باب 10- نادر في ذكر مذاهب الذين خالفوا الفرقة المحقة في القول بالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم

 قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب الفصول فيما نقل عنه السيد المرتضى الإمامية هم القائلون بوجوب الإمامة و العصمة و وجوب النص و إنما حصل لها هذا الاسم في الأصل لجمعها في المقالة هذه الأصول فكل من جمعها إمامي و إن ضم إليها حقا في المذهب كان أم باطلا ثم إن من شمله هذا الاسم و استحقه لمعناه قد افترقت كلمتهم في أعيان الأئمة و في فروع ترجع إلى هذه الأصول و غير ذلك فأول من شذ عن الحق من فرق الإمامية الكيسانية و هم أصحاب المختار و إنما سميت بهذا الاسم لأن المختار كان اسمه أولا الكيسان و قيل إنه سمي بهذا الاسم لأن أباه حمله و هو صغير فوضعه بين يدي أمير المؤمنين ع قالوا فمسح يده على رأسه و قال كيس كيس فلزمه هذا الاسم و زعمت فرقة منهم أن محمد بن علي استعمل المختار على العراقين بعد قتل الحسين ع و أمره بالطلب بثاراته و سماه كيسان لما عرف من قيامه و مذهبه و هذه الحكايات في معنى اسمه في الكيسانية خاصة و أما نحن فلا نعرف لم سمي بهذا و لا نتحقق معناه.  و قالت هذه الطائفة بإمامة أبي القاسم محمد بن أمير المؤمنين ع ابن خولة الحنفية و زعموا أنه هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و أنه حي لم يمت و لا يموت حتى يظهر بالحق و تعلقت في إمامته بقول أمير المؤمنين ع له يوم البصرة أنت ابني حقا و أنه كان صاحب رايته كما كان أمير المؤمنين ع صاحب راية رسول الله و كان ذلك عندهم دليلا على أنه أولى الناس بمقامه

 و اعتلوا في أنه المهدي بقول النبي ص لن تنقضي الأيام و الليالي حتى يبعث الله تعالى رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي و كنيته كنيتي و اسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا

قالوا و كان من أسماء أمير المؤمنين ع عبد الله

 بقوله أنا عبد الله و أخو رسوله ص و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر

و تعلقوا في حياته أنه إذا ثبت إمامته بأنه القائم فقد بطل أن يكون الإمام غيره و ليس يجوز أن يموت قبل ظهوره فتخلو الأرض من حجة و لا بد على صحة هذه الأصول من حياته. و هذه الفرقة بأجمعها تذهب إلى أن محمدا كان الإمام بعد الحسن و الحسين ع و قد حكي عن بعض الكيسانية أنه كان يقول إن محمدا كان الإمام بعد أمير المؤمنين ع و يبطل إمامة الحسن و الحسين و يقول إن الحسن إنما دعا في باطن الدعوة إلى محمد بأمره و إن الحسين ظهر بالسيف بإذنه و إنهما كانا داعيين إليه و أميرين من قبله و حكي عن بعضهم أن محمدا رحمة الله عليه مات و حصلت الإمامة من بعده في ولده و أنها انتقلت من ولده إلى ولد العباس بن عبد المطلب و قد حكي أيضا أن منهم من يقول إن عبد الله بن محمد حي لم يمت و أنه القائم و هذه حكاية شاذة و قيل إن منهم من يقول إن محمدا قد مات و إنه يقوم بعد الموت و هو المهدي  و ينكر حياته و هذا أيضا قول شاذ و جميع ما حكينا بعد الأول من الأقوال هو حادث ألجأ القوم إليه الاضطرار عند الحيرة و فراقهم الحق و الأصل المشهور ما حكيناه من قول الجماعة المعروفة بإمامة أبي القاسم بعد أخويه ع و القطع على حياته و أنه القائم مع أنه لا بقية للكيسانية جملة و قد انقرضوا حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان أحد إلا ما يحكى و لا يعرف صحته. و كان من الكيسانية أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري رحمه الله و له في مذهبهم أشعار كثيرة ثم رجع عن القول بالكيسانية و بري‏ء منه و دان بالحق لأن أبا عبد الله جعفر بن محمد ع دعاه إلى إمامته و أبان له عن فرض طاعته فاستجاب له و قال بنظام الإمامة و فارق ما كان عليه من الضلالة و له في ذلك أيضا شعر معروف فمن بعض قوله في إمامة محمد و مذهب الكيسانية قوله.

ألا حي المقيم بشعب رضوى. و أهدله بمنزلة السلاما.أضر بمعشر والوك منا. و سموك الخليفة و الإماما.و عادوا فيك أهل الأرض طرا. مقامك عندهم سبعين عاما.لقد أضحى بمورق شعب رضوى. تراجعه الملائكة الكلاما.و ما ذاق ابن خولة طعم موت. و لا وارت له أرض عظاما.و إن له بها لمقيل صدق. و أندية يحدثه الكراما.

 و له أيضا و قد روى عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر الباقر ع أنه قال أنا دفنت عمي محمد بن الحنفية و نفضت يدي من تراب قبره

فقال.

نبئت أن ابن عطاء روى. و ربما صرح بالمنكر.لما روى أن أبا جعفر . قال و لم يصدق و لم يبرر.

  دفنت عمي ثم غادرته. صفيح لبن و تراب ثري.ما قاله قط و لو قاله . قلت اتقاء من أبي جعفر.

 و له عند رجوعه إلى الحق.

تجعفرت باسم الله و الله أكبر. و أيقنت أن الله يعفو و يغفر.و دنت بدين غير ما كنت دانيا. به و نهاني سيد الناس جعفر. فقلت له هبني تهودت برهة. و إلا فديني دين من يتنصر. فلست بغال ما حييت و راجعا. إلى ما عليه كنت أخفي و أضمر.و لا قائلا قولا لكيسان بعدها. و إن عاب جهال مقالي و أكبروا.و لكنه عني مضى لسبيله. على أحسن الحالات يقفي و يؤثر.

 و كان كثير عزة كيسانيا و مات على ذلك و له في مذهب الكيسانية قوله.

ألا إن الأئمة من قريش. ولاة الحق أربعة سواء.علي و الثلاثة من بنيه. هم الأسباط ليس بهم خفاء.فسبط سبط إيمان و بر. و سبط غيبته كربلاء.و سبط لا يذوق الموت حتى. يقود الخيل يقدمها اللواء.يغيب فلا يرى فيهم زمانا. برضوى عنده غيل و ماء.

