باب 13- حق الإمام على الرعية و حق الرعية على الإمام

 1-  مع، ]معاني الأخبار[ الطالقاني عن أحمد الهمداني عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن الرضا ع قال صعد النبي ص المنبر فقال من ترك دينا أو ضياعا فعلي و إلي و من ترك مالا فلورثته فصار بذلك أولى بهم من آبائهم و أمهاتهم و صار أولى بهم منهم بأنفسهم و كذلك أمير المؤمنين ع بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله ص

 توضيح قال في النهاية من ترك ضياعا فإلي الضياع العيال و أصله مصدر ضاع يضيع ضياعا فسمي العيال بالمصدر كما تقول من مات و ترك فقرا أي فقراء و إن كسرت الضاد كان جمع ضائع كجياع و جائع انتهى. و أقول ربما يتوهم التنافي بين أمثال هذا الخبر و بين ما ورد من الأخبار من طرق الخاصة و العامة من أن النبي ص ترك الصلاة على من توفي و عليه دين و قال صلوا على صاحبكم. و في طريقنا حتى ضمنه بعض أصحابه و قد يجاب بأن هذا كان قبل ذلك عند التضيق و عدم حصول الغنائم و ذلك كان بعد التوسع في بيت المال و تيسر الفتوحات و الغنائم. و يؤيده ما روي من طريق المخالفين أنه كان يؤتى بالمتوفى و عليه دين فيقول ص هل ترك لدينه قضاء فإن قيل ترك صلى فلما فتح الله تعالى الفتوح قال ص أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي و ترك دينا فعلي و من ترك مالا فلورثته. و أقول يحتمل أن يكون ترك الصلاة نادرا للتأديب لئلا يستخف بالدين و إن كان يقضي آخرا دينه أو لا يقضي لهذه المصلحة أو يكون ترك الصلاة لمن استدان في معصية أو إسراف فإنه لا يجب أداء دينه حينئذ على الإمام كما يدل عليه خبر ابن سيابة الآتي أو لمن كان يتهاون في أدائه و لم يكن عازما عليه

 2-  فس، ]تفسير القمي[ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ قال نزلت و هو أب لهم و معنى أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ فجعل الله المؤمنين أولاد رسول الله ص و جعل رسول الله ص أبا لهم لمن لم يقدر أن يصون نفسه و لم يكن له مال و ليس له على نفسه ولاية فجعل الله تبارك و تعالى نبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم و هو قول رسول ص بغدير خم أيها الناس أ لست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى ثم أوجب لأمير المؤمنين ع ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية فقال ألا من كنت مولاه فعلي مولاه فلما جعل الله النبي ص أب المؤمنين ألزمه مئونتهم و تربية أيتامهم فعند ذلك صعد رسول الله ص فقال من ترك مالا فلورثته و من ترك دينا أو ضياعا فعلي و إلي فألزم الله نبيه للمؤمنين ما يلزم الوالد للولد و ألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم أمير المؤمنين ما ألزم رسول الله ص من ذلك و بعده الأئمة واحدا واحدا و الدليل على أن رسول الله ص و أمير المؤمنين ع هما الوالدان قوله  وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً فالوالدان رسول الله ص و أمير المؤمنين ع و قال الصادق ع و كان إسلام عامة اليهود بهذا السبب لأنهم آمنوا على أنفسهم و عيالاتهم

 3-  جا، ]المجالس للمفيد[ عن الصادق ع قال النبي ص في خطبة منى أيها الناس من ترك مالا فلأهله و لورثته و من ترك كلا أو ضياعا فعلي و إلي

 بيان الكل العيال و الثقال و من لا ولد له و لا والد. أقول تمامه بإسناده في باب البدع من كتاب العلم

 4-  كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى عن محمد بن جمهور عن حماد بن عثمان عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر ع ما حق الإمام على الناس قال حقه عليهم أن يسمعوا له و يطيعوا قلت فما حقهم عليه قال يقسم بينهم بالسوية و يعدل في الرعية فإذا كان ذلك في الناس فلا يبالي من أخذ هاهنا و هاهنا

 محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن بزيع عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع مثله إلا أنه قال هكذا و هكذا و هكذا يعني من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله

بيان أن يسمعوا له كأن المراد بالسماع القبول و الطاعة فالفقرة الثانية مفسرة لها أو المراد به الإنصات إليه و عدم الالتفات إلى غيره عند سماع كلامه أو المراد بالأولى الإقرار و بالثانية العمل فإذا كان ذلك في الناس أي إن الإمام إذا عدل في الرعية و أجرى حكم الله فيهم و قسم بالسوية فلا يبالي بسخط الناس و خروجهم من الدين و ذهاب كل منهم إلى ناحية بسبب ذلك كما تفرق الناس عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه بسبب ذلك حيث سوى بين الرؤساء و الضعفاء في العطاء. و هذه كانت سنة رسول الله ص و قد غيرها خلفاء الجور بعده تأليفا لقلوب الرؤساء و الأشراف فلما أراد أمير المؤمنين ع تجديد سنة رسول الله ص صار الأمر إلى ما صار. و أما ما نقل عن النبي ص في غنائم حنين و الهوازن من تفضيل جماعة من أهل مكة و أشراف العرب فكأنه كان مأمورا بذلك في خصوص تلك الواقعة لمصلحة عظيمة في الدين أو كان ذلك من نصيبه ص و سهم أهل بيته ع من الخمس

 5-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن بعض أصحابنا عن هارون عن ابن صدقة عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع لا تختانوا ولاتكم و لا تغشوا هداتكم و لا تجهلوا أئمتكم و لا تصدعوا عن حبلكم فتفشلوا و تذهب ريحكم و على هذا فليكن تأسيس أموركم و الزموا هذه الطريقة فإنكم لو عاينتم ما عاين من قد مات منكم ممن خالف ما قد تدعون إليه لبدرتم و خرجتم و لسمعتم و لكن محجوب عنكم ما قد عاينوا و قريبا ما يطرح الحجاب

 بيان الاختيان الخيانة و أما النسبة إلى الخيانة كما توهم فلم يرد في اللغة و المراد بالولاة الأئمة ع أو الأعم منهم و من المنصوبين من قبلهم خصوصا بل عموما أيضا و كذا الهداة هم الأئمة ع أو الأعم منهم و من العلماء الهادين إلى الحق. لا تجهلوا على بناء التفعيل أي لا تنسبوهم إلى الجهل أو على بناء المجرد أي اعرفوهم بصفاتهم و علاماتهم و دلائلهم و ميزوا بين ولاة الحق و ولاة الجور و لا تجهروا حقوقهم و رعايتهم و طاعتهم. و التصدع التفرق و الحبل كناية عما يتوصل به إلى النجاة و المراد هنا الكتاب و أهل البيت ع كما مر أنهم حبل الله المتين و قال ع كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و الفشل الضعف و الجبن و الفعل كعلم و الريح الغلبة و القوة و الرحمة و النصرة و الدولة و هو إشارة إلى قوله تعالى وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ. قوله ع و على هذا أي ليكن أساس دينكم و أعمالكم على التمسك بحبلهم ع. قوله ع ما قد تدعون إليه أي من الجهاد مع معاوية و أضرابه أو الاقتداء بأئمة الحق و متابعتهم لبدرتم أي إلى طاعة أئمتكم و خرجتم إلى الجهاد و لسمعتم قولهم و أطعتم أمرهم

 6-  كا، ]الكافي[ العدة عن أحمد بن محمد عن عبد الرحمن بن حماد و غيره عن حنان بن سدير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول نعيت إلى النبي ص نفسه و هو صحيح ليس به وجع قال نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ قال فنادى ع الصلاة جامعة و أمر المهاجرين و الأنصار بالسلاح فاجتمع الناس فصعد النبي ص المنبر فنعى إليهم نفسه ثم قال أذكر الله الوالي من بعدي على أمتي ألا يرحم على جماعة المسلمين فأجل كبيرهم و رحم ضعيفهم و وقر عالمهم و لم يضر بهم فيذلهم و لم يفقرهم فيكفرهم و لم يغلق بابه دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم و لم يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل أمتي ثم قال قد بلغت و نصحت فاشهدوا قال أبو عبد الله ع هذا آخر كلام تكلم به رسول الله ص على منبره

