باب 5- احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر و غيره في أمر البيعة

ل القطان، عن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسني، عن محمد بن حفص الخثعمي، عن الحسن بن عبد الواحد، عن أحمد بن محمد الثعلبي، عن محمد بن عبد الحميد، عن حفص بن منصور، عن أبي سعيد الورّاق، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال لمّا كان من أمر أبي بكر و بيعة الناس له، و فعلهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام ما كان، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط و يرى منه انقباضا، فكبر  ذلك على أبي بكر، فأحبّ لقاءه و استخراج ما عنده، و المعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه، و تقليدهم إيّاه أمر الأمّة و قلّة رغبته في ذلك و زهده فيه. أتاه في وقت غفلة و طلب منه الخلوة، و قال له و اللّه يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطاة مني، و لا رغبة فيما وقعت فيه، و لا حرصا عليه، و لا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمّة، و لا قوّة لي بمال، و لا كثرة العشيرة، و لا استئثار به دون غيري، فما لك تضمر عليّ ما لم أستحقّه منك، و تظهر لي الكراهة فيما صرت إليه، و تنظر إليّ بعين السآمة منّي قال فقال له عليه السلام فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه، و لا حرصت عليه، و لا وثقت بنفسك في القيام به و بما يحتاج منك فيه فقال أبو بكر حديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال، و لمّا رأيت اجتماعهم اتّبعت حديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و أحلت أن يكون اجتماعهم على خلاف الهدى، فأعطيتهم قود الإجابة، و لو علمت أنّ أحدا يتخلّف لامتنعت قال فقال علي عليه السلام أمّا ما ذكرت من حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال، أ فكنت من الأمّة أو لم أكن قال بلى. قال و كذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان و عمّار و أبي ذر و المقداد

  و ابن عبادة و من معه من الأنصار قال كلّ من الأمة. فقال علي عليه السلام فكيف تحتجّ بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك، و ليس للأمّة فيهم طعن، و لا في صحبة الرسول و نصيحته منهم تقصير قال ما علمت بتخلّفهم إلّا من بعد إبرام الأمر، و خفت إن دفعت عني الأمر أن يتفاقم إلى أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين، و كان ممارستكم إلى أن أجبتم أهون مؤنة على الدين و أبقى له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفارا، و علمت أنّك لست بدوني في الإبقاء عليهم و على أديانهم. قال علي عليه السلام أجل، و لكن أخبرني عن الّذي يستحقّ هذا الأمر، بما يستحقه فقال أبو بكر بالنصيحة، و الوفاء، و دفع المداهنة، و المحاباة، و حسن السيرة، و إظهار العدل، و العلم بالكتاب و السنّة و فصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا و قلّة الرغبة فيها، و إنصاف المظلوم من الظالم للقريب و البعيد.. ثم سكت. فقال علي عليه السلام و السابقة و القرابة فقال أبو بكر و السابقة و القرابة. قال فقال عليّ عليه السلام أنشدك باللّه يا أبا بكر أ في نفسك تجد  هذه الخصال، أو فيّ قال أبو بكر بل فيك يا أبا الحسن. قال أنشدك باللّه أنا المجيب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل ذكران المسلمين، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا الأذان لأهل الموسم و لجميع الأمّة بسورة براءة، أم أنت  قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا وقيت رسول اللّه بنفسي يوم الغار، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أ ليّ الولاية من اللّه مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم، أم لك  قال بل لك. قال فأنشدك باللّه أنا المولى لك و لكّل مسلم بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم الغدير، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أ لي الوزارة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المثل من هارون و موسى، أم لك قال بل لك. قال فأنشدك باللّه أ بي برز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بأهل بيتي  و ولدي في مباهلة المشركين من النصارى، أم بك و بأهلك و ولدك قال بكم. قال فأنشدك باللّه أ لي و لأهلي و ولدي آية التطهير من الرجس، أم لك و لأهل بيتك قال بل لك و لأهل بيتك. قال فأنشدك باللّه أنا صاحب دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهلي و ولدي يوم الكساء اللّهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار، أم أنت قال بل أنت و أهلك و ولدك. قال فأنشدك باللّه أنا صاحب الآية يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الفتى الّذي نودي من السماء لا سيف إلّا ذو  الفقار و لا فتى إلّا عليّ، أم أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي ردّت له الشمس لوقت صلاته فصلّاها ثم توارت، أم أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي حباك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برايته يوم خيبر ففتح اللّه له، أم أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي نفّست عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كربته

  و عن المسلمين بقتل عمر و بن عبد ودّ، أو أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي ائتمنك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رسالته إلى الجنّ فأجابت، أم أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي طهّرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من السفاح من آدم إلى أبيك بقوله صلّى اللّه عليه و آله أنا و أنت من نكاح لا من سفاح، من آدم إلى عبد المطلب، أم أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا الّذي اختارني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زوّجني ابنته فاطمة عليها السلام و قال اللّه زوجك، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا والد الحسن و الحسين ريحانتيه اللّذين قال فيهما هذان سيّدا  شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أخوك المزيّن بجناحين في الجنة يطير بهما مع الملائكة، أم أخي قال بل أخوك. قال فأنشدك باللّه أنا ضمنت دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ناديت في المواسم بإنجاز موعده، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا الّذي دعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لطير عنده يريد أكله، فقال اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك بعدي، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا الّذي بشّرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقتل الناكثين و القاسطين و المارقين على تأويل القرآن، أم أنت  قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا الّذي شهدت آخر كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وليت غسله و دفنه، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنا الّذي دلّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعلم القضاء بقوله »عليّ أقضاكم«، أم أنت قال بل أنت. قال فأنشدك اللّه أنا الّذي أمر لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بالسلام عليّ بالإمرة في حياته، أم أنت  قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الذي سبقت له القرابة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أم أنا. قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي حباك اللّه عزّ و جلّ بدينار عند حاجته، و باعك جبرئيل عليه السلام، و أضفت محمدا صلّى اللّه عليه و آله، و أضفت ولده أم أنا قال فبكى أبو بكر ]و[ قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي حملك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كتفه في طرح صنم الكعبة و كسره حتّى لو شاء أن ينال أفق السماء لنالها، أم أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنت صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة، أم أنا

  قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بفتح بابه في مسجده حين أمر بسدّ جميع بابه أبواب أصحابه و أهل بيته و أحلّ له فيه ما أحلّه اللّه له، أم أنا قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي قدّم بين يدي نجواه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صدقة فناجاه، أم أنا إذ عاتب اللّه عزّ و جلّ قوما فقال أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي قال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لفاطمة  زوجك أوّل الناس إيمانا و أرجحهم إسلاما. في كلام له، أم أنا. قال بل أنت. قال فأنشدك باللّه أنت الّذي قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحق مع عليّ و عليّ مع الحق، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض، أم أنا قال بل أنت. قال.. فلم يزل عليه السلام يعدّ عليه مناقبه التي جعل اللّه عزّ و جلّ له دونه و دون غيره. و يقول له أبو بكر بل أنت. قال فبهذا و شبهه يستحقّ القيام بأمور أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله. فقال له علي عليه السلام فما الّذي غرّك عن اللّه و عن رسوله و عن دينه و أنت  خلو مما يحتاج إليه أهل دينه قال فبكى أبو بكر و قال صدقت يا أبا الحسن، أنظرني يومي هذا فأدبّر ما أنا فيه و ما سمعت منك. قال فقال له علي عليه السلام لك ذلك يا أبا بكر. فرجع من عنده و خلا بنفسه يومه و لم يأذن لأحد إلى الليل، و عمر يترّدد في الناس لمّا بلغه من خلوته بعليّ عليه السلام. فبات في ليلته، فرأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في منامه ممثّلا له في مجلسه، فقام إليه أبو بكر ليسّلم عليه، فولىّ وجهه، فصار مقابل وجهه، فسلّم عليه فولى عنه وجهه. فقال أبو بكر يا رسول اللّه هل أمرت بأمر فلم أفعل فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أردّ السلام عليك و قد عاديت اللّه و رسوله و عاديت من والاه اللّه و رسوله ردّ الحقّ إلى أهله. قال فقلت من أهله قال من عاتبك عليه، و هو عليّ. قال فقد رددت عليه يا رسول اللّه بأمرك. قال فأصبح و بكى، و قال لعلي عليه السلام ابسط يدك، فبايعه و سلّم إليه الأمر. و قال له أخرج إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأخبر الناس بما رأيت في ليلتي و ما جرى بيني و بينك، فأخرج نفسي من هذا الأمر و أسلّم عليك  بالإمرة قال فقال علي عليه السلام نعم. فخرج من عنده متغيّرا لونه عاليا نفسه، فصادفه عمر و هو في طلبه. فقال ما حالك يا خليفة رسول اللّه.. فأخبره بما كان منه و ما رأى و ما جرى بينه و بين عليّ عليه السلام. فقال عمر أنشدك باللّه يا خليفة رسول اللّه أن تغترّ بسحر بني هاشم فليس هذا بأول سحر منهم.. فما زال به حتّى ردّه عن رأيه و صرفه عن عزمه، و رغّبه فيما هو فيه، و أمره بالثبات ]عليه[ و القيام به. قال فأتى عليّ عليه السلام المسجد للميعاد، فلم ير فيه منهم أحدا، فأحسّ بالشر منهم، فقعد إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فمرّ به عمر فقال يا عليّ دون ما تروم خرط القتاد، فعلم بالأمر و قام و رجع إلى بيته.

 ج و روى مرسلا مثله.

بيان قوله و لا ابتزاز.. الابتزاز الاستلاب و الأخذ بالغلبة. و في بعض النسخ و لا استيثار به، يقال استأثر فلان بالشي‏ء أي  استبدّ به. قوله بعين السآمة مني.. في الإحتجاج قوله بعين الشتاءة لي..، أي العداوة. و القتاد شجر له شوك كثير، و خرطه هو أن تمرّ يدك من أعلاه إلى أسفله حتّى ينتشر شوكه، و هذا مثل يضرب للأمر الشّاقّ.

 فس أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن ابن العباس بن الجريش، عن أبي جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المسجد و الناس مجتمعون بصوت عال الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ.  فقال ابن عباس يا أبا الحسن لم قلت ما قلت قال قرأت شيئا من القرآن. قال لقد قلته لأمر قال نعم، إنّ اللّه يقول في كتابه وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، فتشهد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه استخلف أبا بكر قال ما سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوصى إلّا إليك. قال فهلّا بايعتني قال اجتمع الناس على أبي بكر فكنت منهم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام كما اجتمع أهل العجل على العجل، هاهنا فتنتم، و مثلكم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

 ير محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير و عليّ بن الحكم، عن الحكم بن مسكين، عن أبي عمارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.  و عثمان بن عيسى، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لقي أبا بكر، فاحتّج عليه. ثم قال له أ ما ترضى برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيني و بينك قال و كيف لي به فأخذ بيده و أتى مسجد قبا، فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه، فقضى على أبي بكر. فرجع أبو بكر مذعورا، فلقي عمر فأخبره، فقال ما لك أ ما علمت سحر بني هاشم.

 يج سعد، عن محمد بن عيسى، مثله.

7 6-  ختص، ير بعض أصحابنا، عن محمّد بن حمّاد،  عن أخيه أحمد، عن أحمد بن موسى، عن زياد بن المنذر، عن أبي جعفر عليه السلام قال لقي أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر في بعض سكك المدينة. فقال ظلمت و فعلت. فقال و من يعلم ذلك قال يعلمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قال و كيف لي برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى يعلمني ذلك لو أتاني في المنام فأخبرني لقبلت ذلك. قال عليّ عليه السلام فأنا أدخلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ]فأدخله[ مسجد قبا، فإذا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مسجد قبا. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعتزل عن ظلم أمير المؤمنين عليه السلام. فخرج من عنده، فلقيه عمر، فأخبره بذلك، فقال له اسكت  أ ما عرفت سحر بني عبد المطلب...

ير الحجال، عن اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن البطائني، عن عمران الحلبي، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إنّ عليا عليه السلام لقي أبا بكر. فقال يا أبا بكر ما تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرك أن تسلّم عليّ بإمرة المؤمنين، و أمرك باتّباعي قال فأقبل يتوهم عليه. فقال له اجعل بيني و بينك حكما. قال قد رضيت فاجعل من شئت. قال اجعل بيني و بينك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قال فاغتنمها الآخر و قال قد رضيت. قال فأخذ بيده فذهب إلى مسجد قبا. قال فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قاعد في موضع المحراب. فقال له هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا أبا بكر. فقال رسول اللّه يا أبا بكر أ لم آمرك بالتسليم لعليّ و اتباعه قال بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.  قال فادفع الأمر إليه. قال نعم يا رسول اللّه. فجاء و ليس همّته إلّا ذلك، و هو كئيب. قال فلقي عمر، قال ما لك يا أبا بكر قال لقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمرني بدفع هذه الأمور إلى عليّ. فقال أ ما تعرف سحر بني هاشم هذا سحر. قال فقلب الأمر على ما كان.

 يج عن الصفار، مثله. بيان يتوهّم عليه.. أي يلقي الشكوك و يدفع حججه عليه السلام بالأوهام، و في الخرائج يتشكك عليه.

 ير أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم، عن هارون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر هل أجعل بيني و بينك رسول اللّه صلّى  اللّه عليه و آله فقال نعم. فخرجا إلى مسجد قبا، فصلّى أمير المؤمنين عليه السلام ركعتين، فإذا هو برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال يا أبا بكر على هذا عاهدتك، فصرت به فرجع و هو يقول و اللّه لا أجلس هذا المجلس. فلقي عمر، فقال ما لك قال قد و اللّه ذهب بي فأراني رسول اللّه. فقال عمر أ ما تذكر يوما كنّا معه، فأمر شجرتين فالتقتا، فقضى حاجته خلفهما، ثم أمرهما فتفرقتا قال أبو بكر أما إذا قلت ذا، فإنّي دخلت أنا و هو في الغار فقال بيده فمسحها عليه فعاد ينسج العنكبوت كما كان، ثم قال أ لا أريك جعفرا و أصحابه تعوم بهم سفينتهم في البحر قلت بلى، قال فمسح يده على وجهي، فرأيت جعفرا و أصحابه تعوم بهم سفينتهم في البحر، فيومئذ عرفت أنّه  ساحر، فرجع إلى مكانه.

