باب 14- آخر في الرسالة المذهبة المعروفة بالذهبية

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقول وجدت بخط الشيخ الأجل الأفضل العلامة الكامل في فنون العلوم و الأدب مروج الملة و الدين و المذهب نور الدين علي بن عبد العالي الكركي جزاه الله سبحانه عن الإيمان و عن أهله الجزاء السني ما هذا لفظه الرسالة الذهبية في الطب التي بعث بها الإمام علي بن موسى الرضا ع إلى المأمون العباسي في حفظ صحة المزاج و تدبيره بالأغذية و الأشربة و الأدوية. قال إمام الأنام غرة وجه الإسلام مظهر الغموض بالروية اللامعة كاشف الرموز في الجفر و الجامعة أقضى من قضى بعد جده المصطفى و أغزى من غزا بعد أبيه علي المرتضى إمام الجن و الإنس أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه و على آبائه النجباء النقباء الكرام الأتقياء اعلم يا أمير المؤمنين إلى آخر ما سيأتي من الرسالة. و وجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السندين قال موسى بن علي بن   جابر السلامي أخبرني الشيخ الأجل العالم الأوحد سديد الدين يحيى بن محمد بن علبان الخازن أدام الله توفيقه قال أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور. و قال هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه حدثنا محمد بن هشام بن سهل رحمه الله قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور قال حدثني أبي و كان عالما بأبي الحسن علي بن موسى الرضا ع خاصة به ملازما لخدمته و كان معه حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان و استشهد عليه الصلاة و السلام بطوس و هو ابن تسع و أربعين سنة. قال و كان المأمون بنيسابور و في مجلسه سيدي أبو الحسن الرضا ع و جماعة من المتطببين و الفلاسفة مثل يوحنا بن ماسويه و جبرئيل بن بختيشوع و صالح بن سلهمة الهندي و غيرهم من منتحلي العلوم و ذوي البحث و النظر فجرى ذكر الطب و ما فيه صلاح الأجسام و قوامها فأغرق المأمون و من بحضرته في الكلام و تغلغلوا في علم ذلك و كيف ركب الله تعالى هذا الجسد و جميع ما فيه من هذه الأشياء المتضادة من الطبائع الأربع و مضار الأغذية و منافعها و ما يلحق الأجسام من مضارها من العلل. قال و أبو الحسن ع ساكت لا يتكلم في شي‏ء من ذلك فقال له المأمون ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الذي نحن فيه هذا اليوم و الذي لا بد منه من معرفة هذه الأشياء و الأغذية النافع منها و الضار و تدبير الجسد فقال أبو الحسن ع عندي من ذلك ما جربته و عرفت صحته بالاختبار و مرور الأيام مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الإنسان جهله و لا يعذر في تركه فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته. قال و عاجل المأمون الخروج إلى بلخ و تخلف عنه أبو الحسن ع و كتب المأمون إليه كتابا يتنجزه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته من جهته على ما سمعه منه

    و جربه من الأطعمة و الأشربة و أخذ الأدوية و الفصد و الحجامة و السواك و الحمام و النورة و التدبير في ذلك. فكتب الرضا ع إليه كتابا نسخته بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اعتصمت بالله أما بعد فإنه وصل إلى كتاب أمير المؤمنين فيما أمرني من توقيفه على ما يحتاج إليه مما جربته و ما سمعته في الأطعمة و الأشربة و أخذ الأدوية و الفصد و الحجامة و الحمام و النورة و الباه و غير ذلك مما يدبر استقامة أمر الجسد و قد فسرت له ما يحتاج إليه و شرحت له ما يعمل عليه من تدبير مطعمه و مشربه و أخذه الدواء و فصده و حجامته و باهه و غير ذلك مما يحتاج إليه من سياسة جسمه و بالله التوفيق. اعلم أن الله عز و جل لم يبتل الجسد بداء حتى جعل له دواء إلى آخر ما سيأتي. أقول و ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس الله روحه القدوسي في الفهرست في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري له كتب منها كتاب الملاحم و كتاب الواحدة و كتاب صاحب الزمان ع و له الرسالة المذهبة عن الرضا ع أخبرنا برواياته كلها إلا ما كان فيها من غلو أو تخليط جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن محمد بن جمهور. و رواها محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسن بن متيل عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي بن علي عن محمد بن جمهور. و ذكر النجاشي أيضا طريقه إليه هكذا أخبرنا محمد بن علي الكاتب عن محمد بن عبد الله عن علي بن الحسين الهذلي المسعودي قال لقيت الحسن بن محمد بن جمهور فقال لي حدثني أبي محمد بن جمهور و هو ابن مائة و عشر سنين.   و أخبرنا ابن شاذان عن أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن محمد بن جمهور بجميع كتبه. و قال محمد بن شهرآشوب قدس سره في كتاب معالم العلماء في ترجمة محمد بن الحسن له الرسالة المذهبة عن الرضا ع في الطب انتهى. و ذكر الشيخ منتجب الدين في الفهرست أن السيد فضل الله بن علي الراوندي كتب عليها شرحا سماه ترجمة العلوي للطب الرضوي. فظهر أن الرسالة كانت من المشهورات بين علمائنا و لهم إليه طرق و أسانيد لكن كان في نسختها التي وصلت إلينا اختلاف فاحش أشرنا إلى بعضها و لنشرع في ذكر الرسالة ثم في شرحها على الإجمال. اعلم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى لم يبتل العبد المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به و لكل صنف من الداء صنف من الدواء و تدبير و نعت و ذلك أن الأجسام الإنسانية جعلت على مثال الملك فملك الجسد هو القلب و العمال العروق و الأوصال و الدماغ و بيت الملك قلبه و أرضه الجسد و الأعوان يداه و رجلاه و شفتاه و عيناه و لسانه و أذناه و خزانته معدته و بطنه و حجابه صدره. فاليدان عونان يقربان و يبعدان و يعملان على ما يوحي إليهما الملك و الرجلان تنقلان الملك حيث يشاء. و العينان تدلانه على ما يغيب عنه لأن الملك من وراء الحجاب لا يوصل إليه شي‏ء إلا بهما و هما سراجان أيضا و حصن الجسد و حرزه الأذنان لا يدخلان على الملك إلا ما يوافقه لأنهما لا يقدران أن يدخلا شيئا حتى يوحي الملك إليهما فإذا أوحى الملك إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما ثم يجيب بما يريد فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة منها ريح الفؤاد و بخار المعدة و معونة الشفتين

    و ليس للشفتين قوة إلا باللسان و ليس يستغني بعضها عن بعض و الكلام لا يحسن إلا بترجيعه في الأنف لأن الأنف يزين الكلام كما يزين النافخ في المزمار و كذلك المنخران و هما ثقبتا الأنف يدخلان على الملك مما يحب من الرياح الطيبة فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك و تلك الريح. و للملك مع هذا ثواب و عقاب فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا و ثوابه أفضل من ثوابهم فأما عذابه فالحزن و أما ثوابه فالفرح و أصل الحزن في الطحال و أصل الفرح في الثرب و الكليتين و منهما عرقان موصلان إلى الوجه. فمن هناك يظهر الفرح و الحزن فترى علامتهما في الوجه و هذه العروق كلها طرق من العمال إلى الملك و من الملك إلى العمال و مصداق ذلك أنك إذا تناولت الدواء أدته العروق إلى موضع الداء بإعانتها. و اعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة و السقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق و لا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها و كثر ريعها و زكى زرعها و إن تغوفل عنها فسدت و لم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة. و بالتدبير في الأغذية و الأشربة يصلح و يصح و تزكو العافية فيه فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك و يوافق معدتك و يقوى عليه بدنك و يستمرئه من الطعام فقدره لنفسك و اجعله غذاءك.   و اعلم يا أمير المؤمنين أن كل واحدة من هذه الطبائع تحت ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك و من أخذ من الطعام زيادة لم يغذه و من أخذه بقدر لا زيادة عليه و لا نقص في غذائه نفعه و كذلك الماء فسبيله أن تأخذ من الطعام كفايتك في أيامه و ارفع يديك منه و يك إليه بعض القرم و عندك إليه ميل فإنه أصلح لمعدتك و لبدنك و أزكى لعقلك و أخف لجسمك. يا أمير المؤمنين كل البارد في الصيف و الحار في الشتاء و المعتدل في الفصلين على قدر قوتك و شهوتك و ابدأ في أول الطعام بأخف الأغذية التي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك و بحسب طاقتك و نشاطك و زمانك الذي يجب أن يكون أكلك في كل يوم عند ما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة أو ثلاث أكلات في يومين تتغدى باكرا في أول يوم ثم تتعشى فإذا كان في اليوم الثاني فعند مضي ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة و لم تحتج إلى العشاء و كذا أمر جدي محمد ص عليا ع في كل يوم وجبة و في غده وجبتين و ليكن ذلك بقدر لا يزيد و لا ينقص. و ارفع يديك من الطعام و أنت تشتهيه و ليكن شرابك على أثر طعامك من الشراب الصافي العتيق مما يحل شربه و الذي أنا واصفه فيما بعد. و نذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة و شهورها الرومية الواقعة فيها في كل فصل على حدة و ما يستعمل من الأطعمة و الأشربة و ما يجتنب منه و كيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء و نعود إلى قول الأئمة ع في صفة شراب يحل شربه و يستعمل بعد الطعام

   ذكر فصول السنة

 أما فصل الربيع فإنه روح الأزمان و أوله آذار و عدد أيامه ثلاثون يوما و فيه يطيب الليل و النهار و تلين الأرض و يذهب سلطان البلغم و يهيج الدم و يستعمل فيه من الغذاء اللطيف و اللحوم و البيض النيمبرشت و يشرب الشراب بعد تعديله بالماء و يتقى فيه أكل البصل و الثوم و الحامض و يحمد فيه شرب المسهل و يستعمل فيه الفصد و الحجامة. نيسان ثلاثون يوما فيه يطول النهار و يقوى مزاج الفصل و يتحرك الدم و تهب فيه الرياح الشرقية و يستعمل فيه من المآكل المشوية و ما يعمل بالخل و لحوم الصيد و يعالج الجماع و التمريخ بالدهن في الحمام و لا يشرب الماء على الريق و يشم الرياحين و الطيب. أيار أحد و ثلاثون يوما و تصفو فيه الرياح و هو آخر فصل الربيع و قد نهي فيه عن أكل الملوحات و اللحوم الغليظة كالرءوس و لحم البقر و اللبن و ينفع فيه دخول الحمام أول النهار و يكره فيه الرياضة قبل الغذاء. حزيران ثلاثون يوما يذهب فيه سلطان البلغم و الدم و يقبل زمان المرة الصفراوية و نهي فيه عن التعب و أكل اللحم داسما و الإكثار منه و شم المسك و   العنبر و ينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء و بقلة الحمقاء و أكل الخضر كالخيار و القثاء و الشيرخشت و الفاكهة الرطبة و استمال المحمضات و من اللحوم لحم المعز الثني و الجذع و من الطيور الدجاج و الطيهوج و الدراج و الألبان و السمك الطري. تموز أحد و ثلاثون يوما فيه شدة الحرارة و تغور المياه و يستعمل فيه شرب الماء البارد على الريق و يؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة و يكسر فيه مزاج الشراب و تؤكل فيه الأغذية اللطيفة السريعة الهضم كما ذكر في حزيران و يستعمل فيه من النور و الرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة. آب أحد و ثلاثون يوما فيه تشتد السموم و يهيج الزكام بالليل و تهب الشمال و يصلح المزاج بالتبريد و الترطيب و ينفع فيه شرب اللبن الرائب و يجتنب فيه الجماع و المسهل و يقل من الرياضة و يشم من الرياحين الباردة. أيلول ثلاثون يوما فيه يطيب الهواء و يقوى سلطان المرة السوداء و يصلح شرب المسهل و ينفع فيه أكل الحلاوات و أصناف اللحوم المعتدلة كالجداء و الحولي من الضأن و يجتنب فيه لحم البقر و الإكثار من الشواء و دخول الحمام و يستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج و يجتنب فيه أكل البطيخ و القثاء. تشرين الأول أحد و ثلاثون يوما فيه تهب الرياح المختلفة و يتنفس فيه ريح الصبا و يجتنب فيه الفصد و شرب الدواء و يحمد فيه الجماع و ينفع فيه أكل اللحم السمين و الرمان المز و الفاكهة بعد الطعام و يستعمل فيه أكل اللحوم   بالتوابل و يقلل فيه من شرب الماء و يحمد فيه الرياضة. تشرين الآخر ثلاثون يوما فيه يقطع المطر الوسمي و ينهى فيه عن شرب الماء بالليل و يقلل فيه من دخول الحمام و الجماع و يشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار و يجتنب أكل البقول كالكرفس و النعناع و الجرجير. كانون الأول أحد و ثلاثون يوما يقوى فيه العواصف و تشتد فيه البرد و ينفع فيه كل ما ذكرناه في تشرين الآخر و يحذر فيه من أكل الطعام البارد و يتقى فيه الحجامة و الفصد و يستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة و الفعل. كانون الآخر أحد و ثلاثون يوما يقوى فيه غلبة البلغم و ينبغي أن يتجرع فيه الماء الحار على الريق و يحمد فيه الجماع و ينفع الأحشاء فيه مثل البقول الحارة كالكرفس و الجرجير و الكراث و ينفع فيه دخول الحمام أول النهار و التمريخ بدهن الخيري و ما ناسبه و يحذر فيه الحلو و أكل السمك الطري و اللبن. شباط ثمانية و عشرون يوما تختلف فيه الرياح و تكثر الأمطار و يظهر فيه العشب و يجري فيه الماء في العود و ينفع فيه أكل الثوم و لحم الطير و الصيود و الفاكهة اليابسة و يقلل من أكل الحلاوة و يحمد فيه كثرة الجماع و الحركة و الرياضة.