 قال الشيخ أدام الله عزه و أنا أعترض على أهل هذه الطائفة مع اختلافها في مذاهبها بما أدل به على فساد أقوالها بمختصر من القول و إشارة إلى معاني الحجاج دون استيعاب ذلك و بلوغ الغاية فيه إذ ليس غرضي القصد لنقض المذاهب الشاذة  النظام عن الإمامة في هذا الكتاب و إنما غرضي حكايتها فأحببت أن لا أخليها من رسم لمع من الحجج على ما ذكرت و بالله التوفيق. مما يدل على بطلان قول الكيسانية في إمامة محمد رحمة الله عليه أنه لو كان على ما زعموا إماما معصوما يجب على الأمة طاعته لوجب النص عليه أو ظهور العلم الدال على صدقه إذ العصمة لا تعلم بالحس و لا تدرك من ظاهر الخلقة و إنما تعلم بخبر علام الغيوب المطلع على الضمائر أو بدليله سبحانه على ذلك و في عدم النص على محمد من الرسول ص أو من أبيه ع أو من أخويه ع أيضا دليل على بطلان مقال من ذهب إلى إمامته و كذلك عدم الخبر المتواتر بمعجز ظهر عليه عند دعوته إلى إمامته أن لو كان ادعاها برهان على ما ذكرناه مع أن محمدا لم يدع قط الإمامة لنفسه و لا دعا أحدا إلى اعتقاد ذلك فيه و قد كان سئل عن ظهور المختار و ادعائه عليه أنه أمره بالخروج و الطلب بثأر الحسين ع و أنه أمره أن يدعو الناس إلى إمامته عن ذلك و صحته فأنكره و قال لهم و الله ما أمرته بذلك لكني لا أبالي أن يأخذ بثأرنا كل أحد و ما يسوؤني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا فاعتمد السائلون له على ذلك و كانوا كثيرة قد رحلوا إليه لهذا المعنى بعينه على ما ذكره أهل السير و رجعوا فنصر أكثرهم المختار على الطلب بدم أبي عبد الله الحسين ع و لم ينصروه على القول بإمامة أبي القاسم و من قرأ الكتب و عرف الآثار و تصفح الأخبار و ما جرى عليه أمر المختار لم يخف عليه هذا الفصل الذي ذكرناه فكيف يصح القول بإمامة محمد مع ما وصفناه. فأما ما تعلقوا به فيما ادعوه من إمامته من قول أمير المؤمنين ع له يوم البصرة و قد أقدم بالراية أنت ابني حقا فإنه جهل منهم بمعاني الكلام و عجرفة في النظر  و الحجاج و ذلك أن النص لا يعقل من ظاهر هذا الكلام و لا من فحواه على معقول أهل اللسان و لا من تأويله على شي‏ء من اللغات و لا فصل بين من ادعى أن الإمامة تعقل من هذا اللفظ و أن النص بها يستفاد منه و بين من زعم أن النبوة تعقل منه و تستفاد من معناه إذ تعريه من الأمرين جميعا على حد واحد. فإن قال منهم قائل إن أمير المؤمنين ع لما كان إماما و قال لابنه محمد أنت ابني حقا دل بذلك على أنه إنما شبهه به في الإمامة لا غير و كان هذا القول منه تنبيها على استخلافه له على حسب ما رتبناه قيل له لم زعمت أنه لما أضافه إلى نفسه و شبهه بها دل على أنه أراد التشبيه له بنفسه في الإمامة دون غير هذه الصفة من صفاته ع و ما أنكرت أنه أراد تشبيهه به في الصورة دون ما ذكرت فإن قال إنه لم يجر في تلك الحال ذكر الصورة و لا ما يقتضي أن يكون أراد تشبيهه به فيها بالإضافة التي ذكرها فكيف يجوز حمل كلامه على ذلك قيل له و كذلك لم يجر في تلك الحال للإمامة ذكر فيكون إضافته له إلى نفسه بالذكر دليلا على أنه أراد تشبيهه به فيها. على أن لكلامه ع معنى معقولا لا يذهب عنه منصف و ذلك أن محمدا لما حمل الراية ثم صبر حتى كشف أهل البصرة فأبان من شجاعته و بأسه و نجدته ما كان مستورا سر بذلك أمير المؤمنين ع فأحب أن يعظمه و يمدحه على فعله فقال له أنت ابني حقا يريد ع به أنك أشبهتني في الشجاعة و البأس و النجدة و قيل

   من أشبه أباه فما ظلم و قيل إن من نعمة الله على العبد أن يشبه أباه ليصح نسبه فكان الغرض المفهوم من قول أمير المؤمنين ع التشبيه لمحمد به في الشجاعة و الشهادة له بطيب المولد و القطع على طهارته و المدحة له بما تضمنه الذكر من إضافته و لم يجر للإمامة ذكر و لا كان هناك سبب يقتضي حمل الكلام على معناها و لا تأويله على فائدة يقتضيها و إذا كان الأمر على ما وصفناه سقطت شبهتهم في هذا الباب ثم يقال لهم فإن أمير المؤمنين ع قال في ذلك اليوم بعينه في ذلك الموطن نفسه بعد أن قال لمحمد المقال الذي رويتموه للحسن و الحسين ع و قد رأى فيهما انكسارا عند مدحه لمحمد و أنتما ابنا رسول الله ص فإن كان إضافة محمد رحمه الله إليه بقوله أنت ابني حقا يدل على نصه عليه فإضافة الحسن و الحسين إلى رسول الله ص يدل على أنه قد نص على نبوتهما إذ كان الذي أضافهما إليه نبيا و رسولا و إماما فإن لم يجب ذلك بهذه الإضافة لم يجب بتلك ما ادعوه و هذا بين لمن تأمله. و أما اعتمادهم على إعطائه الراية يوم البصرة و قياسهم إياه بأمير المؤمنين ع عند ما أعطاه رسول الله ص رايته فإن فعل النبي ص ذلك و إعطاءه أمير المؤمنين ع الراية لا يدل على أنه الخليفة من بعده و لو دل على ذلك لزم أن يكون كل من حمل الراية في عصر رسول الله ص منصوصا عليه بالإمامة و كل صاحب راية كان لأمير المؤمنين ع مشارا إليه بالخلافة و هذا جهل لا يرتكبه عاقل مع أنه يلزم هذه الفرقة أن يكون محمد إماما للحسن و الحسين ع و أن لا تكون لهما إمامة البتة لأنهما لم يحملا الراية و كانت الراية له دونهما و هذا قول لا يذهب إليه إلا من شذ من الكيسانية على ما حكيناه و قول أولئك ينتقض بالاتفاق

 على قول النبي ص في الحسن و الحسين ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا

و بالاتفاق على وصية أمير المؤمنين  إلى الحسن و وصية الحسن إلى الحسين ع و بقيام الحسن ع بالإمامة بعد أبيه و دعائه الناس إلى بيعته على ذلك و بقيام الحسين ع من بعده و بيعة الناس له على الأمر دون محمد حتى قتل من غير رجوع من هذا القول مع قول رسول الله ص فيهما الدال على عصمتهما و أنهما لا يدعيان باطلا

 حيث يقول ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة

و أما تعلقهم بقول النبي ص لن تنقضي الأيام و الليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي

إلى آخر الكلام فإن بإزائهم الزيدية يدعون ذلك في محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن و هم أولى به منهم لأن أبا محمد كان اسمه المعروف به عبد الله و كان أمير المؤمنين اسمه عليا و إنما انضاف إلى الله بالعبودية و إن كان لإضافته في هذا الموضع معنى يزيد على ما ذكرناه ليست بنا حاجة إلى الكشف عنه في حجاج هؤلاء القوم مع أن الإمامية الاثني عشرية أولى به في الحقيقة من الجميع لأن صاحبهم اسمه اسم رسول الله ص و كنيته كنيته و أبوه عبد من عبيد الله و هم يقولون بالعصمة و جميع أصول الإمامة و يضمون مع الأخبار الواردة بالنصوص على الأئمة و ينقلون فضائل من تقدم القائم من آبائه ع و معجزاتهم و علومهم التي بانوا بها من الرعية و لا يدفعون ضرورة من موت حي و لا يقدمون على تضليل معصوم و تكذيب إمام عدل و الكيسانية بالضد مما حكيناه فلا معتبر بتعلقهم بظاهر لفظ قد تحدثته الفرق إذا المعتمد هو الحجة و البرهان و لم يأت القوم بشي‏ء منه فيكون عذرا لهم فيما صاروا إليه. و أما تعلقهم في حياته بما أعدوه من إمامته و بناؤهم على ذلك أنه القائم من آل محمد فإنا قد أبطلنا ذلك بما تقدم من مختصر القول فيه فسقط بسقوطه و بطلانه و مما يدل أيضا على فساده تواتر الخبر بنص أبي جعفر الباقر على ابنه الصادق ع بالأمة  و نص الصادق على ابنه موسى و نص موسى على علي و بظاهر الخبر عمن ذكرناه بالعلوم الدالة على إمامتهم و المعجزات المنبئة عن حقهم و صدقهم مع الخبر عن النبي ص بالنص عليهم من حديث اللوح و ما رواه عبد الله بن مسعود و وصفه سلمان من ذكر أعيانهم و أعدادهم و قد أجمع من ذكرناه بأسرهم و الأئمة من ذريتهم و جميع أهل بيتهم على موت أبي القاسم و ليس يصح أن يكون إجماع هؤلاء باطلا و يؤيد ذلك أن الكيسانية في وقتنا هذا لا بقية لهم و لا يوجد عدد منهم يقطع العذر بنقله بل يوجد أحد منهم يدخل في جملة أهل العلم بل لا نجد أحدا منهم جملة و إنما مع الناس الحكاية عنهم خاصة و من كان بهذه المنزلة لم يجز أن يكون ما اعتمده من طريق الرواية حقا لأنه لو كان كذلك لما بطلت الحجة عليه بانقراض أهله و عدم تواترهم فبان بما وصفناه أن مذهب القوم باطل لم يحتج الله به على أحد و لا ألزمه اعتقاده على ما حكيناه. قال الشيخ أدام الله عزه ثم لم تزل الإمامية على القول بنظام الإمامة حتى افترقت كلمتها بعد وفاة أبي عبد الله جعفر بن محمد ع فقال فرقة منها إن أبا عبد الله حي لم يمت و لا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا لأنه القائم المهدي

 و تعلقوا بحديث رواه رجل يقال له عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله ع أنه قال إن جاءكم من يخبركم عني بأنه غسلني و كفنني و دفنني فلا تصدقوه

