باب 14- العلّة التي من أجلها ترك الناس عليّا عليه السلام

 ع، لي أحمد بن يحيى المكتب، عن أحمد بن محمد الورّاق، عن محمد بن الحسن بن دريد، عن العباس بن الفرج الرياشي، عن أبي زيد النحوي قال سألت الخليل بن أحمد العروضي فقلت لم هجر الناس عليّا عليه السلام و قرباه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قرباه، و موضعه من المسلمين موضعه، و عناؤه في الإسلام عناؤه. فقال بهر و اللَّه نوره أنوارهم، و غلبهم على صفو كلّ منهل، و الناس إلى أشكالهم أميل، أ ما سمعت الأوّل حيث يقول

و كلّ شكل لشكله ألف أ ما ترى الفيل يألف الفيلا

قال و أنشدنا الرياشي في معناه عن العباس بن الأحنف 

و قائل كيف تهاجرتما فقلت قولا فيه إنصاف‏لم يك من شكلي فهاجرته و الناس أشكال و ألّاف

 بيان القربى بالضم مصدر بمعنى القرابة. و العناء التّعب و النّصب. و بهره بهرا غلبه. و المنهل عين ماء ترده الإبل في المراعي، أي أخذ منهم من كلّ منهل من مناهل الخيرات و السعادات صفوه و خالصه. و الإلف بالكسر الأليف، و الألّاف بالضم و التشديد جمع آلف، ككافر و كفّار.

 ن، ع الطالقاني، عن أحمد الهمداني، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن أمير المؤمنين عليه السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره، و قد عرفوا فضله و سابقته و مكانه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله. فقال إنّما مالوا عنه إلى غيره و قد عرفوا فضله لأنّه قد كان قتل من آبائهم و أجدادهم و إخوانهم و أعمامهم و أخوالهم و أقربائهم المحادّين للَّه و لرسوله عددا كثيرا، و كان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبّوا أن يتولّى عليهم، و لم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك، لأنّه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مثل ما كان، فلذلك عدلوا عنه و مالوا إلى سواه.

 قب سأل أبو زيد النحوي الخليل بن أحمد ما بال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كأنّهم بنو أمّ واحدة و عليّ عليه السلام كأنّه ابن علة. قال تقدّمهم إسلاما، و بذّهم شرفا، و فاقهم علما، و رجحهم حلما، و كثرهم هدى، فحسدوه، و الناس إلى أمثالهم و أشكالهم أميل...

 و قيل لمسلمة بن نميل ما لعليّ عليه السلام رفضه العامّة و له في كلّ خير ضرس قاطع. فقال لأنّ ضوء عيونهم قصير عن نوره، و الناس إلى أشكالهم أميل....

قال الشعبي ما ندري ما نصنع بعليّ بن أبي طالب )ع(، إن أحببناه افتقرنا، و إن أبغضناه كفرنا. و قال النظام عليّ بن أبي طالب محنة على المتكلّم، إن وفى حقّه غلا، و إن بخسه حقّه أساء، و المنزلة الوسطى دقيقة الوزن، حادّة الشّاف، صعب الترقّي إلّا على الحاذق الديّن. و قال أبو العيناء لعليّ بن الجهم إنّما تبغض عليّا عليه السلام لأنّه كان يقتل الفاعل و المفعول و أنت أحدهما. فقال له يا مخنّث فقال أبو العيناء وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ. بيان قال في النهاية أولاد العلّات الّذين أمّهاتهم مختلفة و أبوهم واحد.

 قب قال ابن عمر لعليّ عليه السلام كيف تحبّك قريش و قد قتلت في يوم بدر و أحد من ساداتهم سبعين سيّدا تشرب أنوفهم الماء قبل شفاههم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام

ما تركت بدر لنا مذيقا و لا لنا من خلفنا طريقا

 و سئل زين العابدين عليه السلام و ابن عباس أيضا لم أبغضت قريش عليّا عليه السلام. قال لأنّه أورد أوّلهم النار و قلّد آخرهم العار.

 معرفة الرجال، عن الكشيّ أنّه كانت عداوة أحمد بن حنبل لأمير المؤمنين عليه السلام أنّ جدّه ذا الثدية قتله أمير المؤمنين يوم النهروان.

