باب 1- عموم أحوال الحيوان و أصنافها

 الآيات الأنعام وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ النحل وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ و قال تعالى أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأنبياء وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَ كُنَّا فاعِلِينَ النور أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ و قال تعالى وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ النمل وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ   يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ إلى قوله تعالى وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إلى قوله سبحانه قال سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ العنكبوت وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لقمان وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ ص وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ الزخرف وَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها الجاثية وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ الملك أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَ يَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ بَصِيرٌ التكوير وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ الفيل أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ إلى آخر السورة. تفسير قال الطبرسي قدس سره في قوله تعالى وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ أي ما من حيوان يمشي على وجه الأرض وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ جمع بهذين اللفظين جميع الحيوانات لأنها لا تخلو أن تكون تطير بجناحيه أو تدب و إنما قال يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ للتوكيد و رفع اللبس لأن القائل قد يقول طر في حاجتي أي أسرع فيها أو لأن السمك تطير في الماء و لا جناح لها و إنما خرج السمك عن الطائر لأنه من دواب البحر و إنما أراد تعالى ما في الأرض و ما في الجو   و أقول قيل إنها تشمل الحيتان أيضا إما بدخولها في الأول لأنها تدب في الماء أو في الثاني و لا يخفى بعدهما. و قال الرازي في قوله إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ قال الفراء يقال كل صنف من البهائم أمة و جاء في الحديث لو لا أن الكلاب أمة تسبح لأمرت بقتلها فجعل الكلاب أمة إذا ثبت هذا فنقول الآية دلت على أن هذه الدواب و الطيور أمثالنا و ليس فيها ما يدل على أن هذه المماثلة في أي المعاني حصلت و لا يمكن أن يقال المراد حصول المماثلة من كل الوجوه و إلا لكان يجب كونها أمثالنا في الصورة و الصفة و الخلقة و ذلك باطل فظهر أنه لا دلالة في الآية على أن تلك المماثلة حصلت في أي الأحوال و الأمور فاختلف الناس في تفسير الأمر الذي حكم الله فيه بالمماثلة بين البشر و بين الدواب و الطيور و ذكروا فيه أقوالا. الأول نقل الواحدي عن ابن عباس أنه قال يريد يعرفونني و يوحدونني و يسبحونني و يحمدونني و إلى هذا القول ذهبت طائفة عظيمة من المفسرين و قالوا إن هذه الحيوانات تعرف الله و تحمده و تسبحه و احتجوا عليه بقوله وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ و بقوله في صفة الحيوانات كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ و لأنه تعالى خاطب النمل و الهدهد. و عن أبي الدرداء قال أبهمت عقول البهم عن كل شي‏ء إلا أربعة أشياء   معرفة الإله و طلب الرزق و معرفة الذكر و الأنثى و تهيأ كل واحد منهما لصاحبه.

 و روي عن النبي ص أنه قال من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعج إلى الله تعالى يقول يا رب إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي و لم يدعني فآكل من حشارة الأرض

الثاني أن المراد كونها أمثالكم في كونها أمما و جماعات و في كونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا و يأنس بعضها ببعض و يتوالد بعضها من بعض إلا أن للسائل أن يقول حمل الآية على هذا الوجه لا يفيد فائدة معتبرة إذ معلوم لكل أحد كونها كذلك. الثالث أن المراد أنها أمثالنا في أن دبرها الله تعالى و خلقها و تكفل برزقها و هذا يقرب من القول الثاني فيما ذكر. الرابع أن المراد أنه تعالى كما أحصى في الكتاب كل ما يتعلق بأحوال البشر من العمر و الرزق و الأجل و السعادة و الشقاوة فكذلك أحصى في الكتاب جميع هذه الأحوال في حق كل الحيوانات قالوا و الدليل عليه قوله تعالى ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ. و الخامس أنه أراد تعالى أنها أمثالها في أنها تحشر يوم القيامة و توصل إليها حقوقها كما روي عن النبي ص أنه قال يقتص للجماء من القرناء. السادس ما رواه الخطابي عن سفيان بن عيينة أنه لما قرأ هذه الآية قال ما في الأرض آدمي إلا و فيه شبه من بعض البهائم فمنهم من يقدم إقدام الأسد و منهم من يعدو عدو الذئب و منهم من ينبح نباح الكلب و منهم من يتطوس   كفعل الطاوس و منهم من يشبه الخنزير فإنه لو ألقي إليه الطعام الطيب تركه و إذا أقام الرجل عن رجيعة ولغت فيه و كذلك نجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها فإن أخطأت مرة واحدة حفظها و لم يجلس مجلسا إلا رواه عنه. ثم قال فاعلم يا أخي أنك إنما تعاشر البهائم و السباع فبالغ في الاحتراز. ثم قال ذهب القائلون بالتناسخ إلى أن الأرواح البشرية إن كانت سعيدة مطيعة لله موصوفة بالمعارف الحقة و بالأخلاق الطاهرة فإنها بعد موتها تنقل إلى أبدان الملوك فربما قالوا إنها تنقل إلى مخالطة عالم الملائكة و إن كانت شقية جاهلة عاصية فإنها تنقل إلى أبدان الحيوانات و كلما كانت تلك الأرواح أكثر شقاوة و استحقاقا للعذاب نقلت إلى بدن حيوان أخس و أكثر تعبا و شقاء و احتجوا على صحة قولهم بهذه الآية فقالوا صريح هذه الآية يدل على أنه لا دابة و لا طير إلا و هي أمم أمثالنا و لفظ المماثلة يقتضي حصول المساواة في جميع الصفات الذاتية و أما الصفات العرضية المفارقة فالمساواة فيها غير معتبرة في حصول المماثلة. ثم إن القائلين بهذا القول زادوا عليه و قالوا قد ثبت بهذا أن أرواح جميع الحيوانات عارفة بربها و عارفة بما تحصل لها من السعادة و الشقاوة و أن الله تعالى أرسل إلى كل جنس منها رسولا من جنسها. و احتجوا عليه بأنه ثبت بهذه الآية أن الدواب و الطيور أمم ثم إنه تعالى قال وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ و ذلك تصريح بأن لكل طائفة من هذه الحيوانات رسولا أرسله الله إليه ثم أكدوا ذلك بقصة الهدهد و النمل و سائر القصص المذكورة في القرآن. و اعلم أن القول بالتناسخ قد أبطلناه بالدلائل الجيدة في علم الأصول و أما   هذه الآية فقد ذكرنا أنه يكفي في ضبط حصول المماثلة في بعض الأمور المذكورة فلا حاجة إلى إثبات ما ذكره أهل التناسخ انتهى. و قال الطبرسي رحمه الله إِلَّا أُمَمٌ أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يشتمل كل صنف على العدد الكثير عن مجاهد أَمْثالُكُمْ قيل يريد أشباهكم في إبداع الله إياها و خلقه لها و دلالته على أن لها صانعا و قيل إنما مثلت الأمم من غير الناس بالناس في الحاجة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم و أكلهم و لباسهم و نومهم و يقظتهم و هدايتهم إلى مراشدهم إلى ما لا يحصى كثرة من أحوالهم و مصالحهم و أنهم يموتون و يحشرون و بين بهذا أنه لا يجوز للعباد أن يتعدوا في ظلم شي‏ء منها فإن الله خالقها و المنتصف لها. ثم قال في قوله سبحانه إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ معناه يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض منها و ينتصف لبعضها من بعض. و فيما رووه عن أبي هريرة أنه قال يحشر الله الخلق يوم القيامة البهائم و الدواب و الطير و كل شي‏ء فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني ترابا فلذلك يقول الكافر يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

 و عن أبي ذر قال بينا أنا عند رسول الله ص إذا انتطحت عنزان فقال النبي ص أ تدرون فيم انتطحا فقالوا لا ندري قال لكن الله يدري   و سيقضي بينهما و على هذا فإنما جعلت أمثالنا في الحشر و القصاص

و استدلت جماعة من أهل التناسخ بهذه الآية على أن البهائم و الطيور مكلفة لقوله أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ و هذا باطل لأنا قد بينا أنها من أي جهة تكون أمثالنا و لو وجب حمل ذلك على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها على مثل صورنا و هيئاتنا و خلقتنا و أخلاقنا فكيف يصح تكليف البهائم و هي غير عاقلة و التكليف لا يصح إلا مع كمال العقل انتهى. و قال الرازي للفضلاء فيه قولان. الأول أنه تعالى يحشر البهائم و الطيور لإيصال الأعواض إليها و هو قول المعتزلة و ذلك لأن إيصال الآلام إليها من غير سبق جناية لا يحسن إلا للعوض و لما كان إيصال العوض إليها واجبا فالله تعالى يحشرها ليوصل تلك الأعواض إليها. و القول الثاني قول أصحابنا إن الإيجاب على الله تعالى محال بل الله يحشرها بمجرد الإرادة و المشية و مقتضى الإلهية. و احتجوا على أن القول بوجوب العوض على الله تعالى باطل بأمور. الأول أن الوجوب عبارة عن كونه مستلزما للذم عند الترك و كونه تعالى مستلزما للذم محال لأنه كامل لذاته و الكامل لذاته لا يعقل كونه مستحقا للذم بسبب أمر منفصل لأن ما يكون لازما بالذات لا يبطل عند عروض أمر من الخارج. الثاني أنه لو حسن إيصال الضرر إلى الغير لأجل العوض لوجب أن يحسن منا إيصال المضار إلى الغير لأجل التزام العوض من غير رضاه و ذلك باطل فثبت أن القول بالعوض باطل. إذا عرفت هذا فلنذكر بعض التفاريع الذي ذكرها القاضي في هذا الباب.   الأول قال كل حيوان استحق العوض عن الله مما لحقه من الآلام و كان ذلك العوض لم يصل إليه في الدنيا فإنه يجب على الله حشره في الآخرة ليوفر عليه العوض و الذي لا يكون كذلك فإنه لا يجب حشره عقلا إلا أنه تعالى أخبر أنه يحشر الكل فمن حيث السمع يقطع بذلك و إنما قلنا إن في الحيوانات من لا يستحق العوض البتة لأنه ربما بقيت مدة حياتها مصونة عن الآلام ثم إنه تعالى يميتها من غير إيلام أصلا فإنه لم يثبت بالدليل أن الموت لا بد و أن يحصل معه شي‏ء من الآلام و على هذا التقدير فإنه لا يستحق العوض البتة. الثاني كل حيوان أذن الله في ذبحه فالعوض على الله و هي على أقسام. منها ما أذن في ذبحها لأجل الأكل و منها ما أذن في ذبحها لأجل كونها مؤذية مثل السباع العادية و الحشرات المؤذية و منها ما أوذي بالأمراض. و منها ما أذن الله في حمل الأحمال الثقيلة عليها و استعمالها بالأفعال الشاقة و أما إذا ظلمها الناس فذلك العوض على ذلك الظالم و إذا ظلم بعضها بعضا فذلك العوض على ذلك الظالم. فإن قيل إذا ذبح ما يؤكل لحمه لا على وجه التذكية فعلى من العوض. أجاب بأن ذلك ظلم و العوض على الذابح و لذلك نهى النبي ص عن ذبح الحيوان إلا لأكله. الثالث المراد من العوض منافع عظيمة بلغت في الجلالة و الرفعة إلى حيث لو كانت هذه البهيمة عاقلة و علمت أنه لا سبيل لها إلى تحصيل تلك المنفعة إلا بواسطة تحمل ذلك الذبح فإنها كانت ترضى به فهذا هو العوض الذي لأجله يحسن الإيلام و الإضرار.

    الرابع مذهب القاضي و أكثر معتزلة البصرة أن العوض منقطع قال القاضي و هو قول أكثر المفسرين لأنه قال إنه تعالى بعد توفير العوض عليها يجعلها ترابا و عنده يقول الكافر يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً. قال أبو القاسم يجب كون العوض دائما. و احتج القاضي على قوله بأنه يحسن من الواحد منا أن يلتزم عملا شاقا لمنفعة منقطعة فعلمنا أن إيصال الألم إلى الغير غير مشروط بدوام الأجر. و احتج البلخي على قوله بأن قال لا يمكن قطع ذلك العوض إلا بإماتة تلك البهيمة و إماتتها توجب الألم و ذلك الألم يوجب عوضا آخر و هكذا إلى ما لا آخر له. و الجواب عنه أنه لم يثبت بالدليل أن الإماتة لا يمكن تحصيلها إلا مع الإيلام. الخامس أن البهيمة إذا استحقت على بهيمة أخرى عوضا فإن كانت البهيمة الظالمة قد استحقت على الله عوضا فإن الله تعالى ينقل ذلك العوض إلى المظلوم و إن لم يكن الأمر كذلك فالله تعالى يكمل هذا العوض فهذا مختصر من أحكام الأعواض على قول المعتزلة انتهى كلامه في هذا المقام. و قال في قوله تعالى وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ قد ذكرنا أن السجود على نوعين سجود هو عبادة كسجود المسلمين لله و سجود عبارة عن الانقياد و الخضوع و يرجع حاصل هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود و العدم قابلة لهما فإنه لا يرجح   أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح فمن الناس من قال المراد هنا المعنى الثاني لأن اللائق بالدابة ليس له إلا هذا السجود و منهم من قال المراد هو المعنى الأول لأنه اللائق بالملائكة و منهم من قال هو لفظ مشترك و حمل المشترك على معنييه جائز و هو ضعيف. و قال في قوله تعالى أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ هذا دليل آخر على كمال قدرة الله تعالى و حكمته فإنه لو لا أنه تعالى خلق الطير خلقة معها يمكنه الطيران و خلق الجو خلقة معها يمكن الطيران فيها لما أمكن ذلك فإنه تعالى أعطى الطير جناحا يبسطه مرة و يكسره أخرى مثل ما يعمل السابح في الماء و خلق الهواء خلقة لطيفة رقيقة يسهل خرقه و النفاذ فيه و لو لا ذلك لما كان الطيران ممكنا ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ المعنى أن جسد الطير جسم ثقيل و الجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقا من غير دعامة تحته و لا علاقة فوقه فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجو هو الله تعالى قال القاضي إنما أضاف الله تعالى هذا الإمساك إلى نفسه لأنه تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لأجلها يتمكن الطير من تلك الأفعال فلما كان تعالى هو السبب لذلك لا جرم صحت الإضافة انتهى. قوله تعالى وَ الطَّيْرَ أي و الطير أيضا تسبح و قد مر أن تسبيحها إما محمول على الحقيقة بناء على شعورها أو جعلها الله في هذا الوقت ذات شعور معجزة لداود ع أو تسبيحها بلسان الحال كما مر في تسبيح الجمادات أو هو من السباحة قال الرازي و أما الطير فلا امتناع في أن يصدر عنها الكلام و لكن أجمعت الأمة على   أن المكلفين إما الجن أو الإنس أو الملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون حاله كحال الطفل في أن يؤمر و ينهى و إن لم يكن مكلفا فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المرافق. و قال الطبرسي رحمه الله تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه ما يجوز على العباد عن الجبائي و علي بن عيسى و قيل إن الطير كانت تسبح معه بالغداة و العشي معجزة له عن وهب وَ كُنَّا فاعِلِينَ أي قادرين على فعل هذه الأشياء ففعلناها دلالة على نبوته. قوله سبحانه أَ لَمْ تَرَ قال الرازي أي أ لم تعلم و ظاهره الاستفهام و المراد به التقرير و البيان. و اعلم أنه إما أن يكون المراد من التسبيح دلالته بهذه الأشياء على كونه تعالى منزها عن النقائص موصوفا بنعوت الجلال و إما أن يكون المراد منه في حق البعض الدلالة على التنزيه و في حق الباقين النطق باللسان و الأول أقرب و أما القسم الثالث فهو أن يقال استعمل اللفظ الواحد في الحقيقة و المجاز معا و هو غير جائز فلم يبق إلا الأول. فإن قيل فالتسبيح بهذا المعنى حاصل لجميع المخلوقات فما وجه تخصيصه هنا بالعقلاء. قلنا لأن خلقة العقلاء أشد دلالة على وجود الصانع سبحانه لأن العجائب فيها أكثر.

    و لما ذكر أن أهل السماوات و أهل الأرض يسبحون ذكر أن الذين استقروا في الهواء و هو الطير يسبحون و ذلك لأن إعطاء الجرم الثقيل القوة التي تقوى بها على الوقوف في جو السماء صافة باسطة أجنحتها بما فيها من القبض و البسط من أعظم الدلائل على قدرة الصانع المدبر سبحانه و جعل طيرانها سجودا منها له سبحانه و ذلك يؤكد ما ذكرناه أن المراد من التسبيح دلالة هذه الأمور على التنزيه لا النطق اللساني كُلٌّ قَدْ عَلِمَ أي علم الله و يدل عليه قوله وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ و هو اختيار جمهور المتكلمين. و الثاني أن يعود الضمير في علم و الصلاة و التسبيح على لفظ كل أي أنهم يعلمون ما يجب عليهم من الصلاة و التسبيح. و الثالث أن تكون الهاء راجعة إلى الله يعني قد علم كل مسبح و كل مصل صلاته التي كلفه إياها و على هذين التقديرين فقوله وَ اللَّهُ عَلِيمٌ استئناف

 و روي عن أبي ثابت قال كنت جالسا عند أبي جعفر الباقر ع فقال لي أ تدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس و بعد طلوعها قال فإنهن يقدسن ربهن و يسألنه قوت يومهن

و استبعد المتكلمون ذلك فقالوا الطير لو كانت عارفة بالله لكانت كالعقلاء الذين يفهمون كلامنا و إشارتنا لكنها ليست كذلك فإنا نعلم بالضرورة أنها أشد نقصانا   من الصبي الذين لا يعرف هذه الأمور فبأن يمتنع ذلك فيها أولى و إذا ثبت أنها لا تعرف الله استحال كونها مسبحة له بالنطق فثبت أنها لا تسبح الله إلا بلسان الحال. ثم ذكر كثيرا من الحيل الدقيقة الصادرة عن الحيوانات كما سيأتي و استدل بها على شعورها و عقلها ثم قال و الأكياس من العقلاء يعجزون عن أمثال هذه الحيل فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال إنها ملهمة عن الله سبحانه بمعرفته و الثناء عليه و كانت غير عارفة بسائر الأمور التي يعرفها الناس و لله در شهاب السمعاني حيث قال جل جناب العز و الجلال عن أن يوزن بميزان الاعتزال. و قال في قوله سبحانه وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ في هذه الآية سؤالات الأول قال الله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ مع أن كثيرا من الحيوانات غير مخلوقة من الماء كالملائكة و هو أعظم المخلوقات عددا و أنهم مخلوقون من النور و أما الجن فهم مخلوقون من النار و خلق الله آدم من التراب و خلق الله عيسى من الريح لقوله فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا. و أيضا نرى أن كثيرا من الحيوانات يتولد لا عن النطفة. و الجواب من وجوه أحدها و هو الأحسن ما قاله القفال و هو أن مِنْ ماءٍ صلة كُلَّ دَابَّةٍ و ليس هو من صلة خَلَقَ و المعنى أن كل دابة متولدة من الماء فهي مخلوقة لله. و ثانيها أن أصل جميع المخلوقات الماء على ما روي أول ما خلق الله تعالى جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ثم من ذلك الماء خلق النار و الهواء و النور   و لما كان المقصود من هذه الآية بيان أصل الخلقة و كان الأصل الأول هو الماء لا جرم ذكره على هذا الوجه. و ثالثها أن المراد من الدابة الذي يدب على وجه الأرض و مسكنهم هناك لتخرج الملائكة و الجن و لما كان الغالب جدا من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء إما لأنها متولدة من النطفة و إما لأنها لا تعيش إلا بالماء لا جرم أطلق الكل تنزيلا للغالب منزلة الكل. الثاني لم سمي الزحف على البطن مشيا و الجواب هذا على سبيل الاستعارة كما يقال فلان لا يمشي له أمر و على طريق المشاكلة. الثالث أنه لم تنحصر القسمة لأنا نجد ما يمشي على أكثر من أربع مثل العناكب و العقارب و مثل الحيوان الذي له أربع و أربعون رجلا الذي يسمى دخال الأذن. و الجواب القسم الذي ذكرتم كالنادر فكان ملحقا بالعدم و لأن الفلاسفة يقولون ما له قوائم كثيرة فالاعتماد له إذا مشى على أربع جهاته لا غير فكأنه يمشي على أربع و لأن قوله يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ تنبيه على أن الحيوانات كما اختلف بحسب كيفية المشي فكذا هي مختلفة بحسب أمور أخر. و لنذكر هاهنا بعض تلك التقسيمات التقسيم الأول الحيوانات قد تشترك في أعضاء و قد تتباين بأعضاء أما الشركة فمثل اشتراك الإنسان و الفرس في أن لهما لحما و عصبا و عظما و أما التباين فإما أن يكون في نفس العضو أو في صفته.

