باب 10- باب خروجه صلوات الله عليه من البصرة و قدومه الكوفة إلى خروجه إلى الشام

334-  شا، ]الإرشاد[ من كلام أمير المؤمنين ع حين قدم الكوفة من البصرة بعد حمد الله تعالى و الثناء عليه أما بعد فالحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الكاذب المبطل عليكم يا أهل هذا المصر بتقوى الله و طاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولى بطاعتكم من المنتحلين المدعين القائلين إلينا يتفضلون بفضلنا و يجاحدونا أمرنا و ينازعونا حقنا و يدفعونا عنه و قد ذاقوا وبال ما اجترحوا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا قد قعد عن نصرتي منكم رجال و أنا عليهم عاتب زار فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبونا و نرى منهم ما نحب

 بيان قال الجوهري زريت عليه بالفتح إذا عتبت عليه و قال أعتبني فلان إذا عاد إلى مسرتي راجعا عن الإساءة

335-  جا، ]المجالس للمفيد[ المرزباني عن محمد بن موسى عن محمد بن سهل عن هشام بن محمد بن السائب عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود قال قدم أمير المؤمنين عن البصرة إلى الكوفة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب فأقبل حتى صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فالحمد الله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الكاذب المبطل عليكم يا أهل هذا المصر بتقوى الله و طاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم ص الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المنتحلين المدعين الغالين الذين يتفضلون بفضلنا و يجاحدوناه و ينازعونا حقنا و يدفعونا عنه و قد ذاقوا وبال ما اجترموا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إنه قد قعد عن نصري رجال منكم فأنا عليهم عاتب زار فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا أو نرى منهم ما نرضى قال فقام إليه مالك بن حبيب التميمي ثم اليربوعي و كان صاحب شرطته فقال و الله إني لأرى الهجر و إسماع المكروه لهم قليلا و الله لئن أمرتنا لنقتلنهم فقال له أمير المؤمنين يا مال جزت المدى و عدوت الحق و أغرقت في النزع فقال يا أمير المؤمنين لبعض الغشم أبلغ في أمور تنوبك من مهادنة الأعادي فقال أمير المؤمنين ليس هكذا قضاء الله يا مال قال الله تعالى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ فما بال بعض الغشم و قال سبحانه وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي و كان عثمانيا تخلف عنه يوم الجمل و حضر معه صفين على ضعف نية في نصرته فقال يا أمير المؤمنين أ رأيت القتلى حول عائشة و طلحة و الزبير بم قتلوا فقال أمير المؤمنين قتلوا بما قتلوا شيعتي و عمالي و بقتلهم أخا ربيعة العبدي رحمه الله في عصابة من المسلمين قالوا لا ننكث البيعة كما نكثتم و لا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم ظلما و عدوانا فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني منهم لنقتلنهم بهم ثم كتاب الله حكم بيني و بينهم فأبوا علي و قاتلوني و في أعناقهم بيعتي و دماء نحو ألف من شيعتي فقتلتهم بذلك أ في شك أنت من ذلك فقال قد كنت في شك فأما الآن فقد عرفت و استبان لي خطأ القوم و أنك أنت المهتدي المصيب ثم إن عليا تهيأ لينزل فقام رجال ليتكلموا فلما رأوه قد نزل جلسوا و لم يتكلموا قال أبو الكنود و كان أبو بردة مع حضوره صفين ينافق أمير المؤمنين ع و يكاتب معاوية سرا فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة و كان عليه كريما

336-  الكافية في إبطال توبة الخاطئة، عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع أن أمير المؤمنين لما دنا إلى الكوفة مقبلا من البصرة خرج الناس مع قرظة بن كعب يتلقونه فلقوه دون نهر النضر بن زياد فدنوا منه يهنئونه بالفتح و إنه ليمسح العرق عن جبهته فقال له قرظة بن كعب الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي أعز وليك و أذل عدوك و نصرك على القوم الباغين الطاغين الظالمين فقال له عبد الله بن وهب الراسبي إي و الله إنهم الباغون الظالمون الكافرون المشركون فقال له أمير المؤمنين ثكلتك أمك ما أقواك بالباطل و أجرأك على أن تقول ما لم تعلم أبطلت يا ابن السوداء ليس القوم كما تقول لو كانوا مشركين سبينا و غنمنا أموالهم و ما ناكحناهم و لا وارثناهم