و هذه الفرقة تسمى الناووسية و إنما سميت بذلك لأن رئيسهم في هذه المقالة رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس. و قالت فرقة أخرى إن أبا عبد الله ع توفي و نص على ابنه إسماعيل بن جعفر و إنه الإمام بعده و هو القائم المنتظر و إنما لبس على الناس في أمره لأمر رآه أبوه.  و قال فريق منهم إن إسماعيل قد كان توفي على الحقيقة في زمن أبيه غير أنه قبل وفاته نص على ابنه محمد و كان الإمام بعده و هؤلاء هم القرامطة و هم المباركية فنسبهم إلى القرامطة برجل من أهل السواد يقال له قرمطويه و نسبهم إلى المباركية برجل يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر و القرامطة أخلاف المباركية و المباركية سلفهم. و قال فريق من هؤلاء إن الذي نص على محمد بن إسماعيل هو الصادق ع دون إسماعيل و كان ذلك الواجب عليه لأنه أحق بالأمر بعد أبيه من غيره و لأن الإمامة لا يكون في أخوين بعد الحسن و الحسين و هؤلاء الفرق الثلاث هم الإسماعيلية و إنما سموا بذلك لادعائهم إمامة إسماعيل فأما علتهم في النص على إسماعيل فهي أن قالوا كان إسماعيل أكبر ولد جعفر و ليس يجوز أن ينص على غير الأكبر قالوا و قد أجمع من خالفنا على أن أبا عبد الله نص على إسماعيل غير أنهم ادعوا أنه بدا لله فيه و هذا قول لا نقبله منهم. و قالت فرقة أخرى إن أبا عبد الله توفي و كان الإمام بعده محمد بن جعفر

 و اعتلوا في ذلك بحديث تعلقوا به و هو أن أبا عبد الله على ما زعموا كان في داره جالسا فدخل عليه محمد و هو صبي صغير فعدا إليه فكبا في قميصه و وقع لوجهه فقام إليه أبو عبد الله فقبله و مسح التراب عن وجهه و ضمه إلى صدره و قال سمعت أبي يقول إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي و هذا الولد شبيهي و شبيه رسول الله ص و على سنته

و هذه الفرقة تسمى السبطية لنسبتها إلى رئيس لها كان يقال له يحيى بن أبي السبط.  و قالت فرقة أخرى إن الإمام بعد أبي عبد الله ابنه عبد الله بن جعفر و اعتلوا في ذلك بأنه كان أكبر ولد أبي عبد الله

 و أن أبا عبد الله ع قال الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام

و هذه الفرقة تسمى الفطحية و إنما سميت بذلك لأن رئيسا لها يقال له عبد الله بن أفطح و يقال إنه كان أفطح الرجلين و يقال بل كان أفطح الرأس و يقال إن عبد الله كان هو الأفطح. قال الشيخ أدام الله عزه فأما الناووسية فقد ارتكب في إنكارها وفاة أبي عبد الله ع ضربا من دفع الضرورة و إنكار المشاهدة لأن العلم بوفاته كالعلم بوفاة أبيه من قبله و لا فرق بين هذه الفرقة و بين الغلاة الدافعين لوفاة أمير المؤمنين ع و بين من أنكر مقتل الحسين ع و دفع ذلك و ادعى أنه كان مشبها للقوم فكل شي‏ء جعلوه فصلا بينهم و بين من ذكرناه فهو دليل على بطلان ما ذهبوا إليه في حياة أبي عبد الله ع و أما الخبر الذي تعلقوا به فهو خبر واحد لا يوجب علما و لا عملا و لو رواه ألف إنسان و ألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره حجة في دفع الضرورات و ارتكاب الجهالات بدفع المشاهدات على أنه يقال لهم ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما صدر من أبي عبد الله عند توجهه إلى العراق ليؤمنهم من موته في تلك الأحوال و يعرفهم رجوعه إليهم من العراق و يحذرهم من قبول أقوال المرجفين به المؤدية إلى الفساد و لا يجب أن يكون ذلك مستغرقا لجميع الأزمان و أن يكون على العموم في كل حال و يحتمل أن يكون أشار إلى جماعة علم أنهم لا يبقون بعده و أنه يتأخر عنهم فقال من جاءكم من هؤلاء فقد جاء في بعض الأسانيد من جاءكم منكم و في بعضها من جاءكم من أصحابي و هذا يقتضي الخصوص. و له وجه آخر و هو أنه عنى بذلك كل الخلق ما سوى الإمام القائم من بعده لأنه ليس يجوز أن يتولى غسل الإمام و تكفينه و دفنه إلا الإمام القائم مقامه ع إلا أن تدعو ضرورة إلى غير ذلك فكأنه أنبأهم بأنه لا ضرورة تمنع القائم من بعده عن  تولي أمره بنفسه و إذا كان الخصوص قد يكون في كتاب الله عز و جل مع ظاهر القول للعموم و جاز أن يخص القرآن و يصرف عن ظواهره على مذهب أصحاب العموم بالدلائل فلم لا جاز الانصراف عن ظاهر قول أبي عبد الله ع إلى معنى يلائم الصحيح و لا يحمل على وجه يفسد المشاهدات و يسد على العقلاء باب الضرورات و هذا كاف في هذا الموضع إن شاء الله مع أنه لا بقية للناووسية و لم يكن في الأصل أيضا كثرة و لا عرف منهم رجل مشهور بالعلم و لا قرئ لهم كتاب و إنما هي حكاية إن صحت فعن عدد يسير لم يبرز قولهم حتى اضمحل و انتقض و في هذا كفاية عن الإطالة في نقضه. و أما ما اعتلت به الإسماعيلية من أن إسماعيل رحمه الله كان الأكبر و أن النص يجب أن يكون على الأكبر فلعمري إن ذلك يجب إذا كان الأكبر باقيا بعد الوالد فأما إذا كان المعلوم من حاله أنه يموت في حياته و لا يبقى بعده فليس يجب ما ادعوه بل لا معنى للنص عليه و لو وقع لكان كذبا لأن معنى النص أن المنصوص عليه خليفة الماضي فيما كان يقوم به و إذا لم يبق بعده لم يكن خليفة و يكون النص حينئذ عليه كذبا لا محالة و إذا علم الله سبحانه أنه يموت قبل الأول و أمره باستخلافه كان الأمر بذلك عبثا مع كون النص كذبا لأنه لا فائدة فيه و لا غرض صحيح فبطل ما اعتمدوه في هذا الباب. و أما ما ادعوه من تسليم الجماعة لهم حصول النص عليه فإنهم ادعوا في ذلك باطلا و توهموا فاسدا من قبل أنه ليس أحد من أصحابنا يعترف بأن أبا عبد الله ع نص على ابنه إسماعيل و لا روى راو ذلك في شاذ من الأخبار و لا في معروف منها و إنما كان الناس في حياة إسماعيل يظنون أن أبا عبد الله ينص عليه لأنه أكبر أولاده و بما كانوا يرونه من تعظيمه فلما مات إسماعيل زالت ظنونهم و علموا أن الإمامة في غيره فتعلق هؤلاء المبطلون بذلك الظن و جعلوه أصلا و ادعوا أنه قد وقع النص و ليس معهم في ذلك خبر و لا أثر يعرفه أحد من نقلة الشيعة و إذا كان

   معتمدهم على الدعوى المجردة عن البرهان فقد سقط بما ذكرناه فأما الرواية عن أبي عبد الله ع من قوله ما بدا لله في شي‏ء كما بدا له في إسماعيل فإنها على غير ما توهموه أيضا من البداء في الإمامة و إنما معناها

 ما روي عن أبي عبد الله ع أنه قال إن الله عز و جل كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين فسألته فيه فرقا فما بدا له في شي‏ء كما بدا له في إسماعيل