    أما الأول فعلى وجهين أحدهما أن لا يكون العضو حاصلا للآخر و إن كانت أجزاؤه حاصلة للثاني كالفرس و الإنسان فإن الفرس له ذنب و الإنسان ليس له ذنب و لكن أجزاء الذنب ليس إلا العظم و العصب و اللحم و الجلد و الشعر و كل ذلك حاصل للإنسان. و الثاني أن لا يكون ذلك العضو حاصلا للثاني لا بذاته و لا بأجزائه مثل أن للسلحفاة صدفا يحيط به و ليس للإنسان و للسمك فلوس و للقنفذ شوك و ليس شي‏ء منها للإنسان. و أما التباين في صفة العضو فإما أن يكون من باب الكمية أو الكيفية أو الوضع أو الفعل أو الانفعال أما الذي في الكمية فإما أن يتعلق بالمقدار مثل أن عين البوم كبيرة و عين العقاب صغيرة أو بالعدد مثل أن أرجل بعض العناكب ستة و أرجل ضرب آخر ثمانية أو عشرة و الذي في الكيفية فكاختلافها في الألوان و الأشكال و الصلابة و اللين و الذي في الوضع فمثل اختلاف وضع ثدي الفيل فإنه قريب من الصدور و ثدي الفرس فإنه عند السرة و أما الذي في الفعل فمثل كون أذن الفيل للذب مع كونه آلة للسمع و ليس كذلك الإنسان و كون أنفه آلة للقبض دون أنف غيره و أما الذي في الانفعال فمثل كون عين الخفاش سريعة التحير في الضوء و عين الخطاف خلاف ذلك. التقسيم الثاني للحيوان إما أن يكون مائيا بأن يكون مسكنه الأصلي هو الماء أو أرضيا أو يكون مائيا ثم يصير أرضيا أما الحيوانات المائية فتعتبر أحوالها من وجوه الأول إما أن يكون مكانه و غذاؤه و نفسه مائيا فله بدل التنفس   جذب الماء إلى بطنه ثم رده و لا يعيش إذا فارقه و السمك كله كذلك أو مكانه و غذاؤه مائي لا يتنفس و لا يستنشق مثل أصناف من الصدف لا تظهر للهواء و لا تستدخل الماء إلى باطنها. الثاني الحيوانات المائية بعضها ماؤها الأنهار الجارية و بعضها ماؤها البطائح مثل الضفادع و بعضها ماؤها مياه البحر. الثالث منها لجية و منها شطية و منها طينية و منها صخرية. الوجه الرابع الحيوان المنتقل في الماء منه ما يعتمد في غوصه على رأسه و في السباحة على أجنحته كالسمك و منه ما يعتمد في السباحة على أرجله كالضفادع و منه ما يمشي في قعر الماء كالسرطان و منه ما يزحف مثل ضرب من السمك لا جناح له كالدود. و أما الحيوانات البرية فتعتبر أحوالها أيضا من وجهين الأول أن منها ما يتنفس من طريق واحد كالفم و الخيشوم و منه ما لا يتنفس كذلك بل على نحو آخر مثل الزنبور و النحل. الثاني أن الحيوانات الأرضية منها ما له مأوى معلوم و منها ما مأواه كيف اتفق إلا أن تلد فيقيم للحضانة و اللواتي لها مأوى فبعضها مأواه قلة رابية و بعضها مأواه وجه الأرض.   الثالث الحيوان البري كل طائر منه ذو جناحين فإنه يمشي برجليه و من جملة ذلك مشيه صعب عليه كالخطاف الكبير الأسود و الخفاش و أما الذي جناحه جلد أو غشاء فقد يكون عديم الرجل كضرب من الحيات بالحبشة تطير. الرابع الطير تختلف فبعضها تتعايش معا كالكراكي و بعضها تعيش منفردا كالعقاب و جميع الجوارح التي تتنازع على الطعم لاحتياجها إلى الاجتهاد لتصيد و منها ما تتعايش زوجا كالقطا و منها ما تجتمع تارة و تنفرد أخرى ثم إن المنفرد قد تكون مدنية و قد تكون برية صرفة و قد تكون بستانية. و الإنسان من بين الحيوان هو الذي لا يمكنه أن يعيش وحده فإن أسباب حياته و معيشته تلتئم بالمشاركة المدنية و النحل و بعض الفراش يشارك الإنسان في ذلك لكن الحدا و الكراكي تطيع رئيسا واحدا و النمل لها اجتماع و لا رئيس لها. الخامس الطير منه آكل لحم و منه لاقط حب و منه آكل عشب و قد يكون للبعض طعم معين كالنحل فإن غذاءه الزهر و العنكبوت فإن غذاءه الذباب و قد يكون بعضه متفق الطعم. و أما القسم الثالث و هو الحيوان الذي يكون تارة مائيا و أخرى بريا فيقال إنه حيوان يكون في البحر و يعيش فيه ثم إنه يبرز إلى البر و يبقى فيه. القسم الثالث منه ما هو إنسي بالطبع فمنه ما يسرع استيناسه و يبقى

    مستأنسا كالفيل و منه ما يبطئ كالأسد و يشبه أن يكون من كل نوع صنف إنسي و صنف وحشي حتى من الناس. التقسيم الرابع من الحيوان ما هو مصوت و منه ما لا صوت له و كل مصوت فإنه يصير عند الاغتلام و حركة شهوة الجماع أشد تصويتا حتى الإنسان و منه ما له شبق يسفد كل وقت كالديك و منه عفيف له وقت معين. التقسيم الخامس بعض الحيوانات هادئ الطبع قليل الغضب مثل البقر و بعضه شديد الجهل حاد الغضب كالخنزير البري و بعضها حليم حمول كالبعير و بعضها سريع الحركات كالحية و بعضها قوي جري‏ء شهم كبير النفس كريم الطبع كالأسد و منها قوي محتال وحشي كالذئب و بعضها محتال مكار ذي الحركات كالثعلب و بعضها غضوب شديد الغضب سفيه إلا أنه ملق متودد كالكلب و بعضها شديد اللين مستأنس كالفيل و القرد و بعضها حسود مباه بجماله كالطاوس و بعضها شديد الحفظ كالجمل و الحمار لا ينسى كل منهما الطريق الذي رآه. التقسيم السادس من الحيوانات ما تناسله بأن تلد حيوانا و بعضها ما تناسله بأن تلد أنثاه دودا انتهى. و قال النيسابوري منه ولود و منه بيوض و كل أذون ولود و كل   صموخ بيوض سوى الخشاف. و في قوله إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ إشارة إلى أن اختصاص كل حيوان بهذه الخواص و بأمثالها لا يكون إلا عن قادر مختار قهار انتهى. و قال البيضاوي في قوله تعالى عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ النطق و المنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا و قد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه و التبع كقولهم نطقت الحمامة و منه الناطق و الصامت للحيوان و الجماد فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما و فيها ما تتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما من جنسه و لعل سليمان مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية التخيل الذي صوته و الغرض الذي توخاه به و من ذلك ما حكي أنه مر ببلبل يتصوت و يترقص فقال يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفا و صاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا فلعله كان صوت البلبل عن شبع و فراغ بال و صياح الفاختة عن مقاساة شدة و تألم قلب فَهُمْ يُوزَعُونَ يحبسون بحبس أولهم عن آخرهم ليتلاحقوا حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ واد بالشام كثير النمل و التعدية بعلى إما لأن إتيانهم كان من على أو لأن المراد قطعه من قولهم أتى الشي‏ء إذا أنفده و بلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا أخريات الوادي قالَتْ نَمْلَةٌ كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيره فصاحت صيحة نبهت بها ما بحضرتها من النمال فتبعتها فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء و مناصحتهم و لذلك أجروا مجراهم مع أنه لا يمتنع أن خلق   الله فيها العقل و النطق. و قال النيسابوري قال المفسرون إنه تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل و ليس كذلك حال الطير في أيامنا و إن كان فيها ما قد ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة إليها يحكى أنه مر على بلبل في شجرة فقال لأصحابه إنه يقول أكلت نصف تمرة و على الدنيا العفاء أي التراب و صاحت فاختة فأخبر الناس أنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا و صاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان و أخبر أن الهدهد يقول استغفروا الله يا مذنبون و الخطاف يقول قدموا خيرا تجدوه و الرخمة تقول سبحان ربي الأعلى مل‏ء سمائه و أرضه و القمري يقول سبحان ربي الأعلى و القطاة تقول من سكت سلم و الببغاء تقول ويل لمن الدنيا همه و الديك يقول اذكروا الله يا غافلون و النسر يقول يا ابن آدم عش ما شئت و آخرك الموت و العقاب يقول في البعد من الناس أنس. و قال الطبرسي قدس سره أهل العربية يقولون لا يطلق النطق على غير بني آدم و إنما يقال الصوت لأن النطق عبارة عن الكلام و لا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سماه منطقا مجازا و قيل إنه أراد حقيقة

    المنطق لأن من الطير ما له كلام يهجي كالطوطي قال المبرد العرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقا و متكلما و قال علي بن عيسى إن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن الهدهد و منطق الطير صوت تتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة و لذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها و لم تفهم هي عنا لأن أفهامنا مقصورة على تلك الأمور المخصوصة و لما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم منطقها. و قال رحمه الله و اختلف في سبب تفقده للهدهد من بين الطير فقيل إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء لأنه يقال أنه يرى الماء في بطن الأرض كما نراه في القارورة عن ابن عباس

 و روى العياشي بالإسناد قال قال أبو حنيفة لأبي عبد الله ع كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه و ضحك قال أبو عبد الله ع ما يضحكك قال ظفرت بك جعلت فداك قال و كيف ذاك قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حتى تأخذ بعنقه قال أبو عبد الله ع يا نعمان أ ما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر

ثم قال رحمه الله في قوله لَأُعَذِّبَنَّهُ كما صح نطق الطير و تكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته على ما وقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته. و قال في قوله تعالى وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ الآية قال الجبائي لم يكن   الهدهد عارفا بالله تعالى و إنما أخبر بذلك كما يخبر مراهقو صبياننا لأنه لا تكليف إلا على الملائكة و الإنس و الجن فيرانا الصبي على عبادة الله فيتصور أن ما خالفها باطل فكذلك الهدهد تصور له أن ما خالف فعل سليمان باطل و هذا الذي ذكره خلاف ظاهر القرآن لأنه لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله و بين الباطل الذي هو السجود للشمس و أن أحدهما حسن و الآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه و بما يجوز عليه و بما لا يجوز هذا مع نسبة تزيين أعمالهم و صدهم عن طريق الحق إلى الشيطان و هذه مقالة من يعرف العدل و أن القبيح غير جائز على الله تعالى. و قال قدس سره في قوله سبحانه في سورة العنكبوت وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا أي و كم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا عن الحسن و قيل معناه لا يطيق حمل رزقها لضعفها و تأكل بأفواهها عن مجاهد و قيل إن الحيوان أجمع من البهائم و الطيور و غيرها مما يدب على وجه الأرض لا يدخر القوت لغدها إلا بني آدم و النملة و الفأرة بل تأكل منها قدر كفايتها فقط عن ابن عباس اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ أي يرزق تلك الدابة الضعيفة التي لا تقدر على حمل رزقها و يرزقكم أيضا فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب عن ابن عمر قال خرجنا مع رسول الله ص حتى دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلتقط من التمر و يأكل فقال يا ابن عمر ما لك لا تأكل فقلت لا أشتهيه يا رسول الله فقال و لكني أشتهيه و هذه صبيحة رابعة منذ لم أذق طعاما و لو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى و قيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين فو الله ما برحنا حتى نزلت الآية وَ هُوَ السَّمِيعُ أي لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم الْعَلِيمُ بأحوالكم لا يخفى عليه شي‏ء من سركم و إعلانكم.   و قال قدس الله روحه وَ الطَّيْرَ أي و سخرنا الطير مَحْشُورَةً أي مجموعة إليه تسبح الله تعالى معه كُلٌّ يعني كل الطير و الجبال لَهُ أَوَّابٌ رجاع إلى ما يريد مطيع له بالتسبيح معه قال الجبائي لا يمتنع أن يكون الله تعالى خلق في الطيور من المعارف ما يفهم به أمر داود و نهيه فيطيعه فيما يريد منها و إن لم تكن كاملة العقل مكلفة. و قال الرازي فإن قيل كيف يصدر تسبيح الله عن الطير مع أنه لا عقل له قلنا لا يبعد أن يقال إن الله تعالى كان يخلق لها عقولا حتى تعرف الله فتسبحه حينئذ و كل ذلك كان معجزة لداود ع انتهى. خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها قيل يعني أزواج الحيوان من ذكر و أنثى و قيل أي الأشكال و قيل أي الأصناف و قيل كل ممكن فهو زوج تركيبي و الواحد الحق و الفرد المطلق هو الله تعالى وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ أي و في خلق ما يفرق على وجه الأرض من الحيوان على اختلاف أجناسها و منافعها و المقاصد المطلوبة منها دلالات واضحات على وجوده سبحانه و علمه و قدرته و حكمته و لطفه لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ قيل أي يطلبون علم اليقين بالتدبر و التفكر. قوله سبحانه صافَّاتٍ قيل أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها وَ يَقْبِضْنَ أي و يضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحرك و لذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصيل في الطيران و الطاري عليه ما يُمْسِكُهُنَّ في الجو على خلاف طبعهن إِلَّا الرَّحْمنُ الشامل رحمته كل شي‏ء بأن خلقهن على أشكال و خصائص هيئاتهن للحركة في الهواء إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف يخلق الغرائب و يدبر العجائب. و أقول في سورة الفيل و قصته دلالة على شعور الحيوانات و كونها مطيعة

    لأمره سبحانه فإن الظاهر أن الطيور كانت حيوانات و لم تكن من الملائكة و إن احتملت ذلك و كذا الفيلة حيث امتنعت من دخول الحرم و فهمت كلام عبد المطلب و سجدت له رضي الله عنه كما مر مفصلا في ذكر تلك القصة نعم يمكن أن يكون الله تعالى جعلها في ذلك الوقت ذوات شعور و معرفة كرامة للبيت و عبد المطلب و إرهاصا لنبوة نبينا ص

1-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الوشاء عن صديق بن عبد الله عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال ما من طير يصاد في بر و لا بحر و لا يصاد شي‏ء من الوحوش إلا بتضييعه التسبيح

 العياشي عن إسحاق مثله

2-  التفسير، وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ أي من مني فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ قال على رجلين الناس و على بطنه الحيات و على أربع البهائم و قال أبو عبد الله ع و منهم من يمشي على أكثر من ذلك

 بيان قال الدميري قال الجاحظ الحيوان على أربعة أقسام شي‏ء يمشي و شي‏ء يطير و شي‏ء يعوم و شي‏ء ينساخ في الأرض ألا إن كل طائر يمشي و ليس كل شي‏ء يمشي يطير فالنوع الذي يمشي هو على ثلاثة أقسام ناس   و بهائم و سباع و الطير كله سبع و بهيمة و همج و الخشاش ما لطف جرمه و صغر جسمه و كان عديم السلاح و الهمج ليس من الطير و لكنه يطير و هو فيما يطير كالحشرات فيما يمشي و السبع من الطير ما أكل اللحم خالصا و البهيمة ما أكل الحب خالصا و المشترك كالعصفور فإنه ليس بذي مخلب و لا منسر و هو يلقط الحب و هو مع ذلك يصيد النمل إذا طار و يصيد الجراد و يأكل اللحم و لا يزق فراخه كما يزق الحمام فهو مشترك الطبيعة و أشباه العصافير من المشترك كثيرة و ليس كل ما طار بجناحين من الطير فقد يطير الجعلان و الذباب و الزنابير و الجراد و النمل و البعوض و الفراش و الأرضة و النحل و غير ذلك و لا يسمى طيورا و كذلك الملائكة تطير و لها أجنحة و ليست من الطير و كذلك جعفر بن أبي طالب ذو جناحين يطير بهما في الجنة و ليس من الطير

3-  قرب الإسناد، عن سعد بن طريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه ع قال قال رسول الله ص إنه ما يصاد من الطير إلا بتضييعهم التسبيح

4-  العلل عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن عبد الله بن محمد عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال كانت الوحوش و الطير و السباع و كل شي‏ء خلق الله عز و جل مختلطا بعضه ببعض فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت و فزعت فذهب كل شي‏ء إلى شكله

    -5  و منه، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن رجل عن ابن أسباط عن عمه يعقوب رفعه إلى علي بن أبي طالب ع قال إذا سمعتم نباح الكلب و نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهم يرون ما لا ترون فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ الخبر

6-  مجالس ابن الشيخ، عن جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن أحمد بن عبد الله بن عمار الثقفي الكاتب عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن محمد بن الحارث بن بشير الدهني عن القاسم بن الفضل بن عمرة القيسي عن عباد المنقري عن أبي عبد الله جعفر بن محمد قال حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال مر رسول الله ص بظبية مربوطة بطنب فسطاط فلما رأت رسول الله ص أطلق الله عز و جل لها من لسانها فكلمته فقالت يا رسول الله إني أم خشفين عطشانين و هذا ضرعي قد امتلأ لبنا فخلني حتى انطلق فأرضعهما ثم أعود فتربطني كما كنت فقال لها رسول الله ص كيف و أنت ربيطة قوم و صيدهم قالت بلى يا رسول الله أنا أجي‏ء فتربطني كما كنت أنت بيدك فأخذ عليها موثقا من الله لتعودن و خلى سبيلها   فلم تلبث إلا يسيرا حتى رجعت قد فرغت ما في ضرعها فربطها نبي الله كما كانت ثم سأل لمن هذا الصيد قالوا يا رسول الله هذه لبني فلان فأتاهم النبي ص و كان الذي اقتنصها منهم منافقا فرجع عن نفاقه و حسن إسلامه فكلمه النبي ليشتريها منه قال بل أخلي سبيلها فداك أبي و أمي يا نبي الله فقال رسول الله ص لو أن البهائم يعلمون من الموت ما تعلمون أنتم ما أكلتم منها سمينا

 بيان من الموت أي من أصل وقوعه أو من شدائد الموت و العقوبات الواقعة بعده و الأهوال المتوقعة عنده و بعده و لعله أظهر

7-  المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله ع قال قال يعقوب ع لابنه يا بني لا تزن فلو أن الطير زنى لتناثر ريشه

8-  الخرائج، روي أن الحسين ع سئل في حال صغره عن أصوات الحيوانات لأن من شرط الإمام أن يكون عالما بجميع اللغات حتى أصوات الحيوانات فقال على ما روى محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن الحسين ع أنه قال إذا صاح النسر فإنه يقول يا ابن آدم عش ما شئت فآخره الموت و إذا صاح البازي يقول يا عالم الخفيات و يا كاشف البليات و إذا صاح الطاوس يقول مولاي ظلمت نفسي و اغتررت بزينتي فاغفر لي و إذا صاح الدراج يقول الرحمن على العرش استوى و إذا صاح الديك يقول من عرف الله لم ينس ذكره و إذا قرقرت الدجاجة تقول يا إله الحق أنت الحق و قولك الحق يا الله يا حق   و إذا صاح الباشق يقول آمنت بالله و اليوم الآخر و إذا صاحت الحداء تقول توكل على الله ترزق و إذا صاح العقاب يقول من أطاع الله لم يشق و إذا صاح الشاهين يقول سبحان الله حقا حقا و إذا صاحت البومة يقول البعد من الناس أنس و إذا صاح الغراب يقول يا رازق ابعث الرزق الحلال و إذا صاح الكركي يقول اللهم احفظني من عدوي و إذا صاح اللقلق يقول من تخلى عن الناس نجا من أذاهم و إذا صاح البطة تقول غفرانك يا الله و إذا صاح الهدهد يقول ما أشقى من عصى الله و إذا صاح القمري يقول يا عالم السر و النجوى يا الله و إذا صاح الدبسي يقول أنت الله لا إله سواك يا الله و إذا صاح العقعق يقول سبحان من لا يخفى عليه خافية و إذا صاح الببغاء يقول من ذكر ربه غفر ذنبه و إذا صاح العصفور يقول أستغفر الله مما يسخط الله و إذا صاح البلبل يقول لا إله إلا الله حقا حقا و إذا صاح القبجة تقول قرب الحق قرب و إذا صاحت السمانات يقول يا ابن آدم ما أغفلك عن الموت و إذا صاح السوذنيق يقول لا إله إلا الله محمد و آله خيرة الله و إذا صاحت الفاختة يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد و إذا صاح الشقراق يقول مولاي أعتقني من النار و إذا صاحت القنبرة تقول مولاي تب على كل مذنب من المذنبين و إذا صاح الورشان يقول إن لم تغفر ذنبي شقيت و إذا صاح الشفنين يقول لا قوة إلا   بالله العلي العظيم و إذا صاحت النعامة تقول لا معبود سوى الله و إذا صاحت الخطافة فإنها تقرأ سورة الحمد و تقول يا قابل توبة التوابين يا الله لك الحمد و إذا صاحت الزرافة تقول لا إله إلا الله وحده و إذا صاح الحمل يقول كفى بالموت واعظا و إذا صاح الجدي يقول عاجلني الموت ثقل ذنبي و ازداد و إذا صاح الأسد يقول أمر الله مهم مهم و إذا صاح الثور يقول مهلا مهلا يا ابن آدم أنت بين يدي من يرى و لا يرى و هو الله و إذا صاح الفيل يقول لا يغني عن الموت قوة و لا حيلة و إذا صاح الفهد يقول يا عزيز يا جبار يا متكبر يا الله و إذا صاح الجمل يقول سبحان مذل الجبارين سبحانه و إذا صهل الفرس يقول سبحان ربنا سبحانه و إذا صاح الذئب يقول ما حفظ الله لن يضيع أبدا و إذا صاح ابن آوى يقول الويل الويل للمذنب المصر و إذا صاح الكلب يقول كفى بالمعاصي ذلا و إذا صاح الأرنب يقول لا تهلكني يا الله لك الحمد و إذا صاح الثعلب يقول الدنيا دار غرور و إذا صاح الغزال يقول نجني من الأذى و إذا صاح الكركدن يقول أغثني و إلا هلكت يا مولاي و إذا صاح الإبل يقول حسبي الله وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ حسبي الله و إذا صاح النمر يقول سبحان من تعزز بالقدرة سبحانه و إذا سبحت الحية تقول ما أشقى من عصاك يا رحمان و إذا سبحت العقرب تقول الشر شي‏ء وحش ثم قال ع ما خلق الله من شي‏ء إلا و له تسبيح يحمد به ربه ثم تلا هذه الآية وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ

 بيان قال الدميري النسر طائر معروف و هو عريف الطير و يقول في   صياحه ابن آدم عش ما شئت فإن الموت ملاقيك كذا قال الحسن بن علي رضي الله عنهما قال و في هذا مناسبة لما خص النسر به من طول العمر يقال إنه من أطول الطير عمرا و إنه يعمر ألف سنة

 و في كتاب نفخات الأزهار عن علي بن أبي طالب ع قال سمعت حبيبي رسول الله ص يقول هبط علي جبرئيل فقال يا محمد إن لكل شي‏ء سيدا فسيد البشر آدم و سيد ولد آدم أنت و سيد الروم صهيب و سيد فارس سلمان و سيد الحبش بلال و سيد الشجر السدر و سيد الطير النسر و سيد الشهور رمضان و سيد الأيام يوم الجمعة و سيد الكلام العربية و سيد العربية القرآن و سيد القرآن سورة البقرة

و قال البازي أفصح لغاته مخففة الياء و الثانية باز و الثالثة بازي بتشديد الياء و التثنية بازان و الجمع بزاة و في عجائب المخلوقات لا يكون إلا أنثى و ذكرها من أنواع أخر من الحداء و الشواهين و لهذا اختلف أشكالها. و قال طاوس في طبعه العفة و حب الزهو بنفسه و الخيلاء و الإعجاب بريشة و عقده لذنبه كالطاق لا سيما إذا كانت الأنثى ناظرة إليه إلى آخر ما سيأتي. و قال في الدراج و هو القائل بالشكر قدوم النعم و صوته مقطع على هذه الكلمات.   و في القاموس القرقرة هدير البعير و صوت الحمام انتهى. و الباشق معرب باشه و هو معروف و الحدأة كعنبة طائر معروف و قال الدميري إن العقاب إذا صاحت تقول في البعد من الناس راحة. و قال الكركي طائر كبير معروف و الجمع الكراكي و هو من الحيوان الذي لا يصح إلا برئيس و في طبعه التناصر و لا تطير الجماعة منه متفرقة بل صفا واحدا يقدمها واحد منها كالرائس و هي تتبعه يكون ذلك حينا ثم يخلفه آخر منها مقدما حتى يصير الذي كان مقدما مؤخرا و قال الدبسي بفتح الدال و ضمها طائر صغير منسوب إلى دبس الرطب و هو قسم من الحمام البري و قال العقعق كثعلب تسمى كندش و هو طائر على قدر الحمامة و على شكل الغراب و جناحاه أكبر من جناحي الحمامة و هو ذو لونين أبيض و أسود طويل الذنب لا يأوي تحت سقف و لا يستظل به و في طبعه الزنا و الخيانة و يوصف بالسرقة و الخبث و قال الببغاء بثلاث باءات موحدات أولاهن و ثالثتهن مفتوحات و الثانية ساكنة و بالغين المعجمة هي الطائر الأخضر المسمى بالدرة و هي في قدر الحمامة يتخذها الناس للانتفاع بصوتها و لها قوة على حكاية الأصوات و قبول   التلقين يتخذها الملوك و الأكابر لتنم ما تسمع من الأخبار و تتناول مأكولها برجلها كما يتناول الإنسان الشي‏ء بيده و في القاموس الببغاء و قد تشدد الباء الثانية طائر أخضر. قوله قرب الحق على بناء المجرد أو التفعيل و الحق الرب سبحانه أو القيامة أو ضد الباطل. و قال الدميري القبجة اسم جنس تقع على الذكر و الأنثى. و قال السمانى بضم السين و فتح النون اسم طائر يلبد بالأرض و لا يكاد يطير إلا أن يطار و إذا سمع الرعد مات و يسكت في الشتاء و إذا أقبل الربيع يصيح. و في القاموس السوذنيق كزنجبيل و يضم أوله و السيذنوق بضم أوله و فتحه و كسر النون و فتحه و السذانق بفتح النون و ضمه و السوذنيق الصقر و الشاهين. و قال الدميري الفاختة واحدة الفواخت من ذوات الأطواق و هي بفتح الفاء و كسر الخاء المعجمة و بالتاء المثناة في آخرها قاله في الكفاية و زعموا أن الحيات تهرب من صوتها و فيها فصاحة و حسن صوت و في طبعها الأنس بالناس و تعيش في الدور و العرب تصفها بالكذب فإن صوتها عندهم هذا أوان الرطب تقول ذلك و النخل لم تطلع. و أقول المشهور أنها بالتاء المثناة الفوقانية كما في القاموس و غيره و قال الدميري الشقراق بفتح الشين و كسرها و ربما قالوا الشرقراق طائر هو صغير

    يسمى الأخيل و العرب تتشأم به و هو أخضر مليح بقدر الحمامة خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد و له مشتى و مصيف و يكون مخططا بحمرة و خضرة و سواد و في القاموس القبر كسكر و صرد طائر الواحدة بهاء و يقال القنبراء و الجمع قنابر و لا تقل قنبرة كقنفذة أو لغية. و قال الدميري الورشان ساق حر و هو ذكر القماري و قيل إنه طائر متولد بين الفاختة و الحمامة يوصف بالحنو على أولاده حتى أنه ربما قتل نفسه إذا رآها في يد القانص قال عطاء إنه يقول لدوا للموت و ابنوا للخراب و هذه لام العاقبة مجازا. و قال الشفنين بالكسر متولد بين نوعين مأكولين و عده الجاحظ في أنواع الحمام و قيل هو الذي تسميه العامة اليمام و صوته في الترنم كصوت الرباب و فيه تحزين و تحسن أصواتها إذا اختلطت و من طبعه إذا فقد أنثاه لم يزل أغرب إلى أن يموت و كذلك الأنثى. و قال ذكر الثعلبي أن آدم ع لما خرج من الجنة اشتكى الوحشة فآنسه الله بالخطاف و ألزمها البيوت فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم قال و معها أربع آيات من كتاب الله عز و جل لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إلى آخر السورة و تمد صوتها بقوله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.   و قال الزرافة بفتح الزاي و ضمها حسنة الخلق طويلة اليدين قصيره الرجلين مجموع يديها و رجليها نحو عشرة أذرع رأسها كرأس الإبل و قرنها كقرن البقر و جلدها كجلد النمر و قوائمها و أظلافها كالبقر و ذنبها كذنب الظبي ليس لها ركب في رجليها إنما ركبتاها في يديها و إذا مشت قدمت الرجل اليسرى و اليد اليمنى بخلاف ذوات الأربع فإنها تقدم اليد اليسرى و من طبعها التودد و التأنس و لما علم الله أن قوتها في الشجر جعل يديها أطول من رجليها لتستعين بذلك على المرعى منها و قيل هي متولدة بين ثلاثة حيوانات الناقة الوحشية و البقرة الوحشية و الضبعان. أقول سيأتي تمام القول في ذلك إن شاء الله. و قال الدميري الحمل الخروف إذا بلغ ستة أشهر و قيل هو ولد الضأن الجذع فما دونه

9-  المناقب، تفسير الثعلبي قال الصادق ع قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما إذا صاح النسر قال ابن آدم عش ما شئت آخره الموت و إذا صاح الغراب قال إن في البعد من الناس أنسا و إذا صاح القنبرة قال اللهم العن مبغضي آل محمد و إذا صاح الخطاف قرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و يمد الضَّالِّينَ كما يمدها القارئ

    -10  الكافي، عن أبي عبد الله العاصمي عن علي بن الحسن الميثمي عن علي بن أسباط عن أبيه أسباط بن سالم عن سالم مولى أبان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول ما من طير يصاد إلا بتركه التسبيح و ما من مال يصاب إلا بترك الزكاة

11-  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن أبي جعفر ع أو عن أبي عبد الله ع قال ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة و إن كلام الطير فيه إذا لقي بعضه بعضا سلام سلام يوم صالح

12-  الإختصاص، عن ابن عباس قال شهدنا مجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله و سلامه عليه فإذا نحن بعدة من العجم فسلموا عليه فقالوا جئناك لنسألك عن ست خصال فإن أنت أخبرتنا آمنا و صدقنا و إلا كذبنا و جحدنا فقال علي ع سلوا متفقهين و لا تسألوا متعنتين قالوا أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله و الحمار في نهيقه و الدراج في صياحه و القنبرة في صفيرها و الديك في نعيقه و الضفدع في نقيقه فقال علي ع إذا التقى الجمعان و مشى الرجال إلى الرجال بالسيوف يرفع الفرس رأسه فيقول سبحان الملك القدوس و يقول الحمار في نهيقه اللهم العن العشارين و يقول الديك في نعيقه بالأسحار اذكروا الله يا غافلين و يقول الضفدع في نقيقه سبحان المعبود في لجج البحار و يقول الدراج في صياحه الرحمن على العرش استوى و تقول القنبرة في صفيرها اللهم العن مبغضي آل محمد قال فقالوا آمنا و صدقنا و ما على وجه الأرض من هو أعلم منك فقال ع أ لا أفيدكم قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال إن للفرس في كل يوم ثلاث دعوات مستجابات يقول في أول نهاره   اللهم وسع على سيدي الرزق و يقول في وسط النهار اللهم اجعلني أحب إلى سيدي من أهله و ماله و يقول في آخر نهاره اللهم ارزق سيدي على ظهري الشهادة

 بيان نعق الغراب بالعين المهملة و المعجمة ينعق نعيقا صاح و نق الضفدع ينق نقيقا صاح

13-  الإختصاص، عن أحمد بن محمد بن عيسى و أحمد بن الحسن بن فضال عن الحسن بن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال إن ناضحا كان لرجل من الأنصار فلما استن قال بعض أهله لو نحرتموه فجاء البعير إلى رسول الله ص فجعل يرغو فبعث رسول الله ص إلى صاحبه فلما جاء قال له النبي إن هذا يزعم أنه كان لكم شابا حتى إذا هرم و إنه قد نفعكم و إنكم أردتم نحره فقال صدق فقال لا تنحروه و دعوه

14-  و منه، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن حماد عن محمد بن الحسن بن أبي خالد قال خرجت مع علي بن الحسين ع   إلى مكة فلما دخلنا الأبواء كان على راحلته و كنت أمشي فوافى غنما و إذا نعجة قد تخلفت عن الغنم و هي تثغو ثغاء شديدا و تلتفت و إذا رخلة خلفها تثغو و تشتد في طلبها فلما قامت الرخلة ثغت النعجة فتبعتها الرخلة فقال علي بن الحسين ع يا عبد العزيز أ تدري ما قالت النعجة قلت لا و الله ما أدري قال فإنها قالت الحقي بالغنم فإن أختها عام الأول تخلفت في هذا الموضع فأكلها الذئب

 بيان الثغاء صياح الغنم و الرخل بكسر الراء الأنثى من سخال الضأن

15-  الإختصاص، عن أحمد بن محمد بن عيسى و أحمد بن الحسن بن فضال عن الحسن بن فضال عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال إن الذئاب جاءت إلى رسول الله ص تطلب أرزاقها فقال لأصحابه إن شئتم صالحتها على شي‏ء تخرجوه إليها و لا ترزأ من أموالكم شيئا و إن تركتموها تعدو و عليكم حفظ أموالكم قالوا بل نتركها كما هي تصيب منا ما أصابت و نمنعها ما استطعنا

16-  و منه، عن عبد الله بن محمد عن محمد بن إبراهيم عن بشر و إبراهيم ابني محمد عن أبيهما عن حمران عن علي بن الحسين ع قال كان قاعدا في جماعة من أصحابه إذا جاءته ظبية فبصبصت عنده و ضربت بيديها فقال أبو محمد ع أ تدرون ما تقول   هذه الظبية قالوا لا قال تزعم هذه الظبية أن فلان بن فلان رجلا من قريش اصطاد خشفا لها في هذا اليوم و إنما جاءت أن أسأله أن يضع الخشف بين يديها فترضعه ثم قال أبو محمد ع لأصحابه قوموا بنا فقاموا بأجمعهم فأتوه فخرج إليهم فقال لأبي محمد فداك أبي و أمي ما جاءك بك فقال أسألك بحقي عليك إلا أخرجت إلى الخشف الذي اصطدتها اليوم فأخرجها فوضعها بين يدي أمها فأرضعتها فقال علي بن الحسين ع أسألك يا فلان لما وهبت لنا الخشف قال قد فعلت فأرسل الخشف مع الظبية فمضت الظبية فبصبصت و حركت ذنبها فقال علي بن الحسين ع تدرون ما قالت الظبية قالوا لا قال قالت رد الله عليكم كل غائب لكم و غفر لعلي بن الحسين كما رد على ولدي

 بيان بصبص الكلب حرك ذنبه و الخشف مثلثة ولد الظبي أول ما يولد أو أول مشيه أو التي نفرت من أولادها و تشردت

17-  نوادر الراوندي، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه ع أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه تمعك فرسه ذات يوم فحمحم في تمعكه فقال أبو ذر هي حسبك الآن فقد استجيب لك فاسترجع القوم و قالوا خولط أبو ذر فقال للقوم ما لكم قالوا تكلم بهيمة من البهائم فقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله ص يقول إذا تمعك الفرس دعا بدعوتين فيستجاب له يقول اللهم اجعلني أحب ماله إليه و الدعوة الثانية اللهم ارزقه على ظهري الشهادة و دعوتاه مستجابتان

18-  و بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص إذا كان يوم الجمعة نادت   الطير الطير و الوحش الوحش و السباع السباع سلام عليكم هذا يوم صالح

19-  نهج البلاغة، من خطبة أمير المؤمنين ع في صفة عجيب خلق أصناف من الحيوان و لو فكروا في عظيم القدرة و جسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق و خافوا عذاب الحريق و لكن القلوب عليلة و البصائر مدخولة أ لا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه و أتقن تركيبه و فلق له السمع و البصر و سوى له العظم و البشر انظروا إلى النملة في صغر جثتها و لطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر و لا بمستدرك الفكر كيف دبت على أرضها و ضنت على رزقها تنقل الحبة إلى جحرها و تعدها في مستقرها تجمع في حرها لبردها و في ورودها لصدرها مكفولة برزقها مرزوقة برفقها لا يغفلها المنان و لا يحرمها الديان و لو في الصفا اليابس و الحجر الجامس و لو فكرت في مجاري أكلها و في علوها و سفلها و ما في الجوف من شراسيف بطنها و ما في الرأس من عينها و أذنها لقضيت من خلقها عجبا و لقيت من وصفها تعبا فتعالى الذي أقامها على قوائمها و بناها على دعائمها لم يشركه في فطرتها فاطر و لم يعنه في خلقها قادر و لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شي‏ء و غامض اختلاف كل حي و ما الجليل و اللطيف و الثقيل و الخفيف و القوي و الضعيف في خلقه إلا سواء كذلك السماء و الهواء و الرياح و الماء فانظر إلى الشمس و القمر و النبات و الشجر و الماء و الحجر و اختلاف هذا الليل و النهار و تفجر هذه البحار و كثرة هذه الجبال و طول هذه القلال و تفرق هذه اللغات و الألسن المختلفات فالويل لمن جحد المقدر و أنكر المدبر زعموا أنهم   كالنبات ما لهم زارع و لا لاختلاف صورهم مانع و لم يلجئوا إلى حجة فيما ادعوا و لا تحقيق لما أوعوا و هل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان و إن شئت قلت في الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين و أسرج لها حدقتين قمراوين و جعل لها السمع الخفي و فتح لها الفم السوي و جعل لها الحس القوي و نابين بهما تقرض و منجلين بهما تقبض يرهبها الزارع في زرعهم و لا يستطيعون ذبها و لو أجلبوا بجمعهم حتى ترد الحرث في نزواتها و تقضي منه شهواتها و خلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة فتبارك الله الذي يسجد له مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً و يعفر له خدا و وجها و يلقي بالطاعة إليه سلما و ضعفا و يعطي له القياد رهبة و خوفا فالطير مسخرة لأمره أحصى عدد الريش منها و النفس و أرسى قوائمها على الندى و اليبس قدر أقواتها و أحصى أجناسها فهذا غراب و هذا عقاب و هذا حمام و هذا نعام دعا كل طير باسمه و تكفل برزقه و أنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها و عدد قسمها فبل الأرض بعد جفوفها و أخرج نبتها بعد جدوبها

 تبيين التفكير إعمال النظر في الشي‏ء يقال فكر فيه كضرب و فكر بالتشديد و أفكر و تفكر بمعنى و الجسيم العظيم و الحريق اسم من الاحتراق و البصائر جمع البصيرة و هي و البصر بالتحريك العلم و الخبرة و في بعض النسخ الأبصار موضع البصائر و الدخل بالتحريك ما داخلك من فساد في عقل أو جسم و العيب و الريبة يقال هذا الأمر فيه دخل و دغل بمعنى و قد دخل كفرح و دخل على البناء للمفعول و الإحكام الإتقان و ركبه تركيبا أي وضع بعضه على بعض فتركب و فلق كضرب أي شق فانفلق و منه فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى و استوى   الشي‏ء اعتدل و سويته عدلته و النملة واحدة النمل و الجثة بالضم للإنسان شخصه قاعدا أو نائما فإن كان منتصبا فهو طل بالتحريك و الشخص عام كذا قيل. و في القاموس جثة الإنسان شخصه و لطف الشي‏ء ككرم لطافة بالفتح و قيل هو اسم أي صغر و دق و الهيئة حال الشي‏ء و كيفيته و نلته بالكسر أنيله أي أصبته و اللحظ في الأصل النظر بمؤخر العين و هو أشد التفاتا من الشزر و في بعض النسخ بلحظ النظر و استدرك الشي‏ء و أدركه بمعنى ذكره الجوهري و استدركت ما فات و تداركته بمعنى و استدركت الشي‏ء بالشي‏ء أي حاولت إدراكه به و الفكر كعنب جمع فكرة بالكسر و هو إعمال النظر و قيل اسم من الافتكار كالعبرة من الاعتبار و في بعض النسخ الفكر بسكون العين و مستدرك الفكر على بناء المفعول يحتمل أن يكون مصدرا أي إدراك الفكر أو يطلبها الإدراك و لعله أنسب بقوله ع بلحظ البصر و أن يكون اسم مفعول أي بالفكر الذي يدركه الإنسان و يصل إليه أو يطلب إدراكه أي منتهى طلبه لا يصل إلى إدراك ذلك و أن يكون اسم مكان و الباء بمعنى في و دب كفر أي مشى رويدا و صبت على بناء المفعول من الصب و هو في الأصل الإراقة و قيل هو على العكس أي صبت رزقها عليها و الظاهر أنه لا حاجة إليه أي كيف ألهمت حتى انحطت على رزقها و استعير له الصب لهجومها عليه و في بعض النسخ و ضنت بالضاد المعجمة و النون على بناء المعلوم أي بخلت برزقها و ذكر دبيبها لأنه متوقف على القوائم و المفاصل و القوى الجزئية و تركبها فيها مع غاية صغرها على وجه تنتظم به حركاتها السريعة المتتابعة مظهر للقدرة و لطيف الصنعة و ذكر الصب أو الضنة للدلالة على علمها بحاجتها إلى الرزق و حسن نظرها في الإعداد و الحفظ و الجحرة بالضم الحفرة التي تحتفرها الهوام و السباع لأنفسها و أعده أي هيأه و مستقرها موضع استقرارها و الورود في الأصل الإشراف على الماء للشرب و الصدر بالتحريك رجوع الشاربة من الورود كأن المعنى تجمع في أيام التمكن من الحركة لأيام العجز عنها فإنها تظهر في الصيف و تخفى في الشتاء لعجزها عن البرد و كفل كنصر و قيل كعلم و شرف أي

