باب 1- باب الفتن الحادثة بمصر و شهادة محمد بن أبي بكر و مالك الأشتر رضي الله عنهما و بعض فضائلهما و أحوالهما و عهود أمير المؤمنين ع إليها

 720-  قال ابن أبي الحديد في شرح النهج، ]نهج البلاغة[ روى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات و وافق ما رأيته في أصل كتابه روى بإسناده عن الكلبي أن محمد بن حذيفة هو الذي حرض المصريين على قتل عثمان و ندبهم إليه و كان حينئذ بمصر فلما صاروا إلى عثمان و حصروه وثب هو بمصر على عامل عثمان عليها و هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح فطرده عنها و صلى بالناس فخرج ابن أبي سرح من مصر و قال به صر إلى مصر و نزل على تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين و انتظر ما يكون من أمر عثمان فلما وصل إليه خبر قتله لحق بمعاوية و ولى علي ع قيس بن سعد بن عبادة مصر و قال له صر إلى مصر فقد وليتكها و اخرج إلى ظاهر المدينة و اجمع ثقاتك و من أحببت أن يصحبك حتى تأتي مصر و لك جند فإن ذلك أرعب لعدوك و أعز لوليك فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن و شد على المريب و ارفق بالعامة و الخاصة فإن الرفق يمن فقال قيس رحمك الله يا أمير المؤمنين قد فهمت ما ذكرت فأما الجند فإني أدعه لك فإذا احتجت إليهم كانوا قريبا منك و إن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا لك عدة و لكني أسير إلى مصر بنفسي و أهل بيتي و أما ما أوصيتني به من الرفق و الإحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك قال فخرج قيس في سبعة نفر من أهل بيته حتى دخل مصر فصعد المنبر و أمر بكتاب معه يقرأ على الناس فيه من عبد الله علي أمير المؤمنين ع إلى من بلغه كتابي من المسلمين سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله بحسن صنعه و قدره و تدبيره اختار الإسلام دينا لنفسه و ملائكته و رسله و بعث به أنبياءه إلى عباده فكان مما أكرم الله هذه الأمة و خصهم به من الفضل أن بعث محمدا ص إليهم فعلمهم الكتاب و الحكمة و السنة و الفرائض و أدبهم لكيما يهتدوا و جمعهم لكيما لا يتفرقوا و زكاهم لكيما يتطهروا فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه فعليه صلوات الله و سلامه و رحمته و رضوانه ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين أحييا السيرة و لم يعدوا السنة ثم توفيا فولي بعدهما من أحدث أحداثا فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا عليه فغيروا ثم جاءوني فبايعوني و أنا أستهدي الله للهدى و أستعينه على التقوى ألا و إن لكم علينا العمل بكتاب الله و سنة رسوله و القيام بحقه و النصح لكم بالغيب وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ و حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ و قد بعثت لكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا فوازروه و أعينوه على الحق و قد أمرته بالإحسان إلى محسنكم و الشدة على مريبكم و الرفق بعوامكم و خواصكم و هو ممن أرضى هديه و أرجو صلاحه و نصحه نسأل الله لنا و لكم عملا زاكيا و ثوابا جزيلا و رحمة واسعة و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و كتب عبيد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست و ثلاثين فلما فرغ من قراءة الكتاب قام قيس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال الحمد لله الذي جاء بالحق و أمات الباطل و كبت الظالمين أيها الناس إنا بايعنا خير من نعلم بعد نبينا ص فقوموا و بايعوا على كتاب الله و سنة نبيه ص فإن نحن لم نعمل فيكم بكتاب الله و سنة رسول الله ص فلا بيعة لنا عليكم فقام الناس فبايعوا و استقامت مصر و أعمالها لقيس و بعث عليها عماله إلا أن قرية منها قد أعظم أهلها قتل عثمان و بها رجل من بني كنانة يقال له يزيد بن الحارث فبعث إلى قيس أنا لا نأتيك فابعث عمالك فالأرض أرضك و لكن أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس و وثب مسلمة بن مخلد الأنصاري به فنعى و دعا إلى الطلب بدم عثمان فأرسل إليه قيس ويحك أ علي تثب و الله ما أحب أن لي ملك الشام و مصر و أني قتلتك فاحقن دمك فأرسل إليه مسلمة أني كاف عنك ما دمت أنت والي

  مصر و كان قيس ذا رأي و جزم فبعث إلى الذين اعتزلوا أني لا أكرهكم على البيعة و لكني أدعكم و أكف عنكم فهادنهم و هادن مسلمة بن مخلد و جبى الخراج و ليس أحد ينازعه قال إبراهيم و خرج علي ع إلى الجمل و قيس على مصر و رجع إلى الكوفة من البصرة و هو بمكانه و كان أثقل خلق الله على معاوية لقرب مصر و أعمالها من الشام فكتب معاوية إلى قيس و علي ع يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفين من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان في أثرة رأيتموها أو ضربة سوط رأيتموه ضربها أو في شتمه أو تمييزه أحدا أو في استعماله الفتيان من أهله فإنكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أن دمه لم يحل لكم بذلك فقد ركبتم عظيما من الأمر و جئتم شيئا إدا فتب يا قيس إلى ربك إن كنت من المجلبين على عثمان إن كانت التوبة قبل الموت تغني شيئا و أما صاحبك فقد استيقنا أنه أغرى الناس به و حملهم على قتله حتى قتلوه و أنه لم يسلم من دمه عظم قومك فإن استطعت يا قيس أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل و بايعنا على علي في أمرنا هذا و لك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت و لمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان و سلني من غير هذا تجب مما تحب فإنك لا تسألني من شي‏ء إلا أوتيته و اكتب إلي برأيك فيما كتبت إليك و السلام فكتب إليه قيس أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت الذي ذكرت من أمر عثمان و ذلك أمر لم أقاربه و ذكرت أن صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان و دسهم إليه حتى قتلوه و هذا أمر لم أطلع عليه و ذكرت لي أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فلعمري إن أولى الناس كان في أمره عشيرتي و أما ما سألتني من مبايعتك على الطلب بدمه و ما عرضته علي فقد فهمته و هذا أمر لي فيه نظر و فكر و ليس هذا مما يعجل إلى مثله و أنا كاف عنك و ليس يأتيك من قبلي شي‏ء تكرهه حتى ترى و نرى إن شاء الله تعالى و السلام عليك و رحمة الله و بركاته فلما قرأ معاوية كتابه لم يره إلا مقاربا مباعدا و لم يأمن أن يكون مخادعا مكايدا فكتب إليه أما بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلما و لم أرك تتباعد فأعدك حربا أراك كخيل الحرون و ليس مثلي من يصانع بالخدائع و لا يخدع بالمكايد و معه عدد الرجال و أعنة الخيل فإن قبلت الذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك و إن أنت لم تفعل ملأت مصر عليك خيلا و رجالا و السلام فلما قرأ قيس كتابه و علم أنه لا يقبل منه المدافعة و المطاولة أظهر له ما في نفسه فكتب إليه من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فالعجب من استسقاطك رأيي و الطمع في أن تسومني لا أبا لغيرك الخروج من طاعة أولى الناس بالأمر و أقولهم بالحق و أهداهم سبيلا و أقربهم من رسول الله ص وسيلة و تأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر و أقولهم بالزور و أضلهم سبيلا و أدناهم من رسول الله ص وسيلة و لديك قوم ضالون مضلون طواغيت من طواغيت إبليس و أما قولك إنك تملأ علي مصر خيلا و رجالا فلئن لم أشغلك عن ذلك حتى يكون منك أنك ذو جد و السلام فلما أتى معاوية كتاب قيس آيس منه و ثقل مكانه عليه و كان أن يكون مكانه غيره أعجب إليه لما يعلم من قوته و بأسه و نجدته فاشتد أمره على معاوية فأظهر للناس أن قيسا قد بايعكم فادعوا الله له و قرأ عليهم كتابه الذي لان

  فيه و قاربه و اختلق كتابا نسبه إلى قيس فقرأه على أهل الشام فشاع في الشام كلها أن قيسا صالح معاوية و أتت عيون علي ع إليه بذلك فأعظمه و أكبره و تعجب له و دعا ابنيه حسنا و حسينا و ابنه محمدا و عبد الله بن جعفر فأعلمهم بذلك و قال ما رأيكم فقال عبد الله بن جعفر دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيسا من مصر قال علي ع و الله إني غير مصدق بهذا على قيس فقال عبد الله اعزله يا أمير المؤمنين فإن كان حقا ما قد قيل لا يعتزلك إن عزلته قال فإنهم لكذلك إذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد و فيه أما بعد فإني أخبرك يا أمير المؤمنين أكرمك الله و أعزك إن قبلي رجالا معتزلين سألوني أن أكف عنهم و أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس و ترى و يرون و قد رأيت أن أكف عنهم و لا أعجل بحربهم و أن أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله أن يقبل بقلوبهم و يفرقهم عن ضلالتهم إن شاء الله و السلام فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين إنك إن أطعته في تركهم و اعتزالهم استسرى الأمر و تفاقمت الفتنة و قعد عن بيعتك كثير ممن تريده على الدخول فيها و لكن مره بقتالهم فكتب إليه أما بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون و إلا فناجزهم و السلام فلما أتى هذا الكتاب قيسا فقرأه لم يتمالك أن كتب إليه أما بعد يا أمير المؤمنين فالعجب لك تأمرني بقتال قوم كافين عنك لم يمدوا يدا للفتنة و لا أرصدوا لها فأطعني يا أمير المؤمنين و كف عنهم فإن الرأي تركهم و السلام فلما أتاه الكتاب قال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبي بكر إلى مصر و اعزل قيسا فبلغني و الله إن قيسا يقول إن سلطانا لا يتم إلا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء و الله ما أحب أن لي سلطان الشام مع سلطان مصر و أني قتلت ابن مخلد و كان عبد الله أخا محمد لأمه و كان يحب أن يكون له إمرة و سلطان فاستعمل علي ع محمد بن أبي بكر على مصر لمحبته له و لهوى عبد الله بن جعفر أخيه فيه و كتب معه كتابا إلى أهل مصر فسار حتى قدمها فقال له قيس ما بال أمير المؤمنين ع ما غيره فغضب و خرج عنها مقبلا إلى المدينة و لم يمض إلى علي ع بالكوفة فلما قدم المدينة جاءه حسان بن ثابت شامتا به و كان عثمانيا فقال له نزعك علي بن أبي طالب و قد قتلت عثمان فبقي عليك الإثم و لم يحسن لك الشكر فزجره قيس و قال يا أعمى القلب يا أعمى البصر و الله لو لا أن ألقي بيني و بين رهطك حربا لضربت عنقك ثم أخرجه من عنده ثم إن قيسا و سهل بن حنيف خرجا حتى قدما على علي ع الكوفة فخبره قيس الخبر و ما كان بمصر فصدقه و شهد مع علي ع بصفين هو و سهل بن حنيف و كان قيس طوالا أطول الناس و أمدهم قامة و كان سناطا أصلع شجاعا مجربا مناصحا لعلي ع و لولده و لم يزل على ذلك إلى أن مات أقول هذه الأخبار مختصر مما وجدته في كتاب الغارات و قال فيه و كان قيس عاملا لعلي ع على مصر فجعل معاوية يقول لا تسبوا قيسا فإنه معنا فبلغ ذلك عليا فعزله و أتى المدينة فجعل الناس يغرونه و يقولون له نصحت فعزلك فلحق بعلي ع و بايعه اثنا عشر ألفا على الموت بعد ما أصيب علي ع و صالح الحسن معاوية فقال لهم قيس إن شئتم دخلتم فيما دخل فيه الناس فبايعه من معه إلا خثيمة الضبي

  و عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان قيس بن سعد بن عبادة مع علي بن أبي طالب ع على مقدمته و معه خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم أقول وجدت في بعض الكتب أن عزل قيس عن مصر مما غلب أمير المؤمنين ع أصحابه و اضطروه إلى ذلك و لم يكن هذا رأيه كالتحكيم و لعله أظهر و أصوب

720-  ثم قال إبراهيم و كان عهد علي ع إلى محمد بن أبي بكر هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر أمره بتقوى الله في السر و العلانية و خوف الله تعالى في المغيب و المشهد و أمره باللين على المسلم و الغلظة على الفاجر و بالعدل على أهل الذمة و بالإنصاف للمظلوم و بالشدة على الظالم و بالعفو عن الناس و بالإحسان ما استطاع و الله يجزي المحسنين و يعذب المجرمين و أمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة و الجماعة فإن لهم في ذلك في العافية و عظم المثوبة ما لا يقدر قدره و لا يعرف كنهه و أمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل لا ينتقص و لا يبتدع ثم يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل و إن لم تكن لهم حاجة و أمره أن يلين لهم جناحه و أن يواسي بينهم في مجلسه و وجهه ليكون القريب و البعيد عنده في الحق سواء و أمره أن يحكم بين الناس بالحق و أن يقوم بالقسط و أن لا يتبع الهوى و أن لا يخاف في الله لومة لائم فإن الله مع من اتقاه و آثر طاعته و أمره على من سواه و كتب عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله ص بغرة شهر رمضان سنة ست و ثلاثين

 أقول روى الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول هذا العهد نحوا مما ذكر ثم قال إبراهيم ثم قام محمد بن أبي بكر خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فالحمد لله الذي هدانا و إياكم لما اختلف فيه من الحق و بصرنا و إياكم كثيرا مما عمي عنه الجاهلون ألا و إن أمير المؤمنين ولاني أموركم و عهد إلي بما سمعتم و أوصاني بكثير منه مشافهة و لن آلوكم جهدا مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ فإن يكن ما ترون من آثاري و أعمالي طاعة لله و تقوى فاحمدوا الله على ما كان من ذلك فإنه هو الهادي إليه و إن رأيتم من ذلك عملا بغير الحق فارفعوه إلي و عاتبوني عليه فإني بذلك أسعد و أنتم بذلك مأجورون وفقنا الله و إياكم لصالح العمل قال و كتب محمد بن أبي بكر إلى علي بن أبي طالب ع و هو إذ ذاك بمصر عاملها يسأله جوامع من الحلال و الحرام و السنن و المواعظ فكتب إليه لعبد الله أمير المؤمنين من محمد بن أبي بكر سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن رأى أمير المؤمنين أرانا الله و جماعة المسلمين فيه أفضل سرورنا و أملنا فيه أن يكتب لنا كتابا فيه فرائض و أشياء مما يبتلى به مثلي من القضاء بين الناس فعل فإن الله يعظم لأمير المؤمنين الأجر و يحسن له الذخر فكتب إليه علي ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى محمد بن أبي بكر و أهل مصر سلام عليكم فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد وصل إلي كتابك فقرأته و فهمت ما سألتني عنه فأعجبني اهتمامك بما لا بد منه و ما لا يصلح المؤمنين غيره و ظننت أن الذي دعاك إليه نية صالحة و رأي غير مدخول و لا خسيس و قد بعثت إليك أبواب الأقضية جامعا لك و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ و حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ و كتب إليه بما سأله عنه من القضاء و ذكر الموت و الحساب و صفة الجنة و النار و كتب في الإمامة و كتب في الوضوء و كتب إليه في مواقيت الصلاة و كتب إليه في الركوع و السجود و كتب إليه في الأدب و كتب إليه في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و كتب إليه في الاعتكاف و كتب إليه في الزنادقة و كتب إليه في نصراني فجر بمسلمة و كتب إليه في أشياء كثيرة لم نحفظ منها غير هذه الخصال و حدثنا ببعض ما كتب إليه

 قال إبراهيم و حدثني يحيى بن صالح عن مالك بن خالد الأسدي عن الحسن بن إبراهيم عن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن عباية قال كتب علي صلوات الله عليه إلى أهل مصر لما بعث محمد بن أبي بكر إليهم كتابا يخاطبهم به و يخاطب محمدا أيضا فيه أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله في سر أمركم و علانيته و على أي حال كنتم عليها و ليعلم المرء منكم أن الدنيا دار بلاء و فناء و الآخرة دار جزاء و بقاء فمن استطاع أن يؤثر ما يبقى على ما يفنى فليفعل فإن الآخرة تبقى و الدنيا تفنى رزقنا الله و إياكم تبصرا بصرا لما بصرنا و فهما لما فهمنا حتى لا نقصر فيما أمرنا و لا نتعدى إلى ما نهانا و اعلم يا محمد أنك و إن كنت محتاجا إلى نصيبك من الدنيا إلا أنك إلى نصيبك من الآخرة أحوج فإن عرض لك أمران أحدهما للآخرة و الآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة و لتعظم رغبتك في الخير و لتحسن فيه نيتك فإن الله عز و جل يعطي العبد على قدر نيته و إذا أحب الخير و أهله و لم يعمله كان إن شاء الله كمن عمله فإن رسول الله ص قال حين رجع من تبوك إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير و لا هبطتم من واد إلا كانوا معكم ما حبسهم إلا المرض يقول كانت لهم نية ثم اعلم يا محمد إني وليتك أعظم أجنادي أهل مصر و إذ وليتك ما وليتك من أمر الناس فإنك محقوق أن تخاف فيه على نفسك و تحذر فيه على دينك و لو كان ساعة من نهار فإن استطعت أن لا تسخط ربك لرضا أحد من خلقه فافعل فإن في الله خلفا من غيره و ليس في شي‏ء غيره خلف منه فاشتد على الظالم و لن لأهل الخير و قربهم إليك و اجعلهم بطانتك و إخوانك و السلام

 و بهذا الإسناد قال كتب علي صلوات الله عليه إلى محمد و أهل مصر أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله و العمل بما أنتم عنه مسئولون فأنتم به رهن و أنتم إليه صائرون فإن الله عز و جل يقول كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ و قال وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ و قال فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فاعلموا عباد الله أن الله سائلكم عن الصغير من أعمالكم و الكبير فإن يعذب فنحن الظالمون و إن يغفر و يرحم فهو أرحم الراحمين و اعلموا أن أقرب ما يكون العبد إلى الرحمة و المغفرة حين ما يعمل بطاعة الله و مناصحته في التوبة فعليكم بتقوى الله عز و جل فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها خير الدنيا و خير الآخرة يقول الله سبحانه وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ و اعلموا عباد الله أن المؤمن يعمل لثلاث إما لخير الدنيا فإن الله يثيبه بعمله في الدنيا قال الله وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في الدنيا و الآخرة و كفاه المهم فيهما و قد قال تعالى يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة قال الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ فالحسنى الجنة و الزيادة الدنيا و إما لخير الآخرة فإن الله يكفر عنه بكل حسنة سيئة يقول إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم و أعطوا بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فهو الذي يقول جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً و يقول عز و جل فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ فارغبوا فيه و اعملوا به و تحاضوا عليه و اعلموا عباد الله أن المؤمنين المتقين قد ذهبوا بعاجل الخير و آجله شركوا أهل الدنيا في دنياهم و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم يقول الله عز و جل قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت و أكلوها بأفضل ما أكلت شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا من أفضل ما يأكلون و شربوا من أفضل ما يشربون و لبسوا من أفضل ما يلبسون و سكنوا بأفضل ما يسكنون و تزوجوا بأفضل ما يتزوجون و ركبوا من أفضل ما يركبون أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا و تيقنوا أنهم غدا من جيران الله عز و جل و يتمنون عليه ما يرد لهم دعوة و لا ينقص لهم لذة أما في هذا ما يشتاق إليه من كان له عقل و لا حول و لا قوة إلا بالله و اعلموا عباد الله أنكم إن اتقيتم ربكم و حفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد و ذكرتموه بأفضل ما ذكر و شكرتموه بأفضل ما شكر و أخذتم بأفضل الصبر و جاهدتم بأفضل الجهاد و إن كان غيركم أطول صلاة

 منكم و أكثر صياما إذا كنتم أتقى لله و أنصح لأولياء الله من آل محمد ص و أخشع و احذروا عباد الله الموت و نزوله و خذوا له عدته فإنه يدخل بأمر عظيم خير لا يكون معه شر أبدا أو شر لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها و ليس أحد من الناس يفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير إلى الجنة أم إلى النار أ عدو هو لله أم ولي له فإن كان وليا فتحت له أبواب الجنة و شرع له طريقها و نظر إلى ما أعد الله عز و جل لأوليائه فيها و فرغ من كل شغل و وضع عنه كل ثقل و إن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار و سهل له طريقها و نظر إلى ما أعد الله فيها لأهلها و استقبل كل مكروه و فارق كل سرور قال تعالى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ و اعلموا عباد الله أن الموت ليس منه فوت فاحذروه قبل وقوعه و أعدوا له عدته فإنكم طرداء الموت إن أقمتم أخذكم و إن هربتم أدرككم و هو ألزم لكم من ظلكم معقود بنواصيكم و الدنيا تطوى من خلفكم فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات فإنه كفى بالموت واعظا و قد قال رسول الله ص أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات و اعلموا عباد الله أن ما بعد الموت أشد من الموت لمن لا يغفر الله له و يرحمه و احذروا القبر و ضمته و ضيقه و ظلمته فإنه الذي يتكلم كل يوم يقول أنا بيت التراب و أنا بيت الغربة و أنا بيت الدود و القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار إن المسلم إذا مات قالت له الأرض مرحبا و أهلا قد كنت ممن أحب أن تمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك فيتسع له مد بصره و إذا دفن الكافر قالت له الأرض لا مرحبا و لا أهلا قد كنت ممن أبغض أن تمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك فتنضم عليه حتى تلتقي أضلاعه و اعلموا أن المعيشة الضنك التي قال الله سبحانه فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً هي عذاب القبر و أنه يسلط على الكافر في قبره حيات تسعة و تسعين تنينا عظام تنهش لحمه حتى يبعث لو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت الزرع ريعها أبدا و اعلموا عباد الله أن أنفسكم و أجسادكم الرقيقة الناعمة التي يكفيها اليسير من العقاب ضعيفة عن هذا فإن استطعتم أن ترحموا أنفسكم و أجسادكم عما لا طاقة لكم به و لا صبر عليه فتعملوا بما أحب الله سبحانه و تتركوا ما كره فافعلوا و لا حول و لا قوة إلا بالله و اعلموا عباد الله أن ما بعد القبر أشد من القبر يوم يشيب فيه الصغير و يسكر فيه الكبير و يسقط فيه الجنين و تذهل كل مرضعة عما أرضعت و احذروا يوما عبوسا قمطريرا كان شره مستطيرا أما إن شر ذلك اليوم و فزعه استطار حتى فزعت منه الملائكة الذين ليست لهم ذنوب و السبع الشداد و الجبال الأوتاد و الأرضون المهاد و انشقت السماء فهي يومئذ واهية و تتغير فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ و تكون الجبال سرابا مهيلا بعد ما كانت صما صلابا يقول الله سبحانه وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فكيف من يعصيه بالسمع و البصر و اللسان و اليد و الرجل و الفرج و البطن إن لم يغفر الله و يرحم و اعلموا عباد الله أن ما بعد ذلك اليوم أشد و أدهى على من لم يغفر الله له من ذلك اليوم نار قعرها بعيد و حرها شديد و عذابها جديد و مقامعها حديد و شرابها صديد لا يفتر عذابها و لا يموت ساكنها دار ليست لله سبحانه فيها