يعني به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا فصرفه عنه بمسألة أبي عبد الله ع فأما الإمامة فإنه لا يوصف الله عز و جل بالبداء فيها و على ذلك إجماع فقهاء الإمامية و معهم فيه أثر عنهم ع أنهم قالوا مهما بدا لله في شي‏ء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوته و لا إمام عن إمامته و لا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه و إذا كان الأمر على ما ذكرناه فقد بطل أيضا هذا الفصل الذي اعتمدوه و جعلوه دلالة على نص أبي عبد الله ع على إسماعيل. فأما من ذهب إلى إمامة محمد بن إسماعيل بنص أبيه عليه فإنه منتقض القول فاسد الرأي من قبل أنه إذا لم يثبت لإسماعيل إمامة في حياة أبي عبد الله ع لاستحالة وجود إمامين بعد النبي ص في زمان واحد لم يجز أن يثبت إمامة محمد لأنها تكون حينئذ ثابتة بنص غير إمام و ذلك فاسد في النظر الصحيح. و أما من زعم بأن أبا عبد الله ع نص على محمد بن إسماعيل بعد وفاة أبيه فإنهم لم يتعلقوا في ذلك بأثر و إنما قالوه قياسا على أصل فاسد و هو ما ذهبوا إليه من حصول النص على أبيه إسماعيل فزعموا أن العدل يوجب بعد موت إسماعيل النص على ابنه لأنه أحق الناس به و إذا كنا قد بينا عن بطلان قولهم فيما ادعوا من النص على إسماعيل فقد فسد أصلهم الذي بنوا عليه الكلام على أنه لو ثبت ما ادعوه من نص أبي عبد الله على ابنه إسماعيل لما صح قولهم في وجوب النص على محمد ابنه من بعده لأن الإمامة و النصوص ليستا موروثتين على حد ميراث الأموال و لو كانت كذلك  لاشترك فيها ولد الإمام و إذا لم تكن موروثة و كانت إنما تجب لمن له صفات مخصوصة و من أوجبت المصلحة إمامته فقد بطل أيضا هذا المذهب. و أما من ادعى إمامة محمد بن جعفر ع بعد أبيه فإنهم شذاذ جدا قالوا بذلك زمانا مع قلة عددهم و إنكار الجماعة عليهم ثم انقرضوا حتى لم يبق منهم أحد يذهب إلى هذا المذاهب و في ذلك بطلان مقالتهم لأنها لو كانت حقا لما جاز أن يعدم الله تعالى أهلها كافة حتى لم يبق منهم من يحتج بنقله مع أن الحديث الذي رووه لا يدل على ما ذهبوا إليه لو صح و ثبت فكيف و ليس هو حديثا معروفا و لا رواه محدث مذكور و أكثر ما فيه عند ثبوت الرواية أنه خبر واحد و أخبار الآحاد لا يقطع على الله عز و جل بصحتها و لو كان صحيحا أيضا لما كان من متضمنة دليل الإمامة لأن مسح أبي عبد الله التراب عن وجه ابنه ليس بنص عليه في عقل و لا سمع و لا عرف و لا عادة و كذلك ضمه إلى صدره و كذلك قوله إن أبي أخبرني أن سيولد لي ولد يشبهه و إنه أمره بتسميته باسمه و إنه أخبره أنه يكون على سنة رسول الله ص و لا في مجموع هذا كله دلالة على الإمامة في ظاهر قول و فعل و لا في تأويله و إذا لم يكن في ذلك دلالة على ما ذهبوا إليه بأن بطلانه مع أن محمد بن جعفر خرج بالسيف بعد أبيه و دعا إلى إمامته و تسمى بإمرة المؤمنين و لم يتسم بذلك أحد ممن خرج من آل أبي طالب و لا خلاف بين أهل الإمامة أن من تسمى بهذا الاسم بعد أمير المؤمنين ع فقد أتى منكرا فكيف يكون هذا على سنة رسول الله ص لو لا أن الراوي لهذا الحديث قد وهم فيه أو تعمد الكذب. و أما الفطحية فإن أمرها أيضا واضح و فساد قولها غير خاف و لا مستور عمن تأمله و ذلك أنهم لم يدعوا نصا من أبي عبد الله ع على عبد الله و إنما عملوا على ما رووه من أن

   الإمامة تكون في الأكبر و هذا حديث لم يرو قط إلا مشروطا و هو أنه قد ورد أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة و أهل الإمامة القائلون بإمامة موسى ع متواترون بأن عبد الله كانت به عاهة في الدين لأنه كان يذهب إلى مذهب المرجئة الذين يقفون في علي ع و عثمان و أن أبا عبد الله ع قال و قد خرج من عنده عبد الله هذا مرجئ كبير و أنه دخل عليه يوما و هو يحدث أصحابه فلما رآه سكت حتى خرج فسئل عن ذلك فقال أ و ما علمتم أنه من المرجئة هذا مع أنه لم يكن له من العلم ما يتخصص به من العامة و لا روي عنه شي‏ء من الحلال و الحرام و لا كان بمنزلة من يستفتي في الأحكام و قد ادعى الإمامة بعد أبيه فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها و لا تأتي للجواب فأي علة أكثر مما ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل مع أنه لو لم يكن علة تمنع من إمامته لما جاز من أبيه صرف النص عنه و لو لم يكن قد صرفه عنه لأظهره فيه و لو أظهره لنقل و كان معروفا في أصحابه و في عجز القوم عن التعلق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه. قال الشيخ أدام الله عزه ثم لم تزل الإمامية بعد من ذكرناه على نظام الإمامة حتى قبض موسى بن جعفر ع فافترقت بعد وفاته فرقا قال جمهورهم بإمامة أبي الحسن الرضا ع و دانوا بالنص عليه و سلكوا الطريقة المثلى في ذلك و قال جماعة منهم بالوقف على أبي الحسن موسى ع و ادعوا حياته و زعموا أنه هو المهدي المنتظر و قال فريق منهم إنه قد مات و سيبعث و هو القائم بعده و اختلفت الواقفة في الرضا ع و من قام من آل محمد بعد أبي الحسن موسى ع فقال بعضهم هؤلاء خلفاء أبي الحسن و أمراؤه و قضاته إلى أوان خروجه و أنهم ليسوا بأئمة و ما ادعوا الإمامة قط و قال الباقون إنهم ضالون مخطئون ظالمون و قالوا في الرضا ع خاصة قولا عظيما و أطلقوا تكفيره و تكفير من قام بعده من ولده و شذت فرقة ممن كان على الحق إلى  قول سخيف جدا فأنكروا موت أبي الحسن و حبسه و زعموا أن ذلك كان تخييلا للناس و ادعوا أنه حي غائب و أنه هو المهدي و زعموا أنه استخلف على الأمر محمد بن بشير مولى بني أسد و ذهبوا إلى الغلو و القول بالاتحاد و دانوا بالتناسخ. و اعتلت الواقفة فيما ذهبت إليه بأحاديث رووها عن أبي عبد الله ع منها أنهم حكوا عنه أنه لما ولد موسى بن جعفر ع دخل أبو عبد الله ع على حميدة البربرية أم موسى ع فقال لها يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك قالوا و سئل عن اسم القائم فقال اسمه اسم حديدة الحلاق فيقال لهذه الفرقة ما الفرق بينكم و بين الناووسية الواقفة على أبي عبد الله ع و الكيسانية الواقفة على أبي القاسم بن الحنفية و المفوضة المنكرة لوفاة أبي عبد الله الحسين الدافعة لقتله و السباية المنكرة لوفاة أمير المؤمنين ع المدعية حياته و المحمدية النافية لموت رسول الله ص المتدينة بحياته و كل شي‏ء راموا به كسر مذاهب من عددناه فهو كسر لمذاهبهم و دليل على إبطال مقالتهم. ثم يقال لهم فيما تعلقوا به من الحديث الأول ما أنكرتم أن يكون الصادق ع أراد بالملك الإمامة على الخلق و فرض الطاعة على البشر و ملك الأمر و النهي و أي دليل في قوله لحميدة حل الملك في بيتك على أنه نص على أنه القائم بالسيف أ ما سمعتم الله تعالى يقول فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً و إنما أراد ملك الدين و الرئاسة على العالمين و أما قوله و قد سئل عن القائم فقال اسمه اسم حديدة الحلاق فإنه إن صح ذلك على أنه غير معروف

