باب 11- آخر في ما ذكره الحكماء و الأطباء في تشريح البدن و أعضائه و فيه فصول

الفصل الأول في بيان الأعضاء الأصلية للبدن

 قالوا إن الله سبحانه خلق أعضاء الحيوان مختلفة لحكم و مصالح فجعلها عظاما و أعصابا و عضلات و أوتارا و رباطات و عروقا و أغشية و لحوما و شحوما و رطوبات و غضاريف و هي البسائط. ثم جعل منها الأعضاء المركبة الآلية من القحف و الدماغ و الفكين و العين و الأذن و الأنف و الأسنان و اللسان و الحلق و العنق و الصلب و النخاع و الأضلاع و القص و الترقوة و العضد و الساعد و الرسغ و المشط و الأصابع و الأظفار و الصدر و الرئة و القلب و المري‏ء و المعدة و الأمعاء و الكبد و الطحال و المرارة و الكلى و المثانة و مراق البطن و الأنثيين و القضيب و الثدي و الرحم و العانة و الفخذ و الساق و القدم و العقب و الكعب و غير ذلك. أربعة منها رئيس شريف و هي الدماغ و القلب و الكبد و الأنثيان إذ في   الأول قوة الحس و الحركة و في الثاني قوة الحياة و في الثالث قوة التغذية و الثلاثة ضرورية لبقاء الشخص و في الرابع قوة التوليد و حفظ النسل المحتاج إليه في بقاء النوع و به يتم الهيئة و المزاج الذكوري و الأنوثي اللذين هما من العوارض اللازمة لأنواع الحيوان و كل من الثلاثة الأول مشتبك بالآخر محتاج إليه إذ لو لا الكبد و إهداره لسائر الأعضاء بالغذاء لانحلت و انفشت و لو لا ما يتصل بالكبد من حرارة القلب لم يبق له جوهره الذي به يتم فعله و لو لا تسخن الدماغ بالشرايين و إغذاء الكبد بالعروق الصاعدة إليه لم يدم له طباعه الذي يكون به فعله و لو لا تحريك الدماغ لعضل الصدر لم يكن التنفس و لم يبق للقلب جوهره الذي منه تنبعث الحرارة الغريزية في أبداننا و لكن الرئيس المطلق هو القلب و هو أول ما يتكون في الحيوان و منه يسري الروح الذي هو محل الحس و الحركة إلى الدماغ ثم يسري منه إلى سائر الأعضاء و منه أيضا يسري الروح الذي هو مبدأ التغذية و النمو إلى الكبد ثم يسري منه إلى سائر الأعضاء فتبارك الله أحسن الخالقين. ثم اعلم أن العظام أنواع من طويل و قصير و عريض و دقيق و مصمت و مجوف على حسب اختلاف المصالح و الحكم فمنها ما قياسه من البدن قياس الأساس و عليه مبناه و منها ما قياسه المجن و الوقاية و منها ما هو كالسلاح الذي يدفع به المصادم و منها ما هو حشو بين فرج المفاصل و منها ما هو متعلق العضلات المحتاجة إلى علاقة. و جملة العظام دعامة و قوام للبدن و لهذا خلقت صلبة ثم ما لا منفعة فيه سوى هذه خلق مصمتا و إن كان فيه المسام و الخلل التي لا بد منها و ما يحتاج إليه لأجل الحركة أيضا فقد زيد في تجويفه و جعل تجويفه في الوسط واحدا ليكون

    جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة فيصير رخوا بل صلب جرمه و جمع غذاؤه و هو المخ في حشوه ففائدة زيادة التجويف أن يكون أخف و فائدة توحيد التجويف أن يبقى جرمه أصلب و فائدة صلابة جرمه أن لا ينكسر عند الحركات العنيفة و فائدة المخ ليغذوه و ليرطبه دائما فلا يتفتت بتجفيف الحركة و ليكون و هو مجوف كالمصمت و التجويف يقل إذا كانت الحاجة إلى الوثاقة أكثر و يكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفة أكثر و خلق بعضها مشاشة لأجل الغذاء المذكور مع زيادة حاجة بسبب شي‏ء يجب أن ينفذ فيها كالرائحة المستنشقة مع الهواء في العظام التي تحت الدماغ و لفضول الدماغ المدفوعة فيها. و العظام كلها متجاورة متلاقية ليس بين شي‏ء منها و بين الذي يليه مسافة كثيرة و إنما لم يجعل كل ما في البدن منها عظما واحدا لئلا يشمل البدن ما أصابته من آفة أو كسر و ليكون لأجزاء البدن حركات مختلفة متفننة و لهذا هيئ كل واحد منها بالشكل الموافق لما أريد به و وصل ما يحتاج منها إلى أن يتحرك في بعض الأحوال معا و في بعضها فرادى برباط أنبته من أحد طرفي العظم و وصل بالطرف الآخر و هو جسم أبيض عديم الحس فجعل لأحد طرفي العظمين زوائد و في الآخر قعرا موافقة لدخول هذه الزوائد و تمكنها فيها و النابت بهذه الهيئة بين العظام مفاصل و صار للأعضاء من أجل المفاصل أن تتحرك منها بعض دون بعض و من أجل الربط المواصلة بين العظام أن تتحرك معا كعظم واحد و من أجل أن العظام و سائر الأعضاء ليس لها أن تتحرك بذاتها بل بمحرك و على سبيل جهة الانفعال وصل بها من مبدإ الحس و الحركة و ينبوعهما الذي هو الدماغ وصولا.   و هذه الوصول هي العصب و هو جوهر لدن علك مستطيل مصمت عند الحس غير العصبة المجوفة التي في العين فائدته بالذات إفادة الدماغ بتوسطه لسائر الأعضاء حسا و حركة و بالعرض تشديد اللحم و تقوية البدن و ليس يتصل بالعظم مفردة و لكن بعد اختلاطها باللحم و الرباط و ذلك لأن الأعصاب لو اتصلت مفردة بعضو عظيم لكانت إما أن لا تقدر على أن تحركه البتة و إما أن يكون تحريكها له تحريكا ضعيفا و خصوصا عند ما تتوزع و تنقسم و تنشعب في الأعضاء و تصير حصة العضو الواحد أدق كثيرا من الأصل و عند ما يتباعد من مبدئه و منبته و من أجل ذلك ينقسم العصب قبل بلوغه إلى العضو الذي أريد تحريكه به و ينسج في ما بين تلك الأقسام اللحم و شظايا من الرباط فيتكون من جميع ذلك شي‏ء يسمى عضلا و يكون عظمه و صغره و شكله بمقدار العضو الذي أريد تحريكه و بحسب الحاجة إليه و وضعه في الجهة التي يراد أن يتحرك إليها ذلك العضو. ثم ينبت من الطرف الذي يلي العضو المتحرك من طرفي العضلة شي‏ء يسمى وترا و هو جسم مركب من العصب الآتي إلى ذلك العضو و من الرباط النابت من العظام و قد خلص من اللحم فيمر حتى يتصل بالعضو الذي يريد تحريكه بالطرف الأسفل فيلتئم بهذا التدبير أن يعرض قليل نشج للعضلة نحو أصلها بجذب الوتر جذبا قويا و أن يتحرك العضو بكليته لأن الوتر متصل منه بطرفه الأسفل. و قد يتعدد الأوتار لعضل واحد إذا كان كبيرا و ربما تعاونت عدة عضل على تحريك عضو واحد و ربما لا يكون للعضل وتر لصغره جدا و كل عضو يتحرك حركة إرادية فإن له عضلة بها تكون حركته فإن كان يتحرك إلى جهة متضادة كانت له عضلات متضادة المواضع تجذبه كل واحدة منها إلى ناحيتها عند كون تلك الحركة و تمسك المضادة لها عن فعلها و إن عملت المتضادتان في وقت واحد استوى العضو و تمدد و قام مثلا الكف إذا مدها العضل الموضوع في باطن الساعد انثنى

    و إن مده العضل الموضوع في ظهره رجع إلى خلف و إن مداه جميعا استوى و قام بينهما. ثم إن مبدأ الحس و الحركة جميعا في الأعضاء قد يكون عصبة واحدة و قد يكون اثنتين و مبدئية العصب للحس و الحركة إنما هو بسبب حمله للقوة اللامسة و القوة المحركة من جهة الروح الحيوانية المنبثة فيه من الدماغ فالقوة اللامسة منبثة في جملة جلد البدن و أكثر اللحم و الغشاء و غير ذلك بسبب انبثاث حاملها الذي هو الروح إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد و الطحال و الكلية و الرئة و العظم. و تدرك هذه القوة الكيفيات الأول الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و تدرك أيضا الخفة و الثقل و الملامسة و الخشونة و الصلابة و اللين و الهشاشة و اللزوجة كلها بالمماسة. و كذلك القوة المحركة منبثة في جميع الأعضاء بواسطة الروح المنبثة في العضلات ثم لما كانت أسافل البدن و ما بعد عن الدماغ يحتاج أن ينال الحس و الحركة و كان نزول العصب إليها من الدماغ بعيد المسلك غير حريز و لا وثيق و أيضا لو نبتت الأعصاب كلها من الدماغ لاحتيج أن يكون الرأس أعظم مما هو عليه بكثير و لثقل على البدن حمله فلذلك جعل الله عز اسمه في أسفل القحف ثقبا و أخر منها شيئا من الدماغ و هو النخاع و حصنه لشرفه و عزته بالعنق و الصلب كما حصن الدماغ بالقحف و أجراه في طول البدن و هو محصن موقي و أنبت منه حين قارب و حاذى عضوا ما عصبا يخرج من ثقب في خرز العنق و الصلب و يتصل بتلك الأعضاء التي يأتيها العصب من ذلك الموضع فيعطيها الحس و الحركة بقوة مبدئهما الذي فيه. فإن حدث على الدماغ حادثة عظيمة فقد البدن كله الحس و الحركة و إن حدث على النخاع فقدتهما الأعضاء التي يجيئها العصب من ذلك الموضع و ما دونه   فحسب لأن الدماغ بمنزلة العين و الينبوع لذلك و النخاع بمنزلة النهر العظيم الجاري منه و الأعصاب بمنزلة الجداول و أول مبادئ الأعصاب الخارجة من الدماغ و النخاع تكون لينة شبيهة بهما ثم إنها تصلب متى تباعدت منهما حتى يصير عصبا تاما النوع. ثم اعلم أن العضلات كلها مجللة بغشاء لطيف و كذلك جميع الأحشاء مجللة بأغشية و الغشاء جسم لطيف رقيق منتسج من العصب و الرباط ليفيد العضو الذي هو غشاء له و محيط به مما لا حس له الحس و الشعور العرضيين فيتبادر إلى دفع الألم في الجملة و ليحفظ أيضا الأعضاء على أشكالها و أوضاعها و يصونها عن التبدد و التفرق و ليربطها بواسطة العصب و الرباط الذي يشظى إلى ليفها بعضو آخر. و جميع الأشياء الملفوفة في الغشاء مما هو داخل الأضلاع فمنبت غشائها من أحد غشائي الصدر و البطن المستبطنين و الأعضاء اللحمية إما ليفية كلحم العضل و إما ليس فيها ليف كالكبد و لا شي‏ء من الحركات إلا بالليف أما الإرادية فبسبب ليف العضل و أما الطبيعية كحركة الرحم و العروق و المركبة كحركة الازدراد فبليف مخصوص بهيئة من وضع الطول و العرض و التورب و للجذب الليف المطول و للدفع الليف الذاهب عرضا العاصر و للإمساك الليف المؤرب. و أما العروق فنوعان إحداهما النابضة الضوارب و منبتها القلب و يسمى بالشرايين و لها حركتان انقباضية و انبساطية و شأنها أن تنفض البخار الدخاني من القلب بحركتها الانقباضية و تجذب بحركتها الانبساطية نسيما طيبا صافيا يستريح به القلب و يستمد منه الحرارة الغريزية و بهذه الحركة ينتشر الروح و القوة الحيوانية و الحرارة الغريزية في جميع البدن و خلقت كلها ذات صفاقين احتياطا في وثاقة جسميتها لئلا تنشق بسبب

    قوة حركتها بما فيها و لئلا يتحلل ما فيها إلا واحدة منها تسمى بالشريان الوريدي فإنها ذات صفاق واحد ليكون ألين و أطوع للانبساط و الانقباض فإن الحاجة إلى السلاسة أمس منها إلى الوثاقة لأنها كما أنها منفذ للنسيم كذلك منفذ لغذاء الرئة فإن غذاءها من القلب و هي تغوص في الرئة و تصير شعبا و لحم الرئة لين لطيف لا تخشى مصادمته عند النبض و يحتاج إلى ترشح الغذاء إليه بسرعة و سهولة و جعل الصفاق الداخلاني من ذوات الصفاقين أصلب لأنه كالبطانة التي تحمي الظهارة و هو الملاقي لقوة الحرارة الغريزية و لمصادمته حركة الروح فأوجبت الحكمة تقوية منفذ الروح و الحرارة الغريزية بهذه البطانة و إحرازها بها. و النوع الثاني العروق الساكنة و منبتها الكبد و تسمى الأوردة و شأنها إما جذب الغذاء إلى الكبد و إما إيصال الغذاء من الكبد إلى الأعضاء و كلها ذات صفاق واحد إلا واحد يسمى بالوريد الشرياني فإنه ذو غشاءين صلبين لأنه ينفذ في التجويف الأيمن من القلب و يأتي بغذاء الرئة إلى القلب و لحم الرئة لحم لطيف خفيف لا يصلح له إلا دم رقيق لطيف. و من الشرايين ما يرافق الأوردة لترتبط الأوردة بالأغشية المجللة بها فيستقي في ما بينهما من الأعضاء فيستقي كل واحد منهما عن الآخر و كلما ترافقا على الصلب في داخل امتطى الشريان الوريد ليكون أخسهما حاملا للأشرف و ما ترافقا في الأعضاء الظاهرة غاص الشريان تحت الوريد ليكون أستر و أكن له و يكون الوريد له كالجنة. و أما الغضروف فهو ألين من العظم فينعطف و أصلب من سائر الأعضاء و فائدته أن يحسن به اتصال العظام بالأعضاء اللينة فلا يكون الصلب و اللين قد تركبا بلا   متوسط فيتأذى اللين بالصلب خصوصا عند الضربة و الضغطة و ليحسن به تجاور المفاصل المستحاكة فلا تتراض لصلابتها و ليستند به و يقوى بعض العضلات الممتدة إلى عضو غير ذي عظم و ليعتمد عليه ما افتقر إلى الاعتماد على شي‏ء قوي ليس بغاية الصلابة. فهذه هي الأعضاء المتشابهة الأجزاء التي تركب عنها الأعضاء الآلية لواهبها الحمد كما هو أهله و كلها يتكون عن المني ما خلا اللحم و الشحم فإنهما يتكونان عن الدم

الفصل الثاني في تشريح الرأس و أعضائه و ما اشتملت عليه

فمنها قحف الرأس و هو الذي خلقه الله لحفظ الدماغ و وقايته عن الآفات فخلقه الله مستديرا إلى طول لأن المستدير أعظم مساحة من الأشكال المستقيمة الخطوط إذا تساوت إحاطتها و لئلا ينفعل عن المصادمات ما ينفعل عنه ذو الزوايا و أما طوله فلأن منابت الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول لئلا يزدحم و لا ينضغط و قد يفقد النتوء المقدم أو المؤخر أو كلاهما. و القحف مؤلف من ستة أعظم اثنان منها بمنزلة السقف و أربعة بمنزلة الجدران و يتصل بعضها ببعض بدروز تسمى بالشئون و جعل الجدران أصلب من اليافوخ لأن السقطات و الصدمات عليها أكثر و لأن الحاجة إلى تخلخل اليافوخ أمس لينفذ فيه البخار المتحلل و لئلا يثقل على الدماغ و جعل أصلب الجدران   مؤخرها لأنها غائبة عن حراسة الحواس. و في القحف ثقب كثيرة ليخرج منها أعصاب كثيرة و يدخل فيها عروق و شرايين و يخرج منها الأبخرة الغليظة الممتنعة النفوذ في العظم فينقى بتحللها الدماغ و ليتشبث بها الحجاب الثقيل الغليظ الآتي ذكره فيخف عن الدماغ و أعظم ثقب فيه الذي من أسفل عند فقرة القفا و هو يخرج النخاع و يتصل بالقحف اللحي الأعلى و هو الذي فيه الخدان و الأذنان و الأسنان العليا و يتركب من أربعة عشر عظما يتصل بعضها ببعض بدروز ثم اللحي الأسفل و هو الذي فيه الأسنان السفلى إلا أنه لم يتصل به اتصال التحام و ركز بل اتصال مفصل لاحتياجه إلى حركة و يسمى موضع اتصاله به الزرفين و هو مركب سوى الأسنان من عظمين بينهما شان في وسط الذقن. و تحت القحف من ناحية الخلف فيما بينه و بين اللحي الأعلى عظم مركوز قد ملئ به الخلل الحادث من تقسيم أشكال هذه العظام و يسمى بالوتد فجميع عظام الرأس إذا عدت على ما ينبغي خلا الأسنان ثلاثة و عشرون عظما. و أما الدماغ فخلقه الله سبحانه لينا دسما لينطبع المحسوسات فيه بسهولة و لتكون الأعصاب النابتة منه لدنا لا ينكسر و لا ينقطع و جعل مزاجه باردا رطبا لتنفعل القوى المودعة فيه عن مدركاتها و لئلا يشتعل بالحرارة المتولدة فيه من الحركات الفكرية و الخيالية و لتعدل قوة الروح و الحرارة الصاعدة إليه من القلب و جعل مقدمه الذي هو منبت الأعصاب الحسية ألين من مؤخره الذي هو منبت الأعصاب الحركية لأن الحركة لا تحصل إلا بقوة و القوة إنما تحصل بصلابة و هو ذو قسمين طولا و عرضا لئلا تشمل الآفة جميع أجزائها و في طوله تجاويف ثلاثة يفضي بعضها إلى بعض تسمى بطون الدماغ و هي محل الروح النفساني و مواضع الحواس و مقدمها أعظمها و يتدرج إلى الصغر حتى يعود إلى قدر النخاع و شكله.