12 11-  ختص، ير عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان، عن أبيه سليمان، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية الدهني قال دخل أبو بكر على عليّ عليه السلام فقال له إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما تحدّث إلينا في أمرك حديثا بعد يوم الولاية، و أنا أشهد أنّك مولاي، مقرّ لك بذلك، و قد سلّمت عليك على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإمرة المؤمنين، و أخبرنا رسول اللّه أنك وصيّه و وارثه و خليفته في أهله و نسائه، و لم يحل بينك و بين ذلك، و صار ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إليك و أمر نسائه، و لم يخبرنا بأنّك خليفته من بعده، و لا جرم لنا في ذلك فيما بيننا  و بينك، و لا ذنب بيننا و بينك و بين اللّه تعالى. قال فقال عليّ عليه السلام إن أريتك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى يخبرك أنّي أولى بالأمر الّذي أنت فيه منك و من غيرك و إن لم ترجع عمّا أنت فيه فتكون كافرا. قال أبو بكر إن رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حتى يخبرني ببعض هذا لاكتفيت به. قال فوافني إذا صلّيت المغرب. قال فرجع إليه بعد المغرب، فأخذ بيده و خرج به إلى مسجد قبا، فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس في القبلة.  فقال يا عتيق و ثبت على عليّ عليه السلام و جلست مجلس النبوّة، و قد تقدّمت إليك في ذلك، فانزع هذا السربال الّذي تسربلته، فخلّه لعلّي و إلّا فموعدك النار. قال ثمّ أخذ بيديه فأخرجه، فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مشى عنهما. قال فانطلق أمير المؤمنين عليه السلام إلى سلمان فقال يا سلمان أ ما علمت أنّه كان من الأمر كذا و كذا. فقال ليشهرن بك، و ليأتين صاحبه، و ليخبرنه بالخبر. قال فضحك أمير المؤمنين عليه السلام و قال إمّا أن يخبر صاحبه  فيفعل ثم لا و اللّه لا يذكر أبدا إلى يوم القيامة، هما أنظر لأنفسهما من ذلك. قال فلقي أبو بكر عمر، فقال له أراني عليّ.. كذا و كذا، و صنع كذا و كذا. فقال له عمر ويلك ما أقلّ عقلك، فو اللّه ما أنت فيه الساعة ليس إلّا من بعض سحر ابن أبي كبشة، قد نسيت سحر بني هاشم، و من أين يرجع محمد و لا يرجع من مات، إنّ ما أنت فيه أعظم من سحر بني هاشم، فتقلّد هذا السربال و مر فيه.

   يج عن الصفار، مثله. ير أحمد بن إسحاق، عن الحسن بن عباس بن جريش، عن أبي جعفر عليه السلام قال سأل أبا عبد اللّه عليه السلام رجل من أهل بيته عن سورة إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. فقال ويلك سألت عن عظيم، إيّاك و السؤال عن مثل هذا، فقام الرجل. قال فأتيته يوما، فأقبلت عليه فسألته، فقال إِنَّا أَنْزَلْناهُ نور عند الأنبياء و الأوصياء، لا يريدون حاجة من السماء و لا من الأرض إلّا ذكروها لذلك النور فأتاهم بها. و إنّ ممّا ذكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام له من الحوائج أنه قال لأبي بكر يوما لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ... فأشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مات شهيدا، فإيّاك أن تقول إنّه ميت، و اللّه ليأتينك، فاتّق اللّه إذا جاءك الشيطان غير متمثل به. فعجب به أبو بكر فقال إن جاءني و اللّه أطعته و خرجت ممّا أنا فيه. قال فذكر أمير المؤمنين لذلك النور، فعرج إلى أرواح النبيّين، فإذا محمّد  صلّى اللّه عليه و آله قد ألبس وجهه ذلك النور، و أتى و هو يقول يا أبا بكر آمن بعليّ و بأحد عشر من ولده، إنّهم مثلي إلّا النبوّة، و تب إلى اللّه بردّ ما في يديك إليهم، فإنه لا حقّ لك فيه. قال ثمّ ذهب فلم ير. فقال أبو بكر أجمع الناس فأخطبهم بما رأيت، و أبرأ إلى اللّه ممّا أنا فيه إليك يا عليّ، على أن تؤمنني قال ما أنت بفاعل، و لو لا أنّك تنسى ما رأيت لفعلت. قال فانطلق أبو بكر إلى عمر، و رجع نور إِنَّا أَنْزَلْناهُ إلى علي، فقال له قد اجتمع أبو بكر مع عمر. فقلت أ و علم النور قال إنّ له لسانا ناطقا و بصرا نافذا يتجسّس الأخبار للأوصياء عليهم السلام، و يستمع الأسرار، و يأتيهم بتفسير كلّ أمر يكتتم به أعداؤهم. فلمّا أخبر أبو بكر الخبر عمر، قال سحرك، و إنّها لفي بني هاشم لقديمة. قال ثم قاما يخبران الناس، فما دريا ما يقولان. قلت لما ذا قال لأنّهما قد نسياه. و جاء النور فأخبر عليا عليه السلام خبرهما، فقال بعدا لهما كما بعدت ثمود. بيان لعل المراد بنور إِنَّا أَنْزَلْناهُ الروح المذكور في تلك السورة الكريمة.

 يج روي عن سلمان أنّ عليّا عليه السلام بلغه عن عمر ذكر  شيعته، فاستقبله في بعض طرقات بساتين المدينة، و في يد عليّ عليه السلام قوس عربية. فقال يا عمر، بلغني عنك ذكرك لشيعتي. فقال اربع على ظلعك. فقال عليه السلام إنّك لهاهنا، ثمّ رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغر فاه و قد أقبل نحو عمر ليبتلعه. فصاح عمر اللّه اللّه يا أبا الحسن، لا عدت بعدها في شي‏ء، و جعل يتضرّع إليه، فضرب يده إلى الثعبان، فعادت القوس كما كانت، فمرّ عمر إلى بيته مرعوبا. قال سلمان فلمّا كان في الليل دعاني عليّ عليه السلام فقال صر إلى عمر، فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق و لم يعلم به أحد، و قد عزم أن يحتبسه، فقل له يقول لك عليّ أخرج إليك مال من ناحية المشرق، ففرّقه على من  جعل لهم، و لا تحبسه فأفضحك. قال سلمان فأدّيت إليه الرسالة. فقال حيّرني أمر صاحبك، من أين علم به فقلت و هل يخفى عليه مثل هذا فقال لسلمان اقبل منّي أقول لك، ما عليّ إلّا ساحر، و إنّي لمشفق عليك منه، و الصواب أن تفارقه و تصير في جملتنا. قلت بئس ما قلت، لكن عليّا ورث من أسرار النبوة ما قد رأيت منه و ما هو أكبر منه. قال ارجع إليه فقل له السمع و الطاعة لأمرك. فرجعت إلى عليّ عليه السلام، فقال عليه السلام أحدّثك بما جرى بينكما فقلت أنت أعلم به منّي. فتكلّم بكلّ ما جرى بيننا، ثم قال إنّ رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت. بيان قال الجوهري ربع الرّجل يربع إذا وقف و تحبّس، و منه قولهم اربع على نفسك و اربع على ظلعك، أي ارفق بنفسك و كفّ و لا تحمل عليها أكثر ممّا تطيق.