    ضمن قيل تقول كفلته و به و عنه إذا تحملت به بوفقها أي بقدر كفايتها و أغفلت الشي‏ء إغفالا أي تركته إهمالا من غير نسيان و المنان المنعم المعطي من المن بمعنى العطاء لا من المنة و قد يشتق منه و هو مذموم و حرمه كمنعه ضد أعطاه و الديان الحاكم و القاضي و قيل القهار و قيل السائس و هو القائم على الشي‏ء بما يصلحه كما تفعل الولاة و الأمراء بالرعية و وجه المناسبة على الأخير واضح و لعله على الأول هو أن أعطاه كل شي‏ء ما يستحقه و لو على وجه التفضل من فروع الحكم بالحق و على الثاني الإشعار بأن قهره سبحانه لا يمنعه عن العطاء كما يكون في غيره أحيانا و الصفا مقصورا الحجارة و قيل الحجر الصلد الضخم لا ينبت شيئا و الواحدة صفاة و جمس و جمد بمعنى و قيل أكثر ما يستعمل في الماء جمد و في السمن و غيره جمس و صخرة جامسة أي ثابتة في موضعها و الأكل بالضم كما في بعض النسخ و بضمتين كما في بعضها المأكول و الأكلة بالضم اللقمة و علوها و سفلها بالضم فيهما في بعض النسخ و بالكسر في بعضها و الضميران كالسوابق. قال بعض شراح النهج علوها رأسها و ما يليه إلى الجزء المتوسط و يحتمل رجوعهما إلى المجاري و الشراسيف مقاط الأضلاع و هي أطرافها التي تشرف على البطن و قيل الشرسوف كعصفور غضروف معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف و لا حاجة إلى الحمل على المجاز كما يظهر من كلام بعض الشارحين و الأذن بضمتين في النسخ و القضاء يكون بمعنى الأداء قال الله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ و قال فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ و قضاء العجب أو التعجب الكامل و قال بعض الشارحين يحتمل أن يكون بمعنى الموت من قولهم قضى فلان أي مات أي لقضيت نحبك من شدة تعجبك و يكون عجبا نصبا على المفعول له و لا يخفى بعده و الدعامة و الدعام بالكسر فيهما عماد البيت و الخشب المنصوب للتعريش   و فيه تشبيه لها بالبيت المبني على الدعائم و في بعض النسخ لم يعنه و الضرب في الأرض السير فيها أو الإسراع فيه و الدلالة بالفتح كما في بعض النسخ و بالكسر كما في بعضها الاسم من قولك دله إلى الشي‏ء و عليه أي أرشده و سدده و الغامض خلاف الواضح و الغرض من الكلام دفع توهم يسر الخلق و سهولة الإبداع في بعض الأشياء للصغر و خفاء دقائق الصنع و الجليل العظيم يقال جل كفر جلالة بالفتح أي عظم و الغرض استواء نسبة القدرة الكاملة إلى الأنواع كذلك السماء قيل المشبه به الأمور المتضادة السابقة و المشبه هو السماء و الهواء و الرياح و الماء و وجه الشبه هو حاجتها في خلقها و تركيبها و أحوالها المختلفة و المتفقه إلى صانع حكيم و يحتمل أن يكون التشبيه في استواء نسبة القدرة. فانظر إلى الشمس و القمر إلخ أي تدبر فيما أودع في هذه الأشياء من غرائب الصنعة و لطائف الحكمة و قيل استدلال بإمكان الأعراض على ثبوت الصانع بأن يقال كل جسم يقبل لجسميته المشتركة بينه و بين سائر الأجسام ما يقبله غيره من الأجسام فإذا اختلف الأجسام في الأعراض فلا بد من مخصص و هو الصانع الحكيم انتهى. و اختلاف الليل و النهار تعاقبهما و فجر الماء أي فتح له طريقا فتفجر و انفجر أي جرى و سال و المراد بالبحار الأنهار العظيمة أو البحار المعروفة و تفجرها جريانها لو وجدت طريقا و القلال كجبال جمع قلة بالضم و هي أعلى الجبل و قيل الجبل و تفرق اللغات اختلافها و تباينها كما قال عز و جل وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ و الويل الحزن و الهلاك و المشقة من العذاب و علم واد في جهنم و الجملة تحتمل الإخبار و الدعاء قال سيبويه الويل مشترك بين الدعاء و الخبر. و المراد بالنبات ما ينبت في الصحاري و الجبال من غير زرع و ليس المراد أن النبات ليس له مقدر و لا مدبر بل المعنى أن النبات المذكور كما أنه ليس له مدبر من البشر يزعمون أن الإنسان يحصل من غير مدبر أصلا و قيل المراد أنهم قاسوا

    أنفسهم على النبات الذي جعلوا من الأصول المسلمة أنه لا مقدر له بل ينبت بنفسه من غير مدبر و ذكر الاختلاف في الصور لأنه من الدلائل الواضحة على الصانع لم يلجئوا أي لم يستندوا و الغرض استنادهم في دعواهم إلى قياس باطل و ظن ضعيف كما قال عز و جل وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ و أوعى الشي‏ء و وعاه على المجرد كما في بعض النسخ أي حفظه و جمعه أي لم يرتبوا العلوم الضرورية و لم يحصلوا المقدمات على وجهها حتى تفضي إلى نتيجة صحيحة و جنى فلان جناية بالكسر أي جر جريرة على نفسه و قومه و يقال جنيت الثمرة أجنيها و اجتنيتها أي اقتطفتها و اسم الفاعل منها جان إلا أن المصدر من الثاني جنى لا جناية و الغرض دعوى الضرورة في الاحتياج إلى الصانع و الفاعل كالبناء و الجناية لا الاستناد إلى القياس. قلت في الجرادة أي تكلمت في بديع صنعتها و عجيب فطرتها و أسرج لها حدقتين أي جعلهما مضيئتين كالسراج قمراوين أي منيرتين كالليلة القمراء المضيئة بالقمر و جعل لها السمع الخفي أي عن أعين الناظرين و قيل المراد بالخفي اللطيف السامع لخفي الأصوات فوصف بالخفة مجازا من قبيل إطلاق اسم المقبول على القابل و هو أنسب بقوله ع و جعل لها الحس القوي و قيل أراد بحسها قوتها الوهمية و بقوته حذقتها فيما ألهمت إياه من وجوه معاشها و تصرفها يقال لفلان حس حاذق إذا كان ذكيا فطنا دراكا و الناب في الأصل السن خلف الرباعية و قرض كضرب أي قطع و المنجل كمنبر حديدة يقضب بها الزرع و قيل المنجلان رجلاها شبههما بالمناجل لعوجهما و خشونتهما و رهبه كعلم أي خاف و ذب عن حريمه كمد أي دفع و حمى و أجلبوا أي تجمعوا و تألبوا و أجلب على فرسه أي استحثه للعدو بوكز أو صياح أو نحو ذلك بجمعهم أي بأجمعهم و كلمة   لو للوصل و الحرث الزرع و نزا كدعا أي وثب و خلقها الجملة حالية و استدق صار دقيقا الذي يسجد أي حقيقة فإنه يسجد له الملائكة و المؤمنون من الثقلين طوعا حالتي الشدة و الرخاء و الكفرة له كرها حال الشدة و الضرورة أو أعم منها و من السجدة المجازية و هي الخضوع و الدخول تحت ذل الافتقار و الحاجة كما مر مرارا و العقر بالتحريك و قد يسكن وجه الأرض و يطلق على التراب و عفره في التراب كضرب و عفره تعفيرا أي مرغه فيه و كان التعفير في البعض كأهل السماوات كناية عن غاية الخضوع و الإلقاء بالطاعة مجاز عن الانقياد و في بعض النسخ بالطاعة إليه و السلم بالكسر كما في بعض النسخ الصلح و بالتحريك كما في بعضها الاستسلام و الانقياد و القياد بالكسر ما يقاد به و إعطاء القياد الانقياد و الرهبة الخوف و أرسى أي أثبت و الندى البلل و المطر و اليبس بالتحريك ضد الرطوبة و طريق يبس أي لا نداوة فيه و لا بلل و الحمام بالفتح كل ذي طوق من الفواخت و القماري و الوراشين و غيرها و الحمامة تقع على الذكر و الأنثى كالحية و النعامة و اسم الجنس من النعامة نعام بالفتح و الغرض بيان عموم علمه سبحانه و قدرته دعا كل طائر باسمه قيل الدعاء استعارة في أمر كل نوع بالدخول في الوجود و قد عرفت أن ذلك الأمر يعود إلى حكم القدرة الإلهية عليه بالدخول في الوجود كقوله تعالى فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا الآية و لما استعار الدعاء رشح بذكر الاسم لأن الشي‏ء إنما يدعى باسمه و يحتمل أن يريد الاسم اللغوي و هو العلامة فإن لكل نوع من الطير خاصة و سمة ليست للآخر و يكون المعنى أنه تعالى أجرى عليها حكم القدرة بما لها من السمات و الخواص في العلم الإلهي و اللوح المحفوظ و قال بعضهم أراد أسماء الأجناس و ذلك أن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل لغة تواضع عليها العباد في المستقبل و ذكر

    الأسماء التي يتواضعون عليها و ذكر لكل اسم مسماة فعند إرادة خلقها نادى كل نوع باسمه فأجاب داعيه و أسرع في إجابته و كفل برزقه أي ضمن و السحاب جمع سحابة و هي الغيم و الهطل بالفتح تتابع المطر أو الدمع و سيلانه و قيل تتابع المطر المتفرق العظيم القطر و الديمة بالكسر مطر يدوم في سكون بلا رعد و برق و الجمع ديم كعنب و تعديد القسم إحصاء ما قدر منها لكل بلد و أرض على وفق الحكمة و البلة بالكسر ضد الجفاف يقال بله فابتل و الجفوف بالضم الجفاف بالفتح و الجدوب بالضم انقطاع المطر و يبس الأرض

20-  الشهاب، قال رسول الله ص لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم سمينا

 الضوء في الحديث استزادة من بني آدم و إعلام أن البهائم لو كان لها عقل لكانت أضبط منهم و ذلك لأنها ليست بمكلفة و لو علمت بالموت لم تأكل و لم تشرب فكانت تهزل و ابن آدم يأكل و يشرب و يعلم أنه غدا ميت و فيه تعيير بالقصور عن البهائم في هذه الخلة خاصة فعليك أيها العاقل بالانتباه من سنة الغفلة فإن هذا الخطاب لك و فائدة الحديث إعلام أن البهائم الخرس لو علمت الموت لما سمنت بالرتوع في المراتع و لأمسكت عن الرعي

21-  كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله ع قال ما يصاد من الطير إلا ما ضيع التسبيح

22-  أصل قديم منقول من خط التلعكبري رحمه الله قال أخبرني محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن مولى للقميين قد أخبرني عمن أخبره عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال قال رجل من اليهود لرسول الله ص يا محمد أخبرني ما يقول الحمار في نهيقه و ما يقول الفرس في   صهيله و ما يقول الدراج في صوته و ما تقول القنبرة في صوتها و ما يقول الضفدع في نقيقه و ما يقول الهدهد في صوته قال فأطرق رسول الله ص ثم قال أعد علي يا يهودي قال فأعاد فقال رسول الله ص أما الحمار فيلعن العشار و أما الفرس فيقول الملك لله الواحد القهار و أما الدراج فيقول الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى و أما الديك فيقول سبوح قدوس رب الملائكة و الروح و أما الضفدع فيقول اذكروا الله يا غافلين و أما الهدهد فيقول رحمك الله يا داود يعني سليمان بن داود و أما القنبرة فيقول لعن الله من يبغض أهل بيت رسول الله ص

23-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم إنما سميت الوحش لأنها استوحشت من آدم يوم هبوطه

24-  المناقب لابن شهرآشوب، روى أبو بكر الشيرازي بالإسناد عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين ع في قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عرض الله أمانتي على السماوات السبع بالثواب و العقاب فقلن ربنا لا تحملنا بالثواب و العقاب و لكنها نحملها بلا ثواب و لا عقاب و إن الله عرض أمانتي و ولايتي على الطيور فأول من آمن بها البزاة البيض و القنابر و أول من جحدها البوم و العنقاء فأما البوم فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطير لها و أما العنقاء فغابت في البحار لا ترى و إن الله عرض إمامتي على الأرضين فكل بقعة آمنت بولايتي جعلها طيبة زكية و جعل نباتها و ثمرها حلوا عذبا و جعل ماءها زلالا و كل بقعة جحدت إمامتي و أنكرت ولايتي جعلها سبخة و جعل نباتها مرا علقما و جعل ثمرها العوسج و الحنظل و جعل ماءها ملحا أجاجا ثم قال وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ يعني أمتك يا محمد ولاية أمير المؤمنين و إمامته بما فيها من الثواب و العقاب إِنَّهُ كانَ   ظَلُوماً لنفسه جَهُولًا لأمر ربه من لم يؤدها بحقها فهو ظلوم غشوم

 بيان في القاموس العلقم الحنظل و كل شي‏ء مر و النبقة المرة فإن قلت لما أبوا أولا حملها كيف قبل بعض الطيور و الأرضين قلت ليس في أول الخبر ذكر الأرضين و لا في آخره العرض على السماوات فلا تنافي لكن يرد عليه أنه تفسير للآية و فيها ذكر إباء السماوات و الأرضين و الجبال جميعا فذكر السماوات أولا على المثال و الاكتفاء في البعض لظهور البواقي فإما أن يحمل العرض أولا على العرض على مجموع السماوات و الأرضين و الجبال إجمالا و الثاني على العرض على كل حيوان و كل بقعة تفصيلا أو يقال ليس في أول الخبر إلا امتناعها عن الحمل بالثواب و العقاب فلا ينافي قبول بعضها و رد بعضها عند العرض بلا ثواب و لا عقاب فقوله و لكنا نحملها قول بعضهم أو قول الجملة باعتبار البعض أو يحمل الأول على الظاهري و الثاني على القلبي و الله يعلم

25-  الدر المنثور، عن النبي ص قال إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم فأمر رسول الله ص بقتله

 و عن أم شريك عنه أن النبي ص أمر بقتل الأوزاغ و قال كانت تنفخ على إبراهيم ع

 و عن قتادة عن بعضهم عن النبي ص قال كانت الضفدع تطفئ النار عن إبراهيم و كانت الوزغ تنفخ عليه فنهى عن قتل هذا و أمر بقتل الوزغ

 و عن أنس قال قال رسول الله ص لا تسبوا الضفدع فإن صوته تسبيح و تقديس و تكبير إن البهائم استأذنت ربها في أن تطفئ النار عن إبراهيم فأذن للضفادع فتراكبت عليه فأبدلها الله بحر النار الماء

    و عن ابن مسعود عن كعب الحبر قال جاءت هامة إلى سليمان فقال السلام عليك يا نبي الله فقال و عليك السلام يا هام أخبرني كيف لا تأكلين الزرع فقالت يا نبي الله لأن آدم عصى ربه بسببه فلذلك لا آكله قال فكيف لا تشربين الماء قالت يا نبي الله لأن الله أغرق بالماء قوم نوح من أجل ذلك تركت شربه قال فكيف تركت العمران و سكنت الخراب قالت لأن الخراب ميراث الله و أنا أسكن في ميراث الله و قد ذكر الله ذلك في كتابه فقال وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها إلى قوله وَ كُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ

 و عن أبي الصديق الناجي قال خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء و هي تقول اللهم أنا خلق من خلقك ليس لنا غنى عن رزقك فإما أن تسقينا و إما أن تهلكنا فقال سليمان للناس ارجعوا فقد سقاكم بدعوة غيركم

 و عن أبي الدرداء قال كان داود ع يقضي بين البهائم يوما و بين الناس يوما فجاءت بقرة فوضعت قرنها على حلقة الباب ثم نغمت كما تنغم الوالدة على ولدها و قالت كنت شابة كانوا ينتجوني و يستعملوني ثم إني كبرت فأرادوا أن يذبحوني فقال داود أحسنوا إليها لا تذبحوها ثم قرأ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ

    و عن نوف و الحكم قالا كان النمل في زمن سليمان أمثال الذباب

 و عن ابن عباس أنه سئل كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال إن سليمان نزل منزلا فلم يدر ما بعد الماء و كان الهدهد يدل سليمان على الماء فأراد أن يسأله عنه ففقده قيل كيف ذاك و الهدهد ينصب له الفخ يلقي عليه التراب و يضع له الصبي الحبالة فيغيبها فيصدها فقال إذا جاء القضاء ذهب البصر

26-  كتاب عبد الملك بن حكيم عن بشير النبال عن أبي عبد الله ع قال سهر داود ع ليلة يتلو الزبور فأعجبته عبادته فنادته ضفدع يا داود تعجب من سهرك ليلة و إني لتحت هذه الصخرة منذ أربعين سنة ما جف لساني عن ذكر الله عز و جل

27-  الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ع أنه كان يقول ما بهمت البهائم عنه فلم تبهم عن أربعة معرفتها بالرب تبارك و تعالى و معرفتها بالموت و معرفتها بالأنثى من الذكر و معرفتها بالمرعى الخصب

    الكافي، عن العدة عن سهل بن زياد عن ابن محبوب مثله

 الفقيه، بإسناده الصحيح عن ابن رئاب مثله.

