باب 10- النحل و النمل و سائر ما نهي عن قتله من الحيوانات و ما يحل قتله منها من الحيات و العقارب و الغربان و غيرها و النهي عن حرق الحيوانات و تعذيبها

 الآيات المائدة فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً الآية النحل وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النمل حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها إلى قوله تعالى وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ الآيات. تفسير قد مرت قصة الغراب الذي علم قابيل كيف يواري جسد هابيل ع حين قتله قوله تعالى وَ أَوْحى رَبُّكَ قال الرازي يقال وحى و أوحى و هو الإلهام و المراد من الإلهام أنه تعالى قرر في نفسها هذه الأعمال العجيبة التي يعجز عنها العقلاء من البشر و بيانه من وجوه الأول أنها تبني البيوت المسدسة من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها و العقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات و أدوات مثل المسطر و الفرجار و الثاني أنه ثبت في الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بأشكال سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة ما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة فاهتداء تلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الخفية و الدقيقة اللطيفة من الأعاجيب.   و الثالث أن النحل يحصل بينها واحد كالرئيس للبقية و ذلك الواحد يكون أعظم جثة من الباقي و يكون نافذ الحكم على تلك البقية و هم يخدمونه و يحملونه عند تعبه و ذلك أيضا من الأعاجيب. و الرابع أنها إذا ذهبت عن وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول و آلات الموسيقى و بواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها و هذه أيضا حالة عجيبة فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء و الكياسة ليس إلا على سبيل الإلهام و هو حالة شبيهة بالوحي لا جرم قال تعالى في حقها وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ و اعلم أن الوحي قد ورد في حق الأنبياء كقوله تعالى وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً و في الأولياء أيضا قال تعالى وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ و بمعنى الإلهام في حق البشر وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى و في حق سائر الحيوان خاص و قال الزجاج يجوز أن يقال سمي هذا الحيوان نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها و قال غيره النحل يذكر و يؤنث و هي مؤنثة في لغة الحجاز و لذلك أنثها الله و كذلك كل جمع ليس بينه و بين الواحدة إلا الهاء أَنِ اتَّخِذِي أن مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ أي يبنون و يسقفون و قرئ بضم الراء و كسرها. و اعلم أن النحل نوعان أحدهما ما يسكن في الجبال و الغياض و لا يتعهدها أحد من الناس و النوع الثاني التي يسكن بيوت الناس و يكون في تعهدات الناس فالأول هو المراد بقوله أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ و الثاني هو المراد بقوله وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ و إنما قال مِنَ الْجِبالِ و مِنَ الشَّجَرِ لئلا تبني بيوتها في كل جبل و شجر بل في مساكن يوافق مصالحها و يليق بها و اختلفوا في

    هذا الأمر. فمن الناس من يقول لا يبعد أن يكون لهذه الحيوانات عقول و أن يتوجه عليها من الله أمر و نهي و قال آخرون ليس الأمر كذلك بل المراد منه أنه تعالى خلق فيها غرائز و طبائع توجب هذه الأحوال ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ من للتبعيض أو لابتداء الغاية رأيت في كتب الطب أنه تعالى دبر هذا العالم على وجه يحدث في الهواء طل لطيف في الليالي و يقع ذلك الطل على أوراق الأشجار فقد تكون تلك الأجزاء الطلية لطيفة الصور متفرقة على الأوراق و الأزهار و قد تكون كثيرة بحيث يجتمع منها أجزاء محسوسة أما القسم الثاني فإنه مثل الترنجبين فإنه طل ينزل من الهواء و يجتمع على أطراف الشجر في بعض البلدان و ذلك محسوس و أما القسم الأول فهو الذي ألهم الله تعالى هذا النحل تلتقط تلك الذرات من الأزهار و أوراق الأشجار بأفواهها و تأكلها و تغتذي بها فإذا شبعت التقطت بأفواهها مرة أخرى شيئا من تلك الأجزاء ثم تذهب بها إلى بيوتها و تضعها هناك كأنها تحاول أن تدخر لنفسها غذاءها فإذا اجتمع في بيوتها من تلك الأجزاء الطلية شي‏ء كثير فذاك هو العسل. و من الناس من يقول إن النحل تأكل من الأزهار الطيبة و الأوراق العطرة أشياء ثم إنه تعالى يقلب تلك الأجسام في داخل بطنه عسلا ثم إنها تقي‏ء مرة أخرى فذاك هو العسل و القول الأول أقرب إلى العقل و أشد مناسبة للاستقراء فإن طبيعة الترنجبين قريبة إلى العسل في الطعم و الشكل و لا شك أنه طل يحدث في الهواء و يقع على أطراف الأشجار و الأزهار فكذا هاهنا و أيضا فنحن نشاهد أن هذا النحل إنما تغتذي بالعسل و لذلك فإنا إذا أخرجنا العسل من بيوت النحل تركنا لها بقية من ذلك العسل لأجل أن تغتذي بها فعلمنا أنها تغتذي بالعسل و أنها إنما تقع على الأشجار و الأزهار لأنها تغتذي بتلك الأجزاء الطلية العسلية الواقعة من الهواء عليها إذا عرفت هذا فنقول قوله كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كلمة من هاهنا تكون لابتداء الغاية و لا تكون للتبعيض على هذا القول فَاسْلُكِي   سُبُلَ رَبِّكِ أي الطرق التي ألهمك و أفهمك في عمل العسل أو يكون المراد فاسلكي في طلب تلك الثمرات سبل ربك و في قوله ذُلُلًا قولان الأول أنه حال من السبل لأن الله تعالى ذللها لها و وطئها و سهلها كقوله هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا. الثاني أنه حال من الضمير في قوله فَاسْلُكِي أي و أتي يا أيتها النحل ذلك منقادة لما أمرت به غير ممتنعة يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها هذا رجوع من الخطاب إلى الغيبة و السبب فيه أن المقصود من ذكر هذه الأحوال أن يحتج الإنسان المكلف به على قدرة الله تعالى و حكمته و حسن تدبيره لأحوال العالم العلوي و السفلي فكأنه تعالى لما خاطب النحل بما سبق ذكره خاطب الإنسان و قال إنما ألهمنا هذا النحل لهذه العجائب لأجل أن يخرج مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ثم إنا ذكرنا أن من الناس من يقول العسل عبارة عن أجزاء طلية تحدث في الهواء و تقع على أطراف الأشجار و على الأوراق و الأزهار فيلقطها الزنبور بفمه فإذا ذهبنا إلى هذا الوجه كان المراد من قوله يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها أي من أفواهها و كل تجويف في داخل البدن فإنه يسمى بطنا أ لا ترى أنهم يقولون بطون الدماغ و عنوا بها تجاويف الدماغ فكذا هاهنا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها أي أفواهها و أما على قول أهل الظاهر و هو أن النحل تأكل الأوراق و الثمرات ثم تقي‏ء فذلك هو العسل فالكلام ظاهر ثم وصف العسل بكونه شرابا لأنه تارة يشرب وحده و تارة يتخذ منه الأشربة و بأنه مختلف ألوانه و المقصود منه إبطال القول بالطبع لهذا الجسم مع كونه متشابه الطبيعة لما حدث على ألوان مختلفة دل ذلك على حدوث تلك الألوان بتدبير الفاعل المختار لا لأجل

    إيجاب الطبيعة و بأن فيه شفاء للناس و فيه قولان الأول و هو الصحيح أنه صفة للعسل. فإن قالوا كيف يكون شفاء للناس و هو يضر بالصفراء و يهيج المرار قلنا إنه تعالى لم يقل إنه شفاء لكل الناس و لكل داء و في كل حال بل لما كان شفاء في الجملة إنه قل معجون من المعاجين إلا و تمامه و كماله يحصل بالعجن بالعسل و أيضا فالأشربة المتخذة منه في الأمراض البلغمية عظيمة النفع. و القول الثاني و هو قول مجاهد إن المراد أن القرآن فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ و على هذا التقدير فقصة تولد العسل من النحل تمت عند قوله مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ثم ابتدأ و قال فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ أي في هذا القرآن حصل ما هو شفاء للناس من الكفر و البدعة مثل هذا الذي مر في قصة النحل و عن ابن مسعود أن العسل شفاء من كل داء و القرآن فيه شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ و اعلم أن هذا القول ضعيف من وجهين الأول أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات و ما ذاك إلا قوله شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ و أما الحكم بعوده إلى القرآن مع أنه غير مذكور فيما سبق فهو غير مناسب الثاني

 ما روى أبو سعيد الخدري أنه جاء رجل إلى النبي ص و قال إن أخي يشتكي بطنه فقال اسقه عسلا فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فلم تغن عنه فقال ع اذهب فاسقه عسلا و قال صدق الله و كذب بطن أخيك فسقاه فبرأ كأنما نشط من عقال

و حملوا قوله صدق الله على قوله تعالى فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ و ذلك أنما يصح لو كان هذا صفة للعسل فإن قال قائل فما المراد من قوله ع صدق الله و كذب بطن أخيك قلنا العلة أنه ع علم بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك فلما لم يظهر في الحال مع أنه ع كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك كان هذا جاريا مجرى الكذب فلهذا السبب أطلق عليه هذا اللفظ انتهى.   و آيات النمل قد مر تفسيرها و تدل على شرافة في الجملة للنملة و على بعض ما سيأتي ذكره و كذا آيات الهدهد تدل على كرامته و بعض ما سيأتي من أحواله و قد مضت قصته و سيأتي بعضها. و قال الدميري في حياة الحيوان النحل ذباب العسل

 و قد تقدم أن النبي ص قال الذباب كله في النار إلا النحل

و واحدة النحل نحلة و قرأ يحيى بن وثاب وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ بفتح الحاء و الجمهور بالإسكان قال الزجاج في تفسير سورة النساء سميت نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج منها إذ النحلة العطية و كفاها شرفا قول الله عز و جل وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ فأوحى الله سبحانه و تعالى إليها فأثنى عليها فعلمت مساقط الأنوار من وراء البيداء فتقع هناك على كل نورة عبقة و زهرة أنقة ثم تصدر عنها بما تحفظه رضابا و تلفظه شرابا. قال في عجائب المخلوقات يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة إذ أوحى الله تعالى فيه إلى النحل صنعة العسل فبين سبحانه أن في النحل أعظم اعتبار و هو حيوان فهيم ذو كيس و شجاعة و نظر في العواقب و معرفة بفصول السنة و أوقات المطر و تدبير المراتع و المطاعم و الطاعة لكبيره و الاستكانة لأميره و قائده و بديع الصنعة و عجيب الفطرة. قال أرسطو النحل تسعة أصناف منها ستة يأوي بعضها إلى بعض و غذاؤها من الفضول الحلوة و الرطوبات التي ترشح بها الزهر و الورق و يجمع ذلك كله و يدخره و هو العسل و أوعيته و يجمع مع ذلك رطوبات دسمة يتخذ منها بيوت العسل و هي الشمع و هو يلقطها بخرطومه و يحملها على فخذيه و ينقلها من فخذيه إلى صلبه هكذا. قال و القرآن يدل على أنها ترعى الزهر فيستحيل في جوفها عسلا و تلقيه   من أفواهها فيجمع منه القناطير المقنطرة قال تعالى ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ و قوله مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ المراد به بعضها نظيره قوله وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يريد به البعض و اختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النحل و قد يختلف طعمه لاختلاف المرعى و من هذا المعنى قول زينب للنبي ص جرست نحلة العرفط حين شبهت رائحته برائحة المغافير و الحديث مشهور في الصحيحين و غيرهما. و من شأنه في تدبير معاشه أنه إذا أصاب موضعا نقيا بنى فيه بيتا من الشمع ثم يبني البيوت التي يأوي فيها الملوك ثم بيوت الذكور التي لا تعمل فيها شيئا و الذكور أصغر جرما من الإناث و هي تكثر المادة داخل الخلية و هي إذا طارت تخرج بأجمعها و ترتفع في الهواء ثم تعود إلى الخلية و النحل تعمل الشمع أولا ثم تلقي البزر لأنه له بمنزلة العش للطائر فإذا ألقته قعدت و تحضنه كما تحضن الطير فيتكون من ذلك البزر دود ثم تنهض الدود فتغذى أنفسها ثم تطير و النحل لا يقعد على أزهار مختلفة بل على زهر واحد و تملأ بعض البيوت عسلا و بعضها فراخا و من عادتها أنها إذا رأت فسادا من ملك إما أن تعزله أو تقتله و أكثر ما تقتل خارج الخلية و الملوك لا تخرج إلا مع جميع النحل و الملك إذا عجز عن الطيران حملته و سيأتي بيان هذا في أواخر الكتاب في لفظ اليعسوب و من خصائص الملك أنه ليس له حمة يلسع بها و أفضل ملوكها الشقر و أسوؤها الرقط بسواد و النحل تجتمع فتقتسم الأعمال فبعضها يعمل الشمع و بعضها يعمل العسل و بعضها يسقي الماء و بعضها يبني البيوت و بيوتها من أعجب الأشياء لأنها مبنية على الشكل المسدس الذي

    لا ينخرق كأنه استنبط بقياس هندسي ثم هو في دائرة مسدسة لا يوجد فيها اختلاف فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة و ذلك لأن الأشكال من الثلاث إلى العشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل و جاءت بينها خروج إلا الشكل المسدس فإنه إذا اجتمع إلى أمثاله اتصل كأنه قطعة واحدة و كل هذا بغير مقياس و لا آلة و لا فكرة بل ذلك من أثر صنع اللطيف الخبير و إلهامه إياها كما قال تعالى وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ الآية. فتأمل كمال طاعتها و حسن امتثالها لأمر ربها كيف اتخذت بيوتا في هذه الأمكنة الثلاثة الجبال و الشجر و بيوت الناس حيث يعرشون أي حيث يبنون العروش فلا ترى للنحل بيتا في غير هذه الثلاثة البتة و تأمل كيف كانت أكثر بيوتها في الجبال و هي المتقدمة في الآية ثم الأشجار و هي دون ذلك ثم فيما يعرش الناس و هي أقل بيوتها فانظر كيف أداها حسن الامتثال إلى أن اتخذت البيوت قبل المرعى و هي تتخذها أولا فإذا استقر لها بيت خرجت عنه فرعت و أكلت من كل الثمرات ثم آوت إلى بيوتها لأن ربها سبحانه و تعالى أمرها باتخاذ البيوت أولا ثم بالأكل بعد ذلك. قال في الإحياء انظر إلى النحلة كيف أوحى الله إليها حتى اتخذت من الجبال بيوتا و كيف استخرج من لعابها الشمع و العسل و جعل أحدهما ضياء و الآخر شفاء ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار و الأنوار و احترازها من النجاسات و الأقذار و طاعتها لواحد من جملتها و هو أكثرها شخصا و هو أميرها ثم ما سخر الله سبحانه و تعالى أميرها من العدل و الإنصاف بينها حتى أنه ليقتل على باب المنفذ كل   ما وقع منها على نجاسة لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيرا على نفسك و فارغا من هم بطنك و فرجك و شهوات نفسك في معاداة أقرانك و موالاة إخوانك ثم دع عنك جميع ذلك فانظر إلى بنيانها بيتها من الشمع و اختيارها من جميع الأشكال المسدس فلا تبني بيتها مستديرا و لا مربعا و لا مخمسا بل مسدسا لخاصية في الشكل المسدس يقصر فيه فهم المهندس و هو أن أوسع الأشكال و أحواها المسدس و ما يقرب منه فإن المربع يخرج منه زوايا ضائعة و شكل النحل مستدير مستطيل فترك المربع حتى لا يبقى الزوايا فارغة ثم لو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضائعة فإن الأشكال المستديرة إذا اجتمعت لم تجتمع متراصة و لا شكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب في الاحتواء من المستدير ثم تتراص الجملة بحيث لا يبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس و هذه خاصية هذا الشكل فانظر كيف ألهم الله تعالى النحل على صغر جرمه ذلك لطفا به و عناية بوجوده فيما هو المحتاج إليه ليتهيأ عيشه فسبحانه ما أعظم شأنه و أوسع لطفه و امتنانه. و في طبعه أنه يهرب بعضه عن بعض و يقاتل بعضه بعضا في الخلايا و يلسع من دنا من الخلية و ربما هلك الملسوع و إذا هلك منها شي‏ء داخل الخلايا أخرجته الأحياء إلى الخارج و في طبعه أيضا النظافة فلذلك يخرج رجيعه من الخلية لأنه منتن الريح و هو يعمل زماني الربيع و الخريف و الذي يعمله في الربيع أجود و الصغير أعمل من الكبير و هو يشرب من الماء ما كان عذبا صافيا يطلبه حيث كان و لا يأكل من العسل إلا قدر شبعه و إذا قل العسل في الخلية قذفه بالماء ليكثر خوفا على نفسه من نفاده لأنه إذا نفد أفسد النحل بيوت الملوك و بيوت الذكور و ربما قتلت ما كان منها هناك.