  كامل المبرد أنّه كان أصمع بن مظهر جدّ الأصمعي قطعه عليّ عليه السلام في السرقة، فكان الأصمعي يبغضه، قيل له من أشعر الناس. قال من قال

كأنّ أكفّهم الهمام تهوي عن الأعناق تلعب بالكرينا

فقالوا السيّد الحميري. فقال هو و اللَّه أبغضهم إليّ.

بيان شرب أنوفهم الماء قبل شفاههم.. كناية عن طول أنوفهم لبيان حسنهم، فإنّ العرب تمتدح بذلك، و قد روى نحوه في أوصاف النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، أو لبيان شرفهم و فخرهم فإنّهما ممّا ينسب إلى الأنف، و الأول أظهر. و المذيق اللّبن الممزوج بالماء، و قد مذقت اللّبن فهو ممذوق و مذيق، و رجل مماذق غير مخلص في الودّ. و في الديوان صديقا، مكان مذيقا. و الكرين بضم الكاف و كسرها جمع كرة.

 ع، لي الحسين بن عبد اللَّه العسكري، عن إبراهيم بن رعد العبشمي، عن ثبيت بن محمد، عن أبي الأحوص المصري، عن جماعة من أهل العلم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال بينما أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه في أصعب موقف بصفّين إذ قام إليه رجل من بني دودان فقال ما بال قومكم دفعوكم عن هذا الأمر، و أنتم الأعلون نسبا، و أشدّ نوطا بالرسول صلّى اللَّه عليه و آله، و فهما بالكتاب و السنّة فقال سألت يا أخا بني دودان و لك حقّ المسألة و ذمام الصهر، و إنّك لقلق الوضين ترسل عن ذي مسد، إنّها امرأة شحّت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين، و نعم الحكم اللَّه، فدع عنك نهبا صيح في حجراته، و هلمّ الخطب في ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه.

و لا غرو إلّا جارتي و سؤالها ألا هل لنا أهل سألت كذلك

بئس القوم من خفضني و حاولوا الإدهان في دين اللَّه، فإن ترفع عنّا محن البلوى أحملهم من الحقّ على محضه، و إن تكن الأخرى فلا تأس على القوم الفاسقين، إليك عنّي يا أخى بني سيدان.

 نهج و من كلام له )ع( لبعض أصحابه و قد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام و أنتم أحقّ به فقال يا أخا بني أسد إنّك لقلق الوضين ترسل في غير سدد، و لك بعد ذمامة الصّهر و حقّ المسألة، و قد استعلمت فاعلم أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام و نحن الأعلون نسبا، و الأشدّ بالرّسول صلّى اللَّه عليه و آله نوطا، فإنّها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين، و الحكم اللَّه، و المعود إليه القيامة.. و دع عنك نهبا صيح في حجراته.. و هلمّ الخطب في ابن أبي طفيان فلقد أضحكني الدّهر بعد إبكائه، و لا غرو و اللَّه، فيا له خطبا يستفرغ العجب و يكثر الأود حاول القوم إطفاء نور اللَّه من مصباحه، و سدّ فوّاره من ينبوعه، و جدحوا بيني و بينهم شربا وبيئا، فإن يرتفع عنّا و عنهم محن البلوى، أحملهم من الحقّ على محضه، و إن تكن الأخرى، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ.