 ثم قال رحمه الله و أما الخبر الذي روي عن الصادق ع أنه قال لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم منها سمينا قط

فليس بخلاف هذا الخبر لأنها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون

28-  مجالس الشيخ، عن جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن صالح بن فيض عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي حمزة قال كان علي بن الحسين ع يقول مهما أبهمت عنه البهائم فلم تبهم عن أربع معرفتها بالرب عز و جل و معرفتها بالمرعى الخصب و معرفتها بالأنثى عن الذكر و معرفتها بالموت و الفرار منه

 قال أبو المفضل حدثنا محمد بن صالح عن أحمد بن محمد بجميع كتاب المشيخة عن ابن محبوب

29-  الكافي، عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحجال و ابن فضال عن ثعلبة عن يعقوب بن سالم عن رجل عن أبي عبد الله ع قال مهما أبهم على البهائم من شي‏ء فلا يبهم عليها أربع خصال معرفة أن لها خالقا و معرفة طلب الرزق و معرفة الذكر من الأنثى و مخافة الموت

30-  العلل، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن الحسن بن علي عن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال لقد شكرت الشياطين الأرضة حين أكلت عصاة سليمان ع حتى   سقط و قالوا عليك الخراب و علينا الماء و الطين فلا تكاد تراها في موضع إلا رأيت ماء و طينا

31-  المناقب لابن شهرآشوب، في حديث أبي حمزة الثمالي أنه دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين ع و قال يا ابن الحسين أنت تقول إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها فقال بلى ثكلتك أمك قال فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين فأمر بشد عينيه بعصابة و عيني بعصابة ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه فقال ابن عمر يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي فقال هيه و أريه إن كنت من الصادقين ثم قال يا أيتها الحوت قال فاطلع الحوت رأسه من البحر مثل جبل العظيم و هو يقول لبيك لبيك يا ولي الله فقال من أنت قال أنا حوت يونس يا سيدي قال أنبئنا بالخبر قال يا سيدي إن الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى أن صار جدك محمد ص إلا و قد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم و تخلص و من توقف عنها و تمنع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية و ما لقي نوح من الغرق و ما لقي إبراهيم من النار و ما لقي يوسف من الجب و ما لقي أيوب من البلاء و ما لقي داود من الخطيئة إلى أن بعث الله يونس فأوحى الله إليه أن يا يونس تول أمير المؤمنين عليا ع و الأئمة الراشدين من صلبه في كلام له قال فكيف أتولى من لم أره و لم أعرفه و ذهب مغتاظا فأوحى الله إلي أن التقمي يونس و لا توهني له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ قد قبلت   ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و الأئمة الراشدين من ولده فلما أن آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر فقال زين العابدين ع ارجع أيها الحوت إلى وكرك و استوى الماء

 أقول قد مر شرح الخبر و تأويله في معجزات علي بن الحسين ع و باب أحوال يونس ع

32-  توحيد المفضل، قال الصادق ع يا مفضل فكر في هذه الأصناف الثلاثة من الحيوان و في خلقها على ما هي عليه بما فيه صلاح كل واحد منها فالإنس لما قدروا أن يكونوا ذوي ذهن و فطنة و علاج لمثل هذه الصناعات من البناء و النجارة و الصناعة و الخياطة و غير ذلك خلقت لهم أكف كبار ذوات أصابع غلاظ ليتمكنوا من القبض على الأشياء و أوكدها هذه الصناعات و آكلات اللحم لما قدر أن يكون معايشها من الصيد خلقت لهم أكف لطاف مدمجة ذوات براثن و مخاليب تصلح لأخذ الصيد و لا تصلح للصناعات و آكلات النبات لما قدر أن يكونوا لا ذات صنعة و لا ذات صيد خلقت لبعضها أظلاف تقيها خشونة الأرض   إذا حاول طلب الرعي و لبعضها حوافر ململمة ذوات قعر كأخمص القدم تنطبق على الأرض ليتهيأ للركوب و الحمولة تأمل التدبير في خلق آكلات اللحم من الحيوان حين خلقت ذوات أسنان حداد و براثن شداد و أشداق و أفواه واسعة فإنه لما قدر أن يكون طعمها اللحم خلقت خلقة تشاكل ذلك و أعينت بسلاح و أدوات تصلح للصيد و كذلك تجد سباع الطير ذوات مناقير و مخاليب مهيئة لفعلها و لو كانت الوحوش ذوات مخالب كانت قد أعطيت ما لا يحتاج إليه لأنها لا تصيد و لا تأكل اللحم و لو كانت السباع ذوات أظلاف كانت قد منعت ما تحتاج إليه أعنى السلاح الذي به تصيد و تتعيش أ فلا ترى كيف أعطي كل واحد من الصنفين ما يشاكل صنفه و طبقته بل ما فيه بقاؤه و صلاحه انظر الآن إلى ذوات الأربع كيف تراها تتبع أمهاتها مستقلة بأنفسها لا تحتاج إلى الحمل و التربية كما تحتاج أولاد الإنس فمن أجل أنه ليس عند أمهاتها ما عند أمهات البشر من الرفق و العلم بالتربية و القوة عليها بالأكف و الأصابع المهيئة لذلك أعطيت النهوض و الاستقلال بأنفسها و كذلك ترى كثيرا من الطير كمثل الدجاج و الدراج و القبج تدرج و تلقط حين ينقاب عنها البيض فأما ما كان منها ضعيفا لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام و اليمام و الحمر فقد جعل في الأمهات فضل عطف عليها فصارت تمج الطعام في أفواهها بعد ما توعيه حواصلها فلا تزال تغذوها حتى تستقل بأنفسها و لذلك لم ترزق الحمام فراخا كثيرة مثل ما ترزق الدجاج لتقوى الأم على تربية فراخها فلا تفسد و لا تموت فكل أعطي بقسط من تدبير الحكيم اللطيف الخبير   انظر إلى قوائم الحيوان كيف تأتي أزواجا لتهيأ للمشي و لو كانت أفرادا لم تصلح لذلك لأن الماشي ينقل بعض قوائمه و يعتمد على بعض فذو القائمتين ينقل واحدة و يعتمد على واحدة و ذو الأربع ينقل اثنين و يعتمد على اثنين و ذلك من خلاف لأن ذا الأربع لو كان ينقل قائمتين من أحد جانبيه و يعتمد على قائمتين من الجانب الآخر لما يثبت على الأرض كما لا يثبت السرير و ما أشبهه فصار ينقل اليمنى من مقاديمه مع اليسرى من مآخيره و ينقل الأخريين أيضا من خلاف فيثبت على الأرض و لا يسقط إذا مشى أ ما ترى الحمار كيف يذل للطحن و الحمولة و هو يرى الفرس مودعا منعما و البعير لا يطيقه عدة رجال لو استعصى كيف كان ينقاد للصبي و الثور الشديد كيف كان يذعن لصاحبه حتى يضع النير على عنقه و يحرث به و الفرس الكريم يركب السيوف و الأسنة بالمواتاة لفارسه و القطيع من الغنم يرعاه رجل واحد و لو تفرقت الغنم فأخذ كل واحد منها في ناحية لم يلحقها و كذلك جميع الأصناف المسخرة للإنسان فبم كانت كذلك إلا بأنها عدمت العقل و الروية فإنها لو كانت تعقل و تروي في الأمور كانت خليقة أن تلتوي على الإنسان في كثير من مآربه حتى يمتنع الجمل على قائده و الثور على صاحبه و تتفرق الغنم عن راعيها و أشباه هذا من الأمور و كذلك هذه السباع لو كانت ذات عقل و روية فتوازرت على الناس كانت خليقة أن تحاجهم فمن كان يقوم للأسد و الذئاب و النمورة و الدببة لو

   تعاونت و تظاهرت على الناس أ فلا ترى كيف حجر ذلك عليها و صارت مكان ما كان يخاف من إقدامها و نكايتها تهاب مساكن الناس و تحجم عنها ثم لا تظهر و لا تنتشر لطلب قوتها إلا بالليل فهي مع صولتها كالخائف للإنس بلا مقموعة ممنوعة منهم و لو لا ذلك لساورتهم في مساكنهم و ضيقت عليهم ثم جعل في الكلب من بين هذه السباع عطف على مالكه و محاماة عنه و حفاظ له فهو ينتقل على الحيطان و السطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه و ذب الدغار عنه و يبلغ من محبته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه و دون ماشيته و ماله و يألفه غاية الألف حتى يصبر معه على الجوع و الجفوة فلم طبع الكلب على هذه الإلف إلا ليكون حارسا للإنسان له عين بأنياب و مخاليب و نباح هائل ليذعر منه السارق و يتجنب المواضع التي يحميها و يحضرها يا مفضل تأمل وجه الدابة كيف هو فإنك ترى العينين شاخصتين أمامها لتبصر ما بين يديها لئلا تصدم حائطا أو تتردى في حفرة و ترى الفم مشقوقا شقا في أسفل الخطم و لو شق كمكان الفم من الإنسان في مقدم الذقن لما استطاع أن يتناول به شيئا من الأرض أ لا ترى أن الإنسان لا يتناول الطعام بفيه و لكن بيده تكرمة له على سائر الآكلات فلما لم يكن للدابة يد تتناول بها العلف جعل خطمها مشقوقا من أسفله لتقبض به على العلف ثم تقضمه و أعينت بالجحفلة تتناول بها ما قرب و ما بعد اعتبر بذنبها و المنفعة لها فيه فإنه بمنزلة الطبق على الدبر و الحياء جميعا يواريهما و يسترهما و من منافعها فيه أن ما بين الدبر و مراقي البطن منها وضر يجتمع عليه الذباب و البعوض فجعل لها الذنب كالمذبة تذب بها عن ذلك الموضع   و منها أن الدابة تستريح إلى تحريكه و تصريفه يمنة و يسرة فإنه لما كان قيامها على الأربع بأسرها و شغلت المقدمتان بحمل البدن عن التصرف و التقلب كان لها في تحريك الذنب راحة و فيه منافع أخرى يقصر عنها الوهم يعرف موقعها في وقت الحاجة إليها فمن ذلك أن الدابة ترتطم في الوحل فلا يكون شي‏ء أعون على نهوضها من الأخذ بذنبها و في شعر الذنب منافع للناس كثيرة يستعملونها في مآربهم ثم جعل ظهرها مسطحا مبطوحا على قوائم أربع ليتمكن من ركوبها و جعل حياءها بارزا من ورائها ليتمكن الفحل من ضربها و لو كان أسفل البطن كمكان الفرج من المرأة لم يتمكن الفحل منها أ لا ترى أنه لا تستطيع أن يأتيها كفاحا كما يأتي الرجل المرأة تأمل مشفر الفيل و ما فيه من لطيف التدبير فإنه يقوم مقام اليد في تناول العلف و الماء و ازدرادهما إلى جوفه و لو لا ذلك ما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض لأنه ليست له رقبة يمدها كسائر الأنعام فلما عدم العنق أعين مكان ذلك بالخرطوم الطويل ليسدله فيتناول به حاجته فمن ذا الذي عوضه مكان العضو الذي عدمه ما يقوم مقامه إلا الرءوف بخلقه و كيف يكون هذا بالإهمال كما قالت الظلمة فإن قال قائل فما باله لم يخلق ذا عنق كسائر الأنعام قيل له إن رأس الفيل و أذنيه أمر عظيم و ثقل ثقيل و لو كان ذلك على عنق عظيمة لهدها و أوهنها فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكيلا ينال منه ما وصفنا و خلق له مكان العنق هذا المشفر ليتناول به غذاءه فصار مع عدمه العنق مستوفيا ما فيه بلوغ حاجته

   انظر الآن كيف حياء الأنثى من الفيلة في أسفل بطنها فإذا هاجت للضراب ارتفع و برز حتى يتمكن الفحل من ضربها فاعتبر كيف جعل حياء الأنثى من الفيلة على خلاف ما عليه في غيرها من الأنعام ثم جعلت فيه هذه الخلة ليتهيأ للأمر الذي فيه قوام النسل و دوامه فكر في خلق الزرافة و اختلاف أعضائها و شبهها بأعضاء أصناف من الحيوان فرأسها رأس فرس و عنقها عنق جمل و أظلافها أظلاف بقرة و جلدها جلد نمر و زعم ناس من الجهال بالله عز و جل إن نتاجها من فحول شتى قالوا و سبب ذلك أن أصنافا من حيوان البر إذا وردت الماء تنزو على بعض السائمة و ينتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من أصناف شتى و هذا جهل من قائله و قلة معرفته بالباري جل قدسه و ليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف فلا الفرس يلقح الجمل و لا الجمل يلقح البقر و إنما يكون التلقيح من بعض الحيوان فيما يشاكله و يقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمارة فيخرج بينهما البغل و يلقح الذئب الضبع فيخرج بينهما السمع على أنه ليس يكون في الذي يخرج من بينهما عضو من كل واحد منهما كما في الزرافة عضو من الفرس و عضو من الجمل و أظلاف من البقرة بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل فإنك ترى رأسه و أذنيه و كفله و ذنبه و حوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس و الحمار و شحيجه كالممتزج من صهيل و نهيق الحمار فهذا دليل على أنه ليست الزرافة من لقاح أصناف شتى من الحيوان كما زعم الجاهلون بل هي خلق عجيب من خلق الله للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شي‏ء و ليعلم أنه خالق أصناف الحيوان كلها يجمع بين ما يشاء من أعضائها في أيها شاء و يفرق ما شاء منها في أيها شاء و يزيد في الخلقة ما شاء و ينقص منها ما شاء دلالة على قدرته على الأشياء و أنه لا يعجزه شي‏ء

   أراده جل و تعالى فأما طول عنقها و المنفعة لها في ذلك فإن منشأها و مرعاها في غياطل ذوات أشجار شاهقة ذاهبة طولا في الهواء فهي تحتاج إلى طول العنق لتناول بفيها أطراف تلك الأشجار فتتقوت من ثمارها تأمل خلق القرد و شبهه بالإنسان في كثير من أعضائه أعني الرأس و الوجه و المنكبين و الصدر و كذلك أحشاؤه شبيهة أيضا بأحشاء الإنسان و خص مع ذلك بالذهن و الفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومئ إليه و يحكي كثيرا مما يرى الإنسان بفعله حتى أنه يقرب من خلق الإنسان و شمائله في التدبير في خلقته على ما هي عليه أن يكون عبرة للإنسان في نفسه فيعلم أنه من طينة البهائم و سنخها إذ كان يقرب من خلقها هذا القرب و لو لا أنه فضيلة فضله بها في الذهن و العقل و النطق كان كبعض البهائم على أن في جسم القرد فضولا أخرى يفرق بينه و بين الإنسان كالخطم و الذنب المسدل و الشعر المجلل للجسم كله و هذا لم يكن مانعا للقرد أن يلحق بالإنسان لو أعطي مثل ذهن الإنسان و عقله و نطقه و الفصل الفاصل بينه و بين الإنسان بالصحة هو النقص في العقل و الذهن و النطق انظر يا مفضل إلى لطف الله جل اسمه بالبهائم كيف كسيت أجسامهم هذه الكسوة من الشعر و الوبر و الصوف ليقيها من البرد و كثرة الآفات و ألبست   الأظلاف و الحوافر و الأخفاف ليقيها من الحفاء إذ كانت لا أيدي لها و لا أكف و لا أصابع مهيئة للغزل و النسج فكفوا بأن جعل كسوتهم في خلقتهم باقية عليهم ما بقوا لا يحتاجون إلى تجديدها و الاستبدال بها فأما الإنسان فإنه ذو حيلة و كف مهيئة للعمل فهو ينسج و يغزل و يتخذ لنفسه الكسوة و يستبدل بها حالا بعد حال و له في ذلك صلاح من جهات من ذلك أنه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث و ما يخرجه إليه الكفاية و منها أنه يستريح إلى خلع كسوته و لبسها إذا شاء و منها أنه يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال و روعة فيتلذذ بلبسها و تبديلها و كذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف و النعال يقي بها قدميه و في ذلك معايش لمن يعلمه من الناس و مكاسب يكون فيها معاشهم و منها أقواتهم و أقوات عيالهم فصار الشعر و الوبر و الصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة و الأظلاف و الحوافر و الأخفاف مقام الحذاء فكر يا مفضل في خلقة عجيبة في البهائم فإنهم يوارون أنفسهم إذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم و إلا فأين جيف هذه الوحوش و السباع و غيرها لا يرى منها شي‏ء و ليست قليلة فتخفى لقلتها بل لو قال قائل إنها أكثر من الناس لصدق فاعتبر ذلك بما تراه في الصحاري و الجبال من أسراب الظباء و المها و الحمير و الوعول و الأيائل و غير ذلك من الوحوش و أصناف السباع من الأسد و الضباع و الذئاب و النمور و غيرها و ضروب الهوام و الحشرات و دواب الأرض و كذلك أسراب الطير من الغربان و القطا و الإوز و الكراكي و الحمام و سباع الطير

   جميعا و كلها لا يرى منها إذا ماتت إلا الواحد بعد الواحد يصيده قانص و يفترسه سبع فإذا أحسوا بالموت كمنوا في مواضع خفية فيموتون فيها و لو لا ذلك لامتلأت الصحاري منها حتى تفسد رائحة الهواء و يحدث الأمراض و الوباء فانظر إلى هذا الذي يخلص إليه الناس و عملوه بالتمثيل الأول الذي مثل لهم كيف جعل طبعا و في البهائم و غيرها ادكارا ليسلم الناس من معرة ما يحدث عليهم من الأمراض و الفساد فكر يا مفضل في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع و الخلقة لطفا من الله عز و جل لهم لئلا يخلو من نعمه جل و عز أحد من خلقه لا بعقل و روية فإن الأيل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب الماء خوفا من أن يدب السم في جسمه فيقتله و يقف على الغدير و هو مجهود عطشا فيعج عجيجا عاليا و لا يشرب منه و لو شرب لمات من ساعته فانظر إلى ما جعل من طباع هذه البهيمة من تحمل الظماء الغالب خوفا من المضرة في الشرب و ذلك مما لا يكاد الإنسان العاقل المميز يضبطه من نفسه و الثعلب إذا أعوزه الطعم تماوت و نفخ بطنه حتى يحسبه الطير ميتا فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها فأخذها فمن أعان الثعلب العديم النطق و الروية بهذه الحيلة إلا من توكل بتوجيه الرزق له من هذا و شبهه فإنه لما كان الثعلب يضعف عن كثير مما يقوى عليه السباع من مساورة الصيد أعين بالدهاء و الفطنة و الاحتيال لمعاشه و الدلفين يلتمس صيد الطير فيكون حيلته في ذلك أن يأخذ السمك فيقتله و يشرحه حتى يطفو على   الماء ثم يكمن تحته و يثور الماء الذي عليه حتى لا يتبين شخصه فإذا وقع الطير على السمك الطافي وثب إليها فاصطادها فانظر إلى هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة قال المفضل فقلت خبرني يا مولاي عن التنين و السحاب فقال ع إن السحاب كالموكل به يختطفه حيثما ثقفه كما يختطف حجر المغناطيس الحديد فهو لا يطلع رأسه في الأرض خوفا من السحاب و لا يخرج إلا في القيظ مرة إذا سحت السماء فلم يكن فيها نكتة من غيمة قلت فلم وكل السحاب بالتنين يرصده و يختطفه إذا وجده قال ليدفع عن الناس مضرته قال المفضل فقلت قد وصفت لي يا مولاي من أمر البهائم ما فيه معتبر لمن اعتبر فصف لي الذرة و النمل و الطير فقال ع يا مفضل تأمل وجه الذرة الحقيرة الصغيرة هل تجد فيها نقصا عما فيه صلاحها فمن أين هذا التقدير و الصواب في خلق الذرة إلا من التدبير القائم في صغير الخلق و كبيره انظر إلى النمل و احتشادها في جمع القوت و إعداده فإنك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحب إلى زبيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره بل للنمل في ذلك من الجد و التشمير ما ليس للناس مثله أ ما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل ثم يعمدون إلى الحب فيقطعونه قطعا لكيلا ينبت فيفسد عليهم فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف ثم لا يتخذ النمل الزبية إلا في نشز من الأرض كي لا يفيض السيل فيغرقها فكل هذا منه بلا عقل

   و لا روية بل خلقه خلق عليها لمصلحة لطفا من الله عز و جل انظر إلى هذا الذي يقال له الليث و تسميه العامة أسد الذباب و ما أعطي من الحيلة و الرفق في معاشه فإنك تراه حين يحس بالذباب قد وقع قريبا منه تركه مليا حتى كأنه موات لا حراك به فإذا رأى الذباب قد اطمأن و غفل عنه دب دبيبا دقيقا حتى يكون منه بحيث يناله وثبة ثم يثب عليه فيأخذه فإذا أخذه اشتمل عليه بجسمه كله مخافة أن ينجو منه فلا يزال قابضا عليه حتى يحس بأنه قد ضعف و استرخى ثم يقبل عليه فيفترسه و يحيا بذلك منه فأما العنكبوت فإنه ينسج ذلك النسج فيتخذه شركا و مصيدة للذباب ثم يكمن في جوفه فإذا نشب فيه الذباب أحال عليه يلدغه ساعة بعد ساعة فيعيش بذلك منه فكذلك يحكى صيد الكلاب و النهود و هكذا يحكى صيد الأشراك و الحبائل فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل طبعها ما لا يبلغه الإنسان إلا بالحيلة و استعمال آلات فيها فلا تزدر بالشي‏ء إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة و النملة و ما أشبه ذلك فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشي‏ء الحقير فلا يضع منه ذلك كما لا يضع من الدينار و هو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد تأمل يا مفضل جسم الطائر و خلقته فإنه حين قدر أن يكون طائرا في   الجو خفف جسمه و أدمج خلقه فاقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين و من الأصابع الخمس على أربع و من منفذين للزبل و البول على واحد يجمعهما ثم خلق ذا جؤجؤ محدد ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه كما جعل السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء و تنفذ فيه و جعل في جناحيه و ذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران و كسي كله الريش ليداخله الهواء فيقله و لما قدر أن يكون طعمه الحب و اللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقه الأسنان و خلق له منقار صلب جاس يتناول به طعمه فلا ينسجح من لقط الحب و لا يتقصف من نهش اللحم و لما عدم الأسنان و صار يزدرد الحب صحيحا و اللحم غريضا أعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ و اعتبر ذلك بأن عجم العنب و غيره يخرج من أجواف الإنس صحيحا و يطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر ثم جعل مما يبيض بيضا و لا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتى تستحكم لأثقلته و عاقته عن النهوض و الطيران فجعل كل شي‏ء من خلقه مشاكلا للأمر الذي قدر أن يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد على بيضه فيحضنه أسبوعا و بعضها أسبوعين و بعضها ثلاثة أسابيع حتى يخرج الفرخ من البيضة ثم يقبل عليه فيزقه الريح لتتسع حوصلته للغذاء ثم يربيه و يغذيه بما يعيش به فمن كلفه أن يلقط الطعم و يستخرجه بعد أن يستقر في حوصلته و يغذو به فراخه و لأي معنى يحتمل هذه المشقة و ليس بذي روية و لا تفكر و لا يأمل في فراخه ما يأمل الإنسان في ولده من العز و الرفد و بقاء الذكر فهذا من فعل يشهد بأنه معطوف على فراخه لعله لا يعرفها و لا يفكر فيها و هي دوام النسل و بقاؤه لطفا من الله تعالى ذكره