337-  قال ابن أبي الحديد في شرح النهج قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين دخل أمير المؤمنين ع الكوفة بعد رجوعه من البصرة و معه أشراف من أهل البصرة و غيرهم فاستقبلهم أهل الكوفة فيهم قراؤهم و أشرافهم فدعوا له و قالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل أ تنزل القصر قال لا و لكن انزل الرحبة فنزلها و أقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين ثم صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال أما بعد يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا أو تغيروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم و بدأتم بالمنكر فغيرتم إلا أن فضلكم فيما بينكم و بين الله فأما في الأحكام و القسم فأنتم أسوة غيركم ممن أجابكم و دخل فيما دخلتم فيه إلا أن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى و طول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق و أما طول الأمل فينسي الآخرة ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة و إن الآخرة قد ترحلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الناكث المبطل عليكم بتقوى الله و طاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المستحلين المدعين القالين لنا يتفضلون بفضلنا و يجاحدوننا أمرنا و ينازعوننا حقنا و يباعدوننا عنه فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ألا إنه قد قعد عن نصرتي رجال منكم و أنا عليهم عاتب زار فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي و كان صاحب شرطته فقال و الله إني لأرى الهجر و إسماع المكروه لهم قليلا

 إلى آخر ما مر برواية المفيد رحمه الله ثم قال

 قال نصر و لما قدم علي ع الكوفة نزل على باب المسجد فدخل فصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسأل عن رجل من الصحابة كان نزل الكوفة فقال قائل استأثر الله به فقال إن الله تعالى لا يستأثر بأحد من خلقه إنما أراد الله جل ذكره بالموت إعزاز نفسه و إذلال خلقه و قرأ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ

 قال نصر فلما لحقه ثقله ع قالوا له أ تنزل القصر قال قصر الخبال لا تنزلونيه قال و أنب ع جماعة ممن أبطئوا عنه و لم يحضروا القتال و قال ما بطأ بكم عني و أنتم أشراف قومكم و الله إن كان من ضعف النية و تقصير البصيرة فإنكم لبور و إن كان من شك في فضلي و مظاهرة علي أنكم لعدو فقالوا حاش لله يا أمير المؤمنين نحن سلمك و حرب عدوك ثم اعتذر القوم

 قال نصر و أتم علي ع صلاته يوم دخل الكوفة فلما كانت الجمعة خطب الناس فقال الحمد لله أحمده و أستعينه و أستهديه و أعوذ بالله من الضلالة من يهدي الله فلا مضل له مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله انتجبه لأمره و اختصه بنبوته أكرم خلقه عليه و أحبهم إليه فبلغ رسالة ربه و نصح لأمته و أدى الذي عليه أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله و أقربه إلى رضوان الله و خيره في عواقب الأمور عند الله و بتقوى الله أمرتم و للإحسان و الطاعة خلقتم فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه فإنه حذر بأسا شديدا و اخشوا الله خشية ليست بتعذير و اعملوا في غير رياء و لا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له و من عمل لله مخلصا تولى الله ثوابا و اشفقوا من عذاب الله فإنه لم يخلقكم عبثا و لم يترك شيئا من أمركم سدى قد سمى آثاركم و علم أعمالكم و كتب آجالكم فلا تغتروا بالدنيا فإنها غرارة لأهلها مغرور من اغتر بها و إلى فناء ما هي و إن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون أسأل الله منازل الشهداء و مرافقة الأنبياء و معيشة السعداء فإنما نحن به و له قال نصر ثم استعمل علي ع العمال و فرقهم في البلاد و كتب مع جرير بن عبد الله البجلي كتابا إلى معاوية يدعوه إلى البيعة