    قال حكيم من اليونانيين لتلامذته كونوا كالنحل في الخلايا قالوا و كيف النحل قال إنها لا تترك عندها بطالا إلا أبعدته و أقصته عن الخلية لأنه يضيق المكان و يفني العسل و يعلم النشيط الكسل. و النحل يسلخ جلده كالحيات و توافقه الأصوات اللذيذة المطربة و يضره السوس و دواؤه أن يطرح في كل خلية كف ملح و أن يفتح في كل شهر مرة و يدخن بأخثاء البقر. و في طبعه أنه متى طار عن الخلية يرعى ثم يعود فتعود كل نحلة إلى مكانها لا تخطئه و أهل مصر يحولون أبواب الخلايا في السفن و يسافرون بها إلى المواضع الزهر و الشجر فإذا اجتمع في المرعى فتحت أبواب الخلايا فتخرج النحل منها و يرعى يومه أجمع فإذا أمسى عاد إلى السفينة و أخذت كل نحلة مكانها من الخلية لا تتخطاه.

 و روى أحمد و ابن أبي شيبة و الطبراني أن النبي ص قال المؤمن كالنحلة تأكل طيبا و تضع طيبا وقعت فلم تكسر و لم تفسد

و في شعب البيهقي عن مجاهد قال صاحبت عمر من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله ص إلا هذا الحديث

 إن مثل المؤمن كمثل النحلة إن صاحبته نفعك و إن شاورته نفعك و إن جالسته نفعك و كل شأنه منافع و كذلك النحلة كل شأنها منافع

قال ابن الأثير وجه المشابهة بين المؤمن و النحلة حذق النحل و فطنته و قلة أذاه و حقارته و منفعته و قنوعه و سعيه في النهار و تنزهه عن الأقذار و طيب أكله و أنه لا يأكل من كسب غيره و نحوله و طاعته لأميره و للنحل آفات تقطعه عن عمله منها الظلمة و الغيم و الريح و الدخان و الماء و النار و كذلك المؤمن له آفات   تفتره عن عمله منها ظلمة الغفلة و غيم الشك و ريح الفتنة و دخان الحرام و ماء السعة و نار الهوى.

 و في مستدرك الدارمي عن علي بن أبي طالب ع أنه قال كونوا في الناس كالنحلة في الطير إنه ليس في الطير إلا و هو يستضعفها و لو تعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها و خالطوا الناس بألسنتكم و أجسادكم و زايلوهم بأعمالكم و قلوبكم فإن للمرء ما اكتسب و هو يوم القيامة مع من أحب

 و فيه أيضا عن ابن عباس أنه سأل كعب الأحبار كيف تجد نعت رسول الله ص في التوراة فقال كعب نجده محمد بن عبد الله ص يولد بمكة و يهاجر إلى طيبة و يكون ملكه بالشام ليس بفحاش و لا صخاب في الأسواق و لا يكافئ السيئة بالسيئة و لكن يعفو و يصفح أمته الحامدون يحمدون الله تعالى في كل سراء و ضراء يوضئون أطرافهم و يأتزرون في أوساطهم يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء

و ذكر ابن خلكان في ترجمة عبد المؤمن بن علي ملك المغرب أن أباه كان يعمل الطين فخارا و أنه كان في صغره نائما في دار أبيه و أبوه يعمل الطين فسمع أبوه دويا في السماء فرفع رأسه فرأى سحابة سوداء من النحل قد هوت مطبقة على الدار فاجتمعت كلها على ولده و هو نائم فغطته و أقامت عليه مدة ثم ارتفعت عنه و ما تألم منها و كان بالقرب منه رجل يعرف الزجر فأخبره أبوه بذلك فقال يوشك أن يجتمع على ولدك أهل المغرب فكان كذلك و كان من أمر ولده ما اشتهر من ملك المغرب الأعلى و الأدنى. و جمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل

 و روي عن علي بن أبي طالب ع أنه قال تحقيرا للدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة و أشرف   شرابه فيها رجيع نحلة

و ظاهر هذا أنه من غير الفم كذا نقله عنه ابن عطية

 و المعروف أنه قال إنما الدنيا ستة أشياء مطعوم و مشروب و ملبوس و مركوب و منكوح و مشموم فأشرف المطعوم العسل و هو مذقة ذباب و أشرف المشروب الماء و يستوي فيه البر و الفاجر و أشرف الملبوس الحرير و هو نسج دودة و أشرف المركوب الفرس و عليه تقتل الرجال و أشرف المنكوح المرأة و هو مبال في مبال و أشرف المشموم المسك و هو دم حيوان

و التحقيق أن العسل يخرج من بطونها لكن لا ندري أ من فمها أم من غيره و لا يتم صلاحه إلا بحمو أنفاسها و قد صنع أرسطاطاليس بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع فأبت أن تعمل حتى لطخته من باطن الزجاج بالطين كذا قاله الغزنوي و غيره و روينا في تفسير الكواشي الأوسط أن العسل ينزل من السماء فينبت في أماكن من الأرض فيأتي النحل فيشربه ثم يأتي الخلية فيلقيه في الشمع المهيأ للعسل في الخلية لا كما يتوهمه بعض الناس من أن العسل من فضلات الغذاء و أنه قد استحال في المعدة عسلا هذه عبارته و الله أعلم. توضيح عبق به الطيب لصق و الرضاب كغراب الريق المرشوف جرست أي أكلت و الجرس اللحس باللسان و العرفط شجر الطلح و له صمغ كريه الرائحة و الخلي ما تعسل فيه النحل و السوس دود يقع في الصوت و الأخثاء جمع الخثي بالكسر و هو فضلة البقر

1-  تفسير علي بن إبراهيم، قال الصادق ع إن لله واديا ينبت الذهب و الفضة و قد حماه الله بأضعف خلقه و هو النمل لو رامته البخاتي ما قدرت عليه

 2-  حياة الحيوان، النمل معروف الواحدة نملة و الجمع نمال و أرض نملة   ذات نمل و طعام منمول أصابه النمل و النملة بالضم النميمة يقال رجل نمل أي نمام و ما أحسن قول الأول

اقنع فما تبقى بلا بلغة فليس ينسى ربنا النملةإن أقبل الدهر فقم قائما و إن تولى مدبرا فنم له

 و سميت نملة لتنملها و هو كثرة حركتها و قلة قوائمها و النمل لا يتزاوج و لا يتلاقح إنما يسقط منه شي‏ء حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيظا ثم يتكون منه و البيض كله بالضاد المعجمة إلا بيض النمل فإنه بالظاء المشالة و النمل عظيم الحيلة في طلب الرزق فإذا وجد شيئا أنذر الباقين يأتون إليه و قيل إنما يفعل ذلك منها رؤساؤها و من طبعه أنه يحتكر في زمن الصيف لزمن الشتاء و له في الاحتكار من الحيل ما أنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمته نصفين ما خلا الكسفرة فإنه يقسمها أرباعا لما ألهم أن كل نصف منها ينبت و إذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض و نشره و أكثر ما يفعل ذلك ليلا في ضوء القمر و يقال إن حياته ليست من قبل ما يأكله و لا قوامه و ذلك أنه ليس له جوف ينفذ فيه الطعام و لكنه مقطوع نصفين و إنما قوته إذا قطع الحب في استنشاق ريحه فقط و ذلك يكفيه و قد روي عن سفيان بن عيينة أنه قال ليس شي‏ء يخبأ قوته إلا الإنسان و العقعق و النمل و الفأر و به جزم في الإحياء في باب التوكل و عن بعضهم أن البلبل يحتكر   و يقال إن للعقعق مخابي إلا أنه ينساها و النمل شديد الشم و من أسباب هلاكه نبات أجنحته فإذا صار النمل كذلك أخصبت العصافير لأنها تصيدها في حال طيرانها و قد أشار إلى ذلك أبو العتاهية بقوله

و إذا استوت للنمل أجنحة حتى تطير فقد دنا عطبه

 و كان الرشيد يتمثل بذلك كثيرا عند نكبة البرامكة و هو يحفر قرية بقوائمه و هي ست فإذا حفرها جعل فيها تعاويج لئلا يجري إليها ماء المطر و ربما اتخذ قرية فوق قرية بسبب ذلك و إنما يفعل ذلك خوفا على ما يدخره من البلبل قال البيهقي في الشعب و كان عدي بن حاتم الطائي يفت الخبز للنمل و يقول إنهن جارات و لهن علينا حق الجوار و سيأتي في الوحش عن الفتح بن خرشف الزاهد أنه كان يفت الخبز لهن في كل يوم فإذا كان يوم عاشوراء لم تأكله و ليس في الحيوان ما يحمل ضعف بدنه مرارا غيره على أنه لا يرضى بأضعاف الأضعاف حتى أنه تتكلف حمل نوى التمر و هو لا ينتفع به و إنما يحمله على حمله الحرص و الشره و هو يجمع غذاء سنين لو عاش و لا يكون عمره أكثر من سنة و من عجائبه اتخاذ القرية تحت الأرض و فيها منازل و دهاليز و غرف و طبقات معلقات يملؤها حبوبا و ذخائر للشتاء و منها ما يسمى الفارسي و هو من النمل بمنزلة الزنابير من النحل و منها ما يسمى نمل الأسد سمي بذلك لأن مقدمه يشبه وجه الأسد و مؤخره يشبه النمل

 و روى البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي ص أنه قال نزل نبي من الأنبياء ع تحت شجرة فلذعته نملة فأمر   بجهازه فأخرج من تحتها و أمر بها فأحرقت بالنار فأوحى الله تعالى إليه فهلا نملة واحدة

قال أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول لم يعاتبه على تحريقها و إنما عاتبه لكونه أخذ البري‏ء بغير البري‏ء و هذا النبي هو موسى بن عمران ع و إنه قال يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم و فيهم الطائع و كأنه أحب أن يريه ذلك من عنده فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها و عنده قرية نمل فغلبه النوم فلما وجد لذة النوم لذعته نملة فدلكهن بقدمه فأهلكهن و أحرق مسكنهن فأراه تعالى الآية في ذلك عبرة لما لذعته نملة كيف أصيب الباقون بعقوبتها يريد أن ينبهه على أن العقوبة من الله تعالى تعم الطائع و العاصي فتصير رحمة و طهارة و بركة على المطيع و شرا و نقمة و عدوانا على العاصي و على هذا ليس في الحديث ما يدل على كراهة و لا حظر في قتل النمل فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك و لا أحد من خلق الله تعالى أعظم حرمة من المؤمن و قد أبيح لك دفعه عن نفسك بضرب أو قتل على ما له من المقدار فكيف بالهوام و الدواب التي قد سخرت للمؤمن و سلط عليها فإذا آذته أبيح له قتلها و قوله فهلا نملة واحدة دليل على أن الذي يؤذي يقتل و كل قتل كان لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء و لم يخص تلك النملة التي لذعت من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراد لقال فهلا نملتك التي لذعتك و لكن قال فهلا نملة فكأن نملة تعم البري‏ء و الجاني و ذلك ليعلم أنه أراد أن ينبهه لمسألة ربه في عذاب أهل قرية فيهم المطيع و العاصي و قد قيل إن في شرع هذا النبي ع كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة فلذلك إنما عاتبه الله تعالى في إحراق الكثير لا في أصل   الإحراق أ لا ترى قوله فهلا نملة واحدة و هو بخلاف شرعنا

 فإن النبي ص قد نهى عن تعذيب الحيوان بالنار و قال لا يعذب بالنار إلا الله تعالى

فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوارثه الاقتصاص بالإحراق للجاني و أما قتل النملة فمذهبنا لا يجوز لحديث ابن عباس

 أن النبي ص نهى عن قتل أربع من الدواب النملة و النحلة و الهدهد و الصرد

رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين و المراد النمل الكبير السليماني كما قاله الخطابي و البغوي في شرح السنة أما النمل الصغير المسمى بالذر فقتله جائز و كره مالك قتل النمل إلا أن يضر و لا يقدر على دفعه إلا بالقتل و أطلق ابن أبي زيد جواز قتل النمل إذا آذت و قيل إنما عاتب الله تعالى هذا النبي لانتقامه لنفسه بإهلاك جمع آذاه واحد منهم و كان الأولى به الصفح و الصبر و لكن وقع للنبي ص أن هذا النوع مؤذ لبني آدم و حرمة بني آدم أعظم من حرمة غيره من الحيوان فلو انفرد له هذا النظر و لم ينضم إليه التشفي الطبيعي لم يعاتب فعوتب على التشفي بذلك و الله أعلم

 و روى الطبراني في معجمه الأوسط و الدار قطني أنه قال لما كلم الله موسى ع كان يبصر دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ

 و روى الترمذي الحكيم في نوادره عن معقل بن يسار قال قال أبو بكر و شهد به على رسول الله ص قال ذكر رسول الله ص الشرك فقال هو أخفى فيكم من دبيب النمل و سأدلك على شي‏ء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك و كباره تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا و أنا أعلم و أستغفرك لما لا أعلم تقولها ثلاث مرات

 و روى أيضا عن أبي أمامة الباهلي قال ذكر لرسول الله ص رجلان أحدهما   عابد و الآخر عالم فقال رسول الله ص فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم قال إن الله تعالى و ملائكته و أهل الأرض حتى النملة في جحرها و حتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير

قال الترمذي حديث حسن صحيح و سمعت أبا عثمان الحسين بن حريث الخزاعي يقول سمعت الفضيل بن عياض يقول عالم معلم يدعى كبيرا في ملكوت السماوات

 و روي أن النملة التي خاطبت سليمان ع أهدت إليه نبقة فوضعها عليه الصلاة و السلام في كفه فقالت