 صفة الشراب الذي يحل شربه و استعماله بعد الطعام و قد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة و ما يعتمد فيها من حفظ الصحة. و صفته أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال فيغسل و ينقع في ماء صاف في   غمرة و زيادة عليه أربع أصابع و يترك في إنائه ذلك ثلاثة أيام في الشتاء و في الصيف يوما و ليلة ثم يجعل في قدر نظيفة و ليكن الماء ماء السماء إن قدر عليه و إلا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق ماء براقا أبيض خفيفا و هو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة و البرودة و تلك دلالة على صفة الماء و يطبخ حتى ينشف الزبيب و ينضج ثم يعصر و يصفى ماؤه و يبرد ثم يرد إلى القدر ثانيا و يؤخذ مقداره بعود و يغلى بنار لينة غليانا لينا رقيقا حتى يمضي ثلثاه و يبقى ثلثه. ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل فيلقى عليه و يؤخذ مقداره و مقدار الماء إلى أين كان من القدر و يغلى حتى يذهب قدر العسل و يعود إلى حده و يؤخذ خرقة صفيقة فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم و من القرنفل نصف درهم و من الدارچيني نصف درهم و من الزعفران درهم و من سنبل الطيب نصف درهم و من الهندباء مثله و من مصطكى نصف درهم بعد أن يسحق الجميع كل واحد على حدة و ينخل و يجعل في الخرقة و يشد بخيط شدا جيدا و تلقى فيه و تمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها و لا يزال يعاهد بالتحريك على نار لينة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل و يرفع القدر و يبرد و يؤخذ مدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض و حينئذ يستعمل. و مقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح. فإذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله تعالى يومك و ليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس و الرياح و غير ذلك من أوجاع العصب و   الدماغ و المعدة و بعض أوجاع الكبد و الطحال و المعاء و الأحشاء. فإن صدقت بعد ذلك شهوة الماء فليشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب قبله فإنه أصلح لبدن أمير المؤمنين و أكثر لجماعه و أشد لضبطه و حفظه فإن صلاح البدن و قوامه يكون بالطعام و الشراب و فساده يكون بهما فإن أصلحتهما صلح البدن و إن أفسدتهما فسد البدن. و اعلم يا أمير المؤمنين أن قوة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان و أن الأمزجة تابعة للهواء و تتغير بحسب تغير الهواء في الأمكنة فإذا برد الهواء مرة و سخن أخرى تغيرت بسببه أمزجة الأبدان و أثر ذلك التغير في الصور فإذا كان الهواء معتدلا اعتدلت أمزجة الأبدان و صلحت تصرفات الأمزجة في الحركات الطبيعية كالهضم و الجماع و النوم و الحركة و سائر الحركات. لأن الله تعالى بنى الأجسام على أربع طبائع و هي المرتان و الدم و البلغم و بالجملة حاران و باردان قد خولف بينهما فجعل الحارين لينا و يابسا و كذلك الباردين رطبا و يابسا ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد و على الرأس و الصدر و الشراسيف و أسفل البطن. و اعلم يا أمير المؤمنين أن الرأس و الأذنين و العينين و المنخرين و الفم و الأنف من الدم و أن الصدر من البلغم و الريح و الشراسيف من المرة الصفراء و أن أسفل البطن من المرة السوداء. و اعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ و هو قوام الجسد و قوته فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعك أولا على شقك الأيمن ثم انقلب على الأيسر و كذلك فقم من مضجعك على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك. و عود نفسك القعود من الليل ساعتين مثل ما تنام فإذا بقي من الليل

    ساعتان فادخل و ادخل الخلاء لحاجة الإنسان و البث فيه بقدر ما تقضي حاجتك و لا تطل فيه فإن ذلك يورث داء الفيل. و اعلم يا أمير المؤمنين أن أجود ما استكت به ليف الأراك فإنه يجلو الأسنان و يطيب النكهة و يشد اللثة و يسننها و هو نافع من الحفر إذا كان باعتدال و الإكثار منه يرق الأسنان و يزعزعها و يضعف أصولها فمن أراد حفظ الأسنان فليأخذ قرن الأيل محرقا و كزمازجا و سعدا و وردا و سنبل الطيب و حب الأثل أجزاء سواء و ملحا أندرانيا ربع جزء فيدق الجميع ناعما و يستن به فإنه يمسك الأسنان و يحفظ أصولها من الآفات العارضة. و من أراد أن يبيض أسنانه فليأخذ جزءا من ملح أندراني و مثله زبد البحر فيسحقهما ناعما و يستن به. و اعلم يا أمير المؤمنين أن أحوال الإنسان التي بناه الله تعالى عليها و جعله متصرفا بها فإنها أربعة أحوال الحالة الأولى لخمس عشرة سنة و فيها شبابه و حسنه و بهاؤه و سلطان الدم في جسمه. ثم الحالة الثانية من خمس و عشرين سنة إلى خمس و ثلاثين سنة و فيها سلطان المرة الصفراء و قوة غلبتها على الشخص و هي أقوى ما يكون و لا يزال كذلك حتى يستوفي المدة المذكورة و هي خمس و ثلاثون سنة. ثم يدخل في الحالة الثالثة إلى أن تتكامل مدة العمر ستين سنة فيكون في سلطان المرة السوداء و هي سن الحكمة و الموعظة و المعرفة و الدراية و انتظام الأمور و صحة النظر في العواقب و صدق الرأي و ثبات الجأش في التصرفات. ثم يدخل في الحالة الرابعة و هي سلطان البلغم و هي الحالة التي لا يتحول   عنها ما بقي إلا إلى الهرم و نكد عيش و ذبول و نقص في القوة و فساد في كونه و نكتته أن كل شي‏ء كان لا يعرفه حتى ينام عند القوة و يسهر عند النوم و لا يتذكر ما تقدم و ينسى ما يحدث في الأوقات و يذبل عوده و يتغير معهوده و يجف ماء رونقه و بهائه و يقل نبت شعره و أظفاره و لا يزال جسمه في انعكاس و إدبار ما عاش لأنه في سلطان المرة البلغم و هو بارد و جامد فبجموده و برده يكون فناء كل جسم يستولي عليه في آخر القوة البلغمية. و قد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج إليه في سياسة المزاج و أحوال جسمه و علاجه. و أنا أذكر ما يحتاج إلى تناوله من الأغذية و الأدوية و ما يجب أن يفعله في أوقاته فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى خمس عشرة فإنه أصح لبدنك فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم إلا أن تكون مضطرا إلى ذلك و هو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال و يزيد في زيادته. و لتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين ابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوما و ابن الثلاثين في كل ثلاثين يوما مرة واحدة و كذلك من بلغ من العمر أربعين سنة يحتجم في كل أربعين يوما مرة و ما زاد فبحسب ذلك. و اعلم يا أمير المؤمنين أن الحجامة إنما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم و مصداق ذلك ما أذكره أنها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند الفصد. و حجامة النقرة تنفع من ثقل الرأس و حجامة الأخدعين تخفف عن الرأس و الوجه و العينين و هي نافعة لوجع الأضراس. و ربما ناب الفصد عن جميع ذلك و قد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم

    و من فساد اللثة و غير ذلك من أوجاع الفم و كذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء و الحرارة و الذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصا بينا و ينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى و المثانة و الأرحام و يدر الطمث غير أنها تنهك الجسد. و قد يعرض منها الغشي الشديد إلا أنها تنفع ذوي البثور و الدماميل. و الذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع المحاجم ثم يدرج المص قليلا قليلا و الثواني أزيد في المص من الأوائل و كذلك الثوالث فصاعدا و يتوقف عن الشرط حتى يحمر الموضع جيدا بتكرير المحاجم عليه و يلين المشراط على جلود لينة و يمسح الموضع قبل شرطه بالدهن. و كذلك الفصد يمسح الموضع الذي يفصد فيه بالدهن فإنه يقلل الألم و كذلك يلين المشرط و المبضع بالدهن عند الحجامة و عند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن و ليقطر على العروق إذا فصد شيئا من الدهن لئلا يحتجب فيضر ذلك بالمفصود. و ليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم لأن في قلة اللحم من العروق قلة الألم. و أكثر العروق ألما إذا فصد حبل الذراع و القيفال لاتصالهما بالعضل و صلابة الجلد فأما الباسليق و الأكحل فإنهما في الفصد أقل ألما إذا لم يكن فوقهما لحم. و الواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم و خاصة في الشتاء فإنه يلين الجلد و يقلل الألم و يسهل الفصد و يجب في كل ما ذكرناه من إخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة. و يحتجم في يوم صاح صاف لا غيم فيه و لا ريح شديدة و يخرج من الدم بقدر   ما ترى من تغيره و لا تدخل يومك ذلك الحمام فإنه يورث الداء و صب على رأسك و جسدك الماء الحار و لا تفعل ذلك من ساعتك. و إياك و الحمام إذا احتجمت فإن الحمى الدائمة يكون فيه فإذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغرى فألقها على محاجمك أو ثوبا لينا من قز أو غيره و خذ قدر حمصة من الترياق الأكبر و اشربه إن كان شتاء و إن كان صيفا فاشرب السكنجبين العنصلي و امزجه بالشراب المفرح المعتدل و تناوله أو بشراب الفاكهة. و إن تعذر ذلك فشراب الأترج فإن لم تجد شيئا من ذلك فتناوله بعد عركه ناعما تحت الأسنان و اشرب عليه جرع ماء فاتر. و إن كان في زمان الشتاء و البرد فاشرب عليه السكنجبين العنصلي العسلي فإنك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة و البرص و البهق و الجذام بإذن الله تعالى و امتص من الرمان المز فإنه يقوي النفس و يحيي الدم و لا تأكل طعاما مالحا بعد ذلك بثلاث ساعات فإنه يخاف أن يعرض من ذلك الجرب. و إن كان شتاء فكل من الطباهيج إذا احتجمت و اشرب عليه من الشراب المذكى الذي ذكرته أولا و ادهن بدهن الخيري أو شي‏ء من المسك و ماء ورد و صب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة. و أما في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج و الهلام و المصوص أيضا و الحامض   و صب على هامتك دهن البنفسج بماء الورد و شي‏ء من الكافور و اشرب ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك و إياك و كثرة الحركة و الغضب و مجامعة النساء ليومك. و احذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض و السمك في المعدة في وقت واحد فإنهما متى اجتمعا في جوف الإنسان ولد عليه النقرس و القولنج و البواسير و وجع الأضراس. و اللبن و النبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولد النقرس و البرص و مداومة أكل البيض يعرض منه الكلف في الوجه و أكل المملوحة و اللحمان المملوحة و أكل السمك المملوح بعد الفصد و الحجامة يعرض منه البهق و الجرب و أكل كلية الغنم و أجواف الغنم يغير المثانة. و دخول الحمام على البطنة يولد القولنج و الاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج و أكل الأترج بالليل يقلب العين و يوجب الحول و إتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد و الجماع من غير إهراق الماء على أثره يوجب الحصاة. و الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون و كثرة أكل البيض و إدمانه يولد الطحال و رياحا في رأس المعدة و الامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو و الانبهار و أكل اللحم الني يولد الدود في البطن. و أكل التين يقمل منه الجسد إذا أدمن عليه و شرب الماء البارد عقيب الشي‏ء