   و له زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي يبلغان إلى العظم الكثير الثقب الشبيهة بالمصفى في موضعه من القحف حيث ينتهي إليه أقصى الأنف فيهما حس الشم و بهما يندفع الفضول من هذا البطن المقدم إلى العظم المذكور و ينزل منه إلى الخيشوم بالعطاس. و أما فضول البطنين الآخرين فتندفع إلى العظم المثقب الذي تحت الحنك و البطن المقدم هو موضع انجذاب الهواء إلى الدماغ و الهواء بعد مكثه في البطون و تغيره إلى المزاج الدماغي يصير روحا نفسانيا و كثيرا ما يزيد على ما تسعه البطون فيصعد إلى بطون للدماغ تسمى بالتزاريد و يستحيل فيها إلى المزاج الدماغي و إلى صلوحه له. و الزرد الموضوع من جانبي البطن الأوسط يتمدد تارة و يتقلص أخرى مثل الدودة و يسمى بها كما يسمى هذا البطن أيضا لأن بتمدده يستطيل هو و ينتظم معه و بتقلصه يستعرض و ينفرج عنه و الأول حركة الانقباض بها يندفع الفضلة و الثاني حركة الانبساط بها تتأدى صور المدركات إلى القوة الحافظة بتقدير العزيز الحكيم. ثم إنه تعالى قد جلل الدماغ بغشاءين رقيق لين ملاصق له و مخالط في مواضع و غليظ صلب فوقه ملاصق للقحف و له في أمكنة منه و هو مثقب ثقبا كثيرة في موضعين عند العظيم الشبيه بالمصفى و العظم الذي في الحنك لاندفاع الفضول و يتشعب منه شعب دقاق يصعد من دروز القحف إلى ظاهر يتشبث أولا الغشاء بالقحف بتلك الشعب فيتجافى بها عن الدماغ و يرتفع ثقله عنه ثم ينسج من تلك الشعب على ظاهر القحف غشاء يجلله. و يتوسط أيضا جزئي الدماغ المقدم و المؤخر حجاب لطيف. يحجب الجزء الألين عن مماسة الأصلب و تحت الدماغ بين الغشاء الغليظ و العظم نسجة شبيهة بالشباك الكثيرة التي ألقيت بعضها على بعض حصلت من الشرايين الصاعدة إلى الرأس من القلب و الكبد و يخرج منها عرقان فيدخلان الغشاء الصلب و يتصلان بالدماغ   و إنما فرشت الشبكة تحت الدماغ ليبرد فيها الدم الشرياني و الروح فيتشبه بالمزاج الدماغي بعد النضج ثم يتخلص إلى الدماغ على التدريج و الفرج التي تقع بين فروع هذه الشريانات محشوة بلحم غدد لئلا تبقى خالية و لتعتمد عليه تلك الفروع و تبقى على أوضاعها. و أما الأعصاب النابتة من الدماغ فسبعة أزواج أولها ينشأ من مقدم الدماغ و يجي‏ء إلى العين فيعطيها حس البصر بتوسط القوة الباصرة و هاتان العصبتان مجوفتان و إذا نشأتا من الدماغ و بعدتا عنه قليلا اتصلتا و أفضى ثقب كل واحد منهما إلى صاحبه ثم يفترقان أيضا و هما بعد داخل القحف ثم يخرجا و يصير كل واحد منهما إلى العين التي من جانبه. و الزوج الثاني ينشأ من خلف منشإ الأول و يخرج من القحف في الثقب الذي في قعر العين و يتفرق في عضل العين فتكون به حركاتها. و الثالث منشؤه من خلف الثاني بحيث ينتهي البطن المقدم إلى البطن الثاني و يخالط الزوج الرابع الذي بعده ثم يفارقه. و ينقسم أربعة أقسام أحدها ينزل إلى البطن إلى ما دون الحجاب و الباقي منها يتفرق في أماكن من الوجه و الأنف و منها ما يتصل بالزوج الذي بعده. و الرابع منشؤه من خلف منشإ الثالث و يتفرق في لحنك فيعطيه حسا خاصا له. و الخامس يكون ببعضه حس السمع و ببعضه حركة العضل الذي يحركه الخد. و السادس يصير بعضه إلى الحلق و اللسان و بعضه إلى العضل الذي في ناحية الكتف و ما حواليه و بعضه ينحدر من العنق و يتشعب منها في مرورها شعب تتصل بعضل الحنجرة فإذا بلغت إلى الصدر انقسمت أيضا فرجع منها بعضها مصعدا حتى يتصل بعضل الحنجرة و يتفرق شي‏ء منها في غلاف القلب و الرئة و المري‏ء و ما جاورهما و يمر الثاني و هو أكبره حتى ينفذ الحجاب و يتصل بفم المعدة منه أكثره و يتصل

   الباقي بغشاء الكبد و الطحال و سائر الأحشاء و يتصل به هناك بعض أقسام الزوج الثالث. و السابع يبتدئ من مؤخر الدماغ حيث ينشأ النخاع و يتفرق في عضل اللسان و الحنجرة و العضلات المحركة لأعضاء البدن كلها ينشأ من هذه الأعصاب و الأعصاب النخاعية الآتي ذكرها و لما لم يمكن تصويرها بالكلام ما يمكن من تصوير الأعصاب و العظام بل لا بد في ذلك من مشاهدة و درية كثيرة بالغة أعرضنا عنه و عدد كل ما في البدن من العضلات خمسمائة و تسعة و عشرون عضلا على رأي جالينوس. و أما العين فهي مركبة من سبع طبقات و ثلاث رطوبات ما خلا الأعصاب و العضلات و العروق و بيان هيآتها أن العصبة المجوفة التي هي أولى العصب الخارجة من الدماغ تخرج من القحف إلى حيث قعر العين و عليها غشاءان هما غشاء الدماغ فإذا برزت من القحف و صارت في حومة عظم العين فارقها الغشاء الغليظ و صار لباسا و غشاء على عظم العين الأعلى كله و يسمى هذا الغشاء الطبقة الصلبة و يفارقها أيضا الغشاء الرقيق فيصير غشاء و لباسا دون الطبقة الصلبة و يسمى الطبقة المشيمية لشبهها بالمشيمة و تعرض العصبة نفسها و يصير فيها غشاء دون هذين و تسمى الطبقة الشبكية. ثم يتكون في وسط هذا الغشاء جسم لين رطب حمراء صافية غليظة مثل الزجاج الذائب يسمى الرطوبة الزجاجية و يتكون في وسط هذا الجسم جسم آخر مستدير إلا أن فيه أدنى تفرطح شبيه بالجليد في صفائه و تسمى الرطوبة الجليدية و تحيط الزجاجية من الجليدية بمقدار النصف و يعلو النصف الآخر جسم شبيه بنسج العنكبوت شديد الصفاء و الصقال يسمى الطبقة العنكبوتية. ثم يعلو هذا الجسم سائل في لون بياض البيض يسمى الرطوبة البيضية و يعلو الرطوبة البيضية جسم رقيق مخمل الداخل حيث يلي البيضية أملس الخارج و يختلف لونه في الأبدان فربما كان شديد السواد و ربما كان دون ذلك في وسطه بحيث   يحاذي الجليدية ثقب يتسع و يضيق في حال دون حال بمقدار حاجة الجليدية إلى الضوء فيضيق في الضوء الشديد و يتسع في الظلمة و بانسداده يبطل الأبصار و هو مثل ثقب حب عنب ينزع من العنقود و هو الحدقة و فيها رطوبة لطيفة و روح و لهذا يبطل الناظر عند الموت و يسمى هذا الغشاء الطبقة العنبية. و يعلو هذه الطبقة و يغشاها جسم كثيف صاف صلب يشبه صفحة صلبة رقيقة من قرن أبيض و تسمى القرنية غير أنها تتلون بلون الطبقة التي تحتها المسماة عنبية كما تلصق وراء جام من زجاج شيئا ذا لون فيميل ذلك المكان من الزجاج إلى لون ذلك الشي‏ء و يعلو هذا و يغشاه لكن لا كله بل إلى موضع سواد العين لحم أبيض دسم مشف مختلط بالعضلات المحركة للعين غليظ ملتحم عليه تسمى بالملتحمة و هو بياض العين و ينشأ من الغشاء الذي على القحف من خارج كما ينشأ القرنية من الطبقة الصلبة و العنبية من الطبقة المشيمية و العنكبوتية من الشبكية و كل يجذب الغذاء من التي هي منشؤها فإنها تتغذى بنصيبها و تؤدي الباقي إليها. و ألوان العيون باعتبار اختلاف ألوان الطبقة العنبية أربعة كحلاء و زرقاء و شهلاء و شعلاء و سبب الكحل إما قلة الروح و عدم إشراقها على جميع أجزاء العين أو كدورتها و قلة إشراقها على لون العنبية أو صغر الجليدية أو غورها و كونها داخلة جدا فلا يظهر صفاؤها كما ينبغي أو كثرة الرطوبة البيضية أو كدورتها فتستر بريق الجليدية أو شدة سواد العنبية فإذا اجتمعت هذه الأسباب كانت العين شديدة الكحل. و أسباب الزرقة أضداد ذلك و إذا اختلطت أسباب الكحل و الزرقة و تكافأت كانت العين شهلاء و إذا زادت أسباب الزرقة على أسباب الكحل كانت شعلاء. و إنما خلقت هذه الطبعة على هذا اللون لأنه أوفق الألوان لنور البصر إذ الأبيض يفرق نوره و الأسود يجمعه و يكثفه و الآسمانجوني لاعتداله يجمع النور جمعا معتدلا و يقويه و إنما خلقت غليظة لتمنع عن إشراق الشمس على نور

   البصر و ليكون وسيطا قويا بين الرطوبات و بين الطبقة الصلبة القرنية التي قدامها و لهذا جعل ظاهرها الذي يليها أصلب. و في صلابة ظاهرها فائدة أخرى هي أن تبقى الثقبة العنبية لصلابة ما يحفظ بها مفتوحة لا تتشوش من أطرافها تشوش الشي‏ء الرخو اللين و في الحقيقة هذه الطبقة طبقتان داخلانية ذات خمل و أخرى صلبة. و جعلت القرنية شفيفة لئلا تحجب نور البصر عن النفوذ فيها و صلبة لتكون وقاية للطبقات الأخر و للرطوبات عن الآفات و لتحفظها على أوضاعها و أشكالها. و جعلت الرطوبة البيضية قدام الجليدية لتحجب منها قوة الأشعة و الأضواء لكيلا تغلبها و جعل ظاهر الجليدية مفرطحة لأن تقع الأشباح المدركة في جزء كبير منها فيكون الإبصار به أقوى إذ المدور لا يحاذي الشي‏ء إلا بجزء صغير و جعلت الزجاجية غليظة لئلا تسيل و جعلت من وراء الجليدية ليكون إلى مبدإ الغذاء أقرب. و الرطوبة الجليدية هي أشرف أجزاء العين و سائر الطبقات و الرطوبات خادمة لها و وقاية و هي محل المدركات البصرية من جهة الروح الآتي إليها من العصبتين المجوفتين اللتين هما محل القوة الباصرة المدركة للأضواء و الألوان و الحركات و المقادير و غيرها بتوسط الروح التي فيها. و إنما جعلت العصبتان مجوفتين للاحتياج إلى كثرة الروح الحامل لهذه القوة بخلاف سائر الحواس و إنما جعلتا متلاقيتين ليجمع عنده تلاقيهما الروح حتى لو أصاب إحدى العينين آفة لا يضيع نورها بل يندفع النور من هذا المجمع بالكلية إلى العين الصحيحة فيصير بسبب ذلك أشد إبصارا و لهذا كل من غمض إحدى عينيه تقوى عينه الأخرى و تتسع ثقبتها العنبية و لأن يكون للعينين مؤدى واحد تؤديان إليه شبح المبصر فيتحد هناك و يكون الإبصار بالعينين إبصارا واحدا ليتمثل الشبح في القدر المشترك و لذلك يعرض للحول أن يروا الشي‏ء الواحد   شيئين عند ما تزول إحدى الحدقتين إلى فوق أو إلى أسفل فتبطل به استقامة نفوذ المجرى إلى التقاطع و يعرض قبل الحد المشترك حد مشترك آخر لانكسار العصبة و كذلك كل من استرخى أعضاؤه و تمايلت حدقتاه كالسكارى. و من هذا القبيل الإحساس بشيئين عن شي‏ء واحد لمن يلوي إصبعه الوسطى على السبابة و أدار بهما شيئا مدورا فإن الوسطى تحس عن محاذاة الأعلى و السبابة عن محاذاة الأسفل و لأن يستدعم كل عصبة بالأخرى و يستند إليها و يصير كأنها نبتت من قرب الحدقة فيكون اندفاع النور إلى العين أقوى مثل مجمع الماء الذي يتخذ للماء القليل و لأنه لو لا هذا الالتقاء لكانت العصبتان عند كل نظرة و تحديق و التفات تتمايلان و تتزايل إحدى الحدقتين عن محاذاة الأخرى فيكون أكثر الناس في أكثر الأحوال يرى الشي‏ء الواحد شيئين. و أما الجفن فمنشؤه من الجلد الذي على ظاهر القحف و فائدته أن يمنع نكاية ما يلاقي الحدقة من خارج و يمنع عند انطباقها وصول الغبار و الدخان و الشعاع و يصقل الحدقة دائما و يبعد عنها ما أصابها من الهباء و القذى و جعل الأسفل أصغر من الأعلى لأن الأعلى يستر الحدقة مرة و يكشفها أخرى بتحركه و أما الأسفل فغير متحرك فلو زيد على هذا القدر يستر شيئا من الحدقة دائما و كان تجتمع فيه الفضول و لا تسيل. و أما الأهداب فتمنع من الحدقة بعض الأشياء التي لا يمنعها الجفن مع انفتاح العين كما يرى عند هبوب الرياح التي تأتي بالقذى فيفتح أدنى فتح و تتصل الأهداب الفوقانية بالسفلانية فيحصل له شبه شباك ينظر من ورائها فتحصل الرؤية مع اندفاع القذى. و أما الأذن فهو مخلوق من العصب و اللحم و الغضروف و خلق مرتفعا كالشراع ليجتمع فيه الهواء الذي يتحرك من قوة صوت الصائت و يطن فيه