 بيان قال في النهاية و في حديث ابن مسعود إن قوما بنوا مسجدا بظهر الكوفة فقال جئت لأفسد مسجد الخبال أي الفساد

 أقول أورده نصر في كتابه على وجه البسط ثم قال و بعث يزيد بن قيس الأرحبي على المدائن و مخنف بن سليم على أصبهان و همذان و قرظة بن كعب على البهقباذات و قدامة بن مظعون على كسكر و عدي بن حاتم على مدينة بهرسير و آستانها و أبا حسان البكري على آستان العالي و سعد بن مسعود الثقفي على آستان الزوابي و ربعي بن كأس على سجستان و كأس أمه يعرف بها و خليد إلى خراسان فسار خليد حتى إذا دنا من نيسابور بلغه أن أهل خراسان قد كفروا و نزعوا يدهم من الطاعة و قدم عليهم عمال كسرى من كابل فقاتل أهل نيسابور فهزمهم و حصر أهلها و بعث إلى علي ع بالفتح و السبي ثم صمد لبنات كسرى فنزلن على أمان فبعث بهن إلى علي ع فلما قدمن عليه قال أزوجكن قلن لا إلا أن تزوجنا ابنيك فإنا لا نرى لنا كفوا غيرهما فقال علي ع اذهبا حيث شئتما فقام نرسا فقال مر لي بهن فإنها منك كرامة و بيني و بينهن قرابة ففعل فأنزلهن نرسا معه و جعل يطعمهن و يسقيهن في الذهب و الفضة و يكسوهن كسوة الملوك و يبسط لهن الديباج و بعث الأشتر على الموصل و نصيبين و دارا و سنجار و آمد و هيت و عانات و ما غلب عليه من تلك الأرضين من أرض الجزيرة و بعث معاوية بن أبي سفيان الضحاك بن قيس على ما في سلطانه من أرض الجزيرة و كان في يديه حران و الرقة و الرها و قرقيسا و كان من كان بالكوفة و بالبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية فخرج الأشتر و هو يريد الضحاك بحران فلما بلغ ذلك الضحاك بعث إلى أهل الرقة فأمدوه و كان جل أهلها عثمانية فجاءوا و عليهم سماك بن مخرمة و أقبل الضحاك يستقبل الأشتر فالتقى الضحاك و سماك بين حران و الرقة و رحل الأشتر حتى نزل عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كان عند المساء فرجع الضحاك بمن معه فسار ليلته كلها حتى أصبح بحران فدخلها و أصبح الأشتر فرأى ما صنعوا فتبعهم حتى نزل عليهم بحران فحصرهم و أتى الخبر معاوية فبعث إليهم عبد الرحمن بن خالد في خيل يغيثهم فلما بلغ ذلك الأشتر كتب كتائبه و عبا جنوده و خيله ثم ناداهم الأشتر ألا إن الحي عزيز ألا إن الذمار منيع أ لا تنزلون أيها الثعالب الرواغة احتجرتم احتجار الضباب فنادوا يا عباد الله أقيموا قليلا علمتم و الله أن قد أتيتم فمضى الأشتر حتى مر على أهل الرقة فتحرزوا منه ثم مضى حتى مر على أهل قرقيسا فتحرزوا منه و بلغ عبد الرحمن بن خالد انصراف الأشتر فانصرف

338-  و روى نصر أيضا عن عبد الله بن كردم بن مرثد قال لما قدم علي ع حشر إليه أهل السواد فما اجتمعوا أذن لهم فلما رأى كثرتهم قال إني لا أطيق كلامكم و لا أفقه عنكم فأسندوا أمركم إلى أرضاكم في أنفسكم و أعمه نصيحة لكم قالوا نرسا ما رضي فقد رضيناه و ما سخط سخطناه فتقدم نرسا فجلس إليه فقال يا نرسا أخبرني عن ملوك فارس كم كانوا قال كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين و ثلاثين ملكا قال فكيف كانت سيرتهم قال ما زالت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة حتى ملكنا كسرى بن هرمز فاستأثر بالمال و الأعمال و خالف أولينا و أخرب الذي للناس و عمر الذي له و استخف بالناس و أوغر نفوس فارس حتى ثاروا إليه فقتلوه فأرملت نساؤه و يتم أولاده فقال يا نرسا إن الله عز و جل خلق الخلق بالحق و لا يرضى من أحد إلا بالحق و في سلطان الله تذكرة مما خول الله و إنها لا تقوم مملكة إلا بتدبير و لا بد من إمرة و لا يزال أمرنا متماسكا ما لم يشتم آخرنا أولنا فإذا خالف آخرنا أولنا و أفسدوا هلكوا و أهلكوا ثم أمر عليهم أمرا أهم ثم إن عليا بعث إلى العمال في الآفاق و كان أهم الوجوه إليه الشام