    الحار أو الحلاوة يذهب بالأسنان و الإكثار من أكل لحوم الوحش و البقر يورث تغير العقل و تحير الفهم و تبلد الذهن و كثرة النسيان. و إذا أردت دخول الحمام و أن لا تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ قبل دخولك بخمس جرع من ماء فاتر فإنك تسلم إن شاء الله تعالى من وجع الرأس و الشقيقة و قيل خمس مرات يصب الماء الحار عليه عند دخول الحمام. و اعلم يا أمير المؤمنين أن الحمام ركب على تركيب الجسد للحمام أربعة بيوت مثل طبائع الجسد. البيت الأول بارد يابس و الثاني بارد رطب و الثالث حار رطب و الرابع حار يابس و منفعة عظيمة يؤدي إلى الاعتدال و ينقي الدرن و يلين العصب و العروق و يقوي الأعضاء الكبار و يذيب الفضول و يذهب العفن. فإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة و لا غيرها فابدأ عند دخول الحمام فدهن بدنك بدهن البنفسج. و إذا أردت استعمال النورة و لا يصيبك قروح و لا شقاق و لا سواد فاغتسل بالماء البارد قبل أن تتنور. و من أراد دخول الحمام للنورة فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة و هو تمام يوم و ليطرح في النورة شيئا من الصبر و الأقاقيا و الحضض أو يجمع   ذلك و يأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعا أو متفرقا و لا يلقي في النورة شيئا من ذلك حتى تماث النورة بالماء الحار الذي طبخ فيه بابونج و مرزنجوش أو ورد بنفسج يابس أو جميع ذلك أجزاء يسيرة مجموعة أو متفرقة بقدر ما يشرب الماء رائحته و ليكن الزرنيخ مثل سدس النورة. و يدلك الجسد بعد الخروج منها بشي‏ء يقلع رائحتها كورق الخوخ و ثجير العصفر و الحناء و الورد و السنبل مفردة أو مجتمعة. و من أراد أن يأمن إحراق النورة فليقلل من تقليبها و ليبادر إذا عملت في غسلها و أن يمسح البدن بشي‏ء من دهن الورد فإن أحرقت البدن و العياذ بالله يؤخذ عدس مقشر يسحق ناعما و يداف في ماء ورد و خل يطلى به الموضع الذي أثرت فيه النورة فإنه يبرأ بإذن الله تعالى و الذي يمنع من آثار النورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخل العنب العنصل الثقيف و دهن الورد دلكا جيدا. و من أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول و لو على ظهر دابته. و من أراد أن لا يؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ و من فعل ذلك رطب بدنه و ضعفت معدته و لم يأخذ العروق قوة الطعام فإنه يصير في المعدة فجا إذا صب الماء على الطعام أولا فأولا.   و من أراد أن لا يجد الحصاة و عسر البول فلا يحبس المني عند نزول الشهوة و لا يطل المكث على النساء. و من أراد أن يأمن من وجع السفل و لا يظهر به وجع البواسير فليأكل كل ليلة سبع تمرات برني بسمن البقر و يدهن بين أنثييه بدهن زنبق خالص. و من أراد أن يزيد في حفظه فليأكل سبع مثاقيل زبيبا بالغداة على الريق. و من أراد أن يقل نسيانه و يكون حافظا فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مربى بالعسل و يصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم. و من أراد أن يزيد في عقله يتناول كل يوم ثلاث هليلجات بسكر أبلوج. و من أراد أن لا ينشق ظفره و لا يميل إلى الصفرة و لا يفسد حول ظفره فلا يقلم أظفاره إلا يوم الخميس و من أراد أن لا يؤلمه أذنه فليجعل فيها عند النوم قطنة. و من أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء فليأكل كل يوم ثلاث لقم من الشهد. و اعلم يا أمير المؤمنين أن للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضره و ذلك أن منه شيئا إذا أدركه الشم عطش و منه شي‏ء يسكر و له عند الذوق حراقة شديدة فهذه الأنواع من العسل قاتلة. و لا يؤخر شم النرجس فإنه يمنع الزكام في مدة أيام الشتاء و كذلك الحبة السوداء و إذا خاف الإنسان الزكام في زمان الصيف فليأكل كل يوم خيارة و ليحذر الجلوس في الشمس. و من خشي الشقيقة و الشوصة فلا يؤخر أكل السمك الطري صيفا و شتاء و من أراد أن يكون صالحا خفيف الجسم و اللحم فليقلل من عشائه بالليل و من

    أراد أن لا يشتكي سرته فليدهنها متى دهن رأسه. و من أراد أن لا تنشق شفتاه و لا يخرج فيها باسور فليدهن حاجبه من دهن رأسه. و من أراد أن لا تسقط أذناه و لهاته فلا يأكل حلوا حتى يتغرغر بعده بخل. و من أراد أن لا يصيبه اليرقان فلا يدخل بيتا في الصيف أول ما يفتح بابه و لا يخرج منه أول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة. و من أراد أن لا يصيبه ريح في بدنه فليأكل الثوم كل سبعة أيام مرة. و من أراد أن لا تفسد أسنانه فلا يأكل حلوا إلا بعد كسرة خبز. و من أراد أن يستمرئ طعامه فليستك بعد الأكل على شقه الأيمن ثم ينقلب بعد ذلك على شقه الأيسر حتى ينام. و من أراد أن يذهب البلغم من بدنه و ينقصه فليأكل كل يوم بكرة شيئا من الجوارش الحريف و يكثر دخول الحمام و مضاجعة النساء و الجلوس في الشمس و يجتنب كل بارد من الأغذية فإنه يذهب البلغم و يحرقه. و من أراد أن يطفئ لهب الصفراء فليأكل كل يوم شيئا رطبا باردا و يروح بدنه و يقل الحركة و يكثر النظر إلى من يحب. و من أراد أن يحرق السوداء فعليه بكثرة القي‏ء و فصد العروق و مداومة النورة و من أراد أن يذهب بالريح الباردة فعليه بالحقنة و الأدهان اللينة على الجسد و عليه بالتكميد بالماء الحار في الأبزن و يجتنب كل بارد و يلزم كل حار لين. و من أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الإطريفل الصغير مثقالا واحدا و اعلم يا أمير المؤمنين أن المسافر ينبغي له أن يتحرز بالحر إذا سافر و هو ممتلئ من الطعام و لا خالي الجوف و ليكن على حد الاعتدال و ليتناول من الأغذية الباردة مثل القريص و الهلام و الخل و الزيت و ماء الحضرم و نحو ذلك من الأطعمة الباردة.   و اعلم يا أمير المؤمنين أن السير في الحر الشديد ضار بالأبدان المنهوكة إذا كانت خالية عن الطعام و هو نافع في الأبدان الخصبة. فأما صلاح المسافر و دفع الأذى عنه فهو أن لا يشرب من ماء كل منزل يرده إلا بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي قبله أو بشراب واحد غير مختلف يشوبه بالمياه على الأهواء على اختلافها و الواجب أن يتزود المسافر من تربة بلده و طيبته التي ربي عليها و كلما ورد إلى منزل طرح في إنائه الذي يشرب منه الماء شيئا من الطين الذي تزوده من بلده و يشوب الماء الطين في الآنية بالتحريك و يؤخر قبل شربه حتى يصفو صفاء جيدا. و خير الماء شربا لمن هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة المشرقية من الخفيف الأبيض و أفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي و أصحها و أفضلها ما كان بهذا الوصف الذي نبع منه و كان مجراه في جبال الطين و ذلك أنها تكون في الشتاء باردة و في الصيف ملينة للبطن نافعة لأصحاب الحرارات. و أما الماء المالح و المياه الثقيلة فإنها تيبس البطن و مياه الثلوج و جليد ردية لسائر الأجساد و كثيرة الضرر جدا و أما مياه السحب فإنها خفيفة عذبة صافية

    نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها و حبسها في الأرض و أما مياه الجب فإنها عذبة صافية نافعة إن دام جريها و لم يدم حبسها في الأرض. و أما البطائح و السباخ فإنها حارة غليظة في الصيف لركودها و دوام طلوع الشمس عليها و قد يتولد من دوام شربها المرة الصفراوية و تعظم به أطحلتهم. و قد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدم من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ به و أنا أذكر أمر الجماع فلا تقرب النساء من أول الليل صيفا و لا شتاء و ذلك لأن معدة و العروق تكون ممتلئة و هو غير محمود و يتولد منه القولنج و الفالج و اللقوة و النقرس و الحصاة و التقطير و الفتق و ضعف البصر و رقته فإذا أردت ذلك فليكن في آخر الليل فإنه أصلح للبدن و أرجى للولد و أزكى للعقل في الولد الذي يقضي الله بينهما. و لا تجامع امرأة حتى تلاعبها و تكثر ملاعبتها و تغمز ثدييها فإنك إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها و اجتمع ماؤها لأن ماءها يخرج من ثدييها و الشهوة تظهر من وجهها و عينيها و اشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها و لا تجامع النساء إلا و هي طاهرة. فإذا فعلت ذلك فلا تقم قائما و لا تجلس جالسا و لكن تميل على يمينك ثم انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئا فإنك تأمن الحصاة بإذن الله تعالى ثم اغتسل و اشرب من ساعتك شيئا من الموميائي بشراب العسل أو بعسل منزوع الرغوة فإنه يرد من الماء مثل الذي خرج منك. و اعلم يا أمير المؤمنين أن جماعهن في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل و خير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر و من عمل فيما وصفت في كتابي هذا و دبر به جسده أمن بإذن الله تعالى من كل داء و صح جسمه بحول الله و قوته فإن الله تعالى يعطي العافية لمن يشاء و يمنحها إياه و الحمد لله   أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا. و لنوضح بعض ما ربما اشتبه على الناظر فيها قوله ع على مثال الملك بالضم أي المملكة التي يتصرف فيها الملك فملك الجسد بفتح الميم و كسر اللام أي سلطانه هو القلب كذا في أكثر النسخ و ربما يتوهم التنافي بينه و بين ما سيأتي من أن بيت الملك قلبه. و يمكن رفع التنافي بأن للقلب معاني أحدها اللحم الصنوبري المعلق في الجوف الثاني الروح الحيواني الذي ينبعث من القلب و يسري في جميع البدن الثالث النفس الناطقة الإنسانية التي زعمت الحكماء و بعض المتكلمين أنها مجردة متعلقة بالبدن إذ زعموا أن تعلقها بالبخار اللطيف المنبعث من القلب المسمى بالروح الحيواني و بتوسطه تتعلق بسائر الجسد فإطلاقه على الثاني لكون القلب منشأه و محله و على الثالث لكون تعلقها أولا بما في القلب فيحتمل أن يكون مراده ع بالقلب ثانيا المعنى الأول و به أولا أحد المعنيين الآخرين. و في بعض النسخ هو ما في القلب فلا يحتاج إلى تكلف لكن يحتمل المعنى الثاني على الظرفية الحقيقية و الثالث على الظرفية المجازية بناء على القول بتجرد الروح و قد يكون الكلام فيه و على التقديرين كونه ملك البدن ظاهر إذ كما أن الملك يكون سببا لنظام أمور الرعية و منه يصل الأرزاق إليهم فمنه يصل الروح الذي به الحياة إلى سائر البدن. و على رأي أكثر الحكماء إذا وصل الروح الحيواني إلى الدماغ صار روحا نفسانيا يسري بتوسط الأعصاب إلى سائر البدن فمنه يحصل الحس و الحركة فيها و إذا نفذ إلى الكبد صار روحا طبيعيا فيسري بتوسط العروق النابتة من الكبد إلى جميع الأعضاء و به يحصل التغذية و التنمية و كما أن السلطان قد يأخذ من الرعايا ما يقوم به أمره كذلك يسري من الدماغ و الكبد إليه القوة النفسانية و القوة الطبيعية كما مرت الإشارة إلى جميع ذلك و سيأتي منا تحقيق آخر في ذلك في كتاب الإيمان

