إلى شرب الدماء، و عند قراءتك صحيفتك تعرف نبأ ما احتملت من وزري، و نعم الخصم محمّد و الحكم اللّه. فقال أبو بكر يا أبا الحسن إنّا لم نرد هذا كله، و نحن نأمرك أن تفتح لنا الآن عن عنق خالد هذه الحديدة، فقد آلمه بثقله و أثّر في حلقه بحمله، و قد شفيت غليل صدرك منه. فقال عليّ عليه السلام لو أردت أن أشفي غليل صدري لكان السيف أشفى للداء و أقرب للفناء، و لو قتلته و اللّه ما قدته برجل ممّن قتلهم يوم فتح مكّة و في كرته هذه، و ما يخالجني الشك في أنّ خالدا ما احتوى قلبه من الإيمان على قدر جناح بعوضة، و أمّا الحديد الّذي في عنقه فلعلّي لا أقدر على فكّه، فيفكه خالد عن نفسه أو فكّوه أنتم عنه، فأنتم أولى به إن كان ما تدّعونه صحيحا. فقام إليه بريدة الأسلمي و عامر بن الأشجع فقالا يا أبا الحسن و اللّه لا يفكّه عن عنقه إلّا من حمل باب خيبر بفرد يد، و دحا به وراء ظهره، و حمله و جعله جسرا تعبر الناس عليه و هو فوق زنده، و قام إليه عمّار بن ياسر فخاطبه أيضا فيمن خاطبه، فلم يجب أحدا، إلى أن قال له أبو بكر سألتك باللّه و بحقّ أخيك المصطفى رسول اللّه إلّا ما رحمت خالدا و فككته من عنقه. فلمّا سأله بذلك استحيا، و كان عليه السلام كثير الحياء، فجذب خالدا إليه، و جعل يخذف من الطوق قطعة قطعة و يفتلها في يده، فانفتل كالشمع. ثمّ ضرب بالأولى رأس خالد، ثمّ الثانية، فقال آه يا أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام قلتها على كره منك، و لو لم تقلها لأخرجت الثالثة من أسفلك، و لم يزل يقطع الحديد جميعه إلى أن أزاله عن عنقه. و جعل الجماعة يكبّرون و يهلّلون و يتعجبون من القوّة الّتي أعطاها اللّه سبحانه أمير المؤمنين عليه السلام، و انصرفت شاكرين.

إيضاح رأيت هذا الخبر في بعض الكتب القديمة بأدنى تغيير. و الطّافي الحوت الميّت الّذي يعلو الماء و لا يرسب فيه، يقال طفى الشّي‏ء فوق الماء أي علاه. و يقال ما به حراك بفتح الحاء أي حركة. و قال الجوهري فلان حامي الذّمار أي إذا ذمر و غضب حمي، و فلان أمنع ذمارا من فلان، و يقال الذّمار ما وراء الرّجل ممّا يحقّ عليه أن يحميه و سميّ ذمارا لأنّه يجب على أهله التّذمّر له. و الضّرام بالكسر اشتعال النّار، يقال ما بها نافخ ضرمة أي أحد، و أضرمت النّار ألهبتها. و المراد بأخي ثقيف المغيرة بن شعبة، و قيل أريد به عمر أيضا، كناية عن الخلل في نسبه، و يؤيّده أنّ في الرواية الأخرى فلا جزاك اللّه من ابن صهاك و أخي ثقيف، أجلسك مجلسا لست له بأهل. و الانكفاء الرّجوع. و الحماليق جمع الحملاق بالكسر، و حملاق العين باطن أجفانها الّذي يسوّده الكحل، أو ما غطّته الأجفان من بياض المقلة. و يقال نظر إليه شزرا، و هو نظر الغضبان بمؤخّر العين، و في لحظه شزر بالتّحريك، و تشازر القوم.. أي نظر بعضهم إلى بعض شزرا و في بعض النسخ معه رهط عتاة من الّذين شزرت حماليق أعينهم من حسدك و بدرت حنقا عليك. و قرح جلده كعلم خرجت به القروح. و في الرواية الأخرى مكان و غلام أسمر و أخوه عقيل، و هو أظهر. و قال الفيروزآبادي الرويّة كسميّة ماء. و البربرة الصّوت و كلام في غضب، تقول بربر فهو بربار. و في الرواية الأخرى و أطرق موشحا و قبض على لحيته، فبدأته بالسلام لأستكفي شرّه و أنفي وحشته. و راغ إلى كذا أي مال إليه سرّا و حاد، و قوله تعالى فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ أي أقبل، و قيل مال، و المراوغة أيضا المصارعة، قالها الجوهري. و بعد قوله عند الغضب في الرواية الأخرى و نفرت عيناه في أمّ رأسه و قام عرق الهاشميّ بين عينيه ككراع البعير فعلمت أنّه قد غرب عقله. ثم قال و يقال لخن السّقاء بالكسر أي أنتن، و منه قولهم أمة لخناء، و يقال اللّخناء الّتي لم تختن. و قال دععته أدعّه دعّا أي دفعته. و في الرواية الأخرى فمدّ عنقي بيد و أخذ القطب بيد أخرى.. إلى قوله ما كفوني شرّه، فلا جزاهم اللّه خيرا، فإنّهم لمّا نظروا إلى بريق عينيه استخذلوا فرقا، و سالت وجوههم عرقا، و خمدت أرواحهم فكأنّهم نظروا إلى ملك موتهم. و فتلت الحبل لويته. و يقال ما أغنى فلان شيئا بالعين و الغين أي لم ينفع في مهمّ، و لم يكف مئونة. و شرّة الشّباب بكسر الشّين و تشديد الرّاء حرصه و نشاطه، و الشرة أيضا مصدر الشر. قوله أو قوة ملك بالتحريك أو بالضمّ و الثاني أنسب بكفره. و الشّجا ما ينشب في الحلق من عظم و غيره و الهمّ و الحزن. و الدّعابة بالضّمّ المزاح، و في بعض النسخ زعامة، و هي بالفتح السّيادة. و الخلد بالخاء المعجمة محرّكة القلب، و في أكثر النسخ بالجيم، و لعلّه تصحيف. و في الرواية الأخرى فقال عمر فيه دعابة لا يدعها حتّى تهتك منزلته، و تورطه ورطة الهلكة، و تبعده عن الدنيا، فقال له أبو بكر دعني من تمردّك و حديثك هذا، فو اللّه لو همّ بقتلي و قتلك لقتلنا بشماله دون يمينه، ثم قال أبو بكر.. إلى قوله و كان قيس سيّاف النبيّ و كان طوله سبعة أشبار في عرض ثلاثة أشبار. قوله لمسألة تسألونها.. أي أحضرتموني لتلتمسوا منّي ذلك لأفعله طوعا

 أو تجبروني عليه كرها. قوله ما كان منك.. أي لا تقدر عليه، أو المعنى لو جبرتني عليه كان من أعوانك و ليس منك. و في الرواية الأخرى فقال له عمر اقصد لما أمرت به يا قيس و إلّا أكرهت، فقال قيس يا ابن صهّاك خذل اللّه من يكرهه شرواك، إنّ بطنك لكبير، و إنّ كيدك لعظيم، فلو فعلت أنت ذلك ما كان بعجيب. و شروى الشّي‏ء مثله. قوله فاستشاط أي احتدم و التهب في غضبه. قوله حميّا على فعيل أي حاميا للحقّ. و المعرّة الإثم و الأذى. قوله لا يقعقع بالشنان.. القعقعة حكاية صوت السّلاح، و الشّنان بالكسر جمع الشّن، و هو القربة الخلق. قال الزمخشري و الميداني إذا أرادوا حثّ الإبل على السّير يحرّكون القربة اليابسة لتفزع فتسرع. قال النّابغة

كأنّك من جمال بني أقيس يقعقع خلف رجليه بشنّ

يضرب للرّجل الشّرس الصّعب الّذي لا يتفزّع لا ينزل به من حوادث الدّهر، و لا يروعه ما لا حقيقة له. قال الحجّاج على منبر الكوفة إنّي و اللّه يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشّنان، و لا يغمز جانبي كتغماز التّين. انتهى. و غمز التين كناية عن سرعة الانقياد، و لين الجانب، فإنه إذا غمز في ظرف أو غيره انغمز سريعا. و الضّخم الغليظ من كلّ شي‏ء، و المراد هنا شدّته في الأمور و فخامته عند الناس. و الصّنديد بالكسر السّيد الشّجاع. و سمك البيت سقفه. و المنيف المشرف المرتفع. و الباذخ العالي. و الشّوس بالتحريك النّظر بمؤخّر العين تكبّرا و تغيّظا، و الرّجل أشوس. قوله والديك النافش.. في بعض النسخ بالقاف و الشين المعجمة، و النّقش استخراج الشّوك و استقصاؤك الكشف عن الشيّ‏ء و الجماع، و في بعض النسخ بالفاء، و قال الفيروزآبادي النّفوش الإقبال على الشيّ‏ء تأكله.. و تنفّش الطّائر نفض ريشه كأنّه يخاف أو يرعد، و في بعض النسخ النافر بالفاء و الراء المهملة، أو بالقاف و الراء. و صميم الشيّ‏ء خالصه، يقال هو في صميم قومه. و يقال مجّ الرّجل الشّراب من فيه إذا رمى به. و تنصّل فلان من ذنبه أي تبرّا و اعتذر. قوله عليه السلام يا ابن دميمة.. الدميم الحقير، و الدمامة الإساءة. قوله عليه السلام فطفقت.. يقال طفق الموضع كفرح لزمه، و هو هنا كناية عن الموت. و في بعض النسخ فطفئت بالهمزة و هو أيضا كناية عن الموت. و يقال أغنيت عنك مغنى فلان.. أي أجزأت عنك مجزأة، و يقال ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك و ما ينفعك. و في الرواية الأخرى فأعزّ نفسك عنّا هباء و دعنا عنك حلماء. و لعلّه من قولهم هبا إذا فرّ أو مات. قوله عليه السلام بمن أنت أحق.. أي بمن قتلهم من الكفار و أنت أحق بالقتل منهم. قوله عليه السلام لا تجرعت.. أي لم أشرب من الكيزان التي ختمت رءوسها و لم يعلم ما فيها إلّا علقمها.. أي مرها، و كلّ شي‏ء مرّ علقم، و لعلّه مثل، و الغرض إنّي لا أبالي بالشدائد و الفتن، و لم يقدّر لي في الدنيا من الأمور إلّا شدائدها. و الزّهو التكبّر و الفخر. قوله عليه السلام في موضع رفع.. أي من جهة الترفع عليّ، و في الرواية الأخرى أراد الوضع منّي ليسمو بذلك عند أهل الجهل، و همّ بي و هو عارف بي. و قال الجوهري يقال في فلان هنات أي خصلات شرّ. و قال الجزري قيل واحدها هنة،.. و هو كناية عن كلّ اسم جنس، و منه حديث سطيح »ثمّ تكون هنات و هنات« أي شدائد و أمور عظام.

 و في الرواية الأخرى زيادة، و هي هذه فانصرفت الجماعة شاكرين له و هم متعجّبون من ذلك، فقال أبو بكر لا تعجبوا من أبي الحسن، و اللّه لقد كنت بجنب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ يوم قلع عليّ باب خيبر، فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قد ضحك حتّى بدت ثناياه، ثم بكى حتّى اخضلّت لحيته، فقلت يا رسول اللّه أ ضحك و بكاء في ساعة واحدة. قال نعم، أمّا ضحكي ففرحت بقلع عليّ باب خيبر، و أمّا بكائي فلعليّ عليه السلام، فإنّه ما قلعه إلّا و هو صائم مذ ثلاثة أيّام على الماء القراح، و لو كان فاطرا على طعام لدحا به من وراء السور.

 ما هذا حديث وجدته بخط بعض المشايخ رحمهم اللّه، ذكر أنّه وجده في كتاب لأبي غانم الأعرج و كان مسكنه بباب الشعير وجد بخطه على ظهر كتاب له حين مات، و هو أنّ عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة عليها السلام فرأتها باكية، فقالت لها بأبي أنت و أمّي ما الّذي يبكيك فقالت لها أ سائلتي عن هنة حلّق بها الطائر و حفي بها السائر، و رفعت إلى السماء أثرا و رزئت في الأرض خبرا إنّ قحيف تيم و أحيول عدي جاريا أبا الحسن في السباق، حتّى إذا تفرّيا بالخناق أسرّا له الشنان، و طوياه الإعلان، فلمّا خبا نور الدين و قبض النبيّ الأمين نطقا بفورهما، و نفثا بسورهما، و أدلّا بفدك، فيا لها كم من ملك ملك، إنّها عطيّة الربّ الأعلى للنجيّ الأوفى، و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي، و إنّها لبعلم اللّه و شهادة أمينه، فإن انتزعا منّي البلغة و منعاني المظة فأحتسبها يوم الحشر زلفة، و ليجدنّها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم.

توضيح عن هنة، أي شي‏ء يسير قليل، أو قصّته منكرة قبيحة. حلّق بها الطائر.. تحليق الطّائر ارتفاعه في الهواء، أي انتشر خبرها، إذ كان الغالب في تلك الأزمنة إرسال الأخبار مع الطيور. و حفي بها السائر.. أي أسرع السائر في إيصال هذا الخبر حتى حفي و سقط خفّه و نعله، أو رقّ رجله أو رجل دابته، يقال حفي كعلم إذا مشى بلا خفّ و لا نعل، أو رقّت قدمه أو حافره، أو هو من الحفاوة و هي المبالغة في السّؤال، و في بعض النسخ و خفي بها الساتر.. أي لم يبق ساتر لها و لم يقدر الساترون على إخفائها. و رفعت إلى السماء أثرا... أي ظهرت آثاره في السماء عاجلا و آجلا من منع الخيرات و تقدير شدايد العقوبات لمن ارتكبها. و رزئت في الأرض خبرا... يقال رزأه كجعله و عمله أصاب منه شيئا، و رزأه رزءا أو مرزأة أصاب منه خيرا، و الشّي‏ء نقصه، و الرّزيئة المصيبة، فيمكن أن يقرأ على بناء المعلوم.. أي أحدثت من جهة خبرها في الأرض مصائب، أو المجهول بالإسناد المجازي، و الأول أنسب معنى، و الثاني لفظا، و يمكن أن يكون بتقديم المعجمة على المهملة، يقال زري عليه زريا عابه و عاتبه فلا يكون مهموزا. و في بعض النسخ ربت بالراء المهملة و الباء الموحّدة أي نمت و كثرت. و في بعضها رنّت.. من الرنين، و في نسخة قديمة و رويت من الرواية. إنّ قحيف تيم.. لعلّها صلوات اللّه عليها أطلقت على أبي بكر قحيفا، لأنّ أباه أبو قحافة، و القحف بالكسر العظم فوق الدّماغ، و القحف بالفتح قطع القحف أو كسره، و القاحف المطر يجي‏ء فجأة فيقتحف كلّ شي‏ء.. أي يذهب به، و سيل قحاف كغراب جزاف. و الأحيول تصغير الأحول، و هو لو لم يكن أحول ظاهرا فكان أحول باطنا لشركه، بل أعمى، و يقال أيضا ما أحوله.. أي ما أحيله. جاريا أبا الحسن عليه السلام في السباق.. يقال جاراه أي جرى معه. و السّباق المسابقة، أي كانا يريدان أن يسبقاه في المكارم و الفضائل في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. حتى إذا تفريا بالخناق أسرّا له الشنآن.. يقال تفرّى أي انشقّ، و الخناق ككتاب الحبل يخنق به، و كغراب داء يمتنع معه نفوذ النّفس إلى الرّية و القلب. و في بعض النسخ بالحاء المهملة و هو بالكسر جمع الحنق بالتّحريك و هو الغيظ أو شدّته. و الشّنان العداوة.. أي لما انشقا بما خنقهما من ظهور مناقبه و فضائله و عجزهما عن أن يدانياه في شي‏ء منها، أو من شدة غيظه أكمنا له العداوة في قلبهما منتهضين للفرصة، و في بعض النسخ تعريا بالعين و الراء المهملتين فلعلّ المعنى بقيا مسبوقين في العراء و هو الفضاء و الصحراء متلبسين بالخناق و الغيظ. و في بعض النسخ ثغرا.. أي توقرا و ثقلا. و في بعضها تغرغرا.. من الغرغرة و هي تردّد الرّوح في الحلق، و يقال يتغرغر صوته في حلقه.. أي

 يتردّد، و هو مناسب للخناق. و في بعضها تقرّرا.. أي ثبتا و لم يمكنهما الحركة، و في بعضها تعزّبا بالمهملة ثم المعجمة أي بعدا و لم يمكنهما الوصول إليه، و كان يحتمل تقديم المعجمة أيضا، و المعنى قريب من الأول. و في بعضها تقربا بالقاف و الباء الموحدة و يمكن توجيهه بوجه، و كان يحتمل النون، و هو أوجه فالخناق بالخاء المكسورة أي اشتركا فيما يوجب عجزهما كأنهما اقترنا بحبل واحد في عنقهما، و في بعضها تفردا بالفاء و الراء المهملة و الدال و هو أيضا لا يخلو من مناسبة. و طوياه الإعلان.. أي أضمرا أن يعلنا له العداوة عند الفرصة، و في الكلام حذف و إيصال.. أي طويا أو عنه، يقال طوى الحديث أي كتمه، و يقال خبت النّار أي سكنت و طفئت. نطقا بفورهما.. أي تكلما فورا، أي بسبب فورانهما، و في بعض النسخ نطفا بالفاء أي صبّا ما في صدورهما فورا، أو بسبب غليان حقدهما و فوران حسدهما، و يحتمل أن تكون الباء زائدة، يقال نطف الماء أي صبّه، و فلانا قذفه بفجور، أو لطّخه بعيب. و في الحديث رأيت سقفا تنطف سمنا و عسلا.. أي تقطر، و في قصة المسيح عليه السلام ينطف رأسه ماء، و فار القدر فورا و فورانا غلا و جاش، و أتوا من فورهم... أي من وجههم، أو قبل أن يسكنوا. و نفثا بسورهما.. نفثه كضرب رمى به، و النفث النّفخ و البزق. و سورة الشيّ‏ء حدّته و شدّته، و من السّلطان سطوته و إعتداؤه. و سار الشّراب في رأسه سورا دار و ارتفع، و الرّجل إليك وثب و ثار. و أدلّا بفدك.. قال الجوهري الدّلّ الغنج و الشّكل،.. و فلان يدّل على أقرانه في الحرب كالبازي يدلّ على صيده، و هو يدلّ بفلان أي يثق به، و الحاصل أنهما أخذا فدك بالجرأة من غير خوف، و في بعض النسخ وا ذلا بفدك بالذال المعجمة على الندبة، و لعلّه تصحيف. فيا لها كم من ملك ملك.. من قبيل يا للماء... للتعجب، أي يا قوم تعجبوا لفدك. و قولها كم من ملك بيان لوجه التعجب، و في بعض النسخ فيا لها لمن ملك تيك... و في بعضها فيا لها لمزة لك تيك. و اللّمزة بضم اللام و فتح الميم العيّاب. و تيك اسم إشارة، و الظاهر أن الجميع تصحيف. و النّجيّ.. هو المناجي المخاطب للإنسان أي لمن خصّه اللّه بنجواه و سرّه و كان أوفى الخلق بعهده و أمره. و الصبية بالكسر جمع الصّبي. و السّغب الجوع. و النجل الولد. و البلغة بالضّم ما يتبلّغ به من العيش. و اللّماظة بالضّم ما يبقى في الفم من الطّعام. و قال الشّاعر في وصف الدّنيا

لماظة أيّام كأحلام نائم ...................

و يقال ما ذقت لماظا بالفتح أي شيئا،.. و اللّمظة بالضم كالنّكتة من البياض، و اللماظة هنا أنسب. و الزّلفة بالضم كالزّلفى القرب و المنزلة.. أي اعلم أنها سبب لقربي يوم الحشر، أو اصبر عليها ليكون سببا لقربي. قال في النهاية و فيه من صام إيمانا و احتسابا.. أي طلبا لوجه اللّه و ثوابه، و الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدّ، و إنّما قيل لمن ينوي بعمله وجه اللّه احتسبه، لأنّ له حينئذ أن يعتدّ عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنّه معتدّ به.. و الاحتساب في الأعمال الصّالحات و عند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتّسليم و الصّبر، أو باستعمال أنواع البرّ و القيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجوّ منها..، و منه الحديث من مات له ولد فاحتسبه.. أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته. و سعر النّار.. كمنع أوقدها. و الحميم الماء الحارّ. و اللّظى كفتى النّار أو لهبها، و لظى معرفة جهنّم، أو طبقة منها، أعاذنا اللّه تعالى منها و من طبقاتها و دركاتها.

 ختص عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جلس أبو بكر مجلسه، بعث إلى وكيل فاطمة صلوات اللّه عليها فأخرجه من فدك. فأتته فاطمة عليها السلام فقالت يا أبا بكر ادّعيت أنّك خليفة أبي و جلست مجلسه، و أنت بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك، و قد تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صدّق بها عليّ، و أنّ لي بذلك شهودا. فقال إنّ النبيّ )ص( لا يورث. فرجعت إلى عليّ عليه السلام فأخبرته، فقال ارجعي إليه و قولي له زعمت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يورث وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، و ورث يحيى زكريّا، و كيف لا أرث أنا أبي فقال عمر أنت معلّمة، قالت و إن كنت معلّمة فإنّما علّمني ابن عمّي و بعلي. فقال أبو بكر فإنّ عائشة تشهد و عمر أنّهما سمعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يقول النبيّ لا يورث. فقالت هذا أوّل شهادة زور شهدا بها، و إنّ لي بذلك شهودا بها في الإسلام، ثم قالت فإنّ فدك إنّما هي صدّق بها عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لي بذلك بيّنة. فقال لها هلمّي ببيّنتك. قال فجاءت بأمّ أيمن و عليّ عليه السلام، فقال أبو بكر يا أمّ أيمن إنّك سمعت من رسول اللّه )ص( يقول في فاطمة فقالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول إنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، ثم قالت أمّ أيمن فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنّة تدّعي ما ليس لها و أنا امرأة من أهل الجنّة ما كنت لأشهد بما لم أكن سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال عمر دعينا يا أمّ أيمن من هذه القصص، بأيّ شي‏ء تشهدين. فقالت كنت جالسة في بيت فاطمة عليها السلام و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس حتّى نزل عليه جبرئيل، فقال يا محمّد قم فإنّ اللّه تبارك و تعالى أمرني أن أخطّ لك فدكا بجناحي، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع جبرئيل عليه السلام، فما لبث أن رجع، فقالت فاطمة عليها السلام يا أبة أين ذهبت فقال خطّ جبرئيل عليه السلام لي فدكا بجناحه و حدّ لي حدودها، فقالت يا أبة إنّي أخاف العيلة و الحاجة من بعدك، فصدّق بها عليّ، فقال هي صدقة عليك، فقبضتها، قالت نعم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا أمّ أيمن اشهدي، و يا عليّ اشهد. فقال عمر أنت امرأة و لا نجيز شهادة امرأة وحدها، و أمّا عليّ فيجرّ إلى نفسه. قال فقامت مغضبة و قالت اللهم إنّهما ظلما ابنة نبيّك حقّها، فاشدد وطأتك عليهما، ثم خرجت و حملها عليّ على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحا في بيوت المهاجرين و الأنصار و الحسن و الحسين عليهما السلام معها، و هي تقول يا معشر المهاجرين و الأنصار انصروا اللّه و ابنة نبيّكم، و قد بايعتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بايعتموه أن تمنعوه و ذريّته مما تمنعون منه أنفسكم و ذراريكم، ففوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ببيعتكم، قال فما أعانها أحد و لا أجابها و لا نصرها. قال فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت يا معاذ بن جبل إنّي قد جئتك مستنصرة، و قد بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أن تنصره و ذرّيته و تمنع مما تمنع منه نفسك و ذرّيتك، و إنّ أبا بكر قد غصبني على فدك و أخرج وكيلي منها، قال فمعي غيري قالت لا، ما أجابني أحد، قال فأين أبلغ أنا من نصرك قال فخرجت من عنده. و دخل ابنه، فقال ما جاء بابنة محمّد إليك قال جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنّه أخذ منها فدكا، قال فما أجبتها به قال قلت و ما يبلغ من نصرتي أنا وحدي، قال فأبيت أن تنصرها

 قال نعم، قال فأيّ شي‏ء قالت لك قال قالت لي و اللّه لا نازعتك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال فقال أنا و اللّه لا نازعتك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إذ لم تجب ابنة محمّد. قال و خرجت فاطمة صلوات اللّه عليها من عنده و هي تقول و اللّه لا أكلّمك كلمة حتّى أجتمع أنا و أنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم انصرفت. فقال عليّ عليه السلام لها ائتي أبا بكر وحده فإنّه أرقّ من الآخر، و قولي له ادّعيت مجلس أبي و أنّك خليفته و جلست مجلسه، و لو كانت فدك لك ثم استوهبتها منك لوجب ردّها عليّ، فلمّا أتته و قالت له ذلك، قال صدقت، قال فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك. فخرجت و الكتاب معها، فلقيها عمر فقال يا بنت محمّد ما هذا الكتاب الذي معك فقالت كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك، فقال هلمّيه إليّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله و كانت عليها السلام حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها، ثمّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين نقف، ثم أخذ الكتاب فخرقه. فمضت و مكثت خمسة و سبعين يوما مريضة ممّا ضربها عمر، ثم قبضت. فلمّا حضرتها الوفاة دعت عليّا صلوات اللّه عليه فقالت إمّا تضمن و إلّا أوصيت إلى ابن الزبير، فقال عليّ عليه السلام أنا أضمن وصيّتك يا بنت محمّد، قالت سألتك بحقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أنا متّ أن لا يشهداني و لا يصلّيا عليّ، قال فلك ذلك. فلما قبضت صلوات اللّه عليها، دفنها ليلا في بيتها، و أصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، و أبو بكر و عمر كذلك، فخرج إليهما عليّ عليه السلام، فقالا له ما فعلت بابنة محمّد أخذت في جهازها يا أبا الحسن فقال عليّ عليه السلام قد و اللّه دفنتها، قالا فما حملك على أن دفنتها و لم تعلمنا بموتها قال هي أمرتني. فقال عمر و اللّه لقد هممت بنبشها و الصّلاة عليها، فقال عليّ صلوات اللّه عليه أما و اللّه ما دام قلبي بين جوانحي و ذو الفقار في يدي فإنّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم، فقال أبو بكر اذهب، فإنه أحقّ بها منّا، و انصرف الناس.

بيان قال في النهاية الوطء في الأصل الدّوس بالقدم، فسمّي به الغزو و القتل، لأنّ من يطأ على الشيّ‏ء برجله فقد استقصى في إهلاكه و إهانته، و منه الحديث اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، أي خذهم أخذا شديدا، انتهى. و الخمل بالتحريك هدب القطيفة و نحوها. قولها عليها السلام لا نازعتك الفصيح.. أي لا أنازعك بما يفصح عن المراد، أي بكلمة من رأسه، فإنّ محلّ الكلام في الرأس، أو المراد بالفصيح اللسان. قوله حين نقف على بناء المجهول أي.. كسر من لطم اللعين. و الجوانح الضّلوع تحت التّرائب ممّا يلي الصّدر، واحدتها جانحة.

 و روى العلّامة في كشكوله المنسوب إليه عن المفضّل بن عمر قال قال مولاي جعفر الصادق عليه السلام لمّا ولي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر إنّ الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها، فامنع عن عليّ و أهل بيته الخمس، و الفي‏ء، و فدكا، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليّا و أقبلوا إليك رغبة في الدنيا و إيثارا و محاباة عليها، ففعل أبو بكر ذلك و صرف عنهم جميع ذلك. فلمّا قام أبو بكر بن أبي قحافة مناديه من كان له عند رسول اللّه )ص( دين أو عدة فليأتني حتّى أقضيه، و أنجز لجابر بن عبد اللّه و لجرير بن عبد اللّه البجلي. قال ]قال[ عليّ عليه السلام لفاطمة عليها السلام صيري إلى أبي بكر و ذكّريه فدكا، فصارت فاطمة إليه و ذكرت له فدكا مع الخمس و الفي‏ء، فقال هاتي بيّنة يا بنت رسول اللّه. فقالت أمّا فدك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل على نبيّه قرآنا يأمر فيه بأن يؤتيني و ولدي حقّي، قال اللّه تعالى فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فكنت أنا و ولدي أقرب الخلائق إلى رسول اللّه )ص( فنحلني و ولدي فدكا، فلمّا تلا عليه جبرئيل عليه السلام وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما حقّ المسكين و ابن السبيل فأنزل اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، فقسّم الخمس على خمسة أقسام، فقال ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ فما للّه فهو لرسوله، و ما لرسول اللّه فهو لذي القربى، و نحن ذو القربى. قال اللّه تعالى  قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. فنظر أبو بكر بن أبي قحافة إلى عمر بن الخطاب و قال ما تقول فقال عمر و من اليتامى و المساكين و أبناء السبيل فقالت فاطمة )ع( اليتامى الذين يأتمّون باللّه و برسوله و بذي القربى، و المساكين الذين أسكنوا معهم في الدنيا و الآخرة، و ابن السبيل الذي يسلك مسلكهم. قال عمر فإذا الخمس و الفي‏ء كلّه لكم و لمواليكم و أشياعكم فقالت فاطمة عليها السلام أمّا فدك فأوجبها اللّه لي و لولدي دون موالينا و شيعتنا، و أمّا الخمس فقسّمه اللّه لنا و لموالينا و أشياعنا كما يقرأ في كتاب اللّه. قال عمر فما لسائر المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان قالت فاطمة إن كانوا موالينا و من أشياعنا فلهم الصدقات التي قسّمها اللّه و أوجبها في كتابه، فقال اللّه عزّ و جلّ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ.. إلى آخر القصة، قال عمر فدك لك خاصّة و الفي‏ء لكم و لأوليائكم ما أحسب أصحاب محمّد يرضون بهذا قالت فاطمة فإنّ اللّه عزّ و جلّ رضي بذلك، و رسوله رضي به، و قسّم على الموالاة و المتابعة لا على المعاداة و المخالفة، و من عادانا فقد عادى اللّه، و من خالفنا فقد خالف اللّه، و من

 خالف اللّه فقد استوجب من اللّه العذاب الأليم و العقاب الشديد في الدنيا و الآخرة. فقال عمر هاتي بيّنة يا بنت محمّد على ما تدّعين فقالت فاطمة )ع( قد صدّقتم جابر بن عبد اللّه و جرير بن عبد اللّه و لم تسألوهما البيّنة و بيّنتي في كتاب اللّه، فقال عمر إنّ جابرا و جريرا ذكرا أمرا هيّنا، و أنت تدّعين أمرا عظيما يقع به الردّة من المهاجرين و الأنصار. فقالت عليها السلام إنّ المهاجرين برسول اللّه و أهل بيت رسول اللّه هاجروا إلى دينه، و الأنصار بالإيمان باللّه و رسوله و بذي القربى أحسنوا، فلا هجرة إلّا إلينا، و لا نصرة إلّا لنا، و لا اتّباع بإحسان إلّا بنا، و من ارتدّ عنّا فإلى الجاهلية. فقال لها عمر دعينا من أباطيلك، و أحضرينا من يشهد لك بما تقولين. فبعثت إلى عليّ و الحسن و الحسين و أمّ أيمن و أسماء بنت عميس و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها بجميع ما قالت و ادّعته. فقال أمّا عليّ فزوجها، و أمّا الحسن و الحسين ابناها، و أمّا أمّ أيمن فمولاتها، و أمّا أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر ابن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم، و قد كانت تخدم فاطمة، و كلّ هؤلاء يجرّون إلى أنفسهم. فقال عليّ )ع( أمّا فاطمة فبضعة من رسول اللّه )ص(، و من آذاها فقد آذى رسول اللّه )ص(، و من كذّبها فقد كذّب رسول اللّه، و أمّا الحسن و الحسين فابنا رسول اللّه )ص( و سيّدا شباب أهل الجنّة، من كذّبهما فقد كذّب رسول اللّه )ص( إذ كان أهل الجنّة صادقين، و أمّا أنا فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنت منّي و أنا منك، و أنت أخي في الدنيا و الآخرة، و الرادّ عليك هو الرادّ عليّ، و من أطاعك فقد أطاعني، و من عصاك فقد عصاني، و أمّا أمّ أيمن فقد شهد لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالجنّة، و دعا لأسماء بنت عميس و ذريّتها. قال عمر أنتم كما وصفتم أنفسكم، و لكن شهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل. فقال عليّ عليه السلام إذا كنّا كما نحن كما تعرفون و لا تنكرون، و شهادتنا لأنفسنا لا تقبل، و شهادة رسول اللّه لا تقبل، ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، إذا ادّعينا لأنفسنا تسألنا البيّنة فما من معين يعين، و قد وثبتم على سلطان اللّه و سلطان رسوله، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بيّنة و لا حجّة وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. ثم قال لفاطمة انصرفي حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. قال المفضّل قال مولاي جعفر عليه السلام كلّ ظلامة حدثت في الإسلام أو تحدث، و كلّ دم مسفوك حرام، و منكر مشهور، و أمر غير محمود، فوزره في أعناقهما و أعناق من شايعهما أو تابعهما و رضي بولايتهما إلى يوم القيامة.

بيان يظهر من هذا الخبر أنّ لذي القربى حقّين حقّا مختصّا و حقّا مشتركا، و أشار سبحانه مع الآية الأولى إليهما جميعا، فلمّا سألوا عن حقّ المسكين و ابن السبيل أنزل آية الخمس لبيان أنّ اشتراكهما إنّما هو في الخمس لا في سائر الفي‏ء، فلا ينافي اختصاص فدك بهم عليهم السلام، و أمّا تفسيرها عليها السلام اليتامى بالذين يأتمون، فلعل المعنى أنّ المراد بهم يتامى الشيعة لا مطلق الأيتام، فلا يكون الغرض بيان أنّ اليتيم مشتق من الائتمام، لاختلاف بناء الكلمتين، مع أنّه يحتمل أن يكون مبنيّا على الاشتقاق الكبير، و يحتمل أن يكون تأويلا لبطن الآية بأنّ المراد باليتيم من انقطع عن والديه الروحانيين أي النبيّ و الإمام عليهما السلام من الشيعة موافقا للأخبار الكثيرة الواردة في ذلك، و أمّا ما فسّرت به المسكين فلا ينافي البناء، لأنّ المسكين و المسكن و السكنى متساوقة في الاشتقاق، و هو على وزن مفعيل، يقال تمسكن كما يقال تمدرع و تمندل. و ابن السبيل أظهر، فإنّه فسّرته بسبيل الحقّ و الصراط المستقيم، ثم إنّه يدلّ ظاهرا على عدم اختصاص الخمس ببني هاشم كما هو مذهب أكثر العامّة فيمكن أن يكون هذا على سبيل التنزّل، أو يكون المراد أنّه غير شامل لجميع بني هاشم بل مختص بمن كان منهم تابعا للحق.