  بيان يقال نعاه لي و إلي أخبرني بموته و نفسه نائب الفاعل و ضمير به أخيرا لمصدر نعيت و الصلاة منصوب بالإغراء و جامعة حال أو الصلاة مبتدأ و جامعة خبره أي تجمع الناس لأدائها و هذا وضع لنداء الصلاة ثم استعمل لكل أمر يراد الاجتماع له و لعل الأمر بالسلاح لإرادة بيان ما ثقل على الناس و يخاف منه الفتنة و إن لم يذكر في الرواية. قوله ألا يرحم ألا بالفتح إما كلمة تحضيض أو مركب من أن الناصبة و لا النافية و يقدر معه كلمة في أي أذكره في أن لا يرحم أي في عدم الرحم أو بالكسر كلمة استثناء أي أذكرهم في جميع الأحوال إلا حال الرحم كقولهم أسألك إلا فعلت كذا و يحتمل أن تكون إن شرطية و الفعل مجزوما. و رحم ضعيفهم يشتمل الصغير و الفقير و النساء و لم يضر بهم من الإضرار و ربما يقرأ من الضرب و هو بعيد و لم يفقرهم أي لم يدعهم فقراء بعدم دفع أموال الله إليهم أو بأخذ أموالهم. فيكفرهم أي يصير سببا لكفرهم إذ كثيرا ما يصير الفقر سببا للكفر لقلة الصبر عليه و هو أحد معاني قول النبي ص كاد الفقر أن يكون كفرا قوله ص و لم يخبزهم في بعض النسخ بالخاء المعجمة ثم الباء الموحدة ثم الزاء المعجمة و الخبز السوق الشديد و في بعضها بالجيم و النون من قولهم جنزه يجنزه إذا ستره و جمعه. و في قرب الإسناد بالجيم ثم الميم ثم الراء المهملة هكذا و لم يجمرهم في ثغورهم و هو أظهر نظرا إلى التعليل قال في النهاية في حديث عمر لا تجمروا الجيوش فتفتنوهم تجمير الجيش جمعهم في الثغور و حبسهم عن العود إلى أهلهم و البعوث الجيوش و هذا آخر كلام أي من جملة آخر خطبة له ص

 7-  كا، ]الكافي[ محمد بن علي و غيره عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن رجل عن حبيب بن أبي ثابت قال جاء إلى أمير المؤمنين ع عسل و تين من همدان و حلوان فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رءوس الأزقاق يلعقونها و هو يقسمها للناس قدحا قدحا فقيل له يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها فقال إن الإمام أبو اليتامى و إنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء

 بيان لعله ذكر التين استطرادا فإن اللعق كان لأزقاق العسل و يمكن أن يكون التين أيضا في الأزقاق فاعتصر منها دبس ألعقهم إياه أيضا و همدان بفتح الهاء و سكون الميم و الدال المهملة اسم قبيلة باليمن و بفتح الهاء و الميم و الذال المعجمة اسم البلد المعروف و لا يخفى أن المناسب هنا البلد لكنه شاع تسمية البلد أيضا بالمهملة و حلوان من بلاد كردستان قريبة من بغداد. و في القاموس العريف كأمير من يعرف أصحابه و الجمع عرفاء و رئيس القوم سمي به لأنه عرف بذلك أو النقيب و هو دون الرئيس. برعاية الآباء أي برعاية يشبه رعاية الآباء أو لرعاية آبائهم فإن احترام الأولاد يوجب احترامهم

 8-  كا، ]الكافي[ العدة عن البرقي و علي عن أبيه جميعا عن الأصبهاني عن المنقري عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله ع أن النبي ص قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه و علي أولى به من بعدي فقيل له ما معنى ذلك فقال قول النبي ص من ترك دينا أو ضياعا فعلي و من ترك مالا فلورثته فالرجل ليست له ولاية على نفسه إذا لم يكن له مال و ليس له على عياله أمر و لا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة و النبي و أمير المؤمنين و من بعدهما ألزمهم هذا فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم و ما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله ص و أنهم آمنوا على أنفسهم و عيالاتهم

 بيان فقال قول النبي ص أي معناه قول النبي ص أو سببه أو هو تفسير للشي‏ء بمثال له لو عرف لعرف معنى ذلك الشي‏ء و لعل المراد بعدم الولاية على النفس أنه ملوم مخذول عند نفسه أو لا يمكنه حمل نفسه على النوافل و الآداب و الإنفاق و أداء الديون و غيرها مما لا يتيسر بغير المال و قيل أي ليست له ولاية في أداء ديونه إذ عجز عنه و عدم الولاية على العيال بالأمر و النهي لأنه لا يمكنه أن يأمرهم بالجلوس في بيوتهم لأنه لا بد لهم من تحصيل النفقة أو أن يأمرهم بالتقتير في النفقة و ينهاهم عن بذل المال لأنه ليس مال عندهم. قوله ألزمهم لعل ضمير الجمع راجع إلى النبي ص و الأئمة ع و ضمير الفاعل المستتر إليه و يحتمل أن يكون أفعل التفضيل فيكون ضمير الجمع راجعا إلى الناس