    و الكفر هو بذلك المقام أنسب فيمكن تعميم العروق بحيث تشمل العروق المتحركة النابتة من القلب و الساكنة النابتة من الكبد و الأعصاب النابتة من الدماغ. و المراد بالأوصال مفاصل البدن و ما يصير سببا لوصالها فإن بها تتم الحركات المختلفة من القيام و القعود و تحريك الأعضاء. و خزانته معدته لما عرفت أن الغذاء يرد أولا المعدة فإذا صار كيلوسا نفذ صفوه في العروق الماساريقية إلى الكبد و بعد تولد الأخلاط فيه إلى سائر البدن لبدل ما يتحلل فالمعدة و البطن و ما احتوى عليه البطن من الأمعاء و الكبد و الأخلاط بمنزلة خزانة الملك يجمع فيهما ثم يفرق إلى سائر البدن. و حجابه صدره لما عرفت أن الله تعالى جعله في الصدر لأنه أحفظ أجزاء البدن لأنه فيه محاط بعظام الصدر و بفقرات الظهر و بالأضلاع و حجاب القلب بمنزلة غلاف محيط به. و الحجابان اللذان يقسمان الصدر محيطان به أيضا فهو محجوب بحجب كثيرة كما أن الملك يحتجب بحجب و حجاب كثيرة لأن الملك من وراء حجاب إذ هو بالمعنى الثاني في القلب و هو مستور بالحجب كما عرفت فلا بد له من آلة ظاهرة توصل إليه أحوال الأشياء النافعة و الضارة. و بالمعنى الثالث لما كان أدركه موقوفا على الأعضاء و الآلات و لا يكفي في ذلك الروح الذي في القلب حتى يسري إلى الأعضاء التي هي محل الإدراك فيصدق أنه محجوب بالحجب بهذا المعنى. ثم إن سائر الحواس الخمس من السامعة و الشامة و الذائقة و اللامسة و إن كانت أسوة للباصرة في ذلك فإن بالسامعة يطلع على الأصوات الهائلة و الأشياء النافعة التي لها صوت فيجلبها و الضارة فيجتنبها و كذا الشامة تدله على المشمومات   الضارة و النافعة و الذائقة على الأشياء النافعة و السموم المهلكة و اللامسة على الحر و البرد و غيرهما. لكن فائدة الباصرة أكثر إذ أكثر تلك القوى إنما تدرك ما يجاورها و ما يقرب منها و الباصرة تدرك القريب و البعيد و الضعيف و الشديد فلذا خصه ع بالذكر و لذلك جعلها الله في أرفع المواضع في البدن و أحصنها و أكشفها حتى يوحي الملك إليهما وحي الملك كناية عن إرادة السماع و توجه النفس إليه و إنصاته عبارة عن توجه النفس إلى إدراكه و عدم اشتغاله بشي‏ء آخر ليدرك المعاني بالألفاظ التي تؤديها السامعة. و ريح الفؤاد هي الهواء التي يخرج من القلب إلى الرئة و القصبة و بخار المعدة تصل إلى تجاويف الرئة أو إلى الفم فيعين الكلام أو المراد ببخار المعدة الروح الذي يجري من الكبد بعد وصول الغذاء من المعدة إليه إلى آلات النفس. إلا بالأسنان كذا في أكثر النسخ و تقوي الشفة بالأسنان ظاهر لأنها كالعماد له و في بعض النسخ إلا باللسان و هو أيضا صحيح و ليس يستغني بعضها أي بعض أدوات الصوت عن بعض لمدخلية الجميع في خروج الصوت و تقطيع الحروف و إرجاع الضمير إلى الأسنان بعيد. كما يزين النافخ في المزمار أي كما يزين النافخ في المزمار صوته بترديد صوته في الأنف و قيل أي كما يزين النافخ في المزمار صوت المزمار بثقبة تكون خلف المزمار تكون مفتوحة دائما. و ذلك لأن الهواء يخرج بالعنف من قصبة الرئة في حال التنفس فإذا وصل إلى الحنجرة حدثت فيه تقطيعات مختلفة لإصاغة الحروف فإذا كثرت الأهوية و ازدحمت و لم يخرج بعضها من المنخرين أشكل تقطيع الحروف و لم يتزين الصوت كما أن الثقبة التي خلف المزمار منفتحة دائما لئلا تزدحم الأهوية المتموجة فيها فلا يحسن صوته.

    و أيضا يعين الهواء الخارج من المنخرين على بعض الحروف و صفات بعضها كالنون و أشباهه و كل ذلك يشاهد فيمن سد الزكام أنفه. و أما أن أصل الحزن في الطحال فلما عرفت أنه مفرغة للسوداء البارد اليابس الغليظ و هي مضادة للروح في صفاتها و فرح الروح و انبساطه إنما هو من صفاء الدم و خلوصه من الكدورات فإذا امتزج الدم بالسوداء غلظ و كثف و فسد و يفسد به الروح و لذا ترى أصحاب الأمراض السوداوية دائما في الحزن و الكدورة و الخيالات الباطلة و علاجهم تصفية الدم من السوداء. و الثرب غشاء على المعدة و الأمعاء ذو طبقتين بينهما عروق و شرايين و شحم كثير و منشؤه من فم المعدة و منتهاه عند المعاء الخامس المسمى بقولون كما مر و سبب كون الفرح منه أنه بسبب كثرة عروقه و شرايينه يجذب الدم و رطوبته إلى الكلية فيصير سببا لصفاء الدم و رقته و لطافته فينبسط به الروح. من العمال أي الأعضاء و الجوارح. إلى الملك أي القلب لما عرفت أن الروح بعد سريانه إلى الدماغ و إلى الكبد يرجع إلى القلب و سريانه من القلب إلى الأعضاء و الجوارح ظاهر. و مثل ع لذلك مثالا و مصدقا و هو أنه إذا تناول الإنسان الدواء و ورد المعدة تصرفت فيه الحرارة الغريزية ثم تتأدى آثاره و خواصه من طرق العروق إلى موضع الداء بإعانة الجوارح و الأعضاء فهي طرق للقلب إلى الأعضاء و أقول يحتمل أن يراد بالعمال هنا و في أول الخبر القوى المودعة في كل عضو بتوسط الروح الساري فيه و هي بكونها عمالا و نوابا للروح الذي هي في القلب أنسب و التمثيل حينئذ أظهر لأنه يسري أثر الدواء في العروق إلى كل عضو ثم تتصرف فيه القوى المودعة فيه من الغاذية و النامية و الدافعة و الماسكة و غيرها حتى يتم تأثيرها فيه كما أن الملك إذا بعث شيئا إلى عامل من عماله فهو يأخذه و يصرفه فيما يناسبه من المصالح فالمراد بالعروق في صدر الخبر القوى المودعة فيها و هاهنا نفس العروق.   و تعاهد الشي‏ء رعايته و محافظته و السؤال عنه و معرفته و ملاقاته و الوصية به. و زكى زرعها أي نما و العشب بالضم الكلاء الرطب و مراءة الطعام حسن عاقبته و عدم ترتب الضرر عليه. من هذه الطبائع أي الأخلاط الأربعة أو الأمزجة الأربعة من الحار و البارد و الرطب و اليابس أو الأربعة المركبة من الحار اليابس و الحار الرطب و البارد اليابس و البارد الرطب. تحب ما يشاكلها أي تطلب ما يوافقها فصاحب المزاج الحار يطلب البارد و الرطب يطلب اليابس و هكذا فاغتذ في بعض النسخ بالغين و الذال المعجمتين أي اجعل غذاءك و في بعضها بالمهملتين من الاعتياد لم يغذه يقال غذوت الصبي اللبن فضمير لم يغذه إما راجع إلى الطعام أي لم يجعل الطعام غذاء لجسده أو إلى الجسد و على التقديرين أحد المفعولين مقدر و الحاصل أنك إذا تناولت من الغذاء أكثر من قدر الحاجة يصير ثقلا على المعدة و تعجز الطبيعة عن التصرف فيه و لا ينضج و لا يصير جزء البدن و يتولد منه الأمراض و يصير سببا للضعف و كذلك الماء أي ينبغي أن تشرب من الماء أيضا قدر الحاجة. فسبيله أي طريقه و أكله و إدامه و في بعض النسخ و كذلك سبيلك أي طريقتك التي ينبغي أن تسلكها و تعمل بها في أيامه أي في كل يوم تأكل الطعام فيه أو في أوقاته فإن اليوم يطلق على المقدار من الزمان مطلقا و في بعض النسخ إبانه بكسر الهمزة و تشديد الباء أي حينه. و القرم محركة شدة شهوة اللحم ثم اتسع حتى استعمل في الشوق إلى الحبيب و كل شي‏ء فإنه أصلح لمعدتك فإنه يسهل عليها الهضم و لبدنك فإنه يصير جزءا له.

    و أزكى لعقلك أي أنمى و في بعض النسخ بالذال و هو أنسب لأن الذكاء سرعة الفهم و شدة لهب النار و ذلك لأن مع امتلاء المعدة تصعد إلى الدماغ الأبخرة الردية فتصير سببا لغلظة الروح النفساني و قلة الفهم و تكدر الحواس و أخف على جسمك فإن البدن يثقل بكثرة الأكل. كل البارد في الصيف يحتمل أن يكون المراد بالبارد البارد بالفعل كالماء الذي فيه الجمد و الثلج أو البارد بالقوة بحسب المزاج كالخيار و الخس و كذا الحار يحتملهما. و ذلك لأنه لما كان في الصيف ظاهر البدن حارا بسبب حرارة الهواء فإذا أكل أو شرب الحار بأحد المعنيين اجتمعت الحرارتان فصار سببا لفساد الهضم و كثرة تحليل الرطوبات و كذا أكل البارد و شربه في الشتاء يصير سببا لاجتماع البرودتين الموجب لقلة الحرارة الغريزية و منه يظهر علة رعاية الاعتدال في الفصلين المعتدلين. و قوله ع على قدر قوتك و شهوتك إعادة لما مر تأكيدا و إشارة إلى أن كثرة الأكل و قلته تختلفان بحسب الأمزجة فالمزاج القوي و المعدة القوية يقدران على هضم كثير من الغذاء و صاحب المزاج الضعيف و المعدة الضعيفة قليل من الغذاء بالنسبة إليه كثير. و ابدأ في أول الطعام هذا إشارة إلى الترتيب بين الأغذية بأنه إذا أراد أكل غذاء لطيف مع غذاء غليظ بأيهما يبدأ فحكم ع بالابتداء باللطيف من الغذاء و كذا ذكره بعض الأطباء فإنه إذا عكس فيسرع إليه هضم اللطيف و الغذاء الغليظ لم يهضم بعد و هو في قعر المعدة قد سد طريق نفوذ المهضوم إلى الأمعاء فيفسد المنهضم و يختلط بالغليظ فيفسده أيضا و يصير سببا للتخمة. و جوزوا ذلك فيما إذا كانت المعدة خالية من الغذاء و الصفراء و كان في غاية الاشتهاء و أكل قليل من الغذاء الغليظ و مر عليه زمان حصل فيه بعض الهضم ثم أكل اللطيف ليتم هضمها معا في زمان واحد و إذا ابتدأ في تلك الحالة بأكل اللطيف   اشتملت عليه المعدة و أسرع في هضمه فإذا أكل الغليظ بعده لم تقبله المعدة فتنفرت منه فيفسد. و منهم من منع من الابتداء باللطيف مطلقا معللين بأنه إذا ورد المعدة و أخذت في هضمه كان هضمه قبل الغليظ فينفذ في الأمعاء و يختلط به بعض غير المنهضم من الغليظ و يصل إلى الأمعاء و يصير سببا للسدة و منهم من منع من الجمع بينهما مطلقا و ما ورد في الخبر على تقدير صحته هو المتبع. ثم شرع ع في بيان زمان الأكل و مقدار الأزمنة بين الأكلات فجعل له طريقين أحدهما أن يأكل في كل يوم أكلة واحدة عند مضي ثمان ساعات من النهار و الثاني أن يأكل في كل يومين ثلاث أكلات و الاعتياد بهما لا سيما بالأول أعون على الصوم و على قلة النوم لكنهما مخالفان لما ورد من الأخبار في فضل التغدي و التعشي و فضل مباكرة الغذاء و فضل السحور في الصوم و غير ذلك من الأخبار. و يمكن حمله على أنه ع علم بحسب حال المخاطب أن ذلك أصلح له فأمره بذلك فيكون ذلك لمن كانت معدته ضعيفة لا تقدر على الهضم مرتين في كل يوم و قد جرب أن ذلك أصلح التدابير لأصحاب تلك الحالة. أو يكون المراد بالغذاء ما يأكله بقدر شهوته من الأغذية الغليظة المعتادة فلا ينافي مباكرة الغذاء بشي‏ء قليل خفيف ينهضم في ثمان ساعات و يمنع من انصباب الصفراء في المعدة. بل يمكن أن يكون ما ذكره ع من الابتداء بأخف الأغذية إشارة إلى ذلك فيحصل عند ذلك المباكرة في الغذاء كل يوم و التعشي أيضا لأن بعد ثمان ساعات يحصل التعشي بأكثر معانيه. و في القاموس الوجبة الوظيفة و وجب يجب وجبا أكل أكلة واحدة في النهار كأوجب و وجب و وجب عياله و فرسه عودهم أكلة واحدة و الوجبة الأكلة في اليوم و الليلة و أكلة في اليوم إلى مثلها من الغد انتهى. ثم أكد ع ما ذكره مرتين لشدة الاهتمام بقلة الأكل و ترك الطعام مع