أ لم ترنا نهدي إلى الله ماله و إن كان عنه ذا غنى فهو قابله‏و لو كان يهدي للجليل بقدره لقصر عنه البحر حين يساحله‏و لكننا نهدي إلى من نحبه فيرضى به عنا و يشكر فاعله‏و ما ذاك إلا من كريم فعاله و إلا فما في ملكنا ما يشاكله

فقال سليمان ع بارك الله فيكم فهو بتلك الدعوة أكثر خلق الله تعالى

 و روي أن رجلا استوقف المأمون ليستمع منه فلم يقف له فقال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى استوقف سليمان بن داود ع لنملة ليستمع منها و ما أنا عند الله تعالى بأحقر من نملة و ما أنت عند الله بأعظم من سليمان ع فقال المأمون صدقت و وقف و سمع كلامه و قضى حاجته

و قال فخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ الآية وادي النمل بالشام كثير النمل فإن قيل لم أتى بعلى قلت لوجهين أحدهما أن إتيانهم كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء الثاني أنه يراد به قطع الوادي و بلوغ آخره من قولهم أتى على الشي‏ء إذا   بلغ آخره تكلمت النملة بذلك و هذا غير مستبعد فإن حصول العلم و النطق لها ممكن في نفسه و الله تعالى قادر على الممكنات و حكي عن قتادة أنه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال سلوا عما شئتم و كان أبو حنيفة حاضرا و هو يومئذ غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان ع أ كانت ذكرا أم أنثى فأفحم فقال أبو حنيفة كانت أنثى فقيل له كيف عرفت ذلك قال من قوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ و لو كانت ذكرا لقال قال نملة لأن النمل مثل الحمامة و الشاة في وقوعها على الذكر و الأنثى و رأيت في بعض الكتب المعتمدة أن تلك النملة إنما أمر رعيتها بالدخول في مساكنهم لئلا ترى النعم فتقع في كفران نعم الله تعالى عليها و في هذا تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا مخطورة

 روي أن سليمان قال لها لم قلت للنمل ادخلوا مساكنكم أ خفت عليها مني ظلما قالت لا و لكني خشيت أن يفتنوا بما يروا من جمالك و زينتك فيشغلهم ذلك عن طاعة الله تعالى

قال الثعلبي و غيره إنها كانت مثل الذئب في العظم و كانت عرجاء ذات جناحين و ذكر عن مقاتل أن سليمان ع سمع كلامها من ثلاثة أميال و قال بعض أهل العلم إنها تكلمت لعشرة أنواع من البديع قولها يا نادت أَيُّهَا نبهت النَّمْلِ سمت ادْخُلُوا أمرت مَساكِنَكُمْ نعتت لا يَحْطِمَنَّكُمْ حذرت سُلَيْمانُ خصت وَ جُنُودُهُ عمت وَ هُمْ أشارت لا يَشْعُرُونَ اعتذرت و المشهور أنه النمل الصغار و اختلف في اسمها فقيل كان اسمها طاغية و قيل كان اسمها خرمى قيل كان نمل الوادي كالذئاب قيل كالبخاتي  

 و روى الدارقطني و الحاكم عن أبي هريرة أن النبي ص قال لا تقتلوا النملة فإن سليمان ع خرج ذات يوم يستسقي فإذا هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها تقول اللهم أنا خلق من خلقك لا غنى لنا عن فضلك اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادك الخاطئين و اسقنا مطرا تنبت لنا به شجرا و تطعمنا به ثمرا فقال سليمان ع لقومه ارجعوا فقد كفينا و سقيتم بغيركم

3-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله ع قال كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله فإن لم يردك فلا ترده

4-  و منه، عن علي عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال إذا أحرمت فاتق الله قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة فإنها توهي السقاء و تخرق على أهل البيت و أما العقرب فالنبي ص مد يده إلى الحجر فلسعته عقرب فقال لعنك الله لا برا تدعين و لا فاجرا و الحية إذا أرادتك فاقتلها فإن لم تردك فلا تردها و الكلب العقور و السبع إذا أراداك فإن لم يريداك فلا تردهما و الأسود الغدر فاقتله على كل حال و ارم الغراب رميا و الحداء على ظهر بعيرك

 بيان قوله ع توهي السقاء الوهي الشق في الشي‏ء و تخرقه استرخاء رباطه أي تشق القربة أو تأكل رباطها فيهراق ماؤها و تحرق على أهل البيت لأنها أجر الفتيلة فتحرق ما في البيت و في القاموس الأسود الحية العظيمة و الأسودان الحية و العقرب و الوصف بالغدر كأنه لغدره و أخذه بغتة و قال صاحب المنتقى قال في القاموس غدر الليل كفرح الظلم فهي غدرة كفرحة فكأنه استعير منه   الغدر لشديد السواد من الحية و السبع تعميم بعد التخصيص أو أراد به أكمل أفراده و هو الأسد و قيل المراد به الذئب

5-  قرب الإسناد، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي ع قال يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره و يقتل الزنبور و العقرب و الحية و النسر و الذئب و الأسد و ما خاف أن يعدو عليه من السباع و الكلب العقور

6-  الكافي، عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال يقتل في الحرم و الإحرام الأفعى و الأسود الغدر و كل حية سوء و العقرب و الفأرة و هي الفويسقة و ترجم الغراب و الحدأة رجما فإن عرض لك لصوص امتنعت منهم

7-  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال يقتل المحرم الزنبور و النسر و الأسود الغدر و الذئب و ما خاف أن يعدو عليه و قال الكلب العقور هو الذئب

 بيان كأنه تفسير الكلب العقور الذي وقع في كلام النبي ص و ستأتي الأخبار فيما رخص في قتله و ما لم يرخص فيه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. و قال الدميري الأفعى الأنثى من الحيات و الذكر الأفعوان بضم الهمزة و العين قال الزبيدي الأفعى حية رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس و ربما كانت ذات قرنين و من عجائب أمرها ما حكاه ابن شبرمة أن أفعى نهشت غلاما في رجله فانصدعت جبهته. و قال القزويني هي حية قصيره الذنب من أخبث الحيات إذا فقئت عينها   تعود و لا تغمض حدقتها البتة تختفي في التراب أربعة أشهر في البرد ثم تخرج و قد أظلمت عيناها فتقصد شجر الرازيانج فتحك عينها به فترجع إليها ضوء. و قال الزمخشري يحكى أن الأفعى إذ أتت عليها ألف سنة عميت و قد ألهمها الله تعالى أن تمسح العين بورق الرازيانج الرطب يرد إليها بصرها فربما كانت في برية و بينها و بين الريف مسيرة أيام فتطوي تلك المسافة على طولها و على عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها فتحك بها عينها فترجع باصرة بإذن الله تعالى. و إذا قطع ذنبها عاد كما كان و إذا قلع نابها طلع بعد ثلاثة أيام و إن شجت تبقى تتحرك ثلاثة أيام و هي أعدى عدو للإنسان و بقر الوحش يأكلها أكلا ذريعا و إذا مرضت أكلت ورق الزيتون فتشفي و من الأفاعي ما تتسافد بأفواهها و إذا وطئ الذكر الأنثى وقع مغشيا عليه فتعمد الأنثى إلى موضع مذاكيره فتقطعها نهشا فيموت من ساعته. و قال الأسود السالخ نوع من الأفعوان شديد السواد سمي بذلك لأنه يسلخ جلده كل عام

 و في الصحيحين أن النبي ص أمر بقتل الأسودين في الصلاة العقرب و الحية

    و روى البيهقي عن ابن عباس قال كان رسول الله ص إذا أراد الحاجة أبعد فذهب يوما فقعد تحت شجرة فنزع خفيه قال و لبس أحدهما فجاء طائر فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء فانسلت منه أسود سالخ فقال النبي ص هذه كرامة أكرمني الله تعالى بها اللهم إني أعوذ بك من شر مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ و من شر مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ و من شر مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ

و قال العقرب دويبة من الهوام تكون للذكر و الأنثى بلفظ واحد واحدة العقارب و قد يقال للأنثى عقربة و عقرباء ممدودا و منها السود و الخضر و الصفر و هن قواتل و أشدها بلاء الخضر و هي مائية الطباع كثيرة الولد و عامة هذا النوع إذا حملت الأنثى منه يكون حتفها في ولادتها لأن أولادها إذا استوى خلقها يأكلون بطنها و يخرجون فتموت الأم و الجاحظ لا يعجبه هذا القول و يقول قد أخبرني من أثق به أنه رأى العقرب تلد من فيها و تحمل أولادها على ظهرها و هي على قدر القمل كثيرة العدد و الذي ذهب إليه الجاحظ هو الصواب و العقرب أشر ما تكون إذا كانت حاملا و لها ثمانية أرجل و عيناها في ظهرها و من عجيب أمرها أنها لا تضرب الميت و لا النائم حتى يتحرك بشي‏ء من بدنه فإنها عند ذلك تضربه و هي تأوي إلى الخنافس و تسالمها و ربما لسعت الأفعى فتموت و هي تلسع بعضها بعضا فتموت قاله الجاحظ. و من شأنها أنها إذا لسعت الإنسان فرت فرار من يخشى العقاب و من لطيف أمرها أنها مع صغرها تقتل الفيل و البعير بلسعها و من نوع العقارب الطيارة قالوا   و هذا النوع يقتل غالبا و قيل يصح بيع النمل بنصيبين لأنه تعالج به العقارب الطيارة.

 و روي عن عائشة قالت دخل علي بن أبي طالب ع على رسول الله ص و هو يصلي فقام إلى جنبه يصلي بصلاته فجاءت عقرب حتى انتهت إلى رسول الله ص ثم تركته و ذهبت نحو علي ع فضربها بنعله حتى قتلها فلم ير رسول الله ص بقتلها بأسا

 و روى ابن ماجة عن ابن رافع أن النبي ص قتل عقربا و هو يصلي

 و فيه عن عائشة قالت لذعت النبي ص عقرب و هو في الصلاة فقال لعن الله العقرب ما تدع مصليا و لا غير المصلي اقتلوها في الحل و الحرم

 و روى أبو نعيم و المستغفري و البيهقي عن علي ع أنه قال لذعت النبي ص عقرب و هو في الصلاة فلما فرغ قال لعن الله العقرب ما تدع مصليا و لا نبيا و لا غيره إلا لذعته و تناول نعله فقتلها بها ثم دعا بماء و ملح فجعل يمسح عليها و يقرأ قل هو الله أحد و المعوذتين

و قال الغراب معروف سمي بذلك لسواده و هو أصناف الغداف و الزاغ و الأكحل و غراب الزرع و الأورق و هذا الصنف يحكي جميع ما يسمعه و الغراب الأعصم عزيز الوجود قالت العرب أعز من الغراب الأعصم

 و قال رسول الله ص مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم في مائة غراب

    و في رواية قيل يا رسول الله و ما الغراب الأعصم قال الذي إحدى رجليه بيضاء

و قال في الإحياء الأعصم أبيض البطن و قيل أبيض الجناحين و قيل أبيض الرجلين. و غراب الليل قال الجاحظ هو غراب ترك أخلاق الغراب و تشبه بأخلاق البوم فهو من طير الليل. و قال أرسطاطاليس الغربان أربعة أجناس أسود حالك و أبلق و مطرف ببياض لطيف الجرم يأكل الحب و أسود طاوسي براق الريش و رجلاه كلون المرجان يعرف بالزاغ. قال صاحب المنطق الغراب من لئام الطير و ليس من كرامها و لا من أحرارها و من شأنه أكل الجيف و القمامات و هو أما حالك السواد شديد الاحتراق و يكون مثله في الناس الزنج فإنهم شرار الخلق تركيبا و مزاجا و الغراب الأبقع أكثر معرفة منه و غراب البين الأبقع قال الجوهري و هو الذي فيه سواد و بياض. و قال صاحب المنطق الغربان من الأجناس التي أمر بقتلها في الحل و الحرم من الفواسق اشتق لها ذلك الاسم من اسم إبليس لما يتعاطاه من الفساد الذي هو من شأن إبليس و اشتق ذلك أيضا لكل شي‏ء اشتد أذاه و أصل الفسق الخروج عن الشي‏ء و في الشرع الخروج عن الطاعة. و قال الجاحظ غراب البين نوعان غراب صغير معروف باللؤم و الضعف و   أما الآخر فإنه ينزل في دور الناس و يقع على مواضع إقامتهم إذا ارتحلوا عنها و بانوا فلما كان هذا الغراب لا يوجد إلا عند مباينتهم عن منازلهم اشتقوا له هذا الاسم من البينونة. و قال المقدسي هو غراب أسود ينوح نوح الحزين المصاب و ينعق ببين الخلان و الأحباب إذا رأى شملا مجتمعا أنذر بشتاته و إن شاهد ربعا عامرا بشر بخرابه و درس عرصاته يعرف النازل و الساكن بخراب الدور و المساكن و يحذر الآكل غصة المآكل و يبشر الراحل بقرب المراحل ينعق بصوت فيه تحزين كما يصيح المعلن بالتأذين

 و في سنن أبي داود و النسائي و ابن ماجة أن النبي ص نهى المصلي عن نقرة الغراب و افتراش السبع

يريد بنقرة الغراب تخفيف السجود و أنه لا يمكث فيها إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله.

 و روى الدارقطني عن ابن أمامة قال دعا النبي ص بخفيه ليلبسهما فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر و رمى به فخرجت منه حية فقال النبي ص من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما

و في طبع الغراب كله الاستتار عند السفاد و هو يسفد مواجهة و لا يعود إلى الأنثى بعد ذلك لقلة وفائه و الأنثى تبيض أربع بيضات أو خمس و إذا   خرجت الفراخ من البيض طردتها لأنها تخرج قبيحة المنظر جدا إذ تكون صغار الأجرام عظام الرءوس و المناقير جرد اللون متفاوتات الأعضاء فالأبوان ينكران الفراخ و يطيران لذلك و يتركانه فيجعل الله قوته في الذباب و البعوض الكائن في عشه إلى أن يقوى و ينبت ريشه فيعود إليه أبواه و على الأنثى الحضن و الذكر أن يأتيها بالطعم و في طبعه أنه لا يتعاطى الصيد بل إن وجد جيفة أكلها و إلا مات جوعا أو يتقمقم كما يتقمقم صغار الطير و فيه حذر شديد و تنافر و الغداف يقاتل البوم و يخطف بيضها و يأكله و من عجيب أمره أن الإنسان إذا أراد أن يأخذ فراخه تحتمل الأنثى و الذكر في أرجلهما حجارة و يتحلقان في الجو و يطرحان الحجارة عليه يريدان بذلك دفعه و العرب تتشأم بالغراب و غراب البين الأبقع و هو الذي فيه سواد و بياض و قال صاحب المجالسة سمي بذلك لأنه بان عن نوح ع لما وجهه لينظر إلى الماء فذهب و لم يرجع و لذلك تشأموا به و ذكر ابن قتيبة أنه سمي فاسقا لذلك أيضا. و يقال إذا صاح الغراب مرتين فهو شر و إذا صاح ثلاث مرات فهو خير على قدر عدد الحروف. و كان ابن عباس إذا نعق الغراب يقول اللهم لا طير إلا طيرك و لا خير إلا خيرك و لا إله غيرك. و يقال إن الغراب يبصر من تحت الأرض بقدرة منقاره و روي أن قابيل حمل أخاه و مشى به حتى أروح فلم يدر ما يصنع به فبعث الله غرابين قتل أحدهما الآخر   ثم بحث في الأرض بمنقاره و دفن أخاه فاقتدى به قابيل فلما رجع آدم من مكة قال أين هابيل قال لا أدري فقال اللهم العن أرضا شربت دمه فمن ذلك الوقت ما شربت الأرض دما. قال مقاتل و كان قبل ذلك السباع و الطيور تستأنس بآدم فلما قتل قابيل هابيل هربت منه الطير و الوحش و شاكت الأشجار و حمضت الفواكه و ملحت المياه و اغبرت الأرض. و يحرم أكل الغراب الأبقع الفاسق و أما الأسود الكبير الجبلي فهو حرام أيضا على الأصح و غراب الزرع حلال على الأصح.