   انظر إلى الدجاجة كيف تهيج لحضن البيض و التفريخ و ليس لها بيض مجتمع و لا وكر موطأ بل تنبعث و تنتفخ و تقوقي و تمتنع من الطعم حتى يجمع لها البيض فتحضنه فتفرخ فلم كان ذلك منها إلا لإقامة النسل و من أخذها بإقامة النسل و لا روية و لا تفكر لو لا أنها مجبولة على ذلك اعتبر بخلق البيضة و ما فيها من المح الأصفر الخاثر و الماء الأبيض الرقيق فبعضه لينشر منه الفرخ و بعضه ليغذى به إلى أن تنقاب عنه البيضة و ما في ذلك من التدبير فإنه لو كان نشو الفرخ في تلك القشرة المستحصنة التي لا مساغ لشي‏ء إليها لجعل معه في جوفها من الغذاء ما يكتفي به إلى وقت خروجه منها كمن يحبس في حصن حصين لا يوصل إلى من فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفي به إلى وقت خروجه منه فكر في حوصلة الطائر و ما قدر له فإن مسلك الطعم إلى القانصة ضيق لا ينفذ فيه الطعام إلا قليلا قليلا فلو كان الطائر لا يلقط حبة ثانية حتى تصل الأولى القانصة لطال عليه و متى كان يستوفي طعمه فإنما يختلسه اختلاسا لشدة الحذر فجعلت الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة ثم تنفذه إلى القانصة على مهل و في الحوصلة أيضا خلة أخرى فإن من الطائر ما يحتاج إلى أن يزق فراخه فيكون رده للطعم من قرب أسهل عليه   قال المفضل فقلت إن قوما من المعطلة يزعمون أن اختلاف الألوان و الأشكال في الطير إنما يكون من قبل امتزاج أخلاط و اختلاف مقاديرها بالمرج و الإهمال فقال يا مفضل هذا الوشي الذي تراه في الطواويس و الدراج و التدارج على استواء و مقابلة كنحو ما يخط بالأقدام كيف يأتي به الامتزاج المهمل على شكل واحد لا يختلف و لو كان بالإهمال لعدم الاستواء و لكان مختلفا تأمل ريش الطير كيف هو فإنك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك دقاق قد ألف بعضه إلى بعض كتأليف الخيط إلى الخيط و الشعرة إلى الشعرة ثم ترى ذلك النسج إذا مددته ينفتح قليلا و لا ينشق لتداخله الريح فيقل الطائر إذا طار و ترى في وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عليه الذي هو مثل الشعر ليمسكه بصلابته و هو القصبة التي في وسط الريشة و هو مع ذلك أجوف ليخف على الطائر و لا يعوقه عن الطيران هل رأيت يا مفضل هذا الطائر الطويل الساقين و عرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه فإنه أكثر ذلك في ضحضاح من الماء فتراه بساقين طويلين كأنه ربيئة فوق مرقب و هو يتأمل ما يدب في الماء فإذا رأى شيئا مما يتقوت به خطا خطوات   رقيقا حتى يتناوله و لو كان قصير الساقين و كان يخطو نحو الصيد ليأخذه يصيب بطنه الماء فيثور و يذعر منه فيتفرق عنه فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته و لا يفسد عليه مطلبه تأمل ضروب التدبير في خلق الطائر فإنك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق و ذلك ليتمكن من تناول طعمه من الأرض و لو كان طويل الساقين قصير العنق لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض و ربما أعين مع طول العنق بطول المناقير ليزداد الأمر عليه سهولة له و إمكانا أ فلا ترى أنك لا تفتش شيئا من الخلقة إلا وجدته على غاية الصواب و الحكمة انظر إلى العصافير كيف تطلب أكلها بالنهار فهي لا تفقده و لا هي تجده مجموعا معدا بل تناله بالحركة و الطلب و كذلك الخلق كله فسبحان من قدر الرزق كيف قوته فلم يجعل مما لا يقدر عليه إذ جعل للخلق حاجة إليه و لم يجعله مبذولا يناله بالهوينا إذا كان لا صلاح في ذلك فإنه لو كان يوجد مجموعا معدا كانت البهائم تتقلب عليه و لا تتقلع عنه حتى تبشم فتهلك و كان الناس أيضا يصيرون بالفراغ إلى غاية الأشر و البطر حتى يكثر الفساد و يظهر الفواحش أ علمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا بالليل كمثل البوم و الهام و الخفاش قلت لا يا مولاي

   قال إن معاشها من ضروب تنتشر في هذا الجو من البعوض و الفراش و أشباه الجراد و اليعاسيب و ذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع و اعتبر ذلك بأنك إذا وضعت سراجا بالليل في سطح أو عرصة دار اجتمع عليه من هذا شي‏ء كثير فمن أين يأتي ذلك كله إلا من القرب فإن قال قائل إنه يأتي من الصحاري و البراري قيل له كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد و كيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه مع أن هذه عيانا تتهافت على السراج من قرب فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل موضع من الجو فهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو و اعرف ذلك المعنى في خلق هذه الضروب المنتشرة التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير و ذوات الأربع بل هو إلى ذوات الأربع أقرب و ذلك أنه ذو أذنين ناشزتين و أسنان و وبر و هو يلد ولادا و يرضع و يبول و يمشي إذا مشى على أربع و كل هذا خلاف صفة الطير ثم هو أيضا مما يخرج بالليل و يتقوت مما يسري في الجو من الفراش و ما أشبهه و قد قال القائلون إنه لا طعم للخفاش و أن غذاءه من النسيم وحده و ذلك يفسد و يبطل من جهتين إحداهما خروج ما يخرج منه من الثفل و البول فإن هذا لا يكون من غير طعم و الأخرى أنه ذو أسنان و لو كان لا يطعم شيئا لم يكن للأسنان فيه معنى و ليس في الخلقة شي‏ء لا معنى له و أما المآرب فيه فمعروفة حتى أن زبله يدخل في   بعض الأعمال و من أعظم الأرب فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة الخالق جل ثناؤه و تصرفه فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة فأما الطائر الصغير الذي يقال له ابن تمرة فقد عشش في بعض الأوقات في بعض الشجر فنظر إلى حية عظيمة قد أقبلت نحو عشته فاغرة فاها لتبلعه فبينما هو يتقلب و يضطرب في طلب حيلة منها إذ وجد حسكة فحملها فألقاها في فم الحية فلم تزل الحية تلتوي و تتقلب حتى ماتت أ فرأيت لو لم أخبرك بذلك كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة العظيمة أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة اعتبر بهذا و كثير من الأشياء تكون فيها منافع لا تعرف إلا بحادث يحدث به و الخبر يسمع به انظر إلى النحل و احتشاده في صنعة العسل و تهيئة البيوت المسدسة و ما ترى في ذلك اجتماعه من دقائق الفطنة فإنك إذا تأملت العمل رأيته عجيبا لطيفا و إذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس و إذا رجعت إلى الفاعل ألفيته غبيا جاهلا بنفسه فضلا عما سوى ذلك ففي هذا أوضح الدلالة على أن الصواب و الحكمة في هذه الصنعة ليست للنحل بل هي للذي طبعه عليها و سخره فيها لمصلحة الناس انظر إلى هذه الجراد ما أضعفه و أقواه فإنك إذا تأملت خلقه رأيته كأضعف

   الأشياء و إن دلفت عساكره نحو بلد من البلدان لم يستطع أحد أن يحميه منه أ لا ترى أن ملكا من ملوك الأرض لو جمع خيله و رجله ليحمي بلاده من الجراد لم يقدر على ذلك أ فليس من الدلائل على قدرة الخالق أن يبعث أضعف خلقه إلى أقوى خلقه فلا يستطيع دفعه انظر إليه كيف ينساب على وجه الأرض مثل السيل فيغشى السهل و الجبل و البدو و الحضر حتى يستر نور الشمس بكثرته فلو كان مما يصنع بالأيدي متى كان يجتمع منه هذه الكثرة و في كم من سنة كان يرتفع فاستدل بذلك على القدرة التي لا يئودها شي‏ء و لا يكثر عليها تأمل خلق السمك و مشاكلته للأمر الذي قدر أن يكون عليه فإنه خلق غير ذي قوائم لأنه لا يحتاج إلى المشي إذا كان مسكنه الماء و خلق غير ذي رئة لأنه لا يستطيع أن يتنفس و هو منغمس في اللجة و جعلت له مكان القوائم أجنحة شداد يضرب بها في جانبيه كما يضرب الملاح بالمجاذيف جانبي السفينة و كسي جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع و الجواشن لتقيه من الآفات فأعين بفضل حس في الشم لأن بصره ضعيف و الماء يحجبه فصار يشم الطعم من البعد البعيد فينتجعه و إلا فكيف يعلم به بموضعه و اعلم أن من فيه إلى صماخيه منافذ فهو يعب الماء بفيه و يرسله من صماخيه فيتروح إلى ذلك كما يتروح غيره من الحيوان إلى أن تنسم هذا النسيم فكر الآن في كثرة نسله و ما خص به   من ذلك فإنك ترى في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لا يحصى كثرة و العلة في ذلك أن يتسع لما يغتذي به من أصناف الحيوان فإن أكثرها يأكل السمك حتى أن السباع أيضا في حافات الآجام عاكفة على الماء أيضا كي ترصد السمك فإذا مر بها خطفته فلما كانت السباع تأكل السمك و الطير يأكل السمك و الناس يأكلون السمك و السمك يأكل السمك كان من التدبير فيه أن يكون على ما هو عليه من الكثرة فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق و قصر علم المخلوقين فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك و دواب الماء و الأصداف و الأصناف التي لا تحصى و لا تعرف منافعها إلا الشي‏ء بعد الشي‏ء يدركه الناس بأسباب تحدث مثل القرمز فإنه إنما عرف الناس صبغه بأن كلبة تجول على شاطئ البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمى الحلزون فأكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس إلى حسنه فاتخذوه صبغا و أشباه هذا مما يقف الناس عليه حالا بعد حال و زمانا بعد زمان

 توضيح و أوكدها أي أوكد الأشياء و أحوجها إلى هذا النوع من الخلق هذه الصناعات و يمكن أن يكون فعلا و الضمير راجعا إلى جنس البشر أي ألزمها و ألهمها هذه الصناعات و لا يبعد إرجاعه إلى الكف أيضا و الململم بفتح اللامين المجتمع المدور المصموم و اليمام حمام الوحش و في حياة الحيوان قال الأصمعي إنه الحمام الوحشي الواحدة يمامة و قال الكسائي هي التي تألف البيوت و قال الحمر بضم الحاء المهملة و تشديد الميم و بالراء المهملة ضرب من الطير كالعصفور و روى أبو داود الطيالسي و الحاكم و قال صحيح الإسناد عن ابن مسعود قال كنا عند النبي ص فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة فجاءت   الحمرة تزف على رسول الله ص و أصحابه فقال لأصحابه أيكم فجع هذه فقال رجل يا رسول الله أخذت بيضها و في رواية الحاكم فريخها فقال ص رده رده رحمة لها انتهى. و في القاموس الحمر كصرد طائر و تشدد الميم و المودع بفتح الدال المستريح و نير الفدان الخشبة المعترضة في عنق الثورين و الدببة كعنبة جمع الدب و العين بالفتح الغلظ في الجسم و الخشونة و الخطم بالفتح من كل دابة مقدم أنفه و فمه و الجحفلة بمنزلة الشفة للبغال و الحمير و الخيل و الحياء الفرج و المراد بمراقي البطن ما ارتفع منه من وسطه أو قرب منه و الوضر الدرن. و قال الدميري ذكر القزويني أن فرج الفيلة تحت إبطها فإذا كان وقت الضراب ارتفع و برز للفحل حتى يتمكن من إتيانها فسبحان من لا يعجزه شي‏ء. أقول سيأتي أحوال الفيل في باب المسوخ إن شاء الله و قال الدميري الزرافة بفتح الزاي و ضمها مخففة الراء و هي حسنة الخلق طويلة اليدين قصيرة الرجلين مجموع يديها و رجليها نحو عشرة أذرع رأسها كرأس الإبل و قرنها كقرن البقر و جلدها كجلد النمر و قوائمها و أظلافها كالبقر و ذنبها كذنب الظبي ليس لها ركب في رجليها إنما ركبتاها في يديها و إذا مشت قدمت الرجل اليسرى و اليد اليمنى بخلاف ذوات الأربع كلها فإنها تقدم اليد اليسرى و الرجل اليمنى و في طبعها التودد و التأنس و تجتر و تبعر و لما علم الله تعالى أن قوتها في الشجر

    جعل يديها أطول من رجليها و تستعين بذلك على الرعي منها و في تاريخ ابن خلكان في ترجمة محمد بن عبد الله العتبي البصري الأخباري الشاعر أنه كان يقول الزرافة بفتح الزاي و ضمها الحيوان المعروف و هي متولدة بين ثلاثة حيوانات الناقة الوحشية و البقر الوحشية و الضبعان و هو الذكر من الضباع فيقع الضبعان على الناقة فيأتي بولد بين الناقة و الضبع فإن كان الولد ذكرا وقع على البقرة فتأتي بالزرافة و ذلك في بلاد الحبشة و لذلك قيل لها الزرافة و هي في الأصل الجماعة فلما تولدت من جماعة قيل لها ذلك و العجم يسمونها أشتر گاو پلنگ و قال قوم إنها متولدة من حيوانات و سبب ذلك اجتماع الدواب و الوحوش في القيظ عند المياه فتتسافد فيلقح منها ما يلقح و يمتنع ما يمتنع و ربما سفد الأنثى من الحيوان ذكور كثيرة فتختلط مياهها فيأتي منها خلق مختلف الصور و الأشكال و الألوان و الجاحظ لا يرتضي هذا القول و يقول إنه جهل شديد لا يصدر إلا عمن لا تحصيل لديه لأن الله تعالى يَخْلُقُ ما يَشاءُ و هو نوع من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل و الحمير و مما يحقق ذلك أنه يلد مثله و قد شوهد ذلك. و قال السمع بكسر السين ولد الذئب من الضبع و هو سبع مركب فيه شدة الضبع و قوتها و جرأة الذئب و خفته و يزعمون أنه كالحية لا يعرف العلل و لا يموت حتف أنفه و أنه أسرع عدوا من الريح و قال القرد حيوان معروف و جمعه قرود و قد يجمع على قردة بكسر القاف   و فتح الراء المهملة و الأنثى قردة بكسر القاف و إسكان الراء و جمعها قرد بكسر القاف و فتح الراء و بالدال في آخره مثل قربة و قرب و كنيته أبو خالد و أبو حبيب و أبو زنة و أبو قشة و هو حيوان قبيح مليح ذكي سريع الفهم يتعلم الصنعة أهدى ملك النوبة إلى المتوكل قردا خياطا و آخر صائغا و أهل اليمن يعلمون القردة القيام بحوائجهم حتى أن البقال و القصاب يعلم القردة حفظ الدكان حتى يعود صاحبه و يعلم السرقة فيسرق نقل الشيخان عن القاضي حسين أنه قال لو علم قرد النزول إلى الدار و إخراج المتاع ثم نقب و أرسل القرد فأخرج المتاع ينبغي أن لا يقطع لأن للحيوان اختيارا و روي عن أحمد بن طاهر أنه قال شهدت بالرملة قردا صائغا فإذا أراد أن ينفخ أشار إلى رجل حتى ينفخ له انتهى. و سيأتي سائر أحواله في باب المسوخ. و شحيج البغل و الحمار صوتهما و الأسراب جمع السرب و هو القطيع من الظبا و القطا و الخيل و نحوها و المها جمع المهاة و هي البقر الوحشية. قال الدميري و قيل المها نوع من البقر الوحشي و الأنثى من المها إذا حملت هربت من البقر و من طبعها الشبق و الذكر لفرط شهوته يركب ذكرا آخرا و المها أشبه شي‏ء بالمعز الأهلية و قرونها صلاب جدا و مخها يطعم صاحب القولنج ينفعه نفعا و من استصحب معه شعبة من قرن المها نفرت منه السباع و إذا بخر بقرنه أو جلده أو ظفره في بيت نفرت منه الحيات و رماد قرنه يذر على السن المتأكلة يسكن وجعها و شعره إذا بخر به بيت هربت منه الفأر و الخنافس و إذا أحرق قرنه و جعل في طعام صاحب حمى الربع فإنها تزول عنه و إذا شرب في شي‏ء من الأشربة زاد في الباه و قوى العصب و زاد في الإنعاظ و إذا نفخ في أنف الراعف قطع

    دمه و إذا أحرق قرناه حتى يصيرا رمادا و أديفا بخل و طلي به موضع البرص مستقبل الشمس فإنه يزول و إذا استف منه مقدار مثقال فإنه لا يخاصم أحدا إلا غلب عليه و الوعل بالفتح و ككتف تيس الجبل و الجمع أوعال و وعول قال الدميري الوعل بفتح الواو و كسر العين المهملة الأروى و هو التيس الجبلي و في طبعه أنه يأوي إلى الأماكن الوعر الخشنة و لا يزال مجتمعا فإذا كان وقت الولادة تفرق و إذا اجتمع في ضرع أنثى لبن امتصته و الذكر إذا عجز عن النزو أكل البلوط فتقوى شهوته و إذا لم يجد الأنثى انتزع المني بالامتصاص من فيه و ذلك إذا جذبه الشبق و في طبعه أنه إذا أصابه جرح طلب الخضرة التي في الحجارة فيمصها و يجعلها في الجرح فيبرأ و إذا أحس بقناص و هو في مكان مرتفع استلقى على ظهره ثم يزج نفسه فينحدر و يكون قرناه و هما في رأسه إلى عجزه يقيانه ما يخشى من الحجارة و يسرعان به لملوستهما على الصفا انتهى. و الأيل بضم الهمزة و كسرها و فتح الياء المشددة و كسيد الذكر من الأوعال و يقال هو الذي يسمى بالفارسية گوزن و الجمع أياييل قال الدميري و أكثر أحواله شبيهة ببقر الوحش و إذا خاف من الصيد يرمي نفسه من رأس الجبل و لا يتضرر بذلك و عدد سني عمره العقد التي في قرنه و إذا لسعته الحية أكل السرطان و يصادق السمك فهو يمشي إلى الساحل ليرى السمك و السمك يقرب من البر ليراه و الصيادون يعرفون هذا فيلبسون جلده ليقصدهم السمك فيصطادون   منه و هو مولع بأكل الحيات يطلبها حيث وجدها و ربما لسعته فتسيل دموعه إلى نقرتين تحت محاجر عينيه يدخل الإصبع فيها فتجمد تلك الدموع فتصير كالشمع فيتخذ درياقا لسم الحيات و هو البادزهر الحيواني و أجوده الأصفر و أماكنه بلاد السند و الهند و فارس و إذا وضع على لسع الحيات و العقارب نفعها و إن أمسكه شارب السم في فيه نفعه و له في دفع السموم خاصية عجيبة و هذا الحيوان لا تنبت له قرون إلا بعد مضي سنتين من عمره فإذا نبت قرناه نبتا مستقيمين كالوتدين و في الثالثة يتشعب و لا تزال التشعب في زيادة إلى تمام ست سنين فحينئذ يكونان كشجرتين في رأسه ثم بعد ذلك يلقي قرنيه في كل سنة مرة ثم ينبتان فإذا نبتا تعرض بهما للشمس ليصلبا و الأيل في نفسه جبان دائم الرعب و هو يأكل الحيات أكلا ذريعا و إذا أكل الحيات بدأ بأكل ذنبها إلى رأسها و هو يلقي قرونه في كل سنة و ذلك إلهام من الله تعالى لما للناس فيها من المنفعة لأن الناس يطردون بقرنه كل دابة سوء و ييسر عسر الولادة و ينفع الحوامل و يخرج الدود من البطن إذا أحرق جزء منه و لعق بالعسل. و قال أرسطو إن هذا النوع يصاد بالصفير و الغناء و لا ينام ما دام يسمع ذلك فالصيادون يشغلونه بذلك و يأتونه من ورائه فإذا رأوه قد استرخت أذناه أخذوه و ذكر من عصب لا لحم و لا عظم و قرنه مصمت لا تجويف فيه و يسمن هذا الحيوان سمنا كثيرا فإذا اتفق له ذلك هرب خوفا من أن يصاد و إن الأيائل تأكل الأفاعي في الصيف فتحمى و تلتهب لحرارتها فتطلب الماء فإذا رأته امتنعت من شربه و حامت عليه تتنسمه لأنها لو شربته في تلك الحالة فصادف الماء السم الذي في أجوافها هلكت فلا تزال تمتنع من شرب الماء حتى يطول بها الزمان فيذهب ثوران السم ثم تشربه فلا يضرها و إذا بخر بقرنه طرد الهوام و كل ذي سم و إذا أحرق