   فإنما أشار به إلى القائم بالإمامة بعده و لم يشر إلى القائم بالسيف و قد علمنا أن كل إمام فهو قائم بالأمر بعد أبيه فأي حجة فيما تعلقوا به لو لا عمى القلوب على أنه يقال لهم ما الدليل على إمامة أبي الحسن موسى ع و ما البرهان على أن أباه نص عليه فبأي شي‏ء تعلقوا في ذلك و اعتمدوا عليه أريناهم بمثله إمامة الرضا ع و ثبوت النص من أبيه ع و هذا ما لا يجدون منه مخلصا. و أما من زعم أن الرضا ع و من بعده كانوا خلفاء أبي الحسن موسى ع و لم يدعوا الأمر لأنفسهم فإنه قول مباهت لا يفكر في دفعه بالضرورة لأن جميع شيعة هؤلاء القوم و غير شيعتهم من الزيدية الخلص و من تحقق بالنظر يعلم يقينا أنهم كانوا ينتحلون الإمامة و أن الدعاة إلى ذلك خاصتهم من الناس و لا فصل بين هذه في بهتها و بين الفرقة الشاذة من الكيسانية فيما ادعوه من أن الحسن و الحسين ع كانا خلفاء محمد و أن الناس لم يبايعوهما على الإمامة لأنفسهم و هذا قول وضوح فساده يغني عن الإطناب فيه. و أما البشيرية فإن دليل وفاة أبي الحسن و إمامة الرضا ع و بطلان الحلول و الاتحاد و لزوم الشرائع و فساد الغلو و التناسخ يدل بمجموع ذلك و بآحاده على فساد ما ذهبوا إليه. قال الشيخ أدام الله عزه ثم إن الإمامية استمرت على القول بأصول الإمامة طول أيام أبي الحسن الرضا ع فلما توفي و خلف ابنه أبا جعفر ع و له عند وفاة أبيه سبع سنين اختلفوا و تفرقوا ثلاث فرق فرقة مضت على سنن القول في الإمامة و دانت  بإمامة أبي جعفر ع و نقلت النص عليه و هم أكثر الفرق عددا و فرقة ارتدت إلى قول الواقفة و رجعوا عما كانوا عليه من إمامة الرضا ع و فرقة قالت بإمامة أحمد بن موسى و زعموا أن الرضا ع كان وصى إليه و نص بالإمامة عليه و اعتل الفريقان الشاذان عن أصل الإمامة بصغر سن أبي جعفر ع و قالوا ليس يجوز أن يكون الإمام صبيا لم يبلغ الحلم فيقال لهم ما سوى الراجعة إلى مذاهب الوقف كما قيل للواقفة دلوا بأي دليل شئتم إلى إمامة الرضا ع حتى نريكم بمثله إمامة أبي جعفر ع و بأي شي‏ء طعنتم على نقل النص على أبي جعفر ع فإن الواقفة تطعن بمثله في نقل النص على أبي الحسن الرضا ع و لا فصل في ذلك. على أن ما اشتبه عليهم من جهة سن أبي جعفر فإنه بين الفساد و ذلك أن كمال العقل لا يستنكر لحجج الله مع صغر السن قال الله عز و جل قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا فخبر عن المسيح بالكلام في المهد و قال في قصة يحيى وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و قد أجمع جمهور الشيعة مع سائر من خالفهم على أن رسول الله ص دعا عليا صغير السن و لم يدع من الصبيان غيره و باهل بالحسن و الحسين ع و هما طفلان و لم ير مباهل قبله و لا بعده باهل بالأطفال و إذا كان الأمر على ما ذكرناه من تخصيص الله تعالى حججه على ما شرحناه بطل ما تعلق به هؤلاء القوم على أنهم إن أقروا بظهور المعجزات عن الأئمة ع و خرق العادات لهم و فيهم بطل أصلهم الذي اعتمدوه في إنكار إمامة أبي جعفر ع و إن أبوا ذلك لحقوا بالمعتزلة في إنكار المعجزات إلا على الأنبياء ع

   و كلموا بما يكلم به إخوانهم من أهل النصب و هذا المقدار يكفي بمشيئة الله في نقض ما اعتمدوه بما حكيناه قال الشيخ أدام الله عزه ثم ثبتت الإمامية القائلون بإمامة أبي جعفر ع بأسرها على القول بإمامة أبي الحسن علي بن محمد ع من بعد أبيه و نقل النص عليه إلا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم فقالوا بإمامة موسى بن محمد أخي أبي الحسن علي بن محمد ع ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول إلا قليلا حتى رجعوا إلى الحق و دانوا بإمامة علي بن محمد و رفضوا القول بإمامة موسى بن محمد و أقاموا جميعا على إمامة أبي الحسن ع فلما توفي تفرقوا بعد ذلك فقال الجمهور منهم بإمامة أبي محمد الحسن بن علي ع و نقلوا النص و أثبتوه و قال فريق منهم الإمام بعد أبي الحسن محمد بن علي أخو أبي محمد و زعموا أن أباه عليا نص عليه في حياته و هذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه فدفعت هذه الفرقة وفاته و زعموا أنه لم يمت و أنه حي و هو الإمام المنتظر و قال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الأصل أن الإمام بعد محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى أخوه جعفر بن علي و زعموا أن أباه نص عليه بعد محمد و أنه قائم بعد أبيه فيقال لهذه الفرقة الأولى لم زعمتم أن الإمام بعد أبي الحسن ابنه محمد و ما الدليل على ذلك فإن ادعوا النص طولبوا بلفظه و الحجة عليه و لن يجدوا لفظا يتعلق به في ذلك و لا تواترا يعتمدون عليه لأنهم أنفسهم من الشذوذ و القلة على حد ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد مع أنهم قد انقرضوا فلا بقية لهم و ذلك مبطل أيضا ما ادعوه و يقال لهم في ادعاء حياته ما قيل للكيسانية و الناووسية و الواقفة و يعارضون بمن ذكرناه فلا يجدون فصلا  فأما أصحاب جعفر فأمرهم مبني على إمامة محمد و إذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة على صحته و قيامها على إمامة أبي محمد ع فقد بأن فساد ما ذهبوا إليه. قال الشيخ أدام الله عزه و لما توفي أبو محمد الحسن بن علي ع افترق أصحابه بعده على ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسى رحمه الله أربع عشرة فرقة فقال الجمهور منهم بإمامة القائم المنتظر و أثبتوا ولادته و صححوا النص عليه و قالوا هو سمي رسول الله ص و مهدي الأنام و اعتقدوا أن له غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فالأولى منهما هي القصرى و له فيها الأبواب و السفراء و رووا عن جماعة من شيوخهم و ثقاتهم أن أباه الحسن ع أظهره لهم و أراهم شخصه و اختلفوا في سنه عند وفاة أبيه فقال كثير منهم كان سنه إذ ذاك خمس سنين لأن أباه توفي سنة ستين و مائتين و كان مولد القائم سنة خمس و خمسين و مائتين و قال بعضهم بل كان مولده سنة اثنتين و خمسين و مائتين و كان سنه عند وفاة أبيه ثمان سنين و قالوا إن أباه لم يمت حتى أكمل الله عقله و علمه الحكمة و فصل الخطاب و أبانه من سائر الخلق بهذه الصفة إذ كان خاتم الحجج و وصي الأوصياء و قائم الزمان و احتجوا في جواز ذلك بدليل العقل من حيث ارتفعت إحالته و دخل تحت القدرة لقوله تعالى في قصة عيسى وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا و في قصة يحيى وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و قالوا إن صاحب الأمر حي لم يمت و لا يموت و لو بقي ألف عام حتى يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما  و جورا إنه يكون عند ظهوره شابا قويا في صورة أبناء نيف و ثلاثين سنة و أثبتوا ذلك في معجزاته و جعلوه في جملة دلائله و آياته. و قالت فرقة ممن دانت بإمامة الحسن إنه حي لم يمت و إنما غاب و هو القائم المنتظر. و قالت فرقة أخرى إن أبا محمد مات و عاش بعد موته و هو القائم المهدي

 و اعتلوا في ذلك بخبر رووه أن القائم إنما سمي بذلك لأنه يقوم بعد الموت

و قالت فرقة أخرى إن أبا محمد توفي لا محالة و إن الإمام من بعده أخوه جعفر بن علي

 و اعتلوا في ذلك بالرواية عن أبي عبد الله ع أن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلا إليه قالوا فلما لم نر للحسن ولدا ظاهرا التجأنا إلى القول بإمامة جعفر أخيه