    اشتهائه فإن هذا الاشتهاء المفرط كاذب و يذهب ذلك عند الشروع في الهضم و انتفاخ الطعام ثم أوصاه ع بأن يشرب بعد الطعام الشراب الحلال الذي سيأتي ذكره فإنه معين على الهضم. ثم أخذ ع في ذكر ما يناسب أكله و شربه و استعماله في الفصول الأربعة و كل شهر من الشهور الرومية التي مضى ذكرها. فإنه روح الزمان لأنه لاعتداله و نمو الأشياء فيه بالنسبة إلى سائر أجزاء الزمان كالروح بالنسبة إلى سائر الجسد أو لميله إلى الحرارة و الرطوبة طبعه طبع الروح و فيه يطيب الليل و النهار لاعتدال الهواء فيه و عدم الاختلاف الكثير فيه بين الليل و النهار و تلين الأرض إذ بحرارة الهواء و رطوبته تذهب الصلابة الحاصلة في الأرض من يبس الشتاء فتنبت فيها الأعشاب و تذهب سلطنة البلغم المتولد في الشتاء. و يشرب الشراب أي الشراب الحلال الذي سيأتي ذكره بعد تعديله بالماء بأن يمزح بمقدار من الماء لتقل حرارته و يحمد فيه شرب المسهل لتنقية البدن من الفضلات و المواد المحتبسة في الشتاء المتولدة من الأغذية الغليظة و هي لانسداد المسامات محتبسة في البدن فإذا أثرت حرارة الربيع في البدن حدثت فيها رقة و سيلان فإذا لم يدفع بالمسهل يمكن أن تتولد منها الأمراض و الدماميل و الأورام و أشباهها و الفصد و الحجامة لما مر من تولد الدم في هذا الفصل و هيجانه. و يقوى مزاج الفصل لظهور الحرارة فيه فإن الشهر الأول شبيه بالشتاء بارد في أكثر البلاد و حركة الدم و تولده في هذا الشهر أكثر و يعالج الجماع أي يزاول و يرتكب لمناسبته لكثرة الدم و سيلانه و كثرة تولد المني فيه و في القاموس مرخ جسده كمنع دهنه بالمروخ و هو ما يمرخ به البدن من دهن و غيره كمرخه انتهى. و لا يشرب الماء و في بعض النسخ و يشرب و الأول أوفق بقول الأطباء.   تصفو فيه الرياح أي من الغبار لعدم شدتها أو لحدوث الرطوبات في الأرض أو كناية عن عدم تضرر الناس بها و في القاموس البقرة للمذكر و المؤنث و الجمع بقر و بقرات و بقر بضمتين و بقار و أبقور و بواقر و أما باقر و بقير و بيقورة و باقور و باقورة فأسماء للجمع انتهى. و الرياضة التعب و المشقة في الأعمال زمان المرة الصفراوية لأن الفصل حار يابس و موافق لطبع الصفراء فهو يولدها و يقويها. عن التعب لأنه بسبب شدة حرارة الهواء و تخلخل مسام البدن يتحلل كثير من المواد البدنية و التعب و الرياضة موجبة لزيادة التحليل و ضعف البدن. و أكل اللحم الدسم يوجب تهيج الصفراء و شم المسك و العنبر ليبسهما لا يناسبان الفصل و يوجبان وجع العين و الصداع و الزكام. و بقلة الحمقاء و البقلة الحمقاء هي التي يسمونها بالفارسية خرفت و الجداء بالكسر جمع الجدي من أولاد المعز و إنما يناسب أكل هذه اللحوم في هذا الفصل للطافتها و سرعة هضمها و ضعف الهاضمة في هذا الفصل لتفرق الحرارة الغريزية و ضعف القوى. و يحتمل أن يكون المراد باللبن الماست لشيوع استعماله فيه و هو يناسب الفصل و يحتمل اللبن الحليب لأنه يدفع اليبوسة و يوجب تليين الصفراء في بعض الأمزجة. مزاج الشراب أي الشراب الحلال بتبريده بالماء البارد البارد الرطب كالبنفسج و النيلوفر فيه يشتد السموم أي الرياح الحارة و يهيج الزكام بالليل لأن جوهر الدماغ لشدة الحرارة يضعف و يتخلخل فإذا برد الهواء بالليل تحتبس البخارات المتصاعدة إليه فيحصل الزكام. و اللبن الرائب الماست أو الذي أخرج زبده في القاموس راب اللبن روبا و رءوبا خثر أي غلظ و لبن رؤب و رائب أو هو ما يمخض و يخرج زبده انتهى. و يقوى سلطان المرة السوداء أي سلطنتها و استيلاؤها لكونها

    باردة يابسة و الفصل أيضا كذلك و لذا يكثر فيه حدوث الأمراض السوداوية. و الحولي ما أتى عليه حول من ذي حافر و غيره و تتنفس أي تشرع في الهبوب و المز بالضم بين الحامض و الحلو و لعل المراد بالتوابل هنا الأدوية الحارة و يحتمل شمولها لغيرها مما يمزج باللحم من الحمص و الماش و العدس و أشباهها و في القاموس التابل كصاحب و هاجر و جوهر أبزار الطعام و الجمع توابل انتهى. فيه يقطع المطر إما مطلقا أو ينقلب بالثلج و يؤيد الأخير أن في أكثر النسخ المطر الوسمي و في القاموس الوسمي مطر الربيع الأول انتهى و يحتمل أن يكون المعنى الأمطار الدفعية الكبيرة القطر و لعل المراد بالبقول الحارة منها لأن ما ذكره على التشبيه كلها حارة و يحتمل التعميم. و العواصف الرياح القوية الشديدة و الحارة بالقوة هي التي حرارتها بحسب المزاج كالعسل و الظاهر أن المراد بالبارد أيضا أعم من البارد بالقوة و بالفعل بقرينة المقابلة تقوى فيه غلبة البلغم لأنه بارد رطب و الفصل أيضا كذلك. و التجرع شرب الشي‏ء جرعة جرعة بالتدريج و تجرع الماء الحار يرقق البلغم و يذيبه و كذا دخول الحمام يلطف البلغم و يحلله. و الخيري هو الذي يقال له بالفارسية شب‏بو و له أنواع من ألوان مختلفة. و يحذر فيه الحلق في بعض النسخ الحلو و هو مخالف لقول الأطباء بل الأول أيضا و لذا حمله بعضهم على الحلق في موضع تؤثر برودة الهواء في الرأس و يصير سببا للزكام و هو خطأ لأنه قد جرب أصحاب الزكام أن ترك حلق كل الرأس أو وسطه في الشتاء ينفعهم لعدم انصبابه على العين و الأسنان و الصدر. من الزبيب المنقى أي الذي أخرج حبه و الرطل مائة و ثلاثون درهما و الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره في غمرة أي في مقدار من الماء يغمره   و يستره و يرتفع عنه مقدار أربعة أصابع و هو القابل أي الماء الخفيف ماء يقبل ما يعترضه أي يعرضه من الحرارة و البرودة بسرعة صفيقة أي غير رقيقة و من سنبل أي سنبل الطيب كما في بعض النسخ. و في بعضها بعد أن يسحق كل صنف من هذه الأصناف و ينخل في خرقة و يشد بخيط شدا جيدا و يكون للخيط طرف طويل تعلق به الخرقة المصرورة في عود معارض به على القدر و يكون إلقاء هذه الصرة في القدر الوقت الذي فيه العسل ثم تمرس الخرقة ساعة فساعة لينزل ما فيها قليلا قليلا و يغلى إلى أن يعود إلى حاله و تذهب زيادة العسل و لتكن النار لينة و يصفى و يبرد و يترك في إناء ثلاثة أشهر مختوما عليه فإذا بلغ المدة فاشربه. و الأوقية تطلق على أربعين درهما و على سبعة مثاقيل و في عرف الأطباء عشرة دراهم و خمسة أسباع درهم و الظاهر أن المراد هنا الثاني أو الثالث و الثالث يقرب من ستة مثاقيل و النقرس من أوجاع مفاصل الرجلين و لعل المراد بالأوجاع المذكورة ما كانت مادتها البلغم. تغيرا في الصور أي في صورة الإنسان و بشرته أو في الصور الفائضة على الأخلاط المتولدة من الأغذية بعد نفوذها بتوسط العروق الكبار و الصغار إلى الأعضاء ليصير شبيها بالعضو المغتذي و يصير جزءا منه بدلا لما يتحلل كما مرت الإشارة إليه. و المرتان الصفراء و السوداء و قد خولف ما بينهما أي بين كل من الحارين و كل من الباردين بأن جعل أحد الحارين لينا أي رطبا و هو الدم و الآخر يابسا و هو الصفراء و أحد الباردين رطبا و هو البلغم و الآخر يابسا و هو السوداء. و في بعض النسخ و اعلم أن قوى النفس تابعة لمزاجات الأبدان و مزاجات الأبدان تابعة لتصرف الهواء فإذا برد مرة و سخن مرة تغيرت لذلك الأبدان و الصور فإذا استوى الهواء و اعتدل صار الجسم معتدلا لأن الله تعالى عز و جل