 رحمة و لا يسمع فيها دعوة و اعلموا عباد الله أن مع هذا رحمة الله التي وسعت كل شي‏ء لا تعجز عن العباد جنة عرضها كعرض السماوات و الأرض خير لا يكون بعده شر أبدا و شهوة لا تنفد أبدا و لذة لا تفنى أبدا و مجمع لا يتفرق أبدا قوم قد جاوروا الرحمن و قام بين أيديهم الغلمان بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ فيها الفاكهة و الريحان فقال رجل يا رسول الله إني أحب الخيل فهل في الجنة خيل قال نعم و الذي نفسي بيده إن فيها خيلا من ياقوت أحمر عليها يركبون فتدف بهم خلال ورق الجنة فقال رجل يا رسول الله إني يعجبني الصوت الحسن أ في الجنة الصوت الحسن قال نعم و الذي نفسي بيده إن الله ليأمر لمن أحب ذلك منهم بشجر يسمعه صوتا بالتسبيح ما سمعت الآذان بأحسن منه قط فقال رجل يا رسول الله ص إني أحب الإبل أ في الجنة إبل قال نعم و الذي نفسي بيده إن فيها نجائب من ياقوت أحمر عليها رحال الذهب قد ألحفت بنمارق الديباج يركبون فتزف بهم خلال ورق الجنة و إن فيها صور رجال و نساء يركبون مراكب أهل الجنة فإذا أعجب أحدهم الصورة قال اجعل صورتي مثل هذه الصورة فيجعل صورته عليها و إذا أعجبته صورة المرأة قال رب اجعل صورة فلانة زوجته مثل هذه الصورة فيرجع و قد صارت صورة زوجته على ما اشتهى و إن أهل الجنة يزورون الجبار سبحانه في كل جمعة فيكون أقربهم منه على منابر من نور و الذين يلونهم على منابر من ياقوت و الذين يلونهم على منابر من زبرجد و الذين يلونهم على منابر من مسك فبينا هم كذلك ينظرون إلى نور الله جل جلاله و ينظر الله في وجوههم إذ أقبلت سحابة تغشاهم فتمطر عليهم من النعمة و اللذة و السرور و البهجة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه و مع هذا ما هو أفضل منه رضوان الله الأكبر أما أنا لو لم نخوف إلا ببعض ما خوفنا به لكنا محقوقين أن يشتد خوفنا مما لا طاقة لنا به و لا صبر لقوتنا عليه و أن يشتد شوقنا إلى ما لا غناء لنا عنه و لا بد لنا منه و إن استطعتم عباد الله أن يشتد خوفكم من ربكم و يحسن به ظنكم فافعلوه فإن العبد إنما تكون طاعته على قدر خوفه و إن أحسن الناس لله طاعة أشدهم له خوفا و انظر يا محمد صلاتك كيف تصليها فإنما أنت إمام ينبغي لك أن تتمها و أن تخففها و أن تصليها لوقتها فإنه ليس من إمام يصلي بقوم فيكون في صلاته و صلاتهم نقص إلا كان إثم ذلك عليه و لا ينقص ذلك من صلاتهم شيئا و اعلم أن كل شي‏ء من عملك يتبع صلاتك فمن ضيع الصلاة فهو لغيرها أشد تضييعا و وضوؤك من تمام الصلاة فأت بها على وجهه فإن الوضوء نصف الإيمان و انظر صلاة الظهر فصلها لوقتها لا تعجل بها عن الوقت لفراغ و لا تؤخرها عن الوقت لشغل فإن رجلا جاء إلى رسول الله ص فسأله عن وقت الصلاة فقال النبي ص أتاني جبرئيل فأراني وقت الصلاة فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم صلى العصر و هي بيضاء نقية ثم صلى المغرب حين غابت الشمس ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الصبح فأغلس بها و النجوم مشتبكة كان النبي ص كذا يصلي قبلك فإن استطعت و لا قوة إلا بالله أن تلتزم السنة المعروفة و تسلك الطريق الواضح الذي أخذه و لعلك تقدم عليهم غدا

 ثم انظر ركوعك و سجودك فإن النبي ص كان أتم الناس صلاة و أحفظهم لها و كان إذا ركع قال سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاث مرات و إذا رفع صلبه قال سمع الله لمن حمده اللهم لك الحمد مل‏ء سماواتك و مل‏ء أرضك و مل‏ء ما شئت من شي‏ء فإذا سجد قال سبحان ربي الأعلى و بحمده ثلاث مرات أسأل الله الذي يرى و لا يرى و هو بالمنظر الأعلى أن يجعلنا و إياك ممن يحبه الله و يرضاه حتى يبعثنا على شكره و ذكره و حسن عبادته و أداء حقه و على كل شي‏ء اختاره لنا في دنيانا و ديننا و أولانا و أخرانا و أن يجعلنا من المتقين الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ فإن استطعتم يا أهل مصر و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أن تصدق أقوالكم أفعالكم و أن يتوافق سركم و علانيتكم و لا تخالف ألسنتكم قلوبكم فافعلوا عصمنا الله و إياكم بالهدى و سلك بنا و بكم المحجة العظمى و إياكم دعوة الكذاب ابن هند و تأملوا و اعلموا أنه لا سواء إمام الهدى و إمام الردى و وصي النبي ع و عدو النبي جعلنا الله و إياكم ممن يحب و يرضى لقد سمعت رسول الله ص يقول إني لا أخاف على أمتي مؤمنا و لا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه و أما المشرك فيخزيه الله بشركه و لكني أخاف عليكم كل منافق عالم اللسان يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون و قد قال النبي ص من سرته و ساءته حسناته سيئاته فذلك المؤمن حقا و قد كان يقول خصلتان لا تجتمعان في منافق حسن سمت و لا فقه في سنة و اعلم يا محمد إن أفضل الفقه الورع في دين الله و العمل بطاعته أعاننا الله و إياك على شكره و ذكره و أداء حقه و العمل بطاعته فعليك بالتقوى في سر أمرك و علانيته و على أي حال كنت عليها جعلنا الله و إياك من المتقين أوصيك بسبع هن جوامع الإسلام اخش الله و لا تخش الناس في الله و خير القول ما صدقه العمل و لا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيتناقض أمرك و يزيغ عن الحق و أحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك و اكره لهم ما تكره لنفسك و أهل بيتك و الزم الحجة عند الله فأصلح أحوال رعيتك و خض الغمرات إلى الحق و لا تخف في الله لومة لائم و انصح لمن استشارك و اجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين و بعيدهم و عليك بالصوم و إن رسول الله ص عكف عاما في العشر الأول من شهر رمضان و عكف العام المقبل في العشر الأوسط من شهر رمضان فلما كان العام الثالث رجع من بدر و قضى اعتكافه فنام فرأى في منامه ليلة القدر في العشر الأواخر كأنه يجد في ماء و طين فلما استيقظ رجع من ليلته إلى أزواجه و أناس معه من أصحابه ثم إنهم مطروا ليلة ثلاث و عشرين فصلى النبي ص حين أصبح فرأى في وجه النبي ص الطين فلم يزل يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله و قال النبي ص من صام رمضان ثم صام ستة أيام من شوال فكأنما صام السنة جعل الله خلتنا و ودنا خلة المتقين و ود المخلصين و جمع ع بيننا و بينكم في دار الرضوان إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ إن شاء الله

 قال إبراهيم حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان عن علي بن محمد بن أبي سيف عن أصحابه أن عليا لما كتب إلى محمد بن أبي بكر هذا الكتاب كان ينظر فيه و يتأدب به فلما ظهر عليه عمرو بن العاص و قتله أخذ كتبه أجمع فبعث بها إلى معاوية فكان معاوية ينظر في هذا الكتاب و يتعجب منه فقال الوليد بن عقبة و قد رأى إعجابه به مر بهذه الأحاديث أن تحرق فقال معاوية مه فإنه لا رأي لك فقال الوليد أ فمن الرأي أن يعلم الناس أن أحاديث أبي تراب عندك تتعلم منها قال معاوية ويحك أ تأمرني أن أحرق علما مثل هذا و الله ما سمعت بعلم هو أجمع منه و لا أحكم فقال الوليد إن كنت تعجب من علمه و قضائه فعلام تقاتله فقال لو لا أن أبا تراب قتل عثمان ثم أفنانا لأخذنا عنه ثم سكت هنيئة ثم نظر إلى جلسائه فقال ألا لا نقول إن هذه من كتب علي بن أبي طالب و لكن نقول هذه من كتب أبي بكر كانت عند ابنه محمد فنحن ننظر فيها و نأخذ منها قال فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أمية حتى ولي عمر بن عبد العزيز فهو الذي أظهر أنها من أحاديث علي بن أبي طالب ع قال إبراهيم فلما بلغ عليا ع أن ذلك الكتاب صار إلى معاوية اشتد عليه حزنا

 و روي عن عبد الله بن سلمة قال صلى بنا علي صلوات الله عليه فلما انصرف قال

لقد عثرت عثرة لا أعتذر سوف أكيس بعدها و أستمر

و أجمع الأمر الشتيت المنتشر فقلنا ما بالك يا أمير المؤمنين قال إني استعملت محمد بن أبي بكر على مصر فكتب إلي أنه لا علم لي بالسنة فكتبت إليه كتابا فيه أدب و سنة فقتل و أخذ الكتاب قال إبراهيم فلم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك المعتزلين الذين كان قيس بن سعد موادعا لهم فقال يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا و إما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه أنا لا نفعل فدعنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس فلا تعجل علينا فأبى عليهم فامتنعوا منه و أخذوا حذرهم ثم كانت وقعة صفين و هم لمحمد هائبون فلما أتاهم خبر معاوية و أهل الشام ثم صار الأمر إلى الحكومة و أن عليا و أهل العراق قد قفلوا عن معاوية و الشام إلى عراقهم اجترءوا على محمد و أظهروا المنابذة له فلما رأى محمد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوي و معه يزيد بن الحرث الكناني فقاتلاهم فقتلوهما ثم بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا و خرج معاوية بن حديج من السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان فأجابه القوم و أناس كثير آخرون و فسدت مصر على محمد بن أبي بكر فبلغ عليا ع توثبهم عليه فقال ما أرى لمصر إلا أحد الرجلين صاحبنا الذي عزلناه بالأمس يعني قيس بن سعد أو مالك بن الحارث الأشتر و كان علي حين رجع عن صفين رد الأشتر إلى عمله بالجزيرة و قال لقيس بن سعد أقم أنت معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى أذربيجان فكان قيس مقيما على شرطته فلما انقضى أمر الحكومة كتب ع إلى الأشتر و هو يومئذ بنصيبين كتابا و طلبه

 أقول لما روى المفيد رحمه الله في المجالس هذه القصة و هذا الكتاب قريبا مما أورده أخرجته منه لكونه أبسط و أوثق إلا أن في رواية الثقفي أن بعث الأشتر كان قبل شهادة محمد

721-  قال المفيد أخبرني الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن محمد بن زكريا عن عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد قال لما ورد الخبر على أمير المؤمنين ع بمقتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنه كتب إلى مالك بن الحارث الأشتر رحمه الله و كان مقيما بنصيبين أما بعد فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين و أقمع به نخوة الأثيم و أسد به الثغر المخوف و قد كنت وليت محمد بن أبي بكر رحمه الله مصر فخرج عليه خوارج و كان حدثا لا علم له بالحروب فاستشهد رحمه الله فاقدم علي لننظر في أمر مصر و استخلف على عملك أهل الثقة و النصيحة من أصحابك فاستخلف مالك على عمله شبيب بن عامر الأزدي و أقبل حتى ورد على أمير المؤمنين ع فحدثه حديث مصر و أخبره عن أهلها و قال له ليس لهذا الوجه غيرك فاخرج فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك و استعن بالله على ما أهمك و اخلط الشدة باللين و ارفق ما كان الرفق أبلغ و اعتزم على الشدة متى لم يغن عنك إلا الشدة قال فخرج مالك الأشتر فأتى رحله و تهيأ للخروج إلى مصر و قدم أمير المؤمنين أمامه كتابا إلى أهل مصر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو و أسأله الصلاة على نبيه محمد و آله و إني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف و لا ينكل عن الأعداء حذر الدوائر من أشد عبيد الله بأسا و أكرمهم حسبا أضر على الفجار من حريق النار و أبعد الناس من دنس أو عار و هو مالك بن الحارث الأشتر لا نابي الضريبة و لا كليل الحد حليم في الحذر رزين في الحرب ذو رأي أصيل و صبر جميل فاسمعوا له و أطيعوا أمره فإن أمركم بالنفير فانفروا و إن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لا يقدم و لا يحجم إلا بأمري فقد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم و شدة شكيمة على عدوكم عصمكم الله بالهدى و ثبتكم بالتقوى و وفقتنا و إياكم لما يحب و يرضى و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و لما تهيأ مالك الأشتر للرحيل إلى مصر كتب عيون معاوية بالعراق إليه يرفعون خبره فعظم ذلك على معاوية و قد كان طمع في مصر فعلم أن الأشتر إن قدمها فاتته و كان أشد عليه من ابن أبي بكر فبعث إلى دهقان من أهل الخراج بالقلزم أن عليا قد بعث بالأشتر إلى مصر و إن كفيتنيه سوغتك خراج ناحيتك ما بقيت فاحتل في قتله بما قدرت عليه ثم جمع معاوية أهل الشام و قال لهم إن عليا قد بعث بالأشتر إلى مصر فهلموا ندعو الله عليه يكفينا أمره ثم دعا و دعوا معه و خرج الأشتر حتى أتى القلزم فاستقبله ذلك الدهقان فسلم عليه و قال أنا رجل من أهل الخراج و لك و لأصحابك علي حق في ارتفاع أرضي فانزل علي أقم بأمرك و أمر أصحابك و علف دوابكم و احتسب بذلك لي من الخراج فنزل عليه الأشتر فأقام له و لأصحابه بما احتاجوا إليه و حمل إليه طعاما دس في جملته عسلا جعل فيه سما فلما شربه الأشتر قتله و مات و بلغ معاوية خبره فجمع أهل الشام و قال لهم أبشر فإن الله قد أجاب دعاءكم و كفاكم الأشتر و أماته فسروا بذلك و استبشروا به و لما بلغ أمير المؤمنين ع وفاة الأشتر جعل يتلهف و يتأسف عليه و يقول لله در مالك لو كان من جبل لكان أعظم أركانه و لو كان من حجر كان صلدا أما و الله ليهدن موتك عالما فعلى مثلك فلتبك البواكي ثم قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر فرحم الله مالكا فقد وفى بعهده و قَضى نَحْبَهُ و لقي ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله ص فإنها أعظم المصيبة

 أقول و في رواية الثقفي في كتابه ع إلى الأشتر و هو غلام حدث السن و ليس فيه ذكر شهادة محمد فلا ينافي ما يظهر من روايته أن بعث الأشتر كان قبل شهادته و ما أورده السيد من الاعتذار من محمد لبعث الأشتر يدل على ذلك أيضا و هو أشهر عند أرباب التواريخ و لكن رواية الإختصاص أيضا مؤيدة لهذه الرواية

  -722  رجعنا إلى رواية الثقفي روى بإسناده عن عاصم بن كليب عن أبيه أن معاوية لما بلغه خبر الأشتر بعث رسولا يتبعه إلى مصر و أمره باغتياله فحمل معه مزودين فيهما شراب فاستسقى الأشتر يوما فسقاه من أحدهما فاستسقى يوما آخر فسقاه من الآخر و فيه سم فشربه و مال عنقه فطلب الرجل ففاته

 و عن مغيرة الضبي أن معاوية دس للأشتر مولى لآل عمر فلم يزل المولى يذكر للأشتر فضل علي و بني هاشم حتى اطمأن إليه فقدم الأشتر يوما ثقله و استسقى ماء فسقاه المولى شربة سويق فيها سم فمات قال و قد كان معاوية قال لأهل الشام لما دس له مولى عمر ادعوا على الأشتر فدعوا عليه فلما بلغه موته قال أ لا ترون كيف استجيب لكم

 و قد روي من بعض الوجوه أن الأشتر قتل بمصر بعد قتال شديد و الصحيح أنه سقي سما فمات قبل أن يبلغ مصر

 و عن علي بن محمد المدائني أن معاوية أقبل يقول لأهل الشام أيها الناس إن عليا قد وجه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكم فكانوا يدعون عليه في دبر كل صلاة و أقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره بهلاك الأشتر فقام معاوية خطيبا فقال أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان فقطعت إحداهما يوم صفين و هو عمار بن ياسر و قد قطعت الأخرى اليوم و هو مالك الأشتر

 و قال إبراهيم فلما بلغ عليا ع موت الأشتر قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللهم إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر ثم قال رحم الله مالكا فلقد وفى بعهده و قضى نحبه و لقي ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله ص فإنها من أعظم المصيبات

 و عن معاوية الضبي قال لم يزل أمر علي ع شديدا حتى مات الأشتر و كان الأشتر بالكوفة أسود من الأحنف بالبصرة

 و عن جماعة من أشياخ النخع قالوا دخلنا على أمير المؤمنين ع حين بلغه موت الأشتر فوجدناه يتلهف و يتأسف عليه ثم قال لله در مالك و ما مالك لو كان من جبل لكان فندا و لو كان من حجر لكان صلدا أما و الله ليهدن موتك عالما و ليفرحن عالما على مثل مالك فلتبك البواكي و هل مرجو كمالك و هل موجود كمالك قال علقمة بن قيس النخعي فما زال علي يتلهف و يتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا و عرف ذلك في وجهه أياما

 قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني عن رجاله أن محمد بن أبي بكر لما بلغه أن عليا ع قد وجه الأشتر إلى مصر شق عليه فكتب علي ع إليه عند مهلك الأشتر أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك و لم أفعل ذلك استبطاء لك عن الجهاد و لا استزادة لك مني في الجد و لو نزعت ما حوت يداك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر مئونة عليك و أعجب ولاية إليك إلا أن الرجل الذي كنت وليته مصر كان رجلا لنا مناصحا و على عدونا شديدا فرحمة الله عليه فقد استكمل أيامه و لاقى حمامه و نحن عنه راضون فرضي الله عنه و ضاعف له الثواب و أحسن له المآب فأصحر لعدوك و شمر للحرب و ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ و أكثر ذكر الله و الاستعانة به و الخوف منه يكفك ما أهمك و يعنك على ما ولاك أعاننا الله و إياك على ما لا ننال إلا برحمته و السلام فكتب محمد رحمه الله إلى عبد الله أمير المؤمنين ع من محمد بن أبي بكر سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد انتهى إلي كتاب أمير المؤمنين و فهمته و عرفت ما فيه و ليس أحد من الناس أشد على عدو أمير المؤمنين و لا أرق خرجت فعسكرت و أمنت الناس إلا من نصب لنا حربا و أظهر لنا خلافا و أنا متبع أمر أمير المؤمنين و حافظه و لاجئ إليه و قائم به وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ على كل حال و السلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته

 و عن أبي جهضم الأسدي قال إن أهل الشام لما انصرفوا عن صفين و أتي بمعاوية خبر الحكمين و بايعه أهل الشام بالخلافة لم يزدد إلا قوة و لم يكن له هم إلا مصر فدعا عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة و الضحاك بن قيس و عبد الرحمن بن خالد و شرحبيل بن السمط و أبا الأعور السلمي و حمزة بن مالك فاستشارهم في ذلك فقال عمرو بن العاص نعم الرأي رأيت في افتتاحها عزك و عز أصحابك و ذل عدوك و قال آخرون نرى ما رأى عمرو فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري و إلى معاوية خديج الكندي و كانا قد خالفا عليا ع فدعاهما إلى الطلب بدم عثمان فأجابا و كتبا إليه عجل إلينا بخيلك و رجلك فإنا ننصرك و يفتح الله عليك فبعث معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف فسار عمرو في الجيش حتى دنا من مصر فاجتمعت إليه العثمانية فأقام و كتب إلى محمد بن أبي بكر أما بعد فتنح عني بدمك يا ابن أخي فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر و إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك و هم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها إني لك من الناصحين و السلام قال و بعث عمرو مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه و هو أما بعد فإن غب الظلم و البغي عظيم الوبال و إن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و التبعة الموبقة في الآخرة و ما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا و لا أسوأ له عيبا و لا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين و ساعدت عليه مع المساعدين و سفكت دمه مع السافكين ثم تظن أني نائم عنك فأتيت بلدة فتأمن فيها و جل أهلها أنصاري يرون رأيي و يرفعون قولك و يرقبون عليك و قد بعثت إليك قوما حناقا عليك يستسفكون دمك و يتقربون إلى الله عز و جل بجهادك و قد أعطوا الله عهدا ليقتلنك و لو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه و أنا أحذرك و أنذرك فإن الله مقيد منك و مقتص لوليه و خليفته بظلمك له و بغيك عليه و وقيعتك فيه و عدوانك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه و أوداجه و مع هذا إني أكره قتلك و لا أحب أن أتولى ذلك منك و لن يسلمك الله من النقمة أين كنت أبدا فتنح و انج بنفسك و السلام قال فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما إلى علي ع و كتب إليه أما بعد يا أمير المؤمنين فإن العاصي بن العاص قد نزل أداني مصر و اجتمع عليه من أهل البلد كل من كان يرى رأيهم و هو في جيش جرار و قد رأيت ممن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال و الرجال و السلام عليك و رحمة الله و بركاته فكتب إليه أمير المؤمنين رضي الله عنه أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل أداني مصر في جيش جرار و إن من كان على مثل رأيه قد خرج إليه و خروج من كان على رأيه خير لك من إقامته عندك