 قب عبد اللّه بن سليمان و زياد بن المنذر و الحسن بن العباس  ابن جريش، كلهم عن أبي جعفر عليه السلام. و أبان بن تغلب و معاوية بن عمار و أبو سعيد المكاري، كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام لقي الأول فاحتجّ عليه. ثم قال أ ترضى برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيني و بينك فقال و كيف لي بذلك فأخذ بيده فأتى به مسجد قبا، فإذا رسول اللّه فيه، فقضى له على الأول.. القصة.

 كشف عن عبد خير، قال اجتمع عند عمر جماعة من قريش، فيهم علي بن أبي طالب، فتذاكروا الشرف، و عليّ عليه السلام ساكت، فقال عمر ما لك يا أبا الحسن ساكتا و كان عليّ عليه السلام كره الكلام، فقال عمر لتقولنّ يا أبا الحسن، فقال عليّ عليه السلام

اللّه أكرمنا بنصر نبيّه و بنا أعزّ شرائع الإسلام‏في كلّ معترك تزيل سيوفنا فيه الجماجم عن فراخ الهام‏و يزورنا جبريل في أبياتنا بفرائض الإسلام و الأحكام‏فنكون أول مستحلّ حلّه و محرّم للّه كلّ حرام‏نحن الخيار من البريّة كلّها و نظامها و زمام كلّ زمام‏إنّا لنمنع من أردنا منعه و نقيم رأس الأصيد القمقام‏و تردّ عادية الخميس سيوفنا فالحمد للرحمن ذي الإنعام

 بيان قال الفيروزآبادي الفرخ مقدّم الدّماغ.  و قال الجوهري و قول الفرزدق

و يوم جعلنا البيض فيه لعامر مصمّمة تفأى فراخ الجماجم

يعنى به الدّماغ. و الزّمام ككتاب ما يجعل في أنف البعير فينقاد به، و لعلّ المراد زمام كلّ ذي زمام. و قال الفيروزآبادي الأصيد الملك، و رافع رأسه كبرا. و قال القمقام و يضمّ السّيّد. و الخميس الجيش.

 إرشاد القلوب روي عن الصادق عليه السلام أنّ أبا بكر لقي أمير المؤمنين عليه السلام في سكّة بني النّجار، فسلّم عليه و صافحه و قال  له يا أبا الحسن أ في نفسك شي‏ء من استخلاف الناس إيّاي، و ما كان من يوم السقيفة، و كراهيتك البيعة و اللّه ما كان ذلك من إرادتي، إلّا أنّ المسلمين اجتمعوا على أمر لم يكن لي أن أخالف عليهم فيه، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لا تجتمع أمّتي على الضلال. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا بكر، أمّته الّذين أطاعوه في عهده من بعده، و أخذوا بهداه، و أوفوا بما عاهدوا اللّه عليه، و لم يبدّلوا و لم يغيّروا. قال له أبو بكر و اللّه يا عليّ لو شهد عندي الساعة من أثق به أنّك أحقّ بهذا الأمر سلّمته إليك، رضي من رضي و سخط من سخط. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام يا أبا بكر فهل تعلم أحدا أوثق من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن و على جماعة معك فيهم عمر و عثمان في يوم الدار، و في بيعة الرضوان تحت الشجرة، و يوم جلوسه في بيت أمّ سلمة، و في يوم الغدير بعد رجوعه من حجّة الوداع فقلتم بأجمعكم سمعنا و أطعنا اللّه و رسوله.  فقال لكم اللّه و رسوله عليكم من الشاهدين. فقلتم بأجمعكم اللّه و رسوله علينا من الشاهدين. فقال صلّى اللّه عليه و آله فليشهد بعضكم على بعض، و ليبلّغ شاهدكم غائبكم، و من سمع منكم فليسمع من لم يسمع. فقلتم نعم يا رسول اللّه، و قمتم بأجمعكم تهنّون رسول اللّه و تهنّوني بكرامة اللّه لنا، فدنا عمر و ضرب على كتفي و قال بحضرتكم بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا و مولى المؤمنين. فقال أبو بكر لقد ذكرتني يا أمير المؤمنين أمرا، لو يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شاهدا فأسمعه منه. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام اللّه و رسوله عليك من الشاهدين، يا أبا بكر إذا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيّا و يقول لك إنّك ظالم لي في أخذ حقّي الّذي جعله اللّه لي و رسوله دونك و دون المسلمين  أ تسلّم هذا الأمر إليّ و تخلع نفسك منه. فقال أبو بكر يا أبا الحسن و هذا يكون أرى رسول اللّه حيّا بعد موته و يقول لي ذلك فقال له أمير المؤمنين عليه السلام نعم يا أبا بكر. قال فأرني ذلك إن كان حقّا. فقال عليّ عليه السلام اللّه و رسوله عليك من الشاهدين إنّك تفي بما قلت قال أبو بكر نعم. فضرب أمير المؤمنين عليه السلام على يده و قال تسعى معي نحو مسجد قبا، فلما ورداه تقدّم أمير المؤمنين عليه السلام فدخل المسجد و أبو بكر من ورائه، فإذا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قبلة المسجد، فلمّا رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشيّ عليه. فناداه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ارفع رأسك أيّها الضليل المفتون. فرفع أبو بكر رأسه و قال لبيّك يا رسول اللّه، أ حياة بعد الموت يا رسول اللّه  فقال ويلك يا أبا بكر إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ. قال فسكت أبو بكر و شخصت عيناه نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال له ويلك يا أبا بكر نسيت ما عاهدت اللّه و رسوله عليك في المواطن الأربعة لعليّ عليه السلام فقال ما أنساها يا رسول اللّه. فقال ما بالك اليوم تناشد عليّا عليه السلام عليها، و يذكّرك و تقول نسيت.. و قصّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما جرى بينه و بين عليّ عليه السلام.. إلى آخره، فما نقص منه كلمة و لا زاد فيه كلمة. فقال أبو بكر يا رسول اللّه فهل من توبة و هل يعفو اللّه عنّي إذا سلّمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين قال نعم يا أبا بكر، و أنا الضامن لك على اللّه ذلك إن وفيت. قال و غاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنهما، فتشبّث أبو بكر بأمير المؤمنين عليه السلام و قال اللّه اللّه فيّ يا عليّ، صر معي إلى منبر رسول اللّه

