باب 16- آخر فيما كتب عليه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحا و تلويحا

 1-  قال السيّد ابن طاوس رحمه اللّه في كتاب كشف المحجّة لثمرة المهجة قال محمد بن يعقوب في كتاب الرسائل علي بن إبراهيم، بإسناده، قال كتب أمير المؤمنين عليه السلام كتابا بعد منصرفه من النهروان و أمر أن يقرأ على الناس، و ذلك أنّ الناس سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان، فغضب عليه السلام و قال قد تفرّغتم للسؤال عمّا لا يعنيكم، و هذه مصر قد انفتحت، و قتل معاوية بن خديج محمد بن أبي بكر، فيا لها من مصيبة ما أعظمها مصيبتي بمحمّد فو اللّه ما كان إلّا كبعض بنيّ، سبحان اللّه بينا نحن نرجو أن نغلب القوم على ما في أيديهم إذ غلبونا على ما في أيدينا، و أنا كاتب لكم كتابا فيه تصريح ما سألتم إن شاء اللّه تعالى. فدعا كاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع فقال له أدخل عليّ عشرة من ثقاتي، فقال سمّهم لي يا أمير المؤمنين، فقال أدخل أصبغ بن نباتة و أبا الطفيل عامر  ابن واثلة الكناني، و زر بن حبيش الأسدي، و جويريّة بن مسهر العبدي، و خندق بن زهير الأسدي، و حارثة بن مضرب الهمداني، و الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمداني، و مصابيح النخعي، و علقمة بن قيس، و كميل بن زياد، و عمير بن زرارة، فدخلوا إليه، فقال لهم خذوا هذا الكتاب و ليقرأه عبيد اللّه ابن أبي رافع و أنتم شهود كلّ يوم جمعة، فإن شغب شاغب عليكم فأنصفوه بكتاب اللّه بينكم و بينه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى شيعته من المؤمنين و المسلمين، فإنّ اللّه يقول وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ و هو اسم شرّفه اللّه تعالى في الكتاب و أنتم شيعة النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله كما أنّ من شيعته إبراهيم اسم غير مختصّ، و أمر غير مبتدع، و سلام عليكم، و اللّه هو السلام المؤمن أولياءه من العذاب المهين، الحاكم عليهم بعدله، بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و أنتم معاشر العرب على شرّ حال، يغذوا أحدكم كلبه، و يقتل ولده، و يغير على غيره، فيرجع و قد أغير عليه، تأكلون العلهز و الهبيد و الميتة و الدم، منيخون على أحجار خشن و أوثان مضلّة، تأكلون الطعام الجشب، و تشربون  الماء الآجن، تسافكون دماءكم، و يسبي بعضكم بعضا، و قد خصّ اللّه قريشا بثلاث آيات و عمّ العرب بآية، فأمّا الآيات اللّواتي في قريش فهو قوله تعالى وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، و الثانية وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، و الثالثة قول قريش لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين دعاهم إلى الإسلام و الهجرة وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا، فقال اللّه تعالى أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، و أمّا الآية التي عمّ بها العرب فهو قوله وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، فيا لها نعمة ما أعظمها إن لم تخرجوا منها إلى غيرها، و يا لها مصيبة ما أعظمها إن لم تؤمنوا بها و ترغبوا عنها، فمضى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد بلّغ ما أرسل به، فيا لها مصيبة خصّت الأقربين و عمّت المؤمنين لم تصابوا بمثلها و لن تعاينوا بعدها مثلها، فمضى لسبيله صلّى اللّه عليه و آله و ترك كتاب اللّه و أهل

  بيته إمامين لا يختلفان، و أخوين لا يتخاذلان، و مجتمعين لا يفترقان، و لقد قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و لأنا أولى بالناس منّي بقميصي هذا، و ما ألقى في روعي، و لا عرض في رأيي أن وجه الناس إلى غيره، فلما أبطئوا عنّي بالولاية لهممهم، و تثبّط الأنصار و هم أنصار اللّه و كتيبة الإسلام قالوا أمّا إذا لم تسلّموها لعليّ فصاحبنا أحقّ بها من غيري، فو اللّه ما أدري إلى من أشكو فإمّا أن يكون الأنصار ظلمت حقّها، و إمّا أن يكونوا ظلموني حقّي، بل حقّي المأخوذ و أنا المظلوم. فقال قائل قريش إنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال الأئمّة من قريش، فدفعوا الأنصار عن دعوتها و منعوني حقّي منها، فأتاني رهط يعرضون عليّ النصر، منهم ابنا سعيد، و المقداد بن الأسود، و أبو ذر الغفاري، و عمّار بن ياسر، و سلمان الفارسي، و الزبير بن العوّام، و البراء بن العازب. فقلت لهم إنّ عندي من نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله عهدا و له إليّ وصيّة لست أخالف عمّا أمرني به، فو اللّه لو خزموني بأنفي لأقررت للّه تعالى سمعا و طاعة، فلمّا رأيت الناس قد انثالوا على أبي بكر للبيعة أمسكت يدي و ظننت أنّي أولى و أحقّ بمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منه و من غيره، و قد كان نبيّ اللّه أمر أسامة بن زيد على جيش و جعلهما في جيشه، و ما زال النبيّ صلّى اللّه عليه  و آله إلى أن فاضت نفسه يقول أنفذوا جيش أسامة، فمضى جيشه إلى الشام حتّى انتهوا إلى أذرعات فلقي جمعا من الروم فهزموهم و غنمهم اللّه أموالهم، فلمّا رأيت راجعة من الناس قد رجعت عن الإسلام تدعو إلى محو دين محمّد و ملّة إبراهيم عليهما السلام خشيت إن أنا لم أنصر الإسلام و أهله أرى فيه ثلما و هدما تك المصيبة عليّ فيه أعظم من فوت ولاية أموركم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل ثم تزول و تنقشع كما يزول و ينقشع السحاب، فنهضت مع القوم في تلك الأحداث حتى زهق الباطل و كانت كلمة اللّه هي العليا و إن زعم الكافرون. و لقد كان سعد لما رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى أيّها الناس إنّي و اللّه ما أردتها حتى رأيتكم تصرفونها عن عليّ، و لا أبايعكم حتى يبايع عليّ، و لعلّي لا أفعل و إن بايع، ثم ركب دابّته و أتى حوران و أقام في خان حتى هلك و لم يبايع. و قام فروة بن عمر الأنصاري و كان يقود مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