   و ينفذ في المنفذ الذي في عظم صلب يسمى الحجري و يحرك الهواء الذي هو داخل الأذن و يموجه كما يرى من دوائر الماء لما وقع فيقع هناك على جلدة مفروشة على عصبة مقعرة كمد الجلد على الطبل فيحصل طنين يشعر بهيئته القوة السامعة للأصوات المودعة في تلك العصبة بتوسط ما هو وراءها من جوهر الروح و ذلك المنفذ كثير التعاريج و العطفات و عند نهايته تجويف يسمى بالجوفة و العصبة على حواليها و إنما جعل كذلك لتطول به مسافة ما ينفذه من قوة الصوت و الرياح الحارة و الباردة فينفذ فيه و هي مكسورة القوى فاترة. و حال تلك العصبة في السمع كحال الرطوبة الجليدية في الأبصار و محلها مثل محلها و كما أن جميع أجزاء العين خلقت إما خادمة للجليدية و إما وقاية لها كذلك جميع أجزاء الأذن خلقت خادمة لهذا العصب و فائدة الصماخ فائدة الثقبة العنبية و الصدى إنما هو لانعطاف الهواء المصادم لجبل أو غيره من عالي أرض و هي كرمي حصاة في طاس مملوء ماء فيحصل منه دوائر متراجعة من المحيط إلى المركز و قيل إن لكل صوت صدى و في البيوت إنما لم يقع الشعور لقرب المسافة فكأنهما يقعان في زمان واحد و لهذا يسمع صوت المغني في البيوت أقوى مما في الصحراء. و أما الأنف فهو مخلوق من العظم و الغضروف ما خلا العضلات المحركة و بيان هيئته أن له عظمين هما كالمثلثين تلتقي زاويتاهما من فوق و قاعدتاهما تتماسان عند زاوية و تتفارقان بزاويتين و على طرفيهما السافلين غضروفان لينان و فيما بينهما على طول الدرز غضروف حده الأعلى أصلب من الأسفل و مجراه إذا علا انقسم قسمين يفضي أحدهما إلى أقصى الفم و به يكون استنشاق الهواء إلى الرئة و التنفس الجاري على العادة لا الكائن بالفم و يمر الآخر صاعدا حتى ينتهي إلى العظم الشبيه بالمصفى الموضوع في وجه زائدتي الدماغ المشبهتين بحلمتي الثدي و به يكون تنفض الفضول من الدماغ و استنشاق الهواء إليه و التنفس و بالزائدتين حس الشم إذ هما محل القوة الشامة للروائح بتوسط الهواء المنفعل بها و محليتهما   لها من جهة الروح المودعة فيهما و في أقصى الأنف مجريان إلى المأقين و لذلك قد يتأدى طعم الكحل إلى اللسان. و إنما خلق الأنف على هذه الهيئة ليعين بالتجويف الذي يشتمل عليه في الاستنشاق حتى ينحصر فيه هواء كثير و ليعتدل فيه الهواء قبل النفوذ إلى الدماغ و ليجمع الهواء الذي يطلب منه الشم أمام آلة التشمم ليكون الإدراك أكثر و ليعين في تقطيع الحروف و تسهيل إخراجها لئلا يزدحم الهواء كله عند الموضع الذي يحاول فيه تقطيع الحروف و ليكون للفضول المندفعة من الرأس سترا و وقاية عن الأبصار و آلة معينة على نفضها بالنفخ. و منفعة غضروفية الطرفين بعد المنفعة المشتركة للغضاريف أن ينفرج و يتوسع إن احتيج إلى فضل استنشاق و نفخ و ليعين في نفض البخار باهتزازهما عند النفخ و انتفاضهما و ارتعادهما و منفعة الوسطاني أن يفصل الأنف إلى منخرين حتى إذا نزلت من الدماغ فضلة نازلة مالت في الأكثر إلى أحدهما و لم يسد جميع طريق الاستنشاق. و أما الأسنان فست عشرة سنا في كل لحي منها ثنيتان و رباعيتان للقطع و نابان للكسر و خمسة أضراس يمنة و يسرة للطحن و لأكثرها مدخل في تقطيع الحروف و تبيينها و ربما نقصت الأضراس فكانت أربعا بانعدام الأربعة الطرفانية المسماة بالنواجد و هي تنبت في الأكثر بعد البلوغ إلى قريب من ثلاثين سنة و لهذا تسمى أسنان الحلم. و للأسنان أصول هي رءوس محددة ترتكز في ثقب العظام الحاملة لها من الفكين و تنبت على حافة كل ثقب زائدة مستديرة عليها عظمية تشتمل على السن و هناك روابط قوية و أصول الأضراس التي في الفك الأعلى ثلاثة و ربما كانت و خصوصا للناجدين أربعا و التي في الفك الأسفل لها أصلان و ربما كانت و

   خصوصا للناجدين ثلاثة و أما سائر الأسنان فإنما لها أصل واحد و إنما كثرت رءوس الأضراس لكبرها و زيادة عملها و زيدت للعليا لأنها معلقة و الثقل يجعل ميلها إلى خلاف جهة رءوسها أما السفلى فثقلها لا يضاد ركزها.

 و من عجيب الخلقة في هيئة الأسنان أن الثنايا و الرباعيات تتماس و يتلاقى بعضها بعضا في حالة الحاجة إلى ذلك و هي عند العض على الأشياء و لو لم يكن كذلك لم يتم العض و ذلك يكون بجذب الفك إلى قدام حتى تلاقى هذه بعضها بعضا و عند المضغ و الطحن يرجع الفك إلى مكانه فتدخل الثنايا و الرباعيات التحتانية إلى داخل و تحيد عن موازاة العالية فيتم بذلك للأضراس وقوع بعضها إلى بعض و ذلك أنه لا يمكن مع تلاقي الثنايا و الرباعيات الفوقانية و التحتانية أن تتلاقى الأضراس و لعل الحكمة فيه أن لا تنسحق إحداهما عند فعل الأخرى من غير طائل. و إنما جعل المتحرك من الفكين عند المضغ و التكلم الأسفل دون الأعلى إلا نادرا كما في التمساح لأنه أصغر و أخف و لأن الأعلى مجمع الحواس و الدماغ فلو تحرك لتأذى الدماغ بحركته و تشوشت الحواس و لكان أيضا مفصل الرأس مع العنق غير وثيق و الواجب فيه الوثاقة. و إنما جعل هذا الفك من الإنسان أخف و أصغر من سائر الحيوانات لأن أغذية الإنسان لحم و خبز مطبوخ و فواكه نضيجة و أمثال ذلك مما لا يعسر مضغه و غيره من الحيوانات أغذيتها إما حشائش و حبوب و أصول للنبات و أغصان للأشجار و إما لحوم نية و عظام صلبة فأعطي كل عالف بقدر احتياجه. و أما اللسان فهو مخلوق من لحم أبيض لين رخو قد التفت به عروق صغار كثيرة منها شرايين و منها أوردة و بسببها يحمر لونه و عند مؤخره لحم غددي يسمى   مولد اللعاب و تحته فوهتان تفضيان إلى هذا اللحم تسميان بساكبي اللعاب بهما تنسكب الرطوبة و الرضاب من اللحم الغددي إلى اللسان و الفم و تحته أيضا عرقان كبيران أخضران تسميان الصردان. و هو ذو شفتين طولا و لكنهما في غشاء واحد متصل بغشاء الفم و المري‏ء و المعدة إلا في بعض الحيوانات كالحية فإن شفتي لسانها ليسا في غشاء واحد و لهذا يظهران و على جرم اللسان عصبة منبثة هي محل القوة الذائقة للطعوم بتوسط الأجسام المماسة المخالطة للرطوبة اللعابية المستحيلة إلى طعم الوارد و محليتها له من جهة ما هو وراءها من جوهر الروح. و على اللسان زائدتان نابتتان إلى فوق كأنهما أذنان صغيرتان تسميان باللوزتين و جوهرهما لحم عصباني غليظ كالغدة و منفعتهما مثل منفعة اللهاة و يأتي ذكرها و إنما خلق اللسان ليكون آلة تقطيع الصوت و إخراج الحروف و تبيينها و آلة تقليب الممضوغ كالمجرفة و آلة تمييز المذوق و أعدلها في الطول و العرض أقدر على الكلام من عظيمها جدا أو من الصغير المتشنج.

الفصل الثالث في الحلق و الحنجرة و سائر آلات الصوت

 فبيان هيئاتها أن أقصى الفم يفضي إلى مجريين أحدهما من قدام و هو الحلقوم و يسميه المشرحون قصبة الرئة فيها و منها منفذ الريح التي تدخل و تخرج بالتنفس و الآخر موضوع من خلف ناحية القفار على خرز العنق و يسمى المري‏ء و فيه ينفذ الطعام و الشراب و يخرج القي‏ء و سيأتي شرحهما. و الحنجرة مؤلفة من ثلاثة غضاريف أحدها من قدام و هو الذي يظهر تحت الذقن قدام الحلق و هو محدب الظاهر مقعر الباطن و الثاني من خلف   بانضمامهما يضيق الحنجرة عند السكوت و يتباعد أحدهما عن الآخر و يتسع عند الكلام و الثالث مثل مكبة بينه و بين الذي من خلف مفصل يلتئم بزائدتين من ذلك تتهندمان في فقرتين منه و يرتبط هناك برباطات و هو يتحرك بهذا المفصل و بانكبابه عليهما تنغلق الحنجرة و بتجافيه عنهما تنفتح. و الحاجة إلى انغلاق الحنجرة عند الأكل و الشرب شديدة جدا لئلا يقع أو ينقطر في قصبة الرئة شي‏ء من المأكول و المشروب و ذلك لأن قصبة الرئة و المري‏ء متجاوران متلاصقان مربوط أحدهما بالآخر و عند انغلاق الحنجرة يمر الطعام و الشراب على ظهر الغضروف المكبي و ينزل في المري‏ء و إذا انفتحت الحنجرة على غفلة من الإنسان بأن يبتلع و يتصوت أو يتنفس في حالة واحدة ربما وقع شي‏ء من المأكول و المشروب في قصبة الرئة فتحدث فيها دغدغة و حالة مؤذية شبيهة بما يحدث في الأنف عند اجتلاب العطاس بإدخال شي‏ء فيه فتستقبله القوة الدافعة لدفعه فيورث السعال إلى أن يندفع قل أم كثر لأن القصبة إنما تنتهي إلى الرئة و ليس لها منفذ من أسفلها يندفع فيها فأنعم الخالق سبحانه بتأليف الحنجرة من هذه الغضاريف على هذا الشكل ليغلق بها عند الأكل و الشرب منفذ الصوت و التنفس فيسلم الإنسان و يتخلص من السعال المغلق و لهذا لا يجمع الازدراد و التنفس معا في حالة واحدة. و في داخل الحنجرة رطوبة لزجة دهنية تملسها و ترطبها دائما ليخرج الصوت صافيا حسنا و لهذا ما يذهب أصوات المحمومين الذين تحترق رطوبات حناجرهم بسبب حمياتهم المحرقة و يذهب أيضا أو يضعف أو يتغير أصوات المسافرين في الفيافي المحترقة و كذلك كل من تكلم كثيرا تجف حنجرته فلا يقدر على التكلم إلا بعد أن يرطب حلقه أو يبلع ريقه و الفائدة في دهنيتها أن لا يجف بالسرعة و لا يفنى و أن تسلس بها حركات الحنجرة.   و في أعلى الحنجرة عضو لحمي معلق يسمى باللهاة يتلقى ما شأنه النفوذ في الحنجرة من خارج مثل برد الهواء و حره و حدة الدخان و مضرته فيمنع نفوذها دفعة ليتدرج وصولها إلى الرئة و يتلقى أيضا ما شأنه الصعود من داخل مثل قرع الصوت الصاعد من الحنجرة و بالجملة هي كالباب المرصد على مخرج الصوت تقديره فلا يندفع دفعة و لا ينقطع مدده جملة فيزداد بذلك قوة الصوت و يتصل بذلك مدده. و كذلك اللوزتان المشار إليهما فيما سبق فإنهما يعاونانها في ذلك و تحتها لحم صفاقي لاصق بالحنك يسمى بالغلصمة يصفي ما قد يقرب الهواء من كدورة الغبار و الدخان لئلا يصل شي‏ء منها إلى الحنجرة و الرئة فهي كالمفزعة لآلات الصوت و الحنك كالقبة يطن فيها الصوت فهذه جملة آلات الصوت. و الصوت إنما يكون من النفس و أصله دوي في قصبة الرئة و إنما يصير صوتا عند طرف القصبة المسمى رأس المزمار و هو أشرف آلاته بل هو بالحقيقة آلته و الباقي من المعينات و المتمات و إنما سمي بذلك لتضايقه ثم اتساعه عند الحنجرة فيبتدئ من سعة إلى ضيق ثم إلى فضاء أوسع كما في المزمار إذ لا بد للصوت من ضيق ليحبس الدوي و يقدره و لا بد أيضا من الانضمام و الانفتاح ليحصل بهما قرع الصوت. و اللهاة تقوم مقام إصبع المزمار و الغلصمة مثل الشي‏ء الذي يسد به رأس المزمار و عضلات آلات الصوت كثيرة حسب حركاتها المحتاج إليها في هذا الموضع فيكون من ضروب أشكالها ضروب الأصوات و عند الحنجرة من قدام عظم هو منشأ رباطات عضلاتها و للعظم أيضا عضلات تمسك بها غير عضلات الحنجرة. و اعلم أنه لما لم يكن غذاء الإنسان طبيعيا و لا لباسه طبيعيا بل يحتاج في ذلك و أمثاله إلى صنائع كثيرة و آلات مختلفة قلما يحصل بإلهام أو وحي بل لا يستحفظ وجوده البقائي إلا بتعليم و تعلم مفتقر إلى طلب و نهي و وعد و وعيد و ترغيب و تخويف و تعجيل و تأجيل و غيرها من إعلان مكنونات الضمائر و إعلام مستورات البواطن

    فلهذه الأسباب و غيرها صار من بين الحيوانات أحوج إلى الاقتدار على أن يعلم غيره من المتشاركين في التعيش و نظام التمدن ما في نفسه بعلامة وضعية و لا يصلح لذلك شي‏ء أخف من الصوت أو الإشارة و الأول أولى لأنه مع خفة مئونته لوجود النفس الضروري المنشعب بالتقاطيع إلى حروف مهيأة بالتأليف لهيئات تركيبية غير محصورة بلا تجشم تحريكات كثيرة كما في الإشارة لا يختص إشعاره بالقرب و الحاضر بل يشمل هدايته لهما و لغيرهما من البعيد و الغائب و يشمل أيضا الصور و المعاني و المحسوس و المعقول فلذلك أنعم الله سبحانه عليه بذلك.

الفصل الرابع في العنق و الصلب و الأضلاع.