    بنى الأبدان على أربع طبائع المرة الصفراء و الدم و البلغم و المرة السوداء فاثنتان حارتان و اثنتان باردتان و خولف بينهما فجعل حار يابس و حار لين و بارد يابس و بارد لين. قوله ع على أربعة أجزاء إنما خص ع تلك الأعضاء لأنها العمدة في قوام البدن و المنبع لسائر الأعضاء و في القاموس الشرسوف كعصفور غضروف معلق بكل ضلع أو مقط الضلع و هو الطرف المشرف على البطن. إن الرأس و الأذنين كأنه ع خص الدم بهذه الأعضاء لأنه لكثرة العروق و الشرايين فيها يجتمع الدم فيها أكثر من غيرها و لأنها محل الإحساسات و الإدراكات و هي إنما تحصل بالروح الذي حامله الدم و خص البلغم بالصدر لاجتماع البلاغم فيها من الدماغ و سائر الأعضاء و تكثر الريح فيها باستنشاق الهواء و خص الشراسيف بالصفراء لقرب الحرارة التي هي مجتمع الصفراء منها أو لكون تلك المرة أدخل في خلقها و خص أسفل البطن بالسوداء لأن الطحال الذي هو محلها فيه. سلطان الدماغ إذ هو مسلط عليه إذ بوصول البخارات الرطبة إليه و استرخاء الأعصاب و تغليظ الروح الدماغي يستولي النوم الذي يوجب سكون الحواس الظاهرة و به قوام البدن و قوته لاستراحة القوى عن حركاتها و إحساساتها و به يستكمل هضم الطعام و الأفعال الطبيعية للبدن لاجتماع الحرارة في الباطن. على شقك اليمنى كما قاله الأطباء لنزول الغذاء إلى قعر المعدة ثم انقلب على الأيسر قال الأطباء ليقع الكبد على المعدة و يسير سببا لكثرة حرارتها فيقوى الهضم و كذلك فقم لعل المعنى ثم انتقل إلى شقك الأيمن ليكون قيامك من النوم عن الجانب الذي بدأت بالنوم عليه أولا و هو اليمين. و هذا أيضا موافق لقول الأطباء و عللوه بانحدار الكيلوس إلى الكبد. و هذا التفصيل مخالف لظواهر كثيرة من الأخبار الدالة على أن النوم على اليمين أفضل مطلقا و لو كان هذا الخبر معادلا في السند لها لأمكن حملها عليه و سيأتي   بعض القول فيه إن شاء الله. القعود من الليل أي من أوله و حدوث داء الفيل لكثرة الجلوس على الخلاء لعله لحدوث ضعف في الرجلين يقبل بسببه المواد النازلة من أعالي البدن و في النسخ الداء الدفين أي الداء المستتر في الجوف. و ليف النخل معروف و لعل المراد هنا ما يعمل من ورق الأراك و هو غير معروف و فسره بعضهم بعرقه و لم أجده في اللغة و يحتمل أن يكون المراد به غصن الأراك الذي عمل للاستياك بمضغ طرفه فإنه حينئذ شبيه الليف. و في بعض النسخ إن خير ما استكت به الأشياء المقبضة التي يكون لها ماء و لعله من إصلاح الأطباء. و في القاموس الحفر بالتحريك سلاق في أصول الأسنان أو صفرة تعلوها و يسكن و السلاق تقشر في أصول الأسنان و قال الأطباء هي تشبه الخزف تركب على أصول الأسنان و تتحجر عليها و يزعزعها أي يحركها و الأيل كقنب و خلب و سيد تيس الجبل و يقال له بالفارسية گوزن و طريق إحراقه كما ذكره الأطباء أن يجعل في جرة و يطين رأسه و يجعل في التنور حتى يحرق. و كزمازج معرب كزمازك و هو ثمرة الطرفاء و الورد هو الأحمر و الأثل هو الطرفاء و قيل هو السمر و لعله هنا أنسب و قال بعض الأطباء كزمازج هو ثمرة الأشجار الصغار من الطرفاء و حب الأثل هو ثمرة كبارها. و الملح الأندراني و الدراني هو الذي يشبه البلور كما في القانون و يسمونه بالفارسية التركي.

    و فيها سلطان المرة الصفراء إذ تقل الرطوبات فيها فتحتد فيها الصفراء. و تقوى في سلطان المرة السوداء لأنه تضعف و تقل الحرارة الغريزية و الرطوبات البدنية يوما فيوما فتغلب السوداء لكونها باردة يابسة و في القاموس الجأش رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع و نفس الإنسان و قد يهمز و قال نكد عيشهم كفرح اشتد انتهى. في كونه أي في حياته و وجوده و تكونه أي تكون الأخلاط الصالحة فيه و في أكثر النسخ و نكتته أي دليله و علامته. و في بعض النسخ من أوله هكذا و فيها سلطان المرة الصفراء و غلبتها عليه و هو أقوم ما يكون و أثقفه و ألعبه فلا يزال كذلك حتى يستوفي خمسا و ثلاثين سنة. ثم يدخل في الحالة الثالثة و هي من خمس و ثلاثين سنة إلى أن يستوفي ستين سنة فيكون في سلطان السوداء و يكون أحلم ما يكون و أدربه و أكتمه سرا و أحسنه نظرا في عواقب الأمور و فكرا في عواقبها و مداراة لها و تصرفا فيها. ثم يدخل في الحالة الرابعة و هي سلطان البلغم و هي الحالة التي لا يتحول عنها ما بقي و قد دخل في الهرم حينئذ و فاته الشباب و استنكر كل شي‏ء كان يعرف من نفسه حتى صار ينام عند القوم و يسهر عند النوم و يذكر ما تقدم و ينسى ما يحدث به و يكثر من حيث النفس و يذهب ماء الجسم و بهاؤه إلى قوله فلجمود رطوبته في طباعه يكون فناء جسمه. و في القاموس ثقف ككرم و فرح صار حاذقا خفيفا فطنا و ألعبه أي أشد ميلا إلى اللعب من سائر أيام عمره. و الدربة العادة و الجرأة على الأمر و التجربة و العقل و يمكن أن يقرأ يذكر على بناء المفعول من التفعيل أي   لا يذكر ما تقدم حتى يذكر. و يذبل بالذال المعجمة و الباء الموحدة يقال ذبل النبات كنصر و كرم ذبلا و ذبولا ذوي و ذبل الفرس ضمر و في بعض النسخ بالياء المثناة التحتانية من قولهم ذالت المرأة أي هزلت و الشي‏ء هان و حاله تواضعت فيحتمل أن يكون كناية عن انحنائه و في بعضها بالزاي و الياء على بناء المفعول من التفعيل أي يتفرق جميع أجزاء بدنه كناية عن عدم استحكام الأوصال و الأول أظهر. و على التقادير عوده بضم العين تشبيها لقامة الإنسان بعود الشجر و ربما يقرأ بالفتح و يفسر بأن المعنى يقل عوده في الأمور و لا يخفى ضعفه. و يتغير معهوده أي ما عهده سابقا من أحوال بدنه و روحه و الرونق الحسن و البهاء و هو بارد جامد ليس المراد بجموده يبوسته لأنه بارد رطب بل غلظته و عدم سيلانه كالماء المنجمد و عدم قابليته للانقلاب إلى الدم. و الأطباء حدوا سن النمو إلى ثلاثين سنة أو إلى ثمان و عشرين بحسب اختلاف الأمزجة و يسمونها سن الحداثة أيضا و بعده سن الوقوف و منتهاه خمس و ثلاثون إلى الأربعين ثم سن الانحطاط و هو من آخر سن الوقوف إلى قريب من الستين و يسمونه سن الكهولة أيضا ثم سن الشيخوخة و هو من الستين إلى آخر العمر. قوله ع في اثنتي عشرة ليلة قال الشيخ في القانون يؤمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت و هاجت و لا في آخره لأنها قد نقصت بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة تابعة في تزيدها لتزيد النور في جرم القمر يزيد الدماغ في الأقحاف و المياه في الأنهار ذوات المد و الجزر و أفضل أوقاتها في النهار هي الساعة الثانية و الثالثة انتهى. و النقرة بالضم حفرة في القفا فوق فقرات العنق بأربع أصابع و تحت القمحدوة و هي الموضع المرتفع خلف الرأس يقع على الأرض عند النوم على القفا. و الأخدعان عرقان خلف العنق من يمينه و شماله.

    و في القاموس القلاع كقراب الطين يتشقق إذا نضب عنه الماء و قشر الأرض يرتفع عن الكمأة و داء في الفم انتهى و في كتب الطب أنه قرحة تكون في جلد الفم و اللسان مع انتشار و اتساع و يعرض للصبيان كثيرا و يعرض من كل خلط و يعرف بلونه من الامتلاء أي امتلاء الدم و كثرته. و الطمث دم الحيض و يقال نهكه الحمى كمنع و فرح أضنته و هزلته و جهدته و البثور الصغار من الخراج. و قال في القانون الحجامة على النقرة خليفة الأكحل و ينفع من ثقل الحاجبين و العينين و يجفف الجفن و ينفع من جرب العين و البخر في الفم و على الكاهل خليفة الباسليق و ينفع من وجع المنكب و الحلق و على أحد الأخدعين خليفة القيفال و ينفع من ارتعاش الرأس و ينفع الأعضاء التي في الرأس مثل الوجه و الأسنان و الضرس و الأذنين و العينين و الحلق و الأنف. لكن الحجامة على النقرة تورث النسيان حقا كما قال سيدنا و مولانا صاحب شريعتنا محمد ص فإن مؤخر الدماغ موضع الحفظ و تضعفه الحجامة و على الكاهل يضعف فم المعدة و الأخدعية ربما أحدثت رعشة الرأس فلتسفل النقرية و لتصعد الكاهلية قليلا إلا أن يتوخى بها معالجة نزف الدم و السعال فيجب أن تنزل و لا تصعد. و هذه الحجامة التي تكون على الكاهل و بين الكتفين نافعة من أمراض الصدر الدموية و الربو الدموي لكن تضعف المعدة و تحدث الخفقان و الحجامة على الساق يقارب الفصد و ينقي الدم و يدر الطمث و من كانت من النساء بيضاء متخلخلة رقيقة الدم فحجامة الساقين أوفق لها من فصد الصافن. و الحجامة على القمحدوة و على الهامة ينفع فيما ادعاه بعضهم من اختلاط العقل و الدوار و يبطئ فيما قالوا بالشيب و فيه نظر فإنها قد تفعل ذلك في أبدان دون أبدان و في أكثر الأبدان تسرع بالشيب و تضر بالذهن و تنفع من   أمراض العين و ذلك أكثر منفعتها فإنها تنفع من جربها و بثورها من المورسرج و لكنها تضر بالذهن و تورث بلها و نسيانا و رداءة فكر و أمراضا مزمنة و تضر بأصحاب الماء في العين إلا أن تصادف الوقت و الحال التي يجب فيها استعمالها فربما لم تضر. و الحجامة تحت الذقن ينفع الأسنان و الوجه و الحلقوم و ينقي الرأس و الفكين. و الحجامة على القطن نافعة من دماميل الفخذ و جربه و بثوره و من النقرس و البواسير و داء الفيل و رياح المثانة و الرحم و من حكة الظهر فإذا كانت هذه الحجامة بالنار شرط أو غير شرط نفعت من ذلك أيضا و التي بشرط أقوى في غير الريح و التي بغير شرط أقوى في تحليل الريح البارد و استئصالها هاهنا و في كل موضع. و الحجامة على الفخذين من قدام ينفع من ورم الخصيتين و خراجات الفخذين و الساقين و على أسفل الركبتين فالتي على الفخذين ينفع من الأورام و الخراجات الحادثة في الأليتين و على أسفل الركبة تنفع من ضربان الركبة الكائن من أخلاط حارة و من الخراجات الردية و القروح العتيقة في الساق و الرجل و التي على الكعبين تنفع من احتباس الطمث و من عرق النسا و النقرس انتهى. قوله ع تخفيف المص هذا مما ذكره الأطباء أيضا قال في القانون تكون الوضعة الأولى خفيفة سريعة القلع ثم يتدرج إلى إبطاء القلع و الإمهال انتهى و عللوا ذلك بوجهين الأول اعتياد الطبيعة لئلا تتألم كثيرا و الثاني أن في المرة الأولى تسرع الدماء القريبة من المحجمة فتجتمع سريعا و في المرة الثانية أبطأ لبعد المسافة فيكون زمان الاجتماع أبطأ و هكذا. و الظاهر أنه لو كان المراد بالمرات المرات بعد الشرط فالوجه الثاني أظهر و لو كان المراد المرات قبله فالأول و كان الثاني أظهر من الخبر.