و رجعت فرقة ممن كانت تقول بإمامة الحسن عن إمامته عند وفاته و قالوا لم يكن إماما و كان مدعيا مبطلا و أنكروا إمامة أخيه محمد و قالوا الإمام جعفر بن علي بنص أبيه عليه قالوا و إنما قلنا بذلك لأن محمدا مات في حياة أبيه و الإمام لا يموت في حياة أبيه و أما الحسن فلم يكن له عقب و الإمام لا يخرج من الدنيا حتى يكون له عقب. و قالت فرقة أخرى إن الإمام محمد بن علي أخو الحسن بن علي و رجعوا عن إمامة الحسن و ادعوا حياة محمد بعد أن كانوا ينكرون ذلك. و قالت فرقة أخرى إن الإمام بعد الحسن ابنه المنتظر و أنه علي بن الحسن و ليس كما يقول القطعية إنه محمد بن الحسن و قالوا بعد ذلك بمقال القطعية في الغيبة و الانتظار حرفا بحرف.  و قالت فرقة أخرى إن القائم بن الحسن ولد بعد أبيه بثمانية أشهر و هو المنتظر و أكذبوا من زعم أنه ولد في حياة أبيه. و قالت فرقة أخرى إن أبا محمد مات عن غير ولد ظاهر و لكن عن حبل من بعض جواريه و القائم من بعد الحسن محمول به و ما ولدته أمه بعد و أنه يجوز أنها تبقى مائة سنة حاملا فإذا ولدته ظهرت ولادته. و قالت فرقة أخرى إن الإمامة قد بطلت بعد الحسن و ارتفعت الأئمة و ليس في أرض حجة من آل محمد ص و إنما الحجة الأخبار الواردة عن الأئمة المتقدمين ع و زعموا أن ذلك سائغ إذا غضب الله على العباد فجعله عقوبة لهم. و قالت فرقة أخرى إن محمد بن علي أخا الحسن بن علي كان الإمام في الحقيقة مع أبيه علي و أنه لما حضرته الوفاة وصى إلى غلام له يقال به نفيس و كان ثقة أمينا و دفع إليه الكتب و السلاح و وصاه أن يسلمه إلى أخيه جعفر فسلمه إليه و كانت الإمامة في جعفر بعد محمد على هذا الترتيب. و قالت فرقة أخرى قد علمنا أن الحسن كان إماما فلما قبض التبس الأمر علينا فلا ندري أ جعفر كان الإمام من بعده أم غيره و الذي يجب علينا أن نقطع أنه لا بد من إمام و لا نقدم على القول بإمامة أحد بعينه حتى تبين لنا ذلك. و قالت فرقة أخرى إن الإمام بعد الحسن ابنه محمد و هو المنتظر غير أنه قد مات و سيحيا يقوم بالسيف فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. و قالت الفرقة الرابعة عشر منهم إن أبا محمد كان الإمام بعد أبيه و إنه لما حضرته الوفاة نص على أخيه جعفر بن علي بن محمد بن علي و كان الإمام من بعده بالنص عليه و الوارثة له و زعموا أن الذي دعاهم إلى ذلك ما يجب في العقول من

   وجوب الإمام مع فقدهم لولد الحسن و بطلان دعوى من ادعى وجوده فيما زعموا من الإمامية. قال الشيخ أدام الله عزه و ليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذا و هو من سنة ثلاث و سبعين و ثلاثمائة إلا الإمامية الاثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الحسن المسمى باسم رسول الله ص القاطعة على حياته و بقائه إلى وقت قيامه بالسيف حسب ما شرحناه فيما تقدم عنهم و هم أكثر فرق الشيعة عددا و علما و متكلمون نظار و صالحون عباد متفقهة و أصحاب حديث و أدباء و شعراء و هم وجه الإمامية و رؤساء جماعتهم و المعتمد عليهم في الديانة و من سواهم منقرضون لا يعلم أحد من الأربع عشرة فرقة التي قدمنا ذكرها ظاهرا بمقالة و لا موجودا على هذا الوصف من ديانته و إنما الحاصل منهم خبر عمن سلف و أراجيف بوجود قوم منهم لا يثبت. و أما الفرقة القائلة بحياة أبي محمد ع فإنه يقال لها ما الفصل بينك و بين الواقفة و الناووسية فلا يجدون فصلا. و أما الفرقة التي زعمت أن أبا محمد عاش من بعد موته و هو المنتظر فإنه يقال لها إذا جاز أن تخلو الدنيا من إمام حي يوما فلم لا جاز أن يخلو منه سنة و ما الفرق بين ذلك و بين أن تخلو أبدا من إمام و هذا خروج عن مذهب الإمامية و قول بمذهب الخوارج و المعتزلة و من صار إليه من الشيعة كلم كلام الناصبة و دل على وجوب الإمامة ثم يقال لهم ما أنكرتم أن يكون الحسن ع ميتا لا محالة و لم يعش بعد و سيعيش و هذا نقض مذاهبهم فأما ما اعتلوا به من أن القائم إنما سمي بذلك  لأنه يقوم بعد الموت فإنه يحتمل أن يكون أريد به بعد موت ذكره دون أن يكون المراد به موته في الحقيقة بعدم الحياة منه على أنهم لا يجدون بهذا الاعتلال بينهم و بين الكيسانية فرقا مع أن الرواية قد جاءت بأن القائم إنما سمي بذلك لأنه يقوم بدين قد اندرس و يظهر بحق كان مخفيا و يقوم بالحق من غير تقيه تعتريه في شي‏ء منه و هذا يسقط ما ادعوه. و أما الفرقة التي زعمت أن جعفر بن علي هو الإمام بعد أخيه الحسن ع فإنهم صاروا إلى ذلك من طريق الظن و التوهم و لم يوردوا خبرا و لا أثرا يجب النظر فيه و لا فصل بين هؤلاء القوم و بين من ادعى الإمامة بعد الحسن ع لبعض الطالبيين و اعتمد على الدعوي و التعرية من البرهان

 فأما ما اعتلوا به من الحديث عن أبي عبد الله ع أن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلا إليه

فإنه يقال لهم فيه و لم زعمتم أنه لا ملجأ إلا إلى جعفر و لم أنكرتم أن يكون الملجأ هو ابن الحسن الذي نقل جمهور الإمامية النص عليه فإن قالوا لا يجب ذلك إلا إذا قامت الدلالة على وجوده مع أنه لا يجب أن نثبت وجود من لم نشاهده قلنا لهم و لم لا يجب ذلك إذا قامت الدلالة على وجوده مع أنه لا يجب أن يثبت الإمامة لمن لا نص عليه و لا دليل على إمامته على أن هذه العلة يمكن أن يعتل بها كل من يدعي الإمامة لرجل من آل أبي طالب بعد الحسن ع و يقول إنما قلت ذلك لأنني لم أجد ملجأ إلا إليه. و أما الفرقة الراجعة عن إمامة الحسن و المنكرة لإمامة أخيه محمد فإنها تحج بدليل إمامة الحسن من النص و التواتر عن أبيه و يطالب بالدلالة على إمامة علي بن محمد ع فكل شي‏ء اعتمدوه في ذلك فهو العمدة عليهم فيما أبوه من إمامة الحسن ع  فأما إنكارهم لإمامة محمد بن علي أخي الحسن فقد أصابوا في ذلك و نحن موافقوهم في صحته و أما اعتلالهم بصوابهم في الرجوع عن إمامة الحسن ع و أنه ممن مضى و لا عقب له فهو اعتماد على التوهم لأن الحسن قد أعقب المنتظر و الأدلة على إمامته أكثر من أن تحصى و ليس إذا لم نشاهد الإمام بطلت إمامته و لا إذا لم يدرك وجوده حصا و اضطرارا و لم يظهر للخاصة و العامة كان ذلك دليلا على عدمه. و أما الفرقة الأخرى الراجعة عن إمامة الحسن ع إلى إمامة أخيه محمد فهي كالتي قبلها و الكلام عليها نحو ما سلف مع أنهم أشد بهتا و مكابرة لأنهم أنكروا إمامة من كان حيا بعد أبيه و ظهرت عنه من العلوم ما يدل على فضله على الكل و ادعوا إمامة رجل مات في حياة أبيه و لم يظهر منه علم و لا من أبيه نص عليه بعد أن كانوا يعترفون بموته و هؤلاء سقاط جدا. و أما الفرقة التي اعترفت بولد الحسن ع و أقرت بأنه المنتظر إلا أنها زعمت أنه علي و ليس بمحمد فالخلاف بيننا و بين هؤلاء في الاسم دون المعنى و الكلام لهم خاصة فيجب أن يطالبوا بالأثر في الاسم فإنهم لا يجدونه و الأخبار منتشرة في أهل الإمامة و غيرهم أن اسم القائم ع اسم رسول الله ص و لم يكن في أسماء رسول الله علي و لو ادعوا أنه أحمد لكان أقرب إلى الحق و هذا القدر كاف فيما يحتج به على هؤلاء. و أما الفرقة التي زعمت أن القائم ابن الحسن ع و أنه ولد بعد أبيه بثمانية أشهر و أنكروا أن يكون ولد في حياة أبيه فإنه يحتج عليهم بوجوب الإمامة من جهة العقول و كل شي‏ء يلزم المعتزلة و أصناف الناصبة يلزم هذه الفرقة مما ذهبوا إليه من جواز خلو العالم من وجود إمام حي كامل ثمانية أشهر لأنه لا فرق بين الثمانية و الثمانين على أنه يقال لهم لم زعمتم ذلك أ بالعقل قلتموه أم بالسمع فإن