 و في صحيح البخاري، عن ابن عمر أن النبي ص قال خمس من الدواب ليس على قاتلهن جناح الغراب و الحدأة و الفأرة و الحية و الكلب العقور

 و في سنن ابن ماجة قال رسول الله ص الحية فاسقة و الفأرة فاسقة و الغراب فاسق

و قال الفأر بالهمز جمع فأرة و هي أصناف الجرذ و الفأر المعروفان و منها اليرابيع و الزباب و الخلد فالزباب صم و الخلد أعمى و اليربوع و فأرة البيش و فأرة الإبل و فأرة المسك و ذات النطاق فأما فأرة البيت فهي الفويسقة التي أمر النبي ص بقتلها في الحل و الحرم و إنما سميت فواسق لخبثهن و قيل لخروجهن عن الحرمة في الحل و الحرم أي لا حرمة لهن بحال و قيل سميت بذلك لأنها عمدت إلى حبال سفينة نوح فقطعتها.  

 و روى الطحاوي عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة فويسقة قال استيقظ النبي ص ذات ليلة و قد أخذت فأرة فتيلة السراج لتحرق على رسول الله ص البيت فقام ص إليها و قتلها و أحل قتلها للحلال و المحرم

 و روى الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فذهبت الجارية فزجرتها فقال النبي ص دعيها فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله ص على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم فقال ص إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم

و الخمرة السجادة التي يصلي عليها المصلي سميت بذلك لأنها تخمر الوجه أي تغطيه.

 و في صحيح مسلم و غيره أن النبي ص أمر بإطفاء النار عند النوم و علل ذلك بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم نارا

و الفأر نوعان جرذان و فئران و كلاهما له حاسة السمع و البصر و ليس في الحيوانات أفسد من الفأر و لا أعظم أذى منه و من شأنه أنه يأتي القارورة الضيقة الرأس فيحتال حتى يدخل فيها ذنبه فكلما ابتل بالدهن أخرجه و امتصه حتى لا يدع فيها شيئا و لا يخفى ما بين الفأر و الهر من العداوة و السبب في ذلك أن نوحا ع لما حمل في السفينة من كل زوجين اثنين شكا أهل السفينة الفأرة و أنها تفسد طعامهم و متاعهم فأوحى الله إلى الأسد فعطس فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها. و الزباب جمع الزبابة بالفتح الفأرة البرية تسرق كل ما تحتاج إليه و تستغني   عنه و قيل هي فأرة عمياء صماء و يشبه بها الرجل الجاهل. و الخلد بالضم و قد يفتح و يكسر هي دويبة عمياء صماء لا تعرف ما بين يديها إلا بالشم و قيل فار أعمى لا يدرك إلا بالشم و قال أرسطو كل حيوان له عينان إلا الخلد و إنما خلق كذلك لأنها ترابي جعل الله له الأرض كالماء للسمك و غذاؤه من بطنها و ليس له في ظاهرها قوة و لا نشاط و لما لم يكن له بصر عوضه الله تعالى حدة السمع فتدرك الوطء الخفي من مسافة بعيدة فإذا أحس بذلك يختفي في الأرض و قيل إن سمعه مقدار بصر غيره. و اليربوع حيوان طويل اليدين جدا و له ذنب كذنب الجرذ يرفعه صعدا لونه كلون الغزال و هو يسكن بطن الأرض لتقوم رطوبتها له مقام الماء و هو يؤثر النسيم و يكره البخار أبدا يتخذ حجرة في نشز من الأرض ثم يحفر بيته في مهب الرياح الأربع و يتخذ فيه كوى و يسمى النافقاء و القاصعاء و الراهطاء فإذا طلب من إحدى هذه الكوى نافق أي خرج من النافقاء و إن طلب من النافقاء خرج من القاصعاء. و ظاهر بيته تراب و باطنه حفر و كذلك المنافق ظاهره إيمان و باطنه كفر و به سمي المنافق قال القزويني هو من نوع الفأر و هو من الحيوان الذي له رئيس مطاع   ينقاد إليه و إذا كان فيها يكون من بينها في مكان مشرف أو على صخرة ينظر إلى الطريق من كل ناحية فإن رأى ما يخافه ضرب بأسنانه و صوت فإذا سمعته انصرفت إلى حجرتها فإن قصر الرئيس حتى أدركهم أحد و صاد منهم شيئا اجتمعوا على الرئيس فقتلوه و ولوا غيره و إذا خرجت لطلب المعاش خرج الرئيس أولا يشرف فإن لم ير شيئا يخافه مر إليها يصوت و يضرب بأسنانه فتخرج واليا. و روى الزمخشري عن سفيان بن عيينة أنه قال ليس من الحيوان شي‏ء يخبأ قوته إلا الإنسان و النمل و الفأر و العقعق. و العقعق طائر على قدر الحمامة و على شكل الغراب و جناحاه أكبر من جناحي الحمامة و هو ذو لونين أبيض و أسود طويل الذنب و يقال له القعقع أيضا و هو لا يأوي تحت السقف و لا يستظل به بل يهيئ و كره في المواضع المشرفة و في طبعه الزنا و الخيانة و يوصف بالسرقة و الخبث و العرب تضرب به المثل في جميع ذلك.

 و روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة قال إن النبي ص قال فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت و لا أراها إلا الفأر أ لا تراها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه و إذا وضع لها ألبان الشاة شربته

قال النووي و غيره و معنى هذا أن لحوم الإبل و ألبانها حرمت على بني إسرائيل دون لحوم الغنم و ألبانها فدل على أن امتناع الفأرة من لبن الإبل دون لبن الغنم على أنها مسخ من بني إسرائيل. و أما فأرة البيش بالكسر و هو السم فدويبة تشبه الفأر و ليست بفأرة و لكن هكذا تسمى و تكون في الرياض و الغياض و هي تتخللها طلبا لمنابت السموم لتأكلها و لا   تضرها و كثيرا ما تطلب البيش. و أما ذات النطاق فهي فأرة منقطة ببياض و أعلاها أسود شبهوها بالمرأة ذات النطاق و هي التي تلبس قميصتين ملونين و تشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل قاله القزويني أيضا. و أما فأرة المسك مهموزة كفأرة الحيوان قال و يجوز ترك الهمزة كما في نظائره و قال الجوهري و ابن مكي ليست مهموزة و هو شذوذ منهما قال الجاحظ فأرة المسك نوعان الأول منهما دويبة تكون في بلاد التبت تصاد لنوافجها و سررها فإذا صيدت شدت بعصائب و هي متدلية فيجتمع فيها دمها فإذا أحكم ذلك ذبحت و ما أكثر من يأكلها عندنا فهي غير مهموزة لأنها من فار يفور و هي النافجة كذا قاله القزويني و في التحرير فارة المسك. و الثاني جرذان سود تكون في البيوت ليس عندها إلا تلك الرائحة اللازمة و رائحته كرائحة المسك إلا أنه لا يوجد منه المسك و أما فأرة الإبل فقال في الصحاح هي أن يفوح منها رائحة طيبة إذا رعت العشب و زهرة ثم شربت و صدرت عن الماء ففاحت منها رائحة طيبة و يقال لتلك الرائحة فأرة الإبل و يحرم أكل جميع الفأر إلا اليربوع و يكره أكل سؤر الفأر

8-  العياشي، عن محمد بن يوسف عن أبيه قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ قال إلهام

    -9  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان عن أبي الخطاب عن عبد صالح ع قال إن الناس أصابهم قحط شديد على عهد سليمان بن داود ع فشكوا ذلك إليه و طلبوا إليه أن يستسقي لهم قال فقال لهم إذا صليت الغداة مضيت فلما صلى الغداة مضى و مضوا فلما أن كان في بعض الطريق إذا هو بنملة رافعة يدها إلى السماء واضعة قدميها على الأرض و هي تقول اللهم أنا خلق من خلقك و لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم قال فقال سليمان ع ارجعوا فقد سقيتم بغيركم فسقوا في ذلك العام و لم يسقوا مثله قط

10-  الخرائج، عن سليمان الجعفري عن الرضا ع أن عصفورا وقع بين يديه و جعل يصيح و يضطرب فقال أ تدري ما يقول فقلت لا قال قال لي إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت فقم و خذ تلك النسعة و ادخل البيت و اقتل الحية فقمت و أخذت النسعة و دخلت البيت و إذا حية تجول في البيت فقتلتها

11-  الفقيه، بإسناده عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله ع عن قتل الحيات قال اقتل كل شي‏ء تجده في البرية إلا الجان و نهى عن قتل عوامر البيوت قال لا تدعهن مخافة تبعاتهن فإن اليهود على عهد رسول الله ص قالت من قتل عامر بيت أصابه كذا و كذا فقال رسول الله ص من تركهن مخافة تبعاتهن فليس مني و إنما تتركها لأنها لا تريدك و قال ربما قتلهن في بيوتهن

 بيان قال الدميري الجان حية بيضاء و قيل الحية الصغيرة و قال الجوهري حية بيضاء. و قال الفيروزآبادي حية أكحل العين لا تؤذي كثيرة في البيوت.   و في النهاية في حديث قتل الحيات إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فحرجوا عليها ثلاثا العوامر الحيات التي تكون في البيوت واحدها عامر و عامرة قيل سميت عوامر لطول أعمارها

12-  التهذيب، بإسناده عن محمد بن أحمد عن محمد بن موسى السمان عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن حماد عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله ع قال نهى رسول الله ص أن يؤكل ما تحمله النملة بفيها و قوائمها

 بيان النهي على المشهور محمول على الكراهة. قال الدميري يكره أكل ما حملت النملة بفيها و قوائمها لما روى الحافظ أبو نعيم في الطب النبوي عن صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن جده أن رسول الله ص نهى عن أن يؤكل ما حملته النمل بفيها و قوائمها

13-  البصائر، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن عبد الله بن فرقد قال خرجنا مع أبي عبد الله ع متوجهين إلى مكة حتى إذا كنا بسرف استقبله غراب ينعق في وجهه فقال مت جوعا ما تعلم شيئا إلا و نحن نعلمه إلا أنا أعلم بالله منك فقلنا هل كان في وجهه شي‏ء قال نعم سقطت ناقة بعرفات

 دلائل الطبري، عن علي بن هبة الله عن الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن البرقي عن النضر مثله.   بيان لعله كان متوجها إلى عرفات لأكل الناقة الميتة و كان جائعا و لم يكن علمه من جهة المشاهدة بل بما أعطاه الله من العلم بجهة رزقه أو ببعض الوقائع كما هو المشهور في الغراب

14-  المكارم، قال الصادق ع تعلموا من الغراب ثلاث خصال استتاره بالسفاد و بكوره في طلب الرزق و حذره

15-  الخصال، بإسناده عن سفيان بن أبي ليلى أن ملك الروم سأل الحسن بن علي ع عن سبعة أشياء خلقها الله عز و جل لم تخرج من رحم فقال آدم و حواء و كبش إبراهيم و ناقة صالح و حية الجنة و الغراب الذي بعثه الله يبحث في الأرض و إبليس لعنه الله

16-  الفقيه، روي من قتل وزغا فعليه الغسل و قال بعض مشايخنا إن العلة في ذلك أنه يخرج من ذنوبه فيغتسل منها

17-  حياة الحيوان، في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة أن النبي ص قال من قتل وزغة من أول ضربة فله كذا و كذا من الحسنة و من قتلها في الضربة الثانية فله كذا و كذا حسنة دون الأولى و فيه أيضا أن من قتلها في الأولى فله مائة حسنة و في الثانية دون ذلك و في الثالثة دون ذلك

 و روى الطبراني عن ابن عباس أن النبي ص قال اقتلوا الوزغ و لو في جوف الكعبة

 و في حديث عائشة أنه كان في بيتها رمح موضوع فقيل لها ما تصنعين بها فقالت نقتل به الوزغ فإن النبي ص أخبرنا أن إبراهيم ع ألقي في النار   و لم تكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ عليه فأمر ع بقتل الوزغ

 و كذلك رواه أحمد في مسنده

 و في تاريخ ابن النجار عن عائشة قالت سمعت رسول الله ص يقول من قتل وزغة محا الله عنه سبعة خطيئات

 و في الكامل عن ابن عباس أن النبي ص قال من قتل وزغة فكأنما قتل شيطانا

 ثم قال و أما تقييد الحسنات في الضربة الأولى بمائة و في الثانية بسبعين كما هو في بعض الروايات فجوابه أنه كقوله في صلاة الجماعة بسبع و عشرين و بخمس و عشرين إن مفهوم العدد لا يعمل به فذكر السبعين لا يمنع المائة فلا تعارض بينهما أو لعله أخبرنا بالسبعين ثم تصدق الله بالزيادة فأعلم به ص حين أوحي إليه بعد ذلك أو أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ بحسب نياتهم و إخلاصهم و كمال أحوالهم و نقصها فتكون المائة للكامل منهم و السبعون لغيره و قال يحيى بن يعمر سبب كثرة الحسنات في المبادرة أن تكرر الضرب في قتلها يدل على عدم الاهتمام بأمر صاحب الشرع إذ لو قوي عزمه و اشتدت حميته لقتلها في المرة الأولى لأنه حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة مئونة في الضرب فحيث لم يقتلها في المرة الأولى دلت على ضعف عزمه و لذلك نقص أجره عن المائة إلى السبعين و علل عز الدين بن عبد السلام كثرة الحسنات في الأولى بأنه إحسان في   القتل فدخل في قوله ص إذا قتلتم فأحسنوا القتلة و لأنه مبادرة إلى الخير فيدخل تحت قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ و قال و على كل المعنيين فالحية و العقرب أولى بذلك لعظم مفسدتهما

18-  قرب الإسناد، عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن قتل النملة قال لا تقتلها إلا أن تؤذيك و سألته عن قتل الهدهد أ يصلح قال لا تؤذيه و لا تقتله و لا تذبحه فنعم الطير هو

19-  العيون، و العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن علي بن محمد القاساني عن أبي أيوب المديني عن سليمان بن جعفر الجعفري عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي ع أن رسول الله ص نهى عن قتل خمسة الصرد و الصوام و الهدهد و النحلة و النملة و الضفدع و أمر بقتل خمسة الغراب و الحداء و الحية و العقرب و الكلب العقور