  و ذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل و إن فشلوا حصن قريتك و اضمم إليك شيعتك و أول الحرس في عسكرك و اندب إلى القوم كناية بن بشر المعروف بالنصيحة و التجربة و البأس و أنا نادب إليك الناس على الصعب و الذلول فاصبر لعدوك و امض على بصيرتك و قاتلهم على نيتك و جاهدهم محتسبا لله سبحانه و إن كان فئتك أقل الفئتين فإن الله تعالى يعين القليل و يخذل الكثير و قد قرأت كتاب الفاجرين المتحابين على المعصية و المتلائمين على الضلالة و المرتبئين المرتشين في الحكومة و المتكبرين على أهل الدين الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم فلا يضرنك إرعادهما و إبراقهما و أجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت و السلام قال فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه و تأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح و تخوفني بالحرب كأنك علي شفيق و أنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم و أن يخذلكم الله في الوقعة و أن ينزل بكم الذل و إن تولوا الدبر فإن يكن لكم الأمر في الدنيا فكم و كم لعمري من ظالم قد نصرتم و كم من مؤمن قد قتلتم و مثلتم به وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ و إليه ترد الأمور وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ قال و كتب محمد بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص جواب كتابه أما بعد فقد فهمت كتابك و علمت ما ذكرت و زعمت أنك لا تحب أن يصيبني منك ظفر فأشهد بالله أنك لمن المبطلين و زعمت أنك لي ناصح و أقسم أنك عندي ظنين و زعمت أن أهل البلد قد رفضوني و ندموا على اتباعي فأولئك حزبك و حزب الشيطان الرجيم و حسبنا الله رب العالمين و توكلت على الله العزيز الرحيم رب العرش العظيم

 قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد يا معاشر المسلمين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و يغشون أرض الضلالة قد نصبوا لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله انتدبوا رحمكم الله مع كنانة بن بشر و من يجيب معه من كندة ثم ندب معه ألفي رجل و تخلف محمد في ألفين و استقبل عمرو بن العاص كنانة و هو على مقدمة محمد فلما دنا عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة فلم تأته كتيبة من كتائب أهل الشام إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه و نزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه و هو يقول وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا فلم يزل يضاربهم بالسيف حتى استشهد رحمه الله فلما قتل كنانة أقبل ابن العاص نحو محمد و قد تفرق عنه أصحابه فخرج محمد فمضى في طريق حتى انتهى إلى خربة فأوى إليها و جاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط و خرج ابن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق فسألهم هل مر بكم أحد تنكرونه قالوا لا قال أحدهم إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج هو هو و رب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا على محمد فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط فوثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص و كان في جنده فقال لا و الله لا يقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه عن قتله فأرسل عمرو بن العاص إلى معاوية أن ائتني بمحمد فقال معاوية أ قتلتم كنانة بن بشر ابن عمي و أخلي عن محمد هيهات أَ كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ فقال لهم محمد اسقوني قطرة من ماء فقال له ابن حديج لا سقاني الله إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فسقاه الله من الرحيق المختوم و الله لأقتلنك يا ابن أبي بكر و أنت ظمآن و يسقيك الله من الحميم و الغسلين فقال محمد يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك و لا إلى عثمان إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه و يظمئ أعداءه و هم أنت و قرناؤك و من تولاك و توليته و الله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم فقال له معاوية بن حديج أ تدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار قال إن فعلتم ذلك بي فطال ما فعلتم ذلك بأولياء الله و ايم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها بردا و سلاما كما جعلها الله على إبراهيم خليله و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و على أوليائه و إني لأرجو أن يحرقك الله و إمامك معاوية و هذا أشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى عليكم كُلَّما خَبَتْ زادها الله عليكم سعيرا فقال معاوية بن حديج

 إني لا أقتلك ظلما إنما أقتلك بعثمان بن عفان قال محمد و ما أنت رجل عمل بالجور و بدل حكم الله و القرآن و قد قال الله عز و جل وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ و فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ و فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ فنقمنا عليه أشياء عملها فأردناه أن يختلع من عملنا فلم يفعل فقتله من قتله من الناس فغضب ابن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار و أحرقه بالنار فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا و قنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج و قبضت عيال محمد أخيها و ولده إليها فكان القاسم بن محمد في حجرها قال و كان ابن حديج ملعونا خبيثا يسب عليا ع فقد روي عن داود بن أبي عوف قال دخل معاوية بن حديج على الحسن بن علي ع في مسجد المدينة فقال له الحسن ويلك يا معاوية أنت الذي تسب أمير المؤمنين عليا أما و الله لئن رأيته يوم القيامة و لا أظنك تراه لترينه كاشفا عن ساق يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرائب الإبل

 و عن محمد بن عبد الله بن شداد قال حلفت عائشة أن لا تأكل شواء أبدا بعد قتل محمد فلم تأكل شواء حتى لحقت بالله و ما عثرت قط إلا قالت تعس معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج

 و يروى عن كثير النواء أن أبا بكر خرج في حياة رسول الله ص في غزاة فرأت أسماء بنت عميس و هي تحته كان أبا بكر متخضب بالحناء رأسه و لحيته و عليه ثياب بيض فجاءت إلى عائشة فأخبرتها فبكت عائشة و قالت إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر إن خضابه الدم و إن ثيابه أكفانه فدخل النبي ص و هي كذلك فقال ما أبكاها فذكروا الرؤيا فقال ع ليس كما عبرت عائشة و لكن يرجع أبو بكر صالحا فتحمل منه أسماء بغلام تسميه محمدا يجعله الله غيظا على الكافرين و المنافقين قال فكان كما أخبر ع

 و عن الحارث بن كعب عن حبيب بن عبد الله قال و الله إني لعند علي ع جالسا إذ جاءه عبيد الله بن قعين من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخه قبل الوقعة فقام علي ع فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و ذكر رسول الله ص و سلم فصلى عليه ثم قال أما بعد فهذا صريخ محمد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله و عدو من والاه و ولي من عادى الله فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم و الركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا على باطلهم منكم على حقكم فكأنكم بهم قد بدءوكم و إخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النصر عباد الله إن مصر أعظم من الشام خيرا و خير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم و كبت لعدوكم اخرجوا إلى الجرعة و الجرعة بين الحيرة إلى الكوفة لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء الله قال فلما كان الغد خرج يمشي فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع فلما كان العشي بعث إلى الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر و هو كئيب حزين فقال الحمد لله على ما قضى من أمر و قدر من فعل و ابتلاني بكم أيتها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها و لا تجيب إذا دعوتها لا أبا لغيركم ما ذا تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقكم الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق و الله إن جاءني الموت و ليأتيني فليفرقن بيني و بينكم لتجدنني لصحبتكم قاليا أ لا دين يجمعكم أ لا حمية تغيظكم أ لا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم و يشن الغارة عليكم أ و ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء و لا معونة فيجيبونه في السنة المرة و المرتين و الثلاث إلى أي وجه شاء ثم أنا أدعوكم و أنتم أولي النهى و بقية الناس فتختلفون و تفترقون عني و تعصوني و تخالفون علي فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال يا أمير المؤمنين اندب الناس معي فإنه لا عطر بعد عروس لمثل هذا اليوم كنت أدخر نفسي و إن الأجر لا يأتي إلا بالكره ثم التفت إلى الناس و قال اتقوا الله و أجيبوا إمامكم و انصروا دعوته و قاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أمير المؤمنين فأمر علي سعدا مولاه أن ينادي أ لا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر و كان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك فعسكر بظاهر الكوفة و خرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال ع سيروا و الله ما أنتم ما إخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم فخرج مالك بهم و سار خمس ليال فقدم الحجاج بن غزية الأنصاري من مصر فأخبره بما عاين من هلاك محمد و قدم عبد الرحمن بن شبيب و كان عينا لعلي ع و أخبره أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشر من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضه بعضا بفتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر و قال يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد فقال علي ع أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل

 يزيد أضعافا فرد ع مالكا من الطريق و حزن على محمد حتى رؤي ذلك فيه و تبين في وجهه و قام خطيبا فحمد الله و أنثى عليه ثم قال ألا و إن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور و الظلم الذين صدوا عن سبيل الله و بغوا الإسلام عوجا ألا و إن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله عليه و عند الله نحتسبه أما و الله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحب سمت المؤمن و إني و الله ما ألوم نفسي على تقصير و لا عجز و إني لمقاساة الحرب مجد بصير إني لأقدم على الحرب و أعرف وجهه وجه الحزم و أقوم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا و أناديكم مستغيثا فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون لي أمرا حتى تصير الأمور إلى عواقب المساءة و أنتم القوم لا يدرك بكم الثأر و لا ينقص بكم الأوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع و خمسين ليلة فجرجرتم علي جرجرة الجمل الأسر و تثاقلتم إلى الأرض تثاقل من لا نية له في الجهاد و لا رأي له في اكتساب الأجر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ فأف لكم ثم نزل فدخل رحله

 قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال كتب علي ع إلى عبد الله بن العباس و هو على البصرة من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس سلام عليك و رحمة الله و بركاته أما بعد فإن مصر قد افتتحت و قد استشهد محمد بن أبي بكر و عند الله عز و جل نحسبه و قد كنت أوعزت إلى الناس و تقدمت إليهم في بدء الأمر و أمرتهم بإعانته قبل الوقعة و دعوتهم سرا و جهرا و عودا و بدءا فمنهم الآتي كارها و منهم المعتل كاذبا و منهم القاعد خاذلا أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا و أن يريحني منهم عاجلا فو الله لو لا طمعي عند لقاء العدو في الشهادة و توطيني نفسي عند ذلك لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا عزم الله لنا و لك على تقواه و هداه إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و السلام عليك و رحمة الله و بركاته قال فكتب إليه عبد الله بن عباس لعبد الله علي أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس سلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر و هلاك محمد بن أبي بكر و أنك سألت ربك أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا و مخرجا و أنا أسأل الله أن يعلي كلمتك و أن يأتي بما تحبه عاجلا و اعلم أن الله صانع لك و مقر دعوتك و كابت عدوك و أخبرك يا أمير المؤمنين أن الناس ربما قبضوا ثم نشطوا فارفق بهم يا أمير المؤمنين و دارهم و منهم و استعن بالله عليهم كفاك الله المهم و السلام عليك و رحمة الله و بركاته

 قال المدائني و روي أن عبد الله بن عباس قدم من البصرة على علي فعزاه بمحمد بن أبي بكر

 و عن مالك بن الجون الحضرمي أن عليا ع قال رحم الله محمدا كان غلاما حدثا لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصر فإنه و الله لو وليتها لما حلي لابن العاص و أعوانه العرصة و لا قتل إلا و سيفه في يده بلا ذم لمحمد فلقد أجهد نفسه و قضى ما عليه

 قال المدائني و قيل لعلي ع لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعا شديدا يا أمير المؤمنين فقال و ما يمنعني أنه كان لي ربيبا و كان لبني أخا و كنت له والدا أعده ولدا

 و روى إبراهيم الثقفي عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال دخل عمرو بن الحمق و حجر بن عدي و حبة العرني و الحارث الأعور و عبد الله بن سبإ على أمير المؤمنين بعد ما افتتحت مصر و هو مغموم حزين فقالوا له بين لنا ما قولك في أبي بكر و عمر فقال لهم علي ع هل فرغتم لهذا و هذه مصر قد افتتحت و شيعتي بها قد قتلت أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم و أسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرءوه على شيعتي و كونوا على الحق أعوانا و هذه نسخة الكتاب من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين و المسلمين السلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين و أمينا على التنزيل و شهيدا على هذه الأمة و أنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين و في شر دار منيخون على حجارة خشن و جنادل صم و شوك مبثوث في البلاد تشربون الماء الخبيث و تأكلون الطعام الجشب و تسفكون دماءكم و تقتلون أولادكم و تقطعون أرحامكم و تأكلون أموالكم بينكم بالباطل سبلكم خائفة و الأصنام فيكم منصوبة و لا يؤمن أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ فمن الله عز و جل عليكم بمحمد ص فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم و قال في ما أنزل من كتابه هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ و قال لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ و قال لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ و قال ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم فعلمكم الكتاب و الحكمة و الفرائض و السنة و أمركم بصلة أرحامكم و حقن دمائكم و صلاح ذات البين و أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها و أن توفوا بالعهد وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها و أمركم أن تعاطفوا و تباروا و تباشروا و تباذلوا و تراحموا و نهاكم عن التناهب و التظالم و التحاسد و التباغي و التقاذف و عن شرب الخمر و بخس المكيال و نقص الميزان و تقدم إليكم فيما تلا عليكم أن لا تزنوا و لا تربوا و لا تأكلوا أموال اليتامى و أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ فكل خير يدني إلى الجنة و يباعد من النار أمركم به و كل شر يدني إلى النار و يباعد من الجنة نهاكم عنه فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله إليه سعيدا حميدا فيا لها مصيبة خصت الأقربين و عمت جميع المسلمين ما أصيبوا قبلها بمثلها و لن يعاينوا بعدها أختها فلما مضى لسبيله ص تنازع المسلمون الأمر من بعده فو الله ما كان يلقى في روعي و لا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته و لا أنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر و إجفالهم إليه ليبايعوه فأمسكت يدي و رأيت أني أحق بمقام محمد ص و ملة محمد ص في الناس بمن تولى الأمر بعده فلبثت بذلك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى محق دين الله و ملة محمد فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما و هدما يكون المصيبة بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب و كما ينقشع السحاب فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل و زهق و كانت كلمة الله هي العليا وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ فتولى أبو بكر تلك الأمور و سدد و يسر و قارب و اقتصد فصحبته مناصحا و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا و ما طمعت أن لو حدث به حدث و أنا حي أن يرد

 إلى الأمر الذي بايعته فيه طمع مستيقن و لا يئست منه يأس من لا يرجوه فلو لا خاصة ما كان بينه و بين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا و أطعنا و ناصحنا و تولى عمر الأمر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة حتى إذا احتضر قلت في نفسي لن يعدلها عني ليس بدافعها عني فجعلني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول ص أحاج أبا بكر و أقول يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أ ما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنة و يدين بدين الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي ثم قالوا هلم بايع و إلا جاهدناك فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا فقال قائلهم يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص فقلت إنهم أحرص مني و أبعد أينا أحرص أنا الذي طلبت تراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله أولى به أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه فبهتوا وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي و أصغوا إنائي و صغروا عظيم منزلتي و أجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا ألا إن في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه فاصبر كمدا أو مت أسفا و حنقا فنظرت فإذا ليس معي رافد و لا ذاب و لا ناصر و لا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى و تجرعت ريقي على الشجا و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم و عالم للقلب من حز الشفار حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم و أمسكت يدي فنازعتموني و دافعتموني و بسطت يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها و ازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم قاتلي فقلتم بايعنا لا نجد غيرك و لا نرضى إلا بك بايعناك لا نفترق و لا تختلف كلمتنا فبايعتكم و دعوت الناس إلى بيعتي فمن بايع طوعا قبلته منه و من أبى لم أكرهه و تركته فبايعني فيمن بايعني طلحة و الزبير و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثنا إلا يسيرا حتى بلغني أنهما قد خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة و سمع لي بالبيعة فقدما على عاملي و خزان بيت مالي و على أهل مصري الذين كلهم على بيعتي و في طاعتي فشتتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا و طائفة صبرا و طائفة منهم غضبوا لله و لي فشهروا سيوفهم و ضربوا بها حتى لقوا الله صادقين فو الله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم و قد أدال الله منهم فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثم إني نظرت في أمر أهل الشام فإذا أعراب و أهل طمع جفاة طغاة يجتمعون من كل أوب و من كان ينبغي أن يؤدب أو يولى عليه و يؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و لا التابعين بإحسان فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة و الجماعة فأبوا إلا شقاقا و فراقا و نهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنبل و يشجرونهم بالرماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عضهم السلاح و وجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين و لا قرآن و أنهم رفعوها غدرا و مكيدة و خديعة و وهنا و ضعفا فامضوا على حقكم و قتالكم فأبيتم علي و قلتم اقبل منهم فإن أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق و إن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم فقبلت منهم و كففت عنهم إذ ونيتم و أبيتم و كان الصلح بينكم و بينهم على

 رجلين يحييان ما أحيا القرآن و يميتان ما أمات القرآن فاختلف رأيهما و تفرق حكمهما و نبذا ما في حكم القرآن و خالفا ما في الكتاب فجنبهما السداد و دلاهما في الضلالة فنبذا حكمهما و كانا أهله فانخزلت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتى إذا عثوا في الأرض يقتلون و يفسدون أتيناهم فقلنا ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بينا و بينكم قالوا كلنا قتلهم و كلنا استحل دماءهم و دماءكم و شدت علينا خيلهم و رجالهم فصرعهم الله مصارع الظالمين فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم كلت سيوفنا و نفدت نبالنا و نصلت أسنة رماحنا و عاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا فإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا و فارقنا فإن ذلك أقوى لنا على عدونا فأقبلت بكم حتى إذا أظللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة و أن تلزموا معسكركم و أن تضموا قواصيكم و أن توطنوا على الجهاد أنفسكم و لا تكثروا زيارة أبنائكم و نسائكم فإن أهل الحرب المصابروها و أهل التشمير فيها الذين لا ينقادون من سهر ليلهم و لا ظمإ نهارهم و لا خمص بطونهم و لا نصب أبدانهم فنزلت طائفة منكم معي معذرة و دخلت طائفة منكم المصر عاصية فلا من بقي منكم صبر و ثبت و لا من دخل المصر عاد إلي و رجع فنظرت إلى معسكري و ليس فيه خمسون رجلا فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فلم أقدر إلى أن تخرجوا إلى يومنا هذا فما تنتظرون أ ما ترون أطرافكم قد انتقصت و إلى مصركم قد فتحت و إلى شيعتي بها قد قتلت و إلى مسالحكم تعرى و إلى بلادكم تغزى و أنتم ذوو عدد كثير و شوكة و بأس فما بالكم لله أنتم من أين تؤتون و ما لكم تسحرون و أنى تؤفكون و لو أعزمتم و أجمعتم لم تراموا ألا إن القوم قد اجتمعوا و تناشبوا و تناصحوا و أنتم قد ونيتم و تغاششتم و افترقتم ما أنتم إن أتممتم عندي على هذا بمنقذين فانتهوا عما نهيتم و اجمعوا على حقكم و تجردوا لحرب عدوكم قد أبدت الرغوة من الصريح و بين الصبح لذي عينين

 إنما تقاتلون الطلقاء و أبناء الطلقاء و أولي الجفاء و من أسلم كرها فكان لرسول الله ص أنف الإسلام كله حربا أعداء الله و السنة و القرآن و أهل البدع و الإحداث و من كانت بوائقه تتقى و كان على الإسلام و أهله مخوفا و أكلة الرشا و عبدة الدنيا و لقد انتهى إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه و شرط له أن يؤتيه أتية هي أعظم مما في يده من سلطانه ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا و خزيت أمانة هذا المشتري نصره فاسق غادر بأموال المسلمين و إن فيهم من قد شرب فيكم الخمر و جلد الحد يعرف بالفساد في الدين و الفعل السيئ و إن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له على الإسلام رضيخة فهؤلاء قادة القوم و من تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شر منهم و يود هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر و الفساد و الكبر و الفجور و التسلط بالجبرية و اتبعوا الهوى و حكموا بغير الحق و لأنتم على ما كان فيكم من تواكل و تخاذل خير منهم و أهدى سبيلا فيكم العلماء و الفقهاء النجباء و الحكماء و حملة الكتاب و المتهجدون بالأسحار و عمار المساجد بتلاوة القرآن أ فلا تسخطون و تهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم و الأشرار الأراذل منكم فاسمعوا قولي هداكم الله إذا قلت و أطيعوا أمري إذا أمرت فو الله لئن أطعتموني لا تغوون و إن عصيتموني لا ترشدون خذوا للحرب أهبتها و أعدوا لها عدتها و أجمعوا إليها فقد شبت نارها و علا شنارها و تجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله و يطفئوا نور الله ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع و المكر و الجفاء بأولى بالجد في غيهم و ضلالهم و باطلهم من أولياء الله أهل البر و الزهادة و الإخبات بالجد في حقهم و طاعة ربهم و مناصحة إمامهم إني و الله لو لقيتهم فردا و هم مل‏ء الأرض ما باليت و لا استوحشت و إني من ضلالتهم التي هم فيها و الهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة و بينة و يقين و بصيرة و إني إلى لقاء ربي لمشتاق و لحسن ثوابه لمنتظر و لكن أسفا يعتريني و حزنا يخامرني من أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجارها فيتخذوا مال الله دولا و عباد الله خولا و الفاسقين حزبا و ايم الله لو لا ذلك لما أكثرت تأنيبكم و تحريضكم و لتركتكم إذ ونيتم و أبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاؤهم فو الله إني لعلى الحق و إني للشهادة لمحب ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ و لا تثاقلوا إلى الأرض فتفروا بالخسف و تبوءوا بالذل و يكن نصيبكم الأخسر إن أخا الحرب اليقظان الأرق من نام لم ينم عنه و من ضعف أودى و من ترك الجهاد في الله كان كالمغبون المهين اللهم اجمعنا و إياهم على الهدى و زهدنا و إياهم في الدنيا و اجعل الآخرة لنا و لهم خيرا من الأولى و السلام