 قب في كتاب أخبار الخلفاء أنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر خذ فدكا حتى أردّها إليك، فيأبى حتى ألحّ عليه، فقال عليه السلام لا آخذها إلّا بحدودها، قال و ما حدودها قال إن حدّدتها لم تردّها. قال بحقّ جدّك إلّا فعلت. قال أمّا الحدّ الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد و قال إيها. قال و الحدّ الثاني سمرقند، فأربد وجهه. قال و الحدّ الثالث إفريقية، فاسودّ وجهه و قال هنيه. قال و الرابع سيف البحر ما يلي الخزر و أرمينية. قال الرشيد فلم يبق لنا شي‏ء، فتحول إلى مجلسي. قال موسى قد أعلمتك أنّني إن حدّدتها لم تردّها، فعند ذلك عزم على قتله. و في رواية ابن أسباط أنّه قال أمّا الحدّ الأول فعريش مصر، و الثاني دومة الجندل، و الثالث أحد، و الرابع سيف البحر، فقال هذا كلّه هذه الدنيا. فقال )ع( هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه اللّه و رسوله بلا خيل و لا ركاب، فأمره اللّه أن يدفعه إلى فاطمة )ع(. بيان هذان التحديدان خلاف المشهور بين اللغويين، قال الفيروزآبادي فدك محركة موضع بخيبر. و قال في مصباح اللغة بلدة بينها و بين مدينة النّبيّ )ص( يومان و بينهما و بين خيبر دون مرحلة، و هي ممّا أفاء اللّه على رسوله و تنازعها عليّ و العبّاس في خلافة عمر، فقال عليّ )ع( جعلها النّبيّ )ص( لفاطمة و ولدها، و أنكره العبّاس فسلّمها عمر لهما. انتهى. و لعل مراده عليه السلام أن تلك كلّها في حكم فدك، و كأن الدعوى على جميعها، و إنّما ذكروا فدك على المثال أو تغليبا. 42-  كشف روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، السادس عن عمر عن أبي بكر المسند منه فقط، و هو لا نورث ما تركنا صدقة لمسلم من رواية جويرية بن أسماء عن مالك و عن عائشة بطوله أنّ فاطمة )ع( سألت أبا بكر أن يقسّم لها ميراثها.

 و في رواية أخرى أنّ فاطمة )ع( و العباس أتيا أبا بكر.. يلتمسان ميراثهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدك و سهمه من خيبر، فقال أبو بكر إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قال لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال، و إنّي و اللّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ يصنعه فيه إلّا صنعته. زاد في رواية صالح بن كيسان إنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، قال فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ و العباس فغلبه عليها عليّ، و أمّا خيبر و فدك فأمسكهما عمر، و قال هما صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانت لحقوقه التي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر، قال فهما على ذلك اليوم. قال غير صالح في روايته في حديث أبي بكر فهجرته فاطمة فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليّ عليه السلام ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر، قال و كان لعليّ وجه من الناس حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن عليّ عليه السلام، و مكثت فاطمة عليها السلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ ستة أشهر ثم توفيت، فقال رجل للزهري فلم يبايعه عليّ ستة أشهر قال لا و اللّه، و لا أحد من بني هاشم حتى بايعه عليّ. في حديث عروة فلما رأى عليّ عليه السلام انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر، فأرسل إلى أبي بكر ائتينا و لا تأتنا معك بأحد، و كره أن يأتيه عمر لما علم من شدّة عمر. فقال عمر لا تأتهم وحدك. فقال أبو بكر و اللّه لآتينهم وحدي، ما عسى أن يصنعوا بي. فانطلق أبو بكر فدخل على عليّ عليه السلام و قد جمع بني هاشم عنده، فقام عليّ فحمد اللّه و أثنى عليه بما هو أهله، ثم قال أمّا بعد، فلم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضيلتك و لا نفاسة عليك بخير ساقه اللّه إليك، و لكنّا كنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر حقّا، فاستبددتم علينا.. ثم ذكر قرابتهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حقّهم.. فلم يزل عليّ عليه السلام يذكر حتى بكى أبو بكر و صمت عليّ، و تشهّد أبو بكر فحمد اللّه و أثنى عليه بما هو أهله، ثم قال أمّا بعد، فو اللّه لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، و إنّي و اللّه ما لكأت في هذه الأموال التي كانت بيني و بينكم عن الخير، و لكنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمّد )ص( في هذا المال، و إنّي و اللّه لا أدع أمرا صنعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا صنعته إن شاء اللّه، و قال عليّ موعدك للبيعة العشيّة، فلما صلّى أبو بكر الظهر أقبل على الناس يعذر عليّا ببعض ما اعتذر به، ثم قام عليّ فعظّم من حقّ أبي بكر و ذكر فضيلته و سابقته، ثم قام إلى أبي بكر فبايعه، فأقبل الناس على عليّ فقالوا أصبت و أحسنت، و كان المسلمون إلى عليّ رضى اللّه عنه قريبا حين راجع الأمر بالمعروف.. هذا آخر ما ذكره الحميدي.

 و قد خطر لي عند نقلي لهذا الحديث كلام أذكره على مواضع منه، ثم بعد ذلك أورد ما نقله أصحابنا في المعنى، ملتزما بما اشترطه من العدل في القول و الفعل، و على اللّه قصد السبيل. قول أبي بكر في أول الحديث و آخره و إنّي و اللّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ يصنعه فيه إلّا صنعته.. و هو لم يرد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صنع فيها إلّا أنّه اصطفاها، و إنّما سمع سماعا أنّه بعد وفاته لا يورث، كما روى، فكان حقّ الحديث أن يحكى و يقول و إنّي و اللّه لا أدع أمرا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقوله إلّا عملت بمقتضى قوله، أو ما هذا معناه. و فيه فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ و عباس فغلبه عليها عليّ. أقول حكم هذه الصدقة التي بالمدينة حكم فدك و خيبر، فهلّا منعهم الجميع كما فعل صاحبه إن كان العمل على ما رواه، أو صرفهم في الجميع إن كان الأمر بضدّ ذلك، فأمّا تسليم البعض و منع البعض فإنّه ترجيح من غير مرجّح، اللهم إلّا أن يكونوا فعلوا شيئا لم يصل إلينا في إمضاء ذلك. و في قوله فغلبه عليها عليّ.. دليل واضح على ما ذهب إليه أصحابنا من توريث البنات دون الأعمام، فإنّ عليّا عليه السلام لم يغلب العباس على الصدقة من جهة العمومة، إذ كان العباس أقرب من عليّ )ع( في ذلك، و غلبه إيّاه على سبيل الغلب و العنف مستحيل أن يقع من عليّ في حقّ العباس، و لم يبق إلّا أنّه غلبه عليها بطريق فاطمة و بنيها عليهم السلام.

 و قول عليّ عليه السلام كنّا نرى أن لنا في هذا الأمر حقّا فاستبددتم علينا..

فتأمّل معناه يضح لك مغزاه، و لا حاجة إلى كشف مغطاه. و روى أحمد بن حنبل.. في مسنده ما يقارب ألفاظ ما رواه الحميدي، و لم يذكر حديث عليّ )ع( و أبي بكر و مجيئه إليه في هذا الحديث.

 روى ابن بابويه مرفوعا إلى أبي سعيد الخدري، قال لمّا نزلت فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا فاطمة لك فدك

و في رواية أخرى عن أبي سعيد مثله.

 و عن عطيّة قال لما نزلت فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك.

 و عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب )ع( قال أقطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام فدك.

 و عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى فاطمة )ع( فدك قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقفها، فأنزل اللّه تبارك و تعالى فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، فأعطاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حقّها. قلت رسول اللّه )ص( أعطاها قال بل اللّه تبارك و تعالى أعطاها.

و قد تظاهرت الرواية من طرق أصحابنا بذلك، و ثبت أنّ ذا القربى عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، و على هذا فقد كان أبو بكر و عمر لما وليا هذا الأمر يرتبان في الأعمال و البلاد القريبة و النائية من الصحابة و المهاجرين و الأنصار من لا يكاد يبلغ مرتبة عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و لا يقاربها، فلو اعتقداهم مثل بعض الولاة و سلّما إليهم هذه الصدقة التي قامت النائرة في أخذها، و عرفّاهم ما روياه و قالا لهم أنتم أهل البيت و قد شهد اللّه لكم بالطهارة، و أذهب عنكم الرجس، و قد عرفناكم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا نورث، و قد سلمناها إليكم، و شغلنا ذممكم بها، و اللّه من وراء أفعالكم فيها، و اللّه سبحانه بمرأى منكم و مسمع، فاعملوا فيها بما يقرّبكم منه و يزلفكم عنده، فعلى هذا سلّمناها إليكم و صرفناكم فيها، فإن فعلتم الواجب الذي أمرتم به و فعلتم فيها فعل رسول اللّه )ص( فقد أصبتم و أصبنا، و إن تعدّيتم الواجب و خالفتم ما حدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد أخطأتم و أصبنا فإنّ الذي علينا الاجتهاد و لم نأل في اختياركم جهدا، و ما علينا بعد بذل الجهد لائمة، و هذا الحديث من الإنصاف كما يروى، و اللّه الموفق و المسدّد.

 و روي أنّ فاطمة عليها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت يا أبا بكر من يرثك إذا متّ قال أهلي و ولدي، قالت فما لي لا أرث رسول اللّه )ص(. قال يا بنت رسول اللّه إنّ النبيّ لا يورث، و لكن أنفق على من كان ينفق عليه رسول اللّه، و أعطي ما كان يعطيه. قالت و اللّه لا أكلّمك بكلمة ما حييت، فما كلّمته حتى ماتت.

  و قيل جاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر فقالت أعطني ميراثي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قال إنّ الأنبياء لا تورث ما تركوه فهو صدقة، فرجعت إلى عليّ عليه السلام فقال ارجعي فقولي ما شأن سليمان عليه السلام و ورث داود عليه السلام، و قال زكريّا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فأبوا و أبى.

 و عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام أنّ أبا بكر قال لفاطمة عليها السلام النبيّ )ص( لا يورث، قالت قد وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، و قال زكريّا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، فنحن أقرب إلى النبيّ من زكريّا إلى يعقوب.

 و عن أبي جعفر عليه السلام قال قال عليّ )ع( لفاطمة عليها السلام انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فجاءت إلى أبي بكر فقالت أعطني ميراثي من أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال النبيّ )ص( لا يورث، فقالت أ لم يرث سليمان داود فغضب و قال النبيّ لا يورث، فقالت عليها السلام أ لم يقل زكريّا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ. فقال النبيّ لا يورث. فقالت عليها السلام أ لم يقل يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فقال النبيّ لا يورث.

 و عن أبي سعيد الخدري قال لمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جاءت فاطمة عليها السلام تطلب فدكا، فقال أبو بكر إنّي لأعلم إن شاء اللّه أنّك لن تقولي إلّا حقّا، و لكن هاتي بيّنتك، فجاءت بعليّ عليه السلام فشهد، ثم جاءت بأمّ أيمن فشهدت، فقال امرأة أخرى أو رجلا فكتبت لك بها.

44 43-  مصباح الأنوار، كشف مثل الأحاديث الثلاثة الأخيرة. أقول هذا الحديث عجيب، فإنّ فاطمة عليها السلام كانت مطالبة بميراث فلا حاجة بها إلى الشهود، فإنّ المستحق للتركة لا يفتقر إلى الشاهد إلّا إذا لم يعرف صحة نسبه و اعتزائه إلى الدارج، و ما أظنّهم شكّوا في نسب فاطمة عليها السلام، و كونها ابنة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و إن كانت تطلب فدكا و تدّعي أنّ أباها )ص( نحلها إيّاها احتاجت إلى إقامة البيّنة، و لم يبق

 لما رواه أبو بكر من قوله )نحن معاشر الأنبياء لا نورث(

معنى، و هذا واضح جدا، فتدبّر. و

 روى مرفوعا أنّ عمر بن عبد العزيز لما استخلف قال يا أيّها الناس إنّي قد رددت عليكم مظالمكم، و أوّل ما أردّ منها ما كان في يدي، قد رددت فدك على ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و ولد عليّ بن أبي طالب )ع( فكان أوّل من ردّها.

  و روى أنّه ردّها بغلّاتها منذ وليّ، فقيل له نقمت على أبي بكر و عمر فعلهما، و طعنت عليهما، و نسبتهما إلى الظلم و الغصب، و قد اجتمع عنده في ذلك قريش و مشايخ أهل الشام من علماء السوء. فقال عمر بن عبد العزيز قد صحّ عندي و عندكم أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ادّعت فدك، و كانت في يدها، و ما كانت لتكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع شهادة عليّ و أمّ أيمن و أمّ سلمة، و فاطمة عندي صادقة فيما تدّعي و إن لم تقم البيّنة، و هي سيدة نساء أهل الجنّة، فأنا اليوم أردّ على ورثتها أتقرّب بذلك إلى رسول اللّه )ص( و أرجو أن تكون فاطمة و الحسن و الحسين )ع( يشفعون لي يوم القيامة، و لو كنت بدل أبي بكر و ادّعت فاطمة كنت أصدّقها على دعواها، فسلّمها إلى محمد بن عليّ الباقر عليهما السلام، فلم تزل في أيديهم إلى أن مات عمر بن عبد العزيز.

 و روي أنّه لما صارت الخلافة إلى عمر بن العزيز ردّ عليهم سهام الخمس سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و سهم ذي القربى، و هما من أربعة أسهم، ردّ على جميع بني هاشم، و سلّم ذلك إلى محمد بن عليّ و عبد اللّه بن الحسن، و قيل أنّه جعل من بيت ماله سبعين حملا من الورق و العين من مال الخمس، فردّ عليهم ذلك، و كذلك كلّ ما كان لبني فاطمة و بني هاشم ممّا حازه أبو بكر و عمر و بعدهما عثمان و معاوية و يزيد و عبد الملك ردّ عليهم، و استغنى بنو هاشم في تلك السنين و حسنت أحوالهم، و ردّ عليهم المأمون و المعتصم و الواثق، و قالا كان المأمون أعلم منّا به فنحن نمضي على ما مضى هو عليه، فلما ولي المتوكل قبضها و أقطعها حرملة الحجّام، و أقطعها بعده لفلان النازيار من أهل طبرستان، و ردّها المعتضد، و حازها المكتفي، و قيل إنّ المقتدر ردّها عليهم. قال شريك كان يجب على أبي بكر أن يعمل مع فاطمة بموجب الشرع، و أقلّ ما يجب عليه أن يستحلفها على دعواها أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاها فدك في حياته، فإنّ عليّا و أمّ أيمن شهدا لها، و بقي ربع الشهادة فردّها بعد الشاهدين لا وجه له، فإمّا أن يصدّقها أو يستحلفها و يمضي الحكم لها، قال شريك اللّه المستعان مثل هذا الأمر يجهله أو يتعمده.

 و قال الحسن بن علي الوشاء سألت مولانا أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام هل خلّف رسول اللّه )ص( غير فدك شيئا فقال أبو الحسن عليه السلام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلّف حيطانا بالمدينة صدقة، و خلّف ستة أفراس و ثلاث نوق العضباء و الصهباء و الديباج، و بغلتين الشهباء و الدلدل، و حماره اليعفور، و شاتين حلوبتين، و أربعين ناقة حلوبا، و سيفه ذا الفقار، و درعه ذات الفضول، و عمامته السحاب، و حبرتين يمانيتين، و خاتمه الفاضل، و قضيبه الممشوق، و فراشا من ليف، و عباءتين و قطوانيتين، و مخادّا من أدم صار ذلك إلى فاطمة عليها السلام ما خلا درعه و سيفه و عمامته و خاتمه، فإنّه جعله لأمير المؤمنين عليه السلام.

إيضاح

قال في النهاية في حديث أبي بكر.. أن أزيغ.. أي أجور و أعدل عن الحقّ و قال في حديث.. فدك لحقوق رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم الّتي تعروه.. أي تغشاه و تنتابه. و قال المنافسة الرّغبة في الشّي‏ء و الانفراد به، و هو من الشيّ‏ء النّفيس الجيّد في نوعه،.. و نفست به بالكسر أي بخلت، و نفست عليه الشّي‏ء نفاسة إذا لم تره له أهلا. قوله لكأت.. قال الفيروزآبادي لكأ كفرح أقام و لزم، و تلكّأ عليه اعتلّ، و عنه أبطأ. قوله يضح لك مغزاه.. أي يتبيّن لك معناه. و الدّارج الميّت. و يقال نقمت عليه و منه من باب ضرب و علم إذا عابه و كرهه أشدّ الكراهة، و في التنزيل وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا. و قال في النهاية الحلوب أي ذات اللّبن، يقال ناقة حلوب أي هي ممّا يحلب، و قيل الحلوب و الحلوبة سواء، و قيل الحلوب الاسم، و الحلوبة الصّفة، و قيل الواحدة و الجماعة. و قال القطوانيّة عباءة بيضاء قصيرة الخمل، و النّون زائدة.

أقول روى السيّد في الشافي عن محمد بن زكريّا الغلابي عن شيوخه عن أبي المقدام هشام بن زياد مولى آل عثمان قال لمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فردّ فدك على ولد فاطمة عليها السلام، و كتب إلى واليه على المدينة أبي بكر بن عمرو بن حزم يأمره بذلك، فكتب إليه أنّ فاطمة )ع( قد ولدت في آل عثمان و آل فلان و آل فلان، فكتب إليه أمّا بعد، فإنّي لو كتبت إليك آمرك أن تذبح شاة لسألتني جماء أو قرناء، أو كتبت إليك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها بين ولد فاطمة عليها السلام من عليّ )ع(. قال أبو المقدام فنقمت بنو أميّة ذلك على عمر بن عبد العزيز و عاتبوه فيه، و قالوا له قبّحت فعل الشيخين، و خرج إليه عمرو بن عبيس في جماعة من أهل الكوفة، فلما عاتبوه على فعله قال إنّكم جهلتم و علمت، و نسيتم و ذكرت، أنّ أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم حدّثني عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فاطمة بضعة منّي يسخطني ما يسخطها و يرضيني ما يرضيها، و إنّ فدك كانت صافية في عهد أبي بكر و عمر، ثم صار أمرها إلى مروان، فوهبها لأبي عبد العزيز فورثتها أنا و إخوتي فسألتهم أن يبيعوني حصّتهم منها، و منهم من باعني و منهم من وهب لي حتّى استجمعتها، فرأيت أن أردّها على ولد فاطمة )ع(. فقالوا إن أبيت إلّا هذا فامسك الأصل و اقسم الغلّة، ففعل.

أقول سيأتي في أبواب تاريخ أبي جعفر الباقر عليه السلام ردّ عمر بن عبد العزيز فدكا إليه عليه السلام.

 فصل نورد فيه خطبة خطبتها سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليها احتجّ بها على من غصب فدك منها.

اعلم أنّ هذه الخطبة من الخطب المشهورة التي روتها الخاصّة و العامّة بأسانيد متضافرة. 1-  قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح كتابه عليه السلام إلى عثمان ابن حنيف عند ذكر الأخبار الواردة في فدك، حيث قال الفصل الأول فيما ورد من الأخبار و السير المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم لا من كتب الشيعة و رجالهم. و جميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة و فدك و أبو بكر الجوهري هذا عالم محدّث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدّثون و رووا عنه مصنّفاته و غير مصنّفاته. ثم قال

 قال أبو بكر حدّثني محمد بن زكريّا، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن الحسن بن صالح قال حدّثني ابن خالات من بني هاشم عن زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام. قال و قال جعفر بن محمد بن عمارة حدّثني أبي، عن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين، عن أبيه. قال أبو بكر و حدّثني عثمان بن عمران العجيفي، عن نائل بن نجيح، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن عليّ عليه السلام. قال أبو بكر و حدّثني أحمد بن محمد بن زيد، عن عبد اللّه بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الحسن. قالوا جميعا لمّا بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدك، لاثت خمارها و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى دخلت على أبي بكر و قد حشّد الناس من المهاجرين و الأنصار فضربت بينهم و بينها ريطة بيضاء، و قال بعضهم قبطيّة، و قالوا قبطيّة بالكسر و الضم.. ثم أنّت أنّه أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد للّه على ما أنعم و له الشكر بما ألهم.. و ذكر خطبة طويلة جدا ثم قالت في آخرها ف اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ و أطيعوه فيما أمركم به.. إلى آخر الخطبة

انتهى كلام ابن أبي الحديد.

 و قد أورد الخطبة علي بن عيسى الإربلّي في كتاب كشف الغمّة، قال نقلتها من كتاب السقيفة تأليف أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور، قرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنين و عشرين و ثلاثمائة، روى عن رجاله من عدّة طرق أنّ فاطمة عليها السلام لمّا بلغها إجماع أبي بكر.. إلى آخر الخطبة.

و قد أشار إليها المسعودي في مروج الذهب. و قال

 السيّد المرتضى رضي اللّه عنه في الشافي، أخبرنا أبو عبد اللّه محمد ابن عمران المرزباني، عن محمد بن أحمد الكاتب، عن أحمد بن عبيد اللّه النحوي، عن الزيادي، عن شرفي بن قطامي، عن محمد بن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عروة عن عائشة. قال المرزباني و حدّثني أحمد بن محمد المكّي، عن محمد بن القاسم اليماني، قال حدّثنا ابن عائشة قالوا لمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقبلت فاطمة عليها السلام في لمّة من حفدتها إلى أبي بكر..

 و في الرواية الأولى قالت عائشة لمّا سمعت فاطمة )ع( إجماع أبي بكر على منعها فدك لاتت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمّة من حفدتها ثم اتّفقت الروايتان من هاهنا و نساء قومها.. و ساق الحديث نحو ما مرّ إلى قوله افتتحت كلامها بالحمد للّه عزّ و جلّ و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم قالت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ... إلى آخرها.

أقول و سيأتي أسانيد أخرى سنوردها من كتاب أحمد بن أبي طاهر.

 و روى الصدوق رحمه اللّه بعض فقراتها المتعلقة بالعلل في علل الشرائع عن ابن المتوكل عن السعدآبادي، عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد بن جابر عن زينب بنت عليّ عليه السلام.

 قال و أخبرنا علي بن حاتم عن محمد بن أسلم عن عبد الجليل الباقطاني عن الحسن بن موسى الخشّاب عن عبد اللّه بن محمد العلوي عن رجال من أهل بيته عن زينب بنت عليّ عن فاطمة عليها السلام بمثله.

 و أخبرني علي بن حاتم عن ابن أبي عمير عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم المصري عن هارون بن يحيى عن عبيد اللّه بن موسى العبسي عن حفص الأحمر عن زيد بن علي عن عمّته زينب بن عليّ عن فاطمة عليها السلام، و زاد بعضهم على بعض في اللفظ.

أقول قد أوردت ما رواه في المجلد الثالث، و إنّما أوردت الأسانيد هنا ليعلم أنّه روى هذه الخطبة بأسانيد جمّة.

 و روى الشيخ المفيد الأبيات المذكورة فيها بالسند المذكور في أوائل الباب.

 و روى السيد ابن طاوس رضي اللّه عنه في كتاب الطرائف موضع الشكوى و الاحتجاج من هذه الخطبة عن الشيخ أسعد بن شفروة في كتاب الفائق عن الشيخ المعظّم عندهم الحافظ الثقة بينهم أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني في كتاب المناقب قال أخبرنا إسحاق بن عبد اللّه بن إبراهيم عن شرفي بن قطامي عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة.

 و رواها الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج مرسلا، و نحن نوردها بلفظه، ثم نشير إلى موضع التخالف بين الروايات في أثناء شرحها إن شاء اللّه تعالى. قال رحمه اللّه تعالى روى عبد اللّه بن الحسن بإسناده عن آبائه عليهم السلام أنّه لمّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة عليها السلام فدك، و بلغها ذلك لاتت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه )ص(، فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها. فقالت عليها السلام الحمد للّه على ما أنعم، و له الشكر على ما ألهم، و الثناء بما قدّم من عموم نعم ابتداها، و سبوغ آلاء أسداها، و تمام منن والاها، جمّ عن الإحصاء عددها، و نأى عن الجزاء أمدها، و تفاوت عن الإدراك أبدها، و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، و استحمد إلى الخلائق بإجزالها، و ثنى بالندب إلى أمثالها، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، و ضمن القلوب موصولها، و أنار في الفكرة معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، و من الألسن صفته، و من الأوهام كيفيّته، ابتدع الأشياء لا من شي‏ء كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، و ذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، و لا فائدة له في تصويرها، إلّا تثبيتا لحكمته، و تنبيها على طاعته، و إظهارا لقدرته، و تعبّدا لبريّته، و إعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، و وضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته و حياشة منه إلى جنّته، و أشهد أنّ أبي محمّدا )ص( عبده و رسوله، اختاره و انتجبه قبل أن أرسله، و سمّاه قبل أن اجتبله، و اصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، و بستر الأهاويل مصونة، و بنهاية العدم مقرونة، علما من اللّه تعالى بمآيل الأمور، و إحاطة بحوادث الدهور، و معرفة بمواقع المقدور، ابتعثه اللّه تعالى إتماما لأمره، و عزيمة على إمضاء حكمه، و إنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكّفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة للّه مع عرفانها، فأنار اللّه بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله ظلمها، و كشف عن القلوب بهمها، و جلى عن الأبصار غممها، و قام في الناس بالهداية، و أنقذهم من الغواية، و بصرّهم من العماية، و هداهم إلى الدين القويم، و دعاهم إلى الطريق المستقيم، ثم قبضه اللّه إليه قبض رأفة و اختيار، و رغبة و إيثار بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله عن تعب هذه الدار في راحة، قد حفّ بالملائكة الأبرار، و رضوان الربّ الغفّار، و مجاورة الملك الجبّار، صلّى اللّه على أبي نبيّه و أمينه على الوحي وصفيّه و خيرته من الخلق و رضيّه، و السلام عليه و رحمة اللّه و بركاته. ثم التفتت إلى أهل المجلس، و قالت أنتم عباد اللّه نصب أمره و نهيه، و حملة دينه و وحيه، و أمناء اللّه على أنفسكم، و بلغاؤه إلى الأمم، و زعمتم حقّ لكم للّه فيكم عهد قدّمه إليكم، و بقية استخلفها عليكم، كتاب اللّه الناطق، و القرآن الصادق، و النور الساطع، و الضياء اللامع، بيّنة بصائره،

 منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤدّ إلى النجاة أسماعه، به تنال حجج اللّه المنوّرة، و عزائمه المفسّرة، و محارمه المحذّرة، و بيّناته الجالية، و براهينه الكافية، و فضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، و شرائعه المكتوبة، فجعل اللّه الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، و الصلاة تنزيها لكم عن الكبر، و الزكاة تزكية للنفس، و نماء في الرزق، و الصيام تثبيتا للإخلاص، و الحج تشييدا للدين، و العدل تنسيقا للقلوب، و طاعتنا نظاما للملّة، و إمامتنا أمانا من الفرقة، و الجهاد عزّا للإسلام، و الصبر معونة على استيجاب الأجر، و الأمر بالمعروف مصلحة للعامّة، و برّ الوالدين وقاية من السخط، و صلة الأرحام منماة للعدد، و القصاص حقنا للدماء، و الوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، و توفية المكاييل و الموازين تغييرا للبخس، و النهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، و اجتناب القذف حجابا عن اللعنة، و ترك السرقة إيجابا للعفّة، و حرّم اللّه الشرك إخلاصا له بالربوبيّة، ف اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، و أطيعوا اللّه فيما أمركم به و نهاكم عنه فإنّه إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ. ثم قالت أيّها الناس اعلموا أنّي فاطمة و أبي محمّد صلّى اللّه عليه و آله، أقول عودا و بدءا، و لا أقول ما أقول غلطا، و لا أفعل ما أفعل شططا لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، فإن تعزوه و تعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمّي دون رجالكم، و لنعم المعزي إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فبلّغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا ثبجهم، آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربّه بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، يكسّر الأصنام، و ينكث الهام، حتى انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتى تفرّى الليل عن صبحه، و أسفر الحقّ عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين، و طاح وشيظ النفاق، و انحلّت عقد الكفر و الشقاق، و فهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص، وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، و موطئ الأقدام، تشربون الطرق، و تقتاتون الورق، أذلّة خاسئين، تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ من حولكم، فأنقذكم اللّه تبارك و تعالى بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله بعد اللتيا و الّتي، و بعد أن مني ببهم الرجال، و ذؤبان العرب، و مردة أهل الكتاب كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، أو نجم قرن للشيطان، و فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، و يخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات اللّه، و مجتهدا في أمر اللّه، قريبا من رسول اللّه، سيد أولياء اللّه، مشمّرا ناصحا، مجدّا كادحا، و أنتم في رفاهيّة من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، و تتوكّفون الأخبار، و تنكصون عند النزال، و تفرّون عند القتال، فلمّا اختار اللّه لنبيّه دار أنبيائه، و مأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، و سمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين، و نبغ خامل الأقلين، و هدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، و للغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، و أحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير أبلكم، و أوردتم غير شربكم، هذا و العهد قريب، و الكلم رحيب، و الجرح لمّا يندمل، و الرسول لمّا يقبر، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ، فهيهات منكم و كيف بكم و أنّى تؤفكون و كتاب اللّه بين أظهركم، أموره ظاهرة، و أحكامه زاهرة، و أعلامه باهرة، و زواجره لائحة، و أوامره واضحة، قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أ رغبة عنه تريدون..، أم بغيره تحكمون بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا، وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ، ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها، و يسلس قيادها،

 ثم أخذتم تورون وقدتها، و تهيجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، و إطفاء أنوار الدين الجلي، و إهماد سنن النبيّ الصفي، تسرون حصوا في ارتغاء، و تمشون لأهله و ولده في الخمر و الضراء، و نصبر منكم على مثل حزّ المدى، و وخز السنان في الحشا، و أنتم تزعمون إلّا إرث لنا أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أ فلا تعلمون بلى، تجلى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته أيّها المسلمون، أ أغلب على إرثيه. يا ابن أبي قحافة، أ في كتاب اللّه أن ترث أباك و لا أرث أبي لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا أ فعلى عمد تركتم كتاب اللّه و نبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ و قال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا )ع( إذ قال ربّ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، و قال وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ، و قال يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، و قال إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ، و زعمتم ألّا حظوة لي و لا أرث من أبي و لا رحم بيننا، أ فخصّكم اللّه بآية أخرج منها أبي )ص( أم هل تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان، أ و لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه، و الزعيم محمّد، و الموعد القيامة، و عند الساعة ما تخسرون، و لا ينفعكم إذ تندمون، و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ و فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ... ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت يا معاشر الفتية و أعضاد الملّة، و أنصار الإسلام، ما هذه الغميزة في حقّي، و السّنة عن ظلامتي، أ ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبي يقول المرء يحفظ في ولده، سرعان ما أحدثتم، و عجلان ذا إهالة، و لكم طاقة بما أحاول، و قوّة على ما أطلب و أزاول، أ تقولون مات محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فخطب جليل استوسع وهنه، و استنهر فتقه، و انفتق رتقه، و اظلمّت الأرض لغيبته، و كسفت النجوم لمصيبته، و أكدت الآمال، و خشعت الجبال، و أضيع الحريم، و أزيلت الحرمة عند مماته، فتلك و اللّه النازلة الكبرى، و المصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، و لا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه جلّ ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم و مصبحكم، هتافا و صراخا، و تلاوة و ألحانا، و لقبله ما حلّ بأنبياء اللّه و رسله، حكم فصل و قضاء حتم وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ. إيها بني قيلة أ أهضم تراث أبي و أنتم بمرأى منّي و مسمع، و مبتد و مجمع، تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة، و أنتم ذا العدد و العدّة، و الأداة و القوّة، و عندكم السلاح و الجنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، و تأتيكم الصرخة فلا تغيثون، و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصلاح، و النجبة التي

 انتجبت، و الخيرة التي اختيرت، قاتلتم العرب، و تحمّلتم الكدّ و التعب، و ناطحتم الأمم، و كافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، و درّ حلب الأيام، و خضعت ثغرة الشرك، و سكنت فورة الإفك، و خمدت نيران الكفر، و هدأت دعوة الهرج، و استوسق نظام الدين، فأنّى حرتم بعد البيان، و أسررتم بعد الإعلان، و نكصتم بعد الإقدام، و أشركتم بعد الإيمان أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط و القبض، و خلوتم بالدعة، و نجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، و دسعتم الذي تسوّغتم، ف إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ألا و قد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم، و الغدرة التي استشعرتها قلوبكم، و لكنّها فيضة النفس، و نفثة الغيظ، و خور القنا، و بثّة الصدر، و تقدمة الحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب اللّه و شنار الأبد، موصولة ب نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ فبعين اللّه ما تفعلون وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. و أنا ابنة نذير لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ف اعْمَلُوا... إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ. فأجابها أبو بكر عبد اللّه بن عثمان فقال يا ابنة رسول اللّه )ص( لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رءوفا رحيما، و على الكافرين عذابا أليما، و عقابا عظيما، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، و أخا لبعلك دون الأخلاء، آثره على كلّ حميم، و ساعده في كلّ أمر جسيم، لا يحبّكم إلّا كلّ سعيد، و لا يغضكم إلّا كلّ شقي، فأنتم عترة رسول اللّه )ص( الطيّبون، و الخيرة المنتجبون، على الخير أدلّتنا، و إلى الجنّة مسالكنا، و أنت يا خيرة النساء و ابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك، و لا مصدودة عن صدقك، و و اللّه ما عدوت رأي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا عملت إلّا بإذنه، و إنّ الرائد لا يكذب أهله، و إنّي أشهد اللّه و كفى به شهيدا أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا دارا و لا عقارا و إنّما نورث الكتب و الحكمة و العلم و النبوة، و ما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه، و قد جعلنا ما حاولته في الكراع و السلاح يقاتل به المسلمون و يجاهدون الكفار، و يجالدون المردة، ثم الفجار، و ذلك بإجماع من المسلمين، لم أتفرّد به وحدي، و لم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي، و هذه حالي و مالي هي لك و بين يديك لا نزوي عنك و لا ندّخر دونك، و أنت سيدة أمّة أبيك، و الشجرة الطيّبة لبنيك، لا يدفع ما لك من فضلك، و لا يوضع من فرعك و أصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فقالت عليها السلام سبحان اللّه ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كتاب اللّه صارفا، و لا لأحكامه مخالفا، بل كان يتّبع أثره، و يقفو

 سوره، أ فتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، و هذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب اللّه حكما عدلا، و ناطقا فصلا، يقول يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ فبيّن عزّ و جلّ فيما وزّع عليه من الأقساط، و شرّع من الفرائض و الميراث، و أباح من حظّ الذكران و الإناث ما أزاح علّة المبطلين، و أزال التظنّي و الشبهات في الغابرين، كلّا بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. فقال أبو بكر صدق اللّه و صدق رسوله و صدقت ابنته، أنت معدن الحكمة، و موطن الهدى و الرحمة، و ركن الدين، و عين الحجّة، لا أبعد صوابك، و لا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني و بينك قلّدوني ما تقلّدت، و باتّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر و لا مستبدّ و لا مستأثر، و هم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة عليها السلام الناس و قالت معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها، كلّا بل ران على قلوبكم، ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم و أبصاركم، و لبئس ما تأولتم، و ساء ما به أشرتم، و شرّ ما منه اعتضتم، لتجدنّ و اللّه محمله ثقيلا، و غبّه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء، و بان ما وراءه الضرّاء، و بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ. ثم عطفت على قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قالت

قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكبر الخطب‏إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها و اختلّ قومك فاشهدهم و قد نكبواو كلّ أهل له قربى و منزلة عند الإله على الأدنين مقترب‏أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لمّا مضيت و حالت دونك الترب‏تجهمتنا رجال و استخفّ بنا لمّا فقدت و كلّ الأرض مغتصب‏و كنت بدرا و نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزّة الكتب‏و كان جبريل بالآيات يؤنسنا فقد فقدت فكلّ الخير محتجب‏فليت قبلك كان الموت صادفنا لمّا مضيت و حالت دونك الكثب‏إنّا رزينا بما لم يرز ذو شجن من البرية لا عجم و لا عرب

 ثم انكفأت عليها السلام و أمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه و يتطّلع طلوعها عليه فلما استقرّت بها الدار، قالت لأمير المؤمنين عليه السلام يا ابن أبي طالب عليك السلام اشتملت شملة الجنين، و قعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحيلة أبي و بلغة ابني، لقد أجهر في خصامي، و ألفيته ألدّ في كلامي، حتى حبستني قيلة نصرها، و المهاجرة وصلها، و غضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع و لا مانع، خرجت كاظمة، و عدت راغمة، أضرعت خدّك يوم أضعت حدّك، افترست الذئاب و افترشت التراب، ما كففت قائلا، و لا أغنيت باطلا، و لا خيار لي، ليتني متّ قبل هنيئتي، و دون زلّتي، عذيري اللّه منك عاديا، و منك حاميا، ويلاي في كلّ شارق، مات العمد، و وهت العضد، شكواي إلى أبي، و عدواي إلى ربّي، اللهمّ أنت أشدّ قوّة و حولا، و أحد بأسا و تنكيلا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام لا ويل عليك، الويل لشانئك، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة، و بقية النبوّة، فما ونيت عن ديني، و لا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، و كفيلك مأمون، و ما أعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك، فاحتسبي اللّه. فقالت حسبي اللّه.. و أمسكت.