 قال الصدوق هذا أمر إطلاق و رخصة لا أمر وجوب و فرض. بيان يدل على اتحاد الصرد و الصوام كما يظهر من كلام الدميري و أكثر اللغويين لكن الفقهاء عدوهما اثنين قال في القاموس الصرد بضم الصاد و فتح الراء طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير و هو أول طائر صام لله تعالى و الجمع صردان. و قال في النهاية فيه أنه نهي المحرم عن قتل الصرد و هو طائر ضخم الرأس   و المنقار له ريش عظيم نصفه أبيض و نصفه أسود و منه حديث ابن عباس أنه نهى عن قتل أربع من الدواب النملة و النحلة و الهدهد و الصرد. قال الخطابي إنما جاء في قتل النمل عن نوع منه خاص و هو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى و الضرر و أما النحلة فلما فيها من المنفعة و هو العسل و الشمع و أما الهدهد و الصرد فلتحريم لحمهما لأن الحيوان إذا نهي عن قتله و لم يكن ذلك لاحترامه أو الضرر فيه كان لتحريم لحمه أ لا ترى أنه نهى عن قتل الحيوان لغير مأكله و يقال إن الهدهد منتن الريح فصار في معنى الجلالة و الصرد تتشأم به العرب و تتطير بصوته و شخصه و قيل إنما كرهوه من اسمه من التصريد و هو التقليل. و قال فيه خمس يقتلن في الحل و الحرم و عد منها الحداء و هو هذا الطائر المعروف من الجوارح واحدها حدأة بوزن عنبة. و قال فيه خمس يقتلن في الحل و الحرم و عد منها الكلب العقور و هو كل سبع يعقر أي يجرح و يقتل و يفترس كالأسد و النمر و الذئب سماها كلبا لاشتراكها في السبعية و العقور من أبنية المبالغة انتهى. و أقول التعميم الذي ادعاها غير معلوم و كأن المراد بالعقور الكلب الهراش الذي يضر و لا ينفع

20-  الخصال، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن الحسن بن زياد عن داود بن كثير الرقي قال بينما نحن قعود عند أبي   عبد الله ع إذ مر بنا رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله ع حتى أخذه من يده ثم دحى به الأرض ثم قال أ عالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم لقد أخبرني أبي عن جدي ع أن رسول الله ص نهى عن قتل ستة النحلة و النملة و الضفدع و الصرد و الهدهد و الخطاف فأما النحلة فإنها تأكل طيبا و تضع طيبا و هي التي أوحى الله عز و جل إليها ليست من الجن و لا من الإنس و أما النملة فإنهم قحطوا على عهد سليمان بن داود ع فخرجوا يستسقون فإذا هم بنملة قائمة على رجليها مادة يدها إلى السماء و هي تقول اللهم أنا خلق من خلقك لا غنى بنا عن فضلك فارزقنا من عندك و لا تؤاخذنا بذنوب سفهاء ولد آدم فقال لهم سليمان ارجعوا إلى منازلكم فإن الله تبارك و تعالى قد سقاكم بدعاء غيركم و أما الضفدع فإنه لما أضرمت النار على إبراهيم ع شكت هوام الأرض إلى الله عز و جل و استأذنته أن تصب عليها الماء فلم يأذن الله عز و جل لشي‏ء منها إلا للضفدع فاحترق منه الثلثان و بقي منه الثلث و أما الهدهد فإنه كان دليل سليمان ع إلى ملك بلقيس و أما الصرد فإنه كان دليل آدم ع من بلاد سرانديب إلى بلاد جدة شهرا و أما الخطاف فإن دورانه في السماء أسفا لما فعل بأهل بيت محمد ص و تسبيحه قراءة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أ لا ترونه و هو يقول وَ لَا الضَّالِّينَ

21-  العلل، و العيون، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق عن أحمد بن محمد الهمداني عن الحسن بن القاسم عن علي بن إبراهيم المعلى عن محمد بن خالد عن عبد الله بن بكر المرادي عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع نهي عن أكل الصرد و الخطاف

    -22  العيون، عن محمد بن عمر الجعابي عن الحسن بن عبد الله التميمي عن أبيه عن الرضا عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص من قتل حية قتل كافرا

23-  معاني الأخبار، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن فضالة عن أبان قال سئل أبو الحسن ع عن رجل يقتل الحية و قال له السائل إنه قد بلغنا أن رسول الله ص قال من تركها تخوفا من تبعتها فليس مني قال إن رسول الله ص قال من تركها تخوفا من تبعتها فليس مني فإنها حية لا تطلبك فلا بأس بتركها

24-  مجالس الصدوق، و الفقيه، في مناهي النبي ص أنه نهى أن يحرق شي‏ء من الحيوان بالنار و نهى عن قتل النحل

25-  ثواب الأعمال، عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله ع قال إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشا

26-  المحاسن، عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال بعثني رسول الله ص إلى المدينة فقال لا تدع صورة إلا محوتها و لا قبرا إلا سويته و لا كلبا إلا قتلته

27-  السرائر، من كتاب أبان بن تغلب عن القاسم بن عود البغدادي عن عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله ع ما تقول في قتل الذر قال اقتلهن آذتك   أو لم تؤذك

28-  و منه، عن أبان بن تغلب عن محمد بن غالب عن محمد الحلبي عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله ع لا بأس بقتل النمل آذتك أو لم تؤذك

29-  المكارم، من كتاب المحاسن عن الصادق ع قال أقذر الذنوب ثلاثة قتل البهيمة و حبس مهر المرأة و منع الأجير أجره

 بيان كأن المراد بقتل البهيمة قتلها بغير الذبح أو عند الحاجة إليها في الجهاد و غيره

30-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال مر رسول الله ص على قوم نصبوا دجاجة حية و هم يرمونها بالنبل فقال من هؤلاء لعنهم الله

31-  و بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص رأيت في النار صاحب الهرة تنهشها مقبلة و مدبرة كانت أوثقتها و لم تكن تطعمها و لا ترسلها تأكل من خشاشة الأرض

 بيان قال في النهاية في الحديث إن امرأة ربطت هرة فلم تطعمها و لم تدعها تأكل من خشاش الأرض أي هوامها و حشراتها و في رواية من خشيشها و هي بمعناه و يروى بالحاء المهملة و هو يابس النبات و هو وهم و قيل إنما هو خشيش بضم الخاء المعجمة تصغير خشاش على الحذف أو خشيش من غير حذف و منه حديث العصفور لم ينتفع بي و لم يدعني أختش من الأرض أي آكل من خشاشها

    -32  الدر المنثور، عن ابن عباس قال سئل رسول الله ص عن قتل الحيات قال خلقت هي و الإنسان كل واحد منهما عدو لصاحبه إن رآها أفزعته و إن لذعته أوجعته فاقتلها حيث وجدتها

33-  الشهاب، قال رسول الله ص إن الله يحب البصر النافذ عند مجي‏ء الشهوات و العقل الكامل عند نزول الشبهات و يحب السماحة و لو على تمرات و يحب الشجاعة و لو على قتل حية

 الضوء قوله ع يحب الشجاعة هذا مثل يعني أنه عز و جل يحبه على قدر عنائه و مبلغ بلائه و إن لم يكن إلا يسيرا فكثير الشجاعة عنده محمود و قليله غير مردود و على ذكر الحية فلنذكر مما ورد فيه طرفا

 و روي عنه ص اقتلوا الأبتر و ذو الطفيتين

فالأبتر القصير الذنب و ذو الطفيتين الذي على ظهره خطان كالخوصتين و الطفي الخوص.

 و قال ع من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا

 و قال ص اقتلوا الحيات فمن خاف إثارهن فليس منا

 و سئل عن حيات البيوت فقال ص إذا رأيتم شيئا في مساكنكم فقولوا أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح ع أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان ع أن تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن

و عن ابن مسعود اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض لأنه قصبة فضة   و

 قال ص من ترك قتل الحية خشية النار فقد كفر

يعني كفر بأمري لأني أمرت بقتلهن. بيان إثارهن كذا في النسخ القديمة و كأنه من الثأر بمعنى طلب الدم و في النهاية في الحديث أنه ذكر الحيات فقال من خشي إربهن فليس منا الإرب بكسر الهمزة و سكون الراء الدهاء أي من خشي غائلتها و جبن عن قتلها للذي قيل في الجاهلية إنها تؤذي قاتلها أو تصيبه بخبل فقد فارق سنتنا و خالف ما نحن عليه

34-  الشهاب، عن النبي ص قال من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة و له صراخ حول العرش يقول رب سل هذا فيم قتلني من غير منفعة

 الضوء العبث من فعل العالم ما ليس فيه غرض مثله و قيل هو ما خلط به لعب يقول ص ناهيا عن العبث رادا من اللعب ضاربا المثل بالعصفور الذي يقتله العابث من غير غرض صحيح إن العصفور المقتول باطلا يجي‏ء يوم القيامة و يصرخ حول العرش متظلما يسأل ربه أن يسأل قاتله لم قتله من غير جلب منفعة و لا دفع مضرة و هذا مثل ضربه بالعصفور و إذا كان ظلم العصفور في صغر جسمه و حقارته لا يترك و لا يهمل بل يستوفى عوض ما أصابه من الألم فكيف بما فوقه من بني آدم و غيرهم و إذا كان الله تعالى قد مكن المؤلم من الإيلام فلا بد أن يكون هو المستوفي لعوضه منه و كلام العصفور يجوز أن يكون على طريق المثل و تقريب الحال و يكون المعنى أن الله تعالى لا شك مستوف عوض ألم القتل من القاتل فكأنه يتظلم حول العرش و ينصفه و يجوز أن يكون على حقيقته و ينطقه الله تعالى فيتظلم حول العرش و يكون ذكر ذلك لطفا لمن يسمعه و فيه أن الصيد لغير غرض قبيح و كذلك صيد اللهو و اللعب و في   الحديث دلالة على أن جميع الحيوانات من الوحوش و الطيور تنشر و فيه إثبات الأعواض و فائدة الحديث تعظيم أمر الظلم و إعلام أن الله تعالى لا يهمله و لو كان بالعصفور و راوي الحديث أنس بن مالك

35-  الدر المنثور، عن خالد قال لما حمل نوح في السفينة ما حمل جاءت العقرب فقالت يا نبي الله أدخلني معك قال لا أنت تلذعين الناس و تؤذينهم قالت لا احملني معك فلك الله علي أن لا ألذع من يصلي عليك تلك الليلة

36-  قرب الإسناد، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد قال سمعت جعفر بن محمد ع يقول و سئل عن قتل الحيات و النمل في الدور إذا آذين قال لا بأس بقتلهن و إحراقهن إذا آذين و لكن لا تقتلوا من الحيات عوامر البيوت ثم قال إن شابا من الأنصار خرج مع رسول الله ص يوم أحد و كانت له امرأة حسناء فغاب فرجع فإذا هو بامرأته تطلع من الباب فلما رآها أشار إليها بالرمح فقالت له لا تفعل و لكن ادخل فانظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحية مطوقة على فراشه فقالت المرأة لزوجها هذا الذي أخرجني فطعن الحية في رأسها ثم علقها فجعل ينظر إليها و هي تضطرب فبينما هو كذلك إذ سقط فاندقت عنقه فأخبر رسول الله ص فنهى يومئذ عن قتلها و أما من قال من تركهن مخافة تبعتهن فليس منا لما سوى ذلك فأما عمار الدار فلا تهاج لنهي رسول الله ص عن قتلهن يومئذ

    -37  النجاشي، عن محمد بن جعفر عن أحمد بن محمد بن سعيد عن أحمد بن يوسف الجعفي عن علي بن الحسين عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله عن إسماعيل بن الحكم الرافعي عن عبد الله بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن أبي رافع قال دخلت على رسول الله ص و هو نائم أو يوحى إليه و إذا حية في جانب البيت إلى أن قال فاستيقظ فأخبرته خبر الحية فقال اقتلها فقتلتها الخبر

38-  تحف العقول، عن النبي ص في وصيته لعلي ع قال إذا رأيت حية في رحلك فلا تقتلها حتى تحرج عليها ثلاثا فإن رأيتها الرابعة فاقتلها فإنها كافرة يا علي إذا رأيت حية في طريق فاقتلها فإني اشترطت على الجن أن لا يظهروا في صورة الحيات

 توضيح حتى تحرج عليها أي تعزم و تقسم عليها بأن لا تضر و لا تظهر في النهاية الحرج الإثم و الضيق و منه الحديث اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم و المرأة أي أضيقه و أحرمه على من ظلمهما يقال حرج على ظلمك أي حرمه

39-  الدر المنثور، عن جويرية بن أسماء عن عمه قال حججت مع قوم فنزلنا منزلا و معنا امرأة فنامت و انتبهت و حية متطوقة عليها جمعت رأسها مع ذنبها بين ثدييها فهالنا ذلك و ارتحلنا فلم تزل متطوقة عليها لا تضرها شيئا حتى دخلنا أنصاب الحرم فانسابت فدخلنا مكة فقضينا نسكنا و انصرفنا حتى إذا كنا بالمكان الذي تطوقت عليها فيه الحية و هو المنزل الذي نزلنا فيه فنامت فاستيقظت و الحية متطوقة عليها ثم صفرت الحية فإذا بالوادي يسيل علينا حيات فنهشتها حتى بقيت عظاما فقلت للتي كانت الجارية لها ويحك أخبرينا عن هذه المرأة قالت بغت ثلاث مرات   كل مرة تلد ولدا فإذا وضعته سجرت التنور فألقته فيه

40-  الخرائج، عن سليمان الجعفري عن الرضا ع أن عصفورا وقع بين يديه و جعل يصيح و يضطرب فقال أ تدري ما يقول فقلت لا فقال قال لي إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت فقم و خذ تلك النسعة و ادخل البيت و اقتل الحية فقمت و أخذت النسعة و دخلت البيت و إذا حية تجول في البيت فقتلتها

41-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال إن العقرب لذعت رسول الله ص فقال لعنك الله فما تبالين مؤمنا آذيت أم كافرا ثم دعا بالملح فدلكه فهدأت ثم قال أبو جعفر ع لو يعلم الناس ما في الملح ما بغوا معه درياقا

 بيان هدأ كمنع سكن

42-  الكافي، عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه و عمرو بن إبراهيم جميعا عن خلف بن حماد عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله ع قال لذعت رسول الله ص عقرب فنفضها و قال لعنك الله فما يسلم منك مؤمن و لا كافر ثم دعا بملح فوضعه على موضع اللذعة ثم عصره بإبهامه حتى ذاب ثم قال لو يعلم الناس ما في الملح ما احتاجوا معه إلى ترياق

 43-  حياة الحيوان، قال أصحابنا ما ليس مأكولا من الدواب و الطيور إن كان فيه مضرة متمحضة استحب قتله للمحرم و غيره كالفواسق الخمس و الذئب و   الأسد و النمر و النسر و الحدأة و البرغوث و القمل و البق و أشباهها فإن كان فيه منفعة و مضرة كالفهد و الكلب المعلم و العقاب و البازي و الصقر و نحوها فلا يستحب قتلها لما فيها من منفعة الاصطياد و لا يكره لما فيها من الضرر و هو الصيال على حمام الناس و العقر و إن لم يكن فيه نفع و لا ضرر كالخنافس و الديدان و الجعلان و السرطان و النعامة و الرخمة و العظاءة و الذباب و أشباهها فيكره قتلها و لا يحرم على ما قطع به الجمهور و حكى الإمام وجها شاذا أنه يحرم قتل الطيور دون الحشرات لأنه عبث بلا حاجة و قال في الحية اسم يطلق على الذكر و الأنثى فإن أردت التمييز قلت هذا حية ذكر و هذه أنثى قاله المبرد في الكامل و إنما دخلته الهاء لأنه واحد من جنس كبطة و دجاجة على أنه قد روي عن بعض العرب أنه قال رأيت حيا على حية أي ذكر على أنثى و النسبة إلى حية حيوي و الحيوت ذكر الحيات أنشد الأصمعي