    و شرط الحاجم قطع اللحم بآلته و هي المشرط و المشراط بالكسر فيهما على جلود لينة أي بمسحه عليها و يمسح الموضع لأنه يصير الموضع لينا فلا يتألم كثيرا من الشرط و قال بعض الأطباء تدهين موضع الحجامة و الفصد يصير سببا لبطء برئهما و قال الشيخ في القانون إذا دهن موضع الحجامة فليبادر إلى إعلاقها و لا يدافع بل يستعجل في الشرط انتهى. و لينقط أي و ليضع على الموضع الذي يريد أن يفصده من العروق نقطة لئلا يشتبه عند البضع و في بعض النسخ و ليقطر و المال واحد. و حبل الذراع هو الوريد الذي يظهر ممتدا من أنسي الساعد إلى أعلاه ثم على وحشيه و القيفال هو الوريد الذي يظهر عند المرفق على الجانب الوحشي و الباسليق هو وريد يظهر عند مأبض المرفق مائل إلى الساعد من وسط أنسيه و قد يطلق الباسليق على عرق آخر تحته فيسمى الأول الباسليق الأعلى و هذا الباسليق الإبطي لقربه من الإبط. و الأكحل هو المعروف بالبدن بين الباسليق و القيفال و تكميد موضع الفصد هو أن يبل خرقة بالماء الحار و يضعه عليه و قيل أو يبخر الموضع ببخار الماء الحار. قوله ع قبل ذلك قال الأطباء بعده أيضا كذلك بل هو أضر و يمكن أن يكون التخصيص لظهور الضرر بعده أو لعدم وقوعه غالبا بعده لطروء الضعف المانع منه و اليوم الصاحي هو الذي لا غيم فيه و ما سيأتي تفسيره. و لا تدخل يومك أي قبل الحجامة أو الأعم فيكون ما سيأتي تأكيدا. و في القاموس المرعز و المرعزى و يمد إذا خفف و قد تفتح الميم في الكل الزغب الذي تحت شعر العنز و في بعض النسخ قزعوني و لم نجد له معنى و في بعضها فرعوني و هو أيضا كذلك و قد يقرأ قزعوني نسبة إلى عون قرية على الفرات   و كل ذلك تصحيف و الأول أصوب و المحاجم مواضع الحجامة. و القز نوع من الإبريسم و قد يقال لا يطلق عليه الإبريسم و في المصباح المنير القز معرب قال الليث هو ما يعمل منه الإبريسم و لهذا قال بعضهم القز و الإبريسم مثل الحنطة و الدقيق انتهى. و أقول يستنبط منه أحدا أمرين إما كون حكم القز مخالفا لحكم الإبريسم في عدم جواز اللبس أو يكون استعمال ما لا يتم الصلاة من الحرير مجوزا للرجال و يمكن حمله على ما إذا لم يكن قزا محضا. و الظاهر أن الترياق الأكبر هو الفاروق و لا بد من حمله على ما إذا لم يكن مشتملا على الحرام كالخمر و لحم الأفاعي و الجند و أشباهها و قد مر القول فيه. و الشراب المفرح المعتدل كشربة التفاح و السفرجل و شراب الفاكهة شربة الفواكه بعد عركه و في بعض النسخ علكه و العرك الدلك و الحك و العلك المضغ و هو أنسب. و في بعض النسخ و خذ قدر حمصة من الترياق الأكبر فاشربه أو كله من غير شراب إن كان شتاء و إن كان صيفا فاشرب السكنجبين الخلي و في أكثر النسخ سكنجبين عسل و في بعضها السكنجبين العنصلي العسلي أي بالخل المعمول المتخذ من بصل العنصل و في القاموس العنصل كقنفذ و جندب و يمدان البصل البري و يعرف بالإسقال و ببصل الفار نافع لداء الثعلب و الفالج و النساء و خله للسعال المزمن و الربو و الحشرجة و يقوي البدن الضعيف انتهى و ذكر الأطباء لأصله و خله فوائد جمة لأنواع الأمراض. من الرمان المز في بعض النسخ الإمليسي بثلاث ساعات في بعض النسخ بثلثي ساعة و الطياهيج جمع طيهوج معرب تيهو. من الشراب الزكي أي الشراب الحلال الزبيبي و السكباج معرب و كأنه شورباج الخل و في القاموس الهلام كغراب طعام من لحم عجل بجلدة أو مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن و قال المصوص كصبور طعام من لحم

    يطبخ و ينقع في الخل أو يكون من لحم الطير خاصة انتهى. و قيل الهلام لحم البقر أو العجل أو المعز يطبخ بماء و ملح ثم يخرج و يوضع حتى يذهب ماؤه ثم يطبخ البقول الباردة مع الخل و يطرح فيه ذلك اللحم ثم يؤكل و المصوص مطبوخ من لحم الدراج أو الديك و يطبخ في الخل و البقول الباردة. قوله ع يومك أي يوم حجامتك الذي يشربه أهله أي الفساق و المخالفون المحللون له و في القاموس النقرس بالكسر ورم و وجع في مفاصل الكعبين و أصابع الرجلين و قال الكلف محركة شي‏ء يعلو الوجه كالسمسم و لون بين السواد و الحمرة و حمرة كدرة تعلو الوجه. قوله يغير المثانة و في بعض النسخ يعكر أي يصير سببا لحجر المثانة و ما هو مبدأ تولده في القاموس العكر محركة دردي كل شي‏ء عكر الماء و النبيذ كفرح و عكره تعكيرا و أعكره جعله عكرا و جعل فيه العكر و البطنة بالكسر امتلاء المعدة من الطعام و علل ذلك بأنه بسبب حرارة الحمام ينجذب الغذاء المنهضم إلى الأمعاء فيصير سببا للسدة و القولنج يورث الفالج إذ يتولد من السمك الطري بلغم لزج هو مادة الفالج و الماء البارد يضعف الأعصاب و يقوي المادة. يورث الجذام قيل لأن النطفة حينئذ تستمد من الدم الكثيف الغليظ السوداوي من غير إهراق الماء أي البول بعده و ما قيل إن المراد به الجماع بغير إنزال فهو بعيد يأبى عنه قوله على أثره مع أن ما ذكرنا مصرح به في أخبار أخرى و إهراق الماء كناية شائعة عن البول في عرف العرب و العجم و قيل المراد الجماع بعد الجنابة من غير غسل بينهما و هو يوجب التكرار إلا أن يخص هذا بالجنابة بغير الجماع فيصير أبعد و في القاموس سلق الشي‏ء أغلاه بالنار انتهى و الربو بالفتح ضيق النفس و البهر بالضم نوع منه و في القاموس   هو انقطاع النفس من الإعياء و قد انبهر انتهى. و ربما يفرق بين الربو و الانبهار بأن الأول يحدث من امتلاء عروق الرئة و الثاني من امتلاء الشرايين. و الني بكسر النون و تشديد الياء الذي لم ينضج و أصله الهمزة فقلبت ياء و لعله أعم من أن لم يطبخ أصلا أو طبخ و لم ينضج. يقمل منه الجسد قيل لأن تولد القمل من الرطوبات المعفنة التي تدفعها الطبيعة إلى ظاهر الجلد و من خواص التين دفع الفضلات إلى مسام البدن فيصير سببا لمزيد تولد القمل. و شرب الماء البارد عقيب الحار لأن أكل الحار و شربه يوجبان تخلخل المسام فينفذ فيها البارد إلى أصول الأسنان فيضر بها و كذا بعد الحلو أيضا يضر لهذه العلة. قوله ع يورث تغير العقل إذ حدة الذهن و ذكاء الفهم إنما يكون من صفاء الروح و لطافته و إدمان أكل هذه اللحوم يوجب تولد الأخلاط السوداوية و الدم الغليظ الكثيف في البدن فيغلظ و يكثف الروح بسببه فيعجز عن الحركات الفكرية. و أما النسيان فلاستيلاء البرودة و الرطوبة على الدماغ لكن هذا في لحوم الوحش بعيد لأن أكثرها حارة و لذا قيل لعل كثرة يبسها تصير سببا لكثرة يبس الدماغ فلا يقبل الصور بسرعة فلذا يصير سببا للنسيان. قبل دخولك لعل المعنى قبل دخول الماء و في بعض النسخ عند دخول الحمام و هو أظهر و في القاموس فتر الماء سكن حره و هو فاتر و فاتور انتهى و في بعض النسخ فابدأ عند دخول الحمام بخمس حسوات ماء حارا و قيل خمس مرات يصب الماء الحار و في بعض النسخ خمس أكف ماء حارا تصبها على رأسك. البيت الأول أي المسلخ بارد يابس لتأثير حرارة الحمام فيه و قلة الرطوبة و الثاني بارد رطب لكثرة الماء و قلة الحرارة المجففة و الثالث حار رطب لكثرة الحرارة و الرطوبة و تعادلهما و تقاومهما.

    و الرابع حار يابس لغلبة الحرارة على الرطوبة و لعل المراد بها إحداث تلك الآثار في البدن لا أنها في نفسها طبعها كذلك. إلى الاعتدال أي اعتدال مزاج الإنسان و الأعضاء الكبار كالرأس و اليد و الرجل و الفخذ و العفن بالتحريك أي العفونة أو بكسر الفاء أي الخلط العفن و هذا أظهر و في بعض النسخ و العفونات و في بعضها العقق بالتحريك و هو الشقاق في البدن. أو ورد بنفسج في بعض النسخ و بنفسج فالمراد بالورد الورد الأحمر. بقدر ما يشرب الماء إما بيان لقدر الأجزاء و قلتها أو لمقدار الطبخ مثل سدس النورة و في بعض النسخ ثلث النورة و في بعضها و لتكن النورة و الزرنيخ مثل ثلثها و في بعضها و ليكن زرنيخ النورة مثل ثلثها. و ثجير العصفر أي ثفله قال في القاموس ثجر التمر خلطه بثجير البسر أي ثفله. و السنبل في بعض النسخ و النيل و في بعضها و السك و في القاموس السك بالضم طيب يتخذ من الرامك مدقوقا منخولا معجونا في الماء و يعرك شديدا و يمسح بدهن الخيري لئلا يلصق بالأناء و يترك ليلته ثم يسحق السك و يلقمه و يعرك شديدا و يقرص و يترك يومين ثم يثقب بمسلة و ينظم في خيط قنب و يترك سنة و كلما عتق طابت رائحته انتهى. من تقليبها أي عند عملها لأنه تشتد حرارته بكثرة التقليب أو عند طليها على البدن لأنه يشتد اختلاطه بالجلد و ينفذ في مسامه فيحرق و لعله أظهر. إذا عمل أي طلي بها و يحمل على ما إذا أزال الشعر و الضمير راجع إلى النورة بتأويل الدواء. و قيل المراد أنه إذا أراد عمل النورة فليغسل النورة أولا كما هو المقرر عند الأطباء في عمل مرهم النورة ثم يدخل فيها الزرنيخ فتقل حدتها و في بعض   النسخ عملت أي النورة في إزالة الشعر و هو أظهر. من آثار النورة أي مما يحدث أحيانا بعد النورة من سواد البدن أو جراحة أو غير ذلك و في بعض النسخ من تبثير النورة أي إحداث البثور في الجسد و في القاموس خل ثقيف كأمير و سكين حامض جدا. و المثانة محل اجتماع البول و لو على ظهر دابة أي ينزل و يبول و لا يؤخره إلى وقت النزول و لو كان قريبا و أن لا تؤذيه عطف على أن لا تشتكي و من فعل ذلك أي الشرب في أثناء الطعام و الفج بالكسر الذي لم ينضج. قوة الطعام أي الذي يصير سببا لقوة الأعضاء من الطعام لأن الغذاء الذي لم ينضج لا تجذبها العروق و إن جذبتها لا تصير غذاء للأعضاء و جزءا لها بل توجب فسادها أن لا يجد الحصاة أي حجر المثانة و لا يطل المكث أي لا يطيل المجامعة اختيارا بالتمكث و حبس المني و وجع السفل أي أسافل البدن أو خصوص المقعدة تربى بسمن البقر لعل المراد خلطها به و في بعض النسخ برني بالباء الموحدة و النون و هو نوع من التمر لكنه كان الأصوب حينئذ برنيات في القاموس البرني تمر معروف أصله برنيك أي الحمل الجيد و في بعض النسخ ليس شي‏ء منهما و لعله أصوب و المراد برياح البواسير عللها و أنواعها أو الرياح التي تحدث من البواسير على الريق أي قبل أن يأكل شيئا و يصطبغ أي يجعله صبغا و إداما. و في بعض النسخ بالحاء من الاصطباح و هو الأكل أو الشرب في الصباح و الغداة و في القاموس أبلوج السكر معرب و لعل المراد هنا ما يسمى بالفارسية النبات و المراد سحق الهليلج معه أو ما ربي به و في بعض النسخ و من أراد أن يزيد في عقله فلا يخرج كل يوم بالغداة حتى يلوك ثلاث إهليلجات سود مع سكر طبرزد.