  حتّى أعلو المنبر فأقصّ على الناس ما شاهدت و ما رأيت من رسول اللّه و ما قال لي و ما قلت له و ما أمرني به، و أخلع نفسي عن هذا الأمر و أسلّمه إليك. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أنا معك إن تركك شيطانك. فقال أبو بكر إن لم يتركني تركته و عصيته. فقال أمير المؤمنين عليه السلام إذا تطيعه و لا تعصيه، و إنما رأيت ما رأيت لتأكيد الحجّة عليك. و أخذ بيده و خرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أبو بكر يتلوّن ألوانا، و الناس ينظرون إليه و لا يدرون ما الّذي كان. حتى لقيه عمر، فقال له يا خليفة رسول اللّه ما شأنك، و ما الّذي دهاك فقال أبو بكر خلّ عنّي يا عمر، فو اللّه لا سمعت لك قولا. فقال له عمر و أين تريد يا خليفة رسول اللّه فقال أبو بكر أريد المسجد و المنبر. فقال هذا ليس وقت صلاة و منبر. قال خلّ عنّي و لا حاجة لي في كلامك. فقال عمر يا خليفة رسول اللّه أ فلا تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ  الوضوء قال بلى، ثم التفت أبو بكر إلى عليّ عليه السلام و قال له يا أبا الحسن تجلس إلى جانب المنبر حتّى أخرج إليك. فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قال له يا أبا بكر، قد قلت لك إنّ شيطانك لا يدعك أو يرديك، و مضى أمير المؤمنين عليه السلام و جلس بجانب المنبر. فدخل أبو بكر منزله، و معه عمر، فقال يا خليفة رسول اللّه لم لا تنبئني بأمرك، و تحدّثني بما دهاك به عليّ بن أبي طالب فقال أبو بكر ويحك يا عمر يرجع رسول اللّه بعد موته حيّا فيخاطبني في ظلمي لعلي، بردّ حقّه عليه و خلع نفسي من هذا الأمر. فقال عمر قصّ عليّ قصّتك من أوّلها إلى آخرها. فقال له أبو بكر ويحك يا عمر قد قال لي علي إنّك لا تدعني أخرج من هذه المظلمة، و إنك شيطاني، فدعني عنك، فلم يزل يرقبه إلى أن حدّثه بحديثه كلّه.  فقال له باللّه عليك يا أبا بكر، أ نسيت شعرك ]في[ أوّل شهر رمضان الّذي فرض علينا صيامه، حيث جاءك حذيفة بن اليمان و سهل بن حنيف و نعمان الأزدي و خزيمة بن ثابت في يوم جمعة إلى دارك ليقضين دينك عليك، فلمّا انتهوا إلى باب الدار سمعوا لك صلصلة في الدار، فوقفوا بالباب و لم يستأذنوا عليك، فسمعوا أمّ بكر زوجتك تناشدك و تقول قد عمل حرّ الشمس بين كتفيك، قم إلى داخل البيت و أبعد من الباب لا يسمعك بعض أصحاب محمد فيهدروا دمك، فقد علمت أنّ محمدا أهدر دم من أفطر يوما من شهر رمضان من غير سفر و لا مرض خلافا على اللّه و على محمد رسول اللّه. فقلت لها هات لا أمّ لك فضل طعامي من الليل، و أترعي الكأس من الخمر، و حذيفة و من معه بالباب يسمعون محاورتكما، فجاءت بصحفة فيها طعام من الليل و قصب مملوء خمرا، فأكلت من الصحفة و كرعت الخمر،  فأضحى النهار و قد قلت لزوجتك

ذريني أصطبح يا أمّ بكر فإنّ الموت نفث عن هشام

إلى أن انتهيت في قولك

يقول لنا ابن كبشة سوف نحيا و كيف حياة أشلاء و هام‏و لكن باطلا قد قال هذا و إفكا من زخاريف الكلام‏ألا هل مبلغ الرحمن عنّي بأنّي تارك شهر الصيام‏و تارك كلّ ما أوحى إلينا محمّد من أساطير الكلام‏فقل للّه يمنعني شرابي و قل للّه يمنعني طعامي‏و لكنّ الحكيم رأى حميرا فألجمها فتاهت باللجام

فلمّا سمعك حذيفة و من معه تهجو محمدا، قحموا عليك في دارك، فوجدوك و قعب الخمر في يديك، و أنت تكرعها، فقالوا لك يا عدوّ اللّه خالفت اللّه و رسوله، و حملوك كهيئتك إلى مجمع الناس بباب رسول اللّه، و قصّوا عليه قصّتك، و أعادوا شعرك، فدنوت منك و ساررتك و قلت لك في ضجيج الناس قل إنّي شربت الخمر ليلا، فثملت فزال عقلي، فأتيت ما أتيته نهارا،  و لا علم لي بذلك، فعسى أن يدرأ عنك الحدّ. و خرج محمد و نظر إليك، فقال أيقظوه، فقلن رأيناه و هو ثمل يا رسول اللّه لا يعقل، فقال ويحكم الخمر يزيل العقل، تعلمون هذا من أنفسكم و أنتم تشربونها فقلنا يا رسول اللّه و قد قال فيها إمرؤ القيس شعرا

شربت الخمر حتّى زال عقلي كذاك ]الخمر يفعل[ بالعقول

ثم قال محمد أنظروه إلى إفاقته من سكرته. فأمهلوك حتى أريتهم أنّك قد صحوت، فساءلك محمد، فأخبرته بما أوعزته إليك من شربك بها بالليل. فما بالك اليوم تؤمن بمحمد و بما جاء به، و هو عندنا ساحر كذّاب. فقال ويحك يا أبا حفص لا شكّ عندي فيما قصصته عليّ، فاخرج إلى ابن أبي طالب فاصرفه عن المنبر. قال فخرج عمر و عليّ عليه السلام جالس تحت المنبر فقال ما  بالك يا عليّ قد تصدّيت لها هيهات هيهات، و اللّه دون ما تروم من علوّ هذا المنبر خرط القتاد. فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام حتّى بدت نواجده، ثم قال ويلك منها و اللّه يا عمر إذا أفضيت إليك، و الويل للأمّة من بلائك فقال عمر هذه بشرى يا ابن أبي طالب، صدقت ظنونك و حقّ قولك. و انصرف أمير المؤمنين عليه السلام إلى منزله، و كان هذا من دلائله عليه السلام

بيان الصّلصلة الصّوت. قوله نفث عن هشام، لعلّ المعنى نفخ عن جود النفس، قال الفيروزآبادي الهشام ككتاب الجود، و في بعض النسخ نقب بالقاف و الباء الموحّدة، فلعلّه جمع هشيم، أي يوضح عن العظام المتكسّرة.  و أشلاء الإنسان أعضاؤه بعد البلى و التّفرّق و أوعزت إليه في كذا أي تقدّمت. أقول أوردت هذا الخبر و لا أعتمد عليه كلّ الاعتماد لموافقته في بعض المضامين لسائر الآثار، و اللّه أعلم بحقائق الأخبار.