أقول وجدت هذه الخطبة في كتاب بلاغات النساء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر، فأحببت إيرادها لما فيه من الاختلاف، مع ما أوردنا سابقا. 9-  قال أبو الفضل ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم كلام فاطمة عليها السلام عند منع أبي بكر إيّاها فدك، و قلت له إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع، و أنّه من كلام أبي العيناء الخبر منسوق على البلاغة على الكلام فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم، و يعلّمونه أبناءهم، و قد حدّثنيه أبي عن جدّي يبلغ به فاطمة )ع( على هذه الحكاية، و رواه مشايخ الشيعة و تدارسوه بينهم قبل أن يولد جدّ أبي العيناء، و قد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنّه سمع عبد اللّه بن الحسن يذكر عن أبيه، ثم قال أبو الحسين و كيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكر، و هم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة، فيحقّقونه لو لا عداوتهم لنا أهل البيت.. ثم

 ذكر الحديث، قال لمّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و عليها فدك، و بلغ ذلك فاطمة )ع( لاثت خمارها على رأسها و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم من مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم شيئا حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار فنيطت دونها ملاءة، ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء، و ارتجّ المجلس، و أمهلت حتى سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم، فافتتحت الكلام بحمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم، فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها فقالت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمّي دون رجالكم، فبلّغ النذارة، صادعا بالرسالة، ماثلا على مدرجة المشركين، ضاربا لثبجهم، آخذا بكظمهم، يجذّ الأصنام، و ينكث الهام، حتى هزم الجمع و ولّوا الدبر، و تفرّى الليل عن صبحه، و أسفر الحقّ عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، و موطئ الأقدام، تشربون الطرق، و تقتاتون الورق، أذلّة خاشعين تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ من حولكم، فأنقذكم اللّه برسوله صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم بعد اللّتيّا و الّتي، و بعد ما مني ببهم الرجال، و ذؤبان العرب، كلّما حشوا نارا للحرب و نجم قرن للضلال، و فغرت فاغرة من المشركين، قذف بأخيه في لهواتها، و لا ينكفي حتى يطأ سماخها بأخمصه، و يخمد لهبها بحدّه، مكدودا في ذات اللّه، قريبا من رسول اللّه، سيدا في أولياء اللّه، و أنتم في بلهنية وادعون آمنون، حتى إذا اختار اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ دار أنبيائه، ظهرت حسيكة النفاق، و سمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين، و نبع خامل الأقلين، و هدر فنيق المبطلين، يخطر في عرصاتكم، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم، فوجدكم لدعائه مستجيبين، و للغرّة فيه ملاحظين، فاستنهضكم فوجدكم خفافا، و أحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، و أوردتموها غير شربكم، هذا و العهد قريب، و الكلم رحيب، و الجرح لمّا يندمل، بدارا زعمتم خوف الفتنة، أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ فهيهات منكم و أنّى بكم و أنّى تؤفكون، و هذا كتاب اللّه بين أظهركم، زواجره بيّنة، و شواهده لائحة، و أوامره واضحة، أ رغبة عنه تدبرون، أم بغيره تحكمون بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ، ثم لم تريثوا أختها إلّا ريث أن تسكن نفرتها، تسرون حسوا في ارتقاء، و نصبر منكم على مثل حزّ المدى، و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، ويها يا معشر المهاجرة ابتزّ إرث أبيه. أ في الكتاب أن ترث أباك و لا أرث أبي لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه، و الزعيم محمّد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثم انحرفت إلى قبر النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و هي تقول

قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب‏إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها و اختلّ قومك فاشهدهم و لا تغب

قال فما رأينا يوما كان أكثر باكيا و لا باكية من ذلك اليوم.

ثم قال أحمد بن أبي طاهر حدّثني جعفر بن محمد رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة قال حدّثني أبي قال أخبرنا موسى بن عيسى قال أخبرنا عبد اللّه بن يونس قال أخبرنا جعفر الأحمر عن زيد بن علي رحمة اللّه عليه عن عمّته زينب بنت الحسين عليهما السلام، قالت لمّا بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها و خرجت في حشدة نسائها و لمّة من قومها، تجرّ أدراعها، ما تخرم من مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ شيئا، حتى وقفت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار فأنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، فلمّا سكنت فورتهم قالت أبدأ بحمد اللّه ثم أسبلت بينها و بينهم سجفا ثم قالت الحمد للّه على ما أنعم، و لها الشكر على ما ألهم، و الثناء بما قدّم من عموم نعم ابتداها، و سبوغ آلاء أسداها، و إحسان منن والاها، جمّ عن الإحصاء عددها، و نأى عن المجازاة أمدها، و تفاوت عن الإدراك آمالها، و استثنى الشكر بفضائلها، و استحمد إلى الخلائق بأجزالها، و ثنى بالندب إلى أمثالها، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، و ضمّن القلوب موصولها، و أنار في الفكرة معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، و من الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شي‏ء قبله، و احتذاها بلا مثال لغير فائدة زادته، إلّا إظهارا لقدرته، و تعبّدا لبريّته، و إعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، و العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته، و حياشا لهم إلى جنّته، و أشهد أنّ أبي محمّدا عبده و رسوله، اختاره قبل أن يجتبله، و اصطفاه قبل أن ابتعثه، و سمّاه قبل أن استنجبه، إذ الخلائق بالغيوب مكنونة، و بستر الأهاويل مصونة، و بنهاية العدم مقرونة، علما من اللّه عزّ و جلّ بمآيل الأمور، و إحاطة بحوادث الدهور، و معرفة بمواضع المقدور، ابتعثه اللّه عزّ و جلّ إتماما لأمره و عزيمة على إمضاء حكمه، فرأى الأمم صلّى اللّه عليه ]و آله[ فرقا في أديانها، عكّفا على نيرانها، عابدة لأوثانها،

 منكرة للّه مع عرفانها، فأنار اللّه عزّ و جلّ بمحمّد صلّى اللّه عليه ]و آله[ ظلمها، و فرّج عن القلوب بهمها، و جلا عن الأبصار غممها، ثم قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قبض رأفة و اختيار، رغبة بأبي صلّى اللّه عليه ]و آله[ عن هذه الدار، موضوع عنه العب‏ء و الأوزار، محتفّ بالملائكة الأبرار، و مجاورة الملك الجبّار، و رضوان الربّ الغفّار، صلّى اللّه على محمّد نبيّ الرحمة و أمينه على وحيه، و صفيّه من الخلائق، و رضيّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و رحمة اللّه و بركاته. ثم أنتم عباد اللّه تريد أهل المجلس نصب أمر اللّه و نهيه، و حملة دينه و وحيه، و أمناء اللّه على أنفسكم، و بلغاؤه إلى الأمم، زعمتم حقّ لكم للّه فيكم عهد قدمه إليكم، و نحن بقية استخلفنا عليكم، و معنا كتاب اللّه، بيّنة بصائره، و آي فينا منكشفة سرائره، و برهان منجلية ظواهره، مديم للبريّة إسماعه، قائد إلى الرضوان اتباعه، مؤدّ إلى النجاسة استماعه، فيه بيان حجج اللّه المنوّرة، و عزائمه المفسّرة، و محارمه المحذّرة، و بيّناته الجالية، و جمله الكافية، و فضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، و شرائعه المكتوبة، ففرض اللّه الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، و الصلاة تنزيها عن الكبر، و الصيام تثبيتا للإخلاص، و الزكاة تزييدا في الرزق، و الحجّ تسلية للدين، و العدل تنسّكا للقلوب، و طاعتنا نظاما للملّة، و إمامتنا لمّا من الفرقة، و حبّنا عزّا للإسلام، و الصبر منجاة، و القصاص حقنا للدماء، و الوفاء بالنذر تعرّضا للمغفرة، و توفية المكاييل و الموازين تغييرا للبخسة، و النهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، و قذف المحصنات اجتنابا للّعنة، و ترك السرق إيجابا للعفّة، و حرّم اللّه عزّ و جلّ الشرك إخلاصا له بالربوبيّة ف اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و أطيعوه فيما أمركم به و نهاكم عنه، فإنّه إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ. ثم قالت أيّها الناس أنا فاطمة، و أبي محمّد صلّى اللّه عليه ]و آله[ أقولها بدءا على عودي لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.... ثم ساق الكلام على ما رواه زيد بن علي عليه السلام في رواية أبيه. ثم قالت في متصل كلامها أ فعلى محمّد تركتم كتاب اللّه، و نبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول اللّه تبارك و تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، و قال اللّه عزّ و جلّ فيما قصّ من خبر يحيى بن زكريّا ربّ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، و قال عزّ ذكره وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ، و قال يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، و قال إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ و زعمتم ألّا حظوة لي و لا إرث من أبي، و لا رحم بيننا، أ فخصّكم اللّه بآية أخرج نبيّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ منها أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثون أ و لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة أم لعلّكم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أ أغلب على إرثي ظلما و جورا وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. و ذكر أنّها لمّا فرغت من كلام أبي بكر و المهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار، فقالت معشر البقية، و أعضاء الملّة، و حصون الإسلام ما هذه الغميرة في حقّي و السنة عن ظلامتي أ ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ يقول المرء يحفظ في ولده سرعان ما أجدبتم فأكديتم، و عجلان ذا إهالة، أ تقولون مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ فخطب جليل استوسع وهيه، و استنهر فتقه، و بعد وقته، و اظلمّت الأرض لغيبته، و اكتابت خيرة اللّه لمصيبته، و خشعت الجبال، و أكدت الآمال، و أضيع الحريم، و أزيلت الحرمة عند مماته صلّى اللّه عليه ]و آله[

 و تلك نازلة علن بها كتاب اللّه في أفنيتكم في ممساكم و مصبحكم، يهتف بها في أسماعكم، و لقلبه ما حلّت بأنبياء اللّه عزّ و جلّ و رسله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ إيها بني قيلة أ أهضم تراث أبيه و أنتم بمرأى منه و مسمع تلبسكم الدعوة، و تشملكم الحيرة، و فيكم العدد و العدّة، و لكم الدار، و عندكم الجنن، و أنتم الأولى يحبه اللّه التي انتجب لدينه و أنصار رسوله، و أهل الإسلام، و الخيرة التي اختار لنا أهل البيت، فباديتم العرب، و ناهضتم الأمم، و كافحتم البهم، لا نبرح نأمركم و تأتمرون، حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، و درّ حلب الأنام، و خضعت نعرة الشرك، و باخت نيران الحرب، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدين، فأنّى جرتم بعد البيان، و نكصتم بعد الإقدام، و أسررتم بعد الإعلان، لقوم نكثوا أيمانهم أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و ركنتم إلى الدعة، فعجتم عن الدين، و مججتم الذي وعيتم، و وسعتم الذي سوّغتم ف إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ. ألا و قد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم، و استشعرته قلوبكم، و لكن قلته فيضة النفس، و نفثة الغيظ، و بثّة الصدر، و معذرة الحجّة، فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة ب نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فبعين اللّه ما تفعلون وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ و أنا ابنة نذير لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ، ف اعْمَلُوا... إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ.

قال أبو الفضل و قد ذكر قوم أنّ أبا العيناء ادّعى هذا الكلام، و قد رواه قوم و صحّحوه و كتبناه على ما فيه.

 و حدّثني عبد اللّه بن أحمد العبدي عن الحسين بن علوان عن عطية العوفي أنّه سمع أبا بكر يومئذ يقول لفاطمة عليها السلام يا بنت رسول اللّه لقد كان صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم بالمؤمنين رحيما، و على الكافرين عذابا أليما، و إذا عزوناه كان أباك دون النساء، و أخا ابن عمّك دون الرجال، آثره على كلّ حميم، و ساعده على الأمر العظيم، لا يحبّكم إلّا العظيم السعادة، و لا يبغضكم إلّا الرديّ الولادة، و أنتم عترة اللّه الطّيبون، و خيرة اللّه المنتجبون، على الآخرة أدّلتنا، و باب الجنّة لسالكنا، و أمّا منعك ما سألت فلا ذلك لي، و أمّا فدك و ما جعل أبوك لك، فإن منعتك فأنا ظالم، و أمّا الميراث فقد تعلمين أنّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قال لا نورث ما أبقيناه صدقة. قالت إنّ اللّه يقول عن نبيّ من أنبيائه يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، و قال وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، فهذان نبيّان، و قد علمت أنّ النبوة لا تورث و إنّما يورث ما دونها، فما لي أمنع إرث أبي أ أ نزل اللّه في الكتاب إلّا فاطمة )ع( بنت محمّد صلّى اللّه عليه ]و آله[ فتدلّني عليه فأقنع به فقال يا بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ أنت عين الحجّة، و منطق الرسالة، لا يد لي بجوابك، و لا أدفعك عن صوابك، و لكن هذا أبو الحسن بيني و بينك هو الذي أخبرني بما تفقدت، و أنبأني بما أخذت و تركت. قالت فإن يكن ذلك كذلك فصبر لمرّ الحقّ، و الحمد للّه إله الحقّ. و ما وجدت هذا الحديث على التمام إلّا عند أبي هفّان.

أقول لا يخفى على ذي عينين أنّ ما ألحقوه في آخر الخبر لا يوافق شيئا من الروايات، و لا يلائم ما مرّ من الفقرات و التظلّمات و الشكايات، و سنوضح القول في ذلك إن شاء اللّه تعالى. و لنوضّح تلك الخطبة الغرّاء الساطعة عن سيدة النساء صلوات اللّه عليها التي تحيّر من العجب منها و الإعجاب بها أحلام الفصحاء و البلغاء، و نبني الشرح على رواية الإحتجاج و نشير أحيانا إلى الروايات الأخر.

قوله أجمع أبو بكر.. أي أحكم النيّة و العزيمة عليه. لاثت خمارها على رأسها.. أي عصبته و جمعته، يقال لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثا أي شدّها و ربطها.. و الجلباب بالكسر يطلق على الملحفة و الرّداء و الإزار و الثّوب الواسع للمرأة دون الملحفة، و الثّوب كالمقنعة تغطّي بها المرأة رأسها و صدرها و ظهرها، و الأوّل هنا أظهر. أقبلت في لمّة من حفدتها.. اللّمة بضمّ اللّام و تخفيف الميم الجماعة، قال في النهاية في حديث فاطمة )ع( أنّها خرجت في لمة من نسائها تتوطّأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته.. أي في جماعة من نسائها، قيل هي ما بين الثّلاثة إلى العشرة، و قيل اللّمة المثل في السّن و التّرب. و قال الجوهري الهاء عوض من الهمزة الذّاهبة من وسطة، و هو ممّا أخذت عينه كسر و مذ و أصلها فعلة من الملاءمة، و هي الموافقة. انتهى.

أقول و يحتمل أن يكون بتشديد الميم. قال الفيروزآبادي اللّمّة بالضّم الصّاحب و الأصحاب في السّفر و المونس للواحد و الجمع. و الحفدة بالتحريك الأعوان و الخدم. تطأ ذيولها.. أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، و تضع عليها قدمها عند المشي، و جمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدّد الثياب. ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.. و في بعض النسخ من مشي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الخرم التّرك، و النّقص و العدول، و المشية بالكسر الاسم من مشى يمشي مشيا، أي لم تنقص مشيها من مشيه صلّى اللّه عليه و آله شيئا كأنّه هو بعينه، قال في النهاية فيه ما خرمت من صلاة رسول اللّه.. شيئا أي ما تركت، و منه الحديث »لم أخرم منه حرفا« أي لم أدع. و الحشد بالفتح و قد يحرّك الجماعة. و في الكشف إنّ فاطمة عليها السلام لمّا بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكا لاثت خمارها و أقبلت في لميمة من حفدتها و نساء قومها، تجرّ أدراعها، و تطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله... حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد المهاجرين و الأنصار فضرب بينهم بريطة بيضاء، و قيل قبطية... فأنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم...، ثم قالت )ع( أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد للّه على ما أنعم.. فنيطت دونها ملاءة.. الملاءة بالضم و المدّ الرّيطة و الإزار، و نيطت بمعنى علّقت أي ضربوا بينها عليها السلام و بين القوم سترا و حجابا، و الريطة بالفتح الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، و لم تكن لفقين، أو هي كلّ ثوب لينّ رقيق. و القبطيّة بالكسر ثياب بيض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر، و قد يضمّ لأنّهم يغيّرون في النّسبة. و الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره و هو مع ذلك يريد البكاء كالصّبيّ يفزع إلى أمّه و قد تهيّأ للبكاء، يقال جهش إليه كمنع و أجهش. و الارتجاج الاضطراب. قوله هنيئة.. أي صبرت زمانا قليلا. و النشيج صوت معه توجّع و بكاء كما يردّد الصّبيّ بكاءه في صدره. و هدأت كمنعت أي سكنت. و فورة الشيّ‏ء شدّته، و فار القدر أي جاشت. قولها صلوات اللّه عليها بما قدم.. أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها، و يحتمل أن يكون المراد بالتقديم الإيجاد و الفعل من غير ملاحظة معنى الابتداء، فيكون تأسيسا. و السبوغ الكمال. و الآلاء النّعماء جمع ألى بالفتح و القصر و قد يكسر الهمزة. و أسدى و أولى و أعطى بمعنى واحد. قولها والاها.. أي تابعها، بإعطاء نعمة بعد أخرى بلا فصل. و جمّ الشيّ‏ء أي كثر، و الجمّ الكثير، و التعدية بعن لتضمين معنى التعدي و التجاوز. قولها عليها السلام و نأى عن الجزاء أمدها.. الأمد بالتحريك الغاية المنتهى، أيّ بعد عن الجزاء بالشكر غايتها، فالمراد بالأمد أما الأمد المفروض، إذ لا أمد لها على الحقيقة، أو الأمد الحقيقي لكلّ حدّ من حدودها المفروضة، و يحتمل أن يكون المراد بأمدها ابتداؤها، و قد مرّ في كثير من الخطب بهذا المعنى. و قال في النهاية في حديث الحجّاج »قال للحسن ما أمدك قال سنتان من خلافة عمر«، أراد أنّه ولد لسنتين من خلافته، و للإنسان أمدان، مولده و موته. انتهى. و إذا حمل عليه يكون أبلغ، و يحتمل على بعد أن يقرأ بكسر الميم، قال الفيروزآبادي الأمد المملوّ من خير و شرّ، و السّفينة المشحونة. و تفاوت عن الإدراك أبدها.. التّفاوت البعد، و الأبد الدّهر و الدائم و القديم الأزلي، و بعده عن الإدراك لعدم الانتهاء. و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها.. يقال ندبه للأمر و إليه فانتدب.. أي دعاه فأجاب، و اللام في قولها لاتصالها.. لتعليل الندب.. أي رغبهم في استزادة النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غير منقطعة عنهم، و جعل اللام الأولى للتعليل و الثانية للصلة بعيد، و في بعض النسخ لإفضالها، فيحتمل تعلقه بالشكر. و استحمد إلى الخلائق بأجزالها.. أي طلب منهم الحمد بسبب أجزال النعم و أكمالها عليهم، يقال أجزلت له من العطاء.. أي أكثرت، و أجزاك

 النعم كأنه طلب الحمد أو طلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم، و على التقديرين التعدية بإلى لتضمين معنى الانتهاء أو التوجّه، و هذه التعدية في الحمد شائع بوجه آخر، يقال أحمد إليك اللّه، قيل أي أحمده معك، و قيل أي أحمد إليك نعمة اللّه بتحديثك إيّاها، و يحتمل أن يكون استحمد بمعنى تحمد، يقال فلان يتحمّد عليّ.. أي يمتنّ، فيكون إلى بمعنى على، و فيه بعد. و ثنّى بالندب إلى أمثالها.. أي بعد أن أكمل لهم النعم الدنيويّة ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم الأخروية أو الأعم منها و من مزيد النعم الدنيوية، و يحتمل أن يكون المراد بالندب إلى أمثالها أمر العباد بالإحسان و المعروف، و هو إنعام على المحسن إليه و على المحسن أيضا، لأنّه به يصير مستوجبا للأعواض و المثوبات الدنيوية و الأخروية. كلمة جعل الإخلاص تأويلها.. المراد بالإخلاص جعل الأعمال كلّها خالصة للّه تعالى، و عدم شوب الرياء و الأغراض الفاسدة، و عدم التوسل بغيره تعالى في شي‏ء من الأمور، فهذا تأويل كلمة التوحيد، لأن من أيقن بأنّه الخالق و المدبّر، و بأنه لا شريك له في الإلهية فحقّ له أن لا يشرك في العبادة غيره، و لا يتوجّه في شي‏ء من الأمور إلى غيره. و ضمّن القلوب موصولها.. هذه الفقرة تحتمل وجوها

الأول أن اللّه تعالى ألزم و أوجب على القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركبّه تعالى، و عدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة و أشباه ذلك ممّا يؤول إلى التوحيد.

الثاني أن يكون المعنى جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكلمة مدرجا في القلوب ممّا أراهم من الآيات فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ، أو بما فطرهم عليه من التوحيد.

الثالث أن يكون المعنى لم يكلف العقول الوصول إلى منتهى دقائق كلمة التوحيد و تأويلها، بل إنّما كلّف عامّة القلوب بالإذعان بظاهر معناها، و صريح مغزاها، و هو المراد بالموصول.

الرابع أن يكون الضمير في موصولها راجعا إلى القلوب، أي لم يلزم القلوب إلّا ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة، و الدقائق المستنبطة منها أو مطلقها، و لو لا التفكيك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأول، بل مطلقا. و أنار في الفكر معقولها.. أي أوضح في الأذهان ما يتعقّل من تلك الكلمة بالتفكّر في الدلائل و البراهين، و يحتمل إرجاع الضمير إلى القلوب أو الفكر بصيغة الجمع أي أوضح بالتفكّر ما يعقلها العقول، و هذا يؤيد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة. الممتنع من الأبصار رؤيته.. يمكن أن يقرأ الأبصار بصيغة الجمع و المصدر، و المراد بالرؤية العلم الكامل و الظهور التام. و من الألسن صفته.. الظاهر أن الصفة هنا مصدر، و يحتمل المعنى المشهور بتقدير أي بيان صفته. لا من شي‏ء.. أي مادة. بلا احتذاء أمثلة امتثلها.. احتذى مثاله اقتدى به و امتثلها.. أي تبعها. و لم يتعدّ عنها.. أي لم يخلقها على وفق صنع غيره. و تنبيها على طاعته.. لأنّ ذوي العقول يتنبّهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها و المنعم بها واجب، أو أنّ خالقها مستحقّ للعبادة، أو بأنّ من قدر عليها يقدر على الإعادة و الانتقام. و تعبدا لبريّته.. أي خلق البريّة ليتعبّدهم، أو خلق الأشياء ليتعبّد البرايا بمعرفته و الاستدلال بها عليه. و إعزازا لدعوته. أي خلق الأشياء ليغلب و يظهر دعوة الأنبياء إليه بالاستدلال بها. ذيادة لعباده عن نقمته، و حياشة لهم إلى جنّته.. الذود و الذيّاد بالذّال المعجمة.. السّوق و الطّرد و الدّفع و الإبعاد. و حشت الصّيد أحوشه إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة. و لعلّ التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عمّا يوجب دخول الجنّة. قبل أن اجتبله.. الجبل الخلق، يقال جبلهم اللّه.. أي خلقهم، و جبله على الشيّ‏ء.. أي طبعه عليه، و لعلّ المعنى أنه تعالى سمّاه لأنبيائه قبل أن يخلقه، و لعلّ زيادة البناء للمبالغة تنبيها على أنه خلق عظيم، و في بعض النسخ بالحاء المهملة يقال احتبل الصّيد.. أي أخذه بالحبالة، فيكون المراد به الخلق أو البعث مجازا، و في بعضها قبل أن اجتباه.. أي اصطفاه بالبعثة، و كل منها لا يخلو من تكلّف. و بستر الأهاويل مصونة.. لعلّ المراد بالستر ستر العدم أو حجب الأصلاب و الأرحام، و نسبته إلى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود و عوائقه، و يحتمل أن يكون المراد أنها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم، إذ هي إنّما تلحقها بعد الوجود، و قيل التعبير من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات. بمائل الأمور على صيغة الجمع.. أي عواقبها، و في بعض النسخ بصيغة المفرد. و معرفة بمواقع المقدور.. أي لمعرفته تعالى بما يصلح و ينبغي من أزمنة الأمور الممكنة المقدور و أمكنتها، و يحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر، بل هو أظهر. إتماما لأمره.. أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجلها، و الإضافة في مقادير حتمه من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة.. أي مقاديره المحتومة. و قولها عليها السلام عكّفا على نيرانها.. تفصيل و بيان للفرق بذكر بعضها، يقال عكف على الشيّ‏ء كضرب و نصر أي أقبل عليه مواظبا و لازمه فهو عاكف، و يجمع على عكّف بضم العين و فتح الكاف المشددة كما هو الغالب في فاعل الصفة نحو شهّد و غيّب. و النّيران.. جمع نار، و هو قياس مطرد في جمع الأجوف، نحو تيجان و جيران. منكرة للّه مع عرفانها.. لكون معرفته تعالى فطرية، أو لقيام الدلائل

 الواضحة الدالة على وجوده سبحانه، و الضمير )في ظلمها( راجع إلى الأمم، و الضميران التاليان له يمكن إرجاعهما إليها و إلى القلوب و الأبصار. و الظّلم بضمّ الظّاء و فتح اللّام جمع ظلمة استعيرت هنا للجهالة. و البهم جمع بهمة بالضم و هي مشكلات الأمور. و جلوت الأمر.. أوضحته و كشفته. و الغمم جمع غمّة يقال أمر غمّة أي مبهم ملتبس، قال اللّه تعالى ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً، قال أبو عبيدة مجازها ظلمة و ضيق، و تقول غممت الشيّ‏ء إذا غطّيته و سترته. و العماية الغواية و اللّجاج، ذكره الفيروزآبادي. و اختيار.. أي من اللّه له ما هو خير له، أو باختيار منه صلّى اللّه عليه و آله و رضى و كذا الإيثار، و الأول أظهر فيهما. بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله عن تعب هذه الدار.. لعلّ الظرف متعلّق بالإيثار بتضمين معنى الضنّة أو نحوها، و في بعض النسخ محمّد بدون الباء فتكون الجملة استئنافية أو مؤكدة للفقرة السابقة، أو حالية بتقدير الواو، و في بعض كتب المناقب القديمة فمحمّد صلّى اللّه عليه و آله، و هو أظهر، و في رواية كشف الغمة رغبته بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله عن تعب هذه الدار، و

 في رواية أحمد بن أبي طاهر بأبي صلّى اللّه عليه و آله عزت هذه الدار..

و هو أظهر، و لعلّ المراد بالدار دار القرار، و لو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة، و على التقادير لا يخلو من تكلّف. نصب أمره.. قال الفيروزآبادي النّصب بالفتح العلم المنصوب و يحرّك.. و هذا نصب عيني بالضم و الفتح.. أي نصبكم اللّه لأوامره و نواهيه، و هو خبر الضمير، و عباد اللّه منصوب على النداء. و بلغاؤه إلى الأمم.. أي تؤدّون الأحكام إلى سائر الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلّى اللّه عليه و آله. زعمتم حقّ لكم.. أي زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم، و تلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق، و يمكن أن يقرأ على الماضي المجهول، و في إيراد لفظ الزعم إشعار بأنّهم ليسوا متصفين بها حقيقة، و إنما يدعون ذلك كذبا، و يمكن أن يكون حق لكم.. جملة أخرى مستأنفة.. أي زعمتم أنكم كذلك و كان يحق لكم و ينبغي أن تكونوا كذلك لكن قصرتم، و في بعض النسخ و زعمتم حق لكم فيكم و عهد، و في كتاب المناقب القديم زعمتم أن لا حقّ لي فيكم عهدا قدمه إليكم.. فيكون عهدا منصوبا ب اذكروا و نحوه، و في الكشف إلى الأمم خولكم اللّه فيكم عهد. قولها عليها السلام للّه فيكم عهد و بقية.. العهد الوصيّة، و بقية الرجل ما يخلفه في أهله، و المراد بهما القرآن، أو بالأول ما أوصاهم به في أهل بيته و عترته، و بالثاني القرآن. و في رواية أحمد بن أبي طاهر و بقية استخلفنا عليكم، و معنا كتاب اللّه.. فالمراد بالبقية أهل البيت عليهم السلام، و بالعهد ما أوصاهم به فيهم. و البصائر جمع بصيرة و هي الحجّة، و المراد بانكشاف السرائر وضوحها عند حملة القرآن و أهله. مغتبط به أشياعه.. الغبطة أن يتمنّى المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها منه، تقول غبطته فاغتبط، و الباء للسببية.. أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه، و تلك الفقرة غير موجودة في سائر الروايات. مؤدّ إلى النجاة أسماعه.. على بناء الأفعال.. أي تلاوته، و في بعض نسخ الإحتجاج و سائر الروايات استماعه. و المراد بالعزائم الفرائض، و بالفضائل السنن، و بالرخص المباحات، بل ما يشمل المكروهات، و بالشرائع ما سوى ذلك من الأحكام كالحدود و الديات أو الأعم، و أما الحجج و البيّنات و البراهين فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض، و يمكن تخصيص كل منها ببعض ما يتعلق بأصول الدين لبعض المناسبات، و في رواية ابن أبي طاهر و بيناته الجالية، و جمله الكافية.. فالمراد بالبينات المحكمات، و بالجمل المتشابهات، و وصفها بالكافية لدفع توهم نقص فيها لإجمالها، فإنها كافية فيما أريد منها، و يكفي معرفة الراسخين في العلم بالمقصود منها، فإنّهم المفسّرون لغيرهم، و يحتمل أن يكون المراد بالجمل العمومات التي يستنبط منها الأحكام الكثيرة. تزكية للنفس.. أي من دنس الذنوب، أو من رذيلة البخل، إشارة إلى قوله تعالى تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها.