    قرنه و استيك به قلع الصفرة و الحفر من الأسنان و شد أصولها و من علق عليه شيئا من أجزائه لم ينم ما دام عليه و إذا جفف قضيبه و سفي هيج الباه و إذا شرب دمه فتتت الحصاة التي في المثانة انتهى. و القانص الصائد و المراد بالتمثيل ما ذكر الله تعالى في قصة هابيل المعرة الأذى قوله ع لا يعقل لعل المراد أن هذه الأمور بمحض لطفه سبحانه حيث يلهمهم ذلك لا بعقل و روية. و قال الفيروزآبادي الدلفين بالضم دابة بحرية تنجي الغريق و قال الدميري الدلفين ضبطه الجوهري في باب السين بضم الدال فقال الدخس مثل الصرد دابة في البحر تنجي الغريق تمكنه من ظهرها تستعين على السباحة و تسمى الدلفين و قال بعضهم إنه خنزير البحر و هو دابة تنجي الغريق و هو كثير بأواخر نيل مصر من جهة البحر المالح لأنه يقذف به البحر إلى النيل و صفته كصفة الزق المنفوخ و له رأس صغير جدا و ليس في دواب البحر دابة لها رئة سواه و لذا يسمع منه النفخ و النفس و هو إذا ظفر بالغريق كان أقوى الأسباب في نجاته لأنه لا يزال يدفعه إلى البر حتى ينجيه و لا يؤذي أحدا و لا يأكل إلا السمك و ربما ظهر على وجه الماء كأنه ميت و هو يلد و يرضع و أولاده تتبعه حيث ذهب و لا يلد إلا في الصيف و في طبعه الأنس و خاصة بالصبيان و إذا صيد جاءت دلافين كثيرة لقتال صائده و إذا لبث في العمق حينا حبس نفسه و صعد بعد ذلك مسرعا مثل السهم لطلب النفس فإن كانت بين يديه سفينة وثب وثبة و ارتفع بها عن   السفينة و لا يرى منها ذكر إلا مع أنثى انتهى. و قال الفيروزآبادي التنين كسكين حية عظيمة و قال الدميري ضرب من الحيات كأكبر ما يكون منها و قال القزويني في عجائب المخلوقات إنه شر من الكوسج في فمه أنياب مثل أسنة الرماح و هو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم و الجوف براق العينين يبتلع كثيرا من الحيوانات يخافه حيوان البر و البحر إذا تحرك يموج البحر لشدة قوته و أول أمره تكون حية متمردة تأكل من دواب البر ما ترى فإذا كثر فسادها احتملها ملك و ألقاها في البحر فتفعل في دواب البحر ما كانت تفعل بدواب البر فيعظم بدنها فيبعث الله تعالى إليها ملكا يحملها و يلقيها إلى يأجوج و مأجوج و روى بعضهم أنه رأى تنينا طوله نحو فرسخين و لونه مثل لون النمر مفلسا مثل فلوس السمك بجناحين عظيمين على هيئة جناحي السمك و رأسه كرأس الإنسان لكنه كالتل العظيم و أذناه طويلتان و عيناه مدورتان كبيرتان جدا انتهى. و أقول لم أر في كلامهم اختطاف السحاب للتنين و قال الفيروزآبادي القيظ صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع السهيل و الزبية بالضم الحفرة و النشز بالفتح و بالتحريك المكان المرتفع و قال الجوهري الليث الأسد و ضرب من العناكب يصطاد الذباب بالوثب و يقال أحال عليه بالسوط يضربه أي أقبل قوله فكذلك أي كفعل الليث و قوله هكذا أي كفعل العنكبوت قال الدميري العنكبوت دويبة تنسج في الهواء و جمعها عناكب و الذكر عنكب و

    وزنه فعللوت و هي قصار الأرجل كبار العيون للواحد ثمانية أرجل و ست أعين فإذا أراد صيد الذباب لطأ بالأرض و سكن إلى أطرافه و جمع نفسه ثم وثب على الذباب فلا يخطئه. قال أفلاطون أحرص الأشياء الذباب و أقنع الأشياء العنكبوت فجعل الله رزق أقنع الأشياء أحرص الأشياء فسبحان اللطيف الخبير و هذا النوع يسمى الذباب و منها نوع يضرب بالحمرة له زغب و له في رأسه أربع إبر ينهش بها و هو لا ينسج بل يحفر بيته في الأرض و يخرج بالليل كسائر الهوام منها الرتيلا قال الجاحظ الرتيل نوع من العناكب و تسمى عقرب الحيات لأنها تقتل الحيات و الأفاعي و قيل إنها ستة أنواع و قيل ثمانية و كلها من أصناف العنكبوت و قال الجاحظ ولد العنكبوت أعجب من الفروخ الذي يخرج إلى الدنيا كاسبا كاسيا لأن ولد العنكبوت يقوى على النسج ساعة يولد من غير تلقين و لا تعليم و يبيض و يحضن و أول ما يولد يكون دودا صغارا ثم يتغير و يصير عنكبوتا و تكمل صورته عند ثلاثة أيام و هو يطاول للفساد فإذا أراد الذكر الأنثى جذب بعض خيوط نسجها من الوسط فإذا فعل ذلك فعلت الأنثى مثله فلا يزالان يتدانيان حتى يتشابكا فيصير بطن الذكر قبالة بطن الأنثى و هذا النوع من العناكب حكيم و من حكمته أنه يمد السدى ثم يعمل اللحمة و يبتدئ من الوسط و يهيئ موضعا لما يصيده من مكان آخر كالخزانة فإذا وقع شي‏ء فيما نسجه و تحرك عمد إليه و شبك عليه شيئا يضعفه فإذا علم ضعفه حمله و ذهب به إلى خزانته فإذا خرق الصيد من النسج شيئا عاد إليه و رمه و الذي تنسجه لا يخرجه من جوفها بل من خارج جلدها و فمها مشقوق بالطول و هذا النوع ينسج بيته دائما مثلث الشكل و تكون سعة بيتها بحيث   يغيب فيه شخصها انتهى. و يقال وضع عنه أي حط من قدره و أقله أي حمله و رفعه و جسا كدعا صلب و يبس و سحجت جلده فانسحج أي قشرته فانقشر و التقصف التكسر و الغريض الطري أي غير مطبوخ و العجم بالتحريك النوى و تقوقي أي تصيح و المح بضم الميم و الحاء المهملة صفرة البيض و في بعض النسخ بالخاء المعجمة و تنقاب أي تنفلق و ماء ضحضاح قريب القعر و الربيئة بالهمز العين و الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو و المرقب الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب و البشم محركة التخمة بشم كفرح و الفراش هي التي تقع في السراج و اليعسوب أمير النحل و طائر أصغر من الجرادة أو أعظم و في القاموس التمرة كقبرة أو ابن تمرة طائر أصغر من العصفور و قال القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة دود في آجامهم و قال الحلزون محركة دابة تكون في الرمث أي بعض مراعي الإبل أقول و يظهر من الخبر اتحادهما و يحتمل أن يكون المراد أن من صبغ الحلزون تفطنوا بأعمال القرمز للصبغ لتشابههما. قال الدميري الحلزون دود في جوف أنبوبة حجرية يوجد في سواحل البحار و شطوط الأنهار و هذه الدود تخرج بنصف بدنها من جوف تلك الأنبوبة الصدفية و تمشي يمنة و يسرة تطلب مادة تغتدي بها فإذا أحست برطوبة و لين انبسطت إليها و إذا أحست بخشونة أو صلابة انقبضت و غاصت في جوف الأنبوبة الصدفية حذرا من المؤذي لجسمها و إذا انسابت جرت بيتها معها انتهى. أقول قد أوردنا الخبر بتمامه و شرحناه على وجه آخر في كتاب التوحيد تذييل نفعه جليل اعلم أنه قد ظهر من سياق هذا الخبر في مواضع أن الأعمال الصادرة عن الحيوانات العجم ليست على جهة الفهم و الشعور و إنما هي طبائع طبعت عليها و قد لاح من ظواهر كثير من الآيات و الأخبار أن لها شعورا

    و معرفة بل لهم تكاليف يعاقبون على ترك بعضها في الدنيا و على ترك بعضها في الآخرة لا على الدوام بل في مدة يحصل فيها التقاص بين مظلومها و ظالمها و قد اختلف الحكماء و المتكلمون من الخاص و العام في ذلك فالحكماء ذهبوا إلى تجرد النفوس الناطقة الإنسانية و إلى أنه لا يتأتى إدراك الكلي إلا من المجرد فلذا خصوا إدراكه بالإنسان و أما سائر الحيوانات فتدرك بالقوى الدراكة البدنية الأمور الجزئية كإدراك الشاة معنى جزئيا في الذئب يوجب نفورها عنه و أكثر المتكلمين أيضا نفوا عنها الفهم و الشعور و العقل التي هي مناط التكليف و أولوا الآيات و الأخبار الواردة في ذلك كما عرفت سابقا و سيأتي و الحق أنه لم يدل دليل قاطع على نفي العقل و التكليف عنها مطلقا بل إنما يدل على أنها ليست في درجة الإنسان في إدراك المعاني الدقيقة و التكاليف العظيمة التي كلف بها الإنسان و الوعد بالنعيم الدائم و الوعيد بالعذاب المخلد فيحتمل أن تكون مدركة لبعض الأمور الكلية و المصالح الجلية المتعلقة ببقاء نوعها و غذائها و نموها و ملهمة بمعرفة صانعها و طاعة إمام الزمان و سائر الأمور الواردة في الأخبار المعتبرة و لا استحالة في ذلك و لا يلزم من ذلك أن تكون كسائر المكلفين مكلفة بجميع التكاليف معاقبة على ترك كلها و أيضا نفي التكليف لا يدل على سلب العقول و الشعور مطلقا فإن المراهقين غير مكلفين قد يكون لهم من إدراك العلوم و تحقيق المطالب ما لم يحصل لكثير من المكلفين على أنه يمكن حمل بعض الآيات و الأخبار على أنه تعالى لإظهار المعجز لنبي أو وصي أو الكرامة لولي أعطاها في ذلك الوقت عقلا و شعورا بها يصدر منها بعض أقوال العقلاء و أفعالهم كما مر أو أوجد فيها كلاما أو فعلا بحيث لا تشعر لما ذكروا و إن كان بعيدا و أما القول بأن صدور الأعمال الوثيقة و الصنائع الدقيقة منها إنما هي من طبع طبعت عليها من غير شعور بها و فائدتها ففي غاية البعد و يمكن تأويل ما يوهم ذلك في حديث المفضل على أن المعنى أن الله تعالى يلهمها عند حاجة إلى أمر من الأمور و مصلحة من المصالح ذلك من غير أن يحصل لها ذلك العلم بالأخذ من معلم أو بتحصيل تجربة أو الرجوع إلى كتاب كما   تتفق تلك الأمور لأكثر أفراد البشر العاقلين كما أن الطفل عند الولادة يلقى عليه شهوة الغذاء و البكاء لتحصيله و يلهم كيفية مص الثدي و أمثال ذلك مما مر شرحه و تفصيله. و لنذكر هنا بعض ما ذكره محققو أصحابنا و غيرهم في ذلك فمنها ما ذكره السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر حيث سئل ما القول في الأخبار الواردة في عمدة كتب من الأصول و الفروع بمدح أجناس من الطير و البهائم و المأكولات و الأرضين و ذم أجناس منها كمدح الحمام و البلبل و القنبر و الحجل و الدراج و ما شاكل ذلك من فصيحات الطير و ذم الفواخت و الرخم و ما يحكى من أن كل جنس من هذه الأجناس المحمودة ينطق بثناء على الله تعالى و على أوليائه و دعاء لهم و دعاء على أعدائهم و أن كل جنس من هذه الأجناس المذمومة ينطق بضد ذلك من ذم الأولياء ع و كذم الجري و ما شاكله من السمك و ما نطق به الجري من أنه مسخ بجحده الولاية و ورود الآثار بتحريمه لذلك و كذم الدب و القرد و الفيل و سائر المسوخ المحرمة و كذم البطيخة التي كسرها أمير المؤمنين ع فصادفها مرة فقال من النار إلى النار و دحا بها من يده ففار من الموضع الذي سقطت فيه دخان و كذم الأرضين السبخة و القول بأنها جحدت الولاية أيضا و قد جاء في هذا المعنى ما يطول شرحه و ظاهره مناف لما تدل العقول عليه من كون هذه الأجناس مفارقة لقبيل ما يجوز تكليفه و يسوغ أمره و نهيه و في هذه الأخبار التي أشرنا إليها أن بعض هذه الأجناس يعتقد الحق و يدين به و بعضها يخالفه و هذا كله مناف لظاهر ما العقلاء عليه. و منها ما يشهد أن لهذه الأجناس منطقا مفهوما و ألفاظا تفيد أغراضها و أنها بمنزلة الأعجمي و العربي اللذين لا يفهم أحدهما صاحبه و أن شاهد ذلك من قول الله سبحانه فيما حكاه عن سليمان ع يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ   وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ

 و كلام النملة أيضا مما حكاه الله سبحانه و كلام الهدهد و احتجاجه و فهمه و جوابه فلينعم بذكر ما عنده مثابا إن شاء الله و بالله التوفيق. و أجاب رضي الله عنه اعلم أن المعول فيما نعتقد على ما تدل الأدلة عليه من نفي و إثبات فإذا دلت الأدلة على أمر من الأمور وجب أن نبني كل وارد من الأخبار إذا كان ظاهره بخلافه عليه و نسوقه إليه و نطابق بينه و بينه و نخلي ظاهرا إن كان له و نشرط إن كان مطلقا و نخصه إن كان عاما و نفضله إن كان مجملا و نوفق بينه و بين الأدلة من كل طريق اقتضى الموافقة و آل إلى المطابقة و إذا كنا نفعل ذلك و لا نحتشمه في ظواهر القرآن المقطوع على صحته المعلوم وروده فكيف نتوقف عن ذلك في أخبار آحاد لا توجب علما و لا تثمر يقينا فمتى وردت عليك أخبار فأعرضها على هذه الجملة و ابنها عليها و افعل فيها ما حكمت به الأدلة و أوجبته الحجج العقلية و إن تعذر فيها بناء و تأويل و تخريج و تنزيل فليس غير الإطراح لها و ترك التعريج عليها و لو اقتصرنا على هذه الجملة لاكتفينا فيمن يتدبر و يتفكر و قد يجوز أن يكون المراد بذم هذه الأجناس من الطير أنها ناطقة بضد الثناء على الله و بذم أوليائه و نقص أصفيائه ذم متخذيها و مرتبطيها و أن هؤلاء المغرين بمحبة هذه الأجناس و اتخاذها هم الذين ينطقون بضد الثناء على الله تعالى و يذمون أولياءه و أحباءه فأضاف النطق إلى هذه الأجناس و هو لمتخذيها أو مرتبطيها للتجاور و التقارب و على سبيل التجوز و الاستعارة كما أضاف الله تعالى السؤال في القرآن إلى القرية و إنما هو لأهل القرية و كما قال تعالى وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ   عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً و في هذا كله حذوف و قد أضيف في الظاهر الفعل إلى من هو في الحقيقة متعلق بغيره و القول في مدح أجناس من الطير و الوصف لها بأنها تنطق بالثناء على الله و المدح لأوليائه يجري على هذا المنهاج الذي نهجناه. فإن قيل كيف يستحق مرتبط هذه الأجناس مدحا بارتباطها و مرتبط بعض آخر ذما بارتباطه حتى علقتم المدح و الذم بذلك. قلنا ما جعلنا لارتباط هذه الأجناس حظا في استحقاق مرتبطيها مدحا و لا ذما و إنما قلنا إنه غير ممتنع أن تجري عادة المؤمنين الموالين لأولياء الله تعالى و المعادين لأعدائه بأن بالغوا ارتباط أجناس من الطير و كذلك تجري عادة بعض أعداء الله تعالى باتخاذ بعض أجناس الطير فيكون متخذ بعضها ممدوحا لا من أجل اتخاذه لكن لما هو عليه من الاتخاذ الصحيح فيضاف المدح إلى هذه الأجناس و هو لمرتبطها و النطق بالتسبيح و الدعاء الصحيح إليها و هو لمتخذها تجوزا و اتساعا و كذلك القول في الذم المقابل للمدح. فإن قيل فلم نهي عن اتخاذ بعض هذه الأجناس إذا كان الذم لا يتعلق باتخاذها و إنما يتعلق ببعض متخذيها لكفرهم و ضلالهم. قلنا يجوز أن يكون في اتخاذ هذه البهائم المنهي عن اتخاذها و ارتباطها مفسدة و ليس يقبح خلقها في الأصل لهذا الوجه لأنها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه الانتفاع سوى الارتباط و الاتخاذ الذي لا يمتنع تعلق المفسدة به و يجوز أيضا أن يكون في اتخاذ هذه الأجناس المنهي عنها شؤم و طيرة فللعرب في ذلك مذهب معروف و يصح هذا النهي أيضا على مذهب من نفى الطيرة على التحقيق لأن الطيرة و التشؤم و إن كان لا تأثير لهما على التحقيق فإن النفوس تستشعر ذلك و يسبق

    إليها ما يجب على كل حال تجنبه و التوقي عنه و على هذا يحمل معنى قوله ع لا يورد ذو عاهة على مصح و أما تحريم السمك الجري و ما أشبهه فغير ممتنع لشي‏ء يتعلق بالمفسدة في تناوله كما نقول في سائر المحرمات فأما القول بأن الجري نطق بأنه مسخ لجحده الولاية فهو مما يضحك منه و يتعجب من قائله و الملتفت إلى مثله فأما تحريم الدب و القرد و الفيل فكتحريم كل محرم في الشريعة و الوجه في التحريم لا يختلف و القول بأنها ممسوخة إذا تكلفنا حملناه على أنها كانت على خلق حميدة غير منفور عنها ثم جعلت على هذه الصور الشنية على سبيل التنفير عنها و الزيادة عن الصد في الانتفاع بها لأن بعض الأحياء لا يجوز أن يكون غيره على الحقيقة و الفرق بين كل حيين معلوم ضرورة فكيف يجوز أن يصير حي حيا آخر غيره و إذا أريد بالمسخ هذا فهو باطل و إن أريد غيره نظرنا فيه و أما البطيخة فقد يجوز أن يكون أمير المؤمنين ع لما ذاقها و نفر عن طعمها و زادت كراهيته له قال من النار و إلى النار أي هذا من طعام أهل النار و ما يليق بعذاب أهل النار كما يقول أحدنا ذلك فيما يستوبيه و يكرهه و يجوز أن يكون فوران الدخان عند الإلقاء لها على سبيل التصديق لقوله ع من النار و إلى النار و إظهار المعجز له و أما ذم الأرضين السبخة و القول بأنها جحدت الولاية فمتى لم يكن محمولا معناه على ما قدمناه من جحد هذه الأرض و سكانها الولاية لم يكن معقولا و يجري ذلك مجرى قوله تعالى وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ و أما إضافة اعتقاد الحق إلى بعض البهائم و اعتقاد الباطل و الكفر إلى بعض آخر فمما تخالفه العقول و الضرورات لأن هذه البهائم غير عاقلة و لا كاملة و لا مكلفة فكيف تعتقد حقا أو باطلا و إذا ورد أثر في ظاهره شي‏ء من هذه المحالات فالوجه فيه إما إطراح أو تأول على المعنى الصحيح و قد نهجنا   طريق التأويل و بينا كيف التوصل إليه فأما حكايته تعالى عن سليمان ع يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ فالمراد به أنه علم ما يفهم به ما تنطق به الطير و تتداعى في أصواتها و أغراضها و مقاصدها بما يقع منها من صياح على سبيل المعجزة لسليمان ع و أما الحكاية عن النملة بأنها قالت يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ فقد يجوز أن يكون المراد به أنه ظهر منها دلالة القول على هذا المعنى و أشعرت باقي النمل و خوفتهم من الضرر بالمقام و أن النجاة في الهرب إلى مساكنها فتكون إضافة القول إليه مجازا أو استعارة كما قال الشاعر