 توضيح قوله و المرتشين في بعض النسخ و المرتبئين أي المنتظرين المترصدين للحكومة أيهما يأخذها قال الجوهري المربأ المرقبة و كذلك المربأ و المرتبأ و ربأت القوم ربئا و ارتبأتهم أي راقبتهم و ذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف يقال ربأ لنا فلان و ارتبأ إذا اعتان و ربأت المربأة و ارتبأتها أي علوتها قال أبو زيد رابأت الشي‏ء مرابأة إذا حذرته و اتقيته و قال الدهم العدد الكثير. قوله فإنه لا عطر بعد عروس قال الزمخشري بعد إيراد المثل و يروى لا مخبأ لعطر بعد عروس و أصله أن رجلا أهديت إليه امرأة فوجدها تفلة فقال لها أين الطيب فقالت خبأته فقال ذلك. و قيل عروس اسم رجل مات فحملت امرأته أواني العطر فكسرتها على قبره و صبت العطر فوبخها بعض معارفها فقالت ذلك يضرب على الأول في ذم ادخار الشي‏ء وقت الحاجة إليه و على الثاني في الاستغناء عن ادخار الشي‏ء لعدم من يدخر له. و قال الميداني قال المفضل أول من قال ذلك امرأة من عذرة يقال لها أسماء بنت عبد الله و كان لها زوج من بني عمها يقال لها عروس فمات عنها فتزوجها رجل من قومها يقال له نوفل و كان أعسر أبخر بخيلا دميما فلما أراد أن يظعن بها قالت له لو أذنت لي فرثيت ابن عمي و بكيت عند رمسه فقال افعلي فقالت أبكيك يا عروس الأعراس يا ثعلبا في أهله و أسدا عند البأس مع أشياء ليس يعلمها الناس. قال و ما تلك الأشياء قالت كان عن الهمة غير نعاس و يعمل السيف صبيحات البأس ثم قالت يا عروس الأغر الأزهر الطيب الخيم الكريم المحضر مع أشياء له لا تذكر. قال و ما تلك الأشياء قالت كان عيوفا للخنا و المنكر طيب النكهة غير أبخر أيسر غير أعسر. فعرف الزوج أنها تعرض به فلما رحل بها قال ضمي إليك عطرك و نظر إلى قشوة عطرها مطروحة فقالت لا عطر بعد عروس فذهبت مثلا يضرب لمن لا يدخر عنه نفيس. قوله ع لقد كان ما علمت أي ما دمت علمته و عرفته أو علمت حاله أو صرت عالما بتنزيله منزلة اللازم. و يحتمل أن تكون ما موصولة بتقدير الباء أي بالذي علمت منه أو بجعله خبر كان و الأفعال بعده بدله أو اسم كان و الأفعال خبره أي كان الذي علمت منه تلك الصفات و الأول لعله أظهر. و انثال انصب و الإجفال الإسراع. قوله ع فكان مرضي السيرة أي ظاهرا عند الناس و كذا ما مر في وصف أبي بكر و آثار التقية و المصلحة في الخطبة ظاهرة بل الظاهر أنها من إلحاقات المخالفين. قوله ع فبهتوا في بعض النسخ فهبوا أي انتبهوا و لكن لم ينفعهم الانتباه. و قال الجوهري صغا يصغو و يصغي صغوا أي مال و أصغيت إلى فلان

  إذا ملت بسمعك نحوه و أصغيت الإناء أملته يقال فلان مصغى إناؤه إذا نقص حقه و قال الكمد الحزن المكتوم و قال جاءوا من كل أوب أي من كل ناحية. قوله ع أو يولى عليه أي من كان لقلة عقله و سفاهته حريا لأن يقوم عليه ولي يتولى أموره. و قال الجوهري نظمت اللؤلؤ أي جمعته في سلك و طعنه فانتظمه أي اختله و قال يقال نصل السهم إذا خرج منه النصل و نصل السهم إذا ثبت نصله في الشي‏ء فلم يخرج و هو من الأضداد و نصلت السهم تنصيلا نزعت نصله و قال القصدة بالكسر القطعة من الشي‏ء إذا انكسر و الجمع قصد يقال القنا قصد و قد انقصد الرمح و تقصدت الرماح تكسرت. و قال الفيروزآبادي رمح قصد ككتف و قصيد و إقصار متكسر و قال أطل على الشي‏ء أشرف. قوله ع و إلى مسالحكم تعرى أي ثغوركم خالية عن الرجال و السلاح و الصريح اللبن الخالص إذا ذهبت رغوته. ذكره الجوهري و قال أنف كل شي‏ء أوله و أنف البرد أشده و قال المخامرة المخالطة و قال حم الشي‏ء أي قدر و أحم أي حان وقته و قال أودى فلان أي هلك فهو مود

723-  ج، ]الإحتجاج[ كتب محمد بن أبي بكر رضي الله عنه إلى معاوية احتجاجا عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد بن أبي بكر إلى الباغي معاوية بن صخر سلام الله أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله و أهل ولاية الله أما بعد فإن الله بجلاله و سلطانه خلق خلقا بلا عبث منه و لا ضعف به في قوة و لكنه خلقهم عبيدا فمنهم شقي و سعيد و غوي و رشيد ثم اختارهم على علم منه و اصطفى و انتخب منهم محمدا ص و اصطفاه لرسالته و ائتمنه على وحيه فدعا إلى سبيل ربه بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ فكان أول من أجاب و أناب و أسلم و سلم أخوه و ابن عمه علي بن أبي طالب ع فصدقه بالغيب المكتوم و آثره على كل حميم و وقاه كل مكروه و واساه بنفسه في كل خوف و قد رأيتك تساويه و أنت أنت و هو هو المبرز السابق في كل خير و أنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت و أبوك تبغيان لدين الله الغوائل و تجتهدان على إطفاء نور الله تجمعان الجموع على ذلك و تبذلان فيه الأموال و تحالفان عليه القبائل على ذلك مات أبوك و عليه خليفته أنت فكيف لك الويل تعدل عن علي و هو وارث رسول الله ص و وصيه و أول الناس له اتباعا و آخرهم به عهدا و أنت عدوه و ابن عدوه فتمتع بباطلك ما استطعت و تبدد بابن العاص في غوايتك فكأن أجلك قد انقضى و كيدك قد وهى ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا و السلام على من اتبع الهدى فأجابه معاوية إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على أهل طاعة الله أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته و سلطانه مع كلام ألفته و رصفته لرأيك فيه ذكرت حق علي و قديم سوابقه و قرابته من رسول الله ص و نصرته و مواساته إياه في كل خوف و هول و تفضيلك عليا و عيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك و جعله لغيرك فقد كنا و أبوك معنا في زمان نبينا محمد ص نرى حق علي لازما لنا و سبقه مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه ص ما عنده و أتم له ما وعده و قبضه إليه ص فكان أبوك و فاروقه أول من ابتزه حقه و خالفه على ذلك اتفقا ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عليهما فهما به الهموم و أرادا به العظيم فبايع و سلم لأمرهما لا يشركانه في أمرهما و لا يطلعانه على سرهما حتى قضى الله من أمرهما ما قضى ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهديهما و يسير بسيرتهما فعبته أنت و أصحابك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه مناكم و كان أبوك مهد مهاده فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله و إن يكن جورا فأبوك سنه و نحن شركاؤه و بهديه اقتدينا و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا و لسلمنا له و لكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله فعب أباك أو دعه و السلام على من تاب و أناب

 بيان قوله تبدد بابن العاص التبدد التفرق و تبددوا الشي‏ء اقتسموه حصصا و لا يناسبان المقام إلا بتكلف و الأظهر و ليمدك ابن العاص كما سيأتي و زريت عليه عبته و الرصف الشد و الضم

724-  ختص، ]الإختصاص[ كتاب محمد بن أبي بكر رضي الله عنه إلى معاوية من محمد بن أبي بكر إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله أما بعد فإن الله بجلاله و عظمته و سلطانه و قدرته خلق خلقا بلا عبث منه و لا ضعف في قوة و لا من حاجة به إليهم و لكنه خلقهم عبيدا فجعل منهم غويا و شقيا و سعيدا ثم اختارهم على علمه فاصطفاه و انتجب منهم محمدا ص فانتجبه و اصطفاه برسالاته و أرسله بوحيه و ائتمنه على أمره و بعثه رسولا مصدقا و دليلا فكان أول من أجاب و أناب و صدق و آمن و أسلم و سلم أخوه و ابن عمه علي بن أبي طالب صدقه بالغيب المكتوم و آثره على كل حميم و وقاه كل هول و واساه بنفسه في كل خوف حارب من حاربه و سالم من سالمه و لم يزل باذلا نفسه في ساعات الخوف و الجوع و الجد و الهزل حتى أظهر الله دعوته و أفلج حجته فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل و الهلوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه و لا مقارب له في فعل و قد رأيتك أيها الغاوي تساميه و أنت أنت و هو هو المبرز السابق في كل حين أول الناس إسلاما و أصدق الناس نية و أطيب الناس ذرية و أفضل الناس زوجة رسول الله ابن عمه و هو وصيه و صفيه و أخوه الشاري نفسه يوم موته و عمه سيد الشهداء يوم أحد و أبوه الذاب عن وجه رسول الله ص و عن حوزته و أنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت و أبوك تبغيان على رسول الله ص الغوائل و تجهدان على إطفاء نور الله و تجمعان عليه الجموع و تؤلبان عليه القبائل و تبذلان فيه المال هلك أبوك على ذلك و على ذلك خلفك و الشاهد عليك بفعلك من يأوي و يلجأ إليك من بقية الأحزاب و رءوس النفاق و أهل الشقاق لرسول الله ص و أهل بيته و الشاهد لعلي بن أبي طالب ع بفضله المنير المبين و سبقه القديم أنصاره الذين معه الذين ذكروا بفضلهم في القرآن و أثنى الله عليهم من المهاجرين و الأنصار فهم معه كتائب و عصائب من حوله يجالدون بأسيافهم

 و يهرقون دماءهم دونه يرون الفضل في اتباعه و الشقاء في خلافه فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي و علي أخو رسول الله ص و وصيه و أبو ولده و أول الناس له اتباعا و آخرهم به عهدا يخبره بسره و يشركه في أمره و أنت عدوه و ابن عدوه فتمتع ما استطعت بباطلك و ليمدك ابن العاصي في غوايتك و كان أجلك قد انقضى و كيدك قد وهى ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا و اعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده في نفسك و آيست من روحه و هو لك بالمرصاد و أنت منه في غرور و بالله و رسوله و أهل رسوله عنك الغناء وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى فلما قرأ معاوية كتب إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من معاوية بن أبي سفيان إلى محمد بن أبي بكر الزاري على أبيه أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه ما الله أهله من سلطانه و قدرته و ما اصطفى به رسوله مع كلام ألفته و وضعته لرأيك فيه تضعيف و لأبيك فيه تعنيف و ذكرت فضل ابن أبي طالب و قديم سوابقه و قرابته لرسول الله ص و نصرته له و مواساته إياه في كل خوف و هول فكان احتجاجك علي و عيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك فأحمد ربا صرف ذلك الفضل عنك و جعله لغيرك فقد كنا و أبوك معنا في حياة نبينا ص نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا و فضله مبرزا علينا حتى اختار الله لنبيه ما عنده فأتم له وعده و أظهر له دعوته و أفلج له حجته ثم قبضه الله إليه فكان أول من ابتزه حقه أبوك و فاروقه و خالفاه في أمره على ذلك اتفقا و اتسقا ثم دعواه ليبايعهما و أبطأ عنهما و تلكأ عليهما فهما به الهموم و أرادا به العظيم ثم إنه بايع لهما و سلم فلم يشركاه في أمرهما و لم يطلعاه على سرهما حتى قبضا على ذلك ثم قام ثالثهما من بعدهما عثمان بن عفان فاقتدى بهديهما فعبته أنت و صاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي و بطنتما له و أظهرتما له العداوة حتى بلغتما فيه مناكما فخذ حذرك يا ابن أبي بكر فسترى وبال أمرك و قس شبرك بفترك فكيف توازي من لا يوازن الجبال حلمه و لا تعب من مهد له أبوك مهاده و طرح لملكه وسادة فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك فيه أول و نحن فيه تبع و إن يكن جورا فأبوك أول من أسس بناه فبهداه اقتدينا و بفعله احتذينا و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا و لسلمنا إليه و لكن عب أباك بما شئت أو دعه و السلام على من أناب و رجع عن غوايته و تاب

 أقول روى الكتاب و الجواب نصر بن مزاحم في كتاب صفين بأدنى اختلاف أومأنا إلى بعضه

725-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه و قتل و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة و لو وليته إياها لما خلي لهم العرصة و لا أنهز لهم الفرصة بلا ذم لمحمد بن أبي بكر فلقد كان إلي حبيبا و كان لي ربيبا

 بيان قوله لما قلد أي جعله واليها كان ولايتها قلادة في عنقه لأنه مسئول عن خيرها و شرها و يقال ملكه عليه أي أخذه منه قهرا و استولى عليه و إنهاز الفرصة إما تأكيد لتخلية العرصة و المراد بهما تمكين العدو و عدم التدبير في دفعه كما ينبغي أو التخلية كناية عن الفرار و الإنهاز عن تمكين الأعداء و عدم استحقاق الذم لكون هذا التمكين عن عجزه لا عن التقصير و التواني و كان إلي حبيبا أي كنت أحبه و محبوبه ع لا يستحق الذم و ربيب الرجل ابن امرأته من غيره و أم محمد أسماء بنت عميس كانت عند جعفر بن أبي طالب و هاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبد الله و لما استشهد جعفر تزوجها أبو بكر فولدت له محمدا ثم تزوجها أمير المؤمنين ع و نشأ محمد في حجره و رضع الولاء و التشيع و كان جاريا عنده ع مجرى بعض ولده. و أما هاشم فهو ابن عتبة بن أبي وقاص و هو المرقال سمي به لأنه كان يرقل في الحرب أي يسرع قتل بصفين رضي الله عنه

726-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى محمد بن أبي بكر فاخفض لهما جناحك و ألن لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و آس بينهم في اللحظة و النظرة حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم و لا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم و إن الله تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم و الكبيرة و الظاهرة و المستورة فإن يعذب فأنتم أظلم و إن يعف فهو أكرم و اعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا و آجل الآخرة فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت و أكلوها بأفضل ما أكلت فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون و أخذوا منها ما أخذت الجبابرة المتكبرون ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ و المتجر الرابح أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم و تيقنوا أنهم جيران الله غدا في آخرتهم لا ترد لهم دعوة و لا ينقص لهم نصيب من لذة فاحذروا عباد الله الموت و قربه و أعدوا له عدته فإنه يأتي بأمر عظيم و خطب جليل بخير لا يكون معه شر أبدا أو شر لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها و من أقرب إلى النار من عاملها و إنكم طرداء الموت إن أقمتم له أخذكم و إن فررتم منه أدرككم و هو ألزم لكم من ظلكم الموت معقود بنواصيكم و الدنيا تطوى من خلفكم فاحذروا نارا قعرها بعيد و حرها شديد و عذابها جديد دار ليس فيها رحمة و لا تسمع فيها دعوة و لا تفرج فيها كربة و إن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله و أن يحسن ظنكم به فاجمعوا بينهما فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه و إن أحسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا لله و اعلم يا محمد بن أبي بكر إني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فأنت محقوق أن تخالف على نفسك و أن تنافح عن دينك و لو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر فلا تسخط الله برضاء أحد من خلقه فإن في الله خلفا من غيره و ليس من الله خلف في غيره صل الصلاة لوقتها الموقت و لا تعجل وقتها لفراغ و لا تؤخرها عن وقتها لاشتغال و اعلم أن كل شي‏ء من عملك تبع لصلاتك

 و منه فإنه لا سواء إمام الهدى و إمام الردي و ولي النبي و عدو النبي و لقد قال لي رسول الله ص إني لا أخاف على أمتي مؤمنا و لا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه و أما المشرك فيقمعه الله بشركه و لكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون

 بيان قوله ع و آس بينهم قال ابن الأثير في مادة أسا من النهاية الأسوة و المؤاساة المساهمة و المشاركة في المعاش و الرزق و أصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا و منه حديث علي ع آس بينهم في اللحظة و النظرة أي اجعل كل واحد منهم أسوة خصمه و قال ابن أبي الحديد نبه بذلك على وجوب أن يجعلهم أسوة في جميع ما عدا ذلك من العطاء و الإنعام و التقريب كقوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ. و قال في قوله ع في حيفك لهم الضمير في لهم راجع إلى رعيته لا إلى العظماء و قد كان سبق ذكرهم في أول الخطبة أي حتى لا يطمع العظماء في أن تتحيف الرعية و تظلمهم و تدفع أموالهم إليهم و يجوز أن يرجع الضمير إلى العظماء أي حتى لا يطمع العظماء في جورك في القسم الذي إنما تفعله لهم و لأجلهم انتهى و الحيف يكون بمعنى الميل عن القصد و بمعنى الظلم و الثاني بالأول و الأول بالثاني أنسب. قوله ع فأنتم أظلم أي من أن لا تعذبوا أو لا تستحقوا العقاب و إن يعف فهو أكرم من أن لا يعفو أو يستغرب منه العفو. أو المعنى أنه سبحانه إن عذب فظلمكم أكثر من عذابه و لا يعاقبكم بمقدار الذنب و إن يعف فكرمه أكثر من ذلك العفو و يقدر على أكثر منه و ربما يفعل أعظم منه. و قال ابن أبي الحديد أي أنتم الظالمون كقوله تعالى وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ و كقولهم الله أكبر. و قال ابن ميثم و يحتمل أن يكون قد سمى ما يجازيهم من العذاب ظلما مجازا لمشابهة الظلم في الصورة كما في قوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ فصدق إذن اسم التفضيل لابتدائهم بالمعصية انتهى. و قوله سكنوا الدنيا بيان لقوله ذهبوا و قال ابن ميثم و إنما كان ما فعلوا أفضل لأنهم استعملوها على الوجه الذي ينبغي لهم و أمروا باستعمالها عليه و ظاهر أن ذلك أفضل الوجوه و هو الأخذ من لذات الدنيا المباحة لهم بقدر ضرورتهم و حاجتهم بل نقول إن لذتهم بما استعملوا منها أتم و أكمل و ذلك أن كل ما استعملوه من مأكول و مشروب و منكوح و مركوب إنما كان عند الحاجة و الضرورة و كلما كان الحاجة إلى الملذات أتم كانت اللذة أقوى و أعظم. أقول و يحتمل أن تكون الأفضلية باعتبار أن المتقين لما كان مصروفهم من الحلال لا يخافون عليه عقابا و غيرهم لما كان ما ينتفعون به حراما أو مخلوطا يخشون العقوبة عليه و هذا مما يكدر عيشهم و عامل الجنة من يعمل الأعمال المؤدية إليها و كذا عامل النار. و الطرداء بضم الطاء و فتح الراء جمع طريد أي يطردكم عن أوطانكم و يخرجكم منها و قال في النهاية فيه كنت أطارد حية أي أخادعها لأصيدها و منه طراد الصيد. قوله ع معقود بنواصيكم أي ملازم لكم. قوله ع و إن أحسن الناس ظنا التلازم بينهما لكونهما لازمين للمعرفة فكلما صارت هذه المعرفة أكمل و العلم بجلالته سبحانه أتم كان حسن الظن و الخوف أبلغ. قوله ع أعظم أجنادي أي عساكري و أعواني و أقاليمي و بلداني قال ابن أبي الحديد يقال للأقاليم و الأطراف أجناد. و قال الجوهري الجند الأعوان و الأنصار و الشام خمسة أجناد دمشق و حمص و قنسرين و أردن و فلسطين يقال لكل مدينة منها جند و الظاهر هو الأول لقوله أهل مصر فأنت محقوق أي حقيق و جدير. و قال في النهاية المنافحة و المكافحة المدافعة و المضاربة و منه حديث علي ع في صفين نافحوا بالظبى أي قاتلوا بالسيف و أصله أن يقرب أحد المتقاتلين من الآخر بحيث يصل نفح كل واحد منهما إلى صاحبه و هي ريحه و نفسه و قال اللهم أعط كل منفق خلفا أي عوضا. و المراد بإمام الردي معاوية كقوله تعالى وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ و كذا هو المراد بعدو النبي قال ابن أبي الحديد لأن عدوه ع عدو النبي لقوله ص و عدوك عدوي و عدوي عدو الله و لأن دلائل النفاق كانت ظاهرة عليه من أفعاله و فلتات لسانه

727-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن مسعود عن علي بن محمد القمي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن رجل عن عمر بن عبد العزيز عن جميل بن دراج عن حمزة بن محمد الطيار قال ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله ع فقال أبو عبد الله ع رحمه الله و صلى عليه قال لأمير المؤمنين ع يوما من الأيام ابسط يدك أبايعك فقال أ و ما فعلت قال بلى فبسط يده فقال أشهد أنك إمام مفترض طاعتك و أن أبي في النار فقال أبو عبد الله ع كان النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه

728-  ختص، ]الإختصاص[ عن ابن الطيار مثله

729-  كش، ]رجال الكشي[ حمدويه بن نصر عن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر ع أن محمد بن أبي بكر بايع عليا ع على البراءة من أبيه

