باب 8- احتجاج سلمان و أبي بن كعب و غيرهما على القوم

 ج عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال خطب الناس سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه بعد أن دفن النبيّ عليه و آله السلام بثلاثة أيام فقال فيها.. ألا أيّها الناس اسمعوا عنيّ حديثي ثمّ اعقلوه عني، ألا أنّي أوتيت علما كثيرا، فلو حدّثتكم بكلّ ما أعلم من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ]لقالت[ طائفة منكم هو مجنون، ]و قالت[ طائفة أخرى اللّهم اغفر لقاتل سلمان. ألا إنّ لكم منايا تتبعها بلايا، ألا و إنّ عند عليّ بن أبي طالب عليه السلام المنايا و البلايا، و ميراث الوصايا، و فصل الخطاب، و أصل الأنساب على منهاج هارون بن عمران من موسى عليهما السلام، إذ يقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه  و آله و سلّم أنت وصييّ في أهلي و خليفتي في أمّتي و بمنزلة هارون من موسى. و لكنّكم أخذتم سنّة بني إسرائيل، فأخطأتم الحق، تعلمون فلا تعملون، أما و اللّه لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ على سنة بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة. أما و الّذي نفس سلمان بيده لو وليتموها عليّا عليه السلام لأكلتم من فوقكم و من تحت أرجلكم، و لو دعوتم الطير في جوّ السماء لأجابتكم، و لو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم، و لما عال وليّ اللّه، و لا طاش لكم سهم من فرائض اللّه، و لا اختلف اثنان في حكم اللّه. و لكن أبيتم فوليتموها غيره، فابشروا بالبلاء، و اقنطوا من الرخاء، و قد نابذتكم على سواء، فانقطعت العصمة فيما بيني و بينكم من الولاء.  عليكم بآل محمد عليهم السلام، فإنّهم القادة إلى الجنّة، و الدعاة إليها يوم القيامة، عليكم بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فو اللّه لقد سلّمنا عليه بالولاية و إمرة المؤمنين مرارا جمّة مع نبيّنا، كلّ ذلك يأمرنا به و يؤكّده علينا، فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه و قد حسد قابيل هابيل فقتله، و كفّارا قد ارتدت أمة موسى بن عمران عليهما السلام، فأمر هذه الأمّة ]كأمر[ بني إسرائيل، فأين يذهب بكم أيّها الناس ويحكم ما أنا و أبو فلان و فلان أ جهلتم أم تجاهلتم، أم حسدتم أم تحاسدتم و اللّه لترتدنّ كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة، و يشهد الشاهد على الكافر بالنجاة. ألا و إنّي أظهرت أمري، و سلّمت لنبييّ، و تبعت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّا أمير المؤمنين، و سيّد الوصيّين، و قائد الغرّ المحجّلين، و إمام الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ.

بيان عال أي افتقر. و طاش السّهم أي زال و مال عن الهدف. و قال في النهاية في حديث سلمان و إن أبيتم نابذناكم على سواء، أي  كاشفناكم و قاتلناكم على طريق مستو في العلم بالمنابذة منّا و منكم، بأن نظهر لهم العزم على قتالهم، و نخبرهم به إخبارا مكشوفا. و قوله و كفارا، حال عن فاعل ارتدّت.

 ج عن محمد و يحيى ابني عبد اللّه بن الحسن، عن أبيهما، عن جدّهما، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال لمّا خطب أبو بكر قام أبي بن كعب، و كان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان. فقال يا معاشر المهاجرين الّذين اتبعوا مرضاة اللّه و أثنى اللّه عليهم في القرآن، و يا معاشر الأنصار الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ و أثنى اللّه عليهم في القرآن، تناسيتم أم نسيتم، أم بدّلتم أم غيّرتم، أم خذلتم أم عجزتم. أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قام فينا مقاما أقام فيه عليّا، فقال من كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليّا و من كنت نبيّه فهذا  أميره. أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال يا عليّ أنت منيّ بمنزلة هارون من موسى، طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال أوصيكم بأهل بيتي خيرا، فقدّموهم و لا تتقدّموهم، و أمروهم و لا تتأمّروا عليهم. أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال أهل بيتي منار الهدى و الدالّون على اللّه. أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السلام أنت الهادي لمن ضلّ.  أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال عليّ المحيي لسنتي و معلّم أمّتي، و القائم بحجّتي، و خير من أخلّف من بعدي، و سيّد أهل بيتي، أحبّ الناس إليّ، طاعته كطاعتي على أمّتي. أ لستم تعلمون أنّه لم يولّ على عليّ أحدا منكم، و ولّاه في كلّ غيبته عليكم. أ لستم تعلمون أنّه كان منزلهما في أسفارهما واحدا، و ارتحالهما و أمرهما واحدا. أ لستم تعلمون أنّه قال إذا غبت فخلّفت فيكم عليّا فقد خلفّت فيكم رجلا كنفسي. أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة عليها السلام فقال لنا إنّ اللّه أوحى إلى موسى بن عمران عليه السلام أن اتّخذ أخا من أهلك فأجعله نبيّا، و أجعل أهله لك ولدا، أطهّرهم من الآفات، و أخلّصهم من الريب، فاتّخذ موسى هارون أخا، و ولده أئمّة لبني إسرائيل من بعده، يحلّ لهم في مساجدهم ما يحلّ لموسى.  و إنّ اللّه أوحى إليّ أن أتّخذ عليّا أخا، كموسى اتخذ هارون أخا، و اتّخذ ولده ولدا، فقد طهّرتهم كما طهّرت ولد هارون، إلّا أنّي ختمت بك النبيّين فلا نبيّ بعدك، فهم الأئمّة الهادية. أ فما تبصرون أ فما تفهمون أ ما تسمعون ضربت عليكم الشبهات. فكان مثلكم كمثل رجل في سفر، فأصابه عطش شديد حتّى خشي أن يهلك، فلقي رجلا هاديا في الطريق فسأله عن الماء، فقال له أمامك عينان أحدها مالحة و الأخرى عذبة، فإن أصبت المالحة ضللت، و إن أصبت العذبة هديت و رويت. فهذا مثلكم أيّتها الأمّة المهملة كما زعمتم، و ايم اللّه ما أهملتم، لقد نصب لكم علم يحل لكم الحلال و يحرّم عليكم الحرام، لو أطعتموه ما اختلفتم، و لا تدابرتم، و لا تقاتلتم، و لا برئ بعضكم من بعض. فو اللّه إنّكم بعده لمختلفون في أحكامكم، و إنّكم بعده لناقضوا عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إنّكم على عترته لمختلفون. إن سئل هذا عن غير من يعلم أفتى برأيه، فقد أبعدتم و تجاريتم