 و لنوضح روايتي الصدوق و السيّد رضي اللَّه عنهما قال الفيروزآبادي دودان.. ابن أسد أبو قبيلة فلا ينافي ما في النهج أنّه كان من بني أسد. و قال الجوهري ناط الشيّ‏ء ينوطه نوطا علّقه. قوله عليه السلام ذمام الصهر.. الذّمام بالكسر الحرمة، و أمّا كونه صهرا فقيل لأنّ زينب بنت جحش زوجة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كانت أسديّة، و نقل الراوندي رحمه اللَّه أنّه كان متزوّجا في بني أسد، و أنكره ابن أبي الحديد. و قال في النهاية في حديث عليّ )عليه السلام( »إنّك لقلق الوضين«.. الوضين بطان منسوج بعضه على بعض يشدّ به الرّحل على البعير كالحزام للسّرج، أراد به أنّه سريع الحركة، يصفه، بالخفّة و قلّة الثّبات، كالحزام إذا كان رخوا. قوله عليه السلام ترسل في غير سدد.. الإرسال الإطلاق و الإهمال و التّوجيه، و السّدد و السداد الاستقامة و الصّواب.. أي تطلق عنان دابّتك أو تهملها و توجّهها في غير مواضعها، أي تتكلّم في غير موضع الكلام، و تسأل مثل هذا الأمر الذي لا يمكن التصريح بمخّ الحقّ فيه في مجمع النّاس. و في رواية الصدوق عن ذي مسد.. و المسد الحبل الممسود أي المفتول من نبات أو لحاء شجرة، و قيل المسد المرود البكرة الّذي تدور عليه ذكرهما في النهاية فيمكن أن يقرأ على بناء المعلوم.. أي ترسل الكلام كما يرسل البكرة على المرود عند الاستقاء، أو المعنى تطلق حيوانا له مسد ربط به، كناية عن التكلّم بما له مانع عن التكلّم به، و على المجهول.. أي تنطق بالكلام عن غير تأمّل ثم تصير معلّقا بالحبل بين السماء و الأرض لا تدري الحيلة فيه، أو بتشديد الدال.. أي ترسل الماء عن مجرى له محل سدّ أو وسّد، و الأظهر أنّه تصحيف، و فيما سيأتي من رواية المفيد من غير ذي مسد، و هو أظهر. و الاستبداد بالشّي‏ء التّفرّد به، و الضمير في قوله عليه السلام فإنّها.. راجعة إلى الخلافة أو الدنيا لظهورهما بقرينة المقام. و قيل إلى الأثرة المفهومة من الاستبداد، و هو بعيد. و في الأمالي امرأة، و كأنّه تصحيف إمرة بالكسر أي إمارة. قوله عليه السلام شحّت.. أي بخلت، و النفوس الشاحّة نفوس أهل السقيفة. قوله عليه السلام و المعود إليه.. اسم مكان، و يروى يوم القيامة بالنصب على أن يكون ظرفا، و العامل فيه المعود على أن يكون مصدرا. قوله عليه السلام دع عنك نهبا صيح في حجراته.. البيت لإمرئ القيس و تمامه

و لكن حديثا ما حديث الرواحل

و كان من قصّة هذا الشعر أنّ إمرأ القيس لمّا انتقل في أحياء العرب بعد قتل أبيه نزل على رجل من جديلة طي يقال له طريف، فأحسن جواره، فمدحه و أقام عنده، ثم إنّه خاف أن لا يكون له منعة فتحول و نزل على خالد بن سدوس النبهاني فأغارت بنو جديلة على إمرئ القيس و هو في جوار خالد فذهبوا بإبله، فلمّا أتاه الخبر ذكر ذلك لجاره فقال له أعطني رواحلك ألحق عليها القوم فأردّ عليك إبلك ففعل، فركب خالد في أثر القوم حتى أدركهم، فقال يا بني جديلة أغرتم على إبل جاري. فقالوا ما هو لك بجار. قال بلى و اللَّه و هذه رواحله. قالوا كذلك. قال نعم. فرجعوا إليه و أنزلوه عنهنّ و ذهبوا بهنّ و بالإبل. و قيل بل انطوى خالد على الإبل فذهب بها، فقال إمرؤ القيس دع عنك.. إلى آخر القصيدة، و المعنى دع عنك نهبا.. أي اتركه. و النّهب الغنيمة. و الحجرات النّواحي جمع حجرة كجمرة و جمرات. و الصياح صياح الغارة. و الرّواحل جمع راحلة و هي النّاقة التيّ تصلح لأن يشدّ الرّحل على ظهرها، و انتصب حديثا بإضمار فعل.. أي حدّثني أو هات أو اسمع، و يروى بالرفع.. أي غرضي حديث فحذف المبتدأ، و )ما( هاهنا تحتمل أن تكون إبهاميّة، هي التي إذا اقترنت بنكرة زادته إبهاما، أو صلة مؤكّدة كما في قوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ. و أمّا حديث الثاني فقد ينصب على البدل من الأول، و قد يرفع على أن يكون )ما( موصولة و صلتها الجملة.. أي الذي هو حديث الرواحل، ثم حذف صدرها كما حذف في تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ، أو على أن تكون استفهاميّة بمعنى أيّ. و قوله عليه السلام و هلمّ الخطب.. يؤيّد أنّه عليه السلام لم يستشهد إلّا بصدر البيت، فإنّه قائم مقام قول إمرئ القيس و لكن حديثا ما. و هلمّ يستعمل لازما و متعدّيا، فاللّازم بمعنى تعال، و يستوي فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث في لغة أهل الحجاز، و أهل نجد يقولون هلمّا و هلمّوا، و المتعدّي بمعنى هات، قال تعالى هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ و هنا يحتمل الوجهين، و إن كان الثاني أظهر، أي لا تسأل عن اللصوص الثلاثة الماضية، فإنّهم نهبوا الخلافة و صاحوا في حجراته و مضوا، و لكن هات ما نحن فيه الآن من خطب ابن أبي سفيان لنتكلّم فيه و نشتغل بدفعه، فإنّه أعجب و أغرب، و التعرّض له أهمّ. و الخطب الحادث الجليل و الأمر العظيم. قوله عليه السلام بعد إبكائه.. قيل الإبكاء إشارة إلى ما كان عليه من الكآبة لتقدّم الخلفاء، و الضحك للتعجب من أنّ الدهر لم يقنع بذلك حتى جعل معاوية منازعا له في الخلافة، و الأظهر أنّ كليهما في أمر معاوية، أو في أمره و أمر من تقدّمه فإنّها محل للحزن و التعجب معا. و الغرو بالغين المعجمة المفتوحة و الراء المهملة الساكنة العجب أي لا عجب و اللَّه، ثم فسّره بما بعده فقال يستفرغ العجب.. أي لم يبق منه ما يطلق عليه لفظ التعجب، و هذا من المبالغة في المبالغة، أي هذا أمر يجلّ عن التعجب كقول ابن هاني المغربي

