باب 2- أحوال الأنعام و منافعها و مضارها و اتخاذها

 الآيات المائدة أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الأنعام وَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً إلى قوله ساءَ ما يَحْكُمُونَ و قال سبحانه وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ إلى قوله ما كانُوا مُهْتَدِينَ و قال تعالى وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً إلى آخر الآية النحل وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ و قال سبحانه وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ الحج وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ إلى قوله تعالى وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ إلى قوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ إلى قوله عز و جل كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المؤمنون وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ فاطر وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ يس وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ   و قال عز و جل أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا يَشْكُرُونَ الزمر وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ المؤمن اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ حمعسق جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ الزخرف وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ الغاشية أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. تفسير بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ذهب أكثر المفسرين إلى أنها إضافة بيان أو إضافة الصفة إلى الموصوف أريد بها الأزواج الثمانية و المستفاد من أكثر الأخبار أن بيان حل الأنعام في آيات أخر و المراد هنا بيان الأجنة التي في بطونها

 و روي في الكافي في الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أحدهما ع عن قول الله عز و جل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ فقال الجنين في بطن أمه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أمه فذلك الذي عنى الله عز و جل

فعلى هذا الإضافة بتقدير من أو اللام و يمكن حمل الخبر على أن المراد أن الجنين أيضا داخل في الآية فيكون الغرض بيان الفرد الأخفى أو يكون تحديدا لأول تسميتها بالبهيمة و حلها فلا ينافي التعميم قال الطبرسي رحمه الله اختلف في تأويله على أقوال أحدها أن المراد به الأنعام و إنما ذكر البهيمة للتأكيد فمعناه أحلت لكم الأنعام الإبل و البقر و الغنم. و ثانيها أن المراد بذلك أجنة الأنعام التي توجد في بطون أمهاتها إذا أشعرت و قد ذكيت الأمهات و هي ميتة فذكاتها ذكاة أمهاتها و هو المروي عن أبي جعفر   و أبي عبد الله ع. و ثالثها أن بهيمة الأنعام وحشيها كالظبي و البقر الوحشي و حمر الوحش و الأولى حمل الآية على الجميع انتهى و الآية تدل على حل أكل لحوم البهائم بل سائر أجزائها بل جميع الانتفاعات منها إلا ما أخرجه الدليل وَ جَعَلُوا أي مشركو العرب لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ أي خلق مِنَ الْحَرْثِ أي الزرع وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ من غير أن يؤمروا به وَ هذا لِشُرَكائِنا يعني الأوثان فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَ ما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ و روي أنهم كانوا يعينون شيئا من حرث و نتاج لله و يصرفونه في الضيفان و المساكين و شيئا منهما لآلهتهم و ينفقون على سدنتها و يذبحون عندها ثم إن رأوا ما عينوا لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم و إن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها حبا لها و اعتلوا لذلك بأن الله أغنى و روي في المجمع عن أئمتنا ع أنه كان إذا اختلط ما جعل للأصنام بما جعل لله ردوه و إذا اختلط ما جعل الله بما جعلوه للأصنام تركوه و قالوا الله أغنى و إذا انخرق الماء من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدوه و إذا انخرق من الذي للأصنام في الذي لله سدوه و قالوا الله غني ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي ساء الحكم حكمهم هذا وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ أي حرام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدمة الأوثان و الرجال دون النساء بِزَعْمِهِمْ أي بغير حجة وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعني البحائر و السوائب و الحوامي وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ   اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا في الذبح بل يسمون آلهتهم و قيل لا يحجون على ظهورها افْتِراءً عَلَيْهِ نصب على المصدر سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنون أجنة البحائر و السوائب خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا أي إن ولد حيا وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ أي الذكور و الإناث فيه سواء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ أي جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل و التحريم إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ أي بناتهم سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ من البحائر و نحوها افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى الحق و الصواب وَ مِنَ الْأَنْعامِ أي و أنشأ من الأنعام. حَمُولَةً وَ فَرْشاً قيل فيه وجوه الأول أن الحمولة كبار الإبل أو الأعم و الفرش صغارها الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها الثاني أن الحمولة ما يحمل عليه من الإبل و البقر و الفرش الغنم الثالث أن الحمولة كل ما حمل من الإبل و البقر و الخيل و البغال و الحمير و الفرش الغنم روي ذلك عن ابن عباس فكأنه ذهب إلى أنه يدخل في الأنعام الحافر على وجه التبع. و الرابع أن معناه ما ينتفعون به في الحمل و ما يفترشونه في الذبح فمعنى الافتراش الاضطجاع للذبح. و الخامس أن الفرش ما يفرش من أصوافها و أوبارها أي من الأنعام ما يحمل عليه و منها ما يتخذ من أوبارها و أصوافها ما يفرش و يبسط و قيل أي ما يفرش المنسوج من شعره و صوفه و وبره و يدل على جواز حمل ما يقبل الحمل منها و ذبح ما يستحق الذبح منها أو افتراش أصوافها و أوبارها و أشعارها. كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قال الطبرسي رحمه الله أي استحلوا الأكل مما أعطاكم الله و لا تحرموا شيئا منها كما فعله أهل الجاهلية في الحرث و الأنعام و على هذا يكون الأمر على ظاهره و يمكن أن يكون المراد نفس الأكل فيكون بمعنى

    الإباحة. وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قال البيضاوي أي في التحليل و التحريم من عند أنفسكم إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حمولة و فرشا أو مفعول كلوا و لا تتبعوا معترض بينهما أو فعل دل عليه أو حال من ماء بمعنى مختلفة أو متعددة و الزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه و قد يقال لمجموعهما و المراد الأول. مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قال الطبرسي قدس سره معناه ثمانية أفراد لأن كل واحد من ذلك يسمى زوجا فالذكر زوج الأنثى و الأنثى زوج الذكر و قيل معناه ثمانية أصناف مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ يعني الذكر و الأنثى وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ الذكر و الأنثى و الضأن ذوات الصوف من الغنم و المعز ذوات الشعر منه و واحد الضأن ضائن و الأنثى ضائنة و واحد المعز ماعز و قيل المراد بالاثنين الأهلي و الوحشي من الضأن و المعز و البقر و المراد بالاثنين من الإبل العراب و البخاتي و هو المروي عن أبي عبد الله ع قُلْ يا محمد ص لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما أحل الله تعالى آلذَّكَرَيْنِ من الضأن و المعز حَرَّمَ الله أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ منهما أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أي أم حرم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن و الأنثى من المعز و إنما ذكر الله هذا على وجه الاحتجاج عليهم بين به فريتهم و كذبهم على الله تعالى فيما ادعوا من أن ما في بطون الأنعام حلال للذكور و حرام على الإناث و غير ذلك مما حرموه فإنهم لو قالوا حرم الذكرين لزمهم أن يكون كل ذكر حراما و لو قالوا حرم الأنثيين لزمهم أن يكون كل أنثى حراما و لو قالوا حرام ما اشتملت عليه رحم الأنثى من الضأن و المعز لزمهم تحريم الذكور و الإناث فإن أرحام الإناث تشتمل على الذكور و الإناث فيلزمهم بزعمهم تحريم هذا الجنس صغارا و كبارا ذكورا و إناثا و لم يكونوا يفعلون ذلك بل كانوا يخصون   بالتحريم بعضا دون بعض فقد لزمتهم الحجة ثم قال نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ معناه أخبروني بعلم عما ذكرتموه من تحريم ما حرمتموه و تحليل ما حللتموه إن كنتم صادقين في ذلك وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ يا محمد آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ الله منهما أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ أي حضورا إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا أي أمركم به و حرمه عليكم حتى تضيفوه إليه و إنما ذكر ذلك لأن طرق العلم إما الدليل الذي يشترك العقلاء في إدراك الحق به أو المشاهدة التي يختص بها بعضهم دون بعض فإذا لم يكن أحد من الأمرين سقط المذهب فَمَنْ أَظْلَمُ لنفسه مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي أضاف إليه تحريم ما لم يحرمه و تحليل ما لم يحلله لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي يعمل عمل القاصد إلى إضلالهم من أجل دعائه إياهم إلى ما لا يثق بصحته مما لا يأمن أن يكون فيه هلاكهم و إن لم يقصد إضلالهم إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إلى الثواب لأنهم مستحقون العقاب الدائم بكفرهم و ضلالهم. أقول و سيأتي تفسير سائر الآيات في الأبواب الآتية. وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها قال الطبرسي قدس سره معناه و خلق الأنعام من الماء كما خلقكم منه لقوله وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ و أكثر ما يتناول الأنعام الإبل و يتناول البقر و الغنم أيضا و في اللغة هي ذوات الأخفاف و الأظلاف دون ذوات الحوافر لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ أي لباس عن ابن عباس و غيره و قيل ما يستدفأ به مما يعمل من صوفها و وبرها و شعرها فيدخل فيه الأكيسة و اللحف و الملبوسات و المبسوطات و غيرها قال الزجاج أخبر سبحانه أن في الأنعام ما يدفئنا و لم يقل و لكم فيها ما يكنكم من البرد لأن ما ستر من الحر ستر من البرد و قال