730-  ختص، ]الإختصاص[ أحمد بن هارون الفامي عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير مثله

731-  كش، ]رجال الكشي[ حمدويه و إبراهيم عن محمد بن عبد الحميد عن أبي جميلة عن ميسر بن عبد العزيز عن أبي جعفر ع قال بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني

732-  كش، ]رجال الكشي[ حمدويه عن محمد بن عيسى عن يونس عن موسى بن مصعب عن شعيب عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول ما من أهل بيت إلا و منهم نجيب من أنفسهم و أنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر

733-  ف، ]تحف العقول[ كتب أمير المؤمنين ع إلى أهل مصر بعد تسيير محمد بن أبي بكر ما هذا مختصره من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر و أهل مصر سلام عليكم أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت ما سألت عنه و أعجبني اهتمامك بما لا بد لك منه و ما لا يصلح المسلمين غيره و ظننت أن الذي أخرج ذلك منك نية صالحة و رأي غير مدخول أما بعد فعليك بتقوى الله في مقامك و مقعدك و سرك و علانيتك و إذا قضيت بين الناس فاخفض لهم جناحك و لين لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و آس بينهم في اللحظ و النظرة حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم و لا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم و أن تسأل المدعي البينة و على المدعى عليه اليمين و من صالح أخاه على صلح فأجز صلحه إلا أن يكون صلحا يحرم حلالا أو يحلل حراما و آثر الفقهاء و أهل الصدق و الوفاء و الحياء و الورع على أهل الفجور و الكذب و الغدر و ليكن الصالحون الأبرار إخوانك و الفاجرون الغادرون أعداءك فإن أحب إخواني إلي أكثرهم لله ذكرا و أشدهم منه خوفا و أنا أرجو أن تكون منهم إن شاء الله و إني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسئولون و عما أنتم إليه صائرون فإن الله قال في كتابه كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ و قال وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ و قال فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فعليكم بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا و خير الآخرة قال الله وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ 30-  النحل اعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الخير و آجله شاركوا أهل الدنيا في دنياهم و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم قال الله عز و جل قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ سكنوا الدنيا بأحسن ما سكن فأكلوها بأحسن ما أكلت و اعلموا عباد الله أنكم إذا اتقيتم الله و حفظتم نبيكم في أهله فقد عبدتموه بأفضل عبادته و ذكرتموه بأفضل ما ذكر و شكرتموه بأفضل ما شكر و قد أخذتم بأفضل الصبر و الشكر و اجتهدتم بأفضل الاجتهاد و إن كان غيركم أطول منكم صلاة و أكثر منكم صياما و صدقة إذ كنتم أنتم أوفى لله و أنصح لأولياء الله و من هو ولي الأمر من آل رسول الله ص و احذروا عباد الله الموت و قربه و كربه و سكراته و أعدوا له عدته فإنه يأتي بأمر عظيم بخير لا يكون معه شر و بشر لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها و أقرب إلى النار من أهلها فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم فإني سمعت رسول الله ص يقول أكثروا ذكر هادم اللذات و اعلموا أن ما بعد الموت لمن لم يغفر الله له و يرحمه أشد من الموت و اعلم يا محمد إني وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر و أنت محقوق أن تخاف على نفسك و أن تحذر فيه على دينك و إن لم يكن لك إلا ساعة من النهار فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضا أحد من خلقه فافعل فإن في الله خلفا من غيره و لا في شي‏ء خلف من الله اشدد على الظالم و خذ على يديه و لن لأهل الخير و قربهم منك و اجعلهم بطانتك و إخوانك ثم انظر صلاتك كيف هي فإنك إمام و ليس من إمام يصلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير إلا كان عليه أوزارهم و لا ينتقص من صلاتهم شي‏ء و لا يتممها إلا كان له مثل أجورهم و لا ينتقص من أجورهم شي‏ء و انظر الوضوء فإنه تمام الصلاة و لا صلاة لمن لا وضوء له و اعلم أن كل شي‏ء من عملك تابع لصلاتك و اعلم أنه من ضيع الصلاة فإنه لغير الصلاة

 من شرائع الإسلام أضيع و إن استطعتم يا أهل مصر أن يصدق قولكم فعلكم و سركم علانيتكم و لا تخالف ألسنتكم أفعالكم فافعلوا و قد قال رسول الله ص إني لا أخاف على أمتي مؤمنا و لا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه و أما المشرك فيخزيه الله و يقمعه بشركه و لكن أخاف عليكم كل منافق حلو اللسان يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون ليس به خفاء و قد قال النبي ص من سرته حسناته و ساءته سيئاته فذلك المؤمن حقا و كان يقول ص خصلتان لا تجتمعان في منافق حسن سمت و فقه في سنة و اعلم يا محمد بن أبي بكر أن أفضل الفقه الورع في الله و العمل بطاعة الله أعاننا الله و إياك على شكره و ذكره و أداء حقه و العمل بطاعته إنه سميع قريب و اعلم أن الدنيا دار بلاء و فناء و الآخرة دار بقاء و جزاء فإن استطعت أن تؤثر ما يبقى على ما يفنى فافعل رزقنا الله بصر ما بصرنا و فهم ما فهمنا حتى لا نقصر عما أمرنا و لا نتعدى إلى ما نهانا عنه فإنه لا بد لك من نصيبك من الدنيا و أنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فإن عرض لك أمران أحدهما للآخرة و الآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة و إن استطعت أن تعظم رغبتك للخير و تحسن فيه نيتك فافعل فإن الله يعطي العبد على قدر نيته إذا أحب الخير و أهله و إن لم يفعله كان إن شاء الله كمن فعله ثم إني أوصيك بتقوى الله ثم بسبع خصال هن جوامع الإسلام تخشى الله و لا تخشى الناس في الله و إن خير القول ما صدقه الفعل و لا تقض في أمر واحد بقضاءين فيختلف عليك أمرك و تزل عن الحق و أحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك و أهل بيتك و اكره لهم ما تكره لنفسك و أهل بيتك و الزم الحجة عند الله و أصلح رعيتك و خض الغمرات إلى الحق و لا تخف في الله لومة لائم و أقم وجهك و انصح للمرء المسلم إذا استشارك و اجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين و بعيدهم و أمر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور و السلام عليك و رحمة الله و بركاته

 أقول سيأتي مع شرحه إن شاء الله بإسناد آخر في باب مواعظه صلوات الله عليه بتغيير و زيادة و قد مر برواية ابن أبي الحديد أيضا

734-  ختص، ]الإختصاص[ الحسين بن أحمد العلوي المحمدي و أحمد بن علي بن الحسين بن زنجويه جميعا على حمزة بن القاسم العلوي عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن سمرة بن علي عن أبي معاوية الضرير عن مجالد عن الشعبي عن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال لما جاء علي بن أبي طالب صلوات الله عليه مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن حديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا شديدا و قال ما أخلق مصر أن يذهب آخر الدهر فلوددت أني وجدت رجلا يصلح لها فوجهته إليها فقلت تجد فقال من قلت الأشتر قال ادعه لي فدعوته فكتب له عهده و كتب معه  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من علي بن أبي طالب إلى الملإ من المسلمين الذين غضبوا لله حين عصي في الأرض و ضرب الجور بأرواقه على البر و الفاجر فلا حق يستراح إليه و لا منكر يتناهى عنه سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد وجهت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف و لا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر أشد على الفجار من حريق النار و هو مالك بن الحرث الأشتر أخو مذحج فاسمعوا له و أطيعوا فإنه سيف من سيوف الله لا نابي الضريبة و لا كليل الحد فإن أمركم أن تنفروا فانفروا و إن أمركم أن تقيموا فأقيموا و إن أمركم أن تحجموا فاحجموا فإنه لا يقدم و لا يحجم إلا بأمري و قد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم و شدة شكيمته على عدوكم عصمكم ربكم بالهدى و ثبتكم باليقين ثم قال له لا تأخذ على السماوة فإني أخاف عليكم معاوية و أصحابه و لكن الطريق الأعلى في البادية حتى تخرج إلى أيلة ثم ساحل مع البحر حتى تأتيها ففعل فلما انتهى إلى أيلة و خرج منها صحبه نافع مولى عثمان بن عفان فخدمه و ألطفه حتى أعجبه شأنه فقال ممن أنت قال من أهل المدينة قال من أيهم قال مولى عمر بن الخطاب قال و أين تريد قال مصر قال و ما حاجتك بها قال أريد أن أشبع من الخبز فإنا لا نشبع بالمدينة فرق له الأشتر و قال له الزمني فإني سأجيبك بخبز فلزمه حتى بلغ القلزم و هو من مصر على ليلة فنزل على امرأة من جهينة فقالت أي الطعام أعجب بالعراق فأعالجه لكم قال الحيتان الطرية فعالجتها له فأكل و قد كان ظل صائما في يوم حار فأكثر من شرب الماء فجعل لا يروى فأكثر منه حتى نعر يعني انتفخ بطنه من كثرة شربه فقال له نافع إن هذا الطعام الذي أكلت لا يقتل سمه إلا العسل فدعا به من ثقله فلم يوجد قال له نافع هو عندي فآتيك به قال نعم فأتني به فأتى رحله فحاضر شربة من عسل بسم قد كان معه أعده له فأتاه بها فشربها فأخذه الموت من ساعته و انسل نافع في ظلمة الليل فأمر به الأشتر أن يطلب فطلب فلم يصب قال عبد الله بن جعفر و كان لمعاوية بمصر عين يقال له مسعود بن رجرجة فكتب إلى معاوية بهلاك الأشتر فقام معاوية خطيبا في أصحابه فقال إن عليا كان له يمينان قطعت أحدهما بصفين يعني عمارا و الأخرى اليوم إن الأشتر مر بأيلة متوجها إلى مصر فصحبه نافع مولى عثمان فخدمه و ألطفه حتى أعجبه و اطمأن إليه فلما نزل القلزم حاضر له شربة من عسل بسم فسقاها له فمات ألا و إن لله جنودا من عسل

 بيان قال الجوهري الأرواق الفساطيط يقال ضرب فلان روقه بموضع كذا إذا نزل به و ضرب خيمته و في الحديث حين ضرب الشيطان روقه و مد أطنابه يقال ألقى فلان عليك أرواقه و شراشره و هو أن يحبه حبا شديدا و قال الساحل شاطئ البحر و قد ساحل القوم إذا أخذوا على الساحل. قوله حتى نعر في بعض النسخ بالغين المعجمة قال في النهاية نغرت القدر تنغر غلت و في القاموس نغر من الماء كفرح أكثر و في بعضها بالمهملة من نعر بمعنى صوت و الأول أظهر و لعل ما في الخبر بيان لحاصل المعنى

735-  ختص، ]الإختصاص[ أحمد بن علي عن حمزة بن القاسم العلوي عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن سمرة بن علي عن المنهال بن جبير الحميري عن عوانة قال لما جاء هلاك الأشتر إلى علي بن أبي طالب ع صعد المنبر فخطب الناس ثم قال ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه و أوفى عهده و لقي ربه فرحم الله مالكا لو كان جبلا لكان فندا و لو كان حجرا لكان صلدا لله مالك و ما مالك و هل قامت النساء عن مثل مالك و هل موجود كمالك قال فلما نزل و دخل القصر أقبل عليه رجال من قريش فقالوا لشد ما جزعت عليه و لقد هلك قال أما و الله هلاكه قد أعز أهل المغرب و أذل أهل المشرق قال و بكى عليه أياما و حزن عليه حزنا شديدا و قال لا أرى مثله بعده أبدا

736-  نهج، ]نهج البلاغة[ و قال ع لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر إن حزننا عليه على قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغيضا و نقصنا حبيبا

737-  و قال ع و قد جاءه نعي الأشتر مالك و ما مالك لو كان جبلا لكان فندا و لو كان حجرا لكان صلدا لا يرتقيه الحافر و لا يوفي عليه الطائر

 قوله ع الفند هو المنفرد من الجبال. توضيح قال في النهاية الفند من الجبل أنفه الخارج منه و منه حديث علي ع لو كان جبلا لكان فندا و قيل هو المنفرد من الجبال. و قال ابن أبي الحديد إنما قال ع لو كان جبلا لكان فندا لأن الفند قطعة من الجبل طولا و ليس الفند القطعة من الجبل كيف ما كانت و لذلك قال ع لا يرتقيه الحافر لأن القطعة المأخوذة من الجبل طولا في دقة لا سبيل للحافر إلى صعودها و لو أخذت عرضا لأمكن صعودها ثم وصف ع تلك القطعة بالعلو العظيم فقال و لا يوفي عليه الطائر أي لا يصعد عليه يقال أوفى فلان على الجبل أي أشرف

738-  كش، ]رجال الكشي[ ذكر أنه لما نعي الأشتر إلى أمير المؤمنين ع تأوه حزنا ثم قال رحم الله مالكا و ما مالك عز علي به هالكا لو كان صخرا لكان صلدا و لو كان جبلا لكان فندا و كأنه قد مني قدا

739-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر ثم توفي الأشتر في توجهه إلى مصر قبل وصوله إليها و قد بلغتني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك و إني لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهد و لا ازديادا لك في الجد و لو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك مئونة و أعجب إليك ولاية إن الرجل الذي كنت وليته أمر مصر كان رجلا لنا ناصحا و على عدونا شديدا ناقما فرحمه الله فلقد استكمل أيامه و لاقى حمامه و نحن عنه راضون أولاه الله رضوانه و ضاعف الثواب له فأصحر لعدوك و امض على بصيرتك و شمر لحرب من حاربك و ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ و أكثر الاستعانة بالله يكفك ما أهمك و يعنك على ما ينزل بك إن شاء الله

 توضيح التوجد الحزن و الموجدة الغضب و لعل المراد بها أيضا هنا الحزن و التسريح الإرسال و الاستبطاء عد الشي‏ء بطيئا و الجهد بالضم الوسع و الطاقة و بالفتح المشقة و المئونة الثقل و الإعجاب بالشي‏ء عده حسنا و الولاية بالكسر السلطنة و تقول نقمت عليه أمره و نقمت منه كضربت و علمت إذا عتبة و كرهته أشد الكراهة لسوء فعله و استكمل أيامه أي أتم عمره و الحمام ككتاب الموت و قيل قضاء الموت و قدره من قوله حم كذا أي قدر أولاه الله رضوانه أي أوصله إليه و قربه منه و قيل أي أعطاه. قوله ع فأصحر لعدوك قال في النهاية أي كن من أمره على أمر واضح منكشف من أصحر الرجل إذا خرج إلى الصحراء. و قال ابن أبي الحديد أي أبرز له و لا تستتر عنه في المدينة التي أنت فيها. و قال ابن ميثم السبب في إرسال هذا الكتاب أن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه كان يضعف عن لقاء العدو و لم يكن في أصحاب علي ع أقوى بأسا في الحرب من الأشتر رحمه الله و كان معاوية بعد وقائع صفين قد تجرد للإغارة على أطراف بلاد المسلمين و قد كانت مصر جعلت طعمة لعمرو بن العاص و علم ع أنها لا تتحفظ إلا بالأشتر فكتب له العهد الذي يأتي ذكره و وجهه إليها فبلغه أن محمدا تألم من ذلك ثم إن الأشتر مات قبل وصوله إليها فكتب ع إلى محمد هذا الكتاب و هو يؤذن بإقراره على عمله و استرضائه و تعريفه وجه عذره في تولية الأشتر لعلمه و أنه لم يكن ذلك لموجدة عليه و لا تقصير منه

740-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر بمصر أما بعد فإن مصر قد افتتحت و محمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا و عاملا كادحا و سيفا قاطعا و ركنا دافعا و قد كنت حثثت الناس على لحاقه و أمرتهم بغياثه قبل الوقعة و دعوتهم سرا و جهرا و عودا و بدءا فمنهم الآتي كارها و منهم المعتل كاذبا و منهم القاعد خاذلا أسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا فو الله لو لا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة و توطيني نفسي على المنية لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا و لا ألتقي بهم أبدا

 إيضاح استشهد على بناء المجهول أي قتل في سبيل الله و قال في النهاية الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد و إنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد بعمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به و الاحتساب في الأعمال الصالحات و عند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالصبر و التسليم أو باستعمال أنواع البر و القيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها و منه الحديث من مات له ولد فاحتسبه أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته يقال احتسب فلان ابنا له إذا مات كبيرا و افترطه إذا مات صغيرا و معناه اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله التي يثاب على الصبر عليها انتهى و الكدح العمل و السعي قاله الجوهري و قال ركن الشي‏ء جانبه الأقوى و هو يأوي إلى ركن شديد أي عز و منعه و قال لحقه و لحق به لحاقا بالفتح أي أدركه و قال استغاثني فأغثته و الاسم الغياث صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها. قوله ع و منهم المعتل أي قعد و اعتل بعلة كاذبة قوله ع و لا التقى معطوف على قوله لأحببت أن أبقى كما أن في بعض النسخ بالنصب و في بعضها بالرفع

741-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر رحمه الله من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصى في أرضه و ذهب بحقه فضرب لجور سرادقه على البر و الفاجر و المقيم و الظاعن فلا معروف يستراح إليه و لا منكر يتناهى عنه أما بعد فقد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف و لا ينكل عن الأعداء ساعات الروع أشد على الفجار من حريق النار و هو مالك بن الحارث أخو مذحج فاستمعوا له و أطيعوا أمره فيما طابق الحق فإنه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة و لا نابي الضريبة فإن أمركم أن تنفروا فانفروا و إن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لا يقدم و لا يحجم و لا يؤخر و لا يقدم إلا عن أمري و قد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم و شدة شكيمته على عدوكم

742-  كتاب الغارات، عن فضيل بن خديج عن مولى الأشتر قال لما هلك الأشتر وجدنا في ثقله رسالة علي إلى أهل مصر و ذكر نحوه و زاد في آخره عصمكم الله بالحق و ثبتكم باليقين و السلام عليكم

 بيان قوله ع إلى القوم الذين غضبوا لله قال ابن أبي الحديد هذا الفصل يشكل تأويله علي لأن أهل مصرهم الذين قتلوا عثمان بالعصيان و إذا شهد أمير المؤمنين ع بأنهم غضبوا لله حين عصي الله في أرضه فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان و إتيان المنكر. ثم أجاب بتأويلات ركيكة لا تقبل الجواب و قال الجوهري كل بيت من كرسف فهو سرادق و في القاموس استراح إليه سكن و اطمأن و في النهاية ضبة السيف حده و طرفه و في القاموس الضريبة السيف و حده و الصحاح نبا السيف إذا لم يعمل في الضريبة و قال فلان شديد الشكيمة إذا كان شديد النفس أنفا أبيا و فلان ذو شكيمة إذا كان لا ينقاد

743-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا ص نذيرا للعالمين و مهيمنا على المرسلين فلما مضى ع تنازع المسلمون الأمر من بعده فو الله ما كان يلقى في روعي و لا يخطر على بالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده ص عن أهل بيته و لا أنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد ص فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل و زهق و اطمأن الدين و تنهنه و منه أني و الله لو لقيتهم واحدا و هم طلاع الأرض كلها ما باليت و لا استوحشت و إني من ضلالهم الذي هم فيه و الهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي و يقين من ربي و إني إلى لقاء الله لمشتاق و لحسن ثوابه لمنتظر راج و لكني آسى أن يلي هذه الأمة سفهاؤها و فجارها فيتخذوا مال الله دولا و عباده خولا و الصالحين حربا و الفاسقين حزبا فإن منهم الذي شرب فيكم الحرام و جلد حدا في الإسلام و إن منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرضائخ فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم و جمعكم و تحريضكم و لتركتكم إذ أبيتم و ونيتم أ لا ترون إلى أطرافكم قد انتقضت و إلى أمصاركم قد افتتحت و إلى ممالككم تزوى و إلى بلادكم تغزى انفروا رحمكم الله إلى قتال عدوكم و لا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف و تبوءوا بالذل و يكون نصيبكم الأخس إن أخا الحرب الأرق و من نام لم ينم عنه و السلام