 و نماء في الرزق.. إيماء إلى قوله تعالى وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ على بعض التفاسير. تثبيتا للإخلاص.. أي لتشييد الإخلاص و إبقائه، أو لإثباته و بيانه، و يؤيد الأخير أن في بعض الروايات تبيينا، و تخصيص الصوم بذلك لكونه أمرا عدميا لا يظهر لغيره تعالى، فهو أبعد من الرياء، و أقرب إلى الإخلاص، و هذا أحد الوجوه في تفسير الحديث المشهور الصوم لي و أنا أجزي به، و قد شرحناه في حواشي الكافي، و سيأتي في كتاب الصوم إن شاء اللّه تعالى. تشييدا للدين.. إنما خصّ التشييد به لظهوره و وضوحه و تحمل المشاق فيه، و بذل النفس و المال له، فالإتيان به أدلّ دليل على ثبوت الدين، أو يوجب استقرار الدين في النفس لتلك العلل و غيرهما ممّا لا نعرفه، و يحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في الأخبار الكثيرة من أن علّة الحج التشرّف بخدمة الإمام و عرض النصرة عليه، و تعلّم شرائع الدين منه، فالتشييد لا يحتاج إلى تكلّف. و في العلل و رواية ابن أبي طاهر تسلية للدين، فلعلّ المعنى تسلية للنفس، بتحمل المشاق و بذل الأموال بسبب التقيد بالدين، أو المراد بالتّسلية الكشف و الإيضاح، فإنّها كشف الهمّ، أو المراد بالدين أهل الدين، أو أسند إليه مجازا، و الظاهر أنه تصحيف تسنية، و كذا في الكشف. و في بعض نسخ العلل أي يصير سببا لرفعة الدين و علوّه. و التّنسيق التّنظيم. و في العلل مسكا للقلوب أي ما يمسكها، و في القاموس المسكة بالضم ما يتمسّك به و ما يمسك الأبدان من الغذاء و الشّراب،.. و الجمع كصرد.. و المسك محركة الموضع يمسك الماء. و في رواية ابن أبي طاهر و الكشف تنسّكا للقلوب.. أي عبادة لها، لأن العدل أمر نفساني يظهر آثاره على الجوارح. و الصبر معونة على استيجاب الأجر.. إذ به يتمّ فعل الطاعات و ترك السيئات. وقاية من السخط.. أي سخطهما، أو سخط اللّه تعالى، و الأول أظهر. منماة للعدد.. المنماة اسم مكان أو مصدر ميمي.. أي يصير سببا لكثرة عدد الأولاد و العشائر كما أن قطعها يذر الديار بلاقع من أهلها. تغييرا للبخس.. و في سائر الروايات للبخسة.. أي لئلّا ينقص مال من ينقص المكيال و الميزان، إذ التوفية موجبة للبركة و كثرة المال، أو لئلّا ينقصوا أموال الناس فيكون المقصود أن هذا أمر يحكم العقل بقبحه. عن الرجس.. أي النجس، أو ما يجب التنزّه عنه عقلا، و الأول أوضح في التعليل، فيمكن الاستدلال على نجاستها. حجابا عن اللعنة.. أي لعنة اللّه، أو لعنة المقذوف أو القاذف، فيرجع إلى الوجه الأخير في السابقة، و الأول أظهر، إشارة إلى قوله تعالى لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ. إيجابا للعفّة.. أي للعفّة عن التصرف في أموال الناس مطلقا، أو يرجع إلى ما مرّ، و كذا الفقرة التالية. و في الكشف بعد قوله للعفّة و التنزه عن أموال الأيتام، و الاستئثار بفيئهم إجارة من الظلم، و العدل في الأحكام إيناسا للرعيّة، و التبرّي من الشرك إخلاصا للربوبيّة. عودا و بدءا.. أي أوّلا و آخرا، و في رواية ابن أبي الحديد و غيره أقول عودا على بدء.. و المعنى واحد. و الشّطط بالتحريك البعد عن الحقّ، و مجاوزة الحدّ في كلّ شي‏ء. و في الكشف ما أقول ذلك سرفا و لا شططا من أنفسكم.. أي لم يصبه شي‏ء من ولادة الجاهلية بل عن نكاح طيّب، كما روي عن الصادق عليه السلام، و قيل أي من جنسكم من البشر ثم من العرب ثم من بني إسماعيل.

  عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ.. أي شديد شاق عليه عنتكم، و ما يلحقكم من الضرر بترك الإيمان أو مطلقا. حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ.. أي على إيمانكم و صلاح شأنكم. بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.. أي رحيم بالمؤمنين منكم و من غيركم، و الرّأفة شدّة الرّحمة، و التقديم لرعاية الفواصل. و قيل رءوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين. و قيل رءوف بأقربائه رحيم بأوليائه. و قيل رءوف بمن رآه رحيم بمن لم يره، فالتقديم للاهتمام بالمتعلق. فإن تعزوه.. يقال عزوته إلى أبيه.. أي نسبته إليه، أي إن ذكرتم نسبه و عرفتموه تجدوه أبي و أخا ابن عمّي، فالأخوة ذكرت استطرادا، و يمكن أن يكون الانتساب أعمّ من النسب، و ممّا طرأ أخيرا، و يمكن أن يقرأ و آخى بصيغة الماضي، و في بعض الروايات فإن تعزروه و توقّروه. صادعا بالنذارة.. الصّدع الإظهار، تقول صدعت الشّي‏ء، أي أظهرته، و صدعت بالحقّ إذا تكلّمت به جهارا، قال اللّه تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ. و النّذارة بالكسر الإنذار و هو الإعلام على وجه التخويف. و المدرجة المذهب و المسلك، و في الكشف ناكبا عن سنن مدرجة المشركين، و في رواية ابن أبي طاهر ماثلا على مدرجة.. أي قائما للردّ عليهم، و هو تصحيف. ضاربا ثبجهم آخذا بأكظامهم.. الثّبج بالتحريك وسط الشّي‏ء و معظمه، و الكظم بالتحريك مخرج النّفس من الحلق.. أي كان صلّى اللّه عليه و آله لا يبالي بكثرة المشركين و اجتماعهم و لا يداريهم في الدعوة. داعيا إلى سبيل ربّه.. كما أمره سبحانه ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. و قيل المراد بالحكمة البراهين القاطعة و هي للخواص، و بالموعظة الحسنة الخطابات المقنعة و العبر النافعة، و هي للعوام، و بالمجادلة بالتي هي أحسن.. إلزام المعاندين و الجاحدين بالمقدمات المشهورة و المسلمة، و أما المغالطات و الشعريات فلا يناسب درجة أصحاب النبوات. يكسر الأصنام و ينكث الهام.. النّكث إلقاء الرّجل على رأسه، يقال طعنه فنكثه، و الهام جمع الهامة بالتخفيف فيهما و هي الرّأس، و المراد قتل رؤساء المشركين و قمعهم و إذلالهم، أو المشركين مطلقا، و قيل أريد به إلقاء الأصنام على رءوسها، و لا يخفى بعده لا سيّما بالنظر إلى ما بعده، و في بعض النسخ ينكس الهام، و في الكشف و غيره يجذّ الأصنام، من قولهم جذذت الشّي‏ء.. أي كسّرته، و منه قوله تعالى فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً. حتى تفرّى الليل عن صبحه، و أسفر الحق عن محضه.. و الواو مكان حتى كما في رواية ابن أبي طاهر أظهر، و تفرّى اللّيل.. أي انشقّ حتى ظهر ضوء الصباح، و أسفر الحق عن محضه و خالصه، و يقال أسفر الصّبح.. أي أضاء. و نطق زعيم الدين.. زعيم القوم سيّدهم و المتكلّم عنهم، و الزّعيم أيضا الكفيل و الإضافة لامية، و يحتمل البيانية.. و خرست شقاشق الشياطين.. خرس بكسر الراء و الشقاشق جمع شقشقة بالكسر و هي شي‏ء كالريّة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، و إذا قالوا للخطيب ذو شقشقة، فإنّما يشبّه بالفحل، و إسناد الخرس إلى الشقاشق مجازي.

 و طاح وشيظ النفاق.. يقال طاح فلان يطوح إذا هلك أو أشرف على الهلاك و تاه في الأرض و سقط، و الوشيظ بالمعجمتين الرّذل و السّفلة من النّاس، و منه قولهم إيّاكم و الوشائظ، و قال الجوهري الوشيظ لفيف من النّاس ليس أصلهم واحدا، و بنو فلان وشيظة في قومهم.. أي هم حشو فيهم. و الوسيط بالمهملتين أشرف القوم نسبا و أرفعهم محلا، و كذا في بعض النسخ، و هو أيضا مناسب. و فهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص.. يقال فاه فلان بالكلام كقال.. أي لفظ به كتفوّه. و كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، و فيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم، و البيض جمع أبيض و هو من النّاس خلاف الأسود، و الخماص بالكسر جمع خميص، و الخماصة تطلق على دقة البطن خلقة و على خلوّه من الطّعام، يقال فلان خميص البطن من أموال النّاس أي عفيف عنها، و في الحديث كالطّير تغدو خماصا و تروح بطانا. و المراد بالبيض الخماص إمّا أهل البيت عليهم السلام و يؤيده ما في كشف الغمة في نفر من البيض الخماص، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا و وصفهم بالبيض لبياض وجوههم، أو هو من قبيل وصف الرجل بالأغرّ، و بالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم و قلّة الأكل، أو لعفّتهم عن أكل أموال الناس بالباطل، أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان رضي اللّه عنه و غيره، و يقال لأهل فارس بيض، لغلبة البياض على ألوانهم و أموالهم، إذ الغالب في أموالهم الفضة، كما يقال لأهل الشام حمر، لحمرة ألوانهم و غلبة الذهب في أموالهم، و الأول أظهر. و يمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين، فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان، و بالبيض الخماص الكمّل منهم. وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ.. شفا كلّ شي‏ء طرفه و شفيره.. أي كنتم على شفير جهنم مشرفين على دخولها لشرككم و كفركم. مذقة الشارب و نهزة الطامع.. مذقة الشّارب شربته، و النّهزة بالضم الفرصة.. أي محل نهزته.. أي كنتم قليلين أذلّاء يتخطّفكم الناس بسهولة، و كذا قولها عليها السلام و قبسة العجلان و موطئ الأقدام.. و القبسة بالضم شعلة من نار يقتبس من معظمها، و الإضافة إلى العجلان لبيان القلّة و الحقارة، و وطء الأقدام مثل مشهور في المغلوبية و المذلّة. تشربون الطرق و تفتانون الورق.. الطّرق بالفتح ماء السّماء الّذي تبول فيه الإبل و تبعر، و الورق بالتحريك ورق الشّجر، و في بعض النسخ و تفتاتون القدّ، و هو بكسر القاف و تشديد الدال سير يقدّ من جلد غير مدبوغ، و المقصود وصفهم بخباثة المشرب و جشوبة المأكل، لعدم اهتدائهم إلى ما يصلحهم في دنياهم، و لفقرهم و قلّة ذات يدهم، و خوفهم من الأعادي. أذلّة خاسئين تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ من حولكم.. الخاسئ المبعد المطرود، و التّخطّف استلاب الشّي‏ء و أخذه بسرعة، اقتبس من قوله تعالى وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. و

 في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أن الخطاب في تلك الآية لقريش خاصّة، و المراد بالناس سائر العرب أو الأعم.

و اللّتيّا.. بفتح اللام و تشديد الياء تصغير الّتي، و جوّز بعضهم فيه ضمّ اللام، و هما كنايتان عن الداهية الصّغيرة و الكبيرة. و بعد أن مني ببهم الرجال، و ذؤبان العرب، و مردة أهل الكتاب.. يقال مني بكذا على صيغة المجهول أي ابتلي، و بهم الرّجال كصرد الشّجعان منهم لأنّهم لشدّة بأسهم لا يدري من أين يؤتون، و ذوبان العرب لصوصهم و صعاليكم الذين لا مال لهم و لا اعتماد عليهم، و المردة العتاة المتكبّرون المجاوزون للحدّ. أو نجم قرن للشيطان، و فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها.. نجم الشّي‏ء كنصر نجوما ظهر و طلع، و المراد بالقرن القوّة، و فسّر قرن الشّيطان بأمّته و متابعيه، و فغرفاه.. أي فتحه، و فغرفوه.. أي انفتح يتعدّى و لا يتعدّى، و الفاغرة من المشركين الطائفة العادية منهم تشبيها بالحية أو السبع، و يمكن تقدير الموصوف مذكرا على أن يكون التاء للمبالغة. و القذف الرّمي، و يستعمل في الحجارة كما أنّ الحذف يستعمل في الحصا، يقال هم بين حاذف و قاذف. و اللّهوات بالتحريك جمع لهاة، و هي اللّحمة في أقصى سقف الفم، و في بعض الروايات في مهواتها بالضم و هي بالتّسكين الحفرة و ما بين الجبلين و نحو ذلك. و علي أيّ حال، المراد أنه صلّى اللّه عليه و آله كلّما أراده طائفة من المشركين أو عرضت له داهية عظيمة بعث عليها عليه السلام لدفعها و عرّضه للمهالك. و في رواية الكشف و ابن أبي طاهر كلّما حشوا نارا للحرب، و نجم قرن للضلال. قال الجوهري حششت النّار.. أوقدتها. فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، و يخمد لهبها بسيفه.. انكفأ بالهمزة أي رجع، من قولهم كفأت القوم كفأ إذا أرادوا وجها فصرفتهم عنه إلى غيره فانكفئوا.. أي رجعوا. و الصّماخ بالكسرة ثقب الأذن، و الأذن نفسها، و بالسين كما في بعض الروايات لغة فيه. و الأخمص ما لا يصيب الأرض من باطن القدم عند المشي، و وطء الصماخ بالأخمص عبارة عن القهر و الغلبة على أبلغ وجه، و كذا إخماد اللهب بماء السيف استعارة بليغة شائعة. مكدودا في ذات اللّه.. المكدود من بلغه التّعب و الأذى، و ذات اللّه أمره و دينه، و كلّما يتعلّق به سبحانه، و في الكشف مكدودا دءوبا في ذات اللّه. سيّد أولياء اللّه.. بالجر صفة الرسول )ص( أو بالنصب عطفا على الأحوال السابقة، و يؤيد الأخير ما في رواية ابن أبي طاهر سيدا في أولياء اللّه. و التّشمير في الأمر الجدّ و الاهتمام فيه. و الكدح العمل و السّعي، و قال الجوهري الدّعة الخفض..، تقول منه ودع الرّجل.. فهو وديع أي ساكن و وادع أيضا،.. يقال نال فلان المكارم وادعا من غير كلفة. و قال الفكاهة بالضم المزاح،.. و بالفتح مصدر فكه الرّجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيّب النّفس مزاحا، و الفكه أيضا الأشر و البطر، و قري‏ء و نعمة كانوا فيها فكهين أي أشرين، و فاكِهِينَ.. أي ناعمين، و المفاكهة الممازحة. و في رواية ابن أبي طاهر و أنتم في بلهنية وادعون آمنون.. قال الجوهري هو في بلهنية من العيش أي سعة و رفاهية، و هو ملحقّ بالخماسي بألف في آخره، و إنّما صارت ياء لكسرة ما قبلها، و في الكشف و أنتم في رفهنية.. و هي مثلها لفظا و معنى. تتربّصون بنا الدوائر.. الدّوائر صروف الزّمان و حوادث الأيام

 و العواقب المذمومة، و أكثر ما تستعمل الدائرة في تحوّل النعمة إلى الشّدة، أي كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا و زوال النعمة و الغلبة عنّا. تتوكفون الأخبار.. التّوكّف التّوقّع، و المراد أخبار المصائب و الفتن، و في بعض النسخ تتواكفون الأخيار، يقال واكفه في الحرب أي واجهه. و تنكصون عند النزال.. النّكوص الإحجام و الرّجوع عن الشّي‏ء، و النزال بالكسر أن ينزل القرنان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضاربا، و المقصود من تلك الفقرات أنهم لم يزالوا منافقين لم يؤمنوا قط. ظهر فيكم حسيكة النفاق، و سمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين، و نبغ خامل الأقلين، و هدر فنيق المبطلين.. الحسيكة العداوة، قال الجوهري الحسك حسك السّعدان، الواحدة حسكة،.. و قولهم في صدره عليّ حسيكة و حساكة.. أي ضغن و عداوة.. و في بعض الروايات حسكة النفاق.. فهو على الاستعارة. و سمل الثّوب كنصر صار خلقا. و الجلباب بالكسر الملحفة، و قيل ثوب واسع للمرأة غير الملحفة. و قيل هو إزار و رداء. و قيل هو كالمقنعة تغطّي به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها. و الكظوم السّكوت. و نبغ الشّي‏ء كمنع و نصر أي ظهر و نبغ الرّجل إذا لم يكن في إرث الشّعر، ثمّ قال و أجاد. و الخامل من خفي ذكره و صوته و كان ساقطا لا نباهة له. و المراد بالأقلين الأذلّون، و في بعض الروايات الأولين. و في الكشف فنطق كاظم و نبغ خامل، و هدر فنيق الكفر، يخطر في عرصاتكم.. و الهدر ترديد البعير صوته في حنجرته. و الفنيق الفحل المكرّم من الإبل الّذي لا يركب و لا يهان لكرامته على أهله. فخطر في عرصاتكم، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، و للعزّة فيه ملاحظين.. يقال خطر البعير بذنبه يخطر بالكسر خطرا و خطرانا إذا رفعه مرّة بعد مرّة و ضرب به فخذيه، و منه قول الحجّاج لمّا نصب المنجنيق على الكعبة.. خطّارة كالجمل الفنيق.....، شبّه رميها بخطران الفنيق. و مغرز الرأس بالكسر ما يختفي فيه، و قيل لعلّ في الكلام تشبيها للشيطان بالقنفذ، فإنه إنما يطلع رأسه عند زوال الخوف، أو بالرجل الحريص المقدم على أمر فإنه يمدّ عنقه إليه. و الهتاف الصّياح. و ألفاكم.. أي وجدكم. و الغرّة بالكسر الاغترار و الانخداع، و الضمير المجرور راجع إلى الشيطان. و ملاحظة الشي‏ء مراعاته، و أصله من اللّحظ و هو النّظر بمؤخر العين، و هو إنما يكون عند تعلّق القلب بشي‏ء، أي وجدكم الشيطان لشدة قبولكم للانخداع كالذي كان مطمح نظره أن يغتر بأباطيله. و يحتمل أن يكون للعزّة بتقديم المهملة على المعجمة. و في الكشف و للعزّة ملاحظين.. أي وجدكم طالبين للعزّة. ثم استنهضكم فوجدكم خفاقا، و أحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير

 إبلكم، و أوردتم غير شربكم.. النّهوض القيام، و استنهضه لأمر.. أي أمره بالقيام إليه. فوجدكم خفافا.. أي مسرعين إليه. و أحمشت الرّجل أغضبته، و أحمشت النّار ألهبتها، أي حملكم الشيطان على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه أو من عند أنفسكم، و في المناقب القديم عطافا بالعين المهملة و الفاء من العطف بمعنى الميل و الشّفقة، و لعله أظهر لفظا و معنى. و الوسم أثر الكيّ، يقال وسمته كوعدته وسما. و الورود حضور الماء للشّرب، و الإيراد الإحضار. و الشّرب بالكسر الحظّ من الماء، و هما كنايتان عن أخذ ما ليس لهم بحق من الخلافة و الإمامة و ميراث النبوة. و في الكشف و أوردتموها شربا ليس لكم. هذا و العهد قريب، و الكلم رحيب، و الجرح لمّا يندمل، و الرسول لمّا يقبر.. الكلم الجرح. و الرّحب بالضم السّعة. و الجرح بالضم الاسم، و بالفتح المصدر، و لمّا يندمل.. أي لم يصلح بعد. و قبرته دفنته. ابتدارا زعمتم خوف الفتنة أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ.. ابتدارا مفعول له للأفعال السابقة، و يحتمل المصدر بتقدير الفعل، و في بعض الروايات بدارا زعمتم خوف الفتنة.. أي ادّعيتم و أظهرتم للنّاس كذبا و خديعة إنا إنّما اجتمعنا في السقيفة دفعا للفتنة مع أن الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها، و هو عين الفتنة. و الالتفات في سقطوا لموافقة الآية الكريمة. فهيهات منكم، و كيف بكم، و أنّى تؤفكون، و كتاب اللّه بين أظهركم.. هيهات للتّبعيد و فيه معنى التّعجّب كما صرّح به الشيخ الرضي، و كذلك كيف و أنّى تستعملان في التعجب. و أفكه كضربه صرفه عن الشّي‏ء و قلبه، أي إلى أين يصرفكم الشيطان و أنفسكم و الحال إنّ كتاب اللّه بينكم، و فلان بين أظهر قوم و بين ظهرانيهم.. أي مقيم بينهم محفوف من جانبيه أو من جوانبه بهم. و الزّاهر المتلألئ المشرق. و في الكشف بين أظهركم قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيّرة شرائعه، زواجره واضحة، و أوامره لائحة. أرغبة عنه، بئس للظالمين بدلا.. أي من الكتاب ما اختاروه من الحكم الباطل. ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها، و يسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، و تهيجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ، و إطفاء أنوار الدين الجلّي، و إهماد سنن النبي الصفي.. ريث بالفتح بمعنى قدر و هي كلمة يستعملها أهل الحجاز كثيرا، و قد يستعمل مع ما يقال لم يلبث إلّا ريثما فعل كذا، و في الكشف هكذا ثم لم تبرحوا ريثا، و قال بعضهم هذا و لم تريّثوا إلّا ريث. و في رواية ابن أبي طاهر ثم لم تريّثوا.. أختها، و على التقديرين ضمير المؤنث راجع إلى فتنة وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و حتّ الورق من الغصن نثرها.. أي لم تصبروا إلى ذهاب أثر تلك المصيبة. و نفرت الدابة بالفتح ذهابها و عدم انقيادها. و السّلس بكسر اللام السّهل اللّيّن المنقاد، ذكره الفيروزآبادي. و في مصباح اللغة سلس سلسا من باب تعب سهل و لان. و القياد بالكسر ما يقاد به الدّابّة من حبل و غيره. و في الصحاح ورى الزند يري وريا إذا خرجت ناره، و فيه لغة أخرى وري الزّند يري بالكسر فيهما و أوريته أنا و كذلك ورّيته تورية و فلان يستوري زناد الضّلالة. و وقدة النّار بالفتح وقودها، و وقدها لهبها، الجمرة المتوقّد من الحطب، فإذا برد فهو فحم، و الجمر بدون التاء جمعها ]كذا[. و الهتاف بالكسر الصّياح، و هتف به.. أي دعاه، و إهماد النّار إطفاؤها بالكلّيّة. و الحاصل، أنّكم إنّما صبرتم حتى استقرّت الخلافة المغصوبة عليكم، ثم شرعتم في تهييج الشرور و الفتن و اتّباع الشيطان، و إبداع البدع، و تغيير السنن. تسرّون حسوا في ارتغاء، و تمشون لأهله و ولده في الخمر و الضرّاء، و نصبر

 منكم على مثل حظّ المدى، و وخز السنان في الحشا.. الإسرار ضدّ الإعلان. و الحسو بفتح الحاء و سكون السين المهملتين شرب المرق و غيره شيئا بعد شي‏ء. و الارتغاء شرب الرغوة، و هو زبد اللبن، قال الجوهري الرغوة مثلثة... زبد اللّبن.. و ارتغيت شربت الرغوة. و في المثل يسرّ حسوا في ارتغاء يضرب لمن يظهر أمرا و يريد غيره، قال الشّعبي لمن سأله عن رجل قبّل أمّ امرأته قال يسرّ حسوا في ارتغاء، و قد حرمت عليه امرأته. و قال الميداني قال أبو زيد و الأصمعي أصله الرّجل يؤتى باللّبن فيظهر أنّه يريد الرّغوة خاصّة و لا يريد غيرها فيشربها و هو في ذلك ينال من اللّبن، يضرب لمن يريك أنّه يعينك و إنّما يجرّ النّفع إلى نفسه. و الخمر بالتحريك ما واراك من شجر و غيره، يقال توارى الصّيد عنّي في خمر الوادي، و منه قولهم دخل فلان في خمار النّاس بالضم أي ما يواريه و يستره منهم. و الضّراء بالضّاد المعجمة المفتوحة و الرّاء المخفّفة الشّجر الملتفّ في الوادي، و يقال لمن ختل صاحبه و خادعه يدبّ له الضّراء و يمشي له الخمر، و قال الميداني قال ابن الأعرابي الضّراء ما انخفض من الأرض. و الحزّ بفتح الحاء المهملة القطع، أو قطع الشّي‏ء من غير إبانة. و المدى بالضم جمع مدية و هي السكّين و الشّفرة، و الوخز الطّعن بالرّمح و نحوه لا يكون نافذا، يقال و خزه بالخنجر. و في رواية ابن أبي طاهر ويها معشر المهاجرة ابتزّ إرث أبيه.. قال الجوهري إذا أغريته بالشّي‏ء قلت ويها يا فلان و هو تحريض، انتهى. و لعلّ الأنسب هنا التعجّب. و الهاء في )أبيه( في الموضعين. و إرثيه بكسر الهمزة بمعنى الميراث للسكت، كما في سورة الحاقة » كِتابِيَهْ« و » حِسابِيَهْ« و » مالِيَهْ« و » سُلْطانِيَهْ«، تثبت في الوقف و تسقط في الوصل، و قرئ بإثباتها في الوصل أيضا. و في الكشف ثم أنتم أوّلا تزعمون أن لا إرث ليه... فهو أيضا كذلك. كالشمس الضاحية.. أي الظاهرة البيّنة، يقال فعلت ذلك الأمر ضاحية.. أي علانية. شيئا فريّا.. أي أمرا عظيما بديعا، و قيل أي أمرا منكرا قبيحا، و هو مأخوذ من الافتراء بمعنى الكذب.

و اعلم أنّه قد وردت الروايات المتضافرة كما ستعرف في أنّها عليها السلام ادّعت أنّ فدكا كانت نحلة لها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلعلّ عدم تعرّضها صلوات اللّه عليها في هذه الخطبة لتلك الدعوى ليأسها عن قبولهم إيّاها، إذ كانت الخطبة بعد ما ردّ أبو بكر شهادة أمير المؤمنين عليه السلام و من شهد معه، و قد كانت المنافقون الحاضرون معتقدين لصدقه، فتمسّكت بحديث الميراث لكونه من ضروريات الدين. و زعمتم أن لا حظوة لي.. الحظوة بكسر الحاء و ضمّها و سكون الظاء المعجمة المكانة و المنزلة، و يقال حظيت المرأة عند زوجها إذا دنت من قلبه. و في الكشف فزعمتم أن لا حظّ لي و لا إرث لي من أبيه، أ فحكم اللّه بآية أخرج أبي منها أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ... الآية. إيها معاشر المسلمة، أ أبتزّ إرثيه اللّه أن ترث أباك و لا أرث أبيه لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا. فدونكها مخطومة مرحولة.. الضمير راجع إلى فدك المدلول عليها بالمقام، و الأمر بأخذها للتهديد. و الخطام بالكسر كلّ ما يوضع في أنف البعير ليقاد به. و الرحل بالفتح للنّاقة كالسّرج للفرس، و رحل البعير كمنع شدّ على ظهره الرّحل. شبهتها عليها السلام في كونها مسلمة لا يعارضه في أخذها أحد بالناقة المنقادة المهيأة للركوب. و الزعيم محمّد في بعض الروايات و الغريم.. أي طالب الحقّ. و عند الساعة ما تخسرون.. كلمة )ما( مصدرية.. أي في القيامة يظهر خسرانكم. و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ..، أي لكلّ خبر، يريد نبأ العذاب أو الإيعاد به وقت استقرار و وقوع. و سوف تعلمون عند وقوعه من يأتيه عذاب يخزيه.. الاقتباس من موضعين أحدهما سورة الأنعام، و الآخر في سورة هود في قصة نوح عليه السلام حيث قال إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ، فالعذاب الذي يخزيهم الغرق، و العذاب المقيم عذاب النار. ثم رمت بطرفها.. الطّرف بالفتح مصدر طرفت عين فلان إذا نظرت و هو أن ينظر ثمّ يغمض، و الطّرف أيضا العين. و المعشر الجماعة. و الفتية بالكسر جمع فتى و هو الشّاب و الكريم السّخيّ. و في المناقب يا معشر البقية، و أعضاد الملّة، و حصنة الإسلام.. و في الكشف يا معشر البقية، و يا عماد الملّة، و حصنة الإسلام. و الأعضاد جمع عضد بالفتح الأعوان، يقال عضدته كنصرته لفظا و معنى. ما هذه الغميزة في حقّي و السنة عن ظلامتي.. قال الجوهري ليس في فلان غميزة أي مطعن، و نحوه ذكر الفيروزآبادي، و هو لا يناسب المقام إلّا بتكلّف. و قال الجوهري رجل غمز أي ضعيف. و قال الخليل في كتاب العين الغميزة بفتح الغين المعجمة و الزاي ضعفة في العمل و جهلة في العقل و يقال سمعت كلمة فاغتمزتها في عقله أي علمت أنّه أحمق. و هذا المعنى أنسب.

 و في الكشف ما هذه الفترة بالفاء المفتوحة و سكون التاء و هو السّكون، و هو أيضا مناسب. و في رواية ابن أبي طاهر بالراء المهملة، و لعلّه من قولهم غمر على أخيه.. أي حقد و ضغن، أو من قولهم غمر عليه.. أي أغمي عليه، أو من الغمر بمعنى السّتر، و لعلّه كان بالضاد المعجمة فصحف، فإنّ استعمال إغماض العين في مثل هذا المقام شائع. و السّنة بالكسر مصدر وسن يوسن كعلم يعلم و سنا و سنة، و السنة أوّل النوم أو النوم الخفيف، و الهاء عوض عن الواو. و الظلامة بالضم كالمظلمة بالكسر ما أخذه الظّالم منك فتطلبه عنده، و الغرض تهييج الأنصار لنصرتها أو توبيخهم على عدمها. و في الكشف بعد ذلك أ ما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحفظ.... سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة.. سرعان مثلثة السين و عجلان بفتح العين كلاهما من أسماء الأفعال بمعنى سرع و عجل، و فيهما معنى التّعجّب أي ما أسرع و أعجل. و في رواية ابن أبي طاهر سرعان ما أجدبتم فأكديتم، يقال أجدب القوم أي أصابهم الجدب، و أكدى الرّجل إذا قلّ خيره و الإهالة بكسر الهمزة الودك و هو دسم اللّحم، و قال الفيروزآبادي قولهم سرعان ذا إهالة أصله أنّ رجلا كانت له نعجة عجفاء و كانت، رعامها يسيل من منخريها لهزالها، فقيل له ما هذا الّذي يسيل فقال ودكها، فقال السّائل سرعان ذا إهالة، و نصب إهالة على الحال، و ذا إشارة إلى الرّعام، أو تمييز على تقدير نقل الفعل، كقولهم تصبّب زيد عرقا، و التّقدير سرعان إهالة هذه، و هو مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشّي‏ء قبل وقته، انتهى. و الرّعام بالضم ما يسيل من أنف الشّاة و الخيل، و لعل المثل كان بلفظ عجلان فاشتبه على الفيروزآبادي أو غيره، أو كان كلّ منهما مستعملا في هذا المثل، و غرضها صلوات اللّه عليها التعجّب من تعجيل الأنصار و مبادرتهم إلى إحداث البدع و ترك السنن و الأحكام، و التخاذل عن نصرة عترة سيّد الأنام مع قرب عهدهم به، و عدم نسيانهم ما أوصاهم به فيهم، و قدرتهم على نصرتها و أخذ حقّها ممّن ظلمها، و لا يبعد أن يكون المثل إخبارا مجملا بما يترتب على هذه البدعة من المفاسد الدينية و ذهاب الآثار النبوية. فخطب جليل استوسع وهيه، و استنهر فتقه، و انفتق رتقه، و اظلمّت الأرض لغيبته، و كسفت النجوم لمصيبته.. الخطب بالفتح الشّأن و الأمر عظم أو صغر. و الوهي كالرّمي الشّقّ و الخرق، يقال و هي الثّوب إذا بلي و تخرّق. و استوسع و استنهر استفعل من النّهر بالتحريك بمعنى السعة أي اتّسع. و الفتق الشّقّ و الرتّق ضدّه، و انفتق.. أي انشقّ، و الضمائر المجرورات الثلاثة راجعة إلى الخطب بخلاف المجرورين بعدها فإنّهما راجعان إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و كسف النّجوم ذهاب نورها، و الفعل منه يكون متعديّا و لازما، و الفعل كضرب. و في رواية ابن أبي طاهر مكان الفقرة الأخيرة و اكتأبت خيرة اللّه لمصيبته.. و الاكتئاب افتعال من الكآبة بمعنى الحزن. و في الكشف و استنهر فتقه، و فقد راتقه، و أظلمت الأرض و اكتابت لخيرة اللّه.. إلى قولها و أديلت الحرمة من الإدالة بمعنى الغلبة و أكدت الآمال، و خشعت الجبال، و أضيع الحريم، و أزيلت الحرمة عند مماته.. يقال أكدى فلان أي بخل أو قلّ خيره، و حريم الرجل ما يحميه و يقاتل عنه، و الحرمة ما لا يحلّ انتهاكه، و في بعض النسخ الرحمة مكان الحرمة. فتلك و اللّه النازلة الكبرى و المصيبة العظمى، لا مثلها نازلة و لا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه جلّ ثناؤه في أفنيتكم و في ممساكم و مصبحكم هتافا و صراخا و تلاوة و ألحانا.. النّازلة الشّديدة. و البائقة الدّاهية. و فناء الدّار ككساء العرصة المتّسعة إمامها. و الممسي و المصبح بضم الميم فيهما مصدران و موضعان من الإصباح و الإمساء. و الهتاف بالكسر الصياح. و الصراخ كغراب الصّوت أو الشّديد منه. و التّلاوة بالكسر القراءة. و الإلحان الإفهام، يقال ألحنه القول.. أي أفهمه إيّاه، و يحتمل أن يكون من اللّحن بمعنى الغناء و الطّرب، قال الجوهري اللّحن واحد الألحان و اللّحون، و

 منه الحديث )اقرءوا القرآن بلحون العرب(.