    في موضع آخر سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ فعلم أنها تقي البرد أيضا فكذلك هاهنا و قيل إن معناه و خلق الأنعام لكم أي لمنافعكم ثم ابتدأ و أخبر فقال فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ أي و لكم فيها منافع أخر من الحمل و الركوب و إثارة الأرض و الدر و النسل وَ مِنْها تَأْكُلُونَ أي و من لحومها تأكلون وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ أي حسن منظر و زينة حِينَ تُرِيحُونَ أي حين تردونها إلى مراحها و هو حيث تأوي إليه ليلا وَ حِينَ تَسْرَحُونَ أي ترسلونها بالغداة إلى مراعيها و أحسن ما تكون إذا راحت عظاما ضروعها ممتلية بطونها منتصبة أسنمتها و كذلك إذا سرحت إلى المراعي رافعة رءوسها فيقول الناس هذا جمال فلان و مواشيه فيكون له فيها جمال وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ أي أمتعتكم إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ أي و تحمل الإبل و بعض البقر أحمالكم الثقيلة إلى بلد بعيد لا يمكنكم أن تبلغوه من دون الأحمال إلا بمشقة و كلفة تلحق أنفسكم فكيف تبلغونه مع الأحمال لو لا أن الله سخر هذه الأنعام لكم حتى حملت أثقالكم إلى أين شئتم و قيل إن الشق معناه الشطر و النصف فيكون المراد إلا بأن يذهب شطر قوتكم أي نصف قوة الأنفس و قيل معناه تحمل أثقالكم إلى مكة لأنها من بلاد الفلوات عن ابن عباس و عكرمة إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ أي ذو رأفة و رحمة و لذلك أنعم عليكم بخلق هذه الأنعام ابتداء منه بهذا الإنعام. وَ الْخَيْلَ أي و خلق لكم الخيل وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها في حوائجكم و تصرفاتكم وَ زِينَةً أي و لتتزينوا بها من الله سبحانه على خلقه بأن خلق لهم من الحيوان ما يركبونه و يتجملون به و ليس في هذا ما يدل على تحريم أكل لحومها    وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ من أصناف الحيوان و النبات و الجماد لمنافعكم وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ أي الأنطاع و الأدم بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها أي خياما و قبابا يخف عليكم حملها في أسفاركم يَوْمَ ظَعْنِكُمْ أي ارتحالكم من مكان إلى مكان وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ أي اليوم الذي تنزلون موضعا تقيمون فيه أي لا يثقل عليكم في الحالين وَ مِنْ أَصْوافِها و هي للضأن وَ أَوْبارِها و هي للإبل وَ أَشْعارِها و هي للمعز أَثاثاً أي مالا عن ابن عباس و قيل أنواعا من متاع البيت من الفرش و الأكيسة و قيل طنافس و بسطا و ثيابا و كسوة و الكل متقارب وَ مَتاعاً تتمتعون به و معاشا تتجرون فيه إِلى حِينٍ أي إلى يوم القيامة أو إلى وقت الموت و يحتمل أن يكون المراد به موت المالك أو موت الأنعام و قيل إلى وقت البلى و الفناء و فيه إشارة إلى أنها فانية فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة انتهى. قوله سبحانه عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ يدل على حل الأنعام الثلاثة و التسمية عند ذبحها على بعض الوجوه إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ أي تحريمه من الميتة و المنخنقة و الموقوذة و ما لم يذكر اسم الله عليه و سائر ما سيأتي. و قال الطبرسي رحمه الله البدن جمع بدنة و هل الإبل المبدنة بالسمن قال الزجاج يقولون بدنت الإبل أي سمنتها و قيل أصل البدن الضخم و كل ضخم بدن و قيل البدن الناقة و البقرة مما يجوز في الهدي و الأضاحي مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أي من أعلام دينه و قيل من أعلام مناسك الحج لَكُمْ فِيها خَيْرٌ أي نفع في الدنيا و الآخرة و قيل أراد

    بالخير ثواب الآخرة كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ أي ذللناها لكم حتى لا تمتنع عما تريدون منها من النحر و الذبح بخلاف السباع الممتنعة و لتنتفعوا بركوبها و حملها و نتاجها نعمة منا عليكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ذلك وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً أي دلالة تستدلون بها على قدرة الله تعالى نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها أراد به اللبن وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ في ظهورها و ألبانها و أولادها و أصوافها و أشعارها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ أي من لحومها و أولادها و التكسب بها وَ عَلَيْها يعني على الإبل الخاصة وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ و هذا كقوله وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ أما في البر فالإبل و أما في البحر فالسفن وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ التي تدب على وجه الأرض وَ الْأَنْعامِ كالإبل و الغنم و البقر مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي كاختلاف الثمرات و الجبال وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ أي و خلقنا لهم من مثل سفينة نوح سفنا يركبون فيها و قيل إن المراد به الإبل و هي سفن البر عن مجاهد و قيل مثل السفينة من الدواب كالإبل و البقر و الحمير عن الجبائي أَ وَ لَمْ يَرَوْا أي أ و لم يعلموا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ أي لمنافعهم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أي مما ولينا خلقه بإبداعنا و إنشائنا لم نشارك في خلقه و لم نخلقه بإعانة معين و اليد في اللغة على أقسام منها الجارحة و منها النعمة و منها القوة و منها تحقيق الإضافة يقال في معنى النعمة لفلان عندي يد بيضاء و بمعنى القدرة تلقى فلان قولي باليدين أي بالقوة و التقبل و يقولون هذا ما جنت يداك و هو المعنى في الآية و إذا قال الواحد منا عملت هذا بيدي دل ذلك على انفراده بعمله من غير أن يكله إلى   أحد أَنْعاماً يعني الإبل و البقر و الغنم فَهُمْ لَها مالِكُونَ و لو لم نخلقها لما ملكوها و لما انتفعوا بها و بألبانها و ركوبها و لحومها و قيل فهم لها ضابطون قاهرون لم نخلقها وحشية نافرة منهم لا يقدرون على ضبطها فهي مسخرة لهم و هو قوله وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ أي سخرناها لهم حتى صارت منقادة فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ قسم الأنعام بأن جعل منها ما يركب و منها ما يذبح فينتفع بلحمه و يؤكل قال مقاتل الركوب الحمولة يعني الإبل و البقر وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ فمن منافعها لبس أصوافها و أشعارها و أوبارها و أكل لحومها و ركوب ظهرها إلى غير ذلك من أنواع المنافع الكثيرة فيها و المشارب من ألبانها أَ فَلا يَشْكُرُونَ الله على هذه النعم. وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ فيه وجوه أحدها أن معنى الإنزال هنا الإحداث و الإنشاء كقوله قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً و لم ينزل اللباس و لكن أنزل الماء الذي هو سبب القطن و الصوف و اللباس يكون منهما فكذلك الأنعام تكون بالنبات و النبات بالماء. و الثاني أنه أنزلها بعد أن خلقها في الجنة عن الجبائي قال و في الخبر الشاة من دواب الجنة و الإبل من دواب الجنة و الثالث أن المعنى جعلها نزلا و رزقا لكم و يعني بالأزواج الثمانية من الأنعام الإبل و البقر و الغنم الضأن و المعز من كل صنف اثنان هما زوجان. أقول و قال البيضاوي وَ أَنْزَلَ لَكُمْ أي و قضى أو قسم لكم فإن قضاياه توصف بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح أو أحدث بأسباب نازلة منها كأشعة