 أما العنق و الصلب فمخلوقتان من الفقرات و الفقرة عظم مدور في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع و إنما خلقت لتكون وقاية للنخاع و دعامة للبدن و نسبتها إلى النخاع كنسبة القحف إلى الدماغ و هي ثلاثون عددا سبع للعنق و اثنا عشر للظهر و ربما زادت أو نقصت واحدة منها في الندرة و الزيادة أندر و خمس للقطن و ثلاث للعجز و هما كالقاعدة للصلب و ثلاث للعصعص و إنما خلقت صلبة ليكون للإنسان استقلال به و قوام و تمكن من الحركات إلى الجهات و لذلك جعلت المفاصل بينهما لا سلسلة فيوهن القوام و لا موثقة فيمنع الانعطاف. و منها ما لها زوائد من فوق و من أسفل بها ينتظم الاتصال بينهما اتصالا مفصليا بنقر في بعضها و رءوس لقمية في بعض و لبعضها زوائد من نوع آخر عريضة صلبة موضوعة على طولها للوقاية و الجنة و المقارنة لما يصاك و لأن ينتسج عليها رباطات.   فما كان منها موضوعا إلى خلف يسمى شوكا و سناسن و ما كان يمنة و يسرة يسمى أجنحة و لكل جناح مما يلي الأضلاع نقرتان و لكل ضلع زائدتان محدبتان تتهندم الزائدة في النقرة و ترتبط برباطات قوية و للفقرات غير الثقبة المتوسطة ثقب أخرى تخرج منها الأعصاب و تدخل فيها العروق. و العنق و فقراته وقاية للمري‏ء و قصبة الرئة و لما كانت فقراته محمولة على ما تحتها من الصلب وجب أن يكون أصغر و لما كانت مسلكا لأصل النخاع و أوله الذي يجب أن يكون أغلظ و أعظم مثل أول النهر وجب أن يكون الثقب الوسطاني منها أوسع و الصغر و سعة التجويف مما يرفق جرمها و يوهنه فالخالق سبحانه تدارك ذلك بأن خصها بزيادة صلابة و حرز ليس لما تحتها و جعل سناسنها أصغر ليكون أخف عليها ثم تدارك صغر سناسنها بكبر أجنحتها و جعلها ذوات رأسين. و لما كان أكثر منافع العنق في حركاته جعل مفاصله سلسة و لم يجعل زوائدها المفصلية كثيرة كزوائد ما تحتها لتكون حركاته أسرع و تدارك تلك السلاسة بأعصاب و عضلات كثيرة محيطة به و جعل أيضا مسالك الأعصاب التي تتفرع عن النخاع مشتركة من فقرتين لئلا يقع ثقبة تامة من فقرة واحدة فتوهنها. و الصلب و فقراته وقاية و جنة للأعضاء الشريفة الموضوعة قدامه و لذلك خلق له شوك و سناسن و هو مبني لجملة عظام البدن مثل الخشبة التي تهيأ في نجر السفينة أولا ثم يركز فيها و يربط بها سائر الخشب و لذلك خلق صلبا و هو كشي‏ء واحد مخصوص بأفضل الأشكال و هو المستدير إذ هذا الشكل أبعد الأشكال عن قبول آفات الصادمات و لما كان الصلب قد يحتاج إلى حركة الانثناء و الانحناء نحو الجانبين و ذلك بأن يزول الوسط إلى ضد الجهة و يميل ما فوقه و ما تحته عن نحو تلك الجهة و كان طرفي الصلب يميلان إلى الالتقاء لم يخلق للفقرة التي هي الوسط في الطول و هي

    العاشرة لقم بل نقر ثم جعلت اللقم السفلانية و الفوقانية متجهة إليها أما الفوقانية فنازلة و أما السفلانية فصاعدة ليسهل زوالها إلى ضد جهة الميل و يكون للفوقانية أن تنجذب إلى أسفل و للسفلانية أن تنجذب إلى فوق. و أما النخاع فهو جسم أبيض لين دسم دماغي منشؤه مؤخر الدماغ كما أشرنا إليه و هو خليفته ليتوزع منه الأعصاب و العضلات على الأعضاء ليفيدها الحس و الحركة فجملة ما ينشأ منه أحد و ثلاثون زوجا من العصب و فرد لا مقابل له فالزوج الأول يخرج من الثقب الذي في الفقرة الأولى من فقار العنق و يصعد حتى يتفرق في عضل الرأس و الثاني يخرج مما بين الثقب الملتئم فيما بين الفقرة الأولى و الثانية و يتصل بجلدة الرأس فيعطيها حس اللمس و بعضل العنق و عضل الخد فيعطيهما الحركة. و الزوج الثالث مخرجه من الثقب الملتئمة فيما بين الفقرة الثانية و الثالثة و ينقسم قسمين فبعضه يصير إلى العضل المحرك للخد و بعضه يتفرق في العضل الذي بين الكتفين. و الرابع منشؤه ما بين الفقرة الثالثة و الرابعة و ينقسم قسمين أحدهما في العضل الذي في الظهر و الآخر يأخذ إلى قدام و يتفرق في العضل الموضوع بحذائه و فوقه. و الخامس يخرج فيما بين الفقرة الرابعة و الخامسة و ينقسم أقساما بعضها يصير إلى الحجاب و بعضها إلى العضل الذي يحرك الرأس و الرقبة و بعضها إلى عضل الكتف. و السادس و السابع و الثامن تخرج ما بين الخامسة و السادسة و السابعة و الثامنة و ينقسم بعضها في عضل الرأس و الرقبة و بعضها في عضل الصلب و الحجاب ما خلا الثامن فإنه لا يأتي بالحجاب منه شي‏ء و بعضها يصير إلى العضد و إلى الذراع و إلى الكتف فيتصل من السادس بعضه بعضل الكتف و يحرك العضد و بعضه بعضل أعالي العضد و ينيله الحس و من السابع بعضه يصير إلى العضل الذي من العضد و به حركة الذراع و بعضه تفرق في جلد العضد الباقي و ينيله الحس و بعض من الثامن ينبت   في جلدة الذراع فيعطيها الحس و بعضه يصير في عضل الذراع و يحرك الكف. و الزوج التاسع يخرج ما بين الفقرة الثامنة و التاسعة و هما أول فقار الظهر و ينقسم بعضه في العضل الذي فيما بين الأضلاع و بعضه في عضل الصلب و بعضه ينزل إلى الكعب و ينبث فيه فينيله الحس و بعض الحركة. و العاشر يخرج ما بين الفقرة التاسعة و العاشرة و يصير منه جزء إلى جلد العضد فيعطيه الحس و باقيه ينقسم فيأخذ منه قسم إلى قدام فيتفرق في العضل الذي على البطن و بعضها يتفرق في عضل الظهر و الكتف و على نحو هذا يكون خروج العصب و تفرقه إلى الزوج التاسع عشر. و الزوج العشرون يخرج مما بين الفقرة التاسع عشر و العشرين و هي أول فقرات القطن و على هذا القياس إلى أن تخرج خمسة أزواج من بين هذه الفقار و يصير بعضها في القدام فيتفرق في العضل الذي على القطن و يتفرق بعضها في العضل الذي على المتن و يخالط الثلاثة الأزواج العليائية عصب ينحدر من الدماغ و الزوجان اللذان تحت هذه الثلاثة الأزواج ينحدر منها شعب كبار إلى الساق حتى يبلغ طرف القدم و ثلاثة أزواج تخرج من فقرات العجز و تخالط القطنية و تنحدر منها إلى الساق و تتفرق في العضلات التي هناك و ثلاثة تخرج من نخاع العصعص مشتركة المخارج كالعنقية و فرد من آخره إذ الفقرة الأخيرة منه لا ثقبة فيها غير الوسطانية و كلها ينبث في القضيب و في عضل المقعدة و المثانة و الرحم و في غشاء البطن أو في العضل الموضوع بقرب هذه المواضع. و أما الأضلاع فهي أربعة و عشرون عظما من كل جانب اثنا عشر كلها محدبة أطولها أوسطها سبع منها يتصل أحد طرفيها من خلف بفقار الظهر بزوائد منها و نقرات من الفقرات و ارتباط برباطات و حدوث مفاصل مضاعفة و من قدام بعظام القص برءوس غضروفية و تسمى أضلاع الصدر لاتصالها بالقص و اشتمالها على أحشاء الصدر و خمس منها يقطع دون الاتصال بالقص متقاصرة و رءوسها متصلة

    بغضاريف و تسمى ضلوع الخلف. و إنما خلقت لتكون وقاية لما يحيط به من آلات التنفس و أعالي آلات الغذاء و لهذا جعل ما يحيط منها بالعضو الرئيس متصلا بالقص ليكون متحصنا به من جميع جهاته و ما يلي آلات الغذاء جعل كالمحرزة من خلف حيث لا تدركه حراسة البصر و لم يتصل من قدام بل درجت يسيرا يسيرا في الانقطاع و جعل أعلاها أقرب مسافة ما بين أطرافها البارزة و أسفلها أبعد مسافة ليجمع إلى وقاية أعضاء الغذاء من الكبد و الطحال و غير ذلك توسيعا لمكان المعدة فلا ينضغط عند امتلائها من الأغذية و من النفخ. و هذا هو السبب في تعددها كلها و كونها ذا فرج في الكل مع إعانة ذلك على جذب الهواء الكثير و تخلل العضلات المعينة في أفعال التنفس و غير ذلك.

الفصل الخامس في تشريح الصدر و البطن و ما اشتمل عليه من الأحشاء و اليدين.

 أما القص فهو سبعة عظام على عدد أضلاع الصدر متصلة بها و هي عظام هشة موثوقة و قد اتصل بآخرها غضروف عريض يشبه الخنجر يسمى خنجريا و إنما جعلت هشة لتكون أخف و الحركات الخفيفة التي بها أسهل و ليتحلل منها البخار و لا يحتقن فيها و وثاقة مفاصلها لئلا ينضغط عن ضاغط أو مصادم فينضغط القلب و الخنجري جنة لفم المعدة. و أما الترقوة فعظم موضوع على كل واحد من جانبي أعلى القص فيه طول و انحداب إلى الجانب الوحشي و تقعير إلى الجانب الإنسي يتصل أحد رأسيه بالقس و الآخر برأس الكتف فيرتبط به الكتف و بهما جميعا العضد و رأسه الآخر عريض و ينفذ في مقعره العروق الصاعدة إلى الدماغ و العصب النازل منه و هو وقاية لهما.   و أما الكتف فعظم طرفه الوحشي إلى الاستدارة يستدق من ذلك الطرف و يغلظ فيحدث عليه نقرة غير غائرة يدخل فيها طرف العضد للدور و لها زائدتان تمنعان العضد عن الانخلاع إحداهما إلى فوق و من خلف و يسمى منقار الغراب و بها رباط الكتف مع الترقوة و الأخرى إلى أسفل و من داخل ثم لا يزال يستعرض كلما أمعنت في الجهة الإنسية ليكون اشتمالها الوافي أكثر حتى ينتهي إلى غضروف مستدير الطرف يتصل بها و على ظهره زائدة كالمثلث يسمى عير الكتف قاعدته إلى الجانب الوحشي و زاويته إلى الإنسي حتى لا يختل سطح الظهر بإشالة الجلد و تألمه عن المصادمات و هي بمنزلة السنسنة للفقرات مخلوقة للوقاية. و إنما خلق الكتف لأن يتعلق به العضد فلا يكون ملتزقا بالصدر و لأن يسلس به حركات اليدين و لا يضيق مجالهما و أن يكون جنة و وقاية ثانية للأعضاء المحصورة في الصدر و يقوم بدل سناسن الفقرات و أجنحتها. و أما العضد فهو عظم مستدير مثل أنبوبة قصب مدور مجوف مملوء مخا محدب إلى الوحشي مقعر إلى الإنسي ليكن بذلك ما ينتضد عليه من العضل و العصب و العروق و ليجود تأبط ما يتأبطه الإنسان و إقبال إحدى اليدين على الأخرى و طرفه الأعلى المحدب يدخل في نقرة الكتف بمفصل رخو غير وثيق جدا تضمه رباطات أربعة و بسبب الرخاوة يعرض له الخلع كثيرا و إنما جعل رخوا لتسلس الحركة في الجهات كلها مع عدم الاحتياج إلى دوام هذه الحركة و كثرتها ليخاف انتهاك الأربطة أو تخلعها بل العضد في أكثر الأحوال ساكن و سائر اليد متحركة و أما طرفه السافل فإنه قد ركب عليه زائدتان متلاصقتان فالتي تلي الجانب الإنسي منهما أطول و أدق و لا مفصل لها مع عظم آخر و ليس يرتبط بها شي‏ء لكنها وقاية للعروق و العصب التي تأتي اليد و الأخرى التي تلي الجانب الوحشي يتم بها مفصل المرفق و فيما بين هاتين الزائدتين حز شبيه

    بحز البكرة عند نهايته نقرتان من قدام و من خلف تسميان عتبتين فالتي إلى قدام مسواة مملسة لا حاجز عليها و الأخرى و هي الكبرى أنزل إلى تحت و غير مستدير الحز لكنه كالجدار المستقيم إذا تحرك فيها رأس عظم الساعد إلى الجانب الوحشي و وصل إليه وقف. و أما الساعد فهو مؤلف من عظمين متلاصقين طولا و يسميان الزندين و الفوقاني الذي يلي الإبهام منها أدق لأنه محمول و يسمى الزند الأعلى و السفلاني الذي يلي الخنصر أغلظ لأنه حامل و يسمى الزند الأسفل و جملتها تسمى ذراعا و بالأعلى تكون حركة الساعد على الالتواء و الانبطاح و لهذا خلق معوجا كأنه يأخذ من الجهة الإنسية و يتحرف يسيرا إلى الوحشية ليحسن استعداده للحركة الالتوائية. و بالأسفل تكون حركة الساعد إلى الانقباض و الانبساط و لهذا خلق مستقيما ليكون أصلح لهما و دقق الوسط من كل منهما لاستغنائه بما يحفه من العضل الغليظة عن الغلظ المثقل و غلظ طرفاهما لحاجتهما إلى كثرة نبات الروابط عنهما لكثرة ما يلحقهما من المصاكات و المصادمات العنيفة عند حركات المفاصل و تقربهما عن اللحم و العضل. و الزند الأعلى في طرفه نقرة مهندمة فيها لقمة من أطراف الوحشي من العضد و يرتبط فيها برباطات و بدورانها في تلك النقرة تحت الحركة المنبطحة و الملتوية. و أما الزند الأسفل فله زائدتان بينهما حز يتهندم في الحز الذي على طرف العضد و منهما يلتئم مفصل المرفق فإذا تحرك الحز إلى خلف و تحت انبسط اليد و إذا اعترض الحز الجداري من النقرة الحابسة للقمة حبسها و منعها عن زيادة انبساط فوقف العضد و الساعد على الاستقامة و إذا تحرك أحد الحزين على الآخر إلى قدام و فوق انقبضت اليد حتى يماس الساعد العضد من الجانب الإنسي و القدام و طرفا الزندين من أسفل يجتمعان معا كشي‏ء واحد و يحدث فيهما نقرة واسعة مشتركة   أكثرها في الزند الأسفل و ما يفصل عن الانتقار يبقى محدبا مملسا ليبعد عن منال الآفات. و أما الرسغ و المشط فالرسغ مؤلفة من ثمانية أعظم مدورة منضودة في صفين و هي عظام صلبة عديمة المخ مقببة الشكل تقبيبا تلتئم من اجتماعها هيئة موافقة لما ينبغي أن يكون الرسغ عليه. و المشط مؤلف من أربعة أعظم متصلة بأعظم الرسغ بأربطة موثقة و الصف الأعلى من الرسغ و هو الذي يلي الساعد ثلاثة عظام موثوقة المفاصل و عظامه أدق ثم رءوسها التي تلي الساعد أدق و أشد تهندما و اتصالا كأنها واحدة و رءوسها التي تلي الصف الأسفل أعرض و أقل تهندما و اتصالا و الصف الأسفل أربعة عظام بعدد عظام المشط لاتصالها بها و أما العظم الثامن فليس مما يقوم صفي الرسغ بل خلق لوقاية عصبة تلي الكف و عظام المشط متقاربة من الجهة التي تلي الرسغ ليحسن اتصالها بعظام كالمتصلة المتلاصقة و تنفرج يسيرا في جهة الأصابع ليحسن اتصالها بعظام منفرجة متبائنة و للرسغ مع الساعد مفصلان أحدهما للانبساط و الانقباض و هو أكبرهما يحدث من تهندم عظام الرسغ في النقرة المشتركة بين طرفي الزندين و الآخر للالتواء و يحدث من تهندم زائدة تنبت على طرف الزند الأسفل على الخنصر في نقرة وقعت في طرف عظم الرسغ محاذية لها فتدور النقرة على الزائدة و يلتوي الرسغ و ما يتصل بها. و مفصل الرسغ مع المشط يلتئم بنقر في أطراف عظام الرسغ يدخلها زوائد من عظام المشط قد ألبست غضاريف و هذه العظام كلها موثقة المفاصل مشدودة بعضها ببعض لئلا تتشتت فتضعف عند ضبط الكف لما يحويه و يحبسه حتى لو كشفت جلدة الكف لوجدتها كأنها متصلة بعد فصولها عن الحسن و مع وثاقتها مطاوعة لانقباض يسير و في جميع عظام الرسغ و المشط تقعير من جانب الكف يمكن الكف بتلك المطاوعة و هذا التقعير من قبض المستديرات و ضبط السيالات.