 9-  كا، ]الكافي[ العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن صباح بن سيابة عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك إن الله تبارك و تعالى يقول إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ الآية فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه

  بيان أيما مركب من أي و ما الزائدة لتأكيد العموم و هو مبتدأ مضاف إلى مؤمن و الترديد إما من الراوي أو من الإمام ع بناء على أن المراد بالمؤمن الكامل الإيمان و بالمسلم كل من صحت عقائده أو المؤمن من صحت عقائده و المسلم من أظهر العقائد الحقة و إن كان منافقا فإن المنافقين كانوا مشاركين للمؤمنين في الأحكام الظاهرة. و الفساد الصرف في المعصية و الإسراف البذل زائدا على ما ينبغي و إن كان في مصرف حق و إن لم يقضه أي على الفرض المحال أو هو مبني على أن المراد بالإمام أعم من إمام الحق و الجور

 10-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله و حلم يملك به غضبه و حسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم و في رواية أخرى حتى يكون للرعية كالأب الرحيم

 11-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن سهل عن معاوية بن حكيم عن محمد بن أسلم عن رجل من طبرستان يقال له محمد قال قال معاوية و لقيت الطبري محمدا بعد ذلك فأخبرني قال سمعت علي بن موسى ع يقول المغرم إذا تدين أو استدان في حق الوهم من معاوية أجل سنة فإن اتسع و إلا قضى عنه الإمام من بيت المال

 بيان قال كلام علي بن محمد و الضمير لسهل بعد ذلك أي بعد رواية محمد بن أسلم لمعاوية الحديث و المغرم بضم الميم و فتح الراء المديون و الوهم أي الشك بين تدين و استدان و هو كلام سهل أو علي و في القاموس أدان و ادان و استدان و تدين أخذ دينا انتهى و إلا مركب من الشرطية و حرف النفي و يحتمل الاستثناء

  -12  نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع في بعض خطبه أيها الناس إن لي عليكم حقا و لكم علي حق فأما حقكم علي فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم و تعليمكم كي لا تجهلوا و تأديبكم كي ما تعلموا و أما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة و النصيحة في المشهد و المغيب و الإجابة حين أدعوكم و الطاعة حين آمركم

 13-  و قال ع لكم علينا العمل بكتاب الله تعالى و سيرة رسول الله ص و القيام بحقه و النعش لسنته

 14-  و من خطبة له ع خطبها بصفين أما بعد فقد جعل الله لي عليكم حقا بولاية أمركم و لكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم فالحق أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه و لا يجري عليه إلا جرى له و لو كان لأحد أن يجري له و لا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده و لعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه و لكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه و توسعا بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ في وجوهها و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب بعضها إلا ببعض و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية و حق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل فجعلها نظاما لألفتهم و عزا لدينهم فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة و لا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه و أدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم و قامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل و جرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء و إذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة و ظهرت معالم الجور و كثر الإدغال في الدين و تركت محاج السنن فعمل بالهوى و عطلت الأحكام و كثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل و لا لعظيم باطل فعل فهنالك تذل الأبرار و تعز الأشرار و تعظم تبعات الله عند العباد فعليكم بالتناصح في ذلك و حسن التعاون عليه فليس أحد و إن اشتد على رضا الله حرصه و طال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة له و لكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم و التعاون على إقامة الحق بينهم و ليس امرؤ و إن عظمت في الحق منزلته و تقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه و لا امرؤ و إن صغرته النفوس و اقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه فأجابه رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له فقال ع إن من حق من عظم جلال الله في نفسه و جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه و إن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه و لطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما و إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر و يوضع أمرهم على الكبر و قد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء و استماع الثناء و لست بحمد الله كذلك و لو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله و إليكم من التقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة و لا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة و لا تخالطوني بالمصانعة و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي و لا التماس إعظام لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ و لا آمن ذاك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما أنا و أنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا و أخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصير بعد العمى

 أقول سيأتي بسند آخر أبسط من ذلك مشروحا في كتاب الفتن

 15-  كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه عن ابن نباتة قال خطب علي ع و قال في خطبته إن أحق ما يتعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله عليهم في وظائف دينهم و إنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به و أن ننهاكم عما نهاكم الله عنه و أن نقيم أمر الله في قريب الناس و بعيدهم لا نبالي فيمن جاء الحق عليه إلى آخر الخطبة