    الكواكب و الأمطار اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ قال في المجمع من الإبل و البقر و الغنم لِتَرْكَبُوا مِنْها أي لتنتفعوا بركوبها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ يعني أن بعضها للركوب و الأكل كالإبل و البقر و بعضها للأكل كالأغنام و قيل المراد بالأنعام هاهنا الإبل خاصة لأنها التي تركب و تحمل عليها في أكثر العادات و اللام في قوله لِتَرْكَبُوا لام الغرض و إذا كان الله تعالى خلق هذه الأنعام و أراد أن ينتفع خلقه بها و كان جل جلاله لا يريد القبيح و لا المباح فلا بد أن يكون أراد انتفاعهم بها على وجه القربة إليه و الطاعة له وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ من جهة ألبانها و أصوافها و أوبارها و أشعارها وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ بأن تركبوها و تبلغوا المواضع التي تقصدونها بحوائجكم وَ عَلَيْها أي و على الأنعام و هي الإبل هنا وَ عَلَى الْفُلْكِ أي و على السفن تُحْمَلُونَ يعني على الإبل في البر و على الفلك في البحر تحملون في الأسفار. جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ قال البيضاوي من جنسكم أَزْواجاً نساء وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً أي و خلق للأنعام من جنسها أزواجا أو خلق لكم من الأنعام أصنافا أو ذكورا و إناثا يَذْرَؤُكُمْ يكثركم من الذرء و هو البث فِيهِ في هذا التدبير و هو جعل الناس و الأنعام أزواجا يكون بينهم توالد فإنه كالمنبع للبث و التكثير. أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ قال الطبرسي قدس سره كانت الإبل عيشا من عيشهم فيقول أ فلا يتفكرون فيها و ما يخرج الله من ضروعها مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ يقول كما صنعت هذا لهم فكذلك أصنع لأهل الجنة في الجنة و قيل معناه أ فلا يعتبرون بنظرهم إلى الإبل و ما ركبه الله عليه من عجيب الخلق فإنه مع عظمته و قوته يذلله الصغير فينقاد له بتسخير الله إياه لعباده فيبركه و يحمل عليه ثم يقوم و ليس ذلك في غيره من ذوات الأربع فلا يحمل على شي‏ء منها   إلا و هو قائم فأراهم الله سبحانه هذه الآية فيه ليستدلوا على توحيده بذلك و سئل الحسن عن هذه الآية و قيل له الفيل أعظم من الإبل في الأعجوبة فقال أما الفيل فالعرب بعيد العهد بها ثم هو خنزير لا يركب ظهرها و لا يؤكل لحمها و لا يحلب درها و الإبل من أعز مال العرب و أنفسه تأكل النوى و القت و تخرج اللبن و يأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها و يحكى أن فأرة أخذت تجرها و هي تتبعها حتى دخلت الجحر فجرت الزمام و بركت الناقة فجرت فقربت فمها من جحر الفأر انتهى. و قال الرازي للإبل خواص منها أنه تعالى جعل الحيوان الذي يقتنى أصنافا شتى فتارة يقتنى ليؤكل لحمه و تارة ليشرب لبنه و تارة ليحمل الإنسان في الأسفار و تارة لينقل أمتعة الإنسان من بلد إلى بلد و تارة ليكون به زينة و جمال و هذه المنافع بأسرها حاصلة في الإبل و إن شيئا من سائر الحيوانات لا تجتمع فيه هذه الخصال. و ثانيها أنه في كل واحد من هذه الخصال أفضل من الحيوان الذي لا توجد فيه إلا هذه الخصلة لأنها إن جعلت حلوبة سقت فأروت الكثير و إن جعلت أكولة أطعمت و أشبعت الكثير و إن جعلت ركوبة أمكن أن يقطع بها من المسافة المديدة ما لا يمكن قطعه بحيوان آخر و ذلك لما ركب فيها من القوة على مداومته على السير و الصبر على العطش و الاجتزاء من العلوفات ما لا يجتزئ به حيوان آخر و إن جعلت حمولة استقلت بحمل الأحمال الثقلية التي لا يستقل بها سواها و منها

    أن هذا الحيوان كان أعظم الحيوانات وقعا في قلوب العرب و لذلك جعلوا دية قتل الإنسان إبلا و كان ملوكهم إذا أرادوا المبالغة في إعطاء الشاعر الذي جاء من المكان البعيد أعطوه مائة بعير لأن امتلاء العين منه أشد من امتلاء العين من غيره و لهذا قال و لكم فيها جمال الآية و منها أني كنت مع جماعة في مفازة فضللنا الطريق فقدموا جملا و تبعوه فكان ذلك الإبل ينعطف من تل إلى تل و من جانب إلى جانب و الجميع كانوا يتبعونه حتى وصل إلى الطريق بعد زمان طويل و هذا من قوة تخيل ذلك الحيوان بالمرة الواحدة كيف انحفظت في خياله صورة تلك المعاطف حتى أن الذي عجز جمع من العقلاء إلى الاهتداء إليه فإن ذلك الحيوان اهتدى إليه. و منها أنها مع كونها في غاية القوة على العمل مباينة لغيرها في الانقياد و الطاعة لأضعف الحيوانات كالصبي و مباينة لغيرها أيضا في أنها يحمل عليها و هي باركة ثم تقوم فهذه الصفات الكثيرة الموجودة فيها توجب على العاقل أن ينظر في خلقتها و تركيبها و يستدل بذلك على وجود الصانع الحكيم سبحانه ثم إن العرب من أعرف الناس بأحوال الإبل في صحتها و سقمها و منافعها و مضارها فلهذه الأسباب حسن من الحكيم تعالى أن يأمر بالتأمل في خلقتها. أقول و قال الدميري في حياة الحيوان الإبل الجمال و هي اسم واحد يقع على   الجمع ليس بجمع و لا اسم جمع إنما هو دال على الجنس

 و روى ابن ماجة أن النبي ص قال الإبل عز لأهلها و الغنم بركة و الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة

و الإبل من الحيوان العجيب و إن كان عجبها سقط من أعين الناس لكثرة رؤيتهم لها و هو أنه حيوان عظيم الجسم شديد الانقياد ينهض بالحمل الثقيل و يبرك به و تأخذ زمامة فأرة تذهب به حيث شاءت و تحمل على ظهره بيتا يقعد فيه الإنسان مع مأكوله و مشروبه و ملبوسه و ظروفه و وسائده كما في بيته و تتخذ للبيت سقفا و هو يمشي بكل هذه و لهذا قال تعالى أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ و عن بعض الحكماء أنه حدث عن البعير و عظم خلقه و كان قد نشأ بأرض لا إبل بها ففكر ثم قال يوشك أن تكون طوال الأعناق و حين أراد الله بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش حتى أن ظمأها يرتفع إلى العشر و جعلها ترعى كل شي‏ء نابت في البراري و المفاوز ما لا يرعاه سائر البهائم و في الحديث لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم و مهر الكريمة أي تعطى في الديات فتحقن بها الدماء فتقطع عن أن يهراق دم القاتل و قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان ليس لشي‏ء من الفحول مثل ما للجمل عند هيجانه إذ يسوء خلقه و يظهر زبده و رغاؤه فلو حمل ثلاثة أضعاف عادته حمل و يقل أكله