    و أما الأصابع فكل واحد منها مخلوقة من ثلاثة عظام تسمى بالسلاميات و السفلانية منها أعظم و الفوقانية أدق و أصغر على التدريج ليتحسن نسبة ما بين الحامل و المحمول و عظامها مستديرة لتتوقى الآفات و جعلت صلبة عديمة التجويف و المخ مقعرة الباطن محدبة الظاهر لتكون أقوى في القبض و الضبط و الجر. و الوسطى أطول ثم البنصر ثم السبابة ثم الخنصر لتستوي أطرافها عند القبض و لا تبقى فرجة و ليتقعر هي في الراحة و يشتمل على المستدير المقبوض عليه. و وصلت سلامياتها كلها بحروف و نقر متداخلة بينها رطوبة لزجة ليدوم بها الابتلال و لا تجففها الحركة و تشتمل على مفاصلها أربطة قوية و تتلاقى بأغشية غضروفية و يحشو الفرج في مفاصلها لزيادة الاستيثاق عظام صغار تسمى سمسمانية و جعل باطنها لحميا لتتطامن تحت الملاقيات المقبوضة و لم يجعل كذلك من خارج لئلا يثقل و لتكون حالة الجمع سلاحا موجعا و وفرت لحومها لتهندم جيدا عند التقاء كالمتلاصق. و لم تخلق في الأصل لحمية خالية من العظام و إن كان قد يمكن مع ذلك اختلاف الحركات كما لكثير من الدود و السمك إمكانا واهيا لئلا تكون أفعالها واهية و أضعف ما يكون للمرتعشين و لم تخلق من عظم واحد لئلا تكون أفعالها متعسرة كما يعرض للمكزوزين. و اقتصر على عظام ثلاثة لأنه إن زيد في عددها و أفاد ذلك زيادة عدد حركات لها أورث لا محالة وهنا و ضعفا في ضبط ما يحتاج في ضبطه إلى زيادة وثاقة و كذلك لو خلقت من أقل من ثلاثة مثل أن تخلق من عظمين كانت الوثاقة تزداد و الحركات تنقص عن الكفاية و الحاجة إلى التصرفات المتفننة أمس منها إلى الوثاقة المجاوزة للحد و لم يجعل لبعضها عند بعض تحديبا و لا تقعيرا لتكون كأنها شي‏ء واحد إذا   احتيج إلى أن يحصل منها منفعة عظم واحد و جعل للإبهام و الخنصر تحديبا في الجانب الوحشي الذي لا يلقاه إصبع لتكون بجملتها عند الانضمام كالمستدير الذي يقي من الآفات و لم يربط الإبهام بالمشط لئلا يضيق البعد بينه و بين سائر الأصابع و يكون عدلا لسائر الأصابع الأربع فإذا اشتمل الأربعة من جهة على شي‏ء صغير و عاونها الإبهام بأن يحفظها على هيئة الاشتمال عادلت قوة الإبهام في ضبط ذلك الشي‏ء قوى الأربعة و ليكون الإبهام من وجه آخر كالصمامة على ما يقبضه الكف و لو وضع في غير موضعه لبطلت منفعته و لو وضع إلى جانب الخنصر لما كانت اليدان كل واحدة منهما مقبلة على الأخرى فيما يجتمعان على القبض عليه و أبعد من هذا لو وضع من خلف أو على الراحة. و أما الظفر فهو عظم لين دائم النشوء لأنه ينسحق دائما كالسن و إنما خلق ليكون سندا للأنامل لئلا تنعطف و لا تنضغط عند الشد على الشي‏ء فيوهن و ليتمكن به الإصبع من لقط الأشياء الصغيرة و من الحك و التفتية و ليكون سلاحا في بعض الأوقات و هذا في غير الإنسان أظهر و خلق مستدير الطرف ليشق بعض الأشياء و يقطع به ما يهون قطعه و لينا ليتطامن تحت ما يصاكها فلا يتصدع. و أما ماهية الصدر فبيانها أن تجويف البطن كله من لدن الترقوة إلى عظم الخاصرة ينقسم إلى تجويفين عظيمين أحدهما فوق يحوي الرئة و القلب و الثاني أسفل يحوي المعدة و الأمعاء و الكبد و الطحال و المرارة و الكلى و المثانة و الأرحام و يفصل بين هذين التجويفين العضو المسمى بالحجاب و هذا الحجاب يأخذ من رأس القصر و يمر بتأريب إلى أسفل في واحد من الجانبين حتى يتصل بفقار الظهر

    عند الفقرة الثانية عشر و يصير حاجزا بين ما فوقه و ما تحته. ثم ينقسم هذا التجويف الأرفع إلى قسمين يفصل بينهما حجاب آخر و يمر في الوسط حتى يلصق أيضا بفقار الظهر و يسمى هذا التجويف الأعلى كله صدرا و حده من فوق الترقوتين إلى الحجاب القاسم للبطن عرضا. و إنما خلق الصدر من أجل التنفس و ذلك لأنه إذا انبسط جذب الرئة و بسطها و إذا انبسطت الرئة اجتذبت الهواء من خارج و كان ذلك أحد جزئي التنفس و هو تنشق الهواء ثم إن الصدر ينقبض فتنقبض الرئة و يكون بانقباضها إخراج النفس و هو الجزء الثاني. و إنما احتيج إلى تنشق الهواء الخارج ثم إخراجه لترويح القلب و تعديل حرارته و إمداد الروح بجوهر ملائم له فإن الهواء يصير مركبا للروح منفذا له مثل ما يصير الماء المشروب مركبا للغذاء فالهواء الذي يستنشق يصل منه إلى القلب في المنافذ التي بينها و بين القلب فإذا سخن ذلك الهواء الذي اجتذب احتيج إلى إخراجه و الاستبدال به فانقبض الصدر و قبض الرئة ثم عاد فانبسط و بسط الرئة فدخلها هواء آخر على مثال الزقاق التي ينفخ بها النار فإنها إذا انبسطت امتلأت من الهواء ثم إذا انقبضت انفرغت. و أما الرئة فإن قصبتها تنتهي من أقصى الفم على ما ذكرنا حتى إذا ما جاءت إلى ما دون الترقوة انقسمت قسمين و ينقسم كل قسم منها أقساما كثيرة و انتسج و احتشى حواليها لحم أبيض رخو متخلخل هوائي غذاؤه دم في غاية اللطافة و الرقة فيملأ القصبة و الفرج التي بين شعبها و شعب العروق التي هناك فصار من جملة القصبة المنقسمة و العروق التي تحتها. و اللحم الذي يحتشي حواليها بدن الرئة و نصفه في تجويف الصدر الأيمن و الآخر في الأيسر فهي ذات شقين في جزئي الصدر لكي يكون التنفس بآلتين   فإن حدث على واحد منهما حادثة قام الآخر بما يحتاج إليه كالحال في العينين و جللت بغشاء عصبي ليحفظها على وضعها و ليفيدها حسا ما. و إنما تخلخل لحمها لينفذ فيه الهواء الكثير فوق المحتاج إليه للقلب ليكون للحيوان عند ما يغوص في الماء و عند ما يصوت صوتا طويلا متصلا يشغله عن التنفس و جذب الهواء و عند ما يعاف الإنسان استنشاق هواء منتن أو هواء مخلوط بدخان أو غبار هواء معد يأخذه القلب و أن يكون معينا بالانقباض على دفع الهواء الدخاني و على النفث. و سبب بياض لحمها هو كثرة تردد الهواء فيه و غلبته على ما يغتذي به و إنما تشعب شعبا لئلا يتعطل التنفس لآفة تصيب إحدى الشعب و لا رئة للسمك و إنما يتنفس بالهواء من طريق الأذنين. و أما قصبة الرئة فمؤلفة من غضاريف كثيرة منضود بعضها فوق بعض مربوط بعضها إلى بعض برباطات بعضها دوائر تامة و هي التي في داخل الرئة و بعضها نصف دائرة و هي التي تجاور المري‏ء و تماسه في فضاء الحلق و بين كل اثنين منها فرجة و يجللها غشاءان يجريان عليها و يشملان الفرج التي بينها و يصلان بين طرفي أنصافها داخلا و خارجا و إنما جعلت غضروفية لتبقى مفتوحة و لا تنطبق و لتكون صلابته سببا لحدوث الصوت أو معينا فيه. و إنما كثرت لئلا يشملها الآفة و إنما ربطت بأغشية لتتسع تارة و تجتمع أخرى عند الاستنشاق و التنفس فإن القابل للتمدد و الاجتماع هو الغشاء دون الغضروف و إنما لاقت المري‏ء بجانبها الناقص و بالغشاء ليندفع عند الازدراد عن وجه اللقمة النافذة إذا احتاج المري‏ء إلى التمدد و الاتساع فينبسط إلى الغشاء

    و يأخذ حظا من فضاء القصبة فيتسع و ينفذ اللقمة بسهولة فيكون تجويف القصبة حينئذ معينا للمري‏ء عند الازدراد و جعل الغشاء الداخلاني أصلب و أشد ملاسة ليقاوم حدة النوازل و النفوث الردية و الدخان المردود من القلب و لئلا يسترخي عن وقوع الصوت. و إنما انقسمت في داخل الرئة أقساما كثيرة لينفذ فيها الهواء الكثير و يستعد فيها للقلب و منفعتها في إعداد الهواء للقلب مثل منفعة الكبد في إعداد الغذاء لجميع البدن و إنما ضيقت فوهاتها لينفذ فيها النسيم إلى الشرايين المؤدية إلى القلب بالتدريج و أن لا ينفذ فيها الدم فيحدث نفث الدم. و أما القلب فهو مؤلف من لحم و عصب و غضروف و أوردة و شرايين تنبت منه و رباطات يتعلق هو بها و غشاء ثخين يغشى به للوقاية غير ملاصق له إلا عند أصله لئلا ينضغط عند الانبساط أما لحمه فصلب غليظ منتسج من ثلاثة أصناف من الليف اللحمي الطويل الجاذب و العريض الدافع و المورب لتكون له أصناف الحركات و الأفعال و صلابته لئلا ينفعل بالسرعة و ليكون أبعد عن قبول الآفات و هو صنوبري الشكل قاعدته إلى فوق منها تنبت الشرايين و عرض ليكون في المنبت وفاء بالنابت و غضروفه أساس له وثيق و هو كالقاعدة له. و له تجاويف ثلاثة تسمى البطون اثنان منها كبيرتان و الثالث في الوسط صغير يسمى بالدهليز و الأيمن وعاء لدم متين مشاكل لجوهره و الأيسر وعاء للروح و الدم الرقيق و خص بزيادة تصلب لعدم الأمن من تحلل ما فيه و ترشحه للطافة أحدهما و رقة الآخر بخلاف الأيمن و الأوسط منفذ بينهما له انضمام و انفراج بحسب انبساط القلب و انقباضه بهما ينفذ كل من صنفي الدم فيه و يختلط أحدهما بالآخر و يعتدلان فيه و قياسه من البطنين في المنفذية و التصرف قياس البطن الأوسط من الدماغ بين المقدم و المؤخر. و للأيمن فوهتان يدخل من إحداهما العروق النابتة من الكبد و ينصب منه

    الدم فيه و الأخرى يتصل بالرئة و هي الوريد الشرياني و للأيسر أيضا فوهتان إحداهما فوهة الشريان العظيم الذي منه تنبت شرايين البدن كلها و الثانية فوهة الشريان الذي يتصل بالرئة و فيها يكون نفوذ الهواء من الرئة إلى القلب و هو الشريان الوريدي و عليها زائدتان شبيهتان بالأذنين تقبلان الدم و النسيم من المنافذ و العروق و ترسلان إلى القلب جرمهما أرق من لحم القلب ليحسن إجابتهما إلى الحركات و فيهما مع رقتهما صلابة ليكون أبعد عن قبول الآفات. و إنما وضع القلب في الصدر لأنه أعدل موضع في البدن و أوفقه و ميل إلى اليسار قليلا لكي يبعد عن الكبد فلا يجمع الحار كله في جانب واحد و أن يعدل الجانب الأيسر لأن الطحال في ذلك الجانب و ليس هو بنفسه كامل الحرارة و لكي يكون للكبد و العروق الأجوف النابت منه مكان واسع و توسع المكان للكبد أولى من توسعه للطحال لأنه أشرف. و الرئة مجللة للقلب ليمنع من أن يلقاه عظام الصدر من قدام و هو موضع صلابة جوهره لا يحمل ألما و ورما لشرفه و عظمه و صغره يكون في الأكثر سببا للجرأة و الجبن لقوة الحياة و ضعفها و مما يوجد بخلاف ذلك فالسبب فيه قلة الحرارة بالنسبة إلى جثته أو كثرتها و قد يوجد في قلب بعض الحيوانات الكبير الجثة عظم و خصوصا في الجمل و البقر و هو مائل إلى الغضروفية و الصلب ما يوجد من ذلك في الفيل. و أما الشرايين فمنبتها التجويف الأيسر من القلب كما أشرنا إليه و ذلك لأن الأيمن أقرب إلى الكبد فيشتغل بجذب الغذاء أو استعماله و يخرج من هذا التجويف شريانان أحدهما أصغر و هو الشريان الوريدي المتصل بالرئة و الآخر   أكبر كثيرا و هو حين يطلع تتشعب منه شعبتان يصير أحدهما إلى التجويف الأيمن من تجويفي القلب و هي أصغر الشعبتين و الآخر يستدير حول القلب كما يدور ثم يدخل إليه و يتفرق فيه. ثم إن الباقي من العروق النابتة من تجويف القلب الأيسر بعد انشعاب هاتين الشعبتين منه ينقسم قسمين يأخذ أحدهما إلى أسافل البدن و الآخر إلى أعاليه و الثاني ينقسم في مصعده في الجانبين إلى شعب تتصل بما يحاذيها من الأعضاء فتعطيها الحرارة الغريزية حتى إذا حاذى الإبط خرجت منه شعبة مع العرق الإبطي من عروق الكبد إلى اليد و ينقسم فيها كتقسيمه على ما سنذكره. و اتصلت منه شعب صغار بالعضل الظاهر و الباطن من العضد و هو مع ذلك غائر مندفن حتى إذا صار عند المرفق صعد إلى فوق حتى أن نبضه يظهر في هذا الموضع في كثير من الأبدان و لم يزل تحت الإبطي ملاصقا له حتى ينزل عن المرفق قليلا ثم إنه يغوص أيضا في العنق و ينشعب منه شعب شعرية متصل بعضل الساعد إلى أن يقطع من الساعد مسافة صالحة ثم ينقسم قسمين فيأخذ أحدهما إلى الرسغ مادا مارا على الزند الأعلى و هو العرق الذي يحبسه الأطباء و يأخذ الآخر إلى الرسغ أيضا مارا على الزند الأسفل و هو أصغرهما و يتفرقان في الكف و ربما ظهر لهما نبض من ظاهر الكف. و إذا بلغ هذا القسم الأعلى موضع اللبة انقسم قسمين و انقسم كل قسم إلى قسمين آخرين و جاوز أحد هذين القسمين الوداج الغائر من عروق الكبد و مر مصعدا حتى يدخل القحف و يتصل في مروره منه شعبة بالأعضاء الغائرة التي هناك و إذا دخل القحف انقسم هناك انقساما عجيبا و صار منه الشي‏ء المعروفة بالشبكة المفروشة تحت الدماغ و قد مر ذكرها و بعد انقسامه إلى هذه الشبكة يجتمع و يعود أيضا فيخرج من هذه الشبكة عرقان متساويان في العظم كحالها قبل الانقسام إليها و يدخلان حينئذ حرم الدماغ فيقسمان فيه.