قد سرت في الميدان يوم طرادهم فعجبت حتى كدت لا أتعجّب

و الأود العوج، و يحتمل أن يكون لا غرو، معناه أنّ ما ورد عليّ ليس بعجب من تقلّبات الدنيا و أحوالها، و قوة الباطل و غلبة أهله فيها، فيكون قوله عليه السلام فيا له.. استئنافا لاستعظام الأمر، أو المعنى لا غرو في أن أضحكني و أبكاني لأمر واحد. و أمّا رواية الصدوق، فلعلّ المعنى لا عجب إلّا من جارتي، و سؤالها عنّي لم لم تنتصر ممّن ظلمك هل كان لي أهل يعينني فأسأل عن ذلك أي مع علمك بتفرّدي و تخذّل الناس عنّي ما كنت تحتاج إلى السؤال عن علّة الأمر. و فوّار الينبوع بالفتح و تشديد الواو ثقب البئر، و الفوار بالضم و التخفيف ما يفور من حرّ القدر، و قرئ بهما، و الأول أظهر. و جدحوا.. أي خلطوا و مزجوا و أفسدوا. و الوبيّ ذو الوباء و المرض. و الشّرب بالكسر الحظّ من الماء، و الشرب الوبي هو الفتنة الحاصلة من عدم انقيادهم له عليه السلام كالشرب المخلوط بالسمّ. قوله عليه السلام فإن يرتفع.. أي بأن يتّبعوا أمري.

 قل حكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل عند ذكر أبي الهيثم بن التيهان إنّه أوّل من ضرب على يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في ابتداء أمر نبوّته. ثم قال بإسناده إنّ أبا الهيثم قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين أمّا خيارهم، فتمنّوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملإ و ارتفاع الدرجة، و أمّا شرارهم، فحسدوا حسدا أثقل القلوب و أحبط الأعمال، و ذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمها إليك الحظّ و أخّرهم عنها الحرمان، فلم يرضوا أن يلحقوا حتّى طلبوا أن يسبقوك، فبعدت و اللَّه عليهم الغاية، و قطعت المضمار، فلمّا تقدّمتهم بالسبق و عجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت، و كنت و اللَّه أحقّ قريش بشكر قريش، نصرت نبيّهم حيّا، و قضيت عنه الحقوق ميّتا، و اللَّه ما بغيهم إلّا على أنفسهم، و لا نكثوا إلّا بيعة اللَّه، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فيها، و نحن معاشر الأنصار أيدينا و ألسنتنا معك، فأيدينا على من شهد و ألسنتنا على من غاب.