  فرسين و يصرم ألف وسق من تمر فيتصدّق به على المساكين فنادى يا معشر قريش أخبروني هل فيكم رجل تحلّ له الخلافة و فيه ما في عليّ عليه السلام. فقال قيس بن مخزمة الزهوي ليس فينا من فيه ما في عليّ عليه السلام. فقال له صدقت، فهل في عليّ عليه السلام ما ليس في أحد منكم. قال نعم. قال فما يصدّكم عنه. قال إجماع الناس على أبي بكر. قال أما و اللّه لئن أحييتم سنّتكم لقد أخطأتم سنّة نبيّكم، و لو جعلتموها في أهل بيت نبيّكم لأكلتم من فوقكم و من تحت أرجلكم. فولي أبو بكر فقارب و اقتصد فصحبته مناصحا، و أطعته فيما أطاع اللّه فيه جاهدا، حتى إذا احتضر، قلت في نفسي ليس يعدل بهذا الأمر عنّي، و لو لا خاصّة بينه و بين عمر و أمر كانا رضياه بينهما، لظننت أنّه لا يعدله عنّي و قد سمع قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لبريدة الأسلمي حين بعثني و خالد بن الوليد إلى اليمن و قال إذا افترقتما فكلّ واحد منكما على حياله، و إذا اجتمعتما فعليّ عليكم جميعا، فأغزنا و أصبنا سبيا فيهم خويلة بنت جعفر جار الصفا و إنّما سمّي جار الصفا من حسنه فأخذت الحنفيّة خولة و اغتنمها خالد منّي، و بعث بريدة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله محرشا عليّ، فأخبره بما كان من أخذي خولة، فقال يا بريدة حظّه في الخمس أكثر ممّا أخذ، إنّه وليّكم بعدي، سمعها أبو بكر و عمر، و هذا بريدة حيّ لم يمت، فهل  بعد هذا مقال لقائل. فبايع عمر دون المشورة فكان مرضيّ السيرة من الناس عندهم، حتى إذا احتضر قلت في نفسي ليس يعدل بهذا الأمر عنّي، للذي قد رأى منّي في المواطن، و سمع من الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فجعلني سادس ستة و أمر صهيبا أن يصلّي بالناس، و دعا أبا طلحة زيد بن سعد الأنصاري فقال له كن في خمسين رجلا من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستة، فالعجب من اختلاف القوم إذ زعموا أنّ أبي بكر استخلفه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فلو كان هذا حقّا لم يخف على الأنصار فبايعه الناس على الشورى، ثم جعلها أبو بكر لعمر برأيه خاصّة، ثمّ جعلها عمر برأيه شورى بين ستة، فهذا العجب من اختلافهم، و الدليل على ما لا أحبّ أن أذكر قول هؤلاء الرهط الذين قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو عنهم راض، فكيف يأمر بقتل قوم رضي اللّه عنهم و رسوله. إنّ هذا الأمر عجيب، و لم يكونوا لولاية أحد منهم أكره منهم لولايتي كانوا يسمعون و أنا أحاجّ أبا بكر و أنا أقول يا معشر قريش أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان منكم من يقرأ القرآن، و يعرف السنّة، و يدين دين الحقّ، و إنّما حجّتي إنّي وليّ هذا الأمر من دون قريش، إنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال الولاء لمن أعتق، فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعتق الرقاب من النار، و أعتقها من الرقّ، فكان للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ولاء هذه  الأمّة، و كان لي بعده ما كان له، فما جاز لقريش من فضلها عليها بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله جاز لبني هاشم على قريش، و جاز لي على بني هاشم، بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم غدير خمّ من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، إلّا أن تدّعي قريش فضلها على العرب بغير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فإن شاءوا فليقولوا ذلك، فخشي القوم إن أنا ولّيت عليهم أن آخذ بأنفاسهم، و أعترض في حلوقهم، و لا يكون لهم في الأمر نصيب، فأجمعوا على إجماع رجل واحد منهم حتى صرفوا الولاية عنّي إلى عثمان رجاء أن ينالوها و يتداولوها فيما بينهم، فبينا هم كذلك إذ نادى مناد لا يدرى من هو و أظنّه جنّيا فأسمع أهل المدينة ليلة بايعوا عثمان فقال

يا ناعي الإسلام قم فانعه قد مات عرف و بدا منكرما لقريش لا علا كعبها من قدّموا اليوم و من أخّرواإنّ عليّا هو أولى به منه فولّوه و لا تنكروا

فكان لهم في ذلك عبرة، و لو لا أنّ العامّة قد علمت بذلك لم أذكره، فدعوني إلى بيعة عثمان فبايعت مستكرها، و صبرت محتسبا، و علّمت أهل القنوت أن يقولوا اللّهمّ لك أخلصت القلوب، و إليك شخصت الأبصار، و أنت دعيت بالألسن، و إليك تحوكم في الأعمال، ف افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ، اللّهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا، و كثرة عدوّنا، و قلّة عددنا، و هواننا على الناس، و شدّة الزمان، و وقوع الفتن بنا، اللّهمّ ففرّج ذلك بعدل تظهره، و سلطان حقّ تعرّفه. فقال عبد الرحمن بن عوف يا ابن أبي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص. فقلت لست عليه حريصا، و إنّما أطلب ميراث رسول اللّه صلّى اللّه  عليه و آله و حقّه، و إنّ ولاء أمّته لي من بعده، و أنتم أحرص عليه منّي إذ تحولون بيني و بينه، و تصرفون وجهي دونه بالسيف، اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش فإنّهم قطعوا رحمي و أضاعوا أيّامي، و دفعوا حقّي، و صغّروا قدري و عظيم منزلتي، و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به منهم، فاستلبونيه. ثم قال اصبر مغموما أو مت متأسّفا، و ايم اللّه لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سببي فعلوا، و لكنّهم لا يجدون إلى ذلك سبيلا، إنّما حقّي على هذه الأمّة كرجل له حقّ على قوم إلى أجل معلوم، فإن أحسنوا و عجّلوا له حقّه قبله حامدا، و إن أخّروه إلى أجله أخذه غير حامد، و ليس يعاب المرء بتأخير حقّه، إنّما يعاب من أخذ ما ليس له، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عهد إليّ عهدا فقال يا ابن أبي طالب لك ولايتي فإن ولّوك في عافية و رجعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، و إن اختلفوا عليك فدعهم و ما هم فيه، فإنّ اللّه سيجعل لك مخرجا، فنظرت فإذا ليس لي رافد و لا معي مساعد إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن الهلاك، و لو كان بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّي حمزة و أخي جعفر لم أبايع كرها، و لكنّني منيت برجلين حديثي عهد بالإسلام، العبّاس و عقيل، فضننت بأهل بيتي عن الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، و تجرّعت  ريقي على الشجا، و صبرت على أمر من العلقم، و آلم للقلب من حزّ الشفار. و أمّا أمر عثمان فكأنّه علم من القرون الأولى عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى خذله أهل بدر و قتله أهل مصر، و اللّه ما أمرت و لا نهيت و لو أنّني أمرت كنت قاتلا، و لو أنّي نهيت كنت ناصرا، و كان الأمر لا ينفع فيه العيان و لا يشفي فيه الخبر، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه، و لا يستطيع من خذله أن يقول نصره من هو خير منّي، و أنا جامع أمره استأثر فأساء الأثرة، و جزعتم فأسأتم الجزع، و اللّه يحكم بينكم و بينه، و اللّه ما يلزمني في دم عثمان ثلمة ما كنت إلّا رجلا من المسلمين المهاجرين في بيتي فلمّا قتلتموه أتيتموني تبايعوني، فأبيت عليكم و أبيتم عليّ، فقبضت يدي فبسطتموها، و بسطتها فمددتموها، ثمّ تداككتم عليّ تداكّ الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتّى ظننت أنّكم قاتلي، و أنّ بعضكم قاتل لبعض، حتّى