 توضيح قوله ع و مهيمنا أي شاهدا على المرسلين يشهد لهم في الآخرة و أصله من آمن غيره من الخوف لأن الشاهد يؤمن غيره من الخوف بشهادته و قيل هو الرقيب و قيل المؤتمن و قيل القائم بأمور الخلق و قيل أصله المؤيمن فأبدلت الهاء من الهمزة و هو مفيعل من الأمانة و المراد بالأمر الخلافة. و الروع بالضم القلب أو سواده و قيل الذهن و العقل و أزعجه قلعه عن مكانه و نحاه أي أزاله و لعل الغرض إظهار شناعة هذا الأمر و أنه مما لم يكن يخطر ببال بظاهر الحال فلا ينافي علمه بذلك بإخبار الرسول ص. قوله ع فما راعني قال ابن أبي الحديد تقول للشي‏ء يفجؤك بغتة ما راعني إلا كذا و الروع بالفتح الفزع كأنه يقول ما أفزعني شي‏ء بعد ذلك السكون الذي كان عندي و الثقة التي اطمأننت إليها إلا وقوع ما وقع من انثيال الناس أي انصبابهم من كل وجه كما ينثال التراب على أبي بكر و الاسم كان مذكورا في كتاب الأشتر صريحا و إنما الناس يكتبونه على فلان تذمما من ذكر الاسم. قوله ع حتى رأيت راجعة الناس أي الطائفة الراجعة من الناس التي قد رجعت عن الإسلام يعني أهل الردة كمسيلمة و سجاح و طليحة بن خويلد. و يحتمل أن يكون المراد بهم المنافقين المجتمعين على أبي بكر فإنهم كانوا يغتنمون فتنة تصير سببا لارتدادهم عن الدين رأسا قوله ع كما يتقشع أي يتفرق و ينكشف. و تنهنه أي انزجر عن الاضطراب و الحركة و قال الجوهري نهنهت الرجل عن الشي‏ء فتنهنه أي كففته و زجرته فكف و في النهاية طلاع الأرض ذهبا أي ما يملأها حتى يطلع عنها و يسيل و الاستيحاش ضد الاستيناس و هنا كناية عن الخوف آسى أي أحزن مال الله دولا في الصحاح أن دولا جمع دولة بالضم فيهما و في القاموس الدولة انقلاب الزمان و العقبة في المال و يضم أو الضم فيه و الفتح في الحرب أو هما سواء أو الضم في الآخرة و الفتح في الدنيا و الجمع دول مثلثة و في النهاية كان عباد الله خولا أي خدما و عبيدا يعني أنهم يستخدمونهم و يستعبدونهم. قوله ع و الصالحين حربا أي عدوا و الفاسقين حزبا أي ناصرا و جندا. و قال ابن أبي الحديد المراد بمن شرب الخمر الوليد بن عقبة و أما الذي رضخت له على الإسلام الرضائخ فمعاوية و أبوه و أخوه و حكيم بن حزام و سهيل بن عمرو و الحارث بن هشام و غيرهم و هم قوم معروفون لأنهم من المؤلفة قلوبهم الذين رغبوا في الإسلام و الطاعة بجمال و شاء دفعت إليهم للأغراض الدنياوية و الطمع و لم يكن إسلامهم عن أصل و يقين. و قال القطب الراوندي يعني عمرو بن العاص و ليس بصحيح لأن عمرا لم يسلم بعد الفتح و أصحاب الرضائخ كلهم صونعوا عن الإسلام بغنائم حنين و لعمري إن إسلام عمرو كان مدخولا أيضا إلا أنه لم يكن عن رضيخة و إنما كان لمعنى آخر و الرضيخة شي‏ء قليل يعطاه الإنسان يصانع به عن أمر يطلب منه كالأجرة انتهى و التأليب التحريض و التأنيب أشد اللوم. و الونى الضعف و الفتور و إلى ممالككم تزوى أي تفيض و لا تثاقلوا بالتشديد و التخفيف معا إشارة إلى قوله تعالى ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ الآية و قال الفيروزآبادي تثاقل عنه تباطأ و القوم لم ينهضوا للنجدة و قد استنهضوا لها و قال في النهاية الخسف النقصان و الهوان و قال أصل البواء اللزوم و أبوء أي أقر و التزم و أرجع. و قال الأرق هو السهر و رجل أرق إذا سهر لعلة فإن كان السهر من عادته قيل أرق بضم الهمزة و الراء و أخو الحرب ملازمه و من نام لم ينم عنه لأن العدو لا يغفل عن عدوه

744-  نهج، ]نهج البلاغة[ من عهد له ع كتبه للأشتر النخعي رحمه الله لما ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر محمد بن أبي بكر رحمه الله و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها و جهاد عدوها و استصلاح أهلها و عمارة بلادها أمره بتقوى الله و إيثار طاعته و اتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه و سننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها و لا يشقى إلا مع جحودها و إضاعتها و أن ينصر الله سبحانه بيده و قلبه و لسانه فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره و إعزاز من أعزه و أمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات و يزعها عند الجمحات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل الذي ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم و إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك و شح بنفسك عما لا يحل لك فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت و أشعر قلبك الرحمة للرعية و المحبة لهم و اللطف بهم و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين و إما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطإ فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه و صفحه فإنك فوقهم و والي الأمر عليك فوقك و الله فوق من ولاك و قد استكفاك أمرهم و ابتلاك بهم و لا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدي لك بنقمته و لا غنى بك عن عفوه و رحمته و لا تندمن على عفو و لا تبجحن بعقوبة و لا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة و لا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب و منهكة للدين و تقرب من الغير و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله سبحانه فوقك و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطأمن إليك من طماحك و يكف عنك من غربك و يفي‏ء إليك بما عزب عنك من عقلك إياك و مساماة الله في عظمته و التشبه به في جبروته فإن الله يذل كل جبار و يهين كل مختال أنصف الله و أنصف الناس من نفسك و من خاصة أهلك و من لك فيه هوى من رعيتك فإنك إن لا تفعل تظلم و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده و من خاصمه الله أدحض حجته و كان لله حربا حتى ينزع و يتوب و ليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله يسمع دعوة المظلومين و هو للظالمين بالمرصاد و ليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق و أعمها في العدل و أجمعها لرضا الرعية فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة و إن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة و ليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مئونة في الرخاء و أقل معونة له في البلاء و أكره للإنصاف و أسأل بالإلحاف و أقل شكرا عند الإعطاء و أبطأ عذرا عن المنع و أضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة و إنما عمود الدين و جماع المسلمين و العدة للأعداء العامة من الأمة فليكن صغوك لهم و ميلك معهم و ليكن أبعد رعيتك منك و أشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها فلا تكشفن عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك و الله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك أطلق عن الناس عقدة كل حقد و اقطع عنك سبب كل وتر و تغاب عن كل ما لا يضح لك و لا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش و إن

 تشبه بالناصحين و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر و لا جبانا يضعفك عن الأمور و لا حريصا يزين لك الشره بالجور فإن البخل و الجبن و الحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا و من شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الأئمة و إخوان الظلمة و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم و ليس عليه مثل آصارهم و أوزارهم و آثامهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه أولئك أخف عليك مئونة و أحسن لك معونة و أحنى عليك عطفا و أقل لغيرك ألفا فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك و حفلاتك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك و أقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذاك من هواك حيث وقع و الصق بأهل الورع و الصدق ثم رضهم على أن لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو و تدني من الغرة و لا يكونن المحسن و المسي‏ء عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلا منهم ما ألزم نفسه و اعلم أنه ليس شي‏ء بأدعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيفه المئونات عنهم و ترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا و إن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده و إن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة و اجتمعت بها الألفة و صلحت عليه الرعية و لا تحدثن سنة تضر بشي‏ء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها و الوزر عليك بما نقضت منها و أكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك و إقامة ما استقام به الناس قبلك و اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض و لا غني ببعضها عن بعض فمنها جنود الله و منها كتاب العامة و الخاصة و منها قضاة العدل و منها عمال الإنصاف و الرفق و منها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس و منها التجار و أهل الصناعات و منها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة و المسكنة و كل قد سمى الله له سهمه و وضع على حده و فريضته في كتابه أو سنة نبيه ص عهدا منه عندنا محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية و زين الولاة و عز الدين و سبل الأمن و ليس تقوم الرعية إلا بهم ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به علي في جهادهم عدوهم و يعتمدون عليه فيما يصلحهم و يكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب لما يحكمون من المعاقد و يجمعون من المنافع و يؤتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم و

 يقيمونه من أسواقهم و يكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم و معونتهم و في الله لكل سعة و لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما أكرم الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام و الاستعانة بالله و توطين نفسه على لزوم الحق و الصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله و لرسوله و لإمامك أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب و يستريح إلى العذر و يرؤف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء و ممن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي المروءات و الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة فإنهم جماع من الكرم و شعب من العرف ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالدان من ولدهما و لا يتفاقمن في نفسك شي‏ء قويتهم به و لا تحقرن لطفا تعاهدتهم به و إن قل فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك و حسن الظن بك و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه و ليكن آثر رءوس جندك عندك من واساهم في معونته و أفضل عليهم من جدته بما يسعهم و يسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم و قلة استثقال دولهم و ترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم و واصل في حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فإن كثرة الذكر لحسن فعالهم تهز الشجاع و تحرض الناكل إن شاء الله تعالى ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى و لا تضمن بلاء امرئ إلى غيره و لا تقصرن به دون غاية بلائه و لا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا و لا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما و اردد إلى الله و رسوله ما يظلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه و الرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور و لا يمحكه الخصوم و لا يتمادى في الزلة و لا يحصر من الفي‏ء إلى الحق إذا عرفه و لا تشرف نفسه على طمع و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات و أخذهم بالحجج و أقلهم تبرما بمراجعة الخصم و أصبرهم على تكشيف الأمور و أصرمهم عند إيضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء و لا يستميله إغراء و أولئك قليل ثم أكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته إلى الناس و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك فانظر في ذلك نظرا بليغا فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى و تطلب به الدنيا ثم انظر في أمور عمالك و استعملهم اختيارا و لا تولهم محاباة و أثره فإنهما جماع من شعب الجور و الخيانة و توخ منهم أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة و القدم في الإسلام المتقدمة فإنهم أكرم أخلاقا و أصح أعراضا و أقل في المطامع إشرافا و أبلغ في عواقب الأمور نظرا ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم

 و حجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ثم تفقد أعمالهم و ابعث العيون من أهل الصدق و الوفاء عليهم فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة و الرفق بالرعية و تحفظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه و أخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة و وسمته بالخيانة و قلدته عار التهمة و تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج و أهله و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد و لم يستقم أمره إلا قليلا فإن شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بآلة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم و لا يثقلن عليك شي‏ء خففت به المئونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك و تزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم و تبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم و رفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به فإن العمران محتمل ما حملته و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها و إنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع و سوء ظنهم بالبقاء و قلة انتفاعهم بالعبر ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك و أسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملإ و لا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك و إصدار جواباتها على الصواب عنك و فيما يأخذ لك و يعطى منك و لا يضعف عقدا اعتقده لك و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك و حسن الظن منك فإن الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم و حسن خدمتهم و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شي‏ء و لكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا و أعرفهم بالأمانة وجها فإن ذلك دليل على نصيحتك لله و لمن وليت أمره و اجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها و لا يتشتت عليه كثيرها و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته ثم استوص بالتجار و ذوي الصناعات و أوص بهم خيرا المقيم منهم و المضطرب بماله و المترفق ببدنه فإنهم مواد المنافع و أسباب المرافق و جلابها من المباعد و المطارح في برك و بحرك و سهلك و جبلك و حيث لا يلتئم الناس لمواضعها و لا يجترءون عليها فإنهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشى غائلته و تفقد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك و اعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا و شحا قبيحا و احتكارا للمنافع و تحكما في البياعات و ذلك باب مضرة للعامة و عيب على الولاة فامنع من الاحتكار فإن رسول الله ص منع منه و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به و عاقب في غير إسراف ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى فإن في هذه الطبقة قانعا و معترا احفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم و اجعل لهم قسما من بيت مالك و قسما من غلات

 صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى و كل من قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر فإنك لا تعذر بتضييع التافه لأحكامك الكثير المهم فلا تشخص همك عنهم و لا تصعر خدك لهم و تفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون و تحقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية و التواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم و كل فأعذر إلى الله تعالى في تأدية حقه إليه و تعهد أهل اليتم و ذي الرقة في السن ممن لا حيلة له و لا ينصب للمسألة نفسه و ذلك على الولاة ثقيل و الحق كله ثقيل و قد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم و وثقوا بصدق موعود الله لهم و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله ص يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم و العي و نح عنك الضيق و الأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته و يوجب لك ثواب طاعته و أعط ما أعطيت هنيئا و امنع في إجمال و إعذار ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا عنك كتابك و منها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك مما تحرج به صدور أعوانك و امض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت و أجزل تلك الأقسام و إن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية و سلمت منها الرعية و ليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فأعط الله من بدنك في ليلك و نهارك و وف ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملا غير مثلوم و لا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ و إذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا و لا مضيعا فإن في الناس من به العلة و له الحاجة و قد سألت رسول الله ص حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم فقال صل بهم كصلاة أضعفهم و كن بالمؤمنين رحيما و أما بعد هذا فلا تطولن احتجابك من رعيتك فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق و قلة علم بالأمور و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير و يقبح الحسن و يحسن القبيح و يشاب الحق بالباطل و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور و ليست على الحق سمات يعرف بها ضروب الصدق من الكذب و إنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه أو مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مئونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة ثم إن للوالي خاصة و بطانة فيهم استيثار و تطاول و قلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال

 و لا تقطعن لأحد من حاشيتك و حامتك قطيعه و لا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مئونته على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة و ألزم الحق من لزمه من القريب و البعيد و كن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فإن مغبة ذلك محمودة و إن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك و اعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإن في ذلك رياضة منك لنفسك و رفقا برعيتك و إعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق و لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى فإن في الصلح دعة لجنودك و راحة من همومك و أمنا لبلادك و لكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم و اتهم في ذلك حسن الظن و إن عقدت بينك و بين عدو لك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمتك بالأمانة و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرائض الله سبحانه شي‏ء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم و تشتيت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر فلا تغدرن بذمتك و لا تخيسن بعهدك و لا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي و قد جعل الله عهده و ذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته و حريما يسكنون إلى منعته و يستفيضون إلى جواره فلا إدغال و لا مدالسة و لا خداع فيه و لا تعقد عقدا تجوز فيه العلل و لا تعولن على لحن قول بعد التأكيد و التوثقة و لا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق فإن صبرك على ضيق ترجو انفراجه و فضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته و أن تحيط بك من الله فيه طلبة لا تستقيل فيها دنياك و لا آخرتك إياك و الدماء و سفكها بغير حلها فإنه ليس شي‏ء أدعى لنقمة و لا أعظم لتبعة و لا أحرى بزوال نعمة و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها و الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن و إن ابتليت بخطإ و أفرط عليك سوطك و يدك بعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم و إياك و الإعجاب بنفسك و الثقة بما يعجبك منها و حب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن و إياك و المن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعودك بخلفك فإن المن يبطل الإحسان و التزيد يذهب بنور الحق و الخلف يوجب المقت عند الله و عند الناس قال الله سبحانه كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند إمكانها أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت فضع كل أمر موضعه و أوقع كل عمل موقعه و إياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة و التغابي عما تعني به مما قد وضح للعيون فإنه مأخوذ منك لغيرك و عما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور و ينتصف منك للمظلوم أملك حمية أنفك و سورة حدك و سطوة يدك و غرب لسانك و احترس من كل ذلك بكف البادرة و تأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار و لن

 تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك و الواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو أثر عن نبينا ص أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها و تجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا و استوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكي لا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها و من هذا العهد و هو آخره و أنا أسأل الله تعالى بسعة رحمته و عظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه و إلى خلقه مع حسن الثناء في العباد و جميل الأثر في البلاد و إتمام النعمة و تضعيف الكرامة و أن يختم لي و لك بالسعادة و الشهادة إنا إليه راغبون و السلام على رسوله و آله كثيرا و سلم تسليما

 تبين قال الجوهري قال الكسائي جببت الماء في الحوض و جبوته أي جمعته و جبيت الخراج جباية و جبوته جباوة و لا يهمز و أصله الهمز. و قال الفيروزآبادي في القاموس جبا الخراج كسعى و رمى جبوة و جباء و جباوة جمعه و جباية بكسرهن انتهى. و قال الكيدري الجبوة بالفتح للمرة و بالكسر للهيئة و النصب على البدلية أو على أنه مفعول لقوله ولاه و لعل المراد بالخراج هنا كل ما يأخذه الوالي. قوله ع و أن ينصر الله سبحانه بيده كالجهاد بالسيف و ضرب من احتاج إليه في النهي عن المنكر مثلا. و المراد من قوله بقلبه في الاعتقادات و الإنكار القلبي للآتي بالمنكرات و العزم على إجراء الأحكام و العبادات. و تكفله سبحانه بقوله وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ و أمثالها. و الكسر من النفس كناية عن كفها عن بعض ما تشتهيه و قال الجوهري وزعته أزعه كففته فاتزع هو أي كف و قال جمح الفرس إذا اعتز فارسه و غلبه و الجموح من الرجال الذي يركب هواه فلا يمكن رده و جمح أي أسرع قال أبو عبيد في قوله تعالى لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ أي يسرعون و قال الدولة بالفتح في الحرب يقال كانت لنا عليهم الدولة و بالضم المال يقال صار الفي‏ء دولة بينهم يتداولونه يكون مرة لهذا و مرة لهذا و الجمع دولات و دول و قال بعضهم كلتاهما تكون في الحرب و المال. قوله ع إن الناس ينظرون أي كما كنت تمدح قوما من الولاة و تذم قوما كذلك من يسمع أخبارك يمدحك بأفعالك الحسنة و يذمك بأعمالك القبيحة فاحذر أن تكون ممن عاب و يذم. قوله ع ذخيرة العمل الصالح في بعض النسخ برفع ذخيرة و الإضافة و في بعضها بالنصب على التمييز و رفع العمل الصالح. قوله ع فيما أحببت و كرهت أي عند الشهوة و الغضب أو في الأفعال و التروك. قوله ع و أشعر قلبك الرحمة أي اجعلها شعاره و اللطف بهم في بعض النسخ بالتحريك و هو الإسلام من لطف كنصر لطفا بالضم إذا رفق و دنا قال الجوهري ضري الكلب بالصيد ضراوة أي تعود و كلب ضار و كلبة ضارية و أضراه صاحبه أي عوده و أضراه به أيضا أي أغراه و إما نظير لك أي إنسان مثلك يفرط منهم الزلل أي ليسوا معصومين يقال فرط إليه منه قول أي سبق و العلل الأمراض المعنوية أي أسباب المعاصي و دواعيها. قوله ع و يؤتى على أيديهم قال ابن أبي الحديد هذا مثل قولك يؤخذ على أيديهم أي يؤدبون و يمنعون يقال خذ على يد هذا السفيه و قد حجر الحاكم على فلان و أخذ على يده. و قال ابن ميثم كناية عن كونهم غير معصومين بل هم ممن يؤتون من قبل العمد و الخطإ و تأتي على أيديهم أوامر الولاة و المؤاخذات فيما يقع منهم من عمد أو خطإ انتهى. و أقول إن الفعل في قوله يؤتى في بعض النسخ بصيغة الخطاب و في بعضها بصيغة الغيبة فعلى الأول يحتمل أن يكون الغرض بيان احتياجه إليهم و تضرره من ناحيتهم أي تهلك بسبب ما يجري على أيديهم عمدا أو خطأ من قولهم أتى عليه الدهر أي أهلكه و قولهم أتي من جهة كذا إذا أتاه الضرر من تلك الجهة. و على الثاني الظرف قائم مقام الفاعل أي يهلك الحكام و الولاة أيديهم كناية عن منعهم عن التصرفات و مؤاخذتهم بما عملته أيديهم فيرجع إلى بعض ما مر و يمكن أن يكون القائم مقام الفاعل الضمير الراجع إلى الوالي بقرينة المقام فيئول إلى ما أفادته النسخة الأخرى. أو المعنى أنهم و ربما صدر منهم بعض القبائح بإضلال غيرهم فكأنه جرى فعل المضل بأيديهم فهم مستحقون للصفح عنهم. قوله ع و قد استكفاك الضمير المرفوع راجع إلى الله و إلى الموصول في من ولاك أي طلب منك كفاية أمورهم و امتحنك بهم. و نصب النفس لحرب الله كناية عن مبارزته إياه بالمعاصي. قوله ع لا يدي لك قال ابن أبي الحديد اللام مقحمة و المراد

  الإضافة و نحوه قوله لا أبا لك. و قال ابن ميثم و حذف النون من يدين لمضارعته المضاف و قيل لكثرة الاستعمال. و قال ابن الأثير في حرف الياء في مادة يد من النهاية فيه قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم أي لا قدرة و لا طاقة يقال ما لي بهذا الأمر يد و لا يدان لأن المباشر و الدفاع إنما يكون باليد فكان يديه معدومتان لعجزه عن دفعه. و في بعض النسخ لا يدا لك. و قال الجوهري البجح الفرح و قال البادرة الحدة و بدرت منه بوادر غضب أي خطإ و سقطات عند ما احتد و البادرة البديهة و المندوحة السعة و التأمير تولية الإمارة يقال هو أمير مؤمر و الإدغال إدخال الفساد و منهكة أي ضعف و سقم و قال الجزري فيه من يكفر الله يلقى الغير أي تغير الحال و انتقالها عن الصلاح إلى الفساد و الغير الاسم من قولك غيرت الشي‏ء فتغير و قال الأبهة العظمة و المخيلة الكبر و قال الفيروزآبادي طأمن الأمر سكن و قال الطماح ككتاب النشوز و الجماح و قوله إليك متعلق بقوله يطأمن على تضمين معنى القبض أو الجذب و من للتبعيض. و قال الكيدري ضمن يطأمن معنى يرد فلذا عداه بإلى أي يرد إليك سورة غضبك و اعتلائك و لا يخليها تتجاوز عنك إلى غيرك و قيل إن إلى يتعلق بطماحك و هو من قولهم طمح بصره إلى الشي‏ء أي ارتفع أي يسكن ذلك بعض نظرك نفسك بعين العجب و الكبرياء و الغرب بالفتح الحدة و بالكسر البعد و يفي‏ء إليك أي يرجع إليك بما بعد عنك من عقلك و المساماة مفاعلة من السمو و هو العلو. قوله ع أنصف الله أي بالقيام بما فرض عليك و أنصف الناس بالقيام بحقوقهم و معاملتهم بالعدل دون عباده أي فقط أو كان الله هو الحقيق بأن يسمى خصما فإن مخاصمة العباد مضمحلة في جنب مخاصمته و انتقامه. و قال الجوهري دحضت حجته دحوضا بطلت و أدحضه الله أبطله و قال أنا حرب لمن حاربني أي عدو و قال نزع عن الأمور نزوعا انتهى عنها. أقول يحتمل أن يكون أداء حقوق الناس إليهم من التوبة أو يكون نزوعه عبارة عن أداء حقوقهم و توبته عن ندمه فإنه ما دام حابسا لحقوقهم فهو ظالم فلم يكن تاركا للظلم منتهيا عنه و المرصاد الطريق و الموضع يرصد فيه العدو. و قال في النهاية كل خصلة محمودة فلها طرفان مذمومان فهي وسط بين الطرفين و فيه الوالد أوسط أبواب الجنة أي خيرها. قوله ع لرضا الرعية أي العامة يجحف برضى الخاصة أي يبطله و لا يجدي نفعا عند سخط العامة من قولهم أجحف به أي ذهب به و لعل المراد بالخاصة أعيان أهل البلد و ذوو المروءة منهم و من يلازم الوالي و صار كالصديق له يغتفر أي يستر و لا يضر عند رضا العامة. قوله ع و ليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مئونة لسؤال المطالب و الشفاعات و أقل معونة له في البلاء كوقت الحاجة و عند العزل و النكبة لعدم حصول متمنياتهم و ألحف السائل ألح و أقل شكرا عند الإعطاء لاعتقادهم زيادة فضلهم على العامة و أبطأ عذرا عند المنع أي إن منعهم الوالي و لم يعطهم لم يقبلوا منه عذرا و ملمات الدهر نوازله و مصائبه. قوله ع من أهل الخاصة متعلق بأثقل و ما عطف عليه و جماع الشي‏ء مجمعه و مظنته و قال الجوهري يقال صغوه معك و صغوه معك و صغاه معك أي ميله و في بعض النسخ صفوه بالفاء أي خالص