    إذا أدركه الشم في بعض السنخ و ذلك أن منه ما أدركه عطش و منه ما يسكر و له عند الذوق حرقة شديدة. و قال في القانون عند ذكر أنواع العسل و خواصه و من العسل جنس حريف سمي ثم قال الحريف من العسل الذي يعطش شمه و أكله يورث ذهاب العقل بغتة و العرق البارد انتهى فيمكن أن يكون في النسخة الأولى أيضا عطش بالشين المعجمة. و لا تؤخر شم النرجس في بعض النسخ و شم النرجس يؤمن من الزكام و كذلك الحبة السوداء أي شمها قال في القانون الشونيز ينفع من الزكام خصوصا مقلوا مجعولا في خرقة كتان و يطلى على جبهة من به صداع بارد و إذا نقع في الخل ليلة ثم سحق ناعما في الغد و استعط به و تقدم إلى المريض حتى يستنشقه نفع من الأورام المزمنة في الرأس و من اللقوة انتهى. و في القاموس الشقيقة كسفينة وجع يأخذ نصف الرأس و الوجه و قال الشوصة وجع في البطن أو ريح تعقب في الأضلاع أو ورم في حجابها من داخل و اختلاج العرق انتهى. و فسرت الشوصة في القانون و غيره بذات الجنب و في بعض النسخ و من خشي الشقيقة و الشوصة فلا ينام حتى يأكل السمك إلخ. أن لا تسقط أذناه و لهاته في القاموس اللهاة اللحمة المشرفة على الحلق انتهى و هي التي تسمى بالملاذة و سقوطها استرخاؤها و تدليها للورم العارض لها و قيل المراد بالأذنين هنا اللوزتان الشبيهتان باللوز في طرفي الحلق و يسميها الأطباء أصول الأذنين لقربهما منهما. من الجوارش الحريف كالكموني و الفلافلي و أشباههما لهب الصفراء بسكون الهاء و التحريك و في بعض النسخ لهيب.   و في القاموس اللهب و اللهيب اشتعال النار و في بعض النسخ و من أراد أن يطفئ المرة الصفراء فليأكل كل بارد لين و يريح بدنه و يقل الانتصاب و يكثر النظر و الظاهر أن المراد بالترويح تحريك الهواء بالمروحة و قيل المراد إراحة البدن بقلة الحركة و هو بعيد و أبعد منه ما قيل إنه استعمال الروائح الطيبة نعم على نسخه يريح المعنى الوسط أنسب. و مداومة النورة في بعض النسخ و الاطلاء بالنورة بالتكميد لعل المراد به صب الماء الحار مجازا أو بل خرقة به و وضعه على الجسد. و الأبزن ظرف فيه ماء حار بأدوية يجلس المريض فيه قال في القاموس الكماد ككتاب خرقة وسخة تسخن و توضع على الموجوع يستشفى بها من الريح و وجع البطن كالكمادة و تكميد العضو تسكينه بها و قال الأبزن مثلثة الأول حوض يغتسل فيه و قد يتخذ من نحاس معرب آب‏زن و قال القريص ضرب من الأدم و في بعض النسخ بالغين و الضاد المعجمتين و هو اللحم الطري. و في القاموس الهلس الدقة و الضمور مرض السل كالهلاس بالضم هلس كعنى فهو مهلوس و هلسه المرض يهلسه هزله و الهوالس الخفاف الأجسام انتهى و استعير الخصب هنا للسمن. أو بشراب واحد أي يأخذ ماء جيدا من أول المنازل أو عرضها ثم يمزجه بالماء في كل منزل. و في بعض النسخ أو بتراب أي بتراب عذب أخذه معه يمزجه كل منزل بالماء يشوبه بالمياه على اختلافها في بعض النسخ يسوى به فإنه يصلح الأهواء على اختلافها يسوى به أي يصلح به الماء و ذكر محمد بن زكريا و غيره من الأطباء ضم الماء المنزل السابق بماء المنزل اللاحق أو إدخال قليل من الخل فيه و كذا ذكروا خلط تراب بلده و وطنه في الماء عند النزول و الصبر إلى أن يصفو الماء. و أما كون أفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس فهو خلاف المشهور بين أكثر الأطباء و جريانه على الطين موافق لهم قال الشيخ في القانون المياه

    مختلفة لا في جوهر المائية و لكن بحسب ما يخالطها و بحسب الكيفيات التي تغلب عليها فأفضل المياه مياه العيون و لا كل العيون و لكن ماء العيون الحرة الأرض التي لا يغلب على تربتها شي‏ء من الأحوال و الكيفيات الغريبة أو تكون حجرية فيكون أولى بأن لا يعفن عفونة الأرضية لكن التي من طينة حرة خير من الحجرية و لا كل عين حرة بل التي هي مع ذلك جارية و لا كل جارية بل الجارية المكشوفة للشمس و الرياح فإن هذا مما يكتسب به الجارية فضيلة و أما الراكدة فربما اكتسب بالكشف رداءة لا يكسبها بالغور و الستر. و اعلم أن المياه التي تكون طينة المسيل خير من التي تجري على الأحجار فإن الطين ينقي الماء و يأخذ منه الممتزجات الغريبة و يروقه و الحجارة لا تفعل ذلك لكنه يجب أن يكون طين مسيلها حرا لا حمئة و لا سبخة و لا غير ذلك فإن اتفق أن كان هذا الماء غمرا شديد الجرية يحيل بكثرته ما يخالطه إلى طبيعته يأخذ إلى الشمس في جريانه فيجري إلى المشرق و خصوصا إلى الصيفي أعني المطلع الصيفي منه فهو أفضل لا سيما إذا بعد جدا من مبدئه ثم ما يتوجه إلى الشمال و المتوجه إلى المغرب بالجنوب ردي و خصوصا عند هبوب الجنوب و الذي ينحدر من مواضع عالية مع سائر الفضائل أفضل انتهى. و في بعض النسخ و أفضل المياه التي تجري بين مشرق الشمس الصيفي و مغرب الشمس الصيفي إلى قوله في جبال الطين لأنها تكون حارة إلى قوله و أما المياه المالحة الثقيلة فإنها تيبس البطن على بناء التفعيل. و الجليد ما يسقط على الأرض من الندى فيجمد فيحتمل شموله لماء الجمد أيضا و لا ينافي كون الماء المبرد بالجمد نافعا كما ذكره الأطباء و بعضهم فسره عنا بماء البرد و هو بعيد نعم يمكن شمول الثلج له مجازا قال في القانون و أما مياه الآبار و القنى بالقياس إلى ماء العيون فردية ثم قال و أما المياه الجليدية   و الثلجية فغليظة. و المياه الراكدة خصوصا المكشوفة الآجامية ردية ثقيلة إنما تبرد في الشتاء بسبب الثلوج و يولد البلغم و تسخن في الصيف بسبب الشمس و العفونة فيولد المرار و لكثافتها و اختلاط الأرضية بها و تحلل اللطيف منها تولد في شاربيها أطحلة و ترق مراقهم و تجسأ أحشاءهم و تقضف منهم الأطراف و المناكب و الرقاب و يغلو عليهم شهوة الأكل و العطش و تحبس بطونهم و يعسر قيئهم و ربما وقعوا في الاستسقاء لاحتباس المائية فيهم و ربما وقعوا في زلق الأمعاء و ذات الرئة و الطحال و يضمر أرجلهم و تضعف أكبادهم و تقل من غذائهم بسبب الطحال و يتولد فيهم الجنون و البواسير و الدوالي و ذات الرئة و الأورام الرخوة في الشتاء و يعسر على نسائهم الحمل و الولادة إلى آخر ما ذكره من المفاسد و الأمراض. و قال الجمد و الثلج إذا كان نقيا غير مخالط لقوة ردية فسواء حلل ماء أو برد به الماء من خارج أو ألقي في الماء فهو صالح و ليس يختلف حال أقسامه اختلافا كثيرا فاحشا إلا أنه أكثف من سائر المياه و يتضرر به صاحب وجع العصب و إذا طبخ عاد إلى الصلاح. و أما إذا كان الجمد من مياه ردية أو الثلج مكتسبا قوة غريبة من مساقطه فالأولى أن يبرد به الماء محجوبا عن مخالطته. و قال في موضع آخر المياه الردية هي الراكدة البطائحية و الغالب عليها طعم غريب و رائحة غريبة و الكدرة الغليظة الثقيلة الوزن و المبادرة إلى التحجر و التي يطفو عليها غشاء ردي و يحمل فوقها شيئا غريبا انتهى.

    إن دام جريها أي كثر النزح منها أو المراد بها القنوات و أما البطائح أي المياه الراكدة فيها و في القاموس البطيحة و البطحاء و الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصا و الجمع أباطح و بطاح و بطائح انتهى. و التقطير أي تقطير البول من غير إرادة لأن ماءها يخرج من ثدييها قيل أي عمدة مائها فإن المشهور بين الأطباء أن المني يخرج من جميع الجسد و في بعض النسخ فإنك إذا فعلت ذلك اجتمع ماؤها و عرفت الشهوة و ظهرت عند ذلك في عينيها و وجهها و اشتهت منك الذي تشتهيه منها. و أقول كل ذلك ذكرها الأطباء في كتبهم من الملاعبة التامة ليتحرك مني المرأة و يذوب و دغدغة الثدي ليهيج شهوتها و تتحرك منها لأن الثدي شديد المشاركة للرحم قالوا فإذا تغيرت هيئة عينها إلى الاحمرار بسبب قوة اللذة فعند ذلك يتحرك الروح إلى الظاهر و يصحبه الدم و يظهر ذلك في العين لصفاء لونه. و قد يتغير شكل العين و ينقلب سواده إلى الفوق لأنه شديد المشاركة لآلات التناسل خصوصا للرحم و تواتر نفسها و طلبت التزام الرجل أولج الذكر و صب المني ليتعاضد المنيان. قوله ع و لكن تميل أي تتكئ على يمينك إلا طاهرة أي من الحيض و النفاس و في بعض النسخ و لا تجامعها إلا و هي طاهرة فإذا فعلت ذلك كان أروح لبدنك و أصح لك إذا اتفق الماءان عند التمازج نتاج الولد بإذن الله عز و جل إلى قوله مثل الذي خرج منك و لا تكثر إتيانهن تباعا فإن المرأة تحمل من القليل و تقذف الكثير و ليس فيها و اعلم إلى قوله شرف القمر و هو أظهر. و شرف القمر في الدرجة الثالثة من الدلو و قيل علة مناسبة الحمل للجماع لكونه من البروج النارية المذكرة المناسبة للشهوة و فيه شرف الشمس و مناسبة الدلو لكونه من البروج الهوائية الحارة الرطبة و موجبة لزيادة الدم و الروح و الثور لأنه بيت

    الزهرة المتعلقة بالنساء و الشهوات و لعل ذكر هذه الأمور و إن كان منه ع لبعض المصالح موافقة لما اشتهر في ذلك الزمان عند المأمون و أصحابه من العمل بآراء الحكماء و التفوه بمصطلحاتهم. و كان أكثر ما ورد في هذه الرواية من هذا القبيل كما أومأ ع إليه في أول الرسالة حيث قال من أقاويل القدماء و نعود إلى قول الأئمة ع و في بعض النسخ آخر الرسالة هكذا. و اعلم أن من عمل بما وصفت في كتابي هذا و دبر جسده و لم يخالفه سلم بإذن الله تعالى من كل داء و صح جسمه بحول الله و قوته و الله يرزق العافية من يشاء و يمنح الصحة بلا دواء فلا يجب أن يلتفت إلى قول من يقول ممن لا يعلم و لا ارتاض بالعلوم و الآداب و لا يعرف ما يأتي و ما يذر طال ما أكلت كذا فلم يضرني و فعلت كذا و لم أر مكروها و إنما هذا القائل في الناس كالبهيمة البهماء و الصورة الممثلة لا يعرف ما يضره مما ينفعه و لو أصيب اللص أول ما يسرق فعوقب لم يعد و لكانت عقوبته أسهل و لكنه يرزق الإمهال و العافية فيعاود ثم يعاود حتى يؤخذ على أعظم السرقات فيقطع و يعظم التنكيل به و ما أورده عاقبة طمعه و الأمور كلها بيد الله سيدنا و مولانا جل و علا و إليه نرجع و نصير و هو حسبنا و نعم الوكيل و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال أبو محمد الحسن القمي فلما وصلت هذه الرسالة من أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع إلى المأمون قرأها و فرح بها و أمر أن تكتب بالذهب و أن تترجم بالرسالة المذهبة و في بعض النسخ بالرسالة الذهبية في العلوم الطبية. أقول لعل المشبه به سارق أخذه الملوك و حكام العرف و إلا فحاكم الشرع يقطع يده في أول مرة أو المراد به من أخذ أقل من النصاب فإنه يعزر لو ثبتت سرقته و لو لم تثبت و اجترأ و تعدى إلى أن بلغ النصاب تقطع يده. و ما أورده على المعلوم عطفا على التنكيل أي يعظم ما أورده عليه عاقبة طمعه أو ما أورده مبتدأ و عاقبة خبره و على الأخير يمكن أن يقرأ على بناء المجهول على الحذف و الإيصال