  انقطعت النعل، و سقط الرداء، و وطئ الضعيف، و بلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن حمل إليها الصغير و هدج إليها الكبير، و تحامل إليها العليل، و حسرت لها الكعاب. فقالوا بايعنا على ما بويع عليه أبو بكر و عمر، فإنّا لا نجد غيرك و لا نرضى إلّا بك، فبايعنا لا نفترق و لا نختلف، فبايعتكم على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و دعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايعني طائعا قبلت منه، و من أبى تركته، فكان أوّل من بايعني طلحة و الزبير، فقالا نبايعك على أنّا شركاؤك في الأمر. فقلت لا، و لكنّكما شركائي في القوّة، و عوناي في العجز. فبايعاني على هذا الأمر و لو أبيا لم أكرههما كما لم أكره غيرهما، و كان طلحة يرجو اليمن و الزبير يرجو العراق، فلمّا علما أنّي غير مولّيهما استأذناني للعمرة يريدان الغدر، فأتيا عائشة و استخفاها مع كلّ شي‏ء في نفسها عليّ، و النساء نواقص الإيمان، نواقص العقول، نواقص الحظوظ، فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصلاة و الصيام في أيّام حيضهنّ، و أمّا نقصان عقولهنّ فلا شهادة لهنّ إلّا في الدين و شهادة امرأتين برجل، و أمّا نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الأنصاف من مواريث الرجال، و قادهما عبيد اللّه بن عامر إلى البصرة، و ضمن لهما الأموال و الرجال، فبينما هما يقودانها إذ هي تقودهما، فاتّخذاها فئة يقاتلان دونها، فأيّ خطيئة أعظم ممّا أتيا إخراجهما زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بيتها، فكشفا عنها حجابا ستره اللّه عليها، و صانا حلائلهما في بيوتهما و لا أنصفا اللّه و لا رسوله من أنفسهما،  ثلاث خصال مرجعها على الناس، قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ، و قال فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، و قال لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فقد بغيا عليّ، و نكثا بيعتي، و مكرا بي، فمنيت بأطوع الناس في الناس عائشة بنت أبي بكر، و بأشجع الناس الزبير، و بأخصم الناس طلحة، و أعانهم عليّ يعلى بن منبه بأصوع الدنانير، و اللّه لئن استقام أمري لأجعلنّ ماله فيئا للمسلمين، ثمّ أتوا البصرة و أهلها مجتمعون على بيعتي و طاعتي، و بها شيعتي خزّان بيت مال اللّه و مال المسلمين، فدعوا الناس إلى معصيتي و إلى نقض بيعتي، فمن أطاعهم أكفروه، و من عصاهم قتلوه، فناجزهم حكيم بن جبلّة فقتلوها في سبعين رجلا من عبّاد أهل البصرة و مخبتيهم يسمّون المثفنين، كأنّ راح أكفّهم ثفنات الإبل، و أبى أن يبايعهم يزيد بن الحارث اليشكري، فقال اتّقيا اللّه إنّ أوّلكم قادنا إلى الجنّة فلا يقودنا آخركم إلى النار، فلا تكلّفونا أن نصدّق المدّعي و نقضي على الغائب، أمّا يميني فشغلها عليّ بن أبي طالب ببيعتي إيّاه، و هذه شمالي فارغة فخذاها إن شئتما، فخنق حتى مات، و قام عبد اللّه بن حكيم التميمي فقال يا طلحة هل تعرف هذا الكتاب قال نعم، هذا كتابي إليك. قال هل تدري ما فيه قال اقرأه عليّ، فإذا فيه عيب عثمان و دعاؤه إلى قتله، فسيّره من البصرة، و أخذوا على عاملي عثمان

  ابن حنيف الأنصاري غدرا فمثّلوا به كلّ المثلة، و نتفوا كلّ شعرة في رأسه و وجهه، و قتلوا شيعتي، طائفة صبرا، و طائفة غدرا، و طائفة عضّوا بأسيافهم حتى لقوا اللّه، فو اللّه لو لم يقتلوا منهم إلّا رجلا واحدا لحلّ لي به دماؤهم و دماء ذلك الجيش لرضاهم بقتل من قتل، دع مع أنّهم قد قتلوا أكثر من العدّة التي قد دخلوا بها عليهم، و قد أدال اللّه منهم فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، فأمّا طلحة فرماه مروان بسهم فقتله، و أمّا الزبير فذكّرته قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّك تقاتل عليّا )ع( و أنت ظالم له، و أمّا عائشة فإنّها كان نهاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن مسيرها فعضّت يديها نادمة على ما كان منها. و قد كان طلحة لمّا نزل ذا قار قام خطيبا فقال يا أيّها الناس إنّا أخطأنا في عثمان خطيئة ما يخرجنا منها إلّا الطلب بدمه، و عليّ قاتله، و عليه دمه. و قد نزل دارن مع شكّاك اليمن و نصارى ربيعة و منافقي مضر، فلمّا بلغني قوله و قول كان عن الزبير فيه، بعثت إليهما أناشدهما بحقّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله ما أتيتماني و أهل مصر محاصرو عثمان، فقلتما اذهب بنا إلى هذا الرجل فإنّا لا نستطيع قتله إلّا بك، لما تعلم أنّه سيّر أبا ذرّ رحمه اللّه، و فتق عمّارا، و آوى الحكم بن أبي العاص و قد طرده رسول اللّه صلّى اللّه  عليه و آله و أبو بكر و عمر و استعمل الفاسق على كتاب اللّه الوليد بن عقبة، و سلّط خالد بن عرفطة العذري على كتاب اللّه يمزّق و يخرق، فقلت كلّ هذا قد علمت و لا أرى قتله يومي هذا، و أوشك سقاءه أن يخرج المخض زبدته، فأقرّا بما قلت. و أمّا قولكما إنّكما تطلبان بدم عثمان فهذان ابناه عمرو و سعيد فخلّوا عنهما يطلبان دم أبيهما، متى كانت أسد و تيم أولياء بني أميّة فانقطعا عند ذلك. فقام عمران بن حصين الخزاعي صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو الذي جاءت عنه الأحاديث و قال يا هذان لا تخرجان ببيعتكما من طاعة عليّ، و لا تحملانا على نقض بيعته، فإنّها للّه رضا، أما وسعتكما بيوتكما حتى أتيتما بأمّ المؤمنين فالعجب لاختلافها إيّاكما، و مسيرها معكما، فكفّا عنّا أنفسكما، و ارجعا من حيث جئتما، فلسنا عبيد من غلب، و لا أوّل من سبق، فهمّا به ثم كفّا عنه، و كانت عائشة قد شكت في مسيرها و تعاظمت القتال، فدعت كاتبها عبيد اللّه بن كعب النميري فقالت اكتب، من عائشة بنت أبي بكر إلى عليّ ابن أبي طالب فقال هذا أمر لا يجري به القلم، قالت و لم قال لأنّ عليّ بن أبي طالب في الإسلام أوّل، و له بذلك البداء في الكتاب. فقالت اكتب، إلى عليّ بن أبي طالب من عائشة بنت أبي بكر، أمّا بعد فإنّي لست أجهل قرابتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا قدمك في الإسلام، و لا غناك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إنّما خرجت مصلحة بين بنيّ لا أريد حربك إن كففت عن هذين الرجلين.. في كلام لها كثير، فلم أجبها بحرف، و أخّرت جوابها لقتالها، فلمّا قضى اللّه لي الحسنى سرت إلى الكوفة و استخلفت عبد اللّه بن عباس على