  ودك و الشناءة مثل الشناعة البغض و إطلاق عقدة الحقد إخراجه من القلب أي لا تحقد على أحد فتكون الجملة التالية كالتفسير لها. و يحتمل أن يكون المراد إخراج الحقد على نفسه عن قلوب الناس بحسن الخلق أو حقد بعضهم على بعض بالموعظة و نحوها فتكون الجملة التالية مؤسسة. و قال في النهاية السبب في الأصل الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شي‏ء. و في الصحاح الوتر بالكسر الفرد و بالفتح الذحل أي الحقد و العداوة هذه لغة أهل العالية. فأما لغة أهل الحجاز فبالضد منهم. و أما تميم فبالكسر فيهما و قال تغابى تغافل أي لا تتعرض لأمر لم يتضح لك من أمورهم التي توجب حدا أو تعزيرا أو عتابا و تعييرا و الساعي من يسعى إلى الوالي بذم الناس و جرائمهم و الباء قوله يعدل بك للتعدية و الفضل الإحسان. و يعدك الفقر أي يخوفك منه إشارة إلى قوله تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ. و قوله بالجور متعلق بالشره فالجور جور المأمور أو بالتزيين فالمراد جور الأمر و الشره غلبة الحرص و الجور الميل عن القصد. قوله ع يجمعها سوء الظن أي هو ملزومها أو معنى مشترك بينها و بطانة الرجل بالكسر صاحب سره و محل مشورته و الواو في قوله و أنت واجد يحتمل العطف و الحالية و منهم متعلق باسم التفضيل مقدم عليه و ممن بيان لقوله خير الخلف و يقال رجل نافذ في أمره أي ماض و الآصار جمع الإصر بالكسر و هو الذنب و الثقل و الحنو العطف و الشفقة و حفلاتك أي مجامعك و محفل القوم مجتمعهم و قوله ع واقعا منصوب على الحالية أي في حال وقوع ذلك القول منه و النصيحة و قلة المساعدة حيث وقع من هواك سواء كان في هوى عظيم أو حقير أو حيث وقع هواك أي سواء كان ما تهواه عظيما أو ليس بعظيم. و يحتمل أن يريد واقعا ذلك الناصح من هواك و محبتك حيث وقع أي يجب أن يكون له من هواك موقعا كذا ذكره ابن ميثم. و قيل يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما يكون منك أي سواء كان ذلك الفعل الصادر عنك مما تهواه هوى عظيما أم لا. و الأظهر أن المعنى أن الناصح يقول و ينصح و يمنع سواء كان علمه موافقا لهواك و رضاك أم لا فقوله حيث وقع أي من الموافقة و المخالفة. قوله ع و الصق على بناء المجرد و في بعض النسخ على بناء الإفعال أي ألصق نفسك بهم و على التقديرين المعنى اجعلهم خاصتك و خلصاءك ثم رضهم أي ربهم و عودهم أن لا يمدحوك في وجهك. و قال الجوهري البجح الفرح و بجحته أنا تبجيحا فتبجح أي أفرحته ففرح و التوصيف بقوله لم تفعله ليس للتخصيص بل المعنى لا يفرحوك بمدحك بما لم تفعله فإنه باطل كما قال سبحانه وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا و الزهو الكبر و الفخر و العزة بالعين المهملة و الزاي بمعنى القوة و الغلبة و الشدة أي يقربك إلى أن يقوى الشيطان و نفسك الأمارة و يغلبا عليك أو إلى أن يقسو قلبك فتغلب الرعية و تظلمهم. و في بعض النسخ بالغين المعجمة و الراء المهملة أي الغفلة عن الحق و الاغترار بالباطل و التزهيد خلاف الترغيب و التدريب التعويد. قوله ع و ألزم كلا منهم أي فجاز المحسن بالإحسان

  و المسي‏ء بالإساءة و النصب التعب و هو هنا اغتمامه حذرا من أن يصيبه منهم مكروه أو لا يطيعوه و البلاء يطلق على الخير و الشر كما قال تعالى وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً و المراد هنا بالأول الأول و بالثاني الثاني. و قال الجوهري صدر كل شي‏ء أوله و الصلاح ضد الفساد و الفعل كدخل و حسن و المنافثة المحادثة و في الحديث أن الروح الأمين نفث في روعي و في بعض النسخ مثافنة الحكماء بتقديم المثلثة على النون و هي المعاونة. و قال الراوندي رحمه الله اشتقاقه من ثفنة البعير و هي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استنيخ كأنك ألصقت ثفنة ركبتك ركبته قوله ع من أهل الذمة قال ابن ميثم لف و نشر و يحتمل أن يكون بيانا لأهل الخراج فإن للإمام أن يقبل أرض الخراج من سائر المسلمين و أهل الذمة و التجار بالضم و التشديد و بالكسر و التخفيف جمع تاجر. و الصناعة بالكسر حرفة الصانع و الضميران في حده و فريضته إما راجعان إلى الله أو إلى كل. و المراد بالعهد الحكم الخاص بكل منهم. و قوام الشي‏ء بالكسر ما يقوم به و ينتظم به أمره. قوله ع و يكون من وراء حاجتهم أي فيما يحتاجون إليه و الوراء إما بمعنى الخلف كأنه ظهر لحاجتهم و محل لاعتمادهم أو بمعنى القدام كما قيل في قوله وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ فكأنه يسعى بين يدي حاجتهم لكفاية أمورهم و الأول أظهر و يحكمون بصيغة الإفعال. قوله ع من مرافقهم أي مرافق الرعية أو التجار و ذوي الصناعات أي المرافق الحاصلة بهم و كذلك الضمير في أسواقهم و المرفوع في يكفونهم راجع إلى التجار و ما عطف عليه و كذا ضمير بأيديهم و غيرهم و قال الجوهري المرفق من الأمر هو ما ارتفقت به و انتفعت به و قال حق الشي‏ء يحق أي وجب و قال الرفد العطاء و الصلة. قوله ع و في الله أي في جوده و عنايته فليعتمدوا على الله في تدبير أمورهم أو في حكمه و شريعته و ما قرر لكل منهم في كتابه و سنة نبيه قوله ع بقدر ما يصلحه الضمير راجع إلى الكل و قيل إلى الوالي و هو بعيد. قوله ع فول من جنودك أي اجعل الوالي على جندك من كان كذلك أنقاهم جيبا أي أطهرهم جيبا أي عفيفا أمينا و يكنى عن العفة و الأمانة بطهارة الجيب لأن الذي يسرق يجعل المسروق في جيبه و هذه الوصية في ولاة الجيش لأجل الغنائم كذا ذكره ابن أبي الحديد. و قال ابن ميثم ناصح الجيب كناية عن الأمين. و لعله لم يكن في نسخته لفظة أنقاهم و قال الجوهري رجل ناصح الجيب أمين. و يحتمل أن يكون المراد بطهارة جيبه أو نصحه كونه محبا للإمام ع غير مبطن لعداوة أو نفاق. قوله ع و يستريح إلى العذر أي يسكن عند العذر و يميل إليه فيقبله. و يحتمل أن يكون من قولهم عذرته عذرا فيما صنع فالعذر بمعنى قبول العذر. قوله ع و ينبو على الأقوياء كذا في أكثر النسخ المصححة أي يعلو على الأقوياء و يدفع ظلمهم عن الضعفاء من النباوة و هي الأرض المرتفعة. و في بعض النسخ عن الأقوياء أي يتجافى و يبعد عنهم و لا يميل إليهم

  من قولهم نبأ بصره عن الشي‏ء إذا تجافى عنه. قوله ع و ممن لا يثيره عطف على قوله ممن يبطئ أي لا يكون له عنف فيثيره و لو كان له عنف بمقتضى طبعه يطفيه بعقله أو أنه لو عنف به أحد تحلم و صبر. و لعل المراد بالإلصاق بذوي الأحساب تفويض الولايات و الأمور إليهم أو تفقد أحوالهم و تربيتهم و حفظهم عن الضياع و الحسب بالتحريك ما يعد من المآثر و قيل الشرف الثابت له و لآبائه و السوابق الفضائل التي يسبق لها. و قال الجوهري النجدة الشجاعة و لاقى فلان نجدة أي شدة. و السماحة بالفتح موافقة الرجل على ما أريد منه أو الجود و العطاء. قوله ع فإنهم جماع من الكرم أي مجمع من مجامع الكرم أو تلك الصفات من الصفات الجامعة من جملة صفات الكرم و في إتيان ضمير ذوي العقول تجوز كقوله فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ و قال ابن أبي الحديد أي مجمع الكرم و منه الحديث الخمر جماع الإثم و من هاهنا زائدة و إن كان في الإيجاب على مذهب الأخفش. قوله ع و شعب من العرف أي شعب العرف أي أقسامه و أجزاؤه أو من المعروف لأن غيرها أيضا من الكرم و المعروف نحو العدل و الفقه. قوله ع ثم تفقد من أمورهم أي أمور الجنود أو ذوي الأحساب و من بعده أو الرعية مطلقا و التفقد طلب الشي‏ء عند غيبته. و قال الجوهري تفاقم الأمر عظم و التاء في داعية للمبالغة. قوله ع اتكالا على جسيمها أي اعتمادا على تفقد عظيمها و من واساهم أي الجنود من جدته أي غناه و من خلوف أهليهم أي من يخلفونه من أولادهم و أهليهم إلا بحيطتهم في أكثر النسخ المصححة بفتح الحاء و تشديد الياء و ليس موجودا فيما ظفرنا به من كتب اللغة بل فيها الحيطة بكسر الحاء و سكون الياء كما في بعض النسخ قال الجوهري الحيطة بالكسر الحياطة و هما من الواو و قد حاطه يحوطه حوطا و حياطة و حيطة أي كلأه و وعاه و مع فلان حيطة لك و لا تقل عليك أي تحنن و تعطف. و قال ابن أبي الحديد و أكثر الناس يروونها بتشديد الياء و كسرها و الصحيح بكسر الحاء و تخفيف الياء. قوله ع و قلة استثقال دولهم أي بأن كانوا راضين بدولتهم و لا يعدوها ثقيلا و لا يتمنوا زوالها و الاستبطاء عد الشي‏ء بطيئا. قوله ع و واصل في حسن الثناء عليهم أي كرره حتى كأنك وصلت بعضه ببعض أو واصلهم و تحبب إليهم بذلك. و في بعض النسخ من حسن و تعديد البلاء كثرة إظهاره و قال في النهاية فيه عسى أن يؤتى هذا من لا يبلى بلائي أي لا يعمل مثل عملي في الحرب كأنه يريد أفعل فعلا أختبر فيه و يظهر خيري و شري و الهز التحريك و التحريض الترغيب ثم اعرف أي اعلم مقدار بلاء كل امرئ منهم و جازه بذلك المقدار و لا تقصرن به دون غاية بلائه أي بأن تذكر بعضه أو تحفره و لا تجازيه بحسبه. قوله ع ما يضلعك في بعض النسخ بالضاد و في بعضها بالظاء و قال ابن الأثير في مادة ضلع من كتاب النهاية فيه أعوذ بك من الكسل و ضلع الدين أي ثقله و الضلع الاعوجاج أي يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء و الاعتدال يقال ضلع بالكسر يضلع ضلعا بالتحريك

  و ضلع بالفتح يضلع ضلعا بالتسكين أي مال و من الأول حديث علي ع و اردد إلى الله و رسوله ما يضلعك من الخطوب أي يثقلك. و قال الظاء في مادة ظلع الظلع بالسكون العرج و ظلعوا أي انقطعوا و تأخروا لتقصيرهم و أخاف ظلعهم بفتح اللام أي ميلهم عن الحق و ضعف إيمانهم و قيل ذنبهم و أصله داء في قوائم الدابة يغمز منها و رجل ظالع أي مائل و قيل إن المائل بالضاد. و قال ابن أبي الحديد الرواية الصحيحة بالضاد و إن كان للرواية بالظاء وجه. قوله ع بسنته الجامعة أي التي تصير أهواءهم و نياتهم بالأخذ بها واحدة و لا يتفرقون عن طاعة الله و عبادته. قوله ع ثم اختر للحكم بين الناس هو وصية في نصب القضاة في نفسك أي اعتقادك و الباء في تضيق به للتعدية و لا يمحكه الخصوم كذا في النسخ المعتبرة على صيغة المجرد إما بالياء أو بالتاء و الذي يظهر من كلام أهل اللغة هو أن محك لازم. و الذي رواه ابن الأثير في النهاية هو تمحكه بضم التاء من باب الإفعال و قال في حديث علي ع لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم قال المحك اللجاج و قد محك يمحك و أمحكه غيره انتهى. و في بعض النسخ يمحكه على بناء التفعيل. و قال ابن ميثم في شرح قوله ممن لا يمحكه الخصوم أي لا يغلبه على الحق باللجاج و قيل ذلك كناية عمن يرتضيه الخصوم فلا تلاجه و يقبل منه بأول قوله. قوله ع و لا يتمادى في الزلة أي لا يستمر في الخطإ بل يرجع بعد ظهور الحق و قال الجوهري الحصر العي يقال حصر الرجل يحصر حصرا مثل تعب تعبا و الحصر أيضا ضيق الصدر يقال حصرت صدورهم و كل من امتنع من شي‏ء لم يقدر عليه فقد حصر عنه و حصرت الرجل فهو محصور أي حبسته و حصره و حبسته و حصره العدو يحصرونه إذا ضيقوا عليه انتهى و المعنى لا يضيق صدره و لا يشكل عليه الرجوع إلى الحق إلى معرفته و لا يحبس نفسه عنه و التبرم التضجر و الملال أي لا يمل من معاودة الكلام رجاء ظهور الحق و أصرمهم أقطعهم و أمضاهم. و قال الجوهري زهاه و ازدهاه استخفه و تهاون به و منه قولهم فلان لا يزدهي بخديعة و الإطراء المدح و الإغراء التحريض. قوله ع ثم أكثر تعاهد قضائه أي ابحث و استخبر ما يقضي و يحكم به هل هو موافق للحق ثم أمره بأن يفرض له عطاء واسعا يملأ عينه و يتعفف به عن الرشوة و قال الجوهري زاح الشي‏ء يزيح زيحا أي بعد و ذهب و أزحت علته فزاحت. و قال ابن ميثم ما في قوله ما يزيح علته يحتمل أن يكون بدلا من البذل و أن يكون مفعولا لفعل محذوف دل عليه البذل أي فتبدل له ما يزيح علته و أن يكون مفعولا لقوله افسح فسح وسع له ما يكفيه من المال أو في معنى مصدر افسح أي افسح له فسحا يزيل علته انتهى. و الاغتيال في الأصل أن تقتل رجلا خدعة و هاهنا كناية عن ذم الناس له و تقبيح ذكره عند الوالي حتى ينحرف عنه. قوله ع قد كان أسيرا أي في زمن من تقدم من الخلفاء. قوله ع و العمال هم المنصوبون لجباية الخراج و الجزية و الصدقات فاستعملهم اختيارا في بعض النسخ بالمثناة أي انصب من عمالك من كان مختارا عندك و الاختيار الاصطفاء أو من تختاره بعد التأمل و التفكر و في بعضها بالموحدة أي بعد اختبارك و امتحانك لهم. و قال الجوهري حباه يحبوه أي أعطاه. و قال ابن أبي الحديد أي لا تولهم محاباة لهم أو لمن يشفع لهم و لا أثره و إنعاما

  عليهم. و قال في القاموس حاباه محاباة و حباء نصره و اختصه و مال إليه فإنهما أي المحاباة و الأثرة كما هو مصرح به في بعض النسخ بدل الضمير و في بعض النسخ فإنهم و التوخي التحري و القصد قاله الجوهري. و قال القدم واحد الأقدام و القدم السابقة في الأمر يقال لفلان قدم صدق أي أثره حسنة و قال الفيروزآبادي فالقدم بمعنى الرجل مؤنثة و قول الجوهري القدم واحد الأقدام سهو صوابه واحدة. و قال في النهاية الأعراض جمع العرض و هو موضع المدح و الذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره و قيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه و حسبه و يحامي عنه أن ينتقص و يثلب و قال ابن قتيبة عرض الرجل نفسه و بدنه لا غير. و قال ابن أبي الحديد الإشراف شدة الحرص على الشي‏ء. قوله ع ما تحت أيديهم أي من أموال المسلمين مما أمروا بجبايتها أو ثلموا أمانتك كناية عن الخيانة و الثلمة الخلل في الحائط و غيره. قوله ع و ابعث العيون أي من يراقبهم و يطلع عليهم. و العين الجاسوس و الديدبان حدوة لهم أي باعث و محرض لهم و الحدو في الأصل سوق الإبل و الغناء لها. قوله ع و تحفظ من الأعوان أي من خيانة أعوان الولاة أو أعوانك في ذكر أحوال العمال بأغراضهم الفاسدة أو الأعوان هم الحاضرون عنده الذين يبعثهم إلى المواضع القريبة و ضمير بها راجع إلى الخيانة. و اكتفيت جزاء الشرط و أخذه بما أصاب من عمله استعادة ما أخذه خيانة و قال الجوهري وسمته وسما و سمة إذا أثرت فيه بسمة وكي و الهاء عوض عن الواو و قلدته عار التهمة أي جعلت العار كالقلادة في عنقه قوله ع لأن ذلك أي الخراج أو استجلابه فإن شكوا ثقلا أي ثقل الخراج المضروب عليهم أو ثقل وطأة العامل أو علة كالجراد و البرد و نحوهما و الشرب بالكسر الحظ من الماء و قال الجوهري و الجزري يقال لا تبلك عندي بالة أي لا يصيبك مني ندى و لا خير. و قال ابن ميثم البالة القليل من الماء تبل به الأرض و قال أحالت الأرض تغيرت عما كانت عليه من الاستواء فلا نتجت زرعها و لا أثمرت نخلها. و قال ابن أبي الحديد أو بالة يعني المطر. و قال في النهاية حالت الناقة و أحالت إذا حملت عاما و لم تحمل عاما و قال في الحديث إنه جعل على كل جريب عامر أو غامر درهما و قفيزا الغامر ما لم يزرع مما يحتمل الزراعة من الأرض سمي غامرا لأن الماء يغمره فهو و الغامر فاعل بمعنى مفعول انتهى. قوله ع أو أجحف بها أي ذهب به و المعنى أتلفها عطش بأن لا يكفيها الماء الموجود في الشرب أو لتقصير أو مانع حسن نياتهم أي صفاء باطنهم و ميلهم بالقلوب و في بعض النسخ ثنائهم و استفاضة العدل انتشاره. و قوله معتمدا حال من ضمير خففت أي قاصدا و الإجمام الترفيه. و قوله و الثقة النسخ متفقة على جرها فيكون معطوفا على قوله أو إجمامك.