   ادعوا العقل أحالوا في القول لأن العقل لا مدخل له في ذلك و إن ادعوا السمع طولبوا بالأثر فيه و لن يجدوه و إنما صاروا إلى هذا القول من جهة الظن و الترجم بالغيب و الظن لا يعتمد عليه في الدين و أما الفرقة الأخرى التي زعمت أن الحسن ع توفي عن حمل بالقائم و أنه لم يولد بعد فهي مشاركة للفرقة المتقدمة لها في إنكار الولادة و ما دخل على تلك داخل على هذه و يلزمها من التجاهل ما يلزم تلك لقولها إن حملا يكون مائة سنة إذ كان هذا مما لم تجربه عادة و لا جاء به أثر من أحد من سائر الأمم و لم يكن له نظير و هو و إن كان مقدورا لله عز و جل فليس يجوز أن يثبت إلا بعد الدليل الموجب لثبوته و من اعترف به من حيث الجواز فأوجبه يلزمه إيجاب وجود كل مقدور حتى لا يأمن لعل المياه قد استحالت ذهبا و فضة و كذلك الأشجار و لعل كل كافر من العالم إذا نام مسخه الله عز و جل قردا و كلبا و خنزيرا من حيث لا يشعر به ثم يعيده إلى الإنسانية و لعل بالبلاد القصوى فيما لا نعرف خبره نساء يحبلن يوما و يضعن من غده و هذا كله جهل و ضلال فتحه على نفسه من اعترف بخرق العادة من غير حجة و اعتمد على جواز ذلك في المقدور. و أما الفرقة التي زعمت أن الإمامة قد بطلت بعد الحسن ع فإن وجوب الإمامة بالعقل يفسد قولها و قول الله عز و جل يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ. 

 و قول النبي ص من مات و هو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية

 و قول أمير المؤمنين ع اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك على خلقك إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا كيلا تبطل حججك و بيناتك

 و قول النبي ص أيضا في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين

 و أما تعلقهم بقول الصادق ع إن الله لا يخلي الأرض من حجة إلا أن يغضب على أهل الدنيا

فالمعنى في ذلك أنه لا يخليها من حجة ظاهرة بدلالة ما قدمناه. و أما الفرقة التي زعمت أن محمد بن علي كان إماما مع أبيه و أنه وصى إلى غلام له يقال له نفيس و أعطاه السلاح و الكتب و أمره أن يدفعه إلى جعفر فإن الذي قدمناه على الإسماعيلية من الدليل على بطلان إمامة إسماعيل بوفاته في حياة أبيه يكسر قول هذه الفرقة و يزيده بيانا أن وصي الإمام لا يكون إلا إماما و نفيس غلام محمد لم يكن إماما و يبطل إمامة جعفر عدم الدلالة على إمامة محمد و دليل بطلان إمامته أيضا ما ذكرناه من وفاته في حياة أبيه. و أما الفرقة التي أقرت بإمامة الحسن و وقفت بعده و اعتقدت أنه لا بد من إمام و لم يعنوا على أحد فالحجة عليهم النقل الصادق بإمامة المنتظر و النص من أبيه عليه و ليس هذا موضعه فنذكره على النظام. و أما الفرقة التي أقرت بالمنتظر و أنه ابن الحسن و زعمت أنه قد مات و سيحيا و يقوم بالسيف فإن الحجة عليها ما يجب من وجود الإمام و حياته و كماله و كونه  حيث يسمع الاختلاق و يحفظ الشرع و بدلالة أنه لا فرق بين موته و عدمه. و أما الفرقة التي اعترفت بأن أبا محمد الحسن بن علي ع كان الإمام بعد أبيه و ادعت أنه لما حضرته الوفاة نص على أخيه جعفر بن علي و اعتلوا في ذلك بأن زعموا أن دعوى من ادعى النص على ابن الحسن ع باطلة و العقل يوجب الإمامة فلذلك اضطروا إلى القول بإمامة جعفر فإنه يقال لم زعمتم أن نقل الإمامية النص من الحسن على ابنه باطل و ما أنكرتم أن يكون حقا لقيام الدلالة على وجوب الإمامة و ثقة الناقلين و علامة صدقهم بصفات الغيبة و الخبر فيها عما يكون قبل كونه و يكون النقلة لذلك خاصة أصحاب الحسن و السفراء بينه و بين شيعته و لفساد إمامة جعفر لما كان عليه من الظاهر مما يضار صفات الإمامة من نقصان العلم و قلة المعرفة و ارتكاب القبائح و الاستخفاف بحقوق الله عز و جل في مخلفات أخيه مع عدم النص عليه لفقد أحد من الخلق روى ذلك أو يأثره عن أحد من آبائه أو من أخيه خاصة فإذا كان الأمر على ما ذكرناه فقد سقط ما تعلق به هذا الفريق أيضا على أنه لا فصل بين هؤلاء القوم و بين من ادعى إمامة بعض الطالبيين و اعتل بعلتهم في وجوب الإمامة و فساد قول الإمامية و زعمهم فيما يدعونه من النص على ابن الحسن ع و إذا كان لا فصل بين القولين و أحدهما باطل بلا خلاف فالآخر في البطلان و الفساد مثله. فهذه وفقكم الله جملة كافية فيما قصدناه و نحن نشرح هذه الأبواب و القول فيها على الاستقصاء و البيان في كتاب نفرده بعد و الله ولي التوفيق و إياه نستهدي إلى سبيل الرشاد. بيان الغيل بالكسر و يفتح الشجر الكثير الملتف و العجرفة جفوة في الكلام و قال الجوهري فطحه فطحا جعله عريضا و يقال رأس مفطح أي عريض و رجل أفطح بين الفطح أي عريض الرأس.

   و محمد بن بشير كان من أصحاب الكاظم ع ثم غلا و ادعى الألوهية له ع و النبوة لنفسه من قبله و لما توفي موسى ع قال بالوقف عليه و قال إنه قائم بينهم موجود كما كان غير أنهم محجوبون عنه و عن إدراكه و إنه هو القائم المهدي و إنه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير و جعله وصيه و أعطاه خاتمه و أعلمه جميع ما تحتاج إليه رعيته من أمر دينهم و دنياهم و كان صاحب شعبدة و مخاريق و كانت عنده صورة قد عملها و أقامها شخصا كأنه صورة أبي الحسن ع من ثياب الحرير قد طلاها بالأدوية و عالجها بحيل عملها فيها حتى صارت شبيهة بصورة إنسان فيريها الناس و يريهم من طريق الشعبدة أنه يكلمه و يناجيه و كانت عنده أشياء عجيبة من صنوف الشعبدة فهلك بها جماعة حتى رفع خبره إلى بعض الخلفاء و تقرب إليه بمثل ذلك ثم قتل و تبرأ الله موسى ع و لعنه و دعا عليه و قال أذاقه الله حر الحديد و قتله أخبث ما يكون من قتله فاستجيب دعاؤه ع و سيأتي أحواله في المجلد الحادي عشر. و الحسن بن موسى هو الخشاب النوبختي من أعاظم متكلمي الإمامية و عد النجاشي و غيره من كتبه كتاب فرق الشيعة و كتاب الرد على فرق الشيعة ما خلا الإمامية و كتاب الرد على المنجمين و حجج طبيعية مستخرجة من كتب أرسطاطاليس في الرد على من زعم أن الفلك حي ناطق. أقول إنما أوردنا هذه الجملة من كلام الشيخ ليطلع الناظر في كتابنا على المذاهب النادرة في الإمامة و أما الزيدية فمذاهبهم مشهورة و الدلائل على إبطالها في الكتب مسطورة و ما أوردنا من الأخبار في النصوص كاف في إبطالها و جملة القول في مذاهبهم أنهم ثلاث فرق. الجارودية و هم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر قالوا بالنص من النبي ص في الإمامة على أمير المؤمنين ع وصفا لا تسمية و الصحابة كفروا بمخالفته و تركهم  الاقتداء به بعد النبي ص و الإمامة بعد الحسن و الحسين ع سوي في أولادهما فمن خرج منهم بالسيف و هو عالم شجاع فهو إمام و اختلفوا في الإمام المنتظر أ هو محمد بن عبد الله بن الحسن الذي قتل في المدينة أيام المنصور فذهب طائفة منهم إلى ذلك و زعموا أنه لم يقتل أو هو محمد بن القاسم بن علي بن الحسين ع صاحب طالقان الذي حبسه المعتصم حتى مات فذهب طائفة أخرى إليه و أنكروا موته أو هو يحيى بن عمر صاحب الكوفة من أحفاد زيد بن علي دعا الناس إلى نفسه و اجتمع عليه خلق كثير و قتل في أيام المستعين بالله فذهب إليه طائفة ثالثة و أنكروا قتله. و الفرقة الثانية السليمانية من أتباع سليمان بن حريز قالوا الإمامة شورى فيما بين الخلق و إنما ينعقد برجلين من خيار المسلمين و تصح إمامة المفضول مع وجود الأفضل و أبو بكر و عمر إمامان و إن أخطأت الأمة في البيعة لهما مع وجود علي ع لكنه خطأ لم ينته إلى درجة الفسق و كفروا عثمان و طلحة و عائشة. و الفرقة الثالثة البترية و هم وافقوا السليمانية إلا أنهم توقفوا في عثمان هذا ما ذكره شارح المواقف في تحرير مذاهبهم و رأيت في شرح الأصول للناصر للحق الحسن بن علي الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ع. اعلم أن أول الأئمة بعد النبي ص عندنا علي بن أبي طالب ع ثم ابنه الحسن ع ثم أخوه الحسين ع ثم علي بن الحسين ع ثم ابنه زيد بن علي ثم محمد بن عبد الله بن الحسن ثم أخوه إبراهيم ثم الحسين بن علي صاحب الفخ ثم يحيى بن عبد الله بن الحسن ثم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ثم القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ثم الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ثم يحيى بن الحسين القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن ثم محمد بن يحيى بن الحسين ثم أحمد بن يحيى بن الحسين ثم محمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن ثم ابنه الحسن ثم أخوه علي بن محمد ثم أحمد بن الحسين بن هارون من أولاد زيد بن الحسن ثم أخوه يحيى ثم سائر أهل البيت الذين دعوا إلى الحق.