 و سئل رسول الله ص عن الصلاة   في مبارك الإبل فقال لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين و سئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة

 و في مسند أحمد و الحاكم عن عبد الله بن جعفر أن النبي ص دخل حائطا لبعض الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي ص ذرفت عيناه فمسح النبي ص سنامه فسكن ثم قال من رب هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال أ لا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه يشكو إلي أنك تجيعه و تذيبه

 و روى الطبراني عن جابر قال خرجنا مع رسول الله ص في غزوة ذات الرقاع حتى إذا كنا بحرة واقم أقبل جمل يرفل حتى دنا من رسول الله ص فجعل يرغو على هامته فقال ص إن هذا الجمل يستعديني على صاحبه يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين حتى أجربه و أعجفه و كبر سنه أراد نحره اذهب يا جابر   إلى صاحبه فأت به قال ما أعرفه قال إنه سيدلك عليه قال فخرج بين يدي منعقا حتى وقف بي مجلس بني حطمة فقلت أين رب هذا الجمل قالوا هذا لفلان بن فلان فجئته فقلت أجب رسول الله فخرج معي حتى إذا جاء رسول الله ص قال إن جملك يزعم أنك حرثت عليه زمانا حتى إذا أجربته و أعجفته و كبر سنه أردت نحره قال و الذي بعثك بالحق إن ذلك كذلك قال ص ما هكذا جزاء المملوك الصالح ثم قال بعنيه قال نعم فابتاعه منه ثم أرسله ص في الشجر حتى نصب سنامه و كان إذا اعتل على بعض المهاجرين و الأنصار من نواضحهم شي‏ء أعطاه إياه فمكث كذلك زمانا

و قال البقر اسم جنس يقع على الذكر و الأنثى و إنما دخلته الهاء للوحدة و الجمع بقرات و هو حيوان شديد القوة كثير المنفعة خلقه الله ذللا و لم يخلق له سلاحا شديدا كما للسباع لأنه في رعاية الإنسان فالإنسان يدفع عنه عدوه فلو كان له سلاح لصعب على الإنسان ضبطه و البقر الأجم يعلم أن سلاحه في رأسه فيستعمل محل القرن كما ترى في العجاجيل قبل نبات قرونها تنطح برءوسها تفعل ذلك طبعا و هي أجناس منها الجواميس و هي أكثرها ألبانا و أعظمها أجسادا و منها العراب و هي جرد ملس الألوان و منها نوع آخر يقال له الدربانة و البقر ينزو ذكورها   على إناثها إذا تمت لها سنه من عمرها في الغالب و هي كثيرة المني و كل الحيوان إناثه أرق صوتا من الذكور إلا البقر فإن الأنثى أفخم و أجهر و ليس لجنس البقر ثنايا عليا فهي تقطع الحشيش بالسفلى. و ذكر صاحب الترغيب و الترهيب و البيهقي في الشعب عن ابن عباس أن ملكا من الملوك خرج يتصيد في مملكته مختفيا من الناس فنزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت مقدار ثلاثين بقرة فحدث الملك نفسه أن يأخذها فلما كان من الغد غدت البقرة إلى مرعاها ثم راحت فحلبت نصف ذلك فدعا الملك صاحبها فقال أخبرني عن بقرتك هذه لم نقص حلابها أ لم يكن مرعاها اليوم مرعاها بالأمس قال بلى و لكن أرى الملك أضمر لبعض الرعية سوء فنقص لبنها فإن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة قال فعاهد الملك ربه أن لا يأخذها و لا يظلم أحدا قال فغددت ثم راحت فحلبت حلابها في اليوم الأول فاعتبر الملك بذلك و عدل و قال إن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة لا جرم لأعدلن و لأكونن على أفضل الحالات. و قال الغنم الشاة لا واحد له من لفظه

 و روى عبد بن حميد بسنده إلى عطية عن أبي سعيد الخدري قال افتخر أهل الإبل و أهل الغنم عند رسول الله ص فقال السكينة و الوقار في أهل الغنم و الفخر و الخيلاء في الفدادين أهل الإبل

و هو في الصحيحين بألفاظ مختلفة منها السكينة في أهل الغنم و الفخر و الرياء في الفدادين أهل الخيل و الوبر و في لفظ الفخر و الخيلاء في أصحاب الإبل و السكينة و الوقار في أصحاب الشاة. أراد بالسكينة السكون و بالوقار التواضع و أراد بالفخر التفاخر بكثرة   المال و الجاه و غير ذلك من مراتب أهل الدنيا و بالخيلاء التكبر و التعاظم و منه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ و مراده بالوبر أهل الإبل لأنه لها كالصوف للغنم و الشعر للمعز و لذلك قال تعالى وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ و هذا منه ص إخبار عن أكثر حال أهل الغنم و أهل الإبل و أغلبه و قيل أراد به أي بأهل الغنم أهل اليمن لأن أكثرهم أهل الغنم بخلاف ربيعة و مضر فإنهم أصحاب إبل. و الغنم على ضربين ضائنة و ماعزة قال الجاحظ و اتفقوا على أن الضأن أفضل من الماعز و استدلوا عليه بأوجه منها أن الله تعالى بدأ بذكر الضأن في القرآن فقال مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ و منها قوله إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً و منها فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ و مما يذكر من فضلها أنها تلد في السنة مرة و تفرد غالبا و المعز تلد مرتين و قد تثنى و تثلث و البركة في الضأن أكثر و من ذلك أن الضأن إذا رعت شيئا من الكلأ فإنه ينبت و إذا رعت الماعز شيئا لا ينبت لأن المعز تقلعه من أصولها و الضأن ترعى ما على وجه الأرض و أيضا فإن صوف الضأن أفضل من شعر المعز و أعز قيمة و ليس الصوف إلا للضأن و منها أنهم كانوا إذا مدحوا   شخصا قالوا إنما هو كبش و إذا ذموه قالوا ما هو إلا تيس و مما أهان الله به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل و الدبر بخلاف الكبش و لذا شبه رسول الله ص المحلل بالتيس المستعار. و منها أن رءوس الضأن أطيب و أفضل من رءوس الماعز و كذلك لحمها فإن أكل لحم الماعز يحرك المرة السوداء و يولد البلغم و يورث النسيان و يفسد الدم و لحم الضأن عكس ذلك قال أبو زيد يقال لما تضعه الغنم و المعز حالة وضعه سخلة ذكرا كان أو أنثى و جمعها سخل بفتح السين و سخال بكسرها ثم لا يزال اسمه ذلك ما دام يرضع اللبن ثم يقال للذكر و الأنثى بهمة بفتح الباء و الجمع بهم بضمها و يقال لولد المعز حين يولد سليل و سليط فإذا بلغ أربعة أشهر و فصل عن أمه و أكل من البقل فإن كان من أولاد المعز فهو جفر و الأنثى جفرة و الجمع جفار فإذا قوى و أتى عليه حول فهو عريض و جمعه عرضان بكسر العين و العتود نوع منه و جمعه أعتدة و عتدان و هو في ذلك جدي و الأنثى عناق إذا كان من أولاد المعز و يقال له إذا تبع أمه تلو لأنه يتلو أمه و يقال للجدي أمر بضم الهمزة و تشديد الميم و الراء المهملة في آخره و يقال له هلع و هلعة بضم الهاء و تشديد اللام و البكرة العناق أيضا و العطعط الجدي فإذا أتى عليه حول فالذكر تيس و الأنثى عنز ثم يكون جذعا في السنة الثانية و الأنثى جذعة فإذا طعن في السنة الثالثة فهو ثني و الأنثى ثنية فإذا طعن في السنة الرابعة كان رباعيا و الأنثى رباعية ثم تكون سدسا و الأنثى سدسة ثم يكون ضالعا و الأنثى كذلك و يقال ضلع يضلع ضلوعا و الجمع الضلع