و قد لحن في قراءته إذا طرّب بها و غرّد، و هو ألحن النّاس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء، انتهى. و يمكن أن يقرأ على هذا بصيغة الجمع أيضا، و الأول أظهر. و في الكشف فتلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه في قبلتكم، ممساكم و مصبحكم، هتافا هتافا، و لقبله ما حلّ بأنبياء اللّه و رسله.. حكم فصل و قضاء حتم وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.. الحكم الفصل هو المقطوع به الّذي لا ريب فيه و لا مردّ له، و قد يكون بمعنى القاطع الفارق بين الحقّ و الباطل. و الحتم في الأصل إحكام الأمور. و القضاء الحتم هو الذي لا يتطرّق إليه التغيير. و خلت.. أي مضت. و الانقلاب على العقب الرجوع القهقرى، أريد به الارتداد بعد الإيمان، و الشاكرون المطيعون المعترفون بالنعم الحامدون عليها. قال بعض الأماثل و اعلم أنّ الشبهة العارضة للمخاطبين بموت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إمّا عدم تحتّم العمل بأوامره و حفظ حرمته في أهله لغيبته، فإنّ العقول الضعيفة مجبولة على رعاية الحاضر أكثر من الغائب، و أنّه إذا غاب عن أبصارهم ذهب كلامه عن أسماعهم، و وصاياه عن قلوبهم، فدفعها ما أشارت إليه صلوات اللّه عليها من إعلان اللّه جلّ ثناؤه و إخباره بوقوع تلك الواقعة الهائلة قبل وقوعها، و إنّ الموت ممّا قد نزل بالماضين من أنبياء اللّه و رسله عليهم السلام تثبيتا للأمّة على الإيمان، و إزالة لتلك الخصلة الذميمة عن نفوسهم. و يمكن أن يكون معنى الكلام أ تقولون مات محمّد صلّى اللّه عليه و آله و بعد موته ليس لنا زاجر و لا مانع عمّا نريد، و لا نخاف أحدا في ترك الانقياد للأوامر و عدم الانزجار عن النواهي، و يكون الجواب ما يستفاد من حكاية قوله سبحانه أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ... الآية، لكن لا يكون حينئذ لحديث إعلان اللّه سبحانه و إخباره بموت الرسول مدخل في الجواب إلّا بتكلّف. و يحتمل أن يكون شبهتهم عدم تجويزهم الموت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما أفصح عنه عمر بن الخطاب و سيأتي في مطاعنه فبعد تحقّق موته عرض لهم شكّ في الإيمان و وهن في الأعمال، فلذلك خذلوها و قعدوا عن نصرتها، و حينئذ مدخلية حديث الإعلان و ما بعده في الجواب واضح. و على التقادير لا يكون قولها صلوات اللّه عليها فخطب جليل.. داخلا في الجواب، و لا مقولا لقول المخاطبين على الاستفهام التوبيخي، بل هو كلام مستأنف لبثّ الحزن و الشكوى، بل يكون الجواب بما بعد قولها فتلك و اللّه النازلة الكبرى.. و يحتمل أن يكون مقولا لقولهم، فيكون حاصل شبهتهم أنّ موته صلّى اللّه عليه و آله الذي هو أعظم الدواهي قد وقع، فلا يبالي بما وقع بعده من المحظورات، فلذلك لم ينهضوا بنصرها و الإنصاف ممّن ظلمها، و لما تضمّن ما زعموه كون مماته )ص( أعظم المصائب سلّمت عليها السلام أولا في مقام جواب تلك المقدمة، لكونها محض الحق، ثم نبّهت على خطئهم في أنّها مستلزمة لقلّة المبالاة بما وقع، و القعود عن نصرة الحق، و عدم اتّباع أوامره صلّى اللّه عليه و آله بقولها أعلن بها كتاب اللّه.. إلى آخر الكلام، فيكون حاصل الجواب أن اللّه قد أعلمكم بها قبل الوقوع، و أخبركم بأنّها سنّة ماضية في السلف من أنبيائه، و حذّركم الانقلاب على أعقابكم كي لا تتركوا العمل بلوازم الإيمان بعد وقوعها، و لا تهنوا عن نصرة الحق و قمع الباطل، و في تسليمها ما سلمته أولا دلالة على أنّ كونها أعظم المصائب ممّا يؤيد وجوب نصرتي، فإنّي أنا المصاب بها حقيقة، و إن شاركني فيها غيري، فمن نزلت به تلك النازلة الكبرى فهو بالرعاية أحقّ و أحرى. و يحتمل أن يكون قولها عليها السلام فخطب جليل.. من أجزاء الجواب، فتكون شبهتهم بعض الوجوه المذكورة، أو المركب من بعضها مع بعض، و حاصل الجواب حينئذ أنّه إذا نزل بي مثل تلك النازلة الكبرى و قد كان اللّه عزّ و جلّ أخبركم بها و أمركم أن لا ترتدّوا بعدها على أعقابكم فكان الواجب عليكم دفع الضيم عنّي و القيام بنصرتي، و لعلّ الأنسب بهذا الوجه ما

 في رواية ابن أبي طاهر من قولها و تلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه..

بالواو دون الفاء، و يحتمل أن لا تكون الشبهة العارضة للمخاطبين مقصورة على أحد الوجوه المذكورة، بل تكون الشبهة لبعضهم بعضها و للآخر أخرى، و يكون كل مقدمة من مقدمات الجواب إشارة إلى دفع واحدة منها.

أقول و يحتمل أن لا تكون هناك شبهة حقيقة، بل يكون الغرض أنّه ليس لهم في ارتكاب تلك الأمور الشنيعة حجّة و متمسك، إلّا أن يتمسّك أحد بأمثال تلك الأمور الباطلة الواهية التي لا يخفى على أحد بطلانها، و هذا شائع في الاحتجاج. إيها بني قيلة أ أهضم تراث أبي و أنتم بمرأى منّي و مسمع، و مبتدأ و مجمع، تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة.. أيّها بفتح الهمزة و التنوين بمعنى هيهات. و بنو قيلة الأوس و الخزرج قبيلتا الأنصار، و قيلة بالفتح اسم أمّ لهم قديمة و هي قيلة بنت كاهل. و الهضم الكسر، يقال هضمت الشّي‏ء.. أي كسرته، و هضمه حقّه و اهتضمه إذا ظلمه و كسر عليه حقّه. و التّراث بالضم الميراث، و أصل التّاء فيه واو. و أنتم بمرأى منّي و مسمع.. أي بحيث أراكم و أسمعكم كلامكم ]كذا[. و في رواية ابن أبي طاهر منه أي من الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و المبتدأ في أكثر النسخ بالباء الموحدة مهموزا، فلعلّ المعنى أنّكم في مكان يبتدأ منه الأمور و الأحكام، و الأظهر أنّه تصحيف المنتدى بالنون غير مهموزة بمعنى المجلس، و كذا في المناقب القديم، فيكون المجمع كالتفسير له، و الغرض الاحتجاج عليهم بالاجتماع الذي هو من أسباب القدرة على دفع الظلم، و اللفظان غير موجودين في رواية ابن أبي طاهر. و تلبسكم على بناء المجرد أي تغطيكم و تحيط بكم. و الدّعوة المرة من الدعاء أي النّداء كالخبرة بالفتح من الخبر بالضم بمعنى العلم، أو الخبرة بالكسر بمعناه، و المراد بالدعوة نداء المظلوم للنصرة، و بالخبرة علمهم بمظلوميّتها صلوات اللّه عليها، و التعبير بالإحاطة و الشمول للمبالغة، أو للتصريح بأنّ ذلك قد عمّهم جميعا، و ليس من قبيل الحكم على الجماعة بحكم البعض أو الأكثر. و في رواية ابن أبي طاهر الحيرة بالحاء المهملة و لعلّه تصحيف، و لا يخفى توجيهه. و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصلاح و النجبة التي انتجبت، و الخيرة التي اختيرت.. الكفاح استقبال العدوّ في الحرب بلا ترس و لا جنّة، و يقال فلان يكافح الأمور.. أي يباشرها بنفسه. و النّجبة كهمزة النّجيب الكريم، و قيل يحتمل أن يكون بفتح الخاء المعجمة أو سكونها بمعنى المنتخب المختار، و يظهر من ابن الأثير أنّها بالسّكون تكون جمعا. و الخيرة كعنبة المفضّل من القوم المختار منهم. قاتلتم العرب في المناقب لنا أهل البيت قاتلتم و ناطحتم الأمم، و كافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون نأمركم فتأتمرون.. ناطحتم الأمم.. أي حاربتم الخصوم و دافعتموهم بجدّ و اهتمام كما يدافع الكبش قرنه بقرنه. و البهم الشّجعان كما مرّ. و مكافتحتها التعرّض لدفعها من غير توان و ضعف. و قولها عليها السلام أو تبرحون.. معطوف على مدخول النفي، فالمنفي أحد الأمرين، و لا ينتفي إلّا بانتفائهما معا، فالمعنى لا نبرح و لا تبرحون نأمركم فتأتمرون.. أي كنّا لم نزل آمرين و كنتم مطيعين لنا في أوامرنا. و في كشف الغمة و تبرحون بالواو فالعطف على مدخول النفي أيضا و يرجع إلى ما مرّ، و عطفه على النفي إشعارا بأنّه قد كان يقع منهم براح عن الإطاعة كما في غزوة أحد و غيرها، بخلاف أهل البيت عليهم السلام إذ لم يعرض لهم كلال عن الدعوة و الهداية بعيد عن المقام، و الأظهر ما في رواية ابن أبي طاهر من ترك المعطوف رأسا. لا نبرح نأمركم.. أي لم يزل عادتنا الأمر و عادتكم الائتمار. و في المناقب لا نبرح و لا تبرحون نأمركم.. فيحتمل أن يكون أو في تلك النسخة أيضا بمعنى الواو.. أي لا نزال نأمركم و لا تزالون تأتمرون، و لعلّ ما في المناقب أظهر النسخ و أصوبها. حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، و درّ حلب الأيام، و خضعت نعرة الشرك، و سكنت فورة الإفك، و خمدت نيران الكفر، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدين.. دوران الرحى كناية عن انتظام أمرها، و الباء للسببية.

 و درّ اللّبن جريانه و كثرته. و الحلب بالفتح استخراج ما في الضّرع من اللّبن، و بالتحريك اللّبن المحلوب، و الثاني أظهر للزوم ارتكاب تجوّز في الإسناد و في المسند إليه على الأول. و النّعرة بالنون و العين و الراء المهملتين مثال همزة الخيشوم و الخيلاء و الكبر أو بفتح النون من قولهم نعر العرق بالدّم.. أي فار، فيكون الخضوع بمعنى السكون، أو بالغين المعجمة من نغرت القدر.. أي فارت. و قال الجوهري نغر الرّجل بالكسر أي اغتاض، قال الأصمعي هو الّذي يغلي جوفه من الغيظ. و قال ابن السّكّيت يقال ظلّ فلان يتنغّر على فلان.. أي يتذمّر عليه، و في أكثر النسخ بالثاء المثلثة المضمومة و الغين المعجمة، و هي نقرة النّحر بين الترقوتين، فخضوع ثغرة الشرك كناية عن محقه و سقوطه كالحيوان الساقط على الأرض، نظيره

 قول أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه و آله أنا وضعت كلكل العرب

أي صدورهم. و الإفك بالكسر الكذب، و فورة الإفك غليانه و هيجانه. و خمدت النّار.. أي سكن لهبها و لم يطفأ جمرها، و يقال همدت بالهاء إذا طفئ جمرها، و فيه إشعار بنفاق بعضهم و بقاء مادة الكفر في قلوبهم. و في رواية ابن أبي طاهر و باخت نيران الحرب.. قال الجوهري باخ الحّرّ و النّار و الغضب و الحمّى.. أي سكن و فتر، و هدأت أي سكنت. و الهرج الفتنة و الاختلاط، و في الحديث الهرج القتل. و استوسق.. أي اجتمع و انضمّ من الوسق بالفتح و هو ضمّ الشّي‏ء إلى الشي‏ء، و اتّساق الشّي‏ء انتظامه. و في الكشف فناويتم العرب و بادهتم الأمور.. إلى قولها عليها السلام حتى دارت لكم بنّا رحى الإسلام، و درّ حلب البلاد، و خبت نيران الحرب.. يقال بدهه بأمر.. أي استقبله به، و بادهه فاجأه. فأنّى حرتم بعد البيان، و أسررتم بعد الإعلان، و نكصتم بعد الإقدام و أشركتم بعد الإيمان.. كلمة أنّى، ظرف مكان بمعنى أين، و قد يكون بمعنى كيف أي من أين حرتم، و ما كان منشؤه. و جرتم أما بالجيم من الجور و هو الميل عن القصد و العدول عن الطّريق، أي لما ذا تركتم سبيل الحق بعد ما تبيّن لكم، أو بالحاء المهملة المضمومة من الحور بمعنى الرّجوع أو النّقصان، يقال نعوذ باللّه من الحور بعد الكور.. أي من النّقصان بعد الزيادة، و أما بكسرها من الحيرة. و النّكوص الرّجوع إلى خلف. أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. نكث العهد بالفتح نقضه. و الأيمان جمع اليمين و هو القسم. و المشهور بين المفسرين أنّ الآية نزلت في اليهود الذين نقضوا عهودهم و خرجوا مع الأحزاب و همّوا بإخراج الرسول من المدينة، و بدءوا بنقض العهد و القتال. و قيل نزلت في مشركي قريش و أهل مكة حيث نقضوا أيمانهم التي عقدوها مع الرسول و المؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم أعداءهم، فعاونوا بني بكر على خزاعة، و قصدوا إخراج الرسول صلّى اللّه عليه و آله من مكة حين تشاوروا بدار الندوة، و أتاهم إبليس بصورة شيخ نجدي.. إلى آخر ما مرّ من القصة، فهم بدءوا بالمعاداة و المقاتلة في هذا الوقت، أو يوم بدر، أو بنقض العهد، و المراد بالقوم الذين نكثوا أيمانهم في كلامها صلوات اللّه عليها، أما الذين نزلت فيهم الآية فالغرض بيان وجوب قتال الغاصبين للإمامة و لحقّها، الناكثين لما عهد إليهم الرسول صلّى اللّه عليه و آله في وصيّه عليه السلام و ذوي قرباه و أهل بيته، كما وجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآية فيهم، أو المراد بهم الغاصبون لحقّ أهل البيت عليهم السلام، فالمراد بنكثهم أيمانهم نقض ما عهدوا إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله حين بايعوه من الانقياد له في أوامره و الانتهاء عند نواهيه و أن لا يضمروا له العداوة، فنقضوه و ناقضوا ما أمرهم به، و المراد بقصدهم إخراج الرسول صلّى اللّه عليه و آله عزمهم على إخراج من هو كنفس الرسول صلّى اللّه عليه و آله و قائم مقامه بأمر اللّه و أمره عن مقام الخلافة و على إبطال أوامره و وصاياه في أهل بيته النازل منزلة إخراجه من مستقرّه، و حينئذ يكون من قبيل الاقتباس. و في بعض الروايات لقوم نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ.. فقوله لقوم متعلق بقوله تخشونهم. ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط و القبض و خلوتم بالدعة، و نجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، و دسعتم الذي تسوغتم ف إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ.. الرّؤية هنا بمعنى العلم أو النّظر بالعين. و أخلد إليه ركن و مال. و الخفض بالفتح سعة العيش.

 و المراد بمن هو أحقّ بالبسط و القبض أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و صيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ. و خلوت بالشّي‏ء انفردت به و اجتمعت معه في خلوة. و الدّعة الرّاحة و السّكون. و مجّ الشّراب من فيه رمى به. و وعيتم.. أي حفظتم. و الدّسع كالمنع الدّفع و القي‏ء، و إخراج البعير جرّته إلى فيه. و ساغ الشّراب يسوغ سوغا.. إذا سهل مدخله في الحلق، و تسوّغه شربه بسهولة. و صيغة تكفروا في كلامها عليها السلام إما من الكفران و ترك الشكر كما هو الظاهر من سياق الكلام المجيد حيث قال تعالى إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ، أو من الكفر بالمعنى الأخص، و التغيير في المعنى لا ينافي الاقتباس، مع أن في الآية أيضا يحتمل هذا المعنى، و المراد إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا من الثقلين فلا يضرّ ذلك إلّا أنفسكم فإنه سبحانه غنيّ عن شكركم و طاعتكم، مستحق للحمد في ذاته، أو محمود تحمده الملائكة بل جميع الموجودات بلسان الحال، و ضرر الكفران عائد إليكم حيث حرمتم من فضله تعالى و مزيد إنعامه و إكرامه. و الحاصل، أنّكم إنّما تركتم الإمام بالحق و خلعتم بيعته من رقابكم و رضيتم ببيعة أبي بكر لعلمكم بأن أمير المؤمنين عليه السلام لا يتهاون و لا يداهن في دين اللّه، و لا تأخذه في اللّه لومة لائم، و يأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد و غيره، و ترك ما تشتهون من زخارف الدنيا، و يقسم الفي‏ء بينكم بالسوية، و لا يفضل الرؤساء و الأمراء، و إن أبا بكر رجل سلس القياد، مداهن في الدين لإرضاء العباد، فلذا رفضتم الإيمان، و خرجتم عن طاعته سبحانه إلى طاعة الشيطان، و لا يعود وباله إلّا إليكم. و في الكشف ألا و قد أرى و اللّه أن قد أخلدتم إلى الخفض، و ركنتم إلى الدعة، فمججتم الذي أوعيتم، و لفظتم الذي سوغتم. و في رواية ابن أبي طاهر فعجتم عن الدين.. يقال ركن إليه بفتح الكاف و قد يكسر أي مال إليه و سكن. و قال الجوهري عجت بالمكان أعوج.. أي أقمت به و عجت غيري.. يتعدّى و لا يتعدّى، و عجت البعير.. عطفت رأسه بالزّمام.. و العائج الواقف.. و ذكر ابن الأعرابي فلان ما يعوج من شي‏ء أي ما يرجع عنه. ألا و قد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم، و الغدرة التي استشعرتها قلوبكم، و لكنها فيضة النفس، و نفثة الغيظ، و خور القنا، و بثة الصدر، و تقدمة الحجة.. الخذلة ترك النّصر.

 و خامرتكم.. أي خالطتكم. و الغدر ضدّ الوفاء. و استشعره أي لبسه، و الشّعار الثّوب الملاصق للبدن. و الفيض في الأصل كثرة الماء و سيلانه، يقال فاض الخبر.. أي شاع، و فاض صدره بالسّرّ.. أي باح به و أظهره، و يقال فاضت نفسه.. أي خرجت روحه، و المراد به هنا إظهار المضمر في النفس لاستيلاء الهم و غلبة الحزن. و النّفث بالفم شبيه بالنّفخ، و قد يكون للمغتاظ تنفس عال تسكينا لحرّ القلب و إطفاء لنائرة الغضب. و الخور بالفتح و التحريك الضّعف. و القنا جمع قناة و هي الرّمح، و قيل كلّ عصا مستوية أو معوجّة قناة، و لعلّ المراد بخور القنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة و كتمان الضر، أو ضعف ما يعتمد عليه في النصر على العدو، و الأول أنسب. و البثّ النّشر و الإظهار، و الهمّ الّذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثّه.. أي يفرّقه. و تقدمة الحجة إعلام الرجل قبل وقت الحاجة قطعا لاعتذاره بالغفلة. و الحاصل، أن استنصاري منكم، و تظلّمي لديكم، و إقامة الحجة عليكم، لم يكن رجاء للعون و المظاهرة بل تسلية للنفس، و تسكينا للغضب، و إتماما للحجة، لئلّا تقولوا يوم القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ. فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب اللّه و شنار الأبد، موصولة ب نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ، فبعين اللّه ما تفعلون وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.. و الحقب بالتحريك حبل يشدّ به الرّحل إلى بطن البعير، يقال احقبت البعير.. أي شددته به، و كلّ ما شدّ في مؤخّر رحل أو قتب فقد احتقب، و منه قيل احتقب فلان الإثم كأنّه جمعه و احتقبه من خلفه، فظهر أن الأنسب في هذا المقام أحقبوها بصيغة الإفعال أي شدوا عليها ذلك و هيئوها للركوب، لكن فيما وصل إلينا من الروايات على بناء الافتعال. و الدّبر بالتحريك الجرح في ظهر البعير، و قيل جرح الدّابة مطلقا. و النّقب بالتحريك رقّة خفّ البعير. و العار الباقي عيب لا يكون في معرض الزوال. و وسمته وسما وسمة إذا أثّرت فيه بسمة و كيّ. و الشّنار العيب و العار. و نار اللّه الموقدة.. المؤجّجة على الدوام. و الاطلاع على الأفئدة.. إشرافها على القلوب بحيث يبلغها ألمها كما يبلغ ظواهر البدن، و قيل معناه أنّ هذه النار تخرج من الباطن إلى الظاهر بخلاف نيران الدنيا. و في الكشف أنّها عليهم موصدة و الموصدة المطبقة. و بعين اللّه ما تفعلون.. أي متلبس بعلم اللّه أعمالكم، و يطلّع عليها كما يعلم أحدكم ما يراه و يبصره، و قيل في قوله تعالى تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أنّ المعنى تجري بأعين أوليائنا من الملائكة و الحفظة. و المنقلب المرجع و المنصرف، و أيّ منصوب على أنّه صفة مصدر محذوف و العامل فيه ينقلبون، لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه، و إنّما يعمل فيه ما بعده، و التقدير سيعلم الذين ظلموا ينقلبون انقلابا أيّ انقلاب. و أنا ابنة نذير لكم.. أي أنا ابنة من أنذركم بعذاب اللّه على ظلمكم، فقد تمّت الحجّة عليكم، و الأمر في اعملوا و انتظروا للتهديد. ]و أما قوله[ و الرائد لا يكذب أهله.. فهو مثل استشهد به في صدق الخبر الذي افتراه على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الرّائد من يتقدّم القوم يبصر لهم الكلأ و مساقط الغيث، جعل نفسه لاحتماله الخلافة التي هي الرئاسة العامّة بمنزلة الرائد للأمّة الذي يجب عليه أن ينصحهم و يخبرهم بالصدق. و المجالدة المضاربة بالسّيوف. و استبدّ فلان بالرّأي.. أي انفرد به و استقلّ. و لا نزوي عنك.. أي لا نقبض و لا نصرف. و لا نوضع من فرعك و أصلك.. أي لا نحطّ درجتك و لا ننكر فضل أصولك و أجدادك و فروعك و أولادك. و ترين من الرّأي بمعنى الاعتقاد. و

 قولها صلوات اللّه عليها سبحان اللّه ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كتاب اللّه صادفا، و لا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره و يقفو سوره، أ فتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور...

الصّادف عن الشّي‏ء المعرض عنه. و الأثر بالتحريك و بالكسر أثر القدم. و القفو الاتّباع. و السور بالضم كلّ مرتفع عال، و منه سور المدينة، و يكون جمع سورة، و هي كلّ منزلة من البناء و منه سورة القرآن، لأنّها منزلة بعد منزلة، و تجمع على سور بفتح الواو. و في العبارة يحتملها، و الضمائر المجرورة تعود إلى اللّه تعالى أو إلى كتابه، و الثاني أظهر. و الاعتلال إبداء العلّة و الاعتذار. و الزّور الكذب. و هذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته.. البغي الطّلب. و الغوائل المهالك و الدّواهي، أشارت عليها السلام بذلك إلى ما دبروا لعنهم اللّه في إهلاك النبي صلّى اللّه عليه و آله و استئصال أهل بيته عليهم السلام في العقبتين و غيرهما ممّا أوردناه في هذا الكتاب متفرقا. هذا كتاب اللّه حكما عدلا، و ناطقا فصلا، يقول يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ و وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ فبيّن عزّ و جلّ فيما وزع عليه من الأقساط، و شرع من الفرائض و الميراث، و أباح من حظّ الذكران و الإناث، ما أزاح علّة المبطلين، و أزال التظنّي و الشبهات في الغابرين، كلّا بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.

أقول سيأتي الكلام في مواريث الأنبياء في باب المطاعن إن شاء اللّه تعالى. و التّوزيع التّقسيم. و القسط بالكسر الحصّة و النّصيب. و الإزاحة الإذهاب و الإبعاد. و التّظنّي إعمال الظّن، و أصله التّظنّن. و الغابر الباقي. و قد يطلق على الماضي. و التّسويل تحسين ما ليس بحسن و تزيينه و تحبيبه إلى الإنسان ليفعله أو يقوله، و قيل هو تقدير معنى في النفس على الطمع في تمامه. فصبر جميل.. أي فصبري جميل، أو الصبر الجميل أولى من الجزع الذي لا يغني شيئا، و قيل إنّما يكون الصبر جميلا إذا قصد به وجه اللّه تعالى، و فعل للوجه الذي وجب، ذكره السيد المرتضى رضي اللّه عنه، و خطابك في قول أبي بكر من المصدر المضاف إلى الفاعل و مراده بما تقلدوا ما أخذ فدك أو الخلافة.. أي أخذت الخلافة بقول المسلمين و اتّفاقهم فلزمني القيام بحدودها التي من جملتها أخذ فدك، للحديث المذكور. و المكابرة المغالبة. و الاستبداد الاستئثار. و الانفراد بالشّي‏ء.

 قولها صلوات اللّه عليها معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها. كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ، ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم و أبصاركم، و لبئس ما تأوّلتم، و ساء به ما أشرتم، و شرّ ما منه اعتضتم..

القيل بمعنى القول و كذا القال. و قيل القول في الخير، و القيل و القال في الشرّ. و قيل القول مصدر و القيل و القال اسمان له. و الإغضاء إدناء الجفون، و أغضى على الشّي‏ء أي سكت و رضي به،

 و روي عن الصادق و الكاظم عليهما السلام في الآية أن المعنى أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ فيقضوا بما عليهم من الحق. و تنكير القلوب لإرادة قلوب هؤلاء و من كان مثلهم من غيرهم.

و الرّين الطّبع، و التّغطية و أصله الغلبة. و التّأوّل و التّأويل التّصيير و الإرجاع و نقل الشّي‏ء عن موضعه، و منه تأويل الألفاظ.. أي نقل اللّفظ عن الظّاهر. و الإشارة الأمر بأحسن الوجوه في أمر. و شرّ كفّر بمعنى ساء. و الاعتياض أخذ العوض و الرّضا به، و المعنى ساء ما أخذتم منه عوضا عمّا تركتم. لتجدنّ و اللّه محمله ثقيلا، و غبّه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء و بأن ما وراءه الضراء، و بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ.. المحمل كمجلس مصدر. و الغبّ بالكسر العاقبة. و الوبال في الأصل الثّقل و المكروه، و يراد به في عرف الشّرع عذاب الآخرة، و العذاب الوبيل الشّديد. و الضراء بالفتح و التّخفيف الشّجر الملتفّ كما مرّ يقال توارى الصّيد منّي في ضراء. و الوراء يكون بمعنى قدّام كما يكون بمعنى خلف و بالأول فسرّ قوله تعالى وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً و يحتمل أن تكون الهاء زيدت من النساخ أو الهمزة، فيكون على الأخير بتشديد الراء من قولهم ورّى الشّي‏ء تورية.. أي أخفاه، و على التقادير فالمعنى و ظهر لكم ما ستره عنكم الضراء. و بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون.. أي ظهر لكم من صنوف العذاب ما لم تكونوا تنتظرونه، و لا تظنّونه واصلا إليكم، و لم يكن في حسبانكم. و المبطل صاحب الباطل من أبطل الرّجل إذا أتى بالباطل.

قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب.إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها و اختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا

 في الكشف ثم التفتت إلى قبر أبيها متمثلة بقول هند ابنة أثاثة.. ثم ذكر الأبيات. و قال في النهاية الهنبثة واحدة الهنابث و هي الأمور الشّداد المختلفة، و الهنبثة الاختلاط في القول و النّون زائدة، و ذكر فيه أنّ فاطمة )ع( قالت بعد موت النّبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ قد كان بعدك أنباء.. إلى آخر البيتين، إلّا أنّه قال فاشهدهم و لا تغب. و الشّهود الحظور. و الخطب بالفتح الأمر الّذي تقع فيه المخاطبة، و الشّأن و الحال. و الوابل المطر الشّديد. و نكب فلان عن الطّريق كنصر و فرح أي.. عدل و مال.

و كلّ أهل له قربى و منزلة عند الإله على الأدنين مقترب

القربى في الأصل القرابة في الرّحم. و المنزلة المرتبة و الدّرجة و لا تجمع. و الأدنين هم الأقربون، و اقترب أي تقارب. و قال في مجمع البيان في اقترب زيادة مبالغة على قرب، كما أنّ في اقتدر زيادة مبالغة على قدر. و يمكن تصحيح تركيب البيت و تأويل معناه على وجوه

الأول و هو الأظهر، أن جملة )له قربى( صفة لأهل، و التنوين في )منزلة( للتعظيم، و الظرفان متعلقان بالمنزلة لما فيها من معنى الزيادة و الرجحان، و )مقترب( خبر لكل، أي ذو القرب الحقيقي، أو عند ذي الأهل، كلّ أهل كانت له مزيّة و زيادة على غيره من الأقربين عند اللّه تعالى.

و الثاني تعلّق الظرفين بقولها )مقترب(، أي كل أهل له قرب و منزلة من ذي الأهل، فهو عند اللّه تعالى مقترب مفضل على سائر الأدنين.

و الثالث تعلّق الظرف الأول ب )المنزلة( و الثاني )بالمقترب(، أي كل أهل اتّصف بالقربى بالرجل و بالمنزلة عند اللّه، فهو مفضّل على من هو أبعد منه.

و الرابع أن يكون جملة )له قربى( خبرا للكل، )و مقترب( خبرا ثانيا، و في الظرفين يجري الاحتمالات السابقة، و المعنى أن كل أهل نبيّ من الأنبياء له قرب و منزلة عند اللّه، و مفضّل على سائر الأقارب عند الأمّة.

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما مضيت و حالت دونك الترب

بدا الأمر بدوّا ظهر، و أبداه أظهره. و النّجوى الاسم من نجوته إذا ساورته، و نجوى صدورهم ما أضمروه في نفوسهم من العداوة و لم يتمكنوا من إظهاره في حياته صلّى اللّه عليه و آله، و في بعض النسخ فحوى صدورهم، و فحوى القول معناه، و المآل واحد. و قال الفيروزآبادي التّرب و التّراب و التّربة.. معروف، و جمع التّراب أتربة و تربان، و لم يسمع لسائرها بجمع، انتهى. فيمكن أن يكون بصيغة المفرد، و التأنيث بتأويل الأرض كما قيل، و الأظهر أنه بضم التاء و فتح الراء جمع تربة، قال في مصباح اللغة التّربة المقبرة، و الجمع ترب مثل غرفة و غرف. و حال الشّي‏ء بيني و بينك.. أي منعني من الوصول إليك. و دون الشّي‏ء قريب منه، يقال دون النهر جماعة.. أي قبل أن تصل إليه. و التّهجّم الاستقبال بالوجه الكريه. و المغتصب على بناء المفعول المغصوب. و المحتجب على بناء الفاعل. و صادفه وجده و لقيه. و الكثب بضمتين جمع كثيب و هو التّلّ من الرّمل. و الرّزء بالضم مهموزا المصيبة بفقد الأعزّة. و رزئنا على بناء المجهول. و الشّجن بالتحريك الحزن. و في القاموس العجم بالضم و بالتحريك خلاف العرب. قوله ثم انكفأت..

أقول وجدت في نسخة قديمة لكشف الغمة منقولة من خطّ المصنف مكتوبا على هامشها بعد إيراد خطبتها صلوات اللّه عليها ما هذا لفظه وجد بخطّ السيد المرتضى علم الهدى الموسوي قدس اللّه روحه أنّه لمّا خرجت فاطمة عليها السلام من عند أبي بكر حين ردّها عن فدك استقبلها أمير المؤمنين عليه السلام فجعلت تعنّفه، ثم قالت اشتملت.. إلى آخر كلامها عليها السلام. و الانكفاء الرّجوع. و توقّعت الشّي‏ء و استوقعته.. أي انتظرت وقوعه. و طلعت على القوم أتيتهم، و تطلّع الطّلوع انتظاره. فلمّا استقرّت بها الدّار.. أي سكنت كأنّها اضطربت و تحركت بخروجها، أو على سبيل القلب، و هذا شائع، يقال استقرّت نوى القوم و استقرّت بهم النّوى.. أي أقاموا. اشتملت شملة الجنين و قعدت حجرة الظنين.. اشتمل بالثّوب.. أي أداره على جسده كلّه، و الشّملة بالفتح كساء يشتمل به، و الشّملة بالكسر هيئة الاشتمال، فالشملة إمّا مفعول مطلق من غير الباب كقوله تعالى نَباتاً أو في الكلام حذف و إيصال. و في رواية السيد مشيمة الجنين.. و هي محلّ الولد في الرّحم، و لعله أظهر. و الجنين الولد ما دام في البطن. و الحجرة بالضم حظيرة الإبل، و منه حجرة الدّار. و الظّنين المتّهم، و المعنى اختفيت عن الناس كالجنين، و قعدت عن طلب الحق، و نزلت منزلة الخائف المتهم. و في رواية السيد الحجرة بالزاء المعجمة، و في بعض النسخ قعدت حجزة الظنين، و قال في النهاية الحجزة موضع شدّ الإزار، ثمّ قيل للإزار حجزة للمجاورة، و في القاموس الحجزة بالضم معقد الإزار.. و من الفرس مركب مؤخّر الصّفاق بالحقو، و قال شدّة الحجزة كناية عن الصّبر. نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل. قوادم الطّير مقاديم ريشه و هي عشر في كلّ جناح، واحدتها قادمة. و الأجدل الصّقر. و الأعزل الّذي لا سلاح معه. قيل لعلّها صلوات اللّه عليها شبّهت الصقر الذي نقضت قوادمه بمن لا سلاح له، و المعنى تركت طلب الخلافة في أوّل الأمر قبل أن يتمكّنوا منها و يشيّدوا أركانها، و ظننت أنّ الناس لا يرون غيرك أهلا للخلافة، و لا يقدّمون عليك أحدا، فكنت كمن يتوقّع الطيران من صقر منقوضة القوادم.

أقول و يحتمل أن يكون المراد أنّك نازلت الأبطال، و خضت الأهوال، و لم تبال بكثرة الرجال حتى نقضت شوكتهم، و اليوم غلبت من هؤلاء الضعفاء و الأرذال، و سلّمت لهم الأمر و لا تنازعهم، و على هذا، الأظهر أنّه كان في الأصل خاتك بالتاء المثناة الفوقانية فصحف، قال الجوهري خات البازي و اختات أي انقضّ.. ليأخذه، و قال الشّاعر

يخوتون أخرى القوم خوت الأجادل ...................