  البصرة، فقدمت الكوفة و قد اتّسقت لي الوجوه كلّها إلّا الشام، فأحببت أن أتّخذ الحجّة، و أقضي العذر، و أخذت بقول اللّه تعالى وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، فبعثت جرير بن عبد اللّه إلى معاوية معذرا إليه، متّخذا للحجّة عليه، فردّ كتابي، و جحد حقّي، و دفع بيعتي، و بعث إليّ أن ابعث إليّ قتلة عثمان، فبعثت إليه ما أنت و قتلة عثمان أولاده أولى به، فادخل أنت و هم في طاعتي ثمّ خاصموا إليّ القوم لأحملكم و إيّاهم على كتاب اللّه، و إلّا فهذه خدعة الصبيّ عن رضاع المليّ، فلمّا يئس من هذا الأمر بعث إليّ أن اجعل الشام لي حياتك، فإن حدث بك حادثة عن الموت لم يكن لأحد عليّ طاعة، و إنّما أراد بذلك أن يخلع طاعتي من عنقه فأبيت عليه. فبعث إليّ إنّ أهل الحجاز كانوا الحكام على أهل الشام فلمّا قتلوا عثمان صار أهل الشام الحكام على أهل الحجاز، فبعثت إليه إن كنت صادقا فسمّ لي رجلا من قريش الشام تحلّ له الخلافة، و يقبل في الشورى فإن لم تجده سمّيت لك من قريش الحجاز من تحلّ له الخلافة، و يقبل في الشورى، و نظرت إلى أهل الشام فإذا هم بقيّة الأحزاب فراش نار و ذباب طمّع تجمع من كلّ أوب ممّن ينبغي له أن يؤدّب و يحمل على السنّة، ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و لا التابعين بإحسان، فدعوتهم إلى الطاعة و الجماعة فأبوا إلّا فراقي و شقاقي، ثم نهضوا في وجه المسلمين، ينضحونهم بالنبل، و يشجرونهم بالرماح، فعند ذلك نهضت إليهم، فلمّا عضّتهم السلاح، و وجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف فدعوكم إلى ما فيها،  فأنبأتكم أنّهم ليسوا بأهل دين و لا قرآن و إنّما رفعوها مكيدة و خديعة، فامضوا لقتالهم، فقلتم اقبل منهم و أكففت عنهم، فإنّهم إن أجابوا إلى ما في القرآن جامعونا على ما نحن عليه من الحقّ، فقبلت منهم و كففت عنهم، فكان الصلح بينكم و بينهم على رجلين حكمين ليحييا ما أحياه القرآن و يميتا ما أماته القرآن، فاختلف رأيهما و اختلف حكمهما، فنبذا ما في الكتاب و خالفا ما في القرآن و كانا أهله، ثم إنّ طائفة اعتزلت فتركناهم ما تركونا حتّى إذا عاثوا في الأرض يفسدون و يقتلون، و كان فيمن قتلوه أهل ميرة من بني أسد، و قتلوا خباب بن الأرتّ و ابنه و أمّ ولده، و الحارث بن مرّة العبدي، فبعثت إليهم داعيا، فقلت ادفعوا إلينا قتلة إخواننا، فقالوا كلّنا قتلتهم، ثم شدّت علينا خيلهم و رجالهم فصرعهم اللّه مصارع الظالمين، فلمّا كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوّكم، فقلتم كلّت سيوفنا، و نصلت أسنّة رماحنا، و عاد أكثرها قصيدا فأذن لنا فلنرجع و لنقصد بأحسن عدّتنا، و إذا نحن رجعنا زدنا في مقاتلتنا عدّة من قتل منّا حتى إذا أظللتم على النخيلة أمرتكم أن تلزموا معسكركم، و أن

  تضمّوا إليه نواصيكم، و أن توطّنوا على الجهاد نفوسكم، و لا تكثروا زيارة أبنائكم و لا نسائكم، فإنّ أصحاب الحرب مصابروها و أهل التشهير فيها، و الذين لا يتوجّدون من سهر ليلهم، و لا ظمإ نهارهم، و لا فقدان أولادهم و لا نسائهم، و أقامت طائفة منكم معدّة و طائفة دخلت المصر عاصية، فلا من دخل المصر عاد إليّ، و لا من أقام منكم ثبت معي و لا صبر، فلقد رأيتني و ما في عسكري منكم خمسون رجلا، فلمّا رأيت ما أنتم عليه دخلت عليكم فما قدر لكم أن تخرجوا معي إلى يومكم هذا، للّه أبوكم ألا ترون أيّ مصر قد افتتحت و أيّ أطرافكم قد انتقصت و أيّ مسالحكم ترقى و أيّ بلادكم تغزى و أنتم ذوو عدد جمّ و شوكة شديدة، و أولو بأس قد كان مخوفا، للّه أنتم أين تذهبون و أنّى تؤفكون. ألا إنّ القوم جدوا و تأسوا و تناصروا، و إنّكم أبيتم و ونيتم و تخاذلتم  و تغاششتم، ما أنتم إن بقيتم على ذلك سعداء، فأنبهوا رحمكم اللّه نائمكم، و تحرّوا لحرب عدوّكم، فقد أبدت الرغوة عن الصريح، و أضاء الصبح لذي عينين، فانتبهوا إنّما تقاتلون الطلقاء و أبناء الطلقاء و أهل الجفاء، و من أسلم كرها، و كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنفا، و للإسلام كلّه حربا، أعداء السنّة و القرآن، و أهل البدع و الأحداث، و من كانت نكايته تتّقى و كان على الإسلام و أهله مخوفا، و أكلة الرشا، و عبيد الدنيا، و لقد أنهي إليّ أنّ ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتيّة هي أعظم ممّا في يديه من سلطانه، فصغرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، و خزيت أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، و أيّ سهم لهذا المشتري و قد شرب الخمر، و ضرب حدّا في الإسلام، و كلّكم يعرفه بالفساد في الدنيا، و إن منهم من لم يدخل في الإسلام و أهله حتى رضخ له عليه رضيخة، فهؤلاء قادة القوم، و من تركت لكم ذكر مساويه أكثر و أبور، و أنتم تعرفونهم بأعيانهم و أسمائهم كانوا على الإسلام ضدّا، و لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله حربا، و للشيطان حزبا، لم يتقدّم إيمانهم، و لم يحدث نفاقهم، و هؤلاء الذين لو ولوا عليكم لأظهروا فيكم الفخر و التكبّر و التسلّط بالجبريّة و الفساد في الأرض، و أنتم على ما كان منكم من تواكل و تخاذل خير منهم و أهدى سبيلا، منكم الفقهاء و العلماء و الفهماء و حملة الكتاب و المتهجّدون بالأسحار، أ لا تسخطون و تنقمون أن ينازعكم الولاية السفهاء البطاة عن الإسلام  الجفاة فيه اسمعوا قولي يهدكم اللّه إذا قلت، و أطيعوا أمري إذا أمرت، فو اللّه لئن أطعتموني لا تغووا، و إن عصيتموني لا ترشدوا، قال اللّه تعالى أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، و قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ، فالهادي من بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هاد لأمّته على ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فمن عسى أن يكون الهادي إلّا الذي دعاكم إلى الحقّ و قادكم إلى الهدى، خذوا للحرب أهبتها، و أعدّوا لها عدّتها، فقد شبّت و أوقدت نارها، و تجرّد لكم الفاسقون لكيلا يطفئوا نور اللّه بأفواههم و يغزوا عباد اللّه، ألا إنّه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع و الجفاء أولى بالحقّ من أهل البرّ و الإخباث في طاعة ربّهم و مناصحة إمامهم، إنّي و اللّه لو لقيتهم وحدي و هم أهل الأرض ما استوحشت منهم و لا باليت، و لكن أسف يريني، و جزع يعتريني من أن يلي هذه الأمّة فجّارها و سفهاؤها فيتّخذون مال اللّه دولا، و كتاب اللّه دغلا، و الفاسقين حزبا، و الصالحين حربا، و ايم اللّه لو لا ذلك ما أكثرت تأنيبكم و تحريصهم، و تركتكم إذا أبيتم حتى ألقاهم متى حمّ لي لقاءهم،