    بتشديد اللام و قال الجلان و الجلام من أولاد المعز خاصة و في الحديث في الأرنب يصيبها المحرم جلان. قال الجاحظ و قد قالوا في أولاد الضأن كما قالوا في أولاد المعز إلا في مواضع قال الكسائي هي خروف في العريض من أولاد المعز و الأنثى خروفة و يقال له حمل و الأنثى رخل بفتح الراء المهملة و كسر الخاء المعجمة و الجمع رخال بضم الراء و هو مما جمع على غير قياس كما قالوا في المرضع ظئر و ظؤار و للشاة القريبة العهد بالنتاج ربي و رباب و البهمة للذكر و الأنثى من أولاد الضأن و المعز جميعا و لا يزال كذلك حتى يأكل و يجتر ثم هو قرقر بقافين مكسورتين و الجمع قرقار و قرقور و هذا كله حين يأكل و يجتر و الجلام بكسر الجيم الجدي أيضا و البذج بفتح الباء و الذال المعجمة و بالجيم في آخره من أولاد الضأن خاصة و الجمع بذجان.

 و روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن أم هاني قالت إن النبي ص قال لها اتخذي غنما فإن فيها البركة و شكت إليه امرأة أن غنمها لا تزكو فقال ص ما ألوانها قالت سود فقال عفري أي استبدلي أغناما بيضا فإن البركة فيها

 و في الحديث صلوا في مرابض الغنم و امسحوا رغامها

و الرغام ما يسيل من الأنف.

 و روى أبو داود أن النبي ص كانت له مائة شاة لا يريد أن تزيد و كان ص كلما ولدت سخلة ذبح مكانها شاة

    و روى مالك و أبو داود و البخاري و النسائي و ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال و مواضع القطر يفر بدينه من الفتن

شعف الجبال بفتح الشين المعجمة و العين المهملة رءوسها و شعف كل شي‏ء أعلاه قال أبو الزناد خص ع الغنم من بين سائر الأشياء حضا على التواضع و تنبيها على إيثار الخمول و ترك الاستعلاء و الظهور و قد رعاها الأنبياء و الصالحون

 و قال ص ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم

 و أخبر ص أن السكينة في أهل الغنم

 و في الحديث أنه ص قال ما من نبي إلا و قد رعى الغنم قيل و أنت يا رسول الله قال و أنا

قيل و الحكمة أن الله عز و جل جعل الرعي في الأنبياء تقدمة لهم ليكونوا رعاة الخلق و تكون أممهم رعايا لهم

 و روى الحاكم في مستدركه عن ابن عمر قال قال رسول الله ص رأيت غنما سودا دخلت فيها غنم كثير بيض فقالوا فما أولته يا رسول الله قال العجم يشركونكم في دينكم و أنسابكم قالوا العجم يا رسول الله قال ص لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم

و في عجائب المخلوقات عن موسى بن عمران ع أنه اجتاز بعين ماء في سفح جبل فتوضأ منها ثم ارتقى الجبل ليصلي إذ أقبل فارس فشرب من ماء العين و ترك عنده كيسا فيه دراهم و ذهب مارا فجاء بعده راعي غنم فرأى الكيس فأخذه و مضى ثم جاء بعده شيخا عليه أثر البؤس و على رأسه حزمة حطب فوضعها هناك ثم   استلقى ليستريح فما كان إلا قليلا حتى عاد الفارس فطلب كيسه فلم يجده فأقبل على الشيخ يطالبه فأنكر فلم يزالا كذلك حتى ضربه و لم يزل يضربه حتى قتله فقال موسى يا رب كيف العدل في هذه الأمور فأوحى الله إليه أن الشيخ كان قتل أبا الفارس و كان على أب الفارس دين لأب الراعي مقدار ما في الكيس فجرى بينهما القصاص و قضي الدين و أنا حكم عدل

1-  الخصال، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن سهل بن زياد عن الحسين بن يزيد عن سفيان الحريري عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص البركة عشرة أجزاء تسعة أعشارها في التجارة و العشر الباقي في الجلود

 قال الصدوق رضي الله عنه يعني بالجلود الغنم و تصديق ذلك ما روي عن النبي ص أنه قال تسعة أعشار الرزق في التجارة و الجزء الباقي في السابياء يعني الغنم

 حدثنا بذلك أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن الحسين بن زيد عن أبيه زيد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب ع عن النبي ص أنه قال تسعة أعشار الرزق في التجارة و الجزء الباقي في السابياء يعني الغنم

بيان قال في النهاية بعد إيراد الرواية في السابياء يريد به النتاج في المواشي و كثرتها يقال إن لآل فلان سابياء أي مواشي كثيرة و الجمع السوابي و هي في الأصل الجلدة التي يخرج فيها الولد و قيل هي المشيمة انتهى. أقول الجلود في الخبر الأول لعله أريد به ذوات الجلود من الحيوانات و في   القاموس الجلد محركة الشاة يموت ولدها حين تضع كالجلدة محركة فيهما و الكبار من الإبل لا صغار فيها و من الغنم و الإبل ما لا أولاد لها و لا ألبان و ككتاب من الإبل الغزيرات اللبن كالمجاليد أو ما لا لبن لها و لا نتاج و الجلد الذكر وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا أي لفروجهم

2-  الفقيه، قال قال أمير المؤمنين ع اتقوا الله فيما خولكم و في العجم من أموالكم فقيل له و ما العجم قال الشاة و البقر و الحمام

3-  تفسير علي بن إبراهيم، قال أبو الجارود في قوله وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ و الدف‏ء حواشي الإبل و يقال بل هي الأدفاء من البيوت و الثياب و قال علي بن إبراهيم في قوله دِفْ‏ءٌ أي ما يستدفئون به مما يتخذ من صوفها و وبرها قوله وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ قال حين يرجع من المرعى و حين تسرحون حين يخرج إلى المرعى قوله وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ قال إلى مكة و المدينة و جميع البلدان ثم قال وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها و لم يقل عز و علا لتركبوها و تأكلوها كما قال في الأنعام وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ قال العجائب التي خلقها الله في البر و البحر

 بيان قوله حواشي الإبل أي صغار أولادها و هذا تفسير آخر غير التفاسير المشهورة لكنه موافق للغة قال الفيروزآبادي الحشو صغار الإبل كالحاشية و قال   الدف‏ء بالكسر و يحرك نقيض حدة البرد و إبل مدفئة و مدفأة و مدفأة و مدفئة كثير الأوبار و الشحوم و الدف‏ء بالكسر نتاج الإبل و أوبارها و الانتفاع بها. و قال الراغب الدف‏ء خلاف البرد قال تعالى لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ و هو لما يدفئ و رجل دفآن و امرأة دفأى و بيت دفي‏ء قوله من البيوت أي الخيم من الشعر و الصوف قوله و لم يقل إلى آخره كان غرضه أنها ليست مما أعدت للأكل و رغب في أكلها إلا أنها محرمة فيدل على كراهتها كما هو المشهور