339-  و روي عن محمد بن عبيد الله القرشي عن الجرجاني قال لما بويع علي ع و كتب إلى العمال في الآفاق كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي و كان عاملا لعثمان على ثغر همدان مع زحر بن قيس الجعفي أما بعد ف إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ و إني أخبرك عمن سرنا إليه من جموع طلحة و الزبير عند نكثهم بيعتهم و ما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف إني هبطت من المدينة بالمهاجرين و الأنصار حتى إذا كنت بالعذيب بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن علي و عبد الله بن العباس و عمار بن ياسر و قيس بن سعد بن عبادة فاستنفروهم فأجابوا فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة فأعذرت في الدعاء و أقلت العثرة و ناشدتهم عقد بيعتهم فأبوا إلا قتالي فاستعنت بالله عليهم فقتل من قتل و ولوا مدبرين إلى مصرهم فسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء فقبلت العافية و رفعت عنهم السيف و استعملت عليهم عبد الله بن عباس و سرت إلى الكوفة و قد بعثت إليكم زحر بن قيس فاسأل عما بدا لك فلما قرأ جرير الكتاب قام فقال يا أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و هو المأمون على الدين و الدنيا و قد كان من أمره و أمر عدوه ما نحمد الله عليه و قد بايعه السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان و لو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها ألا و إن البقاء في الجماعة و الفناء في الفرقة و علي حاملكم على الحق ما استقمتم فإن ملتم أقام ميلكم فقال الناس سمعا و طاعة رضينا رضينا فأجاب جرير و كتب جواب كتابه بالطاعة ثم قام زحر بن قيس خطيبا فكان مما حفظ من كلامه أن قال الحمد لله الذي اختار الحمد لنفسه و تولاه دون خلقه لا شريك له في الحمد و لا نظير له في المجد و لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائم الدائم إله السماء و الأرض و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالحق الواضح و الكتاب الناطق داعيا إلى الخير و قائدا إلى الهدى ثم قال أيها الناس إن عليا كتب إليكم كتابا لا يقال بعده إلا رجيع من القول و لكن لا بد من رد الكلام أن الناس بايعوا عليا بالمدينة غير محاباة ببيعته لعلمه بكتاب الله و سنن الحق و إن طلحة و الزبير نقضا بيعته على غير حدث و ألبا عليه الناس ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب و أخرجا أم المؤمنين فلقيهما فأعذر في الدعاء و أحسن في البقية و حمل الناس على ما يعرفون هذا عيان ما غاب عنكم و إن سألتم الزيادة فزدناكم و لا قوة إلا بالله ثم ذكر أبياتا من جرير و غيره تركناها روما للاختصار قال ثم أقبل جرير سائرا من ثغر همدان حتى ورد على علي ع بالكوفة فبايعه و دخل فيما دخل فيه الناس من طاعة علي و اللزوم لأمره