   و هذا الكتاب من تصانيف الجارودية و البترية يسمون بالصالحية أيضا لأن من رؤسائهم الحسن بن صالح

 قال الكشي في كتاب الرجال حدثني سعد بن الصباح الكشي عن علي بن محمد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن فضيل عن ابن أبي عمير عن سعد الجلاب عن أبي عبد الله ع قال لو أن البترية صف واحد ما بين المشرق إلى المغرب ما أعز الله بهم دينا

ثم قال الكشي و البترية هم أصحاب كثير النواء و الحسن بن صالح بن حي و سالم بن أبي حفصة و الحكم بن عتيبة و سلمة بن كهيل و أبي المقدام ثابت الحداد و هم الذين دعوا إلى ولاية علي ع ثم خلطوها بولاية أبي بكر و عمر و يثبتون لهما إمامتهما و يبغضون عثمان و طلحة و الزبير و عائشة و يرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب ع و يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و يثبتون لكل من خرج من ولد علي ع عند خروجه الإمامة.

 ثم روي عن سعيد بن جناح الكشي عن علي بن محمد بن يزيد العمي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن الحسين بن عثمان الرواسي عن سدير قال دخلت على أبي جعفر ع و معي سلمة بن كهيل و أبو المقدام ثابت الحداد و سالم بن أبي حفصة و كثير النواء و جماعة معهم و عند أبي جعفر أخوه زيد بن علي فقالوا لأبي جعفر ع نتولى عليا و حسنا و حسينا و نتبرأ من أعدائهم قال نعم قالوا نتولى أبا بكر و عمر و نتبرأ من أعدائهم قال فالتفت إليهم زيد بن علي و قال لهم أ تتبرءون من فاطمة بترتم أمرنا بتركم الله فيومئذ سموا البترية

  و قال عند ذكر أبي الجارود زياد بن المنذر الأعمى السرحوب حكي أن أبا الجارود سمي سرحوبا و تنسب إليه السرحوبية من الزيدية و سماه بذلك أبو جعفر ع و ذكر أن سرحوبا اسم شيطان أعمى يسكن البحر و كان أبو الجارود مكفوفا أعمى أعمى القلب

 روى إسحاق بن محمد البصري عن محمد بن جمهور عن موسى بن بشار عن أبي بصير قال كنا عند أبي عبد الله ع فمرت بنا جارية معها قمقم فقلبته فقال أبو عبد الله ع إن الله عز و جل إن كان قلب قلب أبي الجارود كما قلبت هذه الجارية هذا القمقم فما ذنبي

 و روى علي بن محمد عن محمد بن أحمد عن علي بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن أبي أسامة قال قال أبو عبد الله ع ما فعل أبو الجارود أما إنه لا يموت إلا تائها

 و عنه عن محمد بن أحمد عن العباس بن معروف عن أبي القاسم الكوفي عن الحسين بن محمد بن عمران عن زرعة عن سماعة عن أبي بصير قال ذكر أبو عبد الله ع كثير النواء و سالم بن أبي حفصة و أبا الجارود فقال كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله قال قلت جعلت فداك كذابون قد عرفتهم فما مكذبون فقال كذابون يأتوننا فيخبروننا أنهم يصدقونا ليس كذلك فيسمعون حديثنا فيكذبون به

 و حدثني محمد بن الحسن البراثي و عثمان بن حامد الكشبان عن محمد بن زياد عن محمد بن الحسين عن عبد الله بن المزخرف عن أبي سليمان الحماد قال سمعت أبا عبد الله ع  يقول لأبي الجارود بمنى في فسطاطه يا أبا الجارود كان و الله أبي إمام أهل الأرض حيث مات لا يجهله إلا ضال ثم رأيته في العام المقبل قال له مثل ذلك قال فلقيت أبا الجارود بعد ذلك بالكوفة فقلت له أ ليس قد سمعت ما قال أبو عبد الله مرتين قال إنما يعني أباه علي بن أبي طالب ع

و قال في عمر بن رياح قيل إنه كان أولا يقول بإمامة أبي جعفر ع ثم إنه فارق هذا القول و خالف أصحابه مع عدة يسيرة تابعوه على ضلالته فإنه زعم أنه سأل أبا جعفر ع عن مسألة فأجابه فيها بجواب ثم عاد إليه في عام آخر و زعم أنه سأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول فقال لأبي جعفر ع هذا بخلاف ما أجبتني في هذه المسألة عامك الماضي فذكر له أن جوابنا خرج على وجه التقية فشك في أمره و إمامته فلقي رجلا من أصحاب أبي جعفر ع يقال له محمد بن قيس فقال إني سألت أبا جعفر ع عن مسألة فأجابني فيها بجواب ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف الجواب الأول فقلت له لم فعلت ذلك قال فعلته للتقية و قد علم الله أنني ما سألته إلا و إنني صحيح العزم على التدين بما يفتيني به و قبوله و العمل به و لا وجه لاتقائه إياي و هذا حاله فقال له محمد بن قيس فلعله حضرك من اتقاه فقال ما حضر مجلسه في واحد من المجالس غيري و لكن كان جواباه جميعا على وجه التجنب و لم يحفظ ما أجاب فيه في العام الماضي فيجيب بمثله فرجع عن إمامته و قال لا يكون إمام يفتي بالباطل على شي‏ء من الوجوه و لا في حال من الأحوال و لا يكون إمام يفتي بالتقية من غير ما يجب عند الله و لا هو  يرخي ستره و لا يغلق بابه و لا يسع الإمام إلا الخروج و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فمال إلى سنته بقول البترية و مال معه نفر يسير. أقول لا اعتماد على نقل هذا الضال المبتدع في دينه و على تقدير صحته لعله اتقى ممن علم أنه بعد خروجه سيذكره عنده و أما الدلائل على وجوب التقية فسنذكرها في محلها ثم روى الكشي أيضا عن حمدويه عن ابن يزيد عن محمد بن عمر عن ابن عذافر

 عن عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد الله ع عن الصدقة على الناصب و على الزيدية فقال لا تصدق عليهم بشي‏ء و لا تسقهم من الماء إن استطعت و قال لي الزيدية هم النصاب

و روي عن محمد بن الحسن عن أبي علي الفارسي قال حكى منصور عن الصادق علي بن محمد بن الرضا ع أن الزيدية و الواقفة و النصاب بمنزلة عنده سواء

 و عن محمد بن الحسن عن أبي علي عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عمن حدثه قال سألت محمد بن علي الرضا ع عن هذه الآية وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ قال نزلت في النصاب و الزيدية و الواقفة من النصاب

أقول كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية و أمثالهم من الفطحية و الواقفة و غيرهم من الفرق المضلة المبتدعة و سيأتي الرد عليهم في أبواب أحوال الأئمة ع و ما ذكرناه في تضاعيف كتابنا من الأخبار و البراهين الدالة على عدد الأئمة و عصمتهم و سائر صفاتهم كافية في الرد عليهم و إبطال مذاهبهم السخيفة الضعيفة وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