4-  الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن زياد القندي عن أبي وكيع عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث قال قال أمير المؤمنين ع قال رسول الله ص عليكم بالغنم و الحرث فإنهما يروحان بخير و يغدوان بخير فقيل يا رسول الله فأين الإبل قال تلك أعنان الشياطين و يأتيها خيرها من الجانب الأشأم قيل يا رسول الله إن سمع الناس بذلك تركوها فقال إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة

 بيان قال في النهاية سئل ع عن الإبل فقال أعنان الشياطين الأعنان النواحي كأنه قال إنها لكثرة آفاتها كأنها من نواحي الشياطين في أخلاقها و طبائعها و في حديث آخر لا تصلوا في أعطان الإبل لأنها خلقت من أعنان الشياطين

    -5  الخصال، عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع عن علي ع قال سئل رسول الله ص أي المال خير قال زرع زرعه صاحبه و أصلحه و أدى حقه يوم حصاده قيل فأي المال بعد الزرع خير قال رجل في غنمة قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة قيل فأي المال بعد الغنم خير قال البقر تغدو بخير و تروح بخير قيل فأي المال بعد البقر خير قال الراسيات في الوحل و المطعمات في المحل نعم الشي‏ء النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق ا اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ إلا أن يخلف مكانها قيل يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير فسكت فقال له رجل فأين الإبل قال فيها الشقاء و الجفاء و العناء و بعد الدار تغدو مدبرة و تروح مدبرة و لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة

 معاني الأخبار، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه مثله الكافي، عن علي بن إبراهيم مثله. بيان قد تبع بها الباء للتعدية أو للمصاحبة أو للسببية أي يتبع لغنمه مواضع قطر السماء و نزول المطر فإذا رأى ماء و عشبا نزل هناك تغدو بخير أي بلبن أي تأتي به غدوا و رواحا و الخير كل ما يرغب فيه و يكون نافعا و قال الراغب الخير و الشر يقالان على وجهين أحدهما أن يكونا اسمين كقوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ و الثاني أن يكونا وصفين و تقديراهما تقدير أفعل منه نحو هذا خير من ذلك و أفضل كقوله تعالى نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها.   قوله الراسيات في الوحل أي النخيل التي نشبت عروقها في الطين و ثبتت فيه و هي تطعم أي تثمر في المحل و هو بالفتح الجدب و انقطاع المطر و التخصيص بها لأنها تحمل العطش أكثر من سائر الأشجار قوله فإنما ثمنه هو قائم مقام الخبر كأنه قيل فلا يرى خيرا لأن ثمنه فلذا خلا عن العائد أو هو خبر بإرجاع ضمير ثمنه إلى الموصول قوله ص بمنزلة رماد اقتباس من قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ‏ءٍ و العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم نهاره صائم و ليله قائم و اشتدت به أي حملته و أسرعت الذهاب به و الشاهق المرتفع من الجبال و الأبنية و غيرها إلا أن يخلف مكانها أي مثله أو الأعم و الأول أظهر و الشقاء الشدة و العسر أو هو ضد السعادة و الجفاء البعد عن الشي‏ء و ترك الصلة و البر و غلظ الطبع و في القاموس جفا عليه كذا ثقل و جفا ماله لم يلازمه و أجفى الماشية أتعبها و لم يدعها تأكل. و أقول هنا أكثر المعاني مناسب فإن فيها غلظ الطبع و من يلازمها يصير كذلك كما يرى في الأعراب و الجمالين و يبعد عن صاحبه للرعي و إن كان المراد ببعد الدار أيضا ذلك و تتعب صاحبها و تثقل على صاحبها لقلة منافعها و العناء التعب تغدو مدبرة لأنها تطلب العلف من صاحبها غدوة و ليست لها منفعة تداركه و كذا في الرواح أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة أي أنها مع هذه الخلال لا يتركها الأشقياء و يتخذونها للشوكة و الرفعة التي فيها و لا يصير قولي هذا سببا لتركهم لها و ما يروى عن الشيخ البهائي قدس سره أن المعنى أن من جملة مفاسدها أنه تكون معها غالبا شرار الناس و هم الجمالون فهذا الخبر و إن كان يحتمله لكن سائر الأخبار مصرحة بالمعنى الأول

6-  المعاني، و الخصال، عن علي بن أحمد بن موسى عن محمد الأسدي عن صالح   بن أبي حماد عن إسماعيل بن مهران عن أبيه عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص الغنم إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أقبلت و البقر إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أدبرت و الإبل أعنان الشياطين إذا أقبلت أدبرت و إذا أدبرت أدبرت و لا يجي‏ء خيرها إلا من الجانب الأشأم قيل يا رسول الله فمن يتخذها بعد ذا قال فأين الأشقياء الفجرة

 قال صالح و أنشد إسماعيل بن مهران

هي المال لو لا قلة الخفض حولها فمن شاء داراها و من شاء باعها

. المعاني عن محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد أنه قال قوله أعنان الشياطين أعنان كل شي‏ء نواحيه و أما الذي يحكيه أبو عمرو فأعنان الشي‏ء نواحيه قالها أبو عمرو و غيره فإن كانت الأعنان محفوظة فأراد أن الإبل من نواحي الشياطين أي أنها على أخلاقها و طبائعها و قوله لا تقبل إلا مولية و لا تدبر إلا مولية فهذا عندي كالمثل الذي يقال فيها إنها إذا أقبلت أدبرت و إذا أدبرت أدبرت و ذلك لكثرة آفاتها و سرعة فنائها و قوله لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم يعني الشمال يقال لليد الشمال الشؤمى و منه قول الله عز و جل وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ يريد أصحاب الشمال و معنى قوله لا يأتي نفعها إلا من هناك يعني أنها لا تحلب و لا تركب إلا من شمالها و هو الجانب الذي يقال له الوحشي في قول الأصمعي لأنه الشمال قال و الأيمن هو الإنسي و قال بعضهم لا و لكن الإنسي هو الذي يأتيه الناس في الاحتلاب و الركوب و الوحشي هو الأيمن لأن الدابة لا تؤتى من جانبها الأيمن إنما تؤتى من الأيسر   قال أبو عبيد فهذا هو القول عندي و إنما الجانب الوحشي الأيمن لأن الخائف إنما يفر من موضع المخافة إلى موضع الأمن. توضيح

 قال الزمخشري في الفائق سئل عن الإبل فقال أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية و لا تدبر إلا مولية و لا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم

الأعنان النواحي جمع عنن و عن يقال أخذنا كل عن و سن و فن أخذ من عن كما أخذ العرض من عرض

 و في الحديث أنهم كرهوا الصلاة في أعطان الإبل لأنها خلقت من أعنان الشياطين

قال الجاحظ يزعم بعض الناس أن الإبل لكثرة آفاتها أن من شأنها إذا أقبلت أن يتعقب إقبالها الإدبار و إذا أدبرت أن يكون إدبارها ذهابا و فناء و مستأصلا و لا يأتي نفعها يعني منفعة الركوب و الحلب إلا من جانبها الذي ديدن العرب أن يتشأموا به و هو جانب الشمال و من ثم سموا الشمال شؤمى قال

فأنحى على شؤمى يديه فذادها

. فهي إذا للفتنة مظنة و للشياطين مجال متسع حيث تسببت أولا إلى إغراء المالكين على إخلالهم بشكر النعمة العظيمة فيها فلما زواها عنهم لكفرانهم أغرتهم أيضا على أغفال ما لزمهم من حق جميل الصبر على المرزئة بها و سولت لهم في الجانب الذي يستملون منه نعمتي الركوب و الحلب أنه الجانب الأشأم و هو في الحقيقة الأيمن و الأبرك

 و قال أيضا قيل أي لرسول الله ص أي أموالنا أفضل قال الحرث و قيل يا رسول الله فالإبل قال تلك عناجيج الشياطين

العنجوج من الخيل و الإبل الطويل العنق فعلول من عنجه إذا عطفه لأنه يعطف عنقه لطولها في كل جهة و يلويها ليا و راكبه يعجنها إليه بالعنان الزمام يريد أنها مطايا الشياطين و منه قوله إن على ذروة كل بعير شيطانا   و قال في النهاية لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم يعني الشمال و منه قولهم لليد الشمال الشؤمى تأنيث الأشأم يريد بخيرها لبنها لأنها إنما تحلب و تركب من الجانب الأيسر انتهى. و قال الجوهري الوحشي الجانب الأيمن من كل شي‏ء هذا قول أبي زيد و أبي عمرو قال عنترة.