 و قال نصر أخبرنا محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال لما بويع علي ع و كتب إلى العمال كتب إلى الأشعث بن قيس مع زياد بن مرحب الهمداني و الأشعث على آذربيجان عامل لعثمان و قد كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الأشعث بن قيس قبل ذلك فكتب إليه علي ع أما بعد فلو لا هنات كن فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس و لعل أمرك يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله ثم إنه كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك و كان طلحة و الزبير ممن بايعاني ثم نقضا بيعتي على غير حدث و أخرجا أم المؤمنين و صارا إلى البصرة فسرت إليهما فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا منه فأبوا فأبلغت في الدعاء و أحسنت في البقية و إن عملك ليس لك بطعمه و لكنه أمانة و في يديك مال من مال الله و أنت من خزان الله عليه حتى تسلمه إلي و لعلي أن لا أكون شر و لا تك لك إن استقمت و لا قوة إلا بالله فلما قرأ الكتاب قام زياد بن مرحب فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير إن أمر عثمان لا ينفع فيه العيان و لا يشفي منه الخبر غير أن من سمع به ليس كمن عاينه إن الناس بايعوا عليا راضين به و إن طلحة و الزبير نقضا بيعته على غير حدث ثم أذنا بحرب فأخرجا أم المؤمنين فسار إليهما فلم يقاتلهم و في نفسه منهم حاجة فأورثه الله الأرض و جعل له عاقبة المؤمنين ثم قام الأشعث فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن أمير المؤمنين عثمان ولاني آذربيجان فهلك و هي في يدي و قد بايع الناس عليا و طاعتنا له كطاعة من كان قبله و قد كان من أمره و أمر طلحة و الزبير ما قد بلغكم على المأمون على ما قد غاب عنا و عنكم من ذلك الأمر قال فلما أتى منزله دعا أصحابه و قال إن كتاب علي قد أوحشني و هو آخذ بمال آذربيجان و أنا لاحق بمعاوية فقال القوم الموت خير لك من ذلك أ تدع مصرك و جماعة قومك و تكون ذنبا لأهل الشام فاستحيا الأشعث فسار حتى قدم على علي ع قال و إنه قدم على علي ع بعد قدومه الكوفة الأحنف بن قيس و جارية بن قدامة و حارث بن زيد و زيد بن جبلة و أعين بن ضبيعة و عظم الناس بنو تميم و كان فيهم أشراف و لم يقدم هؤلاء على عشيرة من أهل الكوفة فقام الأحنف بن قيس و جارية بن قدامة و حارثة بن بدر فتكلم الأحنف فقال يا أمير المؤمنين إنه إن يك بنو سعد لم تنصرك يوم الجمل فإنها لم تنصر عليك و قد عجبوا أمس ممن نصرك و عجبوا اليوم ممن خذلك لأنهم شكوا في طلحة و الزبير و لم يشكوا في معاوية و عشيرتنا في البصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا بهم العدو و انتصفنا بهم و أدركوا اليوم ما فاتهم أمس فقال علي لجارية بن قدامة و كان رجل تميم بعد الأحنف ما تقول يا جارية فأجاب بما يدل على كراهته من إشخاص قومه عن البصرة ثم خاطب علي ع حارثة فوافق الأحنف في رأيه فقال ع للأحنف اكتب إلى قومك فكتب إليهم يحثهم على الخروج و المسير إليه و كتب معاوية بن صعصعة و هو ابن أخي الأشعث إليهم أبياتا في ذلك فلما انتهى كتاب الأحنف و شعر معاوية إلى بني سعد ساروا بجماعتهم حتى نزلوا الكوفة فعزت بالكوفة و كثرت ثم قدمت عليهم ربيعة و لهم حديث

 بيان قال في القاموس الأستان بالضم أربع كور ببغداد عالي و أعلى و أوسط و أسفل انتهى. و بهرسير ربما يقرأ بالباء الموحدة المفتوحة و السين المهملة المفتوحة المعد للتنزه. و ربما يقرأ بالنون و الشين المعجمة أي نهر اللبن الذي أجراه فرهاد لشيرين. قوله ع و في سلطان الله لعل المعنى أن في سلطنة الله على عباده و لطفه بهم و شفقته عليهم و عفوه عنهم و عدم معاجلتهم بالمعاصي مع غناه عنهم و كمال حاجتهم إليه ما يتذكر من خوله الله سلطنته فيتبع سنة الله فيهم و الرجيع الروث