  فو اللّه إنّي لعلى الحقّ، و إنّني للشهادة لمحبّ، و إنّي إلى لقاء اللّه ربّي لمشتاق، و لحسن ثوابه منتظر، إنّي نافرتكم ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ و لا تثاقلوا في الأرض فتعموا بالذلّ، و تقرّوا بالخسف، و يكون نصيبكم الأخسر، إنّ أخا الحرب اليقظان الأرق إن نام لم تنم عينه، و من ضعف أوذي، و من كره الجهاد في سبيل اللّه كان المغبون المهين، إنّي لكم اليوم على ما كنت عليه أمس و لستم لي على ما كنتم عليه، من تكونوا ناصريه أخذ بالسهم الأخيب، و اللّه لو نصرتم اللّه لنصركم و ثبّت أقدامكم، إنّه حقّ على اللّه أن ينصر من نصره و يخذل من خذله، أ ترون الغلبة لمن صبر بغير نصر و قد يكون الصبر جبنا و يكون حميّة، و إنّما الصبر بالنصر و الورود بالصدر، و البرق بالمطر. اللّهمّ اجمعنا و إيّاهم على الهدى، و زهّدنا و إيّاهم في الدنيا، و اجعل الآخرة خيرا لنا من الأولى.

تبيين الشّغب بالتّسكين تهييج الشّرّ.  و قال الجوهري العلهز بالكسر طعام كانوا يتّخذونه من الدّم و وبر البعير في سني المجاعة. و قال الهبيد حبّ الحنظل. و الجشب بكسر الشّين الغليظ. و الآجن المتغيّر. و الرّوع بالضم القلب و العقل، و لعلّه كناية عن أنّه لم يكن مظنّة أن يفعلوا ذلك لما اجتمع له من النصوص و الفواضل و السوابق، لأنّه عليه السلام كان يعلم وقوع تلك الأمور و يخبر بها قبل وقوعها. و يقال خزمت البعير بالخزامة و هي حلقة من شعر تجعل في وترة أنفه يشدّ فيها الزّمام و يقال لكلّ مثقوب مخزوم، ذكره الجوهري. و قال انثال عليه النّاس من كلّ وجه انصبّوا. قوله عليه السلام و ظننت.. أي علمت، كما ورد كثيرا في الآيات بهذا المعنى، أو المعنى إنّي ظننت أنّ الناس يرونني أولى و أحقّ و يعاونونني على  منازعتهم. و قوله عليه السلام تقارب.. أي لم يبالغ في معاندة الحقّ بعد غصب الخلافة حيلة و خديعة، لأنّه كان يستقبل تارة و يعتذر إليه عليه السلام أخرى، و يرجع إليه في الأمور ليتمشّى أمره، و يظهر للناس أنّه إنّما ولي الأمر لصلاح المسلمين. قال في النهاية فيه سدّدوا و قاربوا.. أي اقتصدوا في الأمور كلّها، و اتركوا الغلوّ فيها و التّقصير، يقال قارب فلان في أموره إذا اقتصد. قوله عليه السّلام لو لا خاصّة.. أي محبّة أو خلطة خاصّة. و التّحريش الإغراء بين القوم. و هذا الخبر يدلّ على أنّ خولة إنّما سبيت في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلا تبقى للمخالفين فيها شبهة، و قد مرّ الكلام فيه و سيأتي. و النّعي خبر الموت. و قوله عليه السّلام لا علا كعبها.. جملة دعائيّة. قال في النهاية.. في حديث قيلة و اللّه لا يزال كعبك عاليا.. هو دعاء لها بالشّرف و العلوّ. قوله عليه السلام و أضاعوا أيّامي.. أي ضيّعوا و لم يلتفتوا إلى أيّامي المشهورة التي نصرت فيها الدين و وقيت فيها المسلمين، و في بعض النسخ  بالذال المعجمة من الإذاعة بمعنى الإفشاء، فالمراد بالأيّام أيّام مظلوميّته عليه السلام، و لعلّه تصحيف، و الظاهر و اكفئوا إنائي أو أصغوا إنائي كما مرّ. قوله عليه السلام فكأنّه علم.. إشارة إلى ما ذكره تعالى في قصّة فرعون إنّه قال لموسى عليه السلام فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى، و المشهور في تفسيره أنّه سئل عن حالهم بعد موتهم من السعادة و الشقاوة، فقال موسى عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى أي إنّه غيب لا يعلمه إلّا اللّه، و إنّما أنا عبد ملك لا أعلم منه إلّا ما أخبرني به، فمراده عليه السلام هنا أنّ أمر عثمان في الآخرة و ما ترتّب على أعماله الشنيعة في علمه تعالى و هو أعلم بذلك، و إنّما عبّر كذلك للمصلحة، أو المعنى أنّ أمره كان شبيها بأمور وقعت على القرون الأولى كقارون. قوله عليه السلام لا ينفع فيه العيان.. لعلّ المعنى أنّ أمره كان أمرا مشتبها على من عاين الأمر و على من سمع الخبر فلا يدري كيف وقع، أو اشتبه على أكثر الناس إنّه هل كان قتله حقّا أو باطلا. و الثّلمة بالضم الخلل في الحائط و غيره. قوله عليه السّلام فئة يقاتلان دونها.. لعلّ المراد بها هنا المرجع، من فاء إذا رجع، و لا يبعد أن يكون قبّة بالقاف و الباء الموحّدة المشدّدة أو بالقاف