و تأكل الحية و الحيوتا و تخنق العجوز أو تموتا

 و ذكر ابن خالويه لها مائتي اسم و نقل السهيلي عن المسعودي أن الله تعالى لما أهبط الحية إلى الأرض أنزلها بسجستان فهي أكثر أرض الله حيات و لو لا العربد يأكلها و يفني كثيرا منها لخلت من أهلها لكثرة الحيات و قال كعب الأحبار أهبط الله الحية بأصبهان و إبليس بجدة و حواء بعرفة و آدم بجبل سرانديب و هو بأعلى الصين في بحر الهند عال يراه البحريون من مسافة أيام و فيه أثر قدم آدم ع مغموسة في الحجر و ترى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب و لا بد له في كل يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم ع و يقال إن الياقوت الأحمر يوجد على هذا الجبل فتحدره السيول و الأمطار من   ذروته إلى الحضيض و يوجد فيه ألماس أيضا و به يوجد العود كذا قاله القزويني و الحية أنواع منها الرقشاء و هي التي فيها نقط سواد و بياض و يقال لها الرقطاء أيضا و هي من أخبث الأفاعي و تزعم الأعراب أن الأفاعي صم و كذلك النعام و من أنواعها الأزعر و هو غالب فيها و منها ما هو أزب ذو شعر و منها ذوات القرون و أرسطو ينكر ذلك قال الراجز

و ذات قرنين طحون الضرس تنهش لو تمكنت من نهش‏تدير عينا كشهاب القيش

 و منها الشجاع بالضم و الكسر و هو الحية العظيمة التي تواثب الفارس و الراجل و تقوم على ذنبها و ربما لقت رأس الفارس و تكون بالصحاري و منها العربد و هي حية عظيمة تأكل الحيات و منها الأصلة و هو عظيم جدا و له وجه كوجه الإنسان و يقال أنه يصير كذلك إذا مرت عليه ألوف من السنين و من خاصية هذا أن يقتل بالنظر و منها الصل و سمي المكللة لأنها مكللة الرأس و قيل الصل الأول و هذه المكللة شديدة الفساد تحرق كل ما مرت عليه و لا ينبت حول جحرها شي‏ء من الزرع أصلا و إذا جاذى مسكنها طائر سقط و لا يمر حيوان بقربها إلا هلك و تقبل بصفيرها على غلوة سهم و من وقع عليها بصره و لو من بعد مات و من نهشته مات في الحال و ضربها فارس برمحه فمات هو و فرسه و هي كثيرة ببلاد الترك و منها ذو الطفيتين و الأبتر في الصحيحين أن النبي ص قال اقتلوهما فإنهما يلتمسان البصر و يستسقطان الحبالي قال الزهري و نرى ذلك من سمها   و منها الناظر متى وقع نظره على إنسان مات الإنسان من ساعته و منها نوع آخر إذا سمع الإنسان صوته مات و قد جاء في حديث الخدري عن الشاب الأنصاري الذي طعن الحية برمحه فماتت و مات الشاب من ساعته و من أسماء الحية العين و العيم و الأين و الأرقم و الأصلة و الجان و الثعبان و الشجاع و الأزب و الأزعر و الأبتر و الناشر و الأفعى و الأفعوان الذكر من الأفاعي و الأرقم و الأرقش و الصل و الأرقط و ذو الطفيتين و العربد قال ابن الأثير و يقال للحيات أبو البختري و أبو الربيع و أبو عثمان و أبو العاصي و أبو دعور و أبو وثاب و أبو يقظان و أم طبق و أم عافية و أم عثمان و أم الفتح و أم محبوب و بنات طبق و الحية الصماء و هي شديدة الشر و الصمة الذكر من الحيات و به سمي والد دريد بن الصمة و زعم أهل الكلام في طبائع الحيوان أن الحية تعيش ألف سنة و هي في كل سنة تسلخ جلدها و تبيض ثلاثين بيضة على عدد أضلاعها فتجمع النمل فيفسد غالب بيضها و لا يصلح منه إلا القليل و إذا لذعتها العقرب ماتت. و من أنواعها الحريش و شرها الأفاعي و مساكنها الرمال و بيض الحيات مستطيل و هو أكدر اللون و أخضر و أسود و أرقط و أبيض و في بعضه نمش و لمع و السبب في اختلاف ذلك لا يعرف و داخله شي‏ء كالصديد و هو في جوفها متصل طولا على خط واحد و ليس للحيات سفاد يعرف و إنما هو التواء بعضها على بعض و لسانها مشقوق فيظن بعض الناس أن لها لسانين و توصف بالنهم و الشرة لأنها

    تبتلع الفراخ من غير مضغ كما يفعل الأسد و من شأنها أنها إذا ابتلعت شيئا له عظم أتت شجرة أو نحوها فتلتوي عليه التواء شديدا حتى يتكسر ذلك في بطنها و من عادتها أنها إذا نهشت انقلبت فيتوهم بعض الناس أنها فعلت لتفرغ سمها و ليس كذلك و من شأنها إذا لم تجد طعاما عاشت بالنسيم و تقتات به الزمن الطويل و تبلغ الجهد من الجوع و لا تأكل إلا لحم الشي‏ء الحي و هي إذا كبرت صغر جرمها و أقنعت بالنسيم و لا تشتهي الطعام و من غرائب أمرها أنها لا تريد الماء و لا ترده إلا أنها لا تضبط نفسها عن الشراب إذا شمته لما في طبعها من الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر و ربما كان السكر سبب هلاكها و الذكر لا يقيم بموضع واحد و إنما تقيم الأنثى على بيضها حتى يخرج فراخها و تقوى على الكسب ثم هي سائرة و عينها لا تدور في رأسها كأنها مسمار مضروب في رأسها و كذلك عين الجراد و إذا قلعت عادت و كذلك نابها إذا قلع عاد بعد ثلاثة أيام و كذلك ذنبها إذا قطع نبت و من عجيب أمرها أنها تهرب من الرجل العريان و تفرح بالنار و تطلبها و تتعجب من أمرها و تحب اللبن حبا شديدا و إذا ضربت بسوط مسه عرق الخيل ماتت و تذبح فتبقى أياما لا تموت و إذا عميت أو خرجت من الأرض و هي لا تبصر طلبت الرازيانج الأخضر فتحك به بصرها فتبصر فسبحان من قَدَّرَ فَهَدى قدر عليها العمى و هداها إلى ما يزيله عنها و ليس في الأرض مثل الحية إلا و جسم الحية أقوى منه و كذلك إذا أدخلت صدرها في جحر أو صدع لم يستطع أقوى الناس إخراجها منه و ربما تقطعت و لا تخرج و ليس لها قوائم و لا أظفار تنشب بها و إنما قوى ظهرها هذه   القوة بسبب كثرة أضلاعها فإن له ثلاثين ضلعا و إذا مشت مشت على بطنها فتدافع أجزاؤها و تسعى بذلك الدفع الشديد و الحيات من أصل الطبع مائية و تعيش في البحر بعد أن كانت برية و في البر بعد أن كانت بحرية قال الجاحظ الحيات ثلاثة أنواع منها ما لا ينفع للسعته ترياق و لا غيره كالثعبان و الأفعى و الحية الهندية و نوع منها ينفع في لسعته الدرياق و ما كان سواهما مما يقتل فإنما يقتل بواسطة الفزع كما حكي أن شخصا نام تحت شجرة فتدلت عليه حية فعضت رأسه فانتبه مخمر الوجه فحك رأسه و تلفت فلم ير أحدا فلم يرتب بشي‏ء و وضع رأسه و نام فلما كان بعد ذلك بمدة قال له بعض من رآه هل علمت مم كان انتباهك تحت الشجرة قال لا و الله ما علمت قال إنما كان من حية تدلت عليك فعضت رأسك فلما قمت فزعا تقلصت ففزع فزعة فاتت فيها نفسه قال فهم يزعمون أن الفزع هو الذي هيج السم و فتح مسام البدن حتى مشى السم فيه انتهى و ذكر القرطبي في سورة غافر عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن كعب الأحبار أنه قال لما خلق الله تعالى العرش قال لم يخلق الله خلقا أعظم مني و اهتز تعاظما فطوقه بحية لها سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف لسان يخرج من أفواهها كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر و عدد ورق الشجر و عدد الحصى و الثرى و عدد أيام الدنيا و عدد الملائكة أجمعين فالتوت الحية على العرش فالعرش إلى نصف الحية و هي ملتوية عليه فتواضع عند ذلك انتهى و ذكر أبو الفرج بن الجوزي عن بشر بن الفضل قال خرجنا حجاجا فمررنا

    بماء من مياه العرب فوصف لنا فيه ثلاث جوار أخوات بارعات في الجمال و أنهن يتطببن و يعالجن فأحببنا أن نراهن فعمدنا إلى صاحب لنا فحكينا ساقه بعود حتى أدميناه ثم حملناه و أتينا به إليهن و قلنا هذا سليم فهل من راق فخرجت إلينا الأخت الصغرى فإذا جارية كالشمس الطالعة فجاءت حتى وقفت عليه و نظرته فقالت ليس بسليم قلنا و كيف ذلك قالت إنه خدشه عود بال عليه حية ذكر و الدليل على ذلك أنه إذا طلعت الشمس مات قال فلما طلعت الشمس مات فعجبنا من ذلك و انصرفنا و قال أيضا إن عيسى ع مر بحواء يطارد حية فقالت الحية يا روح الله قل له لئن لم يلتفت عني لأضربنه ضربة أقطعه قطعا فمر عيسى ثم عاد فإذا الحية في سلة الحاوي فقال لها عيسى أ لست القائلة كذا و كذا فكيف صرت معه فقالت يا روح الله إنه قد حلف لي و الآن غدرني فسم غدره أضر عليه من سمي و في عجائب المخلوقات للقزويني أن الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى أنوشيروان و إنما وجد في زمانه و سببه أنه كان ذات يوم جالسا للمظالم إذ أقبلت حية عظيمة تنساب تحت سريره فهموا بقتلها فقال كسرى كفوا عنها فإني أظنها مظلومة فمرت تنساب فأتبعها كسرى بعض أساورته فلم يزل سائرة حتى نزلت على فوهة بئر فنزلت فيها ثم أقبلت تتطلع فنظر الرجل فإذا في قعر البئر حية مقتولة و على متنها عقرب أسود فأدلى رمحه إلى العقرب و نخسها به و أتى الملك فأخبره بحال الحية فلما كان في العام القابل أتت تلك الحية في اليوم الذي كان كسرى جالسا فيه للمظالم و جعلت تنساب حتى وقفت بين يديه فأخرجت من فيها بزرا أسود فأمر   الملك أن يزرع فنبت منه الريحان و كان الملك كثير الزكام و أوجاع الدماغ فاستعمل منه فنفعه جدا و ذكر المسعودي عن الزبير بن ركاز أن أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا في ظل شجرة بجنب صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته إليهما فقالا إن هذا لمن كنز هنا فأقاما ثلاثة أيام و هي في كل يوم تخرج إليهما دينارا فقال أحدهما للآخر إلى متى ننتظر هذه الحية ألا نقتلها و نحفر هذا الكنز فنأخذه فنهاه أخوه و قال ما تدري لعلك تعطب و لا تدرك المال فأبى عليه ثم أخذ فأسا و رصد الحية حتى خرجت فضربها ضربة جرح رأسها و لم يقتلها و بادرت إليه الحية فقتلته و رجعت إلى جحرها فدفنه أخوه و أقام حتى إذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها و ليس معها شي‏ء فقال يا هذه و الله ما رضيت ما أصابك و لقد نهيت أخي عن ذلك فلم يقبل فإن رأيتي أن تجعلي الله بيننا على أن لا تضرني و لا أضرك و ترجعين إلى ما كنت عليه أولا فقالت الحية لا قال لأي شي‏ء قالت لأني أعلم أن نفسك لا تطيب لي أبدا و أنت ترى قبر أخيك و نفسي لا تطيب لك أبدا و أنا أذكر هذه الشجة

 و في مسند أحمد عن ابن مسعود أن النبي ص قال من قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا بالله و من ترك حية مخافة عاقبتها فليس منا

و قال ابن عباس إن الحيات مسخن كما مسخت القردة من بني إسرائيل و كذا رواه الطبراني عنه عن رسول الله ص و كذا ابن حبان   و أما الحيات التي في البيوت فلا تقتل حتى تنذر ثلاثة أيام

 لقوله ص إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فأذنوه ثلاثة أيام

و حمل بعض العلماء ذلك على المدينة وحده و الصحيح أنه عام في كل بلد لا تقتل حتى تنذر

 روى مسلم و مالك في آخر الموطأ و غيرهما عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري في بيته فوجدته يصلي فجلست أنتظر فراغه فسمعت حركة تحت السرير في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلي أن اجلس فجلست فلما انصرف من صلاته أشار إلى بيت في الدار فقال أ ترى هذا البيت قلت نعم قال كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس فخرجنا مع رسول الله ص إلى الخندق و كان ذلك الفتى يستأذن على رسول الله ص عند انتصاف النهار و يرجع إلى أهله فاستأذنه يوما فقال له ص خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فأخذ الفتى سلاحه ثم رجع إلى أهله فوجد امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به و قد أصابته غيره فقالت اكفف عليك رمحك و ادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا هو بحية عظيمة مطوقة على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فوكزه في الدار فاضطربت عليه و خر الفتى ميتا فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى قال فجئنا النبي ص فأخبرناه بذلك و قلنا ادعوا الله تعالى أن يحييه فقال استغفروا لصاحبكم ثم قال إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فأذنوه ثلاثة أيام   فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان

و اختلف العلماء في تفسير الإنذار هل هو ثلاثة أيام أو ثلاث مرات و الأول عليه الجمهور و كيفيته أن يقول أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح و سليمان ع أن لا تبدوا لنا و لا تعادونا

 و في أسد الغابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال قال رسول الله ص إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها إنا نسألك بعهد نوح و بعهد سليمان ع لا تؤذينا فإن عادت فاقتلوها

 و روي عن عمران بن الحصين قال أخذ النبي ص بعمامتي من ورائي و قال يا عمران إن الله يحب الإنفاق و يبغض الإقتار فأنفق و أطعم و لا تصرصر فيعسر عليك الطلب و اعلم أن الله عز و جل يحب البصر النافذ عند هجم الشبهات و العقل الكامل عند نزول الشهوات و يحب السماحة و لو على تمرات و يحب الشجاعة و لو على قتل حية

و عند الحنفية ينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء لأنها من الجان و قال الطحاوي لا بأس بقتل الجميع و الأولى هو الإنذار

 و قال في موضع آخر في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي ص قال لعن الله من مثل بالحيوان

 و في رواية لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا

   أي يرمي كالغرض من الجلود و غيرها و هذا النهي للتحريم لأن النبي ص لعن فاعله و لأنه تعذيب للحيوان و إتلاف لنفسه و تضييع لماليته و تفويت لذكاته إن كان يذكى و لمنفعته إن لم يكن يذكى