 و الخائتة العقاب إذا انقضّت فسمعت صوت انقضاضها، و الخوات.. دويّ جناح العقاب.. و الخوّات بالتّشديد الرّجل الجري، و في رواية السيّد نفضت بالفاء و هو يؤيّد المعنى الأوّل. هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحيلة أبي، و بلغة ابني، لقد أجهر في خصامي، و ألفيته ألدّ في كلامي... قحافة بضم القاف و تخفيف المهملة. و الابتزاز الاستلاب، و أخذ الشّي‏ء بقهر و غلبة من البّز بمعنى السّلب. و النّحيلة فعيلة بمعنى مفعول من النحلة بالكسر بمعنى الهبة و العطيّة عن طيبة نفس من غير مطالبة أو من غير عوض. و البلغة بالضم ما يتبلّغ به من العيش و يكتفى به، و في أكثر النسخ بليغة بالتصغير بالتصغير في النحيلة أيضا أنسب. و ابني إمّا بتخفيف الياء فالمراد به الجنس، أو تشديدها على التثنية. و إظهار الشّي‏ء إعلانه. و الخصام مصدر كالمخاصمة، و يحتمل أن يكون جمع خصم أي أجهر العداوة أو الكلام لي بين الخصام، و الأول أظهر. و ألفيته.. أي وجدته. و الألدّ شديد الخصومة، و ليس فعلا ماضيا، فإنّ فعله على بناء المجرد، و الإضافة في )كلامي( إما من قبيل الإضافة إلى المخاطب أو إلى المتكلم، و في للظرفية أو السببية. و في رواية السيد هذا بني أبي قحافة.. إلى قوله لقد أجهد في ظلامتي و ألدّ في خصامتي. قال الجزري يقال جهد الرّجل في الأمر إذا جدّ و بالغ فيه، و أجهد دابّته إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها. حتى حبستني قيلة نصرها، و المهاجرة وصلها، و غضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع و لا مانع.. قيلة بالفتح اسم أمّ قديمة لقبيلتي الأنصار، و المراد بنو قيلة. و في رواية السيد حين منعتني الأنصار نصرها.. و موصوف المهاجرة الطائفة أو نحوها، و المراد بوصلها عونها. و الطّرف بالفتح العين. و غضّه خفضه. و في رواية السيد بعد قولها و لا مانع و لا ناصر و لا شافع. خرجت كاظمة و عدت راغمة.. كظم الغيظ تجرّعه و الصّبر عليه. و رغم فلان بالفتح إذا ذلّ، و عجز عن الانتصاف ممّن ظلمه، و الظاهر من الخروج الخروج من البيت و هو لا يناسب كاظمة، إلّا أن يراد بها الامتلاء من الغيظ فإنّه من لوازم الكظم، و يحتمل أن يكون المراد الخروج من المسجد المعبّر عنه ثانيا بالعود، كما قيل. و في رواية السيد مكان عدت رجعت. أضرعت خدّك يوم أضعت حدّك، افترست الذئاب، و افترشت التراب.. ضرع الرّجل مثلثة خضع و ذلّ و أضرعه غيره، و إسناد الضراعة إلى الخذلان أظهر أفرادها وضع الخدّ على التراب، أو لأن الذلّ يظهر في الوجه. و إضاعة الشّي‏ء و تضييعه إهماله و إهلاكه. و حدّ الرّجل بالحاء المهملة بأسه و بطشه، و في بعض النسخ بالجيم.. أي تركت اهتمامك و سعيك. و في رواية السيد فقد أضعت جدك يوم أصرعت خدّك. و فرس الأسد فريسته كضرب و افترسها دقّ عنقها، و يستعمل في كلّ قتل، و يمكن أن يقرأ بصيغة الغائب، فالذئاب مرفوع، و المعنى قعدت عن طلب الخلافة و لزمت الأرض مع أنّك أسد اللّه، و الخلافة كانت فريستك حتى افترسها و أخذها الذئب الغاصب لها، و يحتمل أن يكون بصيغة الخطاب.. أي كنت تفترس الذئاب و اليوم افترشت التراب، و في بعض النسخ الذباب بالباءين الموحدتين جمع ذبابة، فيتعيّن الأول، و في بعضها افترست الذئاب و افترستك الذئاب. و في رواية السيد مكانهما و توسدت الوراء كالوزغ و مسّتك الهناة و النزغ.. و الوراء بمعنى خلف. و الهناة الشّدّة و الفتنة. و النّزغ الطّعن و الفساد. ما كففت قائلا، و لا أغنيت باطلا و لا خيار لي، ليتني متّ قبل هينتي و دون

 زلّتي. الكفّ المنع. و الإغناء الصّرف و الكفّ، يقال أغن عنّي شرّك.. أي أصرفه و كفّه، و به فسّر قوله سبحانه إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً. و في رواية السيد و لا أغنيت طائلا.. و هو أظهر، قال الجوهري يقال هذا أمر لا طائل فيه، إذا لم يكن فيه غناء و مزيّة. فالمراد بالغناء النّفع، و يقال ما يغني عنك هذا.. أي ما يجديك و ما ينفعك. و الهينة بالفتح العادة في الرّفق و السّكون، و يقال امش على هينتك.. أي على رسلك، أي ليتني متّ قبل هذا اليوم الذي لا بدّ لي من الصبر على ظلمهم، و لا محيص لي عن الرفق. و الزلّة بفتح الزاي كما في النسخ الاسم من قولك زللت في طين أو منطق إذا زلقت، و يكون بمعنى السّقطة، و المراد بها عدم القدرة على دفع الظلم، و لو كانت الكلمة بالذال المعجمة كان أظهر و أوضح، كما في رواية السيد، فإنّ فيها وا لهفتاه ليتني متّ قبل ذلّتي، و دون هينتي، عذيري اللّه منك عاديا، و منك حاميا.. العذير بمعنى العاذر كالسميع، أو بمعنى العذر كالأليم. و قولها منك.. أي من أجل الإساءة إليك و إيذائك. و عذيري اللّه.. مرفوعان بالابتدائية و الخبرية. و عاديا.. إمّا من قولهم عدوت فلانا عن الأمر.. أي صرفته عنه، أو من العدوان بمعنى تجاوز الحدّ، و هو حال عن ضمير المخاطب.. أي اللّه يقيم العذر من قبلي في إساءتي إليك حال صرفك المكاره و دفعك الظلم عنّي، أو حال تجاوزك الحدّ في القعود عن نصري.. أي عذري في سوء الأدب أنّك قصّرت في إعانتي و الذبّ عنّي، و الحماية عن الرّجل الدّفع عنه، و يحتمل أن يكون عذيري منصوبا كما هو الشائع في هذه الكلمة، و )اللّه( مجرورا بالقسم، يقال عذيرك من فلان.. أي هات من يعذرك فيه، و منه

 قول أمير المؤمنين عليه السّلام حين نظر إلى ابن ملجم لعنه اللّه

عذيرك من خليلك من مراد

..، و الأول أظهر. ويلاي في كل شارق، مات العمد، و وهت العضد، شكواي إلى أبي و عدواي إلى ربيّ اللهمّ أنت أشدّ قوّة و حولا، و أحدّ بأسا و تنكيلا.. قال الجوهري ويل كلمة مثل ويح، إلّا أنّها كلمة عذاب يقال ويله و ويلك و ويلي، و في النّدبة ويلاه. و لعلّه جمع فيها بين ألف الندبة و ياء المتكلم، و يحتمل أن يكون بصيغة التثنية فيكون مبتدأ و الظرف خبره، و المراد به تكرر الويل. و في رواية السيد ويلاه في كلّ شارق، ويلاه في كلّ غارب، ويلاه مات العمد و ذلّ العضد.. إلى قولها عليها السلام اللهمّ أنت أشدّ قوّة و بطشا. و الشارق الشمس.. أي عند كلّ شروق و طلوع صباح كل يوم. قال الجوهري الشّرق المشرق، و الشّرق الشّمس، يقال طلع الشّرق و لا آتيك ما ذرّ شارق.. و شرقت الشّمس تشرق شروقا و شرقا أيضا أي طلعت، و أشرقت أي.. أضاءت. و العمد بالتحريك و بضمتين جمع العمود، و لعلّ المراد هنا ما يعتمد عليه في الأمور. و الشّكوى الاسم من قولك شكوت فلانا شكاية. و العدوى طلبك إلى وال لينتقم لك ممّن ظلمك. و الحول القوّة و الحيلة و الدّفع و المنع، و الكل هنا محتمل. و البأس العذاب. و التّنكيل العقوبة، و جعل الرّجل نكالا و عبرة لغيره. الويل لشانئك.. أي العذاب، و الشّرّ لمبغضك، و الشناءة البغض. و في رواية السيد لمن أحزنك. و نهنهت الرّجل عن الشّي‏ء فتنهنه.. أي كففته و زجرته فكفّ. و الوجد الغضب. أي امنع نفسك عن غضبك. و في بعض النسخ تنهنهي، و هو أظهر. و الصّفوة مثلثة خلاصة الشّي‏ء و خياره. و الونى كفتى الضّعف و الفتور و الكلال، و الفعل كوقى يقي.. أي ما عجزت عن القيام بما أمرني به ربّي و ما تركت ما دخل تحت قدرتي. و البلغة بالضم ما يتبلّغ به من العيش. و الضامن و الكفيل للرزق هو اللّه تعالى، و ما أعدّ لها هو ثواب الآخرة. و الاحتساب الاعتداد، و يقال لمن ينوي بعمله وجه اللّه تعالى احتسبه.. أي اصبري و ادّخري ثوابه عند اللّه تعالى. و في رواية السيد

 فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام لا ويل لك بل الويل لمن أحزنك، نهنهي عن وجدك يا بنية الصفوة، و بقية النبوّة، فما ونيت عن حظّك، و لا أخطأت فقد ترين مقدرتي، فإن ترزئي حقّك فرزقك مضمون، و كفيلك مأمون، و ما عند اللّه خير لك ممّا قطع عنك. فرفعت يدها الكريمة فقالت رضيت و سلّمت.

قال في القاموس رزأه ماله كجعله و عمله رزأ بالضمّ أصاب منه شيئا.. أقول روى الشيخ كلامها الأخير مع جوابه قريبا ممّا رواه السيد، و لنذكره بسنده

 قال أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذان، عن محمد بن علي بن المفضل، عن محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن الحسين الزيات، عن أحمد بن محمد، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال لمّا انصرفت فاطمة عليها السلام من عند أبي بكر أقبلت على أمير المؤمنين عليه السلام. فقالت له يا ابن أبي طالب اشتملت مشيمة الجنين، و قعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحيلة أبي و بليغة ابني، و اللّه لقد أجدّ في ظلامتي، و ألدّ في خصامي، حتّى منعتني قيلة نصرها، و المهاجرة وصلها، و غضّت الجماعة دوني طرفها، فلا مانع و لا دافع، خرجت و اللّه كاظمة، و عدت راغمة، و ليتني لا خيار لي، ليتني متّ قبل ذلك متّ قبل ذلّتي و توفّيت قبل منيّتي عذيري فيك اللّه حاميا، و منك عاديا، ويلاه في كلّ شارق ويلاه مات المعتمد و وهن العضد شكواي إلى ربّي، و عدواي إلى أبي، اللّهمّ أنت أشدّ قوّة. فأجابها أمير المؤمنين عليه السلام لا ويل لك، بل الويل لشانئك، نهنهي من غربك يا بنت الصفوة و بقيّة النبوة، فو اللّه ما ونيت في ديني، و لا أخطأت مقدوري، فإن كنت ترزءين البلغة فرزقك مضمون، و لعيلتك مأمون، و ما أعدّ لك خير ممّا قطع عنك، فاحتسبي. فقالت حسبي اللّه وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

و لندفع الإشكال الّذي قلّما لا يخطر بالبال عند سماع هذا الجواب و السؤال، و هو أنّ اعتراض فاطمة عليها السلام على أمير المؤمنين عليه السلام في ترك التعرّض للخلافة، و عدم نصرتها، و تخطئته فيهما مع علمها بإمامته، و وجوب اتّباعه و عصمته، و أنّه لم يفعل شيئا إلّا بأمره تعالى و وصيّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله ممّا ينافي عصمتها و جلالتها.

فأقول يمكن أن يجاب عنه بأنّ هذه الكلمات صدرت منها عليها السلام لبعض المصالح، و لم تكن واقعا منكرة لما فعله، بل كانت راضية، و إنّما كان غرضها أن يتبيّن للناس قبح أعمالهم و شناعة أفعالهم، و أنّ سكوته عليه السلام ليس لرضاه بما أتوا به. و مثل هذا كثيرا ما يقع في العادات و المحاورات، كما أنّ ملكا يعاتب بعض خواصّه في أمر بعض الرعايا، مع علمه ببراءته من جنايتهم، ليظهر لهم عظم جرمهم، و أنّه ممّا استوجب به أخصّ الناس بالملك منه المعاتبة. و نظير ذلك ما فعله موسى عليه السلام لمّا رجع إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً من إلقائه الألواح، و أخذه برأس أخيه يجرّه إليه و لم يكن غرضه الإنكار على هارون، بل أراد بذلك أن يعرّف القوم عظم جنايتهم، و شدّة جرمهم، كما مرّ الكلام فيه. و أمّا حمله على أنّ شدّة الغضب و الأسف و الغيظ حملتها على ذلك مع علمها بحقّية ما ارتكبه عليه السلام فلا ينفع في دفع الفساد، و ينافي عصمتها و جلالتها الّتي عجزت عن إدراكها أحلام العباد. بقي هاهنا إشكال آخر، و هو أنّ طلب الحقّ و المبالغة فيه و إن لم يكن منافيا للعصمة، لكن زهدها صلوات اللّه عليها، و تركها للدنيا، و عدم اعتدادها بنعيمها و لذّاتها، و كمال عرفانها و يقينها بفناء الدنيا، و توجّه نفسها القدسية، و انصراف همّتها العالية دائما إلى اللذات المعنوية و الدرجات الأخروية، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك، و الخروج إلى مجمع الناس، و المنازعة مع المنافقين في تحصيله. و الجواب عنه من وجهين

الأول أنّ ذلك لم يكن حقّا مخصوصا لها، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه، فلم يكن يجوز لها المداهنة و المساهلة و المحاباة و عدم المبالاة في ذلك، ليصير سببا لتضييع حقوق جماعة من الأئمّة الأعلام و الأشراف الكرام نعم لو كان مختصّا بها كان لها تركه و الزهد فيه و عدم التأثر من فوته.

الثاني أنّ تلك الأمور لم تكن لمحبّة فدك و حبّ الدنيا، بل كان الغرض إظهار ظلمهم و جورهم و كفرهم و نفاقهم، و هذا كان من أهمّ أمور الدين و أعظم الحقوق على المسلمين. و يؤيّده أنّها صلوات اللّه عليها صرّحت في آخر الكلام حيث قالت قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة.. و كفى بهذه الخطبة بيّنة على كفرهم و نفاقهم. و نشيّد ذلك بإيراد رواية بعض المخالفين في ذلك

 روى ابن أبي الحديد في سياق أخبار فدك عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري أنّ أبا بكر لمّا سمع خطبة فاطمة عليها السلام في فدك شقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر فقال أيّها الناس ما هذه الرعة إلى كلّ قالة أين كانت هذه الأماني في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ألا من سمع فليقل، و من شهد فليتكلّم، إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه، مربّ بكلّ فتنة، هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت، تستعينون بالضعفة و تستنصرون بالنساء، كأمّ طحال أحبّ أهلها إليها البغي. ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إنّي ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال قد بلغني يا معاشر الأنصار مقالة سفهائكم، و أحقّ من لزم عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أنتم، فقد جاءكم فآويتم و نصرتم، ألا و إنّي لست باسطا يدا و لسانا على من لم يستحقّ ذلك منّا.. ثم نزل. فانصرفت فاطمة عليها السلام إلى منزلها.

ثم قال ابن أبي الحديد قرأت هذا الكلام على النقيب يحيى بن أبي زيد البصريّ. فقلت له بمن يعرّض. فقال بل يصرّح. قلت لو صرّح لم أسألك. فضحك و قال بعليّ بن أبي طالب عليه السلام. قلت أ هذا الكلام كلّه لعليّ عليه السلام. قال نعم إنّه الملك يا بنيّ. قلت فما مقالة الأنصار. قال هتفوا بذكر عليّ فخاف من اضطراب الأمر عليه فنهاهم. فسألته عن غريبه. فقال ما هذه الرعة بالتخفيف أي الاستماع و الإصغاء. و القالة القول. و ثعالة اسم للثعلب علم غير مصروف، مثل ذؤالة للذئب. و شهيده ذنبه.. أي لا شاهد على ما يدّعي إلّا بعضه و جزء منه، و أصله مثل، قالوا إنّ الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب، فقال إنّه أكل الشاة الّتي أعددتها لنفسك، قال فمن يشهد لك بذلك فرفع ذنبه و عليه دم، و كان الأسد قد افتقد الشاة، فقبل شهادته و قتل الذئب. و مربّ ملازم، أربّ، لازم بالمكان. و كرّوها جذعة أعيدوها إلى الحال الأولى، يعني الفتنة و الهرج. و أمّ طحال امرأة بغي في الجاهلية، فضرب بها المثل، يقال أزنى من أمّ طحال، انتهى.

أقول الرعة بالراء كما في نسخ الشرح، بمعنى الاستماع، لم نجده في كلام اللغويين، و يمكن أن يكون بالدال المهملة بمعنى السكون، و يكون الغلط من النسّاخ، و يكون تفسير النقيب بيانا لحاصل المعنى.

 و روى أيضا عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن هشام بن محمد، عن أبيه قال قالت فاطمة عليها السلام لأبي بكر إنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني فدك. فقال لها يا بنت رسول اللّه، و اللّه ما خلق اللّه خلقا أحبّ إليّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه أبيك، و لوددت أنّ السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، و اللّه لأن تفتقر عائشة أحبّ إليّ من أن تفتقري، أ تراني أعطي الأسود و الأحمر حقّه و أظلمك حقّك و أنت بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ هذا المال لم يكن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما كان من أموال المسلمين يحمل النبيّ به الرجال و ينفقه في سبيل اللّه، فلمّا توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وليته كما كان يليه. قالت و اللّه لا كلّمتك أبدا. قال و اللّه لا هجرتك أبدا. قالت و اللّه لأدعونّ اللّه عليك. قال و اللّه لأدعون اللّه لك. فلمّا حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلّي عليها، فدفنت ليلا، و صلّى عليها العباس بن عبد المطلب، و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة.

و من رواياتهم الصحيحة الصريحة في أنّها صلوات اللّه عليها استمرّت على الغضب حتى ماتت ما رواه

 مسلم و أبو داود في صحاحهما، و أورده في جامع الأصول في الفصل الثالث من كتاب المواريث في حرف الفاء، عن عائشة قالت إنّ فاطمة )ع( بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سألت أبا بكر الصدّيق بعد وفاة رسول اللّه )ص( أن يقسّم لها ميراثها ممّا ترك رسول اللّه )ص( ممّا أفاء اللّه عليه. فقال لها أبو بكر إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لا نورث، ما تركناه صدقة. فغضبت فاطمة فهجرته، فلم تزل بذلك حتى توفيّت، و عاشت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ستة أشهر إلّا ليالي. و كانت تسأله أن يقسّم لها نصيبها ممّا أفاء اللّه على رسوله من خيبر و فدك، و من صدقته بالمدينة. فقال أبو بكر لست بالّذي أقسّم من ذلك، و لست تاركا شيئا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعمل به فيها إلّا عملته، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. ثم فعل ذلك عمر، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ و العباس، و أمسك خيبر و فدك، و قال هما صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كانتا لحقوقه و نوائبه، و أمرهما إلى من ولي الأمر. قال فهما على ذلك إلى اليوم.

و قال في جامع الأصول أخرجه مسلم، و لم يخرج منه البخاري إلّا قوله إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا نورث، ما تركناه صدقة. و لقلّة ما أخرج منه لم تعلم له علامة، و أخرج أبو داود نحو مسلم، انتهى.

تبيين اعلم أنّ المخالفين في صحاحهم رووا أخبارا كثيرة في أنّ من خالف الإمام، و خرج من طاعته، و فارق الجماعة، و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة.

 روى في جامع الأصول من صحيح مسلم و النسائي، عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ من خرج من الطاعة و فارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة.

 و روى البخاري و مسلم في صحيحهما، و روى في جامع الأصول أيضا عنهما، عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنّه من خرج من طاعة السلطان شبرا مات ميتة جاهليّة.

 و في رواية أخرى فليصبر عليه، فإنّه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهليّة.

 و روى مسلم في صحيحه و ذكره في جامع الأصول أيضا، عن نافع قال لمّا خلعوا يزيد و اجتمعوا على ابن مطيع أتاه ابن عمر، فقال عبد اللّه اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال له عبد اللّه بن عمر إنّي لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[، يقول من خلع يدا من طاعة لقي اللّه يوم القيامة و لا حجّة له، و من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة.

و أمّا من طرق أصحابنا فالأخبار فيه أكثر من أن تحصى، و ستأتي في مضانّها. فنقول لا أظنّك ترتاب بعد ما أسلفناه من الروايات المنقولة من طريق المخالف و المؤالف في أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها كانت ساخطة عليهم، حاكمة بكفرهم و ضلالهم، غير مذعنة بإمامتهم و لا مطيعة لهم، و أنّها قد استمرّت على تلك الحالة حتّى سبقت إلى كرامة اللّه و رضوانه. فمن قال بإمامة أبي بكر لا محيص له عن القول بأنّ سيّدة نساء العالمين و من طهّرها اللّه في كتابه من كلّ رجس، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في فضلها ما قال، قد ماتت ميتة جاهليّة و ميتة كفر و ضلال و نفاق. و لا أظنّ ملحدا و زنديقا رضي بهذا القول الشنيع. و من الغرائب أنّ المخالفين لمّا اضطرّوا و انسدّت عليهم الطرق، لجئوا إلى منع دوام سخطها عليها السلام على أبي بكر، مع روايتهم تلك الأخبار في كتبهم المعتبرة. و

 روايتهم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يبايع أبا بكر في حياة فاطمة عليها السلام، و لا بايعه أحد من بني هاشم إلّا بعد موتها، و أنّه كان لعليّ عليه السلام وجه في الناس حياة فاطمة عليها السلام، فلمّا توفيّت انصرفت وجوه الناس عن عليّ عليه السلام، فلمّا رأى ذلك ضرع إلى مصالحة أبي بكر، روى ذلك مسلم في صحيحه، و ذكره في جامع الأصول في الباب الثاني من كتاب الخلافة في حرف الخاء.

و لا يخفى وهن هذا القول بعد ملاحظة ما تقدّم على ذي مسكة.

 فصل في الكلام على ما يستفاد من أخبار الباب و التنبيه على ما ينتفع به طالب الحقّ و الصواب

و هو مشتمل على فوائد

الأولى

نقول لا شكّ في عصمة فاطمة عليها السلام، أمّا عندنا فللإجماع القطعي المتواتر، و الأخبار المتواترة الآتية في أبواب مناقبها عليها السلام، و أمّا الحجّة على المخالفين فبآية التطهير الدالة على عصمتها، و سيأتي إثبات نزول الآية في جماعة كانت داخلة فيهم، و دلالة الآية على العصمة في المجلد التاسع، و بالأخبار المتواترة الدالّة على أنّ إيذاءها إيذاء الرسول صلوات اللّه عليهما، و أنّ اللّه تعالى يغضب لغضبها و يرضى لرضاها، و سيأتي في أبواب فضائلها صلوات اللّه عليها، و لنذكر هنا بعض ما رواه المخالفون في ذلك، فمنها

 ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقبها عليها السلام عن المسور بن مخرمة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.

 و روى أيضا في أبواب النكاح عن المسور بن مخرمة قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول و هو على المنبر إنّ بني هاشم بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم. إلّا أن يريد عليّ بن أبي طالب )ع( أن يطلق ابنتي و ينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة منّي، يريبني ما رابها و يؤذيني من آذاها.

 و قد روى الخبرين مسلم في صحيحه، و روى مسلم و البخاري أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قال إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها.

 و روى الترمذي في صحيحه عن ابن الزبير، قال إنّ عليّا )ع( ذكر بنت أبي جهل فبلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها.

و قد ذكر الروايات المذكورة ابن الأثير في جامع الأصول، مع روايات أخرى تؤيّدها.

 و روى في المشكاة عن المسوّر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قال فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني. قال و في رواية يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها.

ثم قال متّفق عليه. و روى ابن شهرآشوب في المناقب، و السيّد في الطرائف، و ابن بطريق في العمدة و المستدرك، و عليّ بن عيسى في كشف الغمّة و غيرهم أخبارا كثيرة في هذا المعنى من أصول المخالفين أوردتها في أبواب فضائلها. و وجه الاستدلال بها على عصمتها صلوات اللّه عليها أنّه إذا كانت فاطمة عليها السلام ممّن تقارف الذنوب و ترتكبها لجاز إيذاؤها، بل إقامة الحدّ عليها لو فعلت معصية أو ارتكبت ما يوجب حدّا، و لم يكن رضاها رضى للّه سبحانه إذا رضيت بالمعصية، و لا من سرّها في معصية سارّا للّه سبحانه و من أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضبا له جلّ شأنه.

فإن قيل لعلّ المراد من آذاها ظلما فقد آذاني، و من سرّها في طاعة اللّه فقد سرّني.. و أمثال ذلك، لشيوع التخصيص في العمومات.

قلنا أوّلا التخصيص خلاف الأصل، و لا يصار إليه إلّا بدليل، فمن أراد التخصيص فعليه إقامة الدليل.

و ثانيا أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين لم تثبت لها خصوصيّة و مزيّة في تلك الأخبار، و لا كان فيها لها تشريف و مدحة، و ذلك باطل بوجوه

الأوّل أنّه لا معنى حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسول على كونها بضعة منه، كما مرّ فيما صحّحه البخاري و مسلم من الروايات و غيرها.

الثاني أنّ كثيرا من الأخبار السالفة المتضمّنة لإنكاره صلّى اللّه عليه و آله على بني هاشم في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام أو إنكاح بنت أبي جهل ليس من المشتركات بين المسلمين، فإنّ ذلك النكاح كان ممّا أباحه اللّه سبحانه، بل ممّا رغّب فيه و حثّ عليه لو لا كونه إيذاء لسيّدة النساء، و قد علّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عدم الإذن كونها بضعة منه يؤذيه ما آذاها و يريبه ما يريبها، فظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين.

الثالث أنّ القول بذلك يوجب إلقاء كلامه صلّى اللّه عليه و آله و خلوّه عن الفائدة، إذ مدلوله حينئذ أنّ بضعته كسائر المسلمين، و لا يقول ذلك من أوتي حظّا من الفهم و الفطانة، أو اتّصف بشي‏ء من الإنصاف و الأمانة، و قد أطبق محدّثوهم على إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات اللّه عليها.

فإن قيل أقصى ما يدلّ عليه الأخبار هو أنّ إيذاءها إيذاء للرسول صلّى اللّه عليه و آله، و من جوّز صدور الذنب عنه صلّى اللّه عليه و آله لا يأبى عن إيذائه إذا فعل ما يستحقّ به الإيذاء.

قلنا بعد ما مرّ من الدلائل على عصمة الأنبياء عليهم السلام، قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، و قال سبحانه وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً، فالقول بجواز إيذائه صلّى اللّه عليه و آله ردّ لصريح القرآن، و لا يرضى به أحد من أهل الإيمان.

فإن قيل إنّما دلّت الأخبار على عدم جواز إيذائها، و هو إنّما ينافي صدور ذنب عنها يمكن للناس الاطلاع عليه حتى يؤذيها نهيا عن المنكر، و لا ينافي صدور معصية عنها خفية فلا يدلّ على عصمتها مطلقا.

قلنا نتمسّك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركّب على أنّ ما جرى في قصّة فدك و صدر عنها من الإنكار على أبي بكر، و مجاهرتها بالحكم بكفره و كفر طائفة من الصحابة و فسقهم تصريحا و تلويحا، و تظلّمها و غضبها على أبي بكر و هجرتها و ترك كلامها حتى ماتت لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أعلنت بها على رءوس الأشهاد، و أيّ ذنب أظهر و أفحش من مثل هذا الردّ و الإنكار على الخليفة المفترض الطاعة على العالمين بزعمهم، فلا محيص لهم عن القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمى تحرّزا عن إسناد هذه المعصية الكبرى إلى سيّدة النساء. و نحتجّ أيضا في عصمتها صلوات اللّه عليها بالأخبار الدالّة على وجوب التمسّك بأهل البيت عليهم السلام، و عدم جواز التخلّف عنهم، و ما يقرب من هذا المعنى، و لا ريب في أنّ ذلك لا يكون ثابتا لأحد إلّا إذا كان معصوما، إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لما جاز اتّباعه عند ارتكابها، بل يجب ردعه و منعه و إيذاؤه، و إقامة الحدّ عليه، و إنكاره بالقلب و اللسان، و كلّ ذلك ينافي ما حثّ عليه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أوصى به الأمّة في شأنهم، و سيأتي من الأخبار في ذلك ما يتجاوز حدّ التواتر، و لنذكر فيها قليلا ممّا أورده المخالفون في صحاحهم

 روى في جامع الأصول عن الترمذي ممّا رواه في صحيحة عن جابر ابن عبد اللّه الأنصاري قال رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع يوم عرفة و هو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي.

 و روى أيضا، عن الترمذي، عن زيد بن أرقم قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، أحدهما أعظم من الآخر، و هو كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما.

 و روى في المشكاة عن أبي ذرّ أنّه قال و هو آخذ بباب الكعبة سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ يقول ألا أنّ مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها هلك.

 و روى في جامع الأصول و المشكاة من صحيح الترمذي، عن زيد بن أرقم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أنا حرب لمن حاربتم و سلم لمن سالمتم.

 و روى البخاري و مسلم في صحيحهما، و أحمد في مسنده عن ابن عباس قال لمّا نزل قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا يا رسول اللّه من قرابتك الذين وجب علينا مودّتهم، قال عليّ و فاطمة و ابناهما....

 و سيأتي من الأخبار في ذلك ما يشبعك و يغنيك، و فيما ذكرنا كفاية للمنصف إن لم يكن يكفيك.

الثانية

في بيان ما يدلّ على كونها صلوات اللّه عليها محقّة في دعوى فدك، مع قطع النظر عن عصمتها، فنقول لا ريب على من له أدنى تتبّع في الآثار، و تنزّل قليلا عن درجة التعصّب و الإنكار في أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يرى فدكا حقّا لفاطمة عليها السلام، و قد اعترف بذلك جلّ أهل الخلاف، و رووا أنّه عليه السلام شهد لها، و لذلك تراهم يجيبون تارة بعدم قبول شهادة الزوج، و تارة بأنّ أبا بكر لم يمض شهادة عليّ عليه السلام و شهادة أمّ أيمن لقصورها عن نصاب الشهادة، و قد ثبت بالأخبار المتظافرة عند الفريقين أنّ عليّا عليه السلام لا يفارق الحقّ و الحقّ لا يفارقه، بل يدور معه حيث ما دار، و قد اعترف ابن أبي الحديد بصحّة هذا الخبر.

 و روى ابن بطريق عن السمعاني في كتاب فضائل الصحابة بإسناده عن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ يقول عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

 و روى ابن شيرويه الديلمي في الفردوس، بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ رحم اللّه عليّا، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار.

و قد روى عليّ بن عيسى في كشف الغمّة، و ابن شهر آشوب في المناقب، و ابن بطريق في المستدرك و العمدة، و العلّامة رحمه اللّه في كشف الحقّ.. و غيرهم في غيرها أخبارا كثيرة من كتب المخالفين في ذلك، و سنوردها بأسانيدها في المجلد التاسع. فهل يشكّ عاقل في حقيّة دعوى كان المدّعي فيها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الآخرين باتّفاق المخالفين و المؤالفين، و الشاهد لها أمير المؤمنين الذي

 قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه إنّ الحقّ لا يفارقه، و إنّه الفاروق بين الحقّ و الباطل، و إنّ من اتّبعه اتّبع الحقّ و من تركه ترك الحقّ

و.. غير ذلك ممّا سيأتي في أبواب فضائله و مناقبه عليه السلام. و أمّا فضائل فاطمة عليها السلام فتأتي الأخبار المتواترة من الجانبين في المجلد التاسع و المجلد العاشر.

 و روى في جامع الأصول من صحيح الترمذي، عن أنس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، و خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمّد، و آسية امرأة فرعون.

 و روى البخاري و مسلم و الترمذي و أبو داود في صحاحهم على ما رواه في جامع الأصول في حديث طويل قال في آخره قال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لفاطمة عليها السلام يا فاطمة أ ما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء الأمّة.

 و في رواية أخرى رواها البخاري و مسلم أ ما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة و أنّك أوّل أهلي لحوقا بي.

 و روى ابن عبد البرّ في الإستيعاب في ترجمة خديجة عليها السلام عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران، و ابنة مزاحم امرأة فرعون، و خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

 و عن ابن عباس إنّهنّ أفضل نساء أهل الجنّة.

 و عن أنس إنّهنّ خير نساء العالمين.

 و عن ابن عباس قال خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الأرض أربعة خطوط ثم قال أ تدرون ما هذا قالوا اللّه و رسوله أعلم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمّد )ص(، و مريم بنت عمران، و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون.

 و روى في ترجمة فاطمة عليها السلام بالإسناد عن عمران بن حصين أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عاد فاطمة رضي اللّه عنها و هي مريضة فقال لها كيف تجدينك يا بنيّة قالت إنّي لوجعة، و إنّي ليزيدني أنّي ما لي طعام آكله، قال يا بنيّة أ لا ترضين أنّك سيّدة نساء العالمين فقالت يا أبه فأين مريم بنت عمران قال تلك سيّدة نساء عالمها، و أنت سيّدة نساء عالمك، أما و اللّه لقد زوّجتك سيّدا في الدنيا و الآخرة.

 و قال البخاري في عنوان باب مناقب قرابة الرسول صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أنّه قال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة.

 و روى من طريق أصحابنا الكراجكي في كنز الفوائد، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن شاذان، عن أبيه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن محمد بن زياد، عن المفضّل بن عمر، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قال جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي و يغصبها حقّها و يقتلها، ثم قال يا فاطمة أبشري فلك عند اللّه مقام محمود تشفعين فيه لمحبّيك و شيعتك فتشفعين، يا فاطمة لو أنّ كلّ نبيّ بعثه اللّه و كلّ ملك قرّبه شفعوا في كلّ مبغض لك غاصب لك ما أخرجه اللّه من النار أبدا.

الثالثة

في أنّ فدكا كانت نحلة لفاطمة عليها السلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ أبا بكر ظلمها بمنعها. قال أصحابنا رضوان اللّه عليهم كانت فدك ممّا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ بعد فتح خيبر، فكانت خاصّة له صلّى اللّه عليه و آله إذ لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و قد وهبها لفاطمة صلوات اللّه عليها و تصرّف فيها وكلاؤها و نوابها، فلما غصب أبو بكر الخلافة انتزعها، فجاءته فاطمة عليها السلام مستعدية فطالبها بالبيّنة فجاءت بعليّ و الحسنين صلوات اللّه عليهم و أمّ أيمن المشهود لها بالجنّة، فردّ شهادة أهل البيت عليهم السلام بجرّ النفع، و شهادة أمّ أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة، ثم ادّعتها على وجه الميراث فردّ عليها بما مرّ و سيأتي، فغضبت عليه و على عمر فهجرتهما، و أوصت بدفنها ليلا لئلّا يصلّيا عليها، فأسخطا بذلك ربّهما و رسوله و استحقّا أليم النكال و شديد الوبال، ثم لمّا انتهت الإمارة إلى عمر ابن عبد العزيز ردّها على بني فاطمة عليها السلام، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبد الملك، ثم دفعها السفّاح إلى الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، ثم أخذها المنصور، ثم أعادها المهديّ، ثم قبضها الهادي، ثم ردّها المأمون لمّا جاءه رسول بني فاطمة فنصب وكيلا من قبلهم و جلس محاكما فردّها عليهم، و في ذلك يقول دعبل الخزاعي

أصبح وجه الزمان قد ضحكا بردّ مأمون هاشما فدكا

 و لنبيّن خطأ أبي بكر في تلك القضية مع وضوحها بوجوه أمّا أنّ فدكا كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فممّا لا نزاع فيه، و قد أوردنا من رواياتنا و أخبارنا لمخالفين ما فيه كفاية، و نزيده وضوحا بما رواه في

 جامع الأصول ممّا أخرجه من صحيح أبي داود عن عمر قال إنّ أموال بني النضير ممّا أفاء اللّه على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب، فكانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ خاصّة قرى عرينة و فدك و كذا و كذا.. ينفق على أهله منها نفقة سنتهم، ثم يجعل ما بقي في السلاح و الكراع عدّة في سبيل اللّه، و تلا ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ... الآية.