    و أما القسم الآخر من هذين القسمين و هو أصغرهما فإنه يصعد إلى ظاهر الوجه و الرأس و يتفرق فيهما هناك من الأعضاء الظاهرة كتفرق الوداج الظاهر الآتي ذكره و قد يظهر نبض هذا القسم خلف الأذن و في الصدغ فأما النبض الظاهر عند الوداجين فإنه نبض القسم العظيم المجاور للوداج الغائر و يسمى هذان الشريانان شرياني السبات. و أما القسم النازل إلى أسافل البدن فإنه يركب فقرات القلب مبتدئا من الفقرة الخامسة المحاذية للقلب نازلا منه إلى أسفل و ينشعب منه عند كل فقرة شعب يمنة و يسرة و يتصل بالأعضاء المحاذية لها و أول شعبة ينشعب منه شعبة تأتي الرئة ثم شعب تأتي العضل التي بين الأضلاع ثم شعبتان تأتيان الحجاب ثم شعب تأتي المعدة و الكبد و الطحال و الثرب و الأمعاء و الكلى و الأرحام و شعب تخرج حتى تتصل بالعضل المحاذية لهذه المواضع حتى إذا جاء إلى آخر الفقار انقسم قسمين أخذ كل واحد منهما نحو إحدى الرجلين و انقسما فيهما كانقسام العروق الكبدية إلا أنهما غائران و يظهر نبضهما عند الأربيتين و عند العقب تحت الكعبين الداخلتين و في ظهر القدمين بالقرب من الوتر العظيم. و أما المري‏ء و المعدة فالمري‏ء مؤلف من جوهر لحمي و طبقات غشائية تحيط بها شعب من الأوردة و الشرايين و شعب من الأعصاب أما اللحمية فظاهرة و الطبقة الداخلانية مطاولة الليف بها يجذب و الخارجة مستعرضة الليف بها يدفع المزدرد إلى المعدة و يعصر و بها وحدها يتم القي‏ء و لذلك يعسر. و موضعه خلف قصبة الرئة كما مر على استقامة فقار العنق و ينحدر معه زوج العصب النازل من الدماغ ملتويا عليه فإذا جاوز الفقرة الرابعة من فقار الصلب المسماة بفقار الصدر ينحرف يسيرا إلى الجانب الأيمن ليوسع المكان على العرق النابت من القلب ثم ينحدر على استقامة الفقرات الباقية حتى إذا وافى الحجاب انفتح له منفذ   فيه و يرتبط عند المنفذ رباطات تشمله و تحوطه لئلا يزدحم العرق الكبير المار فيه و لا يضغطه عند الازدراد فإذا جاوز الحجاب أخذ يتسع و يسمى حينئذ فم المعدة و يتدرج في الاتساع حتى تتم المعدة مستديرة إلا أن ما يلي الصلب منها منبطح ليحسن ملاقاتها به و أسفلها واسع لأنه مستقر الطعام. و هي ذات طبقتين داخلتهما طولانية الليف لأن أكثر أفعالها الجذب و يخالطها ليف مورب ليعين على الإمساك و هي متصلة بغشاء المري‏ء و غشاء داخل الفم بل كلها غشاء واحد فيه قوة هاضمة كما مر و الخارجة مستعرضة الليف لم يختلط به شي‏ء من المورب لأنه آلة العصر و الدفع فقط. و يأتيها من عصب الدماغ شعبة تفيدها الحس و لهذا ما يفثى الروائح الكريهة و المشاركة بين المعدة و الدماغ بهذه العصبة و بها يحس الإنسان ببرد الماء المشروب و بها يتنبه للشهوة و يحس بالحاجة إلى الغذاء إذا خلا المعدة و البدن فيتحرك لطلبه و إنما لم يحس جميع الأعضاء بذلك مثل ما يحس فم المعدة لأنه لو أحست الجميع لم يحمل الحيوان الجوع ساعة البتة و لكان يلدغ جميع الأعضاء. و يتصل بقدام المعدة عرق كبير يذهب في طولها و يرسل إليها شعبا كثيرة و يلازمه شريان ينشعب مثل ذلك و جميع تلك الشعب تعتمد على طي الصفاق و ينسج من جملته الثرب و يترشح دائما إليه رطوبة لزجة دهنية هي الشحم بها يتم الثرب و فائدته أن يعين بحرارته المعدة في الهضم من قدام كما يعينها في ذلك الكبد من يمينها من فوق و الطحال من يسارها من تحت و لحم الصلب من خلف و فوق الثرب الغشاء الصفاقي و فوقه المراق و فوقه عضلات البطن و بهذه المجاورات تكتسب المعدة حرارة تامة هاضمة مع ما في لحمها من الحرارة الغريزية لأنها خادمة لجميع البدن في طلب الغذاء و هضمه فلا بد أن يتم اقتدارها على تمام فعلها.

    و الغشاء الصفاقي هو الغشاء الذي يحوي جميع الأحشاء و يجتمع طرفاه عند الصلب من جانبه و يتصل بالحجاب من فوقه و يتصل بأسفل المثانة و الخاصرتين من أسفل و هناك تثقب فيه ثقبتان عند الأربيتين هما مجريان ينفذ فيهما عروق و معاليق و إذا اتسعا نزل فيهما المعاء و يسمى الفتق و فائدة هذا الغشاء أن يكون وقاية للأحشاء و يحفظها على أوضاعها لئلا تتشوش حركاتها و أفعالها و يربط بعضها بالبعض و بالصلب ليكون اجتماعها وثيقا و ليكون حاجزا بين الأمعاء و عضل المراق إلى غير ذلك من المنافع. و أما الأمعاء فكلها طبقتان و على الداخلانية لزوجات قد لبستها بمنزلة الترصيص يسمى مع الشحم الذي عليها صهروج الأمعاء لوقايتهما لها و كلها مربوطة بالصلب برباطات يشدها و يحفظها على أوضاعها إلا واحدة تسمى بالأعور فإنه مخلى غير مربوط و خلقت ستة قبائل ثلاثة دقاق و هي أعلى و ثلاثة غلاظ و هي أسفل فأول الدقاق هو المعاء المتصل بأسفل المعدة و يسمى الاثني عشري لأن طوله في كل إنسان اثنا عشر إصبعا من أصابعه مضمومة. و فوهته المتصلة بقعر المعدة يسمى البواب لأنها تنضم عند امتلاء المعدة و تنغلق حتى لا يخرج منه الطعام و لا الماء حتى يتم الهضم أو يفسد ثم ينفتح حتى يصير ما في المعدة إلى الأمعاء و كما أن المري‏ء للجذب إلى المعدة من فوق فكذلك هذا المعاء للدفع عنها من تحت و هو أضيق من المري‏ء و أقل سخونة لأن المري‏ء منفذ الشي‏ء الممضوغ و هذا منفذ الشي‏ء المهضوم المختلط بالماء المشروب و أيضا فإن النافذ في المعاء يرافده الثقل الذي يحصل في المعدة عند الامتلاء و الحركات التي تتفق لبعض الناس فيسهل اندفاعه فأعين بالتضيق لتقوى على الانضمام و الإمساك إلى أن يتم النضج و الهضم و هو ممتد من المعدة إلى أسفل على الاستقامة ليس فيه ما في غيره من التلافيف ليكون اندفاع ما يندفع إليه عنه متيسرا ليخلو بالسرعة و لا يزاحم ما يجاوره من اليمين و اليسار.   و يتلوه معاء يسمى بالصائم لأنه يوجد في الأكثر خاليا فارغا و ذلك لأن الكيلوس الذي ينجذب إليه يتصل به و ينجذب منه إلى الكبد أكثر مما ينجلب إليه بالسرعة و أيضا فإن المرة الصفراء التي تنجلب من المرارة إلى الأمعاء ليغسلها إنما تنجلب أولا إلى هذه المعاء فتغسلها بقوتها الغسالة و يهيج الدافعة بقوتها اللداغة فيبقى خاليا و يتصل بالصائم معاء آخر طويل متلفف مستدير استدارات كثيرة يسمى بالدقيق. و فائدة طول الأمعاء و تلافيفها أن لا ينفصل الغذاء منها سريعا فاحتاج الحيوان إلى أكل دائم و قيام للحاجة دائما و ليكون للكيلوس المنحدر من المعدة مكث صالح فيها ليتم القوة الهاضمة التي فيها هضمه و لتنجذب صفوته إلى الكبد في العروق الماساريقية المتصلة بتلك التلافيف و سعة هذه الأمعاء الثلاثة كلها بقدر سعة البواب و الهضم فيها أكثر منه في الغلاظ و إن كانت تلك أيضا لا يخلو من هضم كما لا تخلو عن عروق ماساريقية مصاصة تتصل بها و أولها المعاء الأعور و يتصل بأسفل الدقاق و سمي به لأنه مثل كيس ليس له إلا ممر واحد به يقبل ما يندفع إليه من فوق و منه يندفع ما يدفعه إلى ما هو أسفل منه و وضعه إلى الخلف قليلا و ميله إلى اليمين و فائدته أن يكون للثفل مكان يجتمع فيه فلا يحوج كل ساعة إلى القيام للتبرز و ليستفيد من حرارة الكبد بالمجاورة هضما بعد هضم المعدة. و نسبة هذا المعاء إلى ما تحته من الأمعاء نسبة المعدة إلى الأمعاء الدقاق التي فوقها و لذلك ميل إلى اليمين ليقرب من الكبد فيستوفي تمام الهضم ثم ينفصل عنه إلى معاء آخر تمص منه الماساريقا و إما يكفيه فم واحد لأن وضعه ليس وضع المعدة على طول الثدي لكنه كالمضطجع و من فوائد عوره أنه مجمع الفضول التي لو تفرق كلها في سائر الأمعاء لتعذر اندفاعها و خيف حدوث القولنج فإن المجتمع أيسر اندفاعا من المتفرق و هو أيضا مسكن لما لا بد من تولده في الأمعاء من الديدان

    فإنه قلما يخلو عنها بدن و في تولدها أيضا منافع إذا كانت قليلة العدد صغيرة الحجم و في هذا المعاء يتعفن الثفل و تتغير رائحته و هو أولى بأن ينحدر في فتق الأربية لأنه مخلى عنه غير مربوط و لا متعلق بما يأتي الأمعاء من الماساريقا فإنه ليس يأتيه منها شي‏ء و يتصل بهذا المعاء من أسفل معاء يسمى قولون و هو غليظ صفيق و كلما يبعد عنه يميل إلى اليمين متلاحقة القرب من الكبد ثم ينعطف إلى اليسار منحدرا فإذا حاذى جانب اليسار انعطف ثانيا إلى اليمين و إلى خلف حتى يحاذي فقرة القطن و هناك يتصل بمعاء آخر يسمى بالمستقيم و هو عند مروره في الجانب الأيسر بالطحال مضيق و لذلك ورم الطحال يمنع خروج الريح ما لم يغمز عليه. و هذا المعاء يجتمع فيه الثفل لتدرج إلى الاندفاع ليستصفي الماساريقا ما عسى يبقى فيها من جوهر الغذاء و فيه يعرض القولنج في الأكثر و منه اشتق اسمه و المعاء المستقيم المتصل بأسفله ينحدر على الاستقامة ليكون اندفاع الثفل أسهل و هو آخر الأمعاء و طرفه هو الدبر و عليه العضلة المانعة من خروج الثفل حتى تطلقه الإرادة و خلق واسعا يقرب سعته من سعة المعدة ليكون للثفل مكان يجتمع فيه كما يجتمع البول في المثانة و لا يحوج كل ساعة إلى القيام و ليس يتحرك شي‏ء من الأمعاء إلا طرفاها و هما المري‏ء و المقعدة و تأتي الأمعاء كلها أوردة و شرايين و عصب أكثر من عصب الكبد لحاجتها إلى حس كثير. و أما الكبد فهو لحم أحمر مثل دم جامد ليس يحيطه عصب بل غشاء عصبي يجلله يتولد من عصب صغير و هو يربط الكبد بغيرها من الأحشاء و بالغشاء المجلل للمعدة و المعاء و يربطها أيضا بالحجاب برباط قوي و بأضلاع الخلف برباطات دقاق و هي موضوعة في الجانب الأيمن تحت الضلوع العالية من ضلوع الخلف و شكلها هلالي حدبته تلي الحجاب لئلا يضيق عليه مجال حركته و تقعيره يلي   المعدة ليتهندم على تحدبها و يأتيها من هناك شريان صغير يتفرق فيها ينفذ فيه الروح إليها و يحفظ حرارتها و يعدلها بالنبض و جعل مسلكه إلى مقعرها لأن حدبتها تروح بحركة الحجاب و لها زوائد أربعة أو خمسة يحتوي بها على المعدة كما يحتوي الكف على المقبوض بالأصابع. و شأنها أن تمتص الكيلوس من المعدة و الأمعاء و تجذبه إلى نفسها في العروق المسماة بماساريقا و ليس في داخلها فضاء يجتمع فيه الكيلوس لكنه يتفرق في الشعب التي فيها من العرقين النابتين منها يسمى أحدهما الباب و الآخر الأجوف. و بيان ذلك أن الباب ينبت من تقعيرها و ينقسم أقساما ثم تنقسم تلك الأقسام إلى أقسام كثيرة جدا و يأتي منها أقسام يسيرة إلى قعر المعدة و الاثني عشري و أقسام كثيرة إلى المعاء الصائم ثم إلى سائر الأمعاء حتى يبلغ المعاء المستقيم و فيها ينجذب الغذاء إلى الكبد فلا يزال كلما انجذب يصير من الأضيق إلى الأوسع حتى يجتمع في الباب ثم الباب ينقسم أيضا في داخل الكبد إلى أقسام في دقة الشعر و يتفرق ما انجذب من الغذاء فيها و يطبخه لحم الكبد حتى يصير دما. و الأجوف ينبت من حدبتها و هو عرق عظيم منه ينبت جميع العروق التي في البدن و أصله ينقسم في الكبد إلى أقسام في دقة الشعر تلتقي مع الأقسام المنقسمة فيها من الباب فيرتفع الدم من تلك الأقسام إليها ثم يجتمع من أدقها إلى أوسعها حتى يحصل جملة الدم كله في الأجوف ثم يتفرق منه في البدن في شعبة الخارجة و هو إذا طلع من الكبد لم يمر كثيرا حتى ينقسم قسمين. أحدهما و هو الأعظم يأخذ إلى أسفل البدن يسقي جميع الأعضاء التي هناك و الثاني يأخذ إلى الأعلى ليسقي الأعضاء العالية و هذا القسم تمر حتى يلاصق الحجاب و ينقسم من هناك عرقان يتفرقان في الحجاب ليغذواه ثم ينفذان الحجاب فإذا نفذاه انقسمت منهما عروق دقيقة و اتصلت بالغشاء الذي يقسم الصدر بنصفين و بغلاف القلب و بالغدة التي تسمى التوثة و تفرقت فيها.

    ثم تنشعب منه شعبة عظيمة تتصل بالأذن اليمنى من أذني القلب و تنقسم ثلاثة أقسام أحدها يدخل إلى التجويف الأيمن من تجويفي القلب و هو أعظم هذه الأقسام و هو الوريد الشرياني و الثاني يستدير حول القلب من ظاهره و ينبث فيه كله و الثالث يتصل بالناحية السفلى من الصدر و يغذو ما هناك من الأجسام و إذا جاوز القلب مر على استقامة إلى أن يحاذي الترقوتين و ينقسم منه في مسلكه هذا شعب صغار من كل جانب تسقي ما يحاذيها و يقرب منها و يخرج منها شعب إلى خارج فيسقي العضل الخارج المحاذي لتلك الأعضاء الداخلة و عند محاذاته للإبط يخرج إلى خارج شعبة عظيمة تأتي اليد من ناحية الإبط و هو القسم الباسليق. فإذا حاذى من الترقوة الوسط منها موضع اللبة انقسم قسمين فصار أحدهما إلى ناحية اليمين و الآخر إلى ناحية الشمال و انقسم كل واحد من هذين القسمين إلى قسمين يسقي أحد القسمين الكتف و جاء إلى اليد من الجانب الوحشي و هو العرق المسمى بالقيفال و انقسم الباقي قسمين في كل جانب فمر أحدهما غائرا مصعدا في العنق حتى يدخل القحف و يسقي ما هناك من أعضاء الدماغ و الأغشية و في مروره في العنق إلى أن يدخل الدماغ تنشعب منه شعب صغار تسقي ما في العنق من الأعضاء و يسمى هذا القسم الوداج الغائر و أما الثاني فيمر مصعدا في الظاهر حتى ينقسم في الوجه و الرأس و العنق و الأنف و يسقي جميع هذه الأعضاء و هو الوداج الظاهر و ينشعب من العرق الكتفي في مروره بالعضد شعب صغار تسقي ظاهر العضد و تنشعب من الإبطي شعب تسقي باطنه. و إذا قارب العرق الكتفي و العرق الإبطي مفصل المرفق انقسما فأخذ انقسام   العرق الكتفي يمازج قسما من العرق الإبطي و يتحد به فيكون منهما عند المرفق العرق المسمى بالأكحل و القسم الثاني من أقسام العرق الكتفي يمتد في ظاهر الساعد و يركب بعد ذلك الزند الأعلى و هذا القسم حبل الذراع و قسم من العرق الإبطي و هو الأصغر مكانا يمر في الجانب الداخل من الساعد حتى يبلغ رأس الزند الأسفل و يكون من بعض شعبه العرق الذي بين الخنصر و البنصر المسمى بالأسيلم. و أما القسم الذي يأخذ إلى أسافل البدن فإنه يركب فقار الظهر آخذا إلى أسفل و تتشعب منه أولا شعب تأتي لفائف الكلى و أغشيتها و الأجسام التي تقرب منها فتسقيها ثم تنشعب منه شعبتان عظيمتان تدخلان تجويف الكلى ثم شعبتان تصيران إلى الأنثيين ثم تنشعب منه عند كل فقرة عرقان يمران في الجانبين و يسقيان الأعضاء القريبة منها ما كان منها داخلا كالرحم و المثانة و ما كان منها خارجا كمراق البطن و الخاصرتين حتى إذا بلغ آخر الفقار انقسم قسمين و أخذ أحدهما إلى الرجل اليمنى و الأخرى إلى اليسرى. و تشعبت منه شعب تسقي عضل الفخذين منها غائرة تسقي العضل الغائرة و منها ظاهرة تسقي العضل الظاهرة حتى إذا بلغ مشاش مثنى الركبة انقسم ثلاثة أقسام فمر قسم منها في الوسط و سقى بشعب له جميع عضل الساق الداخل و الخارج و مر قسم في الجانب الداخل من الساق حتى يظهر عند الكعب الداخل و هو الصافن و القسم الآخر يمر في الجانب الظاهر من الساق و هو غائر إلى ناحية الكعب الخارج و هو عرق النسا و ينشعب من كل واحد من هذين عند بلوغه القدم شعب متفرقة في القدم فتكون الشعب التي في القدم في ناحية الخنصر و البنصر من شعب عرق النسا و التي في الإبهام من شعب الصافن. و أما المرارة فهي كيس عصباني يعلق من الكبد إلى ناحية المعدة موضوعة على أعظم زوائدها و هي ذات طبقة واحدة منتسجة من أصناف الليف الثلاثة و لها منفذان أحدهما متصل بتقعير الكبد و به تنجذب المرة الصفراء إليها و الآخر