 و روي أيضا في الإرشاد بحذف الإسناد، مرفوعا إلى جابر الجعفي قال قلّد أبو بكر الصدقات بقرى المدينة و ضياع فدك رجلا من ثقيف يقال له الأشجع بن مزاحم الثقفي و كان شجاعا، و كان له أخ قتله علي بن أبي طالب في وقعة هوازن و ثقيف فلمّا خرج الرجل عن المدينة جعل أوّل قصده ضيعة من ضياع أهل البيت تعرف ببانقيا، فجاء بغتة و احتوى عليها و على صدقات كانت لعلي عليه السلام، فتوكّل بها و تغطرس على أهلها، و كان الرجل زنديقا منافقا.  فابتدر أهل القرية إلى أمير المؤمنين عليه السلام برسول يعلمونه ما فرط من الرجل. فدعا عليّ عليه السلام بدابة له تسمّى السابح و كان أهداه إليه ابن عمّ لسيف بن ذي يزن و تعمّم بعمامة سوداء، و تقلّد بسيفين، و أجنب دابته المرتجز، و أصحب معه الحسين عليه السلام و عمّار بن ياسر و الفضل بن العباس و عبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه بن العباس، حتّى وافى القرية، فأنزله عظيم القرية في مسجد يعرف بمسجد القضاء، ثم وجّه أمير المؤمنين عليه السلام الحسين عليه السلام يسأله المصير إليه. فصار إليه الحسين عليه السلام فقال أجب أمير المؤمنين. فقال و من أمير المؤمنين. فقال عليّ بن أبي طالب. فقال أمير المؤمنين أبو بكر خلّفته بالمدينة. فقال له الحسين عليه السلام أجب علي بن أبي طالب. فقال أنا سلطان و هو من العوام، و الحاجة له، فليصر هو إليّ.  فقال له الحسين ويلك أ يكون مثل والدي من العوام، و مثلك يكون السلطان فقال أجل، لأن والدك لم يدخل في بيعة أبي بكر إلّا كرها، و بايعناه. طائعين، و كنّا له غير كارهين، فشتّان بيننا و بينه. فصار الحسين عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمه ما كان من قول الرجل. فالتفت إلى عمّار فقال يا أبا اليقظان صر إليه و الطف له في القول، و اسأله أن يصير إلينا، فإنّه لا يجب لوصيّ من الأوصياء أن يصير إلى أهل الضلالة، فنحن مثل بيت اللّه يؤتى و لا يأتي. فصار إليه عمار، و قال مرحبا يا أخا ثقيف، ما الّذي أقدمك على أمير المؤمنين في حيازته، و حملك على الدخول في مساءته، فصر إليه، و أفصح عن حجّتك. فانتهر عمّارا، و أفحش له في الكلام، و كان عمار شديد الغضب،  فوضع حمائل سيفه في عنقه، فمدّ يده إلى السيف. فقيل لأمير المؤمنين عليه السلام الحق عمارا، فالساعة يقطّعونه، فوجّه أمير المؤمنين عليه السلام الجمع، فقال لهم لا تهابوه و صيّروا به إليّ. و كان مع الرجل ثلاثون فارسا من خيار قومه، فقالوا له ويلك هذا عليّ بن أبي طالب قتلك و قتل أصحابك عنده دون النطفة، فسكت القوم جزعا من أمير المؤمنين عليه السلام، فسحب الأشجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام على حرّ وجهه سحبا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام دعوه و لا تعجلوا، فإنّ العجلة و الطيش لا تقوم بها حجج اللّه و براهينه. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام ويلك بما استحللت ما أخذت من أموال أهل البيت و ما حجّتك على ذلك فقال له و أنت فبم استحللت قتل هذا الخلق في كلّ حقّ و باطل، و أنّ مرضاة صاحبي لهي أحبّ إليّ من اتباع موافقتك.  فقال عليّ عليه السلام أيها عليك ما أعرف من نفسي إليك ذنبا إلّا قتل أخيك يوم هوازن، و ليس بمثل هذا القتل تطلب الثارات، فقبّحك اللّه و ترّحك. فقال له الأشجع بل قبّحك اللّه و بتر عمرك أو قال ترحك فإنّ حسدك للخلفاء لا يزال بك حتّى يوردك موارد الهلكة و المعاطب، و بغيك عليهم يقصر بك عن مرادك. فغضب الفضل بن العباس من قوله، ثم تمطّى عليه بسيفه فحل عنقه و رماه عن جسده بساعده اليمنى، فاجتمع أصحابه على الفضل، فسلّ أمير المؤمنين عليه السلام سيفه ذا الفقار، فلمّا نظر القوم إلى بريق عيني الإمام و لمعان ذي الفقار في كفّه رموا سلاحهم و قالوا الطاعة الطاعة. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أفّ لكم، انصرفوا برأس صاحبكم هذا الأصغر إلى صاحبكم الأكبر، فما بمثل قتلكم يطلب الثار، و لا تنقضي الأوتار

  فانصرفوا و معهم رأس صاحبهم، حتّى ألقوه بين يدي أبي بكر. فجمع المهاجرين و الأنصار، و قال يا معاشر الناس، إنّ أخاكم الثقفي أطاع اللّه و رسوله و أولي الأمر منكم، فقلدته صدقات المدينة و ما يليها، ففاقصه ابن أبي طالب، فقتله أخبث قتله، و مثّل به أخبث مثلة، و قد خرج في نفر من أصحابه إلى قرى الحجاز، فليخرج إليه من شجعانكم و ليردّوه عن سنّته، و استعدّوا له من الخيل و السلاح و ما يتهيّأ لكم، و هو من تعرفونه الداء الذي لا دواء له، و الفارس الّذي لا نظير له. قال فسكت القوم مليّا كأنّ الطير على رءوسهم. فقال أخرس أنتم أم ذوو ألسن فالتفت إليه رجل من الأعراب يقال له الحجّاج بن الصخر، فقال له إن صرت إليه سرنا معك، فأما لو سار جيشك هذا لينحرنهم عن آخرهم كنحر البدن. ثم قام آخر فقال أ تعلم إلى من توجّهنا إنّك توجّهنا إلى الجزّار  الأعظم الّذي يختطف الأرواح بسيفه خطفا، و اللّه إنّ لقاء ملك الموت أسهل علينا من لقاء علي بن أبي طالب. فقال ابن أبي قحافة لا جزيتم من قوم عن إمامكم خيرا، إذا ذكر لكم علي بن أبي طالب دارت أعينكم في وجوهكم، و أخذتكم سكرة الموت، أ هكذا يقال لمثلي قال فالتفت إليه عمر بن الخطاب فقال ليس له إلّا خالد بن الوليد. فالتفت إليه أبو بكر فقال يا أبا سليمان، أنت اليوم سيف من سيوف اللّه، و ركن من أركانه، و حتف اللّه على أعدائه، و قد شقّ علي بن أبي طالب عصا هذه الأمّة، و خرج في نفر من أصحابه إلى ضياع الحجاز، و قد قتل من شيعتنا ليثا صئولا و كهفا منيعا، فصر إليه في كثيف من قومك و سله أن يدخل الحضرة، فقد عفونا عنه، فإن نابذك الحرب فجئنا به أسيرا. فخرج خالد بن الوليد في خمسمائة فارس من أبطال قومه، قد أشخنوا  سلاحا، حتّى قدموا على أمير المؤمنين عليه السلام. قال فنظر الفضل بن العباس إلى غبرة الخيل، فقال يا أمير المؤمنين قد وجّه إليك ابن أبي قحافة بقسطل يدقون الأرض بحوافر الخيل دقا. فقال يا ابن العباس هوّن عليك، فلو كان صناديد قريش و قبائل حنين و فرسان هوازن لما استوحشت إلّا من ضلالتهم. ثمّ قام أمير المؤمنين عليه السلام فشدّ محزم الدابة، ثم استلقى على قفاه نائما تهاونا بخالد، حتى وافاه، فانتبه لصهيل الخيل. فقال يا أبا سليمان ما الّذي عدل بك إليّ فقال عدل بي إليك من أنت أعلم به مني. فقال فأسمعنا الآن. فقال يا أبا الحسن أنت فهم غير مفهم، و عالم غير معلم، فما هذه اللوثة الّتي بدرت منك، و النبوة الّتي قد ظهرت فيك، إن كنت كرهت  هذا الرجل فليس يكرهك، و لا تكوننّ ولايته ثقلا على كاهلك، و لا شجا في حلقك، فليس بعد الهجرة بينك و بينه خلاف، و دع الناس و ما تولّوه، ضلّ من ضّل، و هدى من هدى، و لا تفّرق بين كلمة مجتمعة، و لا تضرم النار بعد خمودها، فإنّك إن فعلت ذلك وجدت غبّة غير محمود. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أ تهدّدني يا خالد بنفسك و بابن أبي قحافة فما بمثلك و مثله تهديد، فدع عنك ترهاتك الّتي أعرفها منك و اقصد نحو ما وجّهت له. قال فإنّه قد تقدّم إليّ إن رجعت عن سننك كنت مخصوصا بالكرامة و الحبو، و إن أقمت على ما أنت عليه من خلاف الحقّ حملتك إليه أسيرا.