 و روى أيضا عن مالك بن أوس قال كان فيما احتجّ عمر أن قال كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ ثلاث صفايا بنو النضير و خيبر و فدك..

إلى آخر الخبر. و روى ابن أبي الحديد في شرح كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عثمان بن حنيف، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال حدّثني أبو إسحاق عن الزهري قال بقيت بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحقن دماءهم و يسيّرهم، ففعل ذلك، فسمع أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، فكانت للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله خاصّة، لأنّه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. قال و قال أبو بكر و روى محمد بن إسحاق أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا فرغ من خيبر قذف اللّه الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصالحونه على النّصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق أو بعد ما قدم المدينة فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خاصّة لأنّه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. قال و قد روي أنّه صالحهم عليها كلّها، و اللّه أعلم أيّ الأمرين كان،

انتهى. و سيأتي اعتراف عمر بذلك في تنازع عليّ عليه السلام و العباس. و أمّا أنّه وهبها لفاطمة عليها السلام، فلأنّه لا خلاف في أنّها صلوات اللّه عليها ادّعت النحلة مع عصمتها الثابتة بالأدلّة المتقدّمة، و شهد له من ثبتت عصمته بالأدلّة الماضية و الآتية، و المعصوم لا يدّعي إلّا الحقّ، و لا يشهد إلّا بالحقّ، و يدور الحقّ معه حيثما دار. و أمّا أنّها كانت في يدها صلوات اللّه عليها فلأنّها ادّعتها بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على وجه الاستحقاق، و شهد المعصوم بذلك لها، فإن كانت الهبة قبل الموت تبطل بموت الواهب كما هو المشهور ثبت القبض، و إلّا فلا حاجة إليه في إثبات المدّعى، و قد مرّ من الأخبار الدالّة على نحلتها، و أنّها كانت في يدها عليها السلام ما يزيد على كفاية المصنف، بل يسدّ طريق إنكار المتعسّف. و يدلّ على أنّها كانت في يدها صلوات اللّه عليها ما ذكر

 أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف حيث قال بلى كانت في أيدينا فدك، من كلّ ما أظلّته السّماء، فشحّت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين، و نعم الحكم اللّه.

و أمّا أنّ أبا بكر و عمر أغضبا فاطمة عليها السلام، فقد اتّضح بالأخبار المتقدّمة. ثم اعلم أنّا لم نجد أحدا من المخالفين أنكر كون فدك خالصة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حياته، و لا أحدا من الأصحاب طعن على أبي بكر بإنكاره ذلك، إلّا ما تفطّن به بعض الأفاضل من الأشارف، مع أنّه يظهر من كثير من أخبار المؤالف و المخالف ذلك، و قد تقدّم ما رواه ابن أبي الحديد في ذلك عن أحمد ابن عبد العزيز الجوهري و غيرها من الأخبار، و لا يخفى أنّ ذلك يتضمّن إنكار الآية و إجماع المسلمين، إذ القائل بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصرف شيئا من غلّة فدك و غيرها من الصفايا في بعض مصالح المسلمين لم يقل بأنّها لم تكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، بل قال بأنّه فعل ذلك على وجه التفضّل و ابتغاء مرضاة اللّه تعالى، و ظاهر الحال أنّه أنكر ذلك دفعا لصحّة النحلة، فكيف كان يسمع الشهود على النحلة مع ادّعائه أنّها كانت من أموال المسلمين. و اعتذر المخالفون من قبل أبي بكر بوجوه سخيفة...

الأوّل منع عصمتها صلوات اللّه عليها، و قد تقدّمت الدلائل المثبتة لها.

الثاني أنّه لو سلّم عصمتها فليس للحاكم أن يحكم بمجرّد دعواها و إن تيقّن صدقها. و أجاب أصحابنا بالأدلّة الدالّة على أنّ الحاكم يحكم بعلمه. و أيضا اتّفقت الخاصّة و العامّة على رواية قصّة خزيمة بن ثابت و تسميته بذي الشهادتين لما شهد للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله بدعواه، و لو كان المعصوم كغيره لما جاز للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبول شاهد واحد و الحكم لنفسه، بل كان يجب عليه الترافع إلى غيره.

 و قد روى أصحابنا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطّأ شريحا في طلب البيّنة منه، و قال إنّ إمام المسلمين يؤتمن من أمورهم على ما هو أعظم من ذلك، و أخذ ما ادّعاه من درع طلحة بغير حكم شريح،

و المخالفون حرّفوا هذا الخبر و جعلوه حجّة لهم. و اعتذروا بوجوه أخرى سخيفة لا يخفى على عاقل بعد ما أوردنا في تلك الفصول ضعفها و وهنها، فلا نطيل الكلام بذكرها.

الرابعة

في توضيح بطلان ما ادّعاه أبو بكر من عدم توريث الأنبياء عليهم السلام

استدلّ أصحابنا على بطلان ذلك بآي من القرآن

 الأولى

قوله تعالى مخبرا عن زكريّا عليه السلام وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا. قوله تعالى »وليّا« أي ولدا يكون أولى بميراثي، و ليس المراد بالولي من يقوم مقامه، ولدا كان أو غيره، لقوله تعالى حكاية عن زكريّا رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً. و قوله رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى. و القرآن يفسّر بعضه بعضا. و اختلف المفسّرون في أنّ المراد بالميراث العلم أو المال. فقال ابن عباس و الحسن و الضحّاك أنّ المراد به في قوله تعالى » يَرِثُنِي..« و قوله سبحانه وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ.. ميراث المال، و قال أبو صالح المراد به في الموضعين ميراث النبوّة. و قال السدّي و مجاهد و الشعبي المراد به في الأوّل ميراث المال و في الثاني ميراث النبوّة، و حكي هذا القول عن ابن عباس و الحسن و الضحّاك، و حكي عن مجاهد أنّه قال المراد من الأوّل العلم و من الثاني النبوّة. و أمّا وجه دلالة الآية على المراد، فهو أنّ لفظ الميراث في اللغة و الشريعة و العرف إذا أطلق و لم يقيّد لا يفهم منه إلّا الأموال و ما في معناها و لا يستعمل في غيرها إلّا مجازا، و كذا لا يفهم من قول القائل لا وارث لفلان إلّا من ينتقل إليه أمواله و ما يضاهيها دون العلوم و ما يشاكلها، و لا يجوز العدول عن ظاهر اللفظ و حقيقته إلّا لدليل، فلو لم يكن في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ على أحد المعنيين لكفى في مطلوبنا، كيف و القرائن الدالّة على المقصود موجودة في اللفظ.

أمّا أوّلا فلأنّ زكريّا عليه السلام اشترط في وارثه أن يكون رضيّا، و إذا حمل الميراث على العلم و النبوّة لم يكن لهذا الاشتراط معنى، بل كان لغوا عبثا، لأنّه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم و النبوّة فقد دخل في سؤاله الرضا و ما هو أعظم منه فلا معنى لاشتراطه، أ لا ترى أنّه لا يحسن أن يقول أحد اللّهمّ ابعث إلينا نبيّا و اجعله مكلّفا عاقلا.

و أمّا ثانيا فلأنّ الخوف من بني العم و من يحذو حذوهم يناسب المال دون النبوّة و العلم، و كيف يخاف مثل زكريّا عليه السلام من أن يبعث اللّه تعالى إلى خلقه نبيّا يقيمه مقام زكريّا و لم يكن أهلا للنبوّة و العلم، سواء كان من موالي زكريّا أو من غيرهم، على أنّ زكريّا عليه السلام كان إنّما بعث لإذاعة العلم و نشره في الناس فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته.

فإن قيل كيف يجوز على مثل زكريّا عليه السلام الخوف من أن يرث الموالي ماله و هل هذا إلّا الضنّ و البخل.

قلنا لمّا علم زكريّا عليه السلام من حال الموالي أنّهم من أهل الفساد، خاف أن ينفقوا أمواله في المعاصي و يصرفوه في غير الوجوه المحبوبة، مع أنّ في وراثتهم ماله كان يقوّي فسادهم و فجورهم، فكان خوفه خوفا من قوّة الفسّاق و تمكّنهم في سلوك الطرائق المذمومة، و انتهاك محارم اللّه عزّ و جلّ، و ليس مثل ذلك من الشحّ و البخل. فإن قيل كما جاز الخوف على المال من هذا الوجه جاز الخوف على وراثتهم العلم لئلّا يفسدوا به الناس و يضلّوهم، و لا ريب في أنّ ظهور آثار العلم فيهم كان من دواعي اتّباع الناس إيّاهم و انقيادهم لهم. قلنا لا يخلو هذا العلم الذي ذكرتموه من أن يكون هو كتبا علميّة و صحفا حكمية، لأنّ ذلك قد يسمّى علما مجازا، أو يكون هو العلم الذي يملأ القلوب و تعيه الصدور، فإن كان الأوّل، فقد رجع إلى معنى المال و صحّ أنّ الأنبياء عليهم السلام يورثون الأموال، و كان حاصل خوف زكريّا عليه السلام أنّه خاف من أن ينتفعوا ببعض أمواله نوعا خاصّا من الانتفاع، فسأل ربّه أن يرزقه الولد حذرا من ذلك، و إن كان الثاني، فلا يخلو أيضا من أن يكون هو العلم الذي بعث النبيّ لنشره و أدائه إلى الخلق، أو أن يكون علما مخصوصا لا يتعلّق لشريعة و لا يجب اطّلاع الأمّة عليه كعلم العواقب و ما يجري في مستقبل الأوقات.. و نحو ذلك. و القسم الأوّل لا يجوز أن يخاف النبيّ من وصوله إلى بني عمّه و هم من جملة أمّته المبعوث إليهم لأن يهديهم و يعلّمهم و كان خوفه من ذلك خوفا من غرض البعثة. و القسم الثاني لا معنى للخوف من أن يرثوه إذ كان أمره بيده، و يقدر على أن يلقيه إليهم، و لو صحّ الخوف على القسم الأوّل لجرى ذلك فيه أيضا، فتأمّل. هذا خلاصة ما ذكره السيّد المرتضى رضي اللّه عنه في الشافي عند تقرير هذا الدليل، و ما أورد عليه من تأخّر عنه يندفع بنفس التقرير، كما لا يخفى على الناقد البصير، فلذا لا نسوّد بإيرادها الطوامير.

الآية الثانية

قوله تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ. وجه الدلالة، هو أنّ المتبادر من قوله تعالى ورثه، أنّه ورث ماله كما سبق في الآية المتقدّمة، فلا يعدل عنه إلّا لدليل. و أجاب قاضي القضاة في المغني بأنّ في الآية ما يدلّ على أنّ المراد وراثة العلم دون المال، و هو قوله تعالى وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فإنّه يدلّ على أنّ الذي ورث هو هذا العلم و هذا الفضل، و إلّا لم يكن لهذا تعلّق بالأوّل. و قال الرازي في تفسيره لو قال تعالى ورث سليمان داود ماله، لم يكن لقوله تعالى وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ معنى، و إذا قلنا ورث مقامه من النبوّة و الملك حسن ذلك، لأنّ علم منطق الطير يكون داخلا في جملة ما ورثه، و كذلك قوله وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لأنّ وارث العلم يجمع ذلك و وارث المال لا يجمعه، و قوله إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ يليق أيضا بما ذكر دون المال الذي يحصل للكامل و الناقص، و ما ذكره اللّه تعالى من جنود سليمان بعده لا يليق إلّا بما ذكرنا، فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنّه لا يورث إلّا المال، فأمّا إذا ورث المال و الملك معا فهذا لا يبطل بالوجوه الذي ذكرنا، بل بظاهر

 قوله صلّى اللّه عليه و آله نحن معاشر الأنبياء لا نورث.

 و ردّ السيّد المرتضى رضي اللّه عنه في الشافي كلام المغني بأنّه لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصّة، ثم يقول مع ذلك إنّا عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ، و يشير بالفضل المبين إلى العلم و المال جميعا، فله في الأمرين جميعا فضل على من لم يكن كذلك، و قوله وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يحتمل المال كما يحتمل العلم فليس بخالص لما ظنّه، و لو سلم دلالة الكلام على العلم لما ذكره، فلا يمتنع أن يريد أنّه ورث المال بالظاهر، و العلم بهذا النوع من الاستدلال فليس يجب إذا دلّت الدلالة في بعض الألفاظ على المجاز أن نقتصر بها عليه، بل يجب أن نحملها على الحقيقة التي هي الأصل إذا لم يمنع من ذلك مانع. و قد ظهر بما ذكره السيّد قدّس سرّه بطلان قول الرازي أيضا، و كان القاضي يزعم أنّ العطف لو لم يكن للتفسير لم يكن للمعطوف تعلّق بما عطف عليه و انقطع نظام الكلام. و ما اشتهر من أنّ التأسيس أولى من التأكيد من الأغلاط المشهورة، و كأنّ الرازي يذهب إلى أنّه لا معنى للعطف إلّا إذا كان المعطوف داخلا في المعطوف عليه، فعلى أيّ شي‏ء يعطف حينئذ قوله تعالى وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ فتدبّر. و أمّا قوله إنّ المال يحصل للكامل و الناقص، فلو حمل الميراث على المال لم يناسبه قوله إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ. فيرد عليه أنّه إنّما يستقيم إذا كانت الإشارة إلى أوّل الكلام فقط و هو وراثة المال و بعده ظاهر، و لو كانت الإشارة إلى مجموع الكلام كما هو الظاهر أو إلى أقرب الفقرات أعني قوله وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لم يبق لهذا الكلام مجال، و كيف لا يليق دخول المال في جملة المشار إليه، و قد منّ اللّه تعالى على عباده في غير موضع من كلامه المجيد بما أعطاهم في الدنيا من صنوف الأموال، و أوجب على عباده الشكر عليه، فلا دلالة فيه على عدم إرادة وراثة المال سواء كان من كلام سليمان أو كلام الملك المنّان. و قد ظهر بذلك بطلان قوله أخيرا أنّ ما ذكره اللّه تعالى من جنود سليمان لا يليق إلّا بما ذكرنا، بل الأظهر أنّ حشر الجنود من الجن و الإنس و الطير قرينة على عدم إرادة الملك من قوله وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، فإنّ تلك الجنود لم تكن لداود حتى يرثها سليمان، بل كانت عطيّة مبتدأة من اللّه تعالى لسليمان عليه السلام، و قد أجرى اللّه تعالى على لسانه أخيرا الاعتراف بأنّ ما ذكره لا يبطل قوله من حمل الآية على وراثة الملك و المال معا، فإنّه يكفينا في إثبات المدّعى، و سيأتي الكلام في الحديث الذي تمسّك به.

الآية الثالثة

ما يدلّ على وراثة الأولاد و الأقارب، كقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً، و قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، و قد أجمعت الأمّة على عمومها إلّا من أخرجه الدليل، فيجب أن يتمسّك بعمومها إلّا إذا قامت دلالة قاطعة، و قد قال سبحانه عقيب آيات الميراث تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ، و لم يقم دليل على خروج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن حكم الآية، فمن تعدّى حدود اللّه في نبيّه يدخله اللّه النار خالدا فيها و له العذاب المهين. و أجاب المخالفون بأنّ العمومات مخصّصة بما رواه

 أبو بكر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.

قال صاحب المغني لم يقتصر أبو بكر على رواية حتى استشهد عليه عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعد أو عبد الرحمن بن عوف فشهدوا به، فكان لا يحلّ لأبي بكر و قد صار الأمر إليه أن يقسّم التركة ميراثا، و قد أخبر الرسول )ص( بأنّها صدقة و ليس بميراث، و أقلّ ما في الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد، فلو أنّ شاهدين شهدا في التركة أنّ فيها حقّا أ ليس كان يجب أن يصرفه عن الإرث فعلمه بما قال الرسول )ص( مع شهادة غيره أقوى، و لسنا نجعله مدّعيا، لأنّه لم يدع ذلك لنفسه، و إنّما بيّن أنّه ليس بميراث و أنّه صدقة، و لا يمتنع تخصيص القرآن بذلك كما يخصّ في العبد و القاتل و غيرهما. و يرد عليه أنّ الاعتماد في تخصيص الآيات إمّا على سماع أبي بكر ذلك الخبر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يجب على الحاكم أن يحكم بعلمه، و إمّا على شهادة من زعموهم شهودا على الرواية، أو على مجموع الأمرين، أو على سماعه من حيث الرواية مع انضمام الباقين إليه.

فإن كان الأوّل فيرد عليه وجوه من الإيراد

الأوّل

ما ذكره السيّد رضي اللّه عنه في الشافي من أنّ أبا بكر في حكم المدّعي لنفسه و الجارّ إليها نفعا في حكمه، لأنّ أبا بكر و سائر المسلمين سوى أهل البيت عليهم السلام تحلّ لهم الصدقة، و يجوز أن يصيبوا منها، و هذه تهمة في الحكم و الشهادة. ثم قال رحمه اللّه تعالى و ليس له أن يقول هذا يقتضي أن لا تقبل شهادة شاهدين في تركة فيها صدقة بمثل ما ذكرتم، و ذلك لأنّ الشاهدين إذا شهدا بالصدقة فحظّهما منها كحظّ صاحب الميراث، بل سائر المسلمين، و ليس كذلك حال تركة الرسول )ص(، لأنّ كونها صدقة يحرّمها على ورثته و يبيحها لسائر المسلمين، انتهى. و لعلّ مراده رحمه اللّه أنّ لحرمان الورثة في خصوص تلك المادّة شواهد على التهمة، بأن كان غرضهم إضعاف جانب أهل البيت عليهم السلام لئلّا يتمكّنوا من المنازعة في الخلافة و لا يميل الناس إليهم لنيل الزخارف الدنيويّة، فيكثر أعوانهم و أنصارهم، و يظفروا بإخراج الخلافة و الإمارة من أيدي المتغلّبين، إذ لا يشكّ أحد ممّن نظر في أخبار العامّة و الخاصّة في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في ذلك الوقت طالبا للخلافة مدّعيا لاستحقاقه لها، و أنّه لم يكن انصراف الأعيان و الأشراف عنه و ميلهم إلى غيره إلّا لعلمهم بأنّه لا يفضّل أحدا منهم على ضعفاء المسلمين، و أنّه يسوّي بينهم في العطاء و التقريب، و لم يكن انصراف سائر الناس عنه إلّا لقلّة ذات يده، و كون المال و الجاه مع غيره. و الأولى أن يقال في الجواب، إنّه لم تكن التهمة لأجل أنّ له حصّة في التركة، بل لأنّه كان يريد أن يكون تحت يده، و يكون حاكما فيه يعطيه من يشاء و يمنعه من يشاء. و يؤيّده

 قول أبي بكر فيما رواه في جامع الأصول من سنن أبي داود عن أبي الطفيل قال جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها، فقال لها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ يقول إنّ اللّه إذا أطعم نبيّا طعمة فهو للّذي يقوم من بعده.

و لا ريب في أنّ ذلك ممّا يتعلّق به الأغراض، و يعدّ من جلب المنافع، و لذا لا تقبل شهادة الوكيل فيما هو وكيل فيه و الوصيّ فيما هو وصيّ فيه. و قد ذهب قوم إلى عدم جواز الحكم بالعلم مطلقا، لأنّه مظنّة التهمة، فكيف إذا قامت القرائن عليه من عداوة و منازعة و إضعاف جانب و.. نحو ذلك. و العجب أنّ بعضهم في باب النحلة منعوا بعد تسليم عصمة فاطمة عليها السلام جواز الحكم بمجرّد الدعوى و علم الحاكم بصدقها، و جوّزوا الحكم بأنّ التركة صدقة للعلم بالخبر مع معارضته للقرآن، و قيام الدليل على كذبه.

الثاني

أنّ الخبر معارض للقرآن لدلالة الآية في شأن زكريّا عليه السلام و داود عليه السلام على الوراثة، و ليست الآية عامّة حتى يخصّص بالخبر، فيجب طرح الخبر. لا يقال إذا كانت الآية خاصّة فينبغي تخصيص الخبر بها، و حمله على غير زكريّا و داود عليهما السلام. لأنّا نقول الحكم بخروجهما عن حكم الأنبياء مخالف لإجماع الأمّة، لانحصارها في الحكم بالإيراث مطلقا و عدمه مطلقا، فلا محيص عن الحكم بكذب الخبر و طرحه.

الثالث

أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يرى الخبر موضوعا باطلا، و كان عليه السلام لا يرى إلّا الحقّ و الصدق، فلا بدّ من القول بأنّ من زعم أنّه سمع الخبر كاذب.

أمّا الأولى فلما رواه مسلم في صحيحه و أورده في جامع الأصول أيضا عن مالك بن أوس في رواية طويلة قال قال عمر لعليّ عليه السلام و العباس.. قال أبو بكر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ لا نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا، و اللّه يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ، ثم توفي أبو بكر فقلت أنا وليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و وليّ أبو بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا، و اللّه يعلم إنّي لصادق بارّ تابع للحقّ فولّيتها.

 و عن البخاري في منازعة عليّ عليه السلام و العباس فيما أفاء اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه و آله من بني النضير أنّه قال عمر بن الخطاب فقال أبو بكر أنا وليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقبضها فعمل فيها بما عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنتما حينئذ و أقبل على عليّ عليه السلام و العباس تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا، و اللّه يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ، و كذلك زاد في حقّ نفسه قال و اللّه يعلم أنّي فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ..

إلى آخر الخبر. و قد روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة من كتاب السقيفة عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري مثله بأسانيد.

و أما المقدّمة الثانية، فلما مرّ و سيأتي من الأخبار المتواترة في أنّ عليّا عليه السلام لا يفارق الحقّ و الحقّ لا يفارقه، بل يدور معه حيث ما دار. و يؤيّده روايات السفينة و الثقلين و أضرابها.

الرابع

أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها أنكرت رواية أبي بكر و حكمت بكذبه فيها، و لا يجوز الكذب عليها، فوجب كذب الرواية و راويها. أمّا المقدّمة الأولى، فلمّا مرّ في خطبتها و غيرها و سيأتي من شكايتها في مرضها و غيرها، و قد رووا في صحاحهم أنّها صلوات اللّه عليها انصرفت من عند أبي بكر ساخطة، و ماتت عليه واجدة، و قد اعترف بذلك ابن أبي الحديد.

و أمّا الثانية، فلما مرّ و سيأتي من عصمتها و جلالتها.

الخامس

أنّه لو كانت تركة الرسول صلّى اللّه عليه و آله صدقة، و لم يكن لها صلوات اللّه عليها حظّ فيها لبيّن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الحكم لها، إذ التكليف في تحريم أخذها يتعلّق بها، و لو بيّنه لها لما طلبتها لعصمتها، و لا يرتاب عاقل في أنّه لو كان بيّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل بيته عليهم السلام أنّ تركتي صدقة لا تحلّ لكم لما خرجت ابنته و بضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين و الأنصار، تعاتب إمام زمانها بزعمكم، و تنسبه إلى الجور و الظلم في غصب تراثها، و تستنصر المهاجرة و الأنصار في الوثوب عليه و إثارة الفتنة بين المسلمين، و تهييج الشرّ، و لم تستقرّ بعد أمر الإمارة و الخلافة، و قد أيقنت بذلك طائفة من المؤمنين أنّ الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة، فصبّوا عليه اللعن و الطعن إلى نفخ الصور و قيام النشور، و كان ذلك من آكد الدواعي إلى شقّ عصا المسلمين، و افتراق كلمتهم، و تشتّت ألفتهم، و قد كانت تلك النيران تخمدها بيان الحكم لها صلوات اللّه عليها أو لأمير المؤمنين عليه السلام، و لعلّه لا يجسر من أوتي حظّا من الإسلام على القول بأنّ فاطمة صلوات اللّه عليها مع علمها بأن ليس لها في التركة بأمر اللّه نصيب كانت تقدم على مثل ذلك الصنيع، أو كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه مع علمه بحكم اللّه لم يزجرها عن التظلم و الاستعداء، و لم يأمرها بالقعود في بيتها راضية بأمر اللّه فيها، و كان ينازع العباس بعد موتها و يتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فليت شعري هل كان ذلك الترك و الإهمال لعدم الاعتناء بشأن بضعته التي كانت يؤذيه ما آذاها، و يريبه ما رابها أو بأمر زوجها و ابن عمّه و أخيه المساوي لنفسه و مواسيه بنفسه، أو لقلّة المبالاة بتبليغ أحكام اللّه و أمر أمّته و قد أرسله اللّه بالحق بشيرا و نذيرا للعالمين.

السادس

أنّا مع قطع النظر عن جميع ما تقدّم نحكم قطعا بأنّ مدلول هذا الخبر كاذب باطل، و من أسند إليه هذا الخبر لا يجوز عليه الكذب، فلا بدّ من القول بكذب من رواه و القطع بأنّه وضعه و افتراه. أمّا المقدّمة الثانية، فغنيّة عن البيان. و أمّا الأولى، فبيانها أنّه قد جرت عادة الناس قديما و حديثا بالإخبار عن كلّ ما جرى بخلاف المعهود بين كافة الناس و خرج عن سنن عاداتهم، سيّما إذا وقع في كلّ عصر و زمان، و توفّرت الدواعي إلى نقله و روايته، و من المعلوم لكلّ أحد أنّ جميع الأمم على اختلافهم في مذاهبهم يهتمون بضبط أحوال الأنبياء عليهم السلام و سيرتهم و أحوال أولادهم و ما يجري عليهم بعد آبائهم، و ضبط خصائصهم و ما يتفرّدون به عن غيرهم، و من المعلوم أيضا أنّ العادة قد جرت من يوم خلق اللّه الدنيا و أهلها إلى زمان انقضاء مدّتها و فنائها بأن يرث الأقربون من الأولاد و غيرهم أقاربهم و ذوي أرحامهم، و ينتفعوا بأموالهم و ما خلّفوه بعد موتهم، و لا شكّ لأحد في أنّ عامّة الناس عالمهم و جاهلهم و غنيّهم و فقيرهم و ملوكهم و رعاياهم يرغبون إلى كلّ ما نسب إلى ذي شرف و فضيلة و يتبرّكون به، و يحرزه الملوك في خزائنهم، و يوصون به لأحبّ أهلهم، فكيف بسلاح الأنبياء و ثيابهم. و أمتعتهم أ لا ترى إلى الأعمى إذا أبصر في مشهد من المشاهد المشرّفة أو توهّمت العامّة أنّه أبصر اقتطعوا ثيابه، و تبرّكوا بها، و جعلوها حرزا من كلّ بلاء. إذا تمهّدت المقدّمات فنقول لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله صدقة، لقسّمت بين الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء و الأولاد و سائر الأقارب، و لا يخلو الحال إمّا أن يكون كلّ نبيّ يبيّن هذا الحكم لورثته بخلاف نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله أو يتركون البيان كما تركه صلّى اللّه عليه و آله، فجرى على سنّة الذين خلوا من قبله من أنبياء اللّه عليهم السلام، فإن كان الأوّل فمع أنّه خلاف الظاهر كيف خفي هذا الحكم على جميع أهل الملل و الأديان، و لم يسمعه أحد إلّا أبو بكر و من يحذو حذوه، و لم ينقل أحد أنّ عصا موسى عليه السلام انتقل على وجه الصدقة إلى فلان، و سيف سليمان عليه السلام صار إلى فلان، و كذا ثياب سائر الأنبياء و أسلحتهم و أدواتهم فرّقت بين الناس و لم يكن في ورثة أكثر من مائة ألف نبي قوم ينازعون في ذلك، و إن كان بخلاف حكم اللّه عزّ و جلّ و قد كان أولاد يعقوب عليهم السلام مع علوّ قدرهم يحسدون على أخيهم و يلقونه في الجبّ لما رأوه أحبّهم إليه أو وقعت تلك المنازعة كثيرا، و لم ينقلها أحد في الملل السابقة و أرباب السير مع شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء و خصائصهم و ما جرى بعدهم كما تقدّم. و إن كان الثاني، فكيف كانت حال ورثة الأنبياء أ كانوا يرضون بذلك و لا ينكرون فكيف صارت ورثة الأنبياء جميعا يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء و لم يرض ]كذا[ به سيّدة النساء، أو كانت سنّة المنازعة جارية في جميع الأمم و لم ينقلها أحد ممّن تقدّم و لا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم، إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ. و أعجب من ذلك أنّهم ينازعون في وجود النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام مع كثرة الناقلين له من يوم السقيفة إلى الآن، و وجود الأخبار في صحاحهم، و ادّعاء الشيعة تواتر ذلك من أوّل الأمر إلى الآن، و يستندون في ذلك إلى أنّه لو كان حقّا لما خفي ذلك لتوفّر الدواعي إلى نقله و روايته. فانظر بعين الإنصاف أنّ الدواعي لشهرة أمر خاصّ ليس الشاهد له إلّا قوم مخصوصون من أهل قرن معيّن أكثر أم لشهرة أمر قلّ زمان من الأزمنة من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله عن وقوعه فيه، مع أنّه ليس يدعو إلى كتمانه و إخفائه في الأمم السالفة داع، و لم يذكره رجل في كتاب، و لم يسمعه أحد من أهل ملّة. و لعمري لا أشكّ في أنّ من لزم الإنصاف، و جانب المكابرة و الاعتساف، و تأمّل في مدلول الخبر، و أمعن النظر، يجزم قطعا بكذبه و بطلانه.

و إن كان القسم الثاني

و هو أن يكون اعتماد أبي بكر في تخصيص الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دون علمه بأنّه من كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله لسماعه بإذنه

فيرد عليه أيضا وجوه من النظر الأوّل

أنّ ما ذكره قاضي القضاة من أنّه شهد بصدق الرواية في أيّام أبي بكر عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن باطل غير مذكور في سيرة و رواية من طرقهم و طرق أصحابنا، و إنّما المذكور

 في رواية مالك بن أوس التي رووها في صحاحهم أنّ عمر بن الخطاب لمّا تنازع عنده أمير المؤمنين عليه السلام و العباس استشهد نفرا فشهدوا بصدق الرواية

و لنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن أوس على اختلافها حتى يتّضح حقيقة الحال.

 روى البخاري و مسلم و أخرجه الحميدي و حكاه في جامع الأصول في الفرع الرابع من كتاب الجهاد من حرف الجيم عن مالك أنّه قال أرسل إليّ عمر فجئته حين تعالى النهار قال فوجدته في بيته جالسا على سرير مفضيا على رماله متّكئا على وسادة من أدم، فقال لي يا مال إنّه قد دفّ أهل أبيات قومك، و قد أمرت فيهم برضخ فخذه، فاقسم بينهم. قال قلت لو أمرت بهذا غيري. قال خذه يا مال. قال فجاء يرفاه، فقال هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و سعد فقال عمر نعم، فأذن لهم، فدخلوا، ثم جاء، فقال هل لك في عباس و عليّ قال نعم، فأذن لهما، فقال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني و بين هذا فقال القوم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهم و ارحمهم. قال مالك بن أوس فخيّل إليّ أنّهم قد كانوا قدموهم لذلك، فقال عمر اتّئد أنشدكم باللّه الذي بإذنه تقوم السماء و الأرض، أ تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لا نورث ما تركنا صدقة قالوا نعم، ثم أقبل على العباس و عليّ فقال أنشدكما باللّه الذي بإذنه تقوم السماء و الأرض، أ تعلمان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لا نورث ما تركنا صدقة قالا نعم... إلى آخر الخبر.

 ثم حكى في جامع الأصول عن البخاري و مسلم أنّه قال عمر لعليّ عليه السلام قال أبو بكر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا... و تزعمان أنّه فيها كذا..

كما نقلنا سابقا. و حكى في جامع الأصول عن أبي داود أنّه قال أبو البختري سمعت حديثا من رجل فأعجبني، فقلت اكتبه لي، فأتى به مكتوبا مدبّرا دخل العباس و عليّ على عمر و عنده طلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعد و هما يختصمان، فقال عمر لطلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعد أ لم تعلموا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال كلّ مال النبيّ صدقة إلّا ما أطعمه أهله أو كساهم، إنّا لا نورث قالوا بلى...