    يتشعب فيتصل بالأمعاء العليا و بأسفل المعدة و به تندفع أجزاء من الصفراء إليها لغسلها عن الفضول و تنبيهها على الحاجة و النهوض للتبرز كما مر و ليست المرارة لبعض الحيوانات كالإبل لأن معاءه مر جدا كأنه مفرغة للمرة و لذلك لا تأكلها الكلاب ما لم تضطر جوعا و كذلك الفرس و البغل. و أما الطحال فهو عضو لحمي مستطيل على شكل اللسان متصل بالمعدة من يسارها إلى خلف حيث الصلب مهندما مقعره على محدب المعدة مرتبطا بها بعرق يصل بينهما و يوثقه شعب كثيرة العدد صغيرة المقادير تتشعب من الصفاق و تتصل به و تتفرق فيه و حدبته تلي الأضلاع تستند بأغشيتها لأنه ليس متعلقا بها برباطات كثيرة قوية بل بقليلة ليفية. و من هذا الجانب تأتيه العروق الساكنة و الضاربة الكثيرة لتسخنه و يقاوم برد السوداء المندفعة إليه و يهضمها و لحميته متخلخل ليسهل قبوله الفضول السوداوية و له عنق يتصل بمقعر الكبد حيث يتصل عنق المرارة به ينجذب السوداء من الكبد و عنق آخر ينبت من باطنه متصل بفم المعدة به يدفع السوداء إليها و يغشيه غشاء نبت من الصفاق كما مر و شأنه أن يكون مفرغة للسوداء الطبيعي كما دريت و ليس لبعض الحيوانات و الذي للجوارح منها صغير. و أما الكليتان فكل واحدة منهما مثل نصف دائرة محدبها يلي الصلب لتسهل الانحناء إلى قدام و لحمها لحم ملزز ليكون قوي الجوهر غير سريع الانفعال عما ينجذب إليها من المائية الحادة التي يصحبها خلط حاد و ليقدر على إمساك المائية ريثما يتميز عنها الدم ليغتذي به و ليقدر الإنسان بسبب قدرة الكلية على هذا الإمساك على إمساك البول إلى وقت اختياره و ليمنع عن نشف غير الرقيق و جذبه و لتدورك بتلزيزه ما وجب من صغر حجمه و في باطن كل واحد منهما تجويف يجتمع فيه ما يتحلل إليها لتميز قوتها الغاذية الدموية من المائية و تصرفها إلى غذائها ثم   يرسل المائية إلى المثانة و لكل منهما عنق متصل بالأجوف من الكبد ليجذب المائية و آخر متصل بالمثانة ليرسل مائيته إليها و وضعت اليمنى أرفع من اليسرى ليكون أقرب من الكبد. و إنما جعلت زوجا لكثرة المائية و تضييق المكان على الكبد و الأعور و الطحال و القولون إن جعلت واحدة في أحد الجانبين و كان مع ذلك لا يستوي القامة بل تكون مائلة إلى جهتها أو على المعدة و الأمعاء إن جعلت في الوسط و كان مع ذلك يمنع الانحناء إلى قدام على أن كل عضو من الحيوان خلق زوجا و الذي لا يرى زوجا فهو ذو شقين كما يظهر بالتأمل فيما مر و قد قال سبحانه وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. و أما المثانة فهي عصبانية مخلوقة من عصب الرباط ليكون أشد قوة و وثاقة و مع القوة قابلة للتمدد و هي ككيس بلوطي الشكل طرفاه أضيق و وسطه أوسع مبطن بغشاء منتسج من الأصناف الثلاثة و الليف ليقوم بإتمام الأفعال الثلاثة و هي ذات طبقتين و البطانة ضعف الظهارة عمقا و غلظا لأنها هي الملامسة للمائية الحادة و هي القائمة بالأفعال الثلاثة و الظهارة وقاية لها لئلا تنفسخ عند ارتكازها و تمددها و هي موضوعة بين الدرز و العانة و شأنها أن تكون وعاء للبول و مقبضة له إلى أن يخرج دفعة واحدة بالاختيار و الإرادة فيستغني الإنسان بذلك عن مواصلة الإدرار كالمعاء للثفل. و البول يأتيها من منفذي الكليتين كما مر و المنفذان إذا بلغا إليها خرقا إحدى طبقتيها و مرا فيما بين الطبقتين في طولهما ثم يغوصان في الطبقة الباطنة مفجرين إياه إلى تجويف المثانة إليها حتى إذا امتلأت و ارتكزت انطبقت البطانة

    على الظهارة مندفعة إليها من الباطن كأنهما طبقة واحدة لا منفذ بينهما و لها عنق دفاع للماء إلى القضيب معوج كثيرة التعاويج و لأجلها لا يندفع الماء بالتمام دفعة و خصوصا في الذكران فإنه فيهم ذو ثلاث تعاويج و في الإناث ذو تعويج واحد لقرب مثانتهن من أرحامهن و على فمه عضلة تضمه و تمنع خروج البول حتى تطلقه الإرادة المرخية لها. أما الثدي فمركب من شرايين و عروق و عصب يحتشي ما بينها نوع من اللحم غددي أبيض طبيعته اللين خلقه الله ليكون المحيل و المولد للبن و هذه الشرايين و العروق تنقسم في الثدي إلى أقسام دقاق و تستدير و تلتف لفائف كثيرة و يحتوي عليها ذلك اللحم الذي هو مولد اللبن فيحيل ما في تجويفها من الدم حتى يصير لبنا بتشبيهه إياه بطبيعته كما يحيل لحم الكبد ما يجتذب من المعدة و الأمعاء حتى يصير دما بتشبيهه إياه

الفصل السادس في تشريح آلات التناسل.

 أما الأنثيان فجوهرهما لحم غددي أبيض مثل لحم الثدي يحيل الدم النضيج الأحمر اللطيف المنجذب إليه كأنها فضلة الهضم الرابع في البدن كله منيا أبيض بسبب ما يتخضخض فيه هوائية الروح و انجذاب تلك المادة إليهما في شعب عروق ساكنة و نابضة كثيرة الفوهات كثيرة التعاويج و الالتفافات و مجرى تلك العروق الصفاق و ينزل منه مجريان شبه البرنجين ثم يتشعبان فيكون منهما الطبقة الداخلة عن كيس البيضتين ثم يصير من هناك فيهما فيستحكم استحالته و يكمل نوعه و يصير منيا تاما و يصير في مجريين يفيضان إلى القضيب.   و بسبب كثرة شعب العروق التي يأتيها صار الإخصاء الذي في صورة قطع عرق واحد كأنه قطع من كل عضو عرق لكثرة الفوهات التي تظهر هناك و لهذا يوجد الخصيان تذهب قواهم و تسترخي مفاصلهم و يظهر ذلك في مشيهم و جميع حركاتهم و في عقولهم و أصواتهم. و أما القضيب فهو عضو مؤلف من رباطات و أعصاب و عضلات و عروق ضاربة و غير ضاربة يتخللها لحم قليل و أصله جسم رباطي ينبت من عظم العانة كثير التجاويف واسعها تكون في الأكثر منطبقة و تحته و فوقه شرايين كثيرة واسعة فوق ما يليق به و تأتيه أعصاب من فقار العجز و إن كانت ليست غائصة في جوهره و له ثلاث مجاري للبول و المني و الوذي و الإنعاظ يكون بامتلاء تجاويفه من ريح غليظة و امتلاء عروقه من الدم و الإنزال يكون عند ما تمتد و تنتصب الأوعية التي فيها المني و تهيج لقذف ما فيها لكثرته أو للدغه و أحد الأسباب الداعية إلى ذلك احتكاك الكمرة و تدغدغها من الجسم المصاك لها فإن ذلك يدعو إلى تمدد أوعية المني و قذف ما فيها و قوة الانتشار و ريحه ينبعث من القلب و كذا قوة الشهوة ينبعث منه بمشاركة الكلية و الأصل هو القلب. و أما الرحم فهو للإناث بمنزلة القضيب للرجال فهو آلة توليدهن كما أن القضيب آلة تناسلهم و في الخلقة تشاكله إلا أن إحداهما تامة بارزة و الأخرى ناقصة محتبسة في الباطن و كأن الرحم مقلوب القضيب أو قالبه و في داخله طوق مستدير عصبي في وسطه و عليه زوائد و خلق ذا عروق كثيرة ليكون هناك عدة للجنين و يكون أيضا للعضل الطمثي منافذ كثيرة و هو موضوع فيما بين المثانة و المعاء المستقيم إلا أنه يفضل على المثانة إلى ناحية فوق كما تفضل هي عليه بعنقها من تحت و هو يشغل ما بين قرب السرة إلى آخر منفذ الفرج و هو رقبته و طوله ما بين ست أصابع إلى أحد عشر و يطول و يقصر بالجماع و تركه و يتشكل مقداره بشكل مقدار من

    يعتاد مجامعتها و يقرب من ذلك طول الرحم و ربما مس المعاء العليا و هي مربوط بالصلب برباطات كثيرة قوية إلى ناحية السرة و المثانة و العظم العريض لكنها سلسة. و جعل من جوهر عصبي له أن يتمدد و يتسع على الاشتمال و أن يتقلص و يجتمع عند الاستغناء و لن تستتم تجويفه إلا مع استتمام النمو كالثدي لا يستتم حجمها إلا مع ذلك لأنه يكون قبل ذلك معطلا و هو يغلظ و يثخن كأنه يسمن في وقت الطمث ثم إذا طهر ذبل و خلق ذا طبقتين باطنتهما أقرب إلى أن تكون عرقية و خشونتها لذلك و فوهات هذه العروق هي التي تنقر في الرحم و تسمى نقر الرحم و بها تتصل أغشية الجنين و منها يسيل الطمث و منها يعتدل الجنين و ظاهرتهما أقرب إلى أن تكون عصبية و هي ساذجة واحدة و الداخلة كالمنقسمة قسمين متجاورتين لا كملتحمتين. و لرحم الإنسان تجويفان و لغيره بعدد الأثداء و ينتهيان إلى مجرى محاذ لفم الفرج الخارج فيه يبلغ المني و يقذف الطمث و يلد الجنين و يكون في حال العلوق في غاية الضيق لا يكاد يدخله طرف ميل ثم يتسع بإذن الله فيخرج منه الجنين. و قبل افتضاض البكر تكون في رقبة الرحم أغشية تنتسج من عروق و رباطات رقيقة جدا يهتكها الافتضاض و من النساء من رقبة رحمها إلى اليمين و منهن من هي منها إلى اليسار و هي من عضلة اللحم كأنها غضروفية و كأنها غصن على غصن يزيدها السمن و الحمل صلابة و للرحم زائدتان تسميان قرني الرحم و هما الأنثيان للنساء و هما كما في الرجال إلا أنهما باطنتان و أصغر و أشد تفرطحا يخص كل واحد منهما غشاء عصبي لا يجمعهما كيس واحد و كما أن أوعية المني في الرجال بينهما و بين المستفرغ من أصل القضيب كذلك للنساء بينهما و بين المقذف إلى داخل   الرحم إلا أنها فيهن متصلة بهما لقربهما بها في اللين و لم يحتج إلى تصليبهما و تصليب غشائهما. قال في القانون كما أن للرجال أوعية المني بين البيضتين و بين المستفرغ من أصل القضيب كذلك للنساء أوعية المني بين الخصيتين و بين المقذف إلى داخل الرحم لكن الذي للرجال يبتدئ من البيضة و يرفع إلى فوق و يندس في النقرة التي تنحط منها علاقة البيضة محرزة موثقة ثم ينشأ هابطا منفرجا متعرجا متوربا ذا التفافات يتم فيما بينها نضج المني حتى يعود و يفضي إلى المجرى الذي في الذكر من أصله من الجانبين و بالقرب منه ما يفضي إليه أيضا طرف عنق المثانة و هو طويل في الرجال قصير في النساء. فأما في النساء فيميل من البيضتين إلى الخاصرتين كالقرنين مقومتين شاخصتين إلى الحالبين يتصل طرفاها بالأربيتين و يتوتران عند الجماع فيستويان عنق الرحم للقبول بأن يجذباه إلى جانبين فيتوسع و ينفتح و يبلع المني و يختلفان في أن أوعية المني في النساء تتصل بالبيضتين و ينفذ في الزائدتين القرنيتين شي‏ء ينفذ من كل بيضة يقذف المني إلى الوعاء و يسميان قاذفي المني. و إنما اتصلت أوعية المني في النساء بالبيضتين لأن أوعية المني فيهن قريبة في اللين من البيضتين و لم يحتج إلى تصليبهما و تصليب غشائهما لأنهما في كن و لا يحتاج إلى درق بعيد و أما في الرجال فلم يحسن وصلهما بالبيضتين و لم يخلط بهما و لو فعل ذلك لكانتا تؤذيانها إذا توترتا بصلابتهما بل جعل بينهما واسطة تسمى أقنديدوس انتهى.

   الفصل السابع في تشريح سائر الأعضاء من أسافل البدن

 أما هيئة الخاصرة و العانة و الورك فبيانها أن عند العجز عظمين كبيرين يمنة و يسرة يتصلان في الوسط من قدام بمفصل موثق و هما كالأساس لجميع العظام الفوقانية و الحامل الناقل للسفلانية و كل واحد منهما ينقسم إلى أربعة أجزاء فالذي يلي الجانب الوحشي يسمى الحرقفة و عظم الخاصرة و الذي يلي الخلف يسمى عظم الورك و الذي يلي الأسفل يسمى حق الفخذ لأن فيه التقعير الذي يدخل فيه رأس الفخذ المحدب و قد وضع عليه أعضاء شريفة مثل المثانة و الرحم و أوعية المني من الذكران و المقعدة و السرة. و أما الفخذ فله عظم هو أعظم عظم في البدن لأنه حامل لما فوقه و ناقل لما تحته و قبب طرفه العالي ليتهندم في حق الورك و هو محدب إلى الوحشي و قدام مقعر إلى الإنسي و خلف فإنه لو وضع على استقامة و موازاة للحق لحدث نوع من الفحج كما يعرض لمن خلقته تلك و لم يحسن وقايته للعضل الكبار و العصب و العروق و لم يحدث من الجملة شي‏ء مستقيم و لم يحسن هيئة الجلوس ثم لو لم يرد ثانيا إلى الجهة الإنسية لعرض فحج من نوع آخر و لم يكن للقوام واسطة عنها و إليها الميل فلم يعتدل. و في طرفه الأسفل زائدتان تتهندمان في نقرتين في رأس عظم الساق و قد وثقتا برباط ملتف و رباط في الغور و رباطين من الجانبين قويين فهندم مقدمهما بالرضفة و هي عين الركبة و هو عظم عريض في الاستدارة فيه غضروفية فائدته مقاومة   ما يتوقى عن الجثو و جلسة التعلق من الانتهاك و الانخلاع فهو دعامة للمفصل و جعل موضعه إلى قدام لأن أكثر ما يلحقه من عنف الانعطاف يكون إلى قدام إذ ليس له إلى خلف انعطاف عنف و أما إلى الجانبين فانعطافه شي‏ء يسير بل جعل انعطافه إلى قدام و هناك يلحقه العنف عند النهوض و الجثو و ما أشبه ذلك. و أما الساق فهو كالساعد مؤلف من عظمين أحدهما أكبر و أطول و هو الإنسي و يسمى القصبة الكبرى و الثاني أصغر و أقصر لا يلاقي الفخذ بل يقصر دونه إلا أنه من أسفل ينتهي إلى حيث ينتهي إليه الأكبر و يسمى القصبة الصغرى و هي متبرئة عن الكبرى في الوسط بينهما فرجة قليلة و للساق تحدب إلى الوحشي ثم عند الطرف الأسفل تحدب آخر إلى الإنسي ليحسن به القوام و يعتدل و القصبة الكبرى و هي الساق بالحقيقة قد خلقت أصغر من الفخذ و ذلك أنه لما اجتمع لها موجبا الزيادة في الكبر و هو الثبات و حمل ما فوقه و الزيادة في الصغر و هو الخفة للحركة و كان الموجب الثاني أولى بالغرض المقصود في الساق فخلق أصغر و الموجب الأول أولى بالغرض المقصود في الفخذ فخلق أعظم. و أعطي الساق قدرا معتدلا حتى لو زيد عظما عرض من عسر الحركة ما يعرض لصاحب داء الفيل و الدوالي و لو انتقص عرض من الضعف و عسر الحركة و العجز عن حمل ما فوقه ما يعرض لدقاق السوق في الخلقة و مع هذا كله فقد دعم و قوي بالقصبة الصغرى و للقصبة الصغرى منافع أخرى مثل ستر العصب و العروق بينهما و مشاركة القصبة الكبرى في مفصل القدم ليتأكد و يقوى مفصل الانثناء و الانبساط. و أما القدم فمؤلفة من ستة و عشرين عظما كعب به يكمل المفصل مع الساق و عقب به عمدة الثبات و هو أعظمها و زورقي به الأخمص و أربعة عظام للرسغ بها يتصل بالمشط و واحد منها عظم نردي كالمسدس موضوع إلى الجانب الوحشي و به يحسن ثبات ذلك الجانب على الأرض و خمسة عظام للمشط بعدد الأصابع في صف واحد و أربعة عشر سلاميات الأصابع لكل منها ثلاثة سوى الإبهام فإن له اثنين.