44-  العيون، و العلل، عن محمد بن عمر البصري عن محمد بن عبد الله بن جبلة عن عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن الرضا عن آبائه ع قال سأل شامي أمير المؤمنين ع كم حج آدم من حجة فقال له سبعين حجة ماشيا على قدميه و أول حجة حجها كان معه الصرد يدله على مواضع الماء و خرج معه من الجنة و قد نهي عن أكل الصرد و الخطاف و سأله ما باله لا يمشي قال لأنه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه و لم يزل يبكي مع آدم ع فمن هناك سكن البيوت و معه تسع آيات من كتاب الله عز و جل مما كان آدم يقرؤها في الجنة و هي معه إلى يوم القيامة ثلاث آيات من أول الكهف و ثلاث آيات من سبحان و هي فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ و ثلاث آيات من يس وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا

45-  العيون، عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن منصور بن عبد الله عن المنذر بن محمد عن الحسين بن محمد عن سليمان بن جعفر عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال في جناح كل هدهد خلقه الله عز و جل مكتوب بالسريانية آل محمد خير البرية

46-  البصائر، عن أحمد بن محمد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن محمد بن سيف التميمي عن محمد بن جعفر عن أبيه قال قال رسول الله ص استوصوا بالصائيات خيرا يعني الخطاف فإنه آنس طير الناس بالناس ثم قال رسول الله   ص أ تدرون ما تقول الصائية إذا ترنمت تقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تقرأ أم الكتاب فإذا كان في آخر ترنمها قالت وَ لَا الضَّالِّينَ

 الكافي، عن العدة عن سهل بن زياد و أحمد بن أبي عبد الله جميعا عن الجاموراني مثله و فيه استوصوا بالصئينات و ما تقول الصئينة إذا مرت و ترنمت و زاد في آخره مد بها رسول الله ص وَ لَا الضَّالِّينَ

بيان قال الدميري السنونو بضم السين و النونين الواحدة سنونوة و هو نوع من الخطاطيف و لذلك سمي حجر اليرقان حجر السنونو و لكن تصحف على عجائب المخلوقات فقال حجر الصنونو بالصاد و الصواب أنه بالسين المهملة نسبة إلى هذا النوع من الخطاطيف

47-  المختلف، نقلا من كتاب عمار بن موسى عن الصادق ع قال خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه و لكن كره أكله لأنه استجار بك و آوى في منزلك و كل شي‏ء يستجير بك فأجره

 التهذيب، بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار مثله إلا أنه أسقط لفظة خرء

48-  و منه، بالإسناد المتقدم عن عمار عن أبي عبد الله ع عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أ يأكله قال هو مما يؤكل و عن الوبر يؤكل قال   لا هو حرام

 بيان حمل الشيخ قوله هو مما يؤكل على التعجب و الإنكار و هو بعيد و الأولى حمل أخبار النهي على الكراهة كما فعله الأكثر

49-  التهذيب، بالإسناد المتقدم عن عمار عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن الشقراق فقال كره قتله لحال الحيات قال و كان النبي ص يوما يمشي فإذا شقراق قد انقض فاستخرج من خفه حية

 بيان قوله ع لحال الحيات أي لأنه يأكلها و في وجوده منفعة عظيمة فلذا كره قتله أو لأنه أخرج الحية من خفه ص فصار بذلك محترما أو لأنه يأكل الحية ففيه سميته فالمراد بقتله قتله للأكل و الأول أظهر

50-  الخرائج، عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سأله رجل عن الخطاف فقال لا تؤذوه فإنه لا يؤذي شيئا و هو طير يحبنا أهل البيت

51-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن علي بن سليمان عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح قال سمعت أبا الحسن ع يقول لا أرى بأكل الحبارى بأسا و إنه جيد للبواسير و وجع الظهر و هو مما يعين على كثرة الجماع

 52-  حياة الحيوان، الهدهد بضم الهاءين و إسكان الدال المهملة و بفتح الهاءين و إسكان الدال المهملة بينهما طائر معروف ذو خطوط و ألوان كثيرة و الجمع الهداهد بالفتح هو طير منتن الريح طبعا لأنه يبني أفحوصته في الزبل و هذا عام في جميع جنسه   و يذكر عنه أنه يرى الماء في باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاج و زعموا أنه كان دليل سليمان ع على الماء و بهذا تفقده لما فقده و كان سبب غيبة الهدهد عن سليمان ع أنه لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز و استصحب من الجن و الإنس و الشياطين و الطير و الوحش ما بلغ عسكره مائة فرسخ فحملتهم الريح فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم و كان ينحر كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة و يذبح خمسة آلاف ثور و عشرين ألف شاة و إنه قال لمن حضره من أشراف قومه إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي من صفته كذا و كذا يعطى النصر على من ناواه و تبلغ هيبته مسيرة الشهر القريب و البعيد عنده في الحق سواء لا تأخذه في الله لومة لائم قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله قال بدين الحنيفية فطوبى لمن أدركه و آمن به قالوا فكم بيننا و بين خروجه قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء و خاتم الرسل و أقام سليمان ع بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا و سار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال و ذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسنا تزهو خضرتها فأحب النزول فيها ليصلي و يتغذى فلما نزل قال الهدهد إن سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فنظر إلى طول الدنيا و عرضها يمينا و شمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد من هداهد اليمن فهبط عليه و كان اسم هدهد سليمان يعفور فقال ليعفور من أين أقبلت و أين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ع فقال و من سليمان قال ملك الجن و الإنس و الشياطين و الطيور و الوحوش و الرياح و ذكر له من عظمة ملك سليمان   و ما سخر له من كل شي‏ء فمن أين أنت قال الهدهد الآخر أنا من هذه البلاد و وصف له ملك بلقيس و أن تحت يدها اثني عشر ألف قائد تحت كل قائد مائة ألف مقاتل ثم قال فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها فقال أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء فقال الهدهد اليماني إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة فمضى معه و نظر إلى ملك بلقيس و ما رجع إلى سليمان إلا بعد العصر فكان سليمان ع قد نزل على غير ماء فسأل الإنس و الجن و الشياطين عن الماء فلم يعلموا له خبرا فتفقد الطير و تفقد الهدهد فدعا عريف الطير و هو النسر و سأله عن الهدهد فلم يجد علمه عنده فغضب سليمان ع عند ذلك و قال لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً الآية ثم دعا بالعقاب و هو سيد الطير و قال علي بالهدهد الساعة فارتفع في الهواء و نظر إلى الدنيا كالقصعة في يد الرجل ثم التفت يمينا و شمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن فانقض يريده فناشده الله تعالى و قال أسألك بحق الذي قواك و أقدرك علي إلا ما رحمتني و لم تتعرض لي بسوء فتركه ثم قال له ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله قد حلف ليعذبك أو ليذبحنك فقال الهدهد أ و ما استثنى نبي الله قال بلى أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فقال الهدهد فنجوت إذا ثم طار الهدهد و العقاب حتى أتيا سليمان ع فلما قرب منه الهدهد أرخى ذنبه و جناحه يجرهما على الأرض تواضعا له فأخذ سليمان ع برأسه فمده إليه فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عز و جل فارتعد سليمان و عفا عنه ثم سأله عن سبب غيبته فأخبره بأمر بلقيس

    و قد تقدمت الإشارة إلى طرف من قصتها. و أما قوله لَأُعَذِّبَنَّهُ أراد تعذيبه بما يحتمله حاله ليعتبر به أبناء جنسه و قيل كان عذاب سليمان ع للطير أن ينتف ريشه و ذنبه و يلقيه ممعطا لا يمتنع من النمل و لا من هوام الأرض و هو أظهر الأقاويل و قيل أن يطلى بالقطران و يشمس و قيل أن يلقى للنمل تأكله و قيل إيداعه القفص و قيل التفريق بينه و بين إلفه و قيل إلزامه صحبة الأضداد و عن بعضهم أنه قال أضيق السجون صحبة الأضداد و قيل حبسه مع غير جنسه و قيل إلزامه خدمة أقرانه و قيل تزويجه عجوزا. فإن قلت من أين حل تعذيب الهدهد قلت يجوز أن يبيح الله له ذلك كما أباح ذبح البهائم و الطيور للأكل و غيره من المنافع. حكى القزويني أن الهدهد قال لسليمان ع أريد أن تكون في ضيافتي قال أنا وحدي قال لا بل أنت و أهل عسكرك في جزيرة كذا في يوم كذا فحضر سليمان بجنوده فطار الهدهد فاصطاد جرادة و خنقها و رمى بها في البحر و قال كلوا يا نبي الله من فاته اللحم ناله المرق فضحك سليمان و جنوده من ذلك حولا كاملا. و قال عكرمة إنما صرف سليمان ع عن ذبح الهدهد لأنه كان بارا بوالديه ينقل الطعام إليهما فيزقهما في حالة كبرهما. قال الجاحظ هو وفاء حفوظ ودود و ذلك أنه إذا غابت أنثاه لم يأكل و لم يشرب و لم يشتغل بطلب طعم و لا غيره و لا يقطع الصياح حتى تعود إليه فإن حدث حادث أعدمه إياها لم يسفد بعدها أنثى أبدا و لم يزل صائحا عليها ما عاش و لم يشبع أبدا من طعم بل يناله منه ما يمسك رمقه إلى أن يشرف على الموت فعند ذلك ينال منه يسيرا. و في الكامل و شعب الإيمان للبيهقي أن نافعا سأل ابن عباس فقال سليمان ع مع ما خوله الله تعالى من الملك كيف عني بالهدهد مع صغره فقال ابن عباس إنه احتاج إلى الماء و الهدهد كانت الأرض له كالزجاج فقال ابن الأزرق

    لابن عباس قف يا وقاف كيف ينظر الماء من تحت الأرض و لا يرى الفخ إذا غطي له بقدر إصبع من تراب فقال ابن عباس إذا نزل القضاء عمي البصر. ثم قال و الأصح تحريم أكله لنهي النبي ص عن قتله و لأنه منتن الريح و يقتات الدود و قيل يحل أكله. و قال الحبارى بضم الحاء المهملة طائر معروف و هو اسم جنس يقع على الذكر و الأنثى واحده و جمعه سواء و إن شئت قلت في الجمع حبارات و هو من أشد الطير طيرانا و أبعدها صوتا و هو طائر طويل العنق رمادي اللون في منقاره بعض طول و يضرب بها المثل في الحمق. و قال الصرد كرطب قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح هو مهمل الحروف على وزن جعل كنيته أبو كثير و هو طائر فوق العصفور يصيد العصافير و الجمع صردان قاله النضر بن شميل و هو أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر نصفه أبيض و نصفه أسود ضخم المنقار له برثن عظيم يعني أصابعه عظيمة لا يرى إلا في سعفة أو في شجرة لا يقدر عليه أحد و هو شرس النفس شديدة النقرة غذاؤه من اللحم و له صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته فيدعوه إلى التقرب منه فإذا اجتمعوا إليه شد على بعضهم و له منقار شديد فإذا نقر واحدا قده من ساعته و أكله و لا يزال كذلك هذا دأبه و مأواه الأشجار و رءوس القلاع. و نقل أبو الفرج بن الجوزي في المدهش في قوله تعالى وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ الآية عن ابن عباس و الضحاك و مقاتل قالوا إن موسى ع لما أحكم التوراة و علم ما فيها قال في نفسه لم يبق في الأرض أحد أعلم مني من غير أن يتكلم مع أحد فرأى في منامه كان الله أرسل الماء بالماء حتى غرق ما بين المشرق و المغرب فرأى   فتاه على البحر فيها صردة فكانت الصردة تجي‏ء للماء الذي غرق الأرض فتنقل الماء بمنقارها ثم تدفعه في البحر فلما استيقظ الكليم هاله ذلك فجاءه جبرائيل فقال ما لي أراك يا موسى كئيبا فأخبره بالرؤيا فقال إنك زعمت أنك استغرقت العلم كله فلم يبق في الأرض من هو أعلم منك و إن لله عبدا علمك في علمه كالماء الذي حملته الصردة بمنقارها فدفعته في البحر فقال يا جبرائيل من هذا العبد فقال الخضر بن عاميل من ولد الطيب يعني إبراهيم الخليل ع قال من أين أطلبه قال اطلبه من وراء هذا البحر فقال من يدلني عليه قال بعض زادك قالوا فمن حرصه على رؤياه لم يستخلف في قومه و مضى لوجهه و قال لفتاه يوشع هل أنت موازري قال نعم قال اذهب فاحتمل لنا زادا فانطلق يوشع فاحتمل أرغفة و سمكة عتيقة مالحة ثم سارا في البحر حتى خاضا وحلا و طينا و لقيا تعبا و نصبا حتى انتهيا إلى صخرة ناتئة في البحر خلف بحر أرمنية يقال لتلك الصخرة قلعة الحرس. فأتياها فانطلق موسى ليتوضأ فاقتحم مكانا فوجد عينا من عيون الجنة في البحر فتوضأ منها و انصرف و لحيته تقطر ماء و كان ع حسن اللحية و لم يكن أحد أحسن لحية منه فنفض موسى لحيته فوقعت منها قطرة على تلك السمكة المالحة و ماء الجنة لا يصيب شيئا ميتا إلا عاش فعاشت السمكة و وثبت في البحر فسارت فصار مجراها في البحر سربا و نسي يوشع ذكر السمكة فَلَمَّا جاوَزا قالَ موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا الآية فذكر له أمر السمكة فقال له ذلك الذي نريده فرجعا يقصان أثرهما فأوحى الله إلى الماء فجمد و صار سربا على قامة موسى و فتاه فجرى الحوت أمامهما حتى خرج إلى البر فصار مسيره لهما جادة فسلكاها فناداهما مناد من السماء إن دعا الجادة فإنه طريق الشياطين إلى عرش إبليس و خذا ذات اليمين. فأخذا ذات اليمين حتى انتهيا إلى صخرة عظيمة و عندها مصلى فقال موسى

    ما أحسن هذا المكان ينبغي أن يكون لذلك العبد الصالح فلم يلبثا أن جاء الخضر حتى انتهى إلى ذلك المكان و البقعة فلما قام عليها اهتزت خضرا قالوا و إنما سمي الخضر لأنه لا يقوم على بقعة بيضاء إلا صارت خضراء فقال موسى ع السلام عليك يا خضر فقال و عليك السلام يا موسى يا نبي بني إسرائيل فقال و من أدراك من أنا قال أدراني الذي دلك على مكاني فكان من أمرهما ما كان و ما قصة القرآن العظيم انتهى. و قال القرطبي و يقال له الصرد الصوام روينا في معجم عبد الغني بن قانع عن أبي غليظة أمية بن خلف الجمحي قال رآني رسول الله ص و على يده صرد فقال هذا أول طير صام عاشوراء و كذلك أخرجه الحافظ أبو موسى و الحديث مثل اسمه غليظ قال الحاكم و هو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين ع رواه أبو عبد الله بن معاوية بن موسى بن أبي غليظ نشيط بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي عن أبيه عن أبي غليظ قال رآني رسول الله ص و على يده صردة قال هذا أول طير صام عاشوراء. و هو حديث باطل و رواته مجهولون. و قيل لما خرج إبراهيم ع من الشام لبناء البيت كانت السكينة معه و الصرد و كان الصرد دليله على الموضع و السكينة بمقداره فلما صار إلى موضع البيت وقفت السكينة في موضع البيت و نادت ابن يا إبراهيم على مقدار ظلي.