  و زعمتم الاختلاف رحمة، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم، يقول اللّه تبارك و تعالى وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، ثم أخبرنا باختلافكم فقال وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ، أي للرحمة، و هم آل محمد. سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول يا عليّ أنت و شيعتك على الفطرة و الناس ]منها[ براء. فهلّا قبلتم من نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله كيف و هو ]خبّركم بانتكاصتكم[ عن وصيّه عليه السلام و أمينه و وزيره و أخيه و وليّه دونكم أجمعين. أطهركم قلبا، و أعلمكم علما، و أقدمكم سلما، و أعظمكم غناء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أعطاه تراثه، و أوصاه بعداته، و استخلفه على  أمّته، وضع عنده سرّه، فهو وليّه دونكم أجمعين، و أحقّ به منكم على التعيين، سيّد الوصيّين، و أفضل المتّقين، و أطوع الأمّة لربّ العالمين، سلّمتم عليه بخلافة المؤمنين في حياة سيّد النبيّين و خاتم المرسلين. فقد أعذر من أنذر، و أدّى النصيحة من وعظ، و بصر من عمي، فقد سمعتم كما سمعنا، و رأيتم كما رأينا، و شهدتم كما شهدنا. فقام عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة بن الجراح و معاذ بن جبل فقالوا يا أبيّ أصابك خبل أم بك جنّة.  فقال بل الخبل فيكم، كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما، فألفيته يكلّم رجلا أسمع كلامه و لا أرى وجهه. فقال فيما يخاطبه ما أنصحه لك و لأمّتك، و أعلمه بسنّتك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أ فترى أمّتي تنقاد له من بعدي قال يا محمد تتبعه من أمّتك أبرارها، و تخالف عليه من أمّتك فجّارها، و كذلك أوصياء النبيّين من قبلك، يا محمد إنّ موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون و كان أعلم بني إسرائيل و أخوفهم للّه و أطوعهم له و أمره اللّه عزّ و جلّ أن يتّخذه وصيّا كما اتخذت عليّا وصيّا، و كما أمرت بذلك، فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصّة، فلعنوه و شتموه و عنّفوه و وضعوا له، فإن أخذت أمّتك سنن بني إسرائيل كذّبوا وصيّك، و جحدوا أمره، و ابتزّوا خلافته، و غالطوه في علمه. فقلت يا رسول اللّه من هذا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا ملك من ملائكة اللّه ربّي عزّ و جلّ، ينبئني أنّ أمّتي تختلف على وصيّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام. و إنّي أوصيك يا أبّي بوصيّة إن حفظتها لم تزل بخير، يا أبيّ عليك بعليّ، فإنّه الهادي المهديّ، الناصح لأمّتي، المحيي لسنتي، و هو إمامكم بعدي،  فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أبي و من غيّر و بدّل لقيني ناكثا لبيعتي، عاصيا أمري، جاحدا لنبّوتي، لا أشفع له عند ربّي، و لا أسقيه من حوضي. فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا اقعد رحمك اللّه يا أبيّ، فقد أدّيت ما سمعت ]و[ وفيت بعهدك.

 شف الحسن بن محمد بن الفرزدق، عن محمّد بن أبي هارون، عن مخول بن إبراهيم، عن عيسى بن عبد اللّه بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه.. مثله، مع اختصار.

و قد أوردته في باب النصوص على أمير المؤمنين عليه السلام. بيان قال الجوهري أغنيت عنك مغنى فلان.. أي أجزأت عنك مجزأة، و يقال ما يغني عنك هذا.. أي ما يجدي عنك و ما ينفعك..، و الغناء  بالفتح.. النّفع. قوله و بصّر على بناء التفعيل معطوف على وعظ. و يقال وضع منه فلان أي حطّ من درجته.