  فقال له عليه السلام يا ابن اللخناء، و أنت تعرف الحقّ من الباطل، و مثلك يحمل مثلي أسيرا، يا ابن الرادّة عن الإسلام، أ تحسبني ويلك مالك بن نويرة حيث قتلته و نكحت امرأته، يا خالد جئتني برقّة عقلك و اكفهرار وجهك و تشمّخ أنفك، و اللّه لئن تمطّيت بسيفي هذا عليك و على أوغارك لأشبعنّ من لحومكم جوع الضباع و طلس الذئاب، و لبست ويلك ممّن يقتلني أنت و لا صاحبك، و إنّي لأعرف  قاتلي، و أطلب منيتي صباحا و مساء، و ما مثلك يحمل مثلي أسيرا، و لو أردت ذلك لقتلتك في فناء هذا المسجد. فغضب خالد و قال توعد وعيد الأسد و تروغ روغان الثعالب، ما أعداك في المقال، و ما مثلك إلّا من اتّبع قوله بفعله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام إذا كان هذا قولك فشأنك، و سلّ أمير المؤمنين عليه السلام على خالد ذا الفقار، و خفق عليه. فلمّا نظر خالد إلى بريق عيني الإمام، و بريق ذي الفقار في يده، و تصمّمه عليه، نظر إلى الموت عيانا، و قال يا أبا الحسن لم نرد هذا. فضربه أمير المؤمنين عليه السلام بقفار رأس ذي الفقار على ظهره، فنكسه عن دابّته، و لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام ليردّ يده إذا رفعها، لئلّا ينسب إلى الجبن.  فلحق أصحاب خالد من فعل أمير المؤمنين عليه السلام هول عجيب و خوف عنيف. ثم قال عليه السلام ما لكم لا تكافحون عن سيّدكم و اللّه لو كان أمركم إليّ لتركت رءوسكم، و هو أخفّ على يدي من جني الهبيد على أيدي العبيد، و على هذا السبيل تقضمون مال الفي‏ء أفّ لكم. فقام إليه رجل من القوم يقال له المثنى بن الصياح و كان عاقلا فقال و اللّه ما جئناك لعداوة بيننا و بينك، أو عن غير معرفة بك، و إنّا لنعرفك كبيرا و صغيرا، و أنت أسد اللّه في أرضه، و سيف نقمته على أعدائه، و ما مثلنا من جهل مثلك، و نحن أتباع مأمورون، و جند موازرون، و أطواع غير مخالفين، فتبّا لمن وجّه بنا إليك أ ما كان له معرفة بيوم بدر و أحد و حنين فاستحى أمير المؤمنين عليه السلام من قول الرجل، و ترك الجميع، و جعل أمير المؤمنين عليه السلام يمازح خالدا لما به من ألم الضربة، و هو ساكت. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام ويلك يا خالد ما أطوعك  للخائنين الناكثين أ ما كان لك بيوم الغدير مقنع إذ بدر إليك صاحبك في المسجد حتّى كان منك ما كان، فو الّذي فلق الحبة و برأ النسمة لو كان مما رمته أنت و صاحباك ابن أبي قحافة و ابن صهاك شي‏ء لكانا هما أوّل مقتولين بسيفي هذا، و أنت معهما، وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ. و لا يزال يحملك على إفساد حالتك عندي، فقد تركت الحقّ على معرفة و جئتني تجوب مفاوز البسابس، لتحملني إلى ابن أبي قحافة أسيرا، بعد معرفتك أنيّ قاتل عمرو بن عبد ودّ و مرحب، و قالع باب خيبر، و إنيّ لمستحيي منكم و من قلّة عقولكم. أ و تزعم أنّه قد خفي عليّ ما تقدّم به إليك صاحبك حين أخرجك إليّ، و أنت تذكر ما كان منيّ إلى عمرو بن معديكرب و إلى أصيد بن سلمة المخزومي، فقال لك ابن أبي قحافة لا تزال تذكر له ذلك، إنما كان ذلك من دعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قد ذهب ذلك كلّه، و هو الآن أقل من ذلك، أ ليس كذلك يا خالد فلو لا ما تقدّم به إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لكان منيّ إليهما ما هما أعلم به منك. يا خالد أين كان ابن أبي قحافة و أنت تخوض معي المنايا في لجج الموت