 و روى أحمد و أبو داود و ابن ماجة عن ابن عباس أن النبي ص نهى عن قتل النحلة و النملة و الهدهد و الصرد

و العرب تتشأم بصوته و شخصه قال القاضي أبو بكر إنما نهى النبي ص عن قتله لأن العرب كانت تتشأم به فنهى عن قتله ليخلع عن قلوبهم ما ثبت فيها من اعتقادهم الشوم فيه لا أنه حرام.   و قال الشقراق بفتح الشين و كسرها و ربما قالوا الشرقراق طائر ضعيف يسمى الأخيل و العرب تتشأم به و هو أخضر مليح بقدر الحمام خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد و يكون مخططا بحمرة و خضرة أو سواد و في طبعه شره و شراسة و سرقة فراخ غيره و هو لا يزال متباعدا من الإنس و يألف الروابي و رءوس الجبال لكنه يحضن بيضة في العمران العوالي التي لا تناله الأيدي و عشه شديد النتن. و قال الجاحظ إنه نوع من الغربان و في طبعه العفة عن الفساد و هو كثير الاستغاثة إذا حاربه طائر ضربه و صاح كأنه المضروب ثم قال و الأكثر على تحريمه و قال بعض الأصحاب بحله و قال الفيروزآبادي الشقراق و يكسر الشين و الشقراق كقرطاس و الشرقراق بالفتح و الكسر و الشرقرق كسفرجل طائر معروف مرقط بخضرة و حمرة و بياض و تكون بأرض الحرم انتهى. و قال الدميري الحداء بكسر الحاء أخس الطائر و جمعها حدأ مثل عنبة و عنب و من ألوانها السود و الرمد و هي لا تصيد و إنما تخطف و من طبعها أنها تقف في الطيران و ليس ذلك لغيرها من الكواسر و زعم بعضهم أن الحدأة و العقاب يتبدلان فتصير الحدأة عقابا أو العقاب حدأة و قال القزويني إنها سنة ذكر و سنة أنثى

 و روى البخاري و مسلم أن النبي ص قال خمس فواسق يقتلن في الحل و الحرم

 و في رواية ليس للمحرم في قتلهن جناح

الحدأة و الغراب الأبقع و العقرب و الفأرة و الكلب العقور. نبه ص بذكر هذه الخمسة على جواز قتل كل مضر فيجوز قتل الفهد و النمر و الذئب و الصقر و الباشق و الشاهين و الزنبور و البق و البرغوث و البعوض و الوزغ و الذباب و النمل إذا آذاه.   و قال الخطاف جمعه خطاطيف و يسمى زوار الهند و هو من الطيور القواطع إلى الناس يقطع البلاد البعيدة إليهم رغبة في القرب منهم ثم إنها تبني بيوتها في أبعد المواضع عن الوصول إليها و هذا الطائر يعرف عند الناس بعصفور الجنة لأنه زهد فيما بأيديهم من الأقوات فأحبوه لأنه إنما يتقوت بالبعوض و الذباب و من عجيب أمره أن عينه تقلع و ترجع و لا يرى واقفا على شي‏ء يأكله أبدا و لا مجتمعا بأنثاه و الخفاش يعاديه فلذلك إذا أفرخ يجعل في عشه قضبان الكرفس فلا يؤذيه إذا شم رائحته و لا يفرخ في عش عتيق حتى يطينه بطين جديد و يبني عشه بناء عجيبا و ذلك أنه يبني الطين مع التبن فإذا لم يجد طينا مهيأ ألقى نفسه في الماء ثم يتمرغ في التراب حتى يمتلئ جناحاه و يصير شبيها بالطين فإذا هيأ عشه جعله على القدر الذي يحتاج إليه هو و أفراخه و لا يلقي في عشه زبلا بل يلقيه إلى خارج فإذا كبرت فراخه علمها ذلك و أصحاب اليرقان يلطخون فراخ الخطاف بالزعفران فإذا رآها صفرا ظن أن اليرقان أصابها من شدة الحر فيذهب فيأتي بحجر اليرقان من أرض الهند فيطرحه على فراخه و هو حجر صغير فيه خطوط بين الحمرة و السواد و يعرف بحجر السنونو فيأخذه المحتال فيعلقه عليه أو يحكه و يشرب من مائه يسيرا فإنه يبرأ بإذن الله تعالى و الخطاف متى سمع صوت الرعد يكاد أن يموت. و قال أرسطو في كتاب النعوت الخطاطيف إذا عميت أكلت من شجرة يقال لها عين شمس فيرد بصرها لما في تلك الشجرة من المنفعة للعين. و في رسالة القشيري في آخر باب المحبة أن خطافا راود خطافه على قبة سليمان ع فامتنعت منه فقال لها أ تمنعين علي و لو شئت لقلبت القبة على سليمان فسمعه سليمان فدعاه و قال ما حملك على ما قلت فقال يا نبي الله العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم قال صدقت. و ذكر الثعلبي و غيره في تفسير سورة النمل أن آدم ع لما خرج من   الجنة اشتكى الوحشة فآنسه الله بالخطاف و ألزمها البيوت فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم قال و معها أربع آيات من كتاب الله العزيز و هي لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ إلى آخر السورة و تمد صوتها بقوله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و الخطاطيف أنواع منها نوع يألف سواحل البحر يحفر بيته هناك و يعشش فيه و هو صغير الجثة دون عصفور الجنة و لونه رمادي و الناس يسمونه سنونو بضم السين المهملة و نونين و منها نوع أخضر على ظهره بعض حمرة أصغر من الدرة يسميه أهل مصر الخضيري لخضرته يقتات الفراش و الذباب و نحو ذلك و منها نوع طويل الأجنحة رقيقها يألف الجبال و يأكل النمل و هذا النوع يقال له السمائم مفردة سمامة و منهم من يسمي هذا النوع السنونو الواحدة سنونوة و هو كثير في المسجد الحرام يعشش في سقفه في باب بني شيبة و بعض الناس يزعم أن ذلك هو الأبابيل الذي عذب الله تعالى به أصحاب الفيل. ثم قال يحرم أكل الخطاطيف

 لما روى عبد الرحمن بن معاوية عن النبي ص أنه نهى عن قتل الخطاطيف

 و عن إبراهيم بن طهمان عن عبادة بن إسحاق عن أبيه أنه قال نهى رسول الله ص عن قتل الخطاطيف عواد البيوت

و عن ابن عمر قال لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح و لا تقتلوا الخطاف فإنه لما خرب بيت المقدس قال رب سلطني على البحر حتى أغرقهم. و قال في الضفدع هو بكسر الضاد مثل الخنصر واحد الضفادع و الأنثى   ضفدعة و ناس يقولون ضفدع بفتح الدال قال الخليل ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم و هجرع و هو الطويل و هبلع و هو الأكول و قلعم و هو اسم. و قال ابن الصلاح الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال و فتحها أشهر في السنة العامة و أشباه العامة من الخاصة و قد أنكره بعض أئمة اللغة و قال البطليوسي في شرح أدب الكاتب و حكي أيضا ضفدع بضم الضاد و فتح الدال و هو نادر حكاه المطرزي أيضا قال في الكفاية و ذكر الضفادع يقال له العلجوم بضم العين و الجيم و إسكان اللام و الواو و آخره ميم و الضفدع أنواع كثيرة و تكون من سفاد و غير سفاد و تتولد من المياه القائمة الضعيفة الجري و من العفونات و عقب الأمطار الغزيرة حتى يظن أنه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الأسطحة عقيب المطر و الريح و ليس ذلك عن ذكر و أنثى و إنما الله تعالى يخلقه في تلك الساعة من طباع تلك التربة و هي من الحيوان التي لا عظام لها و منها من ينق و منها ما لا ينق و الذي منها ينق يخرج صوته من قرب أذنه و يوصف بحدة السمع إذا تركت النقيق و كانت خارج الماء و إذا أرادت أن تنق أدخلت فكها الأسفل في الماء و متى دخل الماء في فيها لا تنق قال عبد القاهر و الثعبان يستدل بصياح الضفدع عليه فيأتي على صياحه فيأكله و تعرض لبعض الضفادع مثل ما يعرض لبعض الوحوش من رؤية النار حيرة إذا رأتها و تتعجب منها لأنها تنق فإذا أبصرت النار سكتت و لا تزال تدمن النظر إليها و أول نشوها في الماء أن تظهر مثل حب الدخن الأسود ثم تخرج منه و هي كالدعموص ثم بعد ذلك ينبت لها الأعضاء فسبحان القادر على ما يشاء و على ما يريد سبحانه لا إله غيره إلا هو.

 و في الكامل لابن عدي عن جابر أن النبي ص قال من قتل ضفدعا فعليه شاة محرما كان أو حلالا

قال سفيان يقال أنه ليس شي‏ء أكثر ذكرا لله منه. و فيه أنه روي عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس أن ضفدعا ألقت   نفسها في النار من مخافة الله فأثابهن الله بها برد الماء و جعل نقيقهن التسبيح

 و قال نهى رسول الله ص عن قتل الضفدع و الصرد و النحلة

قال و لا أعلم لحماد بن عبيد غير هذا الحديث قال البخاري لا يصح حديثه و قال أبو حاتم ليس بصحيح الحديث.

 و في كتاب الزاهر لأبي عبد الله القرطبي أن داود ع قال لأسبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه به أحد من خلقه فنادته ضفدعة من ساقية في داره يا داود تفخر على الله بتسبيحك إن لي لسبعين سنة ما جف لساني من ذكر الله تعالى و إن لي لعشر ليال ما طعمت خضرا و لا شربت ماء اشتغالا بكلمتين فقال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان و مذكورا بكل مكان فقال داود في نفسه و ما عسى أن أقول أبلغ من هذا

 و روى البيهقي في شعبة عن أنس بن مالك أنه قال إن نبي الله داود ظن في نفسه أن أحدا لم يمدح خالقه بأفضل مما يمدحه به فأنزل الله عليه ملكا و هو قاعد في محرابه و البركة إلى جانبه فقال يا داود افهم ما تصوت به الضفدعة فأنصت إليها فإذا هي تقول سبحانك و بحمدك منتهى علمك فقال له الملك كيف ترى فقال و الذي جعلني نبيا إني لم أمدحه بهذا

و في كتاب فضل الذكر لجعفر بن محمد الفريابي الحافظ العلامة عن عكرمة أنه قال صوت الضفدع تسبيح. و فيه أيضا عن الأعمش عن أبي صالح أنه سمع صوت صرير باب فقال هذا منه تسبيح. قال الرئيس ابن سينا إذا كثرت الضفادع في سنة و زادت عن العادة يقع الوباء عقيبها. و قال القزويني الضفادع تبيض في الرمل مثل السلحفاة و هي نوعان جبلية و مائية.   و نقل الزمخشري في الفائق عن عمر بن عبد العزيز قال سأل رجل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب ابن آدم فرأى فيما يرى النائم رجلا كالبلور يرى داخله من خارجه و رأى الشيطان في صورة الضفدع له خرطوم كخرطوم البعوضة قد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس له فإذا ذكر الله خنس.

 و روى ابن عدي عن ابن عمر أن النبي ص قال لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح

و قال الزمخشري إنها تقول في نقيقها سبحان الملك القدوس. و عن أنس لا تقتلوا الضفادع فإنها مرت بنار إبراهيم ع فحملت في أفواهها الماء و كانت ترشه على النار.

 و في شفاء الصدور عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ص قال لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقهن تسبيح

فذلكة اعلم أن أكثر الأصحاب حكموا بكراهة أكل الهدهد و الفاختة و القبرة و الحبارى و الصرد و الصوام و الشقراق و اختلفوا في الخطاف فذهب أكثر المتأخرين إلى الكراهة و ذهب الشيخ في النهاية و القاضي و ابن إدريس إلى التحريم بل ادعى ابن إدريس عليه الإجماع و استدلوا على كراهة أكثر ما ذكر بما مر من الأخبار الناهية عن قتلها و إيذائها و لا يخفى أنها لا تدل على كراهة أكل لحمها بعد القتل فإن الظاهر أن ذلك لكرامتها و احترامها لا لكراهة لحومها و حرمتها و الأخبار الآتية في الفاختة إنما تدل على كراهة إيوائها في البيوت بل ربما يشعر بحسن قتلها و أكلها قال المحقق الأردبيلي قدس سره بعد إيراد روايات النهي عن قتل الهدهد و ظاهر الدليل هو التحريم و الحمل على الكراهة كأنه للأصل و العمومات و حصر المحرمات و لعدم القائل بالتحريم على الظاهر تأمل. ثم اعلم أن الكلام في كراهة أكل اللحم و الدليل ما دل عليه بل على النهي عن أذاه و قتله و هو غير مستلزم للنهي عن أكل لحمه و هو ظاهر فإن في أكله بعد   القتل ليس أذاه و أيضا يحتمل أن يكون المراد بالنهي قتله لا للأكل بل لأذاه يؤيده قوله لا يؤذي و العلة أيضا فإن كونه نعم الطير لا يستلزم عدم قتله للأكل فإن الغنم أيضا موصوف بأنه نعم المال أو مال مبارك و نحو ذلك مع أنه خلق للأكل و لا شك أن الاجتناب عن أذاه أولى و أحوط. ثم قال رحمه الله في حديث الخطاف المتقدم يفهم منه أن المراد بالنهي عن القتل النهي عن الأكل حيث دحا به بعد أن كان مذبوحا ثم نقل النهي عن القتل فتأمل و لكن في السند جهالة و اضطراب. و قال قدس سره و أما كراهة الحبارى فليس عليها دليل واضح سوى أنه مذكور في أكثر الكتب قال في التحرير و بها رواية شاذة نعم في صحيحة عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله ع و أنا أسمع ما تقول في الحبارى قال إن كانت له قانصة فكل الخبر و هي مشعرة بعدم ظهور حالها فالاجتناب أولى فتأمل انتهى. و أقول كان وجه التأمل أنه لا إشعار في كلامه ع بالكراهة بل الظاهر أن غرضه ع بيان القاعدة الكلية لبعد عدم علمه ع بذلك و يحتمل أن يكون في هذا التعبير مصلحة أخرى كتقية و نحوها و بالجملة عدم الكراهة أظهر لما ورد في الصحيح عن كردين المسمعي قال سألت أبا عبد الله ع عن الحبارى قال لوددت أن عندي منه فآكل حتى أمتلئ. و لرواية بسطام بن صالح. و أما الحيات فالظاهر جواز قتلها مطلقا إلا عوامر البيوت إذا لم تؤذ أصحاب البيت فإنه يحتمل أن تكون فيها كراهة لكن ينبغي أن لا يكون الاحتراز عن قتلهن لتوهم إثم في قتلهن أو ضرر منهن و أما التفاصيل الواردة في أخبار العامة   فلم نجده في أخبارنا و أما سائر المؤذيات فلا بأس بقتلهن و ما لم يؤذ منها فلعل الأفضل الاجتناب عن قتلها تنزها لا تحريما للتعليلات الواردة في بعض الأخبار فتفطن. و أما تعذيب الحيوان الحي بلا مصلحة داعية إلى ذلك فهو قبيح عقلا و يشعر فحاوي بعض الأخبار بالمنع عنه فالأحوط تركه و لم يتعرض أكثر أصحابنا لتلك الأحكام إلا نادرا