و كأنما تنأى بجانب دفها الوحشي من هزج العشي مئوم

. و إنما تنأى بالجانب الوحشي لأن سوط الراكب في يده اليمنى. و قال الراعي

فمالت على شق وحشيها و قد ريع جانبها الأيسر

. و يقال ليس شي‏ء يفزع إلا مال على جانبه الأيمن لأن الدابة لا تؤتى من جانبها الأيمن و إنما تؤتى في الاحتلاب و الركوب من جانبها الأيسر فإنما خوفه منه و الخائف إنما يفر من موضع المخافة إلى موضع الأمن و كان الأصمعي يقول الوحشي الجانب الأيسر من كل شي‏ء و في المصباح المنير الوحشي من كل دابة الجانب الأيمن قال الأزهري قال أئمة العربية الوحشي من جميع الحيوان غير الإنسان الجانب الأيمن و هو الذي لا يركب منه الراكب و لا يحلب منه الحالب و الإنسي الجانب الآخر و هو الأيسر و روى أبو عبيدة عن الأصمعي أن الوحشي هو الذي يأتي منه الراكب و يحلب منه الحالب لأن الدابة تستوحش عنده فتفر منه إلى الجانب الأيمن قال الأزهري و هو غير صحيح عندي قال ابن الأنباري ما من شي‏ء يفزع إلا مال إلى جانبه الأيمن لأن الدابة إنما تؤتى للحلب و الركوب من الجانب الأيسر فتخاف منه فتفر من موضع المخافة و هو الجانب الأيسر إلى موضع الإنس و هو الجانب الأيمن فلهذا قيل الوحشي الجانب الأيمن انتهى. و أقول يرد في الخبر إشكال و هو أن الحلب و الركوب من الجانب الأيمن   لا اختصاص لهما بالإبل فكيف صارا سببا لذم خصوص الإبل و التكلف الذي ارتكبه الجاحظ في غاية السماجة و الركاكة إلا أن يقال الركوب من بين الأنعام الثلاثة مختص بالإبل و الحلب و إن كان مشتركا لكن قد تحلب الشاة بل البقرة أيضا من جانب الخلف و أيضا فيهما من السهولة و البركة ما يقاوم ذلك و قد يقال يمكن أن يكون كون الخبر من الجانب الأشأم كناية عن أن نفعها مشوب بضرر عظيم فإن اليمن منسوب إلى اليمين و الشؤم منسوب إلى اليسار أو يكون الأشأم أفعل تفضيل من الشأمة و يكون الغرض موتها و استيصالها أي خيرها في عدمها مبالغة في قلة نفعها كان عدمها أنفع من وجودها

7-  الخصال، في الأربعمائة قال أمير المؤمنين ع أفضل ما يتخذه الرجل في منزله لعياله الشاة فمن كانت في منزله شاة قدست عليه الملائكة في كل يوم مرة و من كانت عنده شاتان قدست عليه الملائكة مرتين في كل يوم و كذلك في الثلاث يقول بورك فيكم

8-  العلل، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن يحيى عن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله ع إنا نرى الدواب في بطون أيديها الرقعتين مثل الكي فمن أي شي‏ء ذلك قال ذلك موضع منخريه في بطن أمه و ابن آدم منتصب في بطن أمه و ذلك قول الله عز و جل لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ و ما سوى ابن آدم فرأسه في دبره و يداه بين يديه

    الفقيه، عن أبيه عن سعد بن عبد الله و الحميري جميعا عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن حماد مثله إلى قوله موضع منخريه في بطن أمه

9-  ثواب الأعمال، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد البرقي عن ابن محبوب عن محمد بن مارد قال سمعت أبا عبد الله ع يقول ما من مؤمن يكون في منزله عنز حلوب إلا قدس أهل ذلك المنزل و بورك عليهم و إن كانت اثنتين قدسوا و بورك عليهم كل يوم مرتين فقال بعض أصحابنا و كيف يقدسون قال يقف عليهم ملك كل صباح و مساء فيقول قدستم و بورك عليكم و طبتم و طاب إدامك فقلت له ما معنى قدستم قال طهرتم

 المحاسن، عن ابن محبوب مثله الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب مثله. بيان العنز الأنثى من المعز

10-  المحاسن، عن أبيه عن هارون بن الجهم عن محمد بن مسلم قال كنت عند أبي عبد الله ع بمنى إذ أقبل أبو حنيفة على حمار له فاستأذن على أبي عبد الله ع فأذن له فلما جلس قال لأبي عبد الله ع إني أريد أن أقايسك فقال له أبو عبد الله ع ليس في دين الله قياس و لكن أسألك عن حمارك هذا فيم أمره قال و عن أي أمره تسأل قال أخبرني عن هاتين النكتتين اللتين بين يديه ما هما فقال أبو حنيفة خلق في الدواب كخلق أذنيك و أنفك في رأسك فقال له أبو عبد الله ع   خلق الله أذني لأسمع بهما و خلق عيني لأبصر بهما و خلق أنفي لأجد به الرائحة الطيبة و المنتنة ففيما خلق هذان و كيف نبت الشعر على جميع جسده ما خلا هذا الموضع فقال أبو حنيفة سبحان الله أسألك عن دين الله و تسألني عن مسائل الصبيان فقام و خرج قال محمد بن مسلم فقلت له ع جعلت فداك سألته عن أمر أحب أن أعلمه فقال يا محمد إن الله تبارك و تعالى يقول في كتابه لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ يعني منتصبا في بطن أمه مقاديمه إلى مقاديم أمه و مآخيره إلى مآخير أمه غذاؤه مما تأكل أمه و يشرب مما تشرب أمه و تنسمه تنسيما و ميثاقه الذي أخذ الله عليه بين عينيه فإذا دنا ولادته أتاه ملك يسمى الزاجر فيزجره فينقلب فتصير مقاديمه إلى مآخر أمه و مآخيره إلى مقدم أمه ليسهل الله على المرأة و الولد أمره و يصيب ذلك جميع الناس إلا إذا كان عاميا فإذا زجره فزع و انقلب و وقع إلى الأرض باكيا من زجرة الزاجر و نسي الميثاق و إن الله خلق جميع البهائم في بطون أمهاتها منكوسة مقدمها إلى مؤخر أمها و مؤخرها إلى مقدم أمها و هي تتربص في الأرحام منكوسة قد أدخل رأسها بين يديها و رجليها تأخذ الغذاء من أمها فإذا دنا ولادتها انسلت انسلالا و امترقت من بطون أمهاتها و هاتان التي بين أيديها كلها موضع أعينها في بطون أمهاتها و ما في عراقيبها موضع مناخيرها لا ينبت عليه الشعر و هو للدواب كلها ما خلا البعير فإن عنقه طال فنفذ رأسه بين   قوائمه في بطن أمه