و شكا إلى بعيرة و تحمحم

. و كما قال الآخر

و قالت له العينان سمعا و طاعة

. و يجوز أن يكون وقع من النملة كلام ذو حروف منظومة كما يتكلم أحدنا يتضمن المعاني المذكورة و يكون ذلك معجزة لسليمان ع لأن الله تعالى سخر له الطير و أفهمه معاني أصواتها على سبيل المعجز له و ليس هذا بمنكر فإن النطق بمثل هذا الكلام المسموع منا لا يمتنع وقوعه ممن ليس بمكلف و لا كامل العقل أ لا ترى أن المجنون و من لم يبلغ الكمال من الصبيان قد يتكلمون بالكلام المتضمن للأغراض و إن كان التكليف و الكمال عنهم زائلين و القول فيما حكي عن الهدهد يجري على الوجهين اللذين ذكرناهما في النملة فلا حاجة بنا إلى إعادتهما و أما حكاية أنه قال لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ   و كيف يجوز أن يكون ذلك في الهدهد و هو غير مكلف و لا يستحق مثله العذاب فالجواب عنه أن العذاب اسم للضرر الواقع و إن لم يكن مستحقا فليس يجري مجرى العقاب الذي لا يكون إلا جزاء على أمر تقدم فليس يمتنع أن يكون معنى لأعذبنه أي لأؤلمنه و يكون الله تعالى قد أباحه الإيلام له كما أباحه الذبح له لضرب من المصلحة كما سخر له الطير يصرفها في منافعه و أغراضه و كل هذا لا ينكر في نبي مرسل تخرق له العادات و تظهر على يده المعجزات و إنما يشتبه على قوم يظنون أن هذه الحكايات تقتضي كون النملة و الهدهد مكلفين و قد بينا أن الأمر بخلاف ذلك. و قال قدس الله روحه أيضا في جواب المسائل الطرابلسيات فأما الاستبعاد في النملة أن تنذر باقي النمل بالانصراف عن الموضع و التعجب من فهم النملة عن الأخرى و من أن يخبر عنها بما نطق القرآن به من قوله يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا الآية فهو في غير موضعه لأن البهيمة قد تفهم عن الأخرى بصوت يقع منها أو فعل كثيرا من أغراضها و لهذا نجد الطيور و كثيرا من البهائم يدعو الذكر منها الأنثى بضرب من الصوت يفرق بينه و بين غيره من الأصوات التي لا تقتضي الدعاء و الأمر في ضروب الحيوانات و فهم بعضها عن بعض مرادها و أغراضها بفعل يظهر أو صوت يقع أظهر من أن يخفى و التغابي عن ذلك مكابرة فما المنكر على هذا أن يفهم باقي النمل من تلك النملة التي حكي عنها ما حكي الإنذار و التخويف فقد نرى مرارا نملة تستقبل أخرى و هي متوجهة إلى جهة فإذا حاذتها و باشرها عادت عن جهتها و رجعت معها و تلك الحكاية البليغة الطويلة لا يجب أن تكون النملة قائلة لها و لا ذاهبة إليها و إنها لما خوفت من الضرر الذي أشرف النمل عليه جاز أن يقول الحاكي لهذه الحال تلك الحكاية البليغة المرتبة لأنها لو كانت قائلة ناطقة و مخوفة بلسان و بيان لما قالت إلا مثل ذلك و قد يحكي العربي عن الفارسي كلاما مرتبا مهذبا

    ما نطق به الفارسي و إنما أشار إلى معناه فقد زال التعجب من الموضعين معا و أي شي‏ء أحسن و أبلغ و أدل على قوة البلاغة و حسن التصرف في الفصاحة من أن تشعر نملة لباقي النمل بالضرر لسليمان و جنده بما يفهم به أمثالها عنها فيحكي هذا المعنى الذي هو التخويف و التنفير بهذه الألفاظ المونقة و الترتيب الرائق الصادق و إنما يضل عن فهم هذه الأمور و سرعة الهجوم عليها من لا يعرف مواقع الكلام الفصيح و مراتبه و مذاهبه. و قال شارح المقاصد ذهب جمهور الفلاسفة إلى أنه ليست لغير الإنسان من الحيوانات نفوس مجردة مدركة للكليات و بعضهم إلى أننا لا نعرف وجود النفس لها لعدم الدليل و لا نقطع بالانتفاء لقيام الاحتمال و ما يتوهم من أنه لو كانت لها نفوس لكانت إنسانا لأن حقيقته النفس و البدن لا غير ليس بشي‏ء لجواز اختلاف النفسين بالحقيقة و جواز التميز بفصول آخر لا نطلع على حقيقتها و ذهب جمع من أهل النظر إلى ثبوت ذلك تمسكا بالمعقول و المنقول أما المعقول فهو أنا نشاهد منها أفعالا غريبة تدل على أن لها إدراكات عقلية كالنحل في بناء بيوته المسدسة و الانقياد لرئيس و النمل في إعداد الذخيرة و الإبل و البغل و الخيل و الحمار في الاهتداء إلى الطريق في الليالي المظلمة و الفيل في غرائب أحوال تشاهد منه و كثير من الطيور و الحشرات في علاج أمراض تعرض لها إلى غير ذلك من الحيل العجيبة التي يعجز عنها كثير من العقلاء و أما المنقول فكقوله تعالى وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ الآية و قوله تعالى وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الآية و قوله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ و قوله تعالى حكاية عن الهدهد أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ   بِهِ و حكاية عن النملة يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ الآية. و قال الرازي في المطالب العالية في البحث عن نفوس سائر الحيوانات أما الفلاسفة المتأخرون فقد اتفقوا على أن لها قوى جسمانية و أنه يمتنع أن تكون لها نفوس مجردة و لم يذكروا في تقريره حجة و لا شبهة و ليس لأحد أن يقول لو كانت نفوسها نفوسا مجردة لوجب كونها مساوية للنفوس البشرية في تمام الماهية فيلزم وقوع الاستواء في العلوم و الأخلاق و ذلك محال فإنا نقول الاستواء في التجرد استواء في قيد سلبي و قد عرفت أن الاستواء في القيود السلبية لا يوجب الاستواء في تمام الماهية و أما سائر الناس فقد اختلفوا في أنه هل لها نفوس مجردة و هل لها شي‏ء من القوة العقلية أم لا فزعم طائفة من أهل النظر و من أهل الأثر أن ذلك ثابت و احتجوا على صحته بالمعقول و المنقول أما المعقول فهو أنهم قالوا إنا نشاهد من هذه الحيوانات أفعالا لا يصدر إلا من أفاضل العقلاء و ذلك يدل على أن لها قدرا من العقل و بينوا ذلك بوجوه. الأول أن الفأرة تدخل ذنبها في قارورة الدهن ثم تلحسه و هذا الفعل لا يصدر عنها إلا لعلمها بمجموع مقدمات فأحدها أنها محتاجة إلى الدهن و ثانيها أن رأسها لا تدخل في القارورة و ثالثها أن ذنبها تدخل و رابعها أن المقصود حاصل بهذا الطريق فوجب الإقدام عليه. الثاني أن النحل يبني البيوت المسدسة و هذا الشكل فيه منفعتان لا يحصلان إلا من المسدس و تقريره أن الأشكال على قسمين منها أشكال متى ضم بعضها إلى بعض امتلأت العرصة منها إلا أن زواياها ضيقة فتبقى معطلة و منها أشكال ليست كذلك فالقسم الأول كالمثلثات و المربعات فإنهما و إن امتلأت العرصة منها إلا أن زواياها ضيقة فيبقى معطلة و أما المسبع و المثمن و غيرهما فزواياها و إن كانت واسعة إلا أنه لا تمتلأ العرصة

    منها بل يبقى بينها فضاء فأما الشكل المستجمع لكلتا المنفعتين فليس إلا المسدس و ذلك لأن زواياها واسعة فلا يبقى شي‏ء من الجوانب فيه معطلا و إذا ضمت المسدسات بعضها إلى بعض لم يبق فيما بينها فرجة ضائعة فإذا ثبت أن الشكل الموصوف بهاتين الصفتين هذا المسدس لا جرم اختار النحل بناء بيوتها على هذا الشكل و لو لا أنه تعالى أعطاها من الإلهام و الذكاء لما حصل هذا الأمر و فيه أعجوبة ثانية و هي أن البشر لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالمسطر و البركار و النحل يبني تلك البيوت من غير حاجة إلى شي‏ء من الآلات و الأدوات. و اعلم أن عجائب أحوال النحل في رئاسته و في تدبيره لأحوال الرعية و في كيفية خدمة الرعية لذلك الرئيس كثيرة مذكورة في كتاب الحيوان. الثالث أن النمل يسعى في إعداد الذخيرة لنفسها و ما ذاك إلا لعلمها بأنها قد تحتاج في الأزمنة المستقبلة إلى الغذاء و لا تكون قادرة على تحصيله في تلك الأوقات فوجب السعي في تحصيله في هذا الوقت الذي حصلت فيه القدرة على تحصيل الذخيرة و من عجائب أحوالها أمور ثلاثة أحدها أنها إذا أحست بنداوة المكان فإنها تشق الحبة بنصفين لعلمها بأن الحبة لو بقيت سالمة و وصلت النداوة إليها لنبت منها و تفسد الحبة على النملة أما إذا صارت مشقوقة بنصفين لم تنبت و ثانيها إذا وصلت النداوة إلى تلك الأشياء ثم طلعت الشمس فإنها تخرج تلك الأشياء من جحرها و تضعها حتى تجف و ثالثها أن النملة إذا أخذت في نقل متاعها إلى داخل الجحر أنذر ذلك بنزول الأمطار و هبوب الرياح و هذه الأحوال تدل على حصول ذكاء عظيم لهذا الحيوان الصغير. الرابع أن العنكبوت تبني بيوتها على وجه عجيب و ذلك لأنها ما نسجت الشبكة التي هي مصيدتها إلا بعد أن تفكرت أنه كيف ينبغي وضعها حتى يصلح لاصطياد الذباب بها و هذه الأفعال فكرية ليست أقل من الأفكار الإنسانية. الخامس أن الجمل و الحمار إذا سلكا طريقا في الليلة الظلماء ففي المرة الثانية يقدر على سلوك ذلك الطريق من غير إرشاد مرشد و لا تعليم معلم حتى أن   الناس إذا اختلفوا في ذلك الطريق و قدموا الجمل و تبعوه وجدوا الطريق المستقيم عند متابعته. و أيضا إن الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا عند الاستدلال بالعلامات المخصوصة إما الأرضية كالجبال و الرياح أو السماوية كأحوال الشمس و القمر و أما القطا فإنه يطير في الهواء من بلد إلى بلد طيرانا سويا من غير غلط و لا خطاء و كذلك الكراكي تنتقل من طرف من أطراف العالم إلى طرف آخر لطلب الهواء الموافق من غير غلط البتة فهذا فعل يعجز عنه أفضل البشر و هذا النوع من الحيوان قادر عليه. السادس أن الدب إذا أراد أن يفترس الثور علم أنه لا يمكنه أن يقصده ظاهرا فيقال إنه يستلقي في ممر ذلك الثور فإذا قرب الثور و أراد نطحه جعل قرنيه فيما بين ذراعيه و لا يزال ينهش ما بين ذراعيه حتى يثخنه و أيضا أنه يأخذ العصا و يضرب الإنسان حتى يتوهم أنه مات فيتركه و ربما عاد يشمه و يتجسس نفسه و أيضا يصعد الشجر أخف صعود و يأخذ الجوز بين كفيه و يضرب ما في أحد كفيه على ما في الكف الآخر ثم ينفخ فيه و يزيل القشور و يأكل اللب. السابع أن الثعلب إذا اجتمع البق الكثير و البعوض الكثير على جلده أخذ بفيه قطعة من جلد حيوان ميت ثم إنه يضع يده و رجليه في الماء و لا يزال يغوص فيه قليلا قليلا فإذا أحس البق و البعوض بالماء أخذت تصعد إلى المواضع الخارجة من الثعلب من الماء ثم إن الثعلب لا يزال يغوص قليلا قليلا و تلك الحيوانات ترتفع قليلا قليلا فإذا غاص كل بدنه في الماء و بقي رأسه خارج الماء تصاعد كل تلك الحيوانات إلى الرأس ثم إنه يغوص رأسه في الماء قليلا قليلا فتلك الحيوانات تنتقل إلى تلك الجلدة الميتة و تجتمع فيها فإذا أحس الثعلب بانتقالها إلى تلك الجلدة رماها في الماء و خرج من الماء سليما فارغا عن تلك الحيوانات الموذية و لا شك أنها حيلة عجيبة في دفع الموذيات.

    الثامن يقال إن من خواص الفرس أن كل واحد منها يعرف صوت الفرس الذي قاتله و الكلاب تتعالج بالعشبة المعروفة لها و الفهد إذا سقي الدواء المعروف بخانق الفهد طلب زبل الإنسان فأكله و التمساح تفتح فاها لطائر مخصوص يدخل في فمها و ينظف ما بين أسنانها و على رأس ذلك الطير شي‏ء كالشوك فإذا هم التمساح بالتقام ذلك الطير تأذى من ذلك الشوك ففتح فاه فخرج ذلك الطير و السلحفات تتناول بعد أكل الحية صعترا جبليا ثم تعود قد شوهد ذلك و حكى بعض الثقات المحبين للصيد أنه شاهد الحبارى تقاتل الأفعى و تنهزم عنه إلى بقلة تتناول منها ثم تعود و لا تزال تفعل ذلك و كان ذلك الشيخ قاعدا في كن غائر كما تفعله الصيادون و كانت البقلة قريبة في ذلك الموضع فلما اشتغل الحبارى بالأفعى قلع الرجل تلك البقلة فعادت الحبارى إلى منبتها فأخذت تدور حول منبتها دورانا متتابعا ثم سقطت و ماتت فعلم ذلك الرجل أنها كانت تتعالج بأكلها من لسعة الأفعى و تلك البقلة هي الخس البري و أما ابن عرس فإنه يستظهر في قتال الحية بأكل السداب فإن النكهة السدابية مما يكرهها الأفعى و الكلاب إذا تدود بطنها أكلت سنبل الحية و إذا جرحت اللقالق بعضها بعضا عالجت تلك الجراحات بالصعتر الجبلي فتأمل من أين حصلت لهذه الحيوانات هذا الطب و هذا العلاج. التاسع أن القنافذ قد تحس بريح الشمال و الجنوب قبل الهبوب فتغير المدخل إلى حجرتها يحكى أنه كان بالقسطنطنية رجل قد جمع مالا كثيرا بسبب أنه كان ينذر بالرياح قبل هبوبها و ينتفع الناس بذلك الإنذار و كان السبب فيه قنفذ في داره يفعل الفعل المذكور. العاشر أن الخطاف صناع حسن في اتخاذ العش لنفسه من الطين و قطع الخشب فإذا أعوزه الطين ابتل و تمرغ في التراب ليحمل جناحاه قدرا من الطين و إذا أفرخ بالغ في تعهد الفراخ و يأخذ زرقها بمنقارها و يرميها عن العش ثم   تعلمها إلقاء الزرق بالتولية نحو طرف العش. الحادي عشر إذا قرب الصائد من مكان فرخ القبجة ظهرت له القبجة و قربت منه مطيعة لأجل أن يتبعها ثم تذهب إلى جانب آخر سوى جانب فراخها. الثاني عشر ناقر الخشب قلما يجلس على الأرض بل يجلس على الشجر و ينقر الموضع الذي يعلم أن فيه دودا. الثالث عشر الغرانيق تصعد في الجو جدا عند الطيران فإن حصل عباب أو سحاب يحجب بعضها عن بعض أحدثت عن أجنحتها حفيفا مسموعا و يصير ذلك الصوت سببا لاجتماعها و عدم تفرقها و إذا نامت نامت على فرد رجل قد اضطبعت الرءوس إلا القائد فإنه ينام مكشوف الرأس فيسرع انتباهه و إذا أحس بأحد أو صوت صاح تنبيها للباقين. الرابع عشر النعامة إذا اجتمع لها من بيضها عشرون أو ثلاثون قسمتها ثلاثة أثلاث فتدفن ثلثا منها في التراب و ثلثا تتركها في الشمس و ثلثا تحتضنه فإذا خرجت الفراريخ كسرت ما كان في الشمس و سقت تلك الفراريخ ما فيها من الرطوبات التي ذوبتها الشمس و رققتها فإذا قويت تلك الفراريخ أخرجت الثلث الثاني الذي دفنته في الأرض و ثقبتها و قد اجتمع فيها النمل و الذباب و الديدان و الحشرات فتجعل تلك الأشياء طعمة لتلك الفراريخ فإذا تم ذلك فقد صارت تلك الفراريخ قادرة على الرعي و الطلب و لا شك أن هذا الطريق حيلة عجيبة في تربية الأولاد. و لنكتف من هذا النوع بهذا القدر الذي ذكرناه فإن الاستقصاء فيه مذكور في كتاب الحيوان و قد ظهر منها أن هذه الحيوانات قد تأتي بأفعال يعجز أكثر   الأذكياء من الناس عنها و لو لا كونها عاقلة فاهمة لما صح شي‏ء من ذلك فهذا ما يتعلق بالعقل و أما النقل فقد تمسكوا في إثبات قولهم بآيات فإحداها قوله تعالى حكاية عن سليمان ع يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ. و الثانية قوله تعالى حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ. و الثالثة وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ و هذا التهديد لا يعقل إلا مع العاقل. و الرابعة قوله تعالى حكاية عن الهدهد أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ إلى آخر الآية. و الخامسة قوله وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ قيل معناه كل من الطير قد علم صلاته و تسبيحه.

 قال بعضهم كنت جالسا عند أبي جعفر الباقر ع فقال لي أ تدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس و بعد طلوعها قلت لا قال إنها تقدس ربها و تسأله قوت يومها

   و أقول رأيت في بعض الكتب أن في بعض الأوقات اشتد القحط و عظم حر الصيف و الناس خرجوا إلى الاستسقاء فلما أبلحوا قال خرجت إلى بعض الجبال فرأيت ظبية جاءت إلى موضع كان في الماضي من الزمان مملوا من الماء و لعل تلك الظبية كانت تشرب منه فلما وصلت الظبية إليه ما وجدت فيه شيئا من الماء و كان أثر العطش الشديد ظاهرا على تلك الظبية فوقفت و حركت رأسها إلى جانب السماء فأطبق الغيم و جاء الغيث الكثير. ثم إن أنصار هذا القول قالوا لما بينا بالدليل أن هذه الحيوانات تهدي إلى الحيل اللطيفة فأي استبعاد في أن يقال إنها تعرف أن لها ربا و مدبرا و خالقا و هذا تمام القول في دلائل هذه الطائفة. و احتج المنكرون لكونها عاقلة عارفة بأن قالوا لو كانت عاقلة لوجب أن تكون آثار العقل ظاهرة في حقها لأن حصول العقل لها مع أنه لا يمكنها الانتفاع البتة بذلك العقل عبث و ذلك لا يليق بالفاعل الحكيم إلا أن آثار العقل غير ظاهرة فيها لأنها لا تحترز عن الأفعال القبيحة و لا تميز بين ما ينفعها و بين ما يضرها فوجب القطع بأنها غير عاقلة. و لمجيب أن يجيب فيقول إن درجات العلوم و المعارف كثيرة و اختلاف النفوس في ماهيتها محتمل فلعل خصوصية نفس كل واحد منها لا تقتضي إلا النوع المعين من العقل و إلا القسم المخصوص من المعرفة فإن كان المراد بالعقل جميع العلوم الحاصلة للإنسان فحق أنها ليست عاقلة و إن كان المراد بالعقل معرفة نوع من هذه الأنواع فظاهر أنها موصوفة بهذه المعرفة و بالجملة فالحكم عليها بالثبوت و العدم حكم على الغيب و لا يعلم الغيب إلا الله و ليكن هاهنا آخر كلامنا في النفوس الحيوانية و الله أعلم انتهى كلامه.   و قال الدميري الغرنيق بضم الغين و فتح النون قال الجوهري و الزمخشري إنه طائر أبيض من طير الماء طويل العنق و قال في النهاية إنه الذكر من طير الماء و يقال غرنيق و غرنوق و قيل هو الكركي و قيل الغرانيق و الغرانقة طير أسود في حد البط و قال القزويني الغرنيق من الطيور القواطع و هي إذا أحست بتغير الزمان عزمت على الرجوع إلى بلادها فعند ذلك تتخذ قائدا حارسا ثم تنهض معا فإذا طارت ترتفع في الهواء حتى لا يعرض لها شي‏ء من السباع فإذا رأت غيما أو غشيها الليل أو سقطت للطعم أمسكت عن الصياح كيلا يحس بها العدو و إذا أرادت النوم أدخل كل واحد منها رأسه تحت جناحه لعلمه بأن الجناح أحمل للصدمة من الرأس لما فيه من العين التي هي أشرف الأعضاء و الدماغ الذي هو ملاك البدن و ينام كل واحد منها قائما على إحدى رجليه حتى لا يكون نومها ثقيلا و أما قائدها و حارسها فلا ينام و لا يدخل رأسه في جناحه و لا يزال ينظر في جميع الجوانب فإذا أحس بأحد صاح بأعلى صوته انتهى. قوله قد اضطبعت أي أدخلت رأسها في ضبعها