    أما الكعب فإن الإنساني منه أشد تكعيبا من كعوب سائر الحيوانات و كأنه أشرف عظام القدم النافعة في الحركة كما أن العقب أشرف عظام الرجل النافعة في الثبات و هو موضوع بين الطرفين النابتين من قصبتي الساق يحتويان عليه بمقعرهما من جوانبه و يدخل طرفاه في العقب في نقرتين دخول ركز و هو واسطة بين الساق و العقب به يحسن اتصالهما و يتوثق المفصل بينهما و يؤمن عليه الاضطراب و هو موضوع في الوسط بالحقيقة و يرتبط به العظم الزورقي من قدام ارتباطا مفصليا و هذا الزورقي متصل بالعقب من خلف و من قدام بثلاثة من عظام الرسغ و من الجانب الوحشي بالعظم النردي. و أما العقب فهو موضوع تحت الكعب صلب مستدير إلى خلف ليقاوم المصاكات و الآفات مملس الأسفل ليحسن استواء الوطء و انطباق القدم على المستقر عند القيام و خلق مثلثا إلى الاستطالة يدق يسيرا يسيرا حتى ينتهي فيضمحل عند الأخمص إلى الوحشي ليكون تقعير الأخمص متدرجا من خلف إلى متوسطة. و أما الرسغ فيخالف رسغ الكف بأنه صف واحد و ذاك صفان و عظامه أقل عددا و ذلك لأن الحاجة في الكف إلى الحركة و الاشتمال أكثر و في القدم إلى الوثاقة أشد و خلق شكل القدم مطاولا إلى قدام ليعين على الانتصاب بالاعتماد عليه و خلق له أخمص من الجانب الإنسي ليكون ميل القدم عند الانتصاب و خصوصا لدى المشي إلى الجهة المضادة لجهة الرجل المشيلة للنقل فيعتدل القوام و ليكون الوطء على الأشياء المدورة و الناتئة مهندما من غير ألم و ليحسن اشتمال القدم على ما يشبه الدرج و ليكون بعض أجزائها متجافية عن الأرض فيكون المشي أخف و العدو أسهل و لمثل هذه المنافع خلقت من عظام كثيرة و إنها بذلك تحتوي على الموطوء عليه كالكف على المقبوض إيضاح في القاموس الزرفين بالضم و بالكسر حلقة للباب أو عام معرب و قد زرفن صدغيه جعلهما كالزرفين و قال الجوهري الزرد مثل السرد و هو مداخل حلق الدروع بعضها في بعض و الزرد بالتحريك الدروع المزرودة   و الزراد صانعها انتهى فشبهوا اتصال بطون الدماغ بعضها ببعض و تداخلها بالدروع و نسجها. قال في القانون للدماغ في طوله ثلاثة بطون و إن كان كل بطن في عرضه ذا جزءين و الجزء المقدم محسوس الانفصال إلى جزءين يمنة و يسرة و هذا الجزء يعين على الاستنشاق و على نفض الفضل بالعطاس و على توزيع أكثر الروح الحساس و على أفعال القوى المتصورة من قوى الإدراك الباطن. و أما البطن المؤخر فهو أيضا عظيم لأنه يملأ تجويف عضو عظيم و لأنه مبدأ شي‏ء عظيم أعني النخاع و منه يتوزع أكثر الروح المتحركة و هناك أفعال القوة الحافظة لكنه أصغر من المقدم بل كل واحد من بطني المقدم و مع ذلك فإنه يتصغر تصغرا مدرجا إلى النخاع و يتكاثف تكاثفا إلى الصلابة. فأما البطن الوسط فإنه كمنفذ من الجزء المقدم إلى الجزء المؤخر كدهليز مضروب بينهما و قد عظم لذلك و طول لأنه مؤد من عظيم إلى عظيم و به يتصل الروح المقدم بالروح المؤخر و يتأدى أيضا الأشباح المتذكرة و يتسقف مبدأ هذا البطن الأوسط بسقف كري الباطن كالأزج و يسمى به ليكون منفذا و مع ذلك مبتعدا بتدويره عن الآفات و قويا على حمل ما يعتمد عليه من الحجاب المدرج. و هناك يجتمع بطنا الدماغ المقدمان اجتماعا يتراءيان للمؤخر في هذا المنفذ و ذلك الموضع يسمى مجمع البطنين و هذا المنفذ نفسه بطن و لما كان منفذا يؤدي التصور إلى الحفظ كان أحسن موضع للفكر و التخيل على ما علمت و يستدل على أن هذه البطون مواضع قوى تصدر عنها هذه الأفعال من جهة ما يعرض لها من الآفات فيبطل مع آفة كل جزء فعله أو يدخله خلافه. و الغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشى بطون الدماغ إلى القمحدوة التي

    عند الطاق و أما ما وراء ذلك فصلابته تكفيه تغشية الحجاب إياه فأما التزريد الذي في بطون الدماغ فليكون للروح النفساني نفوذ في جوهر الدماغ كما في بطونه إذ ليس في كل وقت تكون البطون متسعة منفتحة أو الروح قليلا بحيث يسع البطون فقط و لأن الروح إنما تكمل استحالة عن المزاج الذي للقلب إلى المزاج الذي للدماغ بأن ينطبخ فيه انطباخا يأخذ به من مزاجه و هو أول مما يتأدى إلى الدماغ يتأدى إلى بطنه الأول لينطبخ فيه ثم ينفذ إلى البطن الأوسط فيزداد فيه انطباخا ثم يتم انطباخه في البطن المؤخر و الانطباخ الفاضل إنما يكون بممازجة و مخالطة و نفوذ في أجزاء الطابخ كحال الغذاء في الكبد. لكن زرد المقدم أكثر أفرادا من زرد المؤخر لأن نسبة الزرد إلى الزرد كنسبة العضو إلى العضو بالتقريب و السبب المصغر للمؤخر من المقدم موجود في الزرد و بين هذا البطن و بين البطن المؤخر و من تحتهما مكان هو متوزع العرقين العظيمين الصاعدين إلى الدماغ اللذين سنذكرهما إلى شعبهما التي ينتسج منها المشيمة من تحت الدماغ. و قد عمدت تلك الشعب بجرم من جنس الغدد يملأ ما بينها و يدعمها كالحال في سائر المتوزعات العرقية فإن من شأن الخلإ الذي يقع بينها أن يملأ أيضا بلحم غددي و هذه الغدة تتشكل بشكل الشعب المذكورة على هيئة التوزع الموصوف فكما أن التشعب أو التوزع المذكور يبتدئ من ضيق و يتفرع إلى سعة توجبها الانبساط كذلك صارت هذه الغدة صنوبرية رأسها يلي مبدأ التوزع من فوق و تذهب متوجهة نحو غايتها إلى أن يتم تدلي الشعب و يكون هناك منتسج على مثال المنتسج في المشيمة فيستقر فيه. فالجزء من الدماغ المشتمل على هذا البطن الأوسط عامة و أجزاؤه التي هي من فوق دوري الشكل مزردة من زرد موضوعة في طوله مربوطة بعضها ببعض   ليكون له أن يتمدد و أن يتقلص كالدود و باطن فوقه مغشي بالغشاء الذي يستبطن الدماغ إلى حد المؤخر و هو مركب على زائدتين من الدماغ مستديرتين إحاطة الطول كالفخذين يقربان إلى التماس و يتباعدان إلى الانفراج تركيبا بأربطة تسمى وترات لئلا يزول عنها لتكون الدودة إذا تمددت و ضاق عرضها ضغطت هاتين الزائدتين إلى الاجتماع فينسد المجرى و إذا تقلصت إلى القصر و ازدادت عرضا تباعدت إلى الافتراق فانفتح المجرى. و ما يلي منه مؤخر الدماغ أدق و إلى التحدب ما هو و يتهندم في مؤخر الدماغ كالوالج منه في مولج و مقدمه أوسع من مؤخره على الهيئة التي يحتملها الدماغ و الزائدتان المذكورتان تسميان القبتين و لا تزريد فيهما البتة بل ملساوان ليكون شدهما و انطباقهما أشد و لتكون إجابتهما إلى التحريك بسبب حركة شي‏ء آخر أشبه بإجابة الشي‏ء الواحد. و لدفع فضول الدماغ مجريان أحدهما في البطن المقدم عند الحد المشترك بينه و بين الذي بعده و الآخر في البطن الأوسط و ليس للبطن المؤخر مجرى مفرد و ذلك لأنه موضوع في الطرف صغير أيضا بالقياس إلى المقدم لا يحتمل ثقبا و يكفيه و الأوسط مجرى مشترك بينهما و خصوصا و قد جعل مخرجا للنخاع يتحلل بعض فضوله و يندفع من جهته. و هذان المجريان إذا ابتدءا من البطنين و نفذا في الدماغ نفسه توربا نحو الالتقاء عند منفذ واحد عميق مبدؤه الحجاب الرقيق و آخره و هو أسفله عند الحجاب الصلب و هو مضيق كالقمع يبتدئ من سعة مستديرة إلى مضيق و لذلك يسمى قمعا و يسمى أيضا مستنقعا فإذا نفذ في الغشاء الصلب لاقى هناك مجرى في غدة كأنها كرة مغمورة من جانبين متقابلين من فوق و أسفل و هي بين الغشاء الصلب و بين

    مجرى الحنك ثم تجده هناك المنافذ التي في مشاشية المصفاة من أعلى الحنك انتهى. و في القاموس الأزج محركة ضرب من الأبنية و في المصباح الأزج بيت يبنى طولا و يقال الأزج السقف و قال القمحدوة فعللوة بفتح الفاء و العين و سكون اللام الأولى و ضم الثانية هي ما خلف الرأس و هو مؤخر القذال و الجمع قماحد و في القاموس القمع بالكسر و بالفتح و كعنب ما التزق بأسفل التمرة و البسرة و نحوهما. و قال الجوهري الصدى الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال و غيرها يقال أصم الله صداه أي أهلكه لأن الرجل إذا مات لم يسمع الصدى منه شيئا فيجيبه و قال الفيروزآبادي الرضاب كغراب الريق المرشوف أو قطع الريق في الفم و قال الصردان عرقان يستبطنان اللسان و قال المجرفة كمكنسة المكسحة و قال شي‏ء مهندم مصلح على مقدار و له هندام معرب أندام. و الدغدغة الزعزعة و الصفق الضرب و صفق الباب رده أو أغلقه و فتحه ضد و الريح الأشجار حركتها و الصفوق الصخرة الملساء المرتفعة و قال الغلصمة اللحم بين الرأس و العنق أو العجرة على ملتقى اللهاة و المري‏ء أو رأس الحلقوم بشواربه و حرقدته أو أصل اللسان و قال العير العظم الناتئ وسطها و قال الكزاز كغراب و رمان داء من شدة البرد أو الرعدة منها. و قال الأربية كأثفية أصل الفخذ أو ما بين أعلاه و أوسطه و قال المري‏ء كأمير مجرى الطعام و الشراب و هو رأس المعدة و الكرش اللاصق بالحلقوم و قال الصفاق ككتاب الجلد الأسفل تحت الجلد الذي عليه الشعر أو ما بين الجلد و المصران و جلد البطن كله و قال الثرب شحم رقيق يغشى الكرش و الأمعاء و قال مراق البطن ما رق منه و لان جمع مرق أو لا واحد لها و قال رصه ألصق بعضه ببعض و ضم كرصصه. و في القاموس رصه ألزق و قال الصاروج النورة و أخلاطها معرب   و صرج الحوض تصريجا. و قال المصهرج المعمول بالصاروج و الارتكاز الاستقرار و الاعتماد و قال نبض العرق ينبض نبضا و نبضانا تحرك و البربخ على ما ذكره الأطباء ما يعمل من السفال و يوضع في مجرى الماء و يقال له بالفارسية گنگ و الكمرة محركة رأس الذكر و المفرطح العريض و يقال توتر العصب و العنق إذا اشتد. و في القاموس الحرقفة عظم الحجبة أي رأس الورك و قال القبب دقة الخصر و ضمور البطن قب بطنه و قبب و سرة مقبوبة و مقببة ضامرة و قال الحق بالضم رأس الورك الذي فيه عظم الفخذ و قال فحج في مشيته كمنع تدانى صدور قدميه و تباعد عقباه و قال الإنسي الأيسر من كل شي‏ء و من القوس ما أقبل عليك منها و الوحشي الجانب الأيمن من كل شي‏ء أو الأيسر و من القوس ظهرها و قال الرضف عظام في الركبة كالأصابع المضمومة قد أخذ بعضها بعضا و هي من الفرس ما بين الكراع و الذراع واحدتها رضفة و تحرك. أقول ما في كتب الطب لعله على المجاز و الزورق السفينة الصغيرة.

فذلكة

 اعلم أن عظام الرأس أحد عشر و عظام الوجه ستة عشر و الأسنان اثنان و ثلاثون و فقرات العنق و الظهر و العجز و العصعص ثلاثون و عظام الترقوة اثنان و الكتفان اثنان و قلة الكتف اثنان و العظام الأصلية لليدين ستون سوى العظام الصغيرة في المواصل المسماة بالسمسمانية و الأضلاع من الجانبين أربعة و عشرون و عظام الصدر سبعة و عظام الخاصرة اثنتان و عظام الرجلين ستون. فالمجموع مائتان و ثمانية و أربعون سوى السمسمانية و معها مائتان و أربعة و ستون لأنها في كل يد و رجل أربعة و عدد العضلات على ما ذكره جالينوس خمسمائة و تسعة و عشرون و على ما ذكرها أبو القاسم بن أبي صادق خمسمائة و ثمانية عشر.   و الأعصاب على المشهور ثمانية و عشرون زوجا و واحد فرد فيكون سبعة و خمسين. و أما الشريانات النابضة المنشعبة من القلب و الأوردة الساكنة المنبعثة من الكبد فقد مر مجملا أصولهما و كيفية انشعابهما و لا يحصر شعبهما عدد مضبوط ليمكن ذكرها و قد مر في الأخبار أن الجميع ثلاثمائة و ستون نصفها متحركة و نصفها ساكنة. و أقول إنما بسطنا الكلام في هذا الباب لمدخليتها في معرفة الحكيم الكريم الوهاب و لطفه و كرمه و حكمه و نعمه في جميع الأبواب و هي أفضل فنون الطب و الحكمة و أدقهما و أشرفهما و الله الموفق للصواب