  و قال ابن ميثم فضل نصب بالمفعول من معتمدا و الثقة معطوف على المفعول المذكور و لعله قرأ بالنصب. قوله ع فربما حدث من الأمور كاحتياجك إلى مساعدة مال يقسطونه عليهم قرضا لك أو معونة محضة و الإعواز الفقر. قوله ع على الجمع أي جمع المال لأنفسهم أو للسلطان و سوء ظنهم بالبقاء أي الإبقاء على العمل لخوف العزل أو يظنون طول البقاء و ينسون الموت و الزوال أي بالبقاء. و في النهاية العبر جمع عبرة و هي كالموعظة مما يتعظ به الإنسان و يعمل به و يعتبر ليستدل به على غيره. قوله ع فول على أمورك لعل المراد بها ما يكون لها نهاية الاختصاص بالوالي من الأمور الكلية دون الجزئية المتعلقة بالقرى و نحو ذلك فالمراد بخيرهم خير كتاب الوالي. و يمكن أن يراد بها مطلق أموره فالضمير في خيرهم عائد إلى مطلق الكتاب و الأول أظهر. قوله ع مكايدك أي تدابيرك الخفية و المعنى اجعل رسائلك المذكورة مخصوصة بمن كان منهم أشد جمعا للأخلاق الصالحة كالعلم بوجوه الآراء المصلحة و الوفاء و النصيحة و الأمانة و غيرها. و البطر الطغيان عند النعمة. قوله ع و لا تقصر به أي لا تجعله الغفلة مقصرا و قوله و فيما لعله معطوف على قوله عن إيراد يأخذ لك كالخراج أو المكاتيب التي تكون حجة لك و يعطى منك كسهام الجند أو المكاتيب التي تكون حجة لغيرك. قوله ع و لا يضعف أي إن عقد لك عقدا قواه و أحكمه و إن عقد خصومك عليك عقدا اجتهد في إدخال ما يمكن به حله و نقضه عند الحاجة فالمراد بالإطلاق إما ترك التقييد أو حل العقد. و في بعض النسخ لا يعجز بصيغة الإفعال أي لا يعجزك. و استنامتك أي ميل قلبك إليه قال الجوهري استنام إليه أي سكن إليه و اطمأن. قوله ع فإن الرجال يتعرضون قال ابن أبي الحديد و يروى يتعرفون أي يجعلون أنفسهم بحيث تعرف بالمحاسن بتصنعهم فاعمد لأحسنهم كان أي اقصد لمن كان في زمن الصالحين قبلك أحسنهم. قوله ع و لمن وليت أمره أي لإمامك. قوله ع و اجعل لرأس كل أمر قال ابن أبي الحديد نحو أن يكون أحدهم للرسائل إلى الأطراف و الأعداء و الآخر لأجوبة عمال السواد و الآخر لخاصته و نفقاته. قوله ع لا يقهره كبيرها أي لا يعجز عن القيام بحقه و لا يتشتت عليه أي لا يتفرق لكثرته و ضميرا كبيرها و كثيرها راجعان إلى الأمور. قوله ع ألزمته أي يأخذك الله و الإمام بتغافلك. قوله ع ثم استوص قال ابن أبي الحديد أي أوص نحو قر في المكان و استقر يقول استوص بالتجار خيرا أي أوص نفسك بذلك و منه قول النبي ص استوصوا بالنساء خيرا و مفعولا استوص و أوص هاهنا محذوفان للعلم بهما. و يجوز أن يكون معنى استوص أي اقبل الوصية مني بهم و أوص بهم أنت غيرك. و المضطرب يعني المسافر و الضرب السير في الأرض قال الله تعالى

  إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ. قوله ع و المترفق ببدنه أي أهل الصنائع فإنهم يتكلفون نفع الناس و نفع أنفسهم بتجشم العمل و إتعاب البدن و المرافق ما ينتفع بها و المطارح المواضع البعيدة قال الجوهري الطرح بالتحريك المكان البعيد و حيث قال ابن أبي الحديد و يروى بحذف الواو أي من مكان لا يجتمع الناس لمواضع تلك المنافع منه و لا يجترءون عليها فيه كالبحار و الجبال و نحوهما. و الضمير في مواضعها و عليها يعود إلى المنافع. قوله ع فإنهم سلم أي و لو أسلم و صلح لا يتخوف منهم إفساد في دولة و لا خيانة في مال و البائقة الداهية و قيل الظلم. و الغائلة الشر و حواشي البلاد أطرافها و الشح البخل أو الحرص و الحكر الجمع و الإمساك و الاحتكار الحبس انتظارا للغلاء و سيأتي أحكام الاحتكار في محلها. و قال في القاموس تحكم في الأمر جار فيه حكمه و قال البياعة بالكسر السلعة و الجمع بياعات و لفظ و عيب في بعض النسخ مذكور بالرفع عطفا على باب و في بعضها بالجر عطفا على مضرة و سمح بكذا سمحا بالفتح أي جاد و أعطى أو وافق على ما أريد منه و المراد هنا إما ترك البخس في المكيال و الميزان فالمراد بقوله بموازين عدل عدم النقص في أصل الميزان و يحتمل التأكيد. أو المراد بالسمح إعطاء الراجح قليلا أو الرفق بالمشتري و ترك الخشونة على الاستحباب و إن كان الظاهر الوجوب و قارفه أي قاربه و خالطه. و المراد بالتنكيل و المعاقبة في غير إسراف التعزير على قدر المصلحة. قوله ع ثم الله الله أي اذكر الله و اتقه و الحيلة الحذق في تدبير الأمور و أهل البؤسى لفظ أهل غير موجود في أكثر النسخ. و البؤسى مصدر كالنعمى و هي شدة الحاجة فلا يصح عطفه على المساكين و المحتاجين إلا بتقدير و أما الزمنى فهو جمع زمن فيكون معطوفا على أهل البؤسى لا البؤسى و سيأتي تفسير القانع و المعتر و احفظ لله أي اعمل بما أمر الله به في حقهم أو اعمل بما أمرك به من ذلك لله. و قال في النهاية الصوافي الأملاك و الأراضي التي جلا عنها أهلها أو ماتوا و لا وارث لها واحدها صافية. قال الأزهري يقال للضياع التي يستخلصها السلطان لخاصته الصوافي و به أخذ من قرأ فاذكروا اسم الله عليها صوافي أي خالصة لله تعالى انتهى. و لعل المراد بالقسم من بيت المال في قوله ع و اجعل لهم قسما من بيت مالك هو السهم المفروض لهم من الزكوات و الأخماس و بالقسم من غلات الصوافي ما يكفيهم لسد خلتهم من خاصة الإمام ع من الفي‏ء و الأنفال تبرعا و يحتمل شموله لبيت المال أيضا. و المراد بالأقصى من بعد من بلد الوالي و قيل من بعد من جهة الأنساب

  و الأسباب منه و قيل أي لا تصرف ما كان من الصوافي في بعض البلاد على مساكين ذلك البلد خاصة فإن لغيرهم فيها مثل حقهم و كل قد استرعيت حقه أي أمرك الله برعاية حقه. قوله ع و لا يشغلنك عنهم نظر أي تفكر في أمر آخر و اهتمام به و في بعض النسخ بطر بالباء و الطاء المهملة أي مرح و طغيان. و التافه الحقير. قوله لأحكامك في أكثر النسخ بفتح الهمزة و يمكن أن يقرأ بالكسر و لعله أنسب كما لا يخفى و الإشخاص الإخراج و لا تصعر خدك لهم أي لا تمل وجهك عن الناس تكبرا ممن تقتحمه العيون أي تزدريه و تحتقره و تحقر بالتخفيف و كسر القاف أي تستحقره و في بعض النسخ على التفعيل ففرغ لأولئك ثقتك أي عين لرفع أمورهم إليك رجلا من أهل الخشية لله و التواضع لهم أو لله أو الخشية لله و التواضع للإمام أو لك ثم اعمل فيهم أي اعمل في حقهم بما أمر الله به بحيث تكون ذا عذر عنده إذا سألك عن فعلك بهم. قوله ع و تعهد أهل اليتم و ذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له قال الجوهري الرقق محركة الضعف و رجل رقيق أي ضعيف و قال ابن ميثم أي المشايخ الذين بلغوا في الشيخوخة إلى أن رق جلدهم ثم ضعف حالهم عن النهوض فلا حيلة لهم. و قال الكيدري أي الذين بلغوا في السن غاية يرق لهم و يرحم عليهم و لا ينصب نفسه أي حياء أو ثقة بالله. قوله ع و العاقبة في بعض النسخ بالقاف و الباء الموحدة. و في بعضها بالفاء و الياء المثناة فصبروا أنفسهم بالتخفيف و التشديد. قال في النهاية أصل الصبر الحبس و قال تعالى وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ. و قال الفيروزآبادي صبره طلب منه أن يصبر. قوله ع قسما أي من أوقاتك تفرغ لهم فيه شخصك أي لا تشتغل فيه بسائر الأشغال و تقعد عنهم جندك أي تنهاهم عن التعرض لهم و الدخول في أمورهم و الأحراس جمع حارس أي الحفظة و قال في النهاية شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده و الشرطة أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة. و أيضا قال ابن الأثير في مادة تعتع من النهاية فيه حتى يؤخذ للضعيف حقه غير متعتع بفتح التاء أي من غير أن يصيبه أذى يقلقله و يزعجه يقال تعتعته فتتعتع و غير منصوب لأنه حال من الضعيف انتهى. قوله ع لن تقدس أي لن تطهر عن العيوب و النقائص و هو على المجهول من التفعيل و المعلوم من التفعل و الخرق الجهل و كذلك العي أي تحمل عنهم و لا تعاتبهم و الضيق التضييق عليهم في الأمور أو البخل أو ضيق الصدر بما يرد من الأمور أو العجز و الأنف بالتحريك الامتناع من الشي‏ء استكبارا و الكنف بالتحريك الجانب و الناحية و الإعطاء الهني‏ء ما لم يكن مشوبا بالمن و الأذى و نحو ذلك و يقال أجملت الصنيعة عند فلان و أجمل في صنيعه ذكره الجوهري و أعذر أي أبدى عذره. و قوله أمور مبتدأ خبره محذوف أي هناك أمور و في الصحاح و عيي إذا لم يهتد لوجهه و العي خلاف البيان و قد عي في منطقه و عيي أيضا و قال مكان حرج و حرج أي ضيق و قد حرج صدره يحرج حرجا. قوله ع بالغا من بدنك أي و إن أتعبك ذلك تعبا كثيرا. قوله ع فلا تكونن منفرا أي بالتطويل الذي يوجب نفرة الناس و لا مضيعا بالتأخير عن أوقات الفضيلة و التقصير في الآداب و التعليل للأول.

  و قوله ع و كن بالمؤمنين رحيما من تتمة الحديث النبوي ص أو من كلامه ع و رجح ابن أبي الحديد الثاني قوله ع من الضيق أي البخل أو ضيق الخلق أو غيرهما مما تقدم و قلة علم أي سبب لها و الاحتجاب منهم الضمير للولاة أي الناشئ منهم أو للرعية فمن بمعنى عن و ضمير عنهم للولاة قطعا و كذا ضمير عندهم أي يصير سببا لأن يتوهموا كبير الأمور بتسويل الأعوان و أصحاب الأغراض صغيرا و كذا العكس ما توارى عنه الناس أي استتر و الضمير في عنه راجع إلى الوالي و في به إلى ما و من الأمور بيان له. قوله ع و ليست على الحق سمات أي ليست على الحق و الباطل من الكلام علامات يعرفان بها بمجرد السماع فلا بد من التجسس حتى يتميزا. و في النهاية أسدى و أولى و أعطى بمعنى و المظلمة ما تطلبه من الظالم و هو اسم ما أخذ منك و الاستيثار الاستبداد بالأمور و التطاول الترفع و الحامة الخاصة و حامة الرجل أقرباؤه و في النهاية الأقطاع يكون تمليكا و غير تمليك و في الصحاح أقطعه قطيعة أي طائفة من أرض الخراج و في القاموس القطيعة محال بغداد قطعها المنصور أناسا من أعيان دولته. قوله ع و لا يطمعن فاعله ضمير أحد المتقدم و العقدة بالضم الضيعة و العقار الذي اعتقده صاحبه ملكا و العقدة المكان الكثير الشجر أو النخل كذا في كتب اللغة. و قال ابن ميثم اعتقد الضيعة اقتناها و قال ابن أبي الحديد اعتقدت عقدة أي ادخرت ذخيرة. و لم نجدها في كلام أهل اللغة و لا يخفى عدم مناسبة ما ذكره ابن أبي الحديد و قال في النهاية كل أمر يأتيك من غير تعب فهو هني‏ء و لك المهنأ و المهنأ قوله ع و كن في ذلك قال ابن ميثم الواو في و كن للحال و كذا واقعا حال أقول و في الأول نظر و الحاصل ألزم الحق كل من لزم عليه أي حق كان من ظلامة أو حد أو قصاص و على أي امرئ كان من قرابتك و خواصك و ابتغ عاقبته أي عاقبة ذلك الإلزام. و في القاموس الغب بالكسر عاقبة الشي‏ء كالمغبة بالفتح. قوله ع فأصحر لهم أي أظهر لهم عذرك يقال أصحر الرجل إذا خرج إلى الصحراء و أصحر به إذا أخرجه و اعدل عنك في بعض النسخ بقطع الألف على بناء الإفعال و في بعضها بالوصل على بناء المجرد فعلى الأول من عدل بمعنى حاد و على الثاني من عدله أي نحاه فإن في ذلك إعذارا أي إظهارا للعذر و الدعة الخفض و سعة العيش و الهاء عوض عن الواو. و مقاربة العدو إظهاره المودة و طلبه الصلح و يتغفل أي يطلب غفلتك و الحزم الأخذ في الأمر بالثقة و اتهام حسن الظن ترك العمل بمقتضاه. و في النهاية العقدة البيعة المعقودة و قال حاطه يحوطه حفظه و صانه. قوله ع و اجعل نفسك جنة أي لا تغدر و لو ذهبت نفسك. فإنه ليس من فرائض الله شي‏ء. قال ابن أبي الحديد شي‏ء اسم ليس و جاز ذلك و إن كان نكرة لاعتماده على النفي و لأن الجار و المجرور قبله في موضع الحال كالصفة فتخصص بذلك و قرب من المعرفة و الناس مبتدأ و أشد خبره و هذه الجملة المركبة من مبتدإ و خبر في موضع رفع لأنها صفة شي‏ء. و أما خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء فمحذوف و تقديره في الوجود

  كما حذف الخبر في قولنا لا إله إلا الله. و يمكن أيضا أن يكون من فرائض الله في موضع رفع لأنه خبر المبتدإ و قد تقدم عليه و يكون موضع الناس و ما بعده رفعا لأنه صفة المبتدإ الذي هو شي‏ء كما قلناه أولا و ليس يمتنع أيضا أن يكون من فرائض الله منصوب الموضع لأنه حال و يكون موضع الناس أشد رفعا لأنه خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء. قوله ع و قد لزم ذلك أي لزم المشركون مع شركهم الوفاء بالعهود و صار ذلك سنة لهم فالمسلمون أولى باللزوم و الوفاء. قوله ع لما استوبلوا أي عدوا عواقب الغدر وبالا. قال في النهاية الوبال في الأصل الثقل و المكروه و استوبلوا المدينة أي استوخموها و قال فيه إني لا أخيس بالعهد أي لا أنقضه يقال خاس بعهده يخيس و خاس بوعده إذا أخلفه و قال ختله يختله خدعه و راوغه. و قال ابن ميثم أفضاه بسطه و استفاض الماء سال و قال في القاموس فضا المكان فضاء و فضوا اتسع و المنعة بالتحريك العز و قد يسكن. قوله ع و حريما يسكنون إلى منعته و يستفيضون إلى جواره قال ابن أبي الحديد إلى هاهنا متعلق بمحذوف كقوله تعالى فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ أي مرسلا إليه أي جعل الله ذمته أمنا ينتشرون في طلب حوائجهم ساكنين إلى جواره و في الصحاح الدغل بالتحريك الفساد يقال قد أدغل في الأمر إذا أدخل فيه ما يخالفه و يفسده و قال المدالسة كالمخادعة. قوله ع تجوز فيه العلل أي يتطرق إليه التأويلات و المعاذير و في النهاية اللحن الميل عن جهة الاستقامة يقال لحنت لفلان إذا قلت له قولا يفهمه و يخفى على غيره لأنك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم. و المعنى لا تنقض العهود و المواثيق تمسكا بالتأويلات أو لا تقبل من الخصم ذلك و يحتمل الأعم. و الانفساخ في بعض النسخ بالخاء المعجمة من الفسخ و هو النقض و في بعضها بالمهملة و هو الاتساع. قوله ع لا تسقيل فيها أي لا تكون لك إقالة في الدنيا و لا في الآخرة. قوله ع و انقطاع مدة كمدة العمر و السلطنة و سعة العيش و ينقله أي إلى غيرك و القود القصاص و الوكز الضرب بجمع الكف أو مطلقا و المعنى أنه قد يؤدي أمثالها إلى القتل. و قال الجوهري طمح بصره إلى الشي‏ء ارتفع و كل مرتفع فهو طامح و أطمح فلان بصره رفعه و المعنى لا يمنعك كبر السلطنة عن أداء الدية و ظاهره ثبوت الدية في الخطإ في إقامة التعزير مطلقا و اختلف فيه الأصحاب فقيل لا يضمن مطلقا. و قيل يضمن في بيت المال إذا كان الحد للناس فلو كان لله لم يضمن و قد يقال الخلاف إنما هو في التعزير فإن تقديره منوط بالاجتهاد لا الحد فإنه مقدر و سيأتي تمام الكلام فيه في محله. و أعجب فلان بنفسه على بناء المفعول إذا ترفع و سر بما رأى من نفسه و أطريت فلانا مدحته بأحسن ما فيه و قيل جاوزت الحد في مدحه. قوله ع من أوثق فرص الشيطان في نفسه أي اعتماد الشيطان في الإضلال بزعمه على هذا النوع من الفرصة أشد من اعتماده على سائر الأنواع و المحق الإبطال و التزيد في الحديث الكذب و المراد هنا أن تعطي أحدا واحدا فتقول أعطيته عشرة أو التساقط فيها قال ابن أبي الحديد هذا عبارة عن النهي عن الحرص و الجشع قال الشنفري

و إن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل.

 و هذا أخذه من قول الجوهري تساقط على الشي‏ء أي ألقى نفسه عليه إلا أنه عداه بعلى كما ترى و حينئذ لا يكون مقابلا للفقرة الأولى بل عينها و لا يخلو عن بعد بقرينة ما بعدها و الظاهر أن التساقط في الأمر التقصير و التكاسل فيها كما ذكره ابن ميثم. و قال الفيروزآبادي التنكر التغير عن حال تسرك إلى حال تكرهها و الاسم النكير. و قال الجوهري استوضحت الشي‏ء إذا وضعت يدك على عينك تنظر هل تراه و استوضحه الأمر إذا سألته أن يوضحه لك انتهى. فعلى ما في بعض النسخ من بناء المجهول فالمعنى واضح أي إذا تأملت فيها و استعملته و تيقنته و في بعضها على بناء المعلوم. و قال ابن أبي الحديد أي وضحت و انكشفت و لم أجده في كلام أهل اللغة. قوله ع و التغابي عما تعني به أي التغافل عما تفعله خواصك أو مطلقا من الأمور المنكرة فإنك تقصد به و تؤخذ منك للمظلوم و تعاقب عليه مما قد وضح للعيون لعل تخصيص هذا النوع لكونه أشنع أو لأنه لا ينبغي للوالي تجسس العيوب و المعاصي الخفية. و قال ابن ميثم أي التغافل عما يجب العلم و العناية به من حقوق الناس المأخوذة ظلما مما قد وضح للعيون إهمالك انتهى. و لا يخفى أنه إنما يستقيم تفسير ابن ميثم إذا كان يعني بصيغة المذكر الغائب لا بالخطاب كما فيما عندنا من النسخ. و مأخوذ منك لغيرك أي تعاقب عليه مع أنك لم تنتفع به بل انتفع به غيرك و يمكن أن يكون المراد بالغير المظلوم و عما قليل أي مجاوزا عن زمان قليل و ما زائدة أو نكرة موصوفة ينتصف منك أي ينتقم بالعدل و قال في النهاية في حديث معقل بن يسار فحمي من ذلك أنفا يقال أنف من الشي‏ء يأنف أنفا إذا كرهه و شرفت نفسه عنه و أراد به هاهنا أخذته الحمية من الغيرة و الغضب و قيل هو أنفا بسكون النون للعضو أي اشتد غضبه و غيظه من طريق الكناية كما يقال للمتغيظ ورم أنفه و السورة الحدة و الشدة و الإضافة للمبالغة. و السطوة الصولة. و البادرة من الكلام الذي يسبق من الإنسان في الغضب. و الأثر بالتحريك اسم من آثرت الحديث أي نقلته. و استوثقت أي استحكمت و تسرع إلى الأمر عجل على إعطاء كل رغبة. قال ابن أبي الحديد الرغبة مصدر رغب في كذا كأنه قال القادر على إعطاء كل سؤال أي كل سائل ما سأله و روي و كل رغيبه أي ما يرغب فيه من الإقامة على العذر و لعل المعنى على الجواب الواضح في كل ما سألنا الله عنه من حقوقه و حقوق خلقه و صاحب العذر بهذا المعنى لا يكون مذنبا. و قال ابن ميثم يحتمل أن يكون العذر اسما من الإعذار إلى الله و هو المبالغة في الإتيان بأوامره فكأنه قال من الإقامة على المبالغة إليه في أداء أوامره انتهى. و في كون العذر اسما من أعذر كما ذكره إشكال و تمام النعمة عطف على قوله ما فيه أي لتمام نعمته علي و تضاعف كرامته لدي و توفيقنا للأعمال الصالحة التي نستوجبهما بها. كذا قيل و الأظهر أنه عطف على حسن الثناء و إنما اكتفينا بهذا القدر من البيان إيثارا للاختصار و إلا فالمجلدات لا تفي بشرحه

745-  جش، ]الفهرست للنجاشي[ ابن نوح عن علي بن الحسين بن سفيان عن علي بن أحمد بن علي بن حاتم عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن جابر قال سمعت السبيعي ذكر ذلك عن صعصعة قال لما بعث ع مالكا الأشتر واليا على أهل مصر كتب إليهم من عبد الله أمير المؤمنين إلى نفر من المسلمين سلام عليكم إني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد بعثت إليكم عبدا من عبيد الله لا ينام أيام الخوف و لا ينكل عن الأعداء حراز الدوائر لا ناكل من قدم و لا واهن في عزم من أشد عباد الله بأسا و أكرمهم حسبا أضر على الكفار من حريق النار و أبعد الناس من دنس أو عار و هو مالك بن الحرث أخا مذحج حسام صارم لا نابي الضريبة و لا كليل الحد عليم في الجد رزين في الحرب ذو رأي أصيل و صبر جميل فاسمعوا له و أطيعوا أمره فإن أمركم بالنفر فانفروا و إن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لا يقدم و لا يحجم إلا بأمري و قد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم و شدة شكيمته على عدوكم عصمكم الله بالتقوى و زينكم بالمغفرة و وفقنا و إياكم لما يحب و يرضى و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 بيان قوله ع حراز الدوائر في أكثر النسخ بالحاء المهملة ثم الراء المهملة ثم المعجمة أي الحارس في الدوائر أو جلابها من قولهم أحرز الأجر إذا حازه و الدائرة الغلبة بالنصر و الظفر و في بعضها بالجيم و المهملتين و هو أنسب و في بعضها بالجيم ثم المعجمة ثم المهملة و هو أيضا مناسب أي القتال في الدوائر

746-  و روى هذا المكتوب الثقفي رحمه الله في كتاب الغارات، عن الشعبي عن صعصعة و فيه حذار الدوائر و هو أظهر و فيه و هو مالك بن الحارث الأشتر حسام صارم لا نابي الضريبة و لا كليل الحد حليم في السلم رزين في الحرب إلى قوله و قد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم و شدة شكيمه على عدوكم عصمكم الله بالهدى و ثبتكم بالتقوى و وفقنا