  خوضا، و قومك بادون في الانصراف كالنعجة القوداء و الديك النافش، فاتّق اللّه يا خالد، وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، و لا للظالمين ظهيرا. فقال خالد يا أبا الحسن إنيّ أعرف ما تقول، و ما عدلت العرب و الجماهير عنك إلّا طلب ذحول آبائهم قديما، و تنكّل رءوسهم قريبا، فراغت عنك كروغان الثعلب فيما بين الفجاج و الدكادك، و صعوبة إخراج ملك من يدك، و هربا من سيفك، و ما دعاهم إلى بيعة أبي بكر إلّا استلانة جانبه، و لين عريكته، و أمن جانبه، و أخذهم الأموال فوق استحقاقهم، و لقلّ اليوم من يميل إلى الحق، و أنت قد بعت الدنيا بالآخرة، و لو اجتمعت أخلاقهم إلى أخلاقك لما خالفك خالد. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام و اللّه ما أتى خالد إلّا من  جهة هذا الخئون الظلوم المفتن ابن صهاك، فإنّه لا يزال يؤلّب على القبائل و يفزعهم منيّ و يؤيسهم من عطاياهم، و يذكّرهم ما أنساهم الدهر، و سيعلم غبّ أمره إذا فاضت نفسه. فقال خالد يا أبا الحسن بحقّ أخيك لما قطعت هذا من نفسك، و صرت إلى منزلك مكرّما، إذا كان القوم رضوا بالكفاف منك. فقال له أمير المؤمنين لا جزاهم اللّه عن أنفسهم و لا عن المسلمين خيرا. قال ثم دعا عليه السلام بدابته فاتبعه أصحابه، و خالد يحدّثه و يضاحكه، حتّى دخل المدينة، فبادر خالد إلى أبي بكر فحدّثه بما كان منه. فصار أمير المؤمنين عليه السلام إلى قبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ صار إلى الروضة فصلّى أربع ركعات و دعا، و قام يريد الانصراف إلى منزله، و كان أبو بكر جالسا في المسجد و العباس جالس إلى جنبه. فأقبل أبو بكر على العباس فقال يا أبا الفضل ادع لي ابن أخيك عليّا لأعاتبه على ما كان منه إلى الأشجع. فقال له العباس أ و ليس قد تقدّم إليك صاحبك بترك معاتبته و إنّي أخاف عليك منه إذا عاتبته أن لا تنتصر منه. فقال أبو بكر إنّي أراك يا أبا الفضل تخوفني منه، دعني و إيّاه، فأمّا ما كلمني خالد بترك معاتبته فقد رأيته يكلّمني بكلام خلاف الّذي خرج به إليه، و لا أشك إلّا أنّه قد كان منه إليه شي‏ء أفزعه.  فقال له العباس أنت و ذاك يا ابن أبي قحافة. فدعاه العباس، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فجلس إلى جنب العباس. فقال له العباس إنّ أبا بكر استبطأك، و هو يريد أن يسألك بما جرى. فقال يا عم، لو دعاني لمّا أتيته. فقال له أبو بكر يا أبا الحسن ما أرضى لمثلك هذا الفعال. قال و أيّ فعل قال قتلك مسلما بغير حقّ، فما تملّ من القتل قد جعلته شعارك و دثارك. فالتفت إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال أمّا عتابك عليّ في قتل مسلم فمعاذ اللّه أن أقتل مسلما بغير حقّ، لأنّ من وجب عليه القتل رفع عنه اسم الإسلام. و أمّا قتلي الأشجع، فإن كان إسلامك كإسلامه فقد فزت فوزا عظيما أقول و ما عذري إلّا من اللّه، و ما قتلته إلّا عن بيّنة من ربّي، و ما أنت أعلم بالحلال و الحرام منّي، و ما كان الرجل إلّا زنديقا منافقا، و إنّ في منزله صنما من رخام يتمسّح به ثمّ يصير إليك، و ما كان من عدل اللّه أن يؤاخذني بقتل عبدة الأوثان و الزنادقة. و افتتح أمير المؤمنين عليه السلام بالكلام، فحجز بينهما المغيرة بن شعبة

  و عمار بن ياسر، و أقسموا على علي عليه السلام فسكت، و على أبي بكر فأمسك. ثم أقبل أبو بكر على الفضل بن العباس و قال لو قدتك بالأشجع لما فعلت مثلها، ثم قال كيف أقيدك بمثله و أنت ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و غاسله فالتفت إليه العباس فقال دعونا و نحن حكماء أبلغ من شأنك، إنّك تتعرّض بولدي و ابن أخي، و أنت ابن أبي قحافة بن مرة و نحن بنو عبد المطلب ابن هاشم أهل بيت النبوة، و أولو الخلافة، تسمّيتم بأسمائنا، و وثبتم علينا في سلطاننا، و قطعتم أرحامنا، و منعتم ميراثنا، ثم أنتم تزعمون أن لا إرث لنا، و أنتم أحقّ و أولى بهذا الأمر منّا، فبعدا و سحقا لكم أنّى تؤفكون. ثم انصرف القوم، و أخذ العباس بيد عليّ عليه السلام، و جعل عليّ يقول أقسمت عليك يا عمّ لا تتكلّم، و إن تكلّمت لا تتكلّم إلّا بما يسرّ، و ليس لهم عندي إلّا الصبر، كما أمرني نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله، دعهم و ما كان لهم يا عم بيوم الغدير مقنع، دعهم يستضعفونا جهدهم، فإنّ اللّه مولانا و هو خير الحاكمين. فقال له العباس يا ابن أخي، أ ليس قد كفيتك، و إن شئت أعود إليه  فأعرّفه مكانه، و أنزع عنه سلطانه. فأقسم عليه عليّ عليه السلام فأسكته.

بيان قال الجوهري الغطريس الظّالم المتكبّر، و قد تغطرس فهو متغطرس. و قال ترّحه تتريحا أحزنه. و قال التّمطيّ التّبختر و مدّ اليدين في المشي. و قال غافصت الرّجل أخذته على غرّة. و قال الميداني شقّ فلان عصا المسلمين إذا فرّق جمعهم، قال أبو عبيد معناه فرّق جماعتهم، قال و الأصل في العصا الاجتماع و الائتلاف، و ذلك أنّها لا تدعى عصا حتّى تكون جميعا، فإذا انشقّت لم تدع عصا، و من ذلك قولهم للرّجل إذا قام بالمكان و اطمأنّ به و اجتمع له فيه أمره قد ألقى عصاه، قالوا و أصل هذا أنّ الحاديين يكونان في رفقة، فإذا فرّقهم الطّريق شقّت العصا الّتي معهما، فأخذ هذا نصفها و ذا نصفها، فضرب مثلا لكلّ فرقة. و القسطل الغبار، و هو كناية عن الجمّ الغفير.  و اللّوثة بالضّمّ الاسترخاء و البطء، و مسّ الجنون. و يقال نبا الشّي‏ء عنيّ ينبو أي تجافى و تباعد، و أنبيته أنا أي دفعته عن نفسي، و النّبوة الرّفعة. قوله عرج الضبع، قال الفيروزآبادي عرج و عراج معرفتين ممنوعتين الضّباع يجعلونها بمنزلة القبيلة، و العرجاء الضّبع. و في بعض النسخ جوّع جمع جائع كركّع. و الذباب في بعض النسخ بالهمزة، و في بعضها بالباء الموحدة. و في القاموس الطلس العدد الكثير، أو هو خلق كثير النّسل كالذّباب و النّمل و الهوامّ، أو كثرة كلّ شي‏ء. و قال خفق فلانا بالسّيف ضربه ضربة خفيفة، و أخفق الرّجل بثوبه لمع به. و الهبيد الحنظل أو حبّه. و البسبس القفر الخالي.  و بدا القوم خرجوا إلى البادية. و القوداء الطّويل الظّهر، و في بعض النسخ بالعين المهملة أي المسنّة. و قد مرّ تفسير النافش. و التّأليب التّحريض. و لم نبالغ في تفسير هذا الحديث و شرحه، لعدم اعتمادنا عليه لما فيه مما يخالف السير و سائر الأخبار.

 ختص محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لقي أبا بكر فقال له أ ما أمرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تطيع لي قال لا، و لو أمرني لفعلت.  فقال سبحان اللّه أ ما أمرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تطيع لي فقال لا، و لو أمرني لفعلت. قال فامض بنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فانطلق به إلى مسجد قبا، فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي، فلمّا انصرف قال له علي عليه السلام يا رسول اللّه إنّي قلت لأبي بكر أ ما أمرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تطيعني، فقال لا. فقال رسول اللّه قد أمرتك فأطعه. قال فخرج و لقي عمر، و هو ذعر، فقام عمر و قال له ما لك فقال له قال رسول اللّه كذا... و كذا. فقال عمر تبّا لأمّة ولّوك أمرهم أ ما تعرف سحر بني هاشم.