أقول روى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني، عن فضيل بن الجعد، قال آكد الأسباب كان في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين عليه السلام أمر المال، فإنّه لم يكن يفضّل شريفا على مشروف، و لا عربيّا على عجميّ، و لا يصانع الرؤساء و أمراء القبائل كما يصنع الملوك، و لا يستميل أحدا إلى نفسه، و كان معاوية بخلاف ذلك، فترك الناس عليّا عليه السلام و التحقوا بمعاوية، فشكا عليّ عليه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه و فرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر يا أمير المؤمنين إنّا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة و أهل الكوفة و رأي الناس واحد، و قد اختلفوا بعد و تعادوا و ضعفت النيّة و قلّ العدد، و أنت تأخذهم بالعدل، و تعمل فيهم بالحق، و تنصف للوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة، فضجّت طائفة ممّن تبعك من الحقّ إذ عمّوا به و اغتمّوا من الحقّ إذ صاروا فيه، و رأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء و الشرف، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، و قلّ من ليس للدنيا، و أكثرهم يجتوي الحقّ و يشتري الباطل، و يؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال و تصفو نصيحتهم، و يستخلص ودّهم لك يا أمير المؤمنين و كبت أعداؤك، و فضّ جمعهم، و أوهن كيدهم، و شتّت أمورهم، إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فقال عليّ عليه السلام أمّا ما ذكرت من علمنا و سيرتنا بالعدل، فإنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، و أمّا من أن أكون مقصّرا فيما ذكرت أخوف. و أمّا ما ذكرت من أنّ الحقّ ثقيل عليهم ففارقوا بذلك، فقد علم اللَّه أنّهم لم يفارقونا من جور و لا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل، و لم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم كان قد فارقوها، و ليسألنّ يوم القيامة أ للدنيا أرادوا أم للَّه عملوا. و أمّا ما ذكرت من بذل الأموال و اصطناع الرجال، فإنّه لا يسعنا أن نوتي امرأ من الفي‏ء أكثر من حقّه، و قد قال اللَّه سبحانه و قوله الحق كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ و قد بعث اللَّه محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله وحده، و كثّره بعد القلّة، و أعزّ فئته بعد الذلّة، و إن يرد اللَّه أن يولينا هذا الأمر يذلّل لنا صعبه، و يسهّل لنا حزنه، و أنا قابل من رأيك ما كان اللَّه عزّ و جلّ رضى، و أنت من آمن الناس عندي، و أنصحهم لي، و أوثقهم في نفسي إن شاء اللَّه.

 و روى أيضا في الكتاب المذكور، عن هارون بن سعد قال قال عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب لعليّ عليه السلام يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فو اللَّه ما لي نفقة إلّا أن أبيع دابّتي. فقال لا و اللَّه، ما أجد لك شيئا إلّا أن تأمر عمّك يسرق فيعطيك.

 ما جماعة، عن أبي المفضّل، عن محمد بن العباس النحوي، عن الخليل بن أسد، عن محمد بن سلام، قال حدّثني يونس بن حبيب النحوي و كان عثمانيّا قال قلت للخليل بن أحمد أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها عليّ قال إنّ قولك يدلّ على أنّ الجواب أغلظ من السؤال، فتكتمه أنت أيضا قال قلت نعم أيّام حياتك. قال سل. قال ما بال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و رحمهم كأنّهم كلّهم بنو أمّ واحدة و عليّ بن أبي طالب عليه السلام من بينهم كأنّه ابن علة. قال من أين لك هذا السؤال. قال قلت قد وعدتني الجواب. قال قد ضمنت لي الكتمان. قال قلت أيّام حياتك. فقال إنّ عليّا عليه السلام تقدّمهم إسلاما و فاقهم علما، و بذهم شرفا، و رجّحهم زهدا، و طالهم جهادا، فحسدوه، و الناس إلى أشكالهم و أشباههم أميل منهم إلى من بان منهم، فافهم.