  و النون المشدّدة و هي بالضم الجبل الصّغير و قلّة الجبل، و المنفرد المستطيل في السّماء أو الجبل السّهل المستوي المنبسط على الأرض. و قوله عليه السلام ثلاث خصال.. استئناف كلام. قوله عليه السلام بأطوع الناس.. أي إنّها لقلّة عقلها كانت تطيع الناس في كلّ باطل، أو على بناء المفعول.. أي كان الناس يطيعونها في كلّ ما تريد، و الأول أظهر لفظا، و الثاني معنى. و الأنجع الأنفع، و الذي أثر كلامه أكثر، أو تدبيره أوفر، قال في القاموس نجع الطّعام كمنع نجوعا هنأ أكله، و العلف في الدّابّة و الوعظ و الخطاب فيه دخل فأثّر كأنجع.. و انتجع طلب الكلأ في موضعه، و فلانا أتاه طالبا معروفه، و في بعض النسخ و بأشجع الناس. و المناجزة في الحرب المبادرة و المقاتلة. و الرّاح جمع الرّاحة و هي الكفّ، و لعلّ المراد بها هنا بطونها. و الثّفنة بكسر الفاء واحدة ثفنات البعير و هي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ و غلظ كالرّكبتين و غيرهما. قوله عليه السلام الفاسق على كتاب اللّه.. أي الذي سمّاه اللّه في كتابه  فاسقا، في قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً.. كما مرّ مرارا. و عرفطة بضم العين و سكون الراء و ضم الفاء. و العذرى.. نسبة إلى جدّته العليا عذرة بن سعد. قوله عليه السلام و أوشك سقاءه.. لعلّه مثل. و المخض تحريك السّقاء الّذي فيه اللّبن ليخرج ما فيه من الزّبد، و المعنى أنّه يفعل بنفسه ما يحصل به المقصود، أو يفعل هؤلاء فيه ما يغني عن فعل غيرهم. قولها و لا قدمك.. أي تقدّمك في الإسلام و سبقك، ذكره الجزري. و الغنا بالفتح النّفع و يقال ما يغني عنك هذا.. أي ما يجدي عنك و ما ينفعك. و في بعض النسخ بالعين المهملة و هو التعب، و الأوّل أظهر. قوله تعالى مِنْ قَوْمٍ.. أي معاهدين خِيانَةً.. أي نقض عهد بأمارات تلوح لك فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ.. أي فالطرح إليهم عهدهم عَلى سَواءٍ.. أي على عدل و طريق قصد في العداوة، و لا تناجزهم الحرب فإنّه يكون خيانة منك، أو على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد، و هو في موضع الحال من النابذ على الوجه الأول.. أي ثابتا على طريق سوي، أو من المنبوذ إليهم، أو  منهما على غيره، ذكره البيضاوي. قوله عليه السلام عن رضاع الملي.. في الروايات الأخر خدع الصبيّ عن اللبن، و لعلّه هنا عن الرضاع الملي.. أي عن رضاع يتملأ الصبيّ منه، و لعلّه على ما في النسخ المراد به رضاع اللبن الملي، أو الطفل الملي. و الفراش بالفتح الطّير الّذي يلقي نفسه في ضوء السّراج. قوله عليه السلام من كلّ أوب.. أي من جهة، و في بعض النسخ أدب بالدال المهملة و هو الظّرف. و قال الفيروزآبادي نضح فلانا بالنّبل رماه، و قال شجرة بالرّمح طعنه. قوله عليه السلام و كانا أهله.. أي كانا أهلا لمخالفة القرآن، و لم يكن مستبعدا منهما. و عثا يعثو عثوا أفسد. و قال في النهاية يقال نصل السّهم إذا خرج منه النّصل، و نصل أيضا إذا ثبت نصله في الشّي‏ء.. فهو من الأضداد.

  قوله عليه السلام و عاد أكثرها قصدا.. قال في القاموس رمح قصد ككتف و قصيد و أقصاد متكسّر انتهى. و في بعض النسخ و عاد أكثرنا قعيدا.. أي قاعدا عن الحرب عاجزا، و القعيد الجراد لم يستو جناحه، و لعلّه تصحيف. قوله عليه السلام ظللتم على النخيلة.. على بناء التفعيل، و في بعض النسخ على الإفعال.. أي أشرفتم، يقال أظلّك فلان إذا دنا منك كأنّه ألقى عليك ظلّه فضمّن معنى الإشراف، و يقال ظللت أعمل كذا بالكسر إذا عملته بالنّهار، فيمكن أن يقرأ على بناء المجرّد، لكن فيه تكلّف. قوله عليه السلام نواصيكم.. أي تطيعوا إمامكم في لزوم معسكركم، فإنّ الأخذ بالناصية كناية عن الإطاعة، و في بعض النسخ قواصيكم.. أي تدعوا إلى حضور معسكركم الفرق القاصية البعيدة عنكم، و لعلّه أظهر. قوله عليه السلام و إلى مصالحكم ترقى.. أي تصعد و ترفع من بينكم، أو من المهموز من رقأ الدّمع إذا سكن، و لا يبعد أن يكون بالزاء مهموزا من الرزء بمعنى النّقص فخفّف، و في بعض النسخ إلى مسالحكم بالسين.. أي ثغوركم و هو الصواب.. أي يرقى العدوّ عليها.  قوله عليه السلام تاسوا.. أي اقتدى بعضهم ببعض في التّعاون و الجدّ، و في بعض النسخ بؤسوا بضم الهمزة من البأس بمعنى الشّدّة في الحرب. قوله عليه السلام فقد أبدت الرغوة.. هذا مثل سائر يضرب لظهور الحقّ.  قال الزمخشري في المستقصى أبدى الصريح عن الرّغوة هذا من مقلوب الكلام، و أصله أبدت الرغوة عن الصّريح، كقوله و تحت الرّغوة اللّبن الصريح. قال عبيد اللّه بن زياد لهاني بن عروة حين سأل عن مسلم ابن عقيل و كان متواريا عنه فجحد ثمّ أقرّ، يضرب في ظهور كامن الأمر. قوله أنفا ككتف أو كصاحب و لعلّه من الأنفة بمعنى الاستنكاف و التّكبّر، و الأظهر إلبا باللام و الباء بقرينة حربا، يقال هم عليه إلب بالفتح و الكسر أي مجتمعون عليه بالظّلم و العداوة، و التّأليب التّحريص و الإفساد، و الألب بالفتح التّدبير على العدوّ من حيث لا يعلم و الطّرد الشّديد، و الألب و الحرب كثيرا ما يذكران معا، و على التقديرين لا بدّ من تجوز في اللام. و قال الجوهري شببت النّار و الحرب أشبّها شبّا و شبوبا إذا أوقدتهما. قوله عليه السلام و لكن أسف يبريني.. أي يهزلني، من بريت السّهم أو ينبريني من انبرى له أي اعترض، أو يريني من ورى القيح جوفه أفسده، و فلان فلانا أصاب رئته، أو يريبني من أربيته.. أي زدته يعني يزيدني همّا،  و كانت نسخ المنقول منه تحتمل الجميع. و الدّول جمع دولة بالضم هو ما يتداول من المال، فيكون لقوم دون قوم. و كتاب اللّه دغلا.. أي يخدعون النّاس به. و الدّغل بالتحريك الفساد و الشّرّ و المكر. و حمّ له كذا على المجهول قدّر. و الخسف الذّلّ و المشقّة و النّقصان. و الأرق السّهر، و قد أرقت بالكسر.. أي سهرت.. فأنا أرق، ذكره الجوهري. قوله بغير نصر.. أي من اللّه تعالى، فينبغي أن يكون الصبر للّه تعالى، فإنّ الصبر قد يكون لأجل الجبن عن الفرار و للحميّة، و يمكن أن يقرأ بالبصر بالباء.. أي بالعلم أو البصيرة. قوله عليه السلام و إنّما الصبر بالنصر.. أي ما قرن الصبر إلّا بالنصر، و في بعض النسخ بالعكس، و هو ظاهر. و يؤيّد الأول الفقرتان اللّتان بعدهما، فإنّ المراد بهما أنّ الورود على الماء مقرون بالصدور. و الصّدر بالفتح الرّجوع،  و بالتّحريك الاسم منه. و البرق مقرون بالمطر.. و يمكن أن يقرأ بالبصر هنا أيضا بالباء، فتفطّن. و قد مرّ تفسير بعض الفقرات و سيأتي شرح بعضها فيما نقلناه و سننقل من خطبه عليه السلام.