توضيح

قوله مفضيا إلى رماله.. أي ملقيا نفسه على الرمال لا حاجز بينهما. و رمال السّرير بالكسر ما رمل أي نسج جمع رمل بمعنى مرمول كالخلق بمعنى المخلوق، و المراد به أنّه كان السّرير قد نسج وجهه بالسّعف و لم يكن على السّرير وطاء سوى الحصير. و الوسادة المخدّة. و دفّ أهل أبيات.. أي دخلوا المصر، يقال دفّ دافّة من العرب. و الرّضخ بالضّاد و الخاء المعجمتين العطاء القليل. و يرفأ بالرّاء و الفاء و الهمزة، على صيغة المضارع كيمنع علم، مولى عمر ابن الخطّاب. و اتّئد أمر من التّؤدة أي التّأنّي و التّثبّت. و مدبرا أي مسندا، و ألفاظ باقي الأصول مذكورة في جامع الأصول. و لا يذهب على ذي فطنة أنّ شهادة الأربعة التي تضمّنتها الرواية الأولى و الثانية على اختلافهما لم يكن من حيث الرواية و السماع عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، بل لثبوت الرواية عندهم بقول أبي بكر، بقرينة أنّ عمر ناشد عليّا عليه السلام و العباس أ تعلمان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا نوّرث ما تركناه صدقة فقالا نعم، و ذلك لأنّه لا يقدر أحد في ذلك الزمان على تكذيب تلك الرواية، و قد قال عمر في آخر الرواية رأيتماه يعني أبا بكر كاذبا آثما غادرا خائنا.. و كذا في حقّ نفسه. و العجب أنّ القاضي لم يجعل عليّا عليه السلام و العباس شاهدين على الرواية مع تصديقهما كما صدّق الباقون، بل جميع الصحابة، لأنّهم يشهدون بصدقهما. و قال ابن أبي الحديد بعد حكاية كلام السيّد رضي اللّه عنه في أنّ الاستشهاد كان في خلافة عمر دون أبي بكر، و أنّ معول المخالفين على إمساك الأمّة عن النكير على أبي بكر دون الاستشهاد، ما هذا لفظه قلت صدق المرتضى رحمه اللّه فيما قال، أمّا عقيب وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مطالبة فاطمة عليها السلام بالإرث فلم يرو الخبر إلّا أبو بكر وحده، و قيل إنّه رواه معه مالك بن أوس بن الحدثان، و أمّا المهاجرون الّذين ذكرهم قاضي القضاة فقد شهدوا بالخبر في خلافة عمر، و قد تقدّم ذكر ذلك. و قال في الموضع المتقدّم الذي أشار إليه و هو الفصل الذي ذكر فيه روايات أبي البختريّ على ما رواه

 أحمد بن عبد العزيز الجوهري، بإسناده عنه قال جاء عليّ و العباس إلى عمر و هما يختصمان، فقال عمر لطلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعد أنشدكم اللّه أ سمعتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال كلّ مال نبيّ فهو صدقة إلّا ما أطعمه أهله، إنّا لا نورث فقالوا نعم، قال فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتصدّق به و يقسم فضله، ثم توفّي فوليه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أنتما تقولان إنّه كان بذلك خاطئا و كان بذلك ظالما و ما كان بذلك إلّا راشدا، ثم ولّيته بعد أبي بكر فقلت لكما إن شئتما قبلتماه على عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عهده الّذي عهد فيه، فقلتما نعم، و جئتماني الآن تختصمان، يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي، و يقول هذا أريد نصيبي من امرأتي و اللّه لا أقضي بينكما إلّا بذلك.

قال ابن أبي الحديد قلت هذا مشكل، لأنّ أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك معظم المحدّثين، حتى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابيّ الواحد. و قال شيخنا أبو عليّ لا يقبل في الرواية إلّا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلّمون و الفقهاء كلّهم، و احتجّوا عليه بقول الصحابة

 رواية أبي بكر وحده، قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث

حتى أنّ بعض أصحاب أبي عليّ تكلّف لذلك جوابا، فقال قد روي أنّ أبا بكر يوم حاجّ فاطمة عليها السلام، قال أنشد اللّه امرأ سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا شيئا فروى مالك بن أوس بن الحدثان، أنّه سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و هذا الحديث ينطق بأنّه استشهد عمر طلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعدا، فقالوا سمعناه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأين كانت هذه الروايات أيّام أبي بكر ما نقل أنّ أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة عليها السلام و أبي بكر روى من هذا شيئا، انتهى. فظهر أنّ قول هذا القاضي ليس إلّا شهادة زور، و لو كان لما ذكره من استشهاد أبي بكر مستند لأشار إليه كما هو الدأب في مقام الاحتجاج. و أمّا هذه الرواية التي رواها ابن أبي الحديد، فمع أنّها لا تدلّ على الاستشهاد في خلافة أبي بكر فلا تخلو من تحريف، لما عرفت من أنّ لفظ رواية أبي البختري على ما رواه أبو داود، و حكاه في جامع الأصول أ لم تعلموا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال كلّ مال النبيّ صدقة، لا أسمعتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما رواه الجوهري على أنّه لا يقوم فيما تفرّدوا به من الأخبار حجّة علينا، و إنّما الاحتجاج بالمتّفق عليه، أو ما اعترف به الخصم، و الاستشهاد على الرواية لم يثبت عندنا لا في أيّام أبي بكر و لا في زمن عمر. ثم أورد السيّد رحمه اللّه على كلام صاحب المغني بأنّا لو سلّمنا استشهاد من ذكر على الخبر لم يكن فيه حجّة، لأنّ الخبر على كلّ حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم، و هو في حكم أخبار الآحاد، و ليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن بما يجري هذا المجرى، لأنّ المعلوم لا يخصّ إلّا بمعلوم.. قال على أنّه لو سلّم لهم أنّ الخبر الواحد يعمل به في الشرع لاحتاجوا إلى دليل مستأنف، على أنّه يقبل في تخصيص القرآن، لأنّ ما دلّ على العمل به في الجملة لا يتناول هذا الموضع، كما لا يتناول جواز النسخ به. و تحقيق هاتين المسألتين من وظيفة أصول الفقه.

و الثاني

أنّ رواة الخبر كانوا متّهمين في الرواية بجلب النفع من حيث حلّ الصدقة عليهم كما تقدّم في القسم الأوّل و ما أجاب به شارح كشف الحقّ من الفرق بين الرواية و الشهادة، و أنّ التهمة إنّما تضرّ في الشهادة دون الرواية، فسخيف جدا، و لم يقل أحد بهذا الفرق غيره.

الثالث و الرابع

ما تقدّم في الإيراد الثالث و الرابع من القسم الأوّل.

و الخامس

ما تقدّم من وجوب البيان للورثة.

السادس

ما تقدّم في السادس.

و أمّا القسم الثالث

و هو أن يكون مناط الحكم على علم أبي بكر مع شهادة النفر، و كذلك الرابع، و هو أن يكون الاعتماد على روايته معهم، فقد ظهر بطلانهما ممّا سبق، فإنّ المجموع و إن كان أقوى من كلّ واحد من الجزءين إلّا أنّه لا يدفع التهمة و لا مناقضة الآيات الخاصّة و لا باقي الوجوه السابقة. و قد ظهر بما تقدّم أنّ الجواب عن قول أبي عليّ أ تعلمون كذب أبي بكر أم تجوّزون صدقه و قد علم أنّه لا شي‏ء يعلم به كذبه قطعا، فلا بدّ من تجويز كونه صادقا كما حكاه في المغني هو إنّا نعلم كذبه قطعا، و الدليل عليه ما تقدّم من الوجوه الستّة المفصّلة و إنّ تخصيص الآيات بهذا الخبر ليس من قبيل تخصيصها في القاتل و العبد كما ذكره قاضي القضاة، إذ مناط الثاني روايات معلومة الصدق، و الأوّل خبر معلوم الكذب، و قد سبق في خطبة فاطمة صلوات اللّه عليها استدلالها بقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ، و بثلاث من الآيات السابقة، و هو يدلّ مجملا على بطلان ما فصلوه من الأجوبة. ثم إنّ بعض الأصحاب حمل الرواية على وجه لا يدلّ على ما فهم منها الجمهور، و هو أن يكون ما تركنا صدقة مفعولا ثانيا للفعل أعني نورث، سواء كان بفتح الراء على صيغة المجهول من قولهم ورثت أبي شيئا، أو بكسرها من قولهم أورثه الشي‏ء أبوه، و أمّا بتشديد الراء، فالظاهر أنّه لحن، فإنّ التوريث إدخال أحد في المال على الورثة كما ذكره الجوهري و هو لا يناسب شيئا من المحامل، و يكون صدقة منصوبا على أن يكون مفعولا لتركنا، و الإعراب لا تضبط في أكثر الروايات، و يجوز أن يكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله وقف على الصدقة فتوهّم أبو بكر أنّه بالرفع، و حينئذ يدلّ على أنّ ما جعلوه صدقة في حال حياتهم لا ينتقل بموتهم إلى الورثة، أي ما نووا فيه الصدقة من غير أن يخرجوه من أيديهم لا يناله الورثة حتى يكون للحكم اختصاص بالأنبياء عليهم السلام، و لا يدلّ على حرمان الورثة ممّا تركوه مطلقا، و الحقّ أنّه لا يخلو عن بعد، و لا حاجة لنا إليه لما سبق، و أمّا الناصرون لأبي بكر فلم يرضوا به و حكموا ببطلانه، و إن كان لهم فيه التخلّص عن القول بكذب أبي بكر، فهو إصلاح لم يرض به أحد المتخاصمين، و لا يجري في بعض رواياتهم. و اعلم أنّ بعض المخالفين استدلّوا على صحّة الرواية و ما حكم به أبو بكر بترك الأمّة النكير عليه، و قد ذكر السيّد الأجل رضي اللّه عنه في الشافي كلامهم ذلك على وجه السؤال و أجاب عنه بقوله فإن قيل إذا كان أبو بكر قد حكم بخطإ في دفع فاطمة عليها السلام من الميراث و احتجّ بخبر لا حجّة فيه فما بال الأمّة أقرّته على هذا الحكم، و لم تنكر عليه و في رضاها و إمساكها دليل على صوابه. قلنا قد مضى أنّ ترك النكير لا يكون دليل الرضا إلّا في الموضع الذي لا يكون له وجه سوى الرضا، و بيّنا في الكلام على إمامة أبي بكر هذا الموضع بيانا شافيا.

 و قد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسيّة عن هذا السؤال جوابا جيّد المعنى و اللفظ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه و بين كلامه في العثمانيّة و غيرها، قال و قد زعم ناس أنّ الدليل على صدق خبرهما يعني أبا بكر و عمر في منع الميراث و براءة ساحتهما ترك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم النكير عليهما، ثم قال فيقال لهم لئن كان ترك النكير دليلا على صدقهما ليكونن ترك النكير على المتظلّمين منهما و المحتجبين عليهما و المطالبين لهما بدليل دليلا على صدق دعواهم، و استحسان مقالتهم، لا سيّما و قد طالت المشاحّات، و كثرت المراجعة و الملاحات، و ظهرت الشكيمة، و اشتدّت الموجدة، و قد

 بلغ ذلك من فاطمة عليها السلام حتى أنّها أوصت أن لا يصليّ عليها أبو بكر، و قد كانت قالت له حين أتته طالبة بحقّها، و محتجّة برهطها من يرثك يا أبا بكر إذا متّ قال أهلي و ولدي. قالت فما بالنا لا نرث النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ فلمّا منعها ميراثها، و بخسها حقّها، و اعتلّ عليها، و لج في أمرها، و عاينت التهضّم، و أيست من النزوع، و وجدت مسّ الضّعف و قلّة الناصر، قالت و اللّه لأدعونّ اللّه عليك. قال و اللّه لأدعونّ اللّه لك. قالت و اللّه لا أكلّمك أبدا. قال و اللّه لا أهجرك أبدا.

فإن يكن ترك النّكير على أبي بكر دليلا على صواب منعه، إنّ في ترك النكير على فاطمة )ع( دليلا على صواب طلبها، و أدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت، و تذكيرها ما نسيت، و صرفها عن الخطإ، و رفع قدرها عن البذاء، و أن تقول هجرا، أو تجوّر عادلا، أو تقطع واصلا، فإذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعا فقد تكافأت الأمور، و استوت الأسباب، و الرجوع إلى أصل حكم اللّه في المواريث أولى بنا و بكم، و أوجب علينا و عليكم. و إن قالوا كيف يظنّ ظلمها و التعدّي عليها و كلّما ازدادت فاطمة عليها السلام عليه غلظة ازداد لها لينا و رقّة، حيث تقول و اللّه لا أكلّمك أبدا فيقول و اللّه لا أهجرك أبدا، ثم تقول و اللّه لأدعون اللّه عليك، فيقول و اللّه لأدعوّن اللّه لك. ثم يحتمل هذا الكلام الغليظ و القول الشديد في دار الخلافة، و بحضرة قريش و الصحابة، مع حاجة الخلافة إلى البهاء و الرفعة، و ما يجب لها من التنويه و الهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا أو متقرّبا، كلام المعظّم لحقّها، المكبر لقيامها، و الصائن لوجهها، و المتحنّن عليها ما أحد أعزّ عليّ منك فقرا، و لا أحبّ إليّ منك غنى، و لكن

 سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول إنّا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة.

قيل لهم ليس ذلك بدليل على البراءة من الظّلم، و السلامة من الجور، و قد يبلغ من مكر الظالم و دهاء الماكر إذا كان أريبا و للخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم و ذلّة المنتصف، و جدة الوامق، و مقة المحقّ، و كيف جعلتم ترك النكير حجّة قاطعة، و دلالة واضحة و قد زعمتم أنّ عمر قال على منبره متعتان كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعة النساء و متعة الحجّ، أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما، فما وجدتم أحدا أنكر قوله، و لا استشنع مخرج نهيه، و لا خطّأه في معناه، و لا تعجّب منه و لا استفهمه. و كيف تقضون بترك النكير و قد

 شهد عمر يوم السّقيفة و بعد ذلك أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال الأئمّة من قريش

ثم قال في مكانه لو كان سالم حيّا ما يخالجني فيه شكّ، حين أظهر الشّك في استحقاق كلّ واحد من الستّة الّذين جعلهم شورى، و سالم عبد لامرأة من الأنصار و هي أعتقته، و حازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قريش قوله منكر، و لا قابل إنسان بين قوليه، و لا تعجّب منه، و إنّما يكون ترك النّكير على من لا رغبة و لا رهبة عنده دليلا على صدق قوله و ثواب عمله، فأمّا ترك النّكير على من يملك الضّعة و الرّفعة، و الأمر و النهي، و القتل و الاستحياء، و الحبس و الإطلاق، فليس بحجّة تشفي، و لا دليل يغني. قال و قال آخرون بل الدليل على صدق قولهما، و صواب عملهما، إمساك الصحابة عن خلعهما، و الخروج عليهما، و هم الّذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل، و ردّ النصوص، و لو كانوا كما يقولون و يصفون ما كان سبيل الأمّة فيهما إلّا كسبيلهم فيه، و عثمان كان أعزّ نفرا، و أشرف رهطا، و أكثر عددا و ثروة، و أقوى عدّة. قلنا إنّهما لم يجحدا التنزيل، و لم ينكرا المنصوص، و لكنّهما بعد إقرارهما بحكم الميراث و ما عليه الظاهر من الشريعة ادّعيا رواية، و تحدّثا بحديث لم يكن محالا كونه، و لا يمتنع في حجج العقول مجيئه، و شهد لهما عليه من علّته مثل علّتهما فيه، و لعلّ بعضهم كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلا في رهطه، مأمونا في ظاهره، و لم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة، و لا جرب عليه غدرة، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظنّ و تعديل الشاهد، و لأنّه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج، و الّذي يقطع بشهادته على الغيب، و كان ذلك شبهة على أكثرهم، فلذلك قلّ النّكير، و تواكل الناس، و اشتبه الأمر، فصار لا يتخلّص إلى معرفة حقّ ذلك من باطله، إلّا العالم المتقدّم، و المؤيّد المرشد، و لأنّه لم يكن لعثمان في صدور العوام، و في قلوب السّفلة و الطّغام ما كان لهما من الهيبة و المحبّة، و لأنّهما كانا أقلّ استئثارا بالفي‏ء، و أقلّ تفكّها بمال اللّه منه، و من شأن الناس إهمال السلطان ما وفّر عليهم أموالهم، و لا يستأثر بخراجهم، و لم يعطّل ثغورهم، و لأنّ الّذي صنع أبو بكر من منع العترة حظّها، و العمومة ميراثها، قد كان موافقا لجلّة قريش، و لكبراء العرب، و لأنّ عثمان أيضا كان مضعوفا في نفسه، مستخفّا بقدره، لا يمنع ضيما، و لا يقمع عدوّا، و لقد وثب ناس على عثمان بالشتم و القذف و التشنيع و النكير، لأمور لو أتى عمر أضعافها، و بلغ أقصاها، لما اجترءوا على اغتيابه فضلا عن مبادأته، و الإغراء به و مواجهته، كما أغلظ عينية بن حصين له، فقال له أما إنّه لو كان عمر لقمعك و منعك فقال عيينة إنّ عمر كان خيرا لي منك، أرهبني فأبقاني. ثم قال و العجب أنّا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه و القدر و الوعيد يردّ كلّ صنف منهم من أحاديث مخالفيه و خصومه ما هو أقرب استنادا، و أوضح رجالا، و أحسن اتّصالا، حتّى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نسخوا الكتاب، و خصّوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه، و أكذبوا ناقليه، و ذلك إنّ كلّ إنسان منهم إنّما يجري إلى

 هواه، و يصدق ما وافق رضاه.. هذا آخر كلام الجاحظ. ثم قال السيّد رضي اللّه عنه فإن قيل ليس ما عارض به الجاحظ من الاستدلال بترك النكير، و قوله كما لم ينكروا على أبي بكر، فلم ينكروا أيضا على فاطمة عليها السلام و لا غيرها من المطالبين بالميراث كالأزواج و غيرهنّ معارضة صحيحة، و ذلك أنّ نكير أبي بكر لذلك و دفعه و الاحتجاج عليه يكفيهم و يغنيهم عن تكلّف نكير، و لم ينكر على أبي بكر ما رواه منكر فيستغنوا بإنكاره. قلنا أوّل ما يبطل هذا السؤال أنّ أبا بكر لم ينكر عليها ما أقامت عليه بعد احتجاجها بالخبر من التظلّم و التألّم، و التعنيف و التبكيت، و قولها على ما روي و اللّه لأدعونّ اللّه عليك...، و لا كلّمتك أبدا، و... ما جرى هذا المجرى، فقد كان يجب أن ينكره غيره، فمن المنكر الغضب على المنصف. و بعد، فإن كان إنكار أبي بكر مقنعا أو مغنيا عن إنكار غيره من المسلمين، فإنكار فاطمة عليها السلام حكمه، و مقامها على التظلّم منه يغني عن نكير غيرها، و هذا واضح لمن أنصف من نفسه. انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.

 الخامسة

قال ابن أبي الحديد اعلم أنّ الناس يظنّون أنّ نزاع فاطمة )ع( أبا بكر كان في أمرين في الميراث و النّحلة، و قد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث، و منعها أبو بكر إيّاه أيضا، و هو سهم ذي القربى.

 روى أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أنس أنّ فاطمة عليها السلام لما أتت أبا بكر فقالت قد علمت الّذي حرّم علينا أهل البيت )ع( من الصدقات، و ما أفاء اللّه علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى ثم قرأت عليه قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى الآية، فقال لها أبو بكر بأبي أنت و أمّي و والد ولدك السمع و الطاعة لكتاب اللّه، و لحقّ رسوله )ص( و حقّ قرابته، و أنا أقرأ من كتاب اللّه الذي تقرءين، و لم يبلغ علمي منه أنّ هذا السّهم من الخمس مسلّم إليكم كاملا قالت أ ملك هو لك و لأقربائك قال لا، بل أنفق عليكم منه و أصرف الباقي في مصالح المسلمين. قالت ليس هذا بحكم اللّه تعالى فقال هذا حكم اللّه، فإن كان رسول اللّه )ص( عهد إليك في هذا عهدا صدّقتك و سلّمته كلّه إليك و إلى أهلك. قالت إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يعهد إليّ في ذلك بشي‏ء، إلّا أنّي سمعته يقول لمّا أنزلت هذه الآية أبشروا آل محمّد فقد جاءكم الغنى. قال أبو بكر لم يبلغ من هذه الآية أن أسلّم إليكم هذا السّهم كلّه كاملا، و لكن لكم الغنى الّذي يغنيكم و يفضل عنكم، و هذا عمر بن الخطّاب و أبو عبيدة بن الجرّاح و غيرهما فاسأليهم عن ذلك و انظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر، فقال لها مثل ما قال لها أبو بكر، فتعجّبت فاطمة عليها السلام من ذلك و تظنّت أنّهما قد تذاكرا ذلك و اجتمعا عليه.

ثم قال قال أحمد بن عبد العزيز حدّثنا أبو زيد بإسناده إلى عروة قال أرادت فاطمة عليها السلام أبا بكر على فدك و سهم ذي القربى، فأبى عليها و جعلهما في مال اللّه تعالى.

ثم روى عن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّ أبا بكر منع فاطمة )ع( و بني هاشم سهم ذي القربى و جعلها في سبيل اللّه في السّلاح و الكراع.

ثم روى بإسناده عن محمّد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام قلت أ رأيت عليّا )ع( حين ولي العراق و ما ولي من أمر الناس، كيف صنع في سهم ذي القربى قال سلك بهم طريق أبي بكر و عمر قلت كيف و لم و أنتم تقولون ما تقولون قال أما و اللّه ما كان أهله يصدرون إلّا عن رأيه. فقلت فما منعه قال يكره أن يدّعى عليه مخالفة أبي بكر و عمر.

انتهى. ما أخرجه ابن أبي الحديد من كتاب أحمد بن عبد العزيز.

 و روى في جامع الأصول من سنن أبي داود عن جبير بن مطعم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن يقسّم لبني عبد شمس و لا لبني نوفل من الخمس شيئا كما قسّم لبني هاشم، قال و كان أبو بكر يقسّم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غير أنّه لم يكن يعطي منه قربى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كما يعطيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و كان عمر يعطيهم و من كان بعده منه.

و روى مثله بسند آخر عن جبير بن مطعم. ثم

 قال و في أخرى له و النسائي لمّا كان يوم خيبر وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ سهم ذي القربى في بني هاشم و بني المطلب.

ثم قال و أخرج النسائي أيضا بنحو من هذه الروايات من طرق متعدّدة بتغيير بعض ألفاظها و اتّفاق المعنى.

 و روى أيضا عن أبي داود بإسناده عن يزيد بن هرمز أنّ ابن الزبير أرسل إلى ابن العباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه فقال له لقربى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[، قسّمه رسول اللّه لهم و قد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقّنا و رددناه عليه و أبينا أن نقبله.

و روى مثله عن النسائي أيضا، و قال

 و في أخرى له مثل أبي داود، و فيه و كان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم، و يقضي عن غارمهم، و يعطي فقيرهم، و أبى أن يزيدهم على ذلك.

و روى العياشي في تفسيره رواية ابن عباس و رويناه في موضع آخر.

 و روى أيضا عن أبي جميلة عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام قال قد فرض اللّه الخمس نصيبا لآل محمّد عليهم السلام فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم حسدا و عداوة، و قد قال اللّه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.

و الأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام في ذلك أكثر من أن تحصى، و سيأتي بعضها في أبواب الخمس و الأنفال إن شاء اللّه تعالى. فإذا اطّلعت على ما نقلناه من الأخبار من صحاحهم نقول لا ريب في دلالة الآية على اختصاص ذي القربى بسهم خاصّ سواء كان هو سدس الخمس كما ذهب إليه أبو العالية و أصحابنا و رووه عن أئمّتنا عليهم السلام، و هو الظاهر من الآية كما اعترف به البيضاوي و غيره، أو خمس الخمس لاتّحاد سهم اللّه و سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ذكر اللّه للتعظيم كما زعم ابن عباس و قتادة و عطاء، أو ربع الخمس و الأرباع الثلاثة الباقية للثلاثة الأخيرة كما زعمه الشافعي، و سواء كان المراد بذي القربى أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حياته و بعده الإمام من أهل البيت عليهم السلام كما ذهب إليه أكثر أصحابنا أو جميع بني هاشم كما ذهب إليه بعضهم. و على ما ذهب إليه الأكثر بكون دعوى فاطمة عليها السلام نيابة عن أمير المؤمنين عليه السلام تقيّة، أو كان المراد بني هاشم و بني المطلب كما زعمه الشافعي، أو آل عليّ و عقيل و آل عباس و ولد الحارث بن عبد المطلب كما قال أبو حنيفة. و على أيّ حال، فلا ريب أيضا في أنّ الظاهر من الآية تساوي الستّة في السهم، و لم يختلف الفقهاء في أنّ إطلاق الوصيّة و الأقوال لجماعة معدودين يقتضي التسوية لتساوي النسبة، و لم يشترط اللّه عزّ و جلّ في ذي القربى فقرا أو مسكنة بل قرنه بنفسه و برسوله صلّى اللّه عليه و آله للدلالة على عدم الاشتراط، و قد احتجّ بهذا الوجه الرضا عليه السلام على علماء العامّة في حديث طويل بيّن فيه فضل العترة الطاهرة، و سيأتي في محلّه. و أمّا التقييد اجتهادا فمع بطلان الاجتهاد الغير المستند إلى حجّة فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يدفع التقييد، لدلالة خبر جبير و غيره على أنّه لم يعطهم ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعطيهم، و قد قال أبو بكر في رواية أنس لكم الغنى الذي يغنيكم و يفضل عنكم، فما زعمه أبو بكر من عدم دلالة الآية على أنّ السهم مسلّم لذي القربى و وجوب صرف الفاضل من السهم عن حاجتهم في مصالح المسلمين مخالف للآية و الأخبار المتّفق على صحّتها، و قد قال سبحانه في آخر الآية إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا.... و اعترف الفخر الرازي في تفسيره بأنّ من لم يحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإيمان، و قال تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، و قال هُمُ الْفاسِقُونَ، و قال هُمُ الظَّالِمُونَ، فاستحقّ بما صنع ما يستحقّه الرادّ على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله.

السادسة

ما دلّت عليه الروايات السالفة و ما سيأتي في باب شهادة فاطمة عليها السلام من أنّها أوصت أن تدفن سرّا، و أن لا يصلّي عليها أبو بكر و عمر لغضبها عليهما في منع فدك و غيره من أعظم الطعون عليهما. و أجاب عنه قاضي القضاة في المغني بأنّه قد روي أنّ أبا بكر هو الذي صلّى على فاطمة عليها السلام و كبّر أربعا، و هذا أحد ما استدلّ به كثير من الفقهاء في التكبير على الميّت، و لا يصحّ أنّها دفنت ليلا، و إن صحّ ذلك فقد دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلا، و عمر دفن ليلا، و قد كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يدفنون بالنهار و يدفنون بالليل، فما في هذا ممّا يطعن به، بل الأقرب في النساء أن دفنهنّ ليلا أستر و أولى بالسنّة. و ردّ عليه السيّد الأجل في الشافي بأنّ ما ادّعيت من أنّ أبا بكر هو الذي صلّى على فاطمة عليها السلام و كبّر أربعا، و أنّ كثيرا من الفقهاء يستدلّون به في التكبير على الميّت فهو شي‏ء ما سمع إلّا منك، و إن كنت تلقيّته عن غيرك فممّن يجري مجراك في العصبية، و إلّا فالروايات المشهورة و كتب الآثار و السير خالية من ذلك، و لم يختلف أهل النقل في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى على فاطمة عليها السلام إلّا رواية شاذّة نادرة وردت بأنّ العباس صلّى عليها.

 روى الواقدي بإسناده عن عكرمة قال سألت ابن العباس متى دفنت فاطمة عليها السلام قال دفناها بليل بعد هدأة. قال قلت فمن صلّى عليها قال عليّ عليه السلام.

 و روى الطبري، عن الحرث بن أبي أسامة، عن المدائني، عن أبي زكريّا العجلاني أنّ فاطمة عليها السلام عمل لها نعش قبل وفاتها، فنظرت و قالت سترتموني ستركم اللّه

قال أبو جعفر محمّد بن جرير و الثبت في ذلك أنّها زينب، لأنّ فاطمة عليها السلام دفنت ليلا و لم يحضرها إلّا العباس و عليّ و المقداد و الزبير.

 و روى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه عن الزهري قال حدّثني عروة بن الزبير أنّ عائشة أخبرته أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليه و عليها عاشت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها عليّ عليه السلام ليلا، و صلّى عليها عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

و ذكر في كتابه هذا أنّ أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام دفنوها ليلا و غيّبوا قبرها.

 و روى سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن الحسن بن محمّد أنّ فاطمة عليها السلام دفنت ليلا.

 و روى عبد اللّه بن أبي شيبة، عن يحيى بن سعيد العطّار، عن معمّر، عن الزهري مثل ذلك.

  و قال البلاذري في تاريخه أنّ فاطمة عليها السلام لم تر متبسّمة بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[، و لم يعلم أبو بكر و عمر بموتها.

و الأمر في هذا أوضح و أظهر من أن يطنب في الاستشهاد عليه و يذكر الروايات فيه. فأمّا قوله و لا يصحّ أنّها دفنت ليلا، و إن صحّ فقد دفن فلان و فلان ليلا.. فقد بيّنا أنّ دفنها ليلا في الصحّة كالشمس الطالعة، و أنّ منكر ذلك كدافع المشاهدات، و لم نجعل دفنها ليلا بمجرّده هو الحجّة فيقال فقد دفن فلان و فلان ليلا، بل مع الاحتجاج بذلك على ما وردت به

 الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواتر أنّها عليها السلام أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلّي عليها الرجلان، و صرّحت بذلك، و عهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها، فأبت أن تأذن لهما، فلمّا طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في أن يستأذن لهما، و جعلاها حاجة إليه، فكلّمها أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك و ألحّ عليها فأذنت لهما في الدخول، ثم أعرضت عنهما عند دخولهما و لم تكلّمهما، فلمّا خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه السلام قد صنعت ما أردت قال نعم. قالت فهل أنت صانع ما آمرك قال نعم. قالت فإنّي أنشدك اللّه أن لا يصلّيا على جنازتي، و لا يقوما على قبري.

 و روي أنّه عليه السلام عمّى على قبرها و رشّ أربعين قبرا في البقيع و لم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه، و أنّهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها و إحضارهما للصلاة عليها

فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا، و لو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدّم عليه و تأخّر عنه لم يكن فيه حجّة. انتهى كلامه رفع اللّه مقامه. و ممّا يدلّ من صحاح أخبارهم على دفنها ليلا، و أنّ أبا بكر لم يصلّ عليها، و على غضبها عليه و هجرتها إيّاه، ما رواه مسلم في صحيحه و أورده في

 جامع الأصول في الباب الثاني من كتاب الخلافة و الإمارة من حرف الخاء عن عائشة في حديث طويل بعد ذكر مطالبة فاطمة عليها السلام أبا بكر في ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فدك، و سهمه من خيبر قالت فهجرته فاطمة عليها السلام فلم تكلّمه في ذلك حتّى ماتت، فدفنها عليّ )ع( ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر، قالت فكانت لعليّ وجه من الناس حياة فاطمة فلمّا توفّيت فاطمة عليها السلام انصرفت وجوه الناس عن عليّ عليه السلام، و مكثت فاطمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ستّة أشهر ثم توفيت.

 و روى ابن أبي الحديد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن هشام بن محمد عن أبيه قال قالت فاطمة عليها السلام لأبي بكر إنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني فدك. فقال يا بنت رسول اللّه و اللّه ما خلق اللّه خلقا أحبّ إليّ من رسول اللّه )ص( أبيك و لوددت أنّ السّماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، و اللّه لئن تفتقر عائشة أحبّ إليّ من أن تفتقري، أ تراني أعطي الأسود و الأحمر حقّه و أظلمك حقّك و أنت بنت رسول اللّه )ص( إنّ هذا المال لم يكن للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وليته كما كان يليه قالت و اللّه لا كلّمتك أبدا. قال و اللّه لا هجرتك أبدا. قال و اللّه لأدعونّ اللّه عليك. قال و اللّه لأدعونّ اللّه لك. فلمّا حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلّي عليها، فدفنت ليلا، و صلّى عليها العباس بن عبد المطلب، و كان بين وفاتها و وفاة أبيها صلّى اللّه عليه و آله اثنتان و سبعون ليلة.

و ممّا يؤيّد إخفاء دفنها جهالة قبرها و الاختلاف فيه بين الناس إلى يومنا هذا، و لو كان بمحضر من الناس لما اشتبه على الخلق و لا اختلف فيه.

السابعة

ممّا يرد من الطعون على أبي بكر في تلك الواقعة أنّه مكّن أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من التصرّف في حجراتهنّ بغير خلاف، و لم يحكم فيها بأنّها صدقة، و ذلك يناقض ما منعه في أمر فدك و ميراث الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ انتقالها إليهنّ إمّا على جهة الإرث أو النحلة، و الأول مناقض لروايته في الميراث، و الثاني يحتاج إلى الثبوت ببيّنة و نحوها، و لم يطالبهنّ بشي‏ء منها كما طالب فاطمة عليها السلام في دعواها، و هذا من أعظم الشواهد لمن له أدنى بصيرة، على أنّه لم يفعل ما فعل إلّا عداوة لأهل بيت الرسالة، و لم يقل ما قال إلّا افتراء على اللّه و على رسوله. و لنكتف بما ذكرنا، فإنّ بسط الكلام في تلك المباحث ممّا يوجب كثرة حجم الكتاب و تعسّر تحصيله على الطلاب. فانظر أيّها العاقل المنصف بعين البصيرة فيما اشتمل عليه تلك الأخبار الكثيرة التي أوردوها في كتبهم المعتبرة عندهم من حكم سيّدة النساء صلوات اللّه عليها مع عصمتها و طهارتها باغتصابهم للخلافة و أنّهم أتباع الشيطان، و أنّه ظهر فيهم حسيكة النفاق، و أنّهم أرادوا إطفاء نور الدين، و إهماد سنن سيّد المرسلين صلوات اللّه عليه و آله أجمعين، و أنّهم آذوا أهل بيته و أضمروا لهم العداوة.. و غير ذلك ممّا اشتملت عليه الخطبة الجليلة... فهل يبقى بعد ذلك شكّ في بطلان خلافة أبي بكر و نفاقه و نفاق أتباعه. ثم إنّها عليها السلام حكمت بظلم أبي بكر في منعها الميراث صريحا بقولها عليها السلام لقد جئت شيئا فريّا، و دعت الأنصار إلى قتاله، فثبت جواز قتله، و لو كان إماما لم يجز قتله. ثم انظر إلى هذا المنافق كيف شبّه أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين و أخا سيّد المرسلين و زوجه الطاهرة بثعالة شهيده ذنبه، و جعله مربا لكلّ فتنة، ثم إلى موت فاطمة صلوات اللّه عليها ساخطة على أبي بكر مغضبة عليه منكرة لإمامته، و إلى إنكار أبي بكر كون فدك خالصة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع كونه مخالفا للآية و الإجماع و أخبارهم، و إلى أنّه انتزع فدك من يد وكلاء فاطمة و طلب منها الشهود، مع أنّها لم تكن مدّعية، فحكم بغير حكم اللّه و حكم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و صار بذلك من الكافرين بنصّ القرآن، و إلى طلب الشاهد من المعصومة و ردّ

 شهادة المعصومين الذين أنزل اللّه تعالى فيهم ما أنزل، و قال فيهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما قال، و منعها الميراث خلافا لحكم الكتاب، و افترائه على الرسول صلّى اللّه عليه و آله بما شهد الكتاب و السنّة بكذبه، فتبوّأ مقعده من النار، و ظلمه عليها صلوات اللّه عليها في منع سهم ذي القربى خلافا للّه تعالى، و مناقضته لما رواه حيث مكّن الأزواج من التصرّف في الحجر و غيرها ممّا يستنبط من فحاوي ما ذكر من الأخبار، و لا يخفى طريق استنباطها على أولي الأبصار.