 2-  و روى السيّد رضي اللّه عنه في الكتاب المذكور، عن محمد بن يعقوب الكليني ممّا رواه في كتاب الرسائل، عن عليّ بن محمد و محمد بن الحسن و غيرهما، عن سهل بن زياد، عن العباس بن عمران، عن محمد بن القاسم بن الوليد الصيرفي، عن المفضل، عن سنان بن ظريف، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يكتب بهذه الخطبة إلى أكابر أصحابه، و فيها كلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إلى المقرّبين في الأظلّة، الممتحنين بالبليّة، المسارعين في الطاعة، المنشئين في الكرّة، تحية منّا إليكم، سلام عليكم، أمّا بعد فإنّ نور البصيرة روح الحياة الذي لا ينفع إيمان إلّا به مع اتّباع كلمة اللّه و التصديق بها، فالكلمة من الروح، و الروح من النور، و النور نور السماوات و الأرض، فبأيديكم سبب وصل إليكم منّا نعمة من اللّه لا تعقلون شكرها،  خصّكم بها و استخلصكم لها وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ إنّ اللّه عهد أن لن يحلّ عقده أحد سواه، فتسارعوا إلى وفاء العهد، و امكثوا في طلب الفضل، فإنّ الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ و الفاجر، و إنّ الآخرة وعد صادق يقضي فيها ملك قادر، ألا و إنّ الأمر كما قد وقع لسبع بقين من صفر، تسير فيها الجنود، يهلك فيها البطل الجحود، خيولها عراب، و فرسانها حراب، و نحن بذلك واقفون، و لما ذكرنا منتظرون انتظار المجدب المطر لينبت العشب، و يجنى الثمر، دعاني إلى الكتاب إليكم استنقاذكم من العمى، و إرشادكم باب الهدى، فاسلكوا سبيل السلامة، فإنّها جماع الكرامة، اصطفى اللّه منهجه، و بين حججه، و أرّف أرفه، و وصفه وحده و جعله نصّا كما وصفه، إنّ العبد إذا أدخل حفرته يأتيه ملكان أحدهما منكر  و الآخر نكير، فأوّل ما يسألانه عن ربّه، و عن نبيّه، و عن وليّه، فإن أجاب نجا و إن تحيّر عذّباه. فقال قائل فما حال من عرف ربّه، و عرف نبيّه، و لم يعرف وليّه. فقال ذلك مذبذب لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء. قيل فمن الوليّ يا رسول اللّه )ص(. فقال وليّكم في هذا الزمان أنا، و من بعدي وصيّي، و من بعد وصيّي لكلّ زمان حجج اللّه كي ما تقولوا كما قال الضلّال قبلكم حيث فارقهم نبيّهم رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى، و إنّما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات و هم الأوصياء فأجابهم اللّه قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى و إنّما كان تربّصهم أن قالوا نحن في سعة عن معرفة الأوصياء حتى يعلن إمام علمه، فالأوصياء قوّام عليكم بين الجنة و النار، لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النار إلّا من أنكرهم و أنكروه، لأنّهم عرفاء العباد عرّفهم اللّه إيّاهم عند أخذ المواثيق عليهم بالطاعة لهم، فوصفهم في كتابه فقال جلّ و عز وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ و هم الشهداء على الناس، و النبيّون شهداء لهم بأخذه لهم مواثيق العباد بالطاعة، و ذلك قوله فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ

   كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً. و كذلك أوحى اللّه إلى آدم أن يا آدم قد انقضت مدّتك، و قضيت نبوّتك، و استكملت أيّامك، و حضر أجلك، فخذ النبوّة و ميراث النبوّة و اسم اللّه الأكبر فادفعه إلى ابنك هبة اللّه، فإنّي لم أدع الأرض بغير علم يعرف، فلم تزل الأنبياء و الأوصياء يتوارثون ذلك حتى انتهى الأمر إليّ، و أنا أدفع ذلك إلى عليّ وصيّي، و هو منّي بمنزلة هارون من موسى، و إنّ عليّا يورث ولده حيّهم عن ميّتهم، فمن سرّه أن يدخل جنّة ربّه فليتولّ عليّا و الأوصياء من بعده، و ليسلّم لفضلهم، فإنّهم الهداة بعدي، أعطاهم اللّه فهمي و علمي، فهم عترتي من لحمي و دمي، أشكو إلى اللّه عدوّهم و المنكر لهم فضلهم، و القاطع عنهم صلتي، فنحن أهل البيت شجرة النبوّة و معدن الرحمة و مختلف الملائكة، و موضع الرسالة، فمثل أهل بيتي في هذه الأمّة كمثل سفينة نوح )ع( من ركبها نجا و من تخلّف عنها هلك، و مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غفر له، فأيّما راية خرجت ليست من أهل بيتي فهي الدجاليّة، إنّ اللّه اختار لدينه أقواما انتجبهم للقيام عليه و النصر له، طهّرهم بكلمة الإسلام، و أوحى إليهم مفترض القرآن، و العمل بطاعته في مشارق الأرض و مغاربها، إنّ اللّه خصّكم بالإسلام، و استخلصكم له، و ذلك لأنه أمتع سلامة، و أجمع كرامة، اصطفى اللّه منهجه،  و وصفه و وصف أخلاقه، و وصل أطنابه من ظاهر علم و باطن حكم، ذي حلاوة و مرارة، فمن طهر باطنه رأى عجائب مناظره في موارده و مصادره، و من فطن لما بطن رأى مكنون الفطن و عجائب الأمثال و السنن، فظاهره أنيق، و باطنه عميق، و لا تفنى غرائبه، و لا تنقضي عجائبه، فيه مفاتيح الكلام، و مصابيح الظلام، لا يفتح الخيرات إلّا بمفاتحه، و لا تكشف الظلمات إلّا بمصابيحه، فيه تفصيل و توصيل، و بيان الاسمين الأعلين اللّذين جمعا فاجتمعا، لا يصلحان إلّا معا، يسمّيان فيفترقان، و يوصلان فيجتمعان، تمامهما في تمام أحدهما، حواليها نجوم، و على نجومها نجوم، ليحمي حماه، و يرعى مرعاه، و في القرآن تبيانه و بيانه و حدوده و أركانه، و مواضع مقاديره، و وزن ميزانه، ميزان العدل، و حكم الفصل، إنّ دعاة الدين فرّقوا بين الشكّ و اليقين، و جاءوا بالحقّ، بنوا للإسلام بنيانا فأسّسوا له أساسا و أركانا، و جاءوا على ذلك شهودا بعلامات و أمارات، فيها كفي المكتفي، و شفاء المشتفي، يحمون حماه، و يرعون مرعاه، و يصونون مصونه، و يفجّرون عيونه، بحبّ اللّه و برّه و تعظيم أمره و ذكره بما يحبّ أن يذكر به، يتواصلون بالولاية، و يتنازعون بحسن الرعاية،  و يتساقون بكأس رويّة، و يتلاقون بحسن التحيّة، و أخلاق سنيّة، قوام علماء أمناء، لا يسوق فيهم الريبة، و لا تشرع فيهم الغيبة، فمن استبطن من ذلك شيئا استبطن خلقا سنيّا، فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، و اجتنب من يرديه، و يدخل مدخل كرامة، و ينال سبيل سلامة، تبصرة لمن بصره، و طاعة لمن يهديه إلى أفضل الدلالة، و كشفا لغطاء الجهالة المضلّة المهلكة، و من أراد بعد هذا فليظهر بالهدى دينه، فإنّ الهدى لا تغلق أبوابه، و قد فتحت أسبابه ببرهان و بيان، لامرئ استنصح و قبل نصيحة من نصح بخضوع و حسن خشوع، فليقبل امرؤ بقبولها، و ليحذر قارعة قبل حلولها، و السلام.

توضيح إلى المقرّبين في الأظلّة.. أي الذين قربوا إلى اللّه أو إلينا في عالم الظلال و عالم الأرواح قبل حلولها الأجساد، و في بعض النسخ المقرّين.. أي أقرّوا بإمامتنا في عالم الأرواح عند الميثاق. قوله عليه السلام المنشئين.. و في بعض النسخ المنشرين.. أي الذين  ينشرهم اللّه و يبعثهم و ينشئهم بعد موتهم في الرجعة، أي هذا كتاب إلى المقرّبين، و )تحية( حال، أو خبر ثان، أو خبر مبتدإ محذوف يفسره قوله سلام عليكم، أو )سلام( مبتدأ و )تحية( خبره، و في الأخير بعد. و قوله عليه السلام كلمة اللّه.. مبتدأ، و قوله مع اتّباعه.. خبره، و الضمير راجع إلى الروح أو النور، أو الضمير راجع إلى المؤمن بقرينة المقام، و كلمة )اللّه( مفعول المصدر، و يؤيّده أنّ في بعض النسخ مع اتّباع.. فيكون حال ]كذا[ عن الضمير المجرور. و الحاصل، أنّ نور البصيرة و هي الولاية و معرفة الأئمّة )ع( يصير سببا لتعلّق روح الإيمان، و بروح الإيمان يحصل و يكمل التوحيد الخالص المقبول، و النور هو الذي مثّل اللّه تعالى به نوره في القرآن المجيد في آية النور، و السبب الذي بأيدي الشيعة أيضا الولاية التي هي سبب التقرّب إلى اللّه و النجاة من عقابه، أو حججها و براهينها، أو علومهم و معارفهم التي علموها مواليهم، و الأحكام و الشرائع خاصّة، فإنّها الوسيلة إلى التقرّب إليه تعالى و إلى حججه عليهم السلام، و يؤيّده ما في بعض النسخ و هو قوله إتيان الواجبات.. و في بعضها إتيان واجبتان ]كذا[ أي الكتاب و أهل البيت عليهم السلام و إنّما أتي بصيغة المفرد أوّلا و ثانيا لارتباطهما بل اتّحادهما حقيقة، و )نعمة( بدل أو عطف بيان للسبب، أو خبر الضمير الراجع إليه. قوله عليه السلام أن لن يحلّ عقده.. لعلّ المراد عقد الإمامة.. أي ليس للناس أن يحلّوا عقدا و بيعة عقده اللّه تعالى لي في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و في بعض النسخ عقده الأهواء.. أي لا يحلّ ما عقده اللّه تعالى لأحد آراء الناس و أهواؤهم.  و قوله عليه السلام كما قد وقع.. لعلّه إشارة إلى الصلح و الرضا بالحكمين، أو إلى بعض غزوات الصفين، فعلى الأول سير الجنود إشارة إلى قتال الخوارج، و على الثاني إلى ما أراد عليه السلام من الرجوع إلى قتال معاوية. و الحراب مصدر كالمحاربة، و جمع حربة، و فيها هنا تجوز، و يمكن أن يقرأ بالضمّ و التشديد جمع حارب، و في بعض النسخ أحزاب.. أي أحزاب الشرك الذين حاربوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و الأرف، كغرف جمع أرفة بالضم، و هي الحدّ بين الأرضين، و أرّف على الأرض تأريفا جعل لها حدودا و قسمها. و نصّ الشي‏ء أظهره. و في بعض النسخ رصّا بالراء من قولهم رصّ البناء رصّا إذا لصق بعضه ببعض. قوله عليه السلام حيّهم.. أي يرث حيّهم. و المراد بالاسمين الأعلين كلمتا التوحيد، أو القرآن و أهل البيت عليهم السلام، و المراد بالنجوم أوّلا الأئمّة، و ثانيا الدلائل الدالّة على إمامتهم. قوله عليه السلام ليحيى حماه.. الضمير راجع إلى الإسلام، و حماه ما حرّمه اللّه فيه، و مراعاه ما أحلّه، و ميزان العدل بيان للميزان، و حكم الفصل الحكم الذي يفصل بين الحقّ و الباطل، و يقال كفيك من رجل مثلثة حسبك.  و قوله يحبّ اللّه.. إما متعلّق بيفجرون، أو به و بما قبله على التنازع، أو بقوله يتواصلون. قوله و يتساقون.. تفاعل من السقي. و في بعض النسخ يتناسقون.. أي يتتابعون، و في بعضها يتراشفون من قولهم رشف الماء مصّه. أقول و كانت النسخ التي عندنا سقيمة فصحّحناها على ما تيسّر من اجتماعها، و عسى أن تيسر نسخة أخرى أقرب إلى الصحّة، و باللّه التوفيق