 بيان تنسمه تنسيما كان المعنى أن بنفسه مما تتنفس به أمه يصل إليه أثر ذلك النسيم قوله إلا إذا كان عاميا أي أعمى البصر أو أعمى القلب مخالفا و في بعض النسخ عانيا بالنون أي إلا أن يقدر الله تعالى أن يكون في عناء و مشقة عليه و على أمه الولادة و الأظهر أنه كان في الأصل إلا إذا كان يتنا أو ميتونا بتقديم المثناة التحتانية على المثناة الفوقانية ثم النون قال في القاموس اليتن أن تخرج رجلا المولود قبل يديه و قد خرج يتنا أيتنت و يتنت و هي موتن و موتنة و هو ميتون و القياس موتن. و في النهاية اليتن الولد الذي تخرج رجلاه من بطن أمه قبل رأسه و قد أيتنت الأم إذا جاءت به يتنا. و في القاموس مرق السهم من الرمية مروقا خرج من الجانب الآخر و كانت امرأة تغزو فحبلت فذكر لها الغزو فقالت رويد الغزو يتمرق أي أمهل الغزو حتى يخرج الولد و الامتراق سرعة المروق. ثم اعلم أن الخبر يشعر بأن الانتصاب في الرحم الذي هو شأن الإنسان أصعب و أشق من الهيئة التي عليها غيره فلذا فسر ع به الآية

11-  المحاسن، عن علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص الشاة نعم المال الشاة

 بيان كان شاة الأولى منصوبة على الإغراء و الأخرى تأكيد و خبره محذوف و ليس في الكافي الشاة الأولى

    -12  المحاسن، عن الوشاء عن إسحاق بن جعفر قال قال لي أبو عبد الله ع يا بني اتخذ الغنم و لا تتخذ الإبل

13-  و منه، عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إذا كانت لأهل بيت شاة قدستهم الملائكة

14-  و منه، عن محمد بن علي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال إذا اتخذ أهل البيت الشاة قدستهم الملائكة كل يوم تقديسة قلت كيف يقولون قال يقولون قدستم قدستم

15-  قال و في حديث آخر قال إذا اتخذ أهل البيت ثلاث شياه

16-  و منه، عن أبيه عن سليمان الجعفري رفعه قال قال رسول الله ص من كانت في بيته شاة قدستهم الملائكة تقديسة و انتقل عنهم الفقر منقلة و من كانت في بيته شاتان قدستهم الملائكة مرتين و ارتحل عنهم الفقر منقلتين فإن كانت ثلاث شياه قدستهم الملائكة ثلاث تقديسات و انتقل عنهم الفقر

 بيان و انتقل عنهم الفقر أي رأسا كما سيأتي

17-  المحاسن، عن ابن أبي نجران و عثمان عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال النبي ص لعمته ما يمنعك من أن تتخذي في بيتك ببركة فقالت يا رسول الله ما البركة فقال شاة تحلب فإنه من كانت في داره شاة تحلب أو نعجة أو بقرة فبركات كلهن

 قال و روى أبي عن أحمد بن النضر عن جابر عن أبي جعفر ع    الكافي، عن العدة عن البرقي مثله إلى آخر الخبر بالسند الأول. بيان كأن المراد بالشاة المعز أو النعجة الأنثى من الضأن و الشاة أعم من الضأن و المعز تطلق على الذكر و الأنثى كما ذكره الفيروزآبادي و في الكافي أو بقرة تحلب

18-  المحاسن، عن محمد بن علي عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد الله ع قال دخل رسول الله ص على أم أيمن فقال ما لي لا أرى في بيتك البركة فقالت أ و ليس في بيتي بركة قال لست أعني لك ذاك شاة تتخذيها تستغني ولدك من لبنها و تطعمين من سمنها و تصلين في مربضها

 بيان لست أعني أي عدم البركة مطلقا لك أي بركة ذاك أي الذي قلت أو لست أعني و أقول لك ذاك الذي فهمت هي شاة و لا يبعد أن يكون ذلك مكان لك

19-  المحاسن، عن أبيه عن نصر بن مزاحم عن حميد اللآلي عن أم راشد مولاة أم هاني أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه دخل على أم هاني فقالت أم هاني قدمي لأبي الحسن طعاما فقدمت ما كان في البيت فقال ما لي لا أرى عندكم البركة فقالت أم هاني لأبي الحسن أ و ليس هذا بركة فقال لست أعني هذا إنما أعني الشاة فقالت ما لنا من شاة فآكل و أستسقي

 بيان فقالت أم هاني أي لمولاتها أم راشد فقدمت على صيغة المتكلم فآكل أي من سمنها و أستسقي أي من لبنها

    -20  المحاسن، عن محمد بن علي عن عبيس بن هشام عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال إذا اتخذ أهل البيت شاة آتاهم الله برزقها و زاد في أرزاقهم و ارتحل عنهم الفقر مرحلة فإن اتخذوا شاتين آتاهم الله بأرزاقها و زاد في أرزاقهم و ارتحل عنهم الفقر مرحلتين و إن اتخذوا ثلاثا آتاهم الله بأرزاقها و زاد في أرزاقهم و ارتحل عنهم الفقر رأسا

 الكافي، عن أبي علي الأشعري عن الحسن بن علي عن عبيس مثله

21-  المحاسن، عن أبيه عن سليمان الجعفري رفعه إلى أبي عبد الله الحسين ع قال ما من أهل بيت تروح عليهم ثلاثين شاة إلا نزل الملائكة تحرسهم حتى يصبحوا

22-  و منه، عن بعض أصحابنا عن الفضل بن المبارك عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال من كانت في بيته شاة عيدية ارتحل الفقر عنه منقلة و من كانت في بيته اثنتان ارتحل عنه الفقر منقلتين و من كانت في بيته ثلاثة نفى الله عنهم الفقر

 بيان عيدية في بعض النسخ بالياء المثناة و كأن المراد نجيبة قال الفيروزآبادي العيد بالكسر شجر جبلي و فحل معروف منه النجائب العيدية أو نسبة إلى العيدي بن الندعي أو إلى عاد بن عاد أو إلى بني عيد بن الآمري و في   بعضها بالباء الموحدة قال في القاموس بنو العبيد بطن و هو عبدي كهذلي و قال العبدي نسبة إلى عبد القيس و كأن شياههم كانت أحسن و أكثر لبنا

23-  المحاسن، عن النهيكي و يعقوب بن يزيد عن العبدي عن أبي وكيع عن أبي إسحاق عن علي ع قال قال رسول الله ص عليكم بالغنم و الحرث فإنهما يغدوان بخير و يروحان بخير

 بيان كان الغدو و الرواح هنا كناية عن دوام المنفعة و استمرارها إذ في كثير من الأزمان لا يعودان بخير لا سيما في الحرث

24-  المحاسن، عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع من كانت في منزله شاة قدست عليه الملائكة في كل يوم مرة و من كانت اثنتين قدست عليه الملائكة في كل يوم مرتين و كذلك في الثلاثة و يقول الله بورك فيكم

25-  و منه، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن محمد بن عجلان قال سمعت أبا جعفر ع يقول ما من أهل بيت يكون عندهم شاة لبون إلا قدسوا كل يوم مرتين قلت و كيف يقال لهم قال يقال لهم بوركتم بوركتم

 الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن ابن عجلان مثله

    -26  المحاسن، عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال دخل رسول الله ص على أم سلمة فقال لها ما لي لا أرى في بيتك البركة قالت بلى يا رسول الله و الحمد لله إن البركة لفي بيتي فقال إن الله أنزل ثلاث بركات الماء و النار و الشاة

 الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد مثله. بيان إن البركة لفي بيتي أي بسبب وجودك و في القاموس البركة محركة النماء و الزيادة و السعادة و بارك على محمد و آل محمد أدم له ما أعطيته من التشريف و الكرامة و البركة بالكسر الشاة الحلوبة و الاثنان بركتان و الجمع بركات انتهى و بركة النار لعلها تحريص على إيقادها للطبخ في البيت فإنه يوجب البركة

27-  المحاسن، عن علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص الإبل عز لأهلها

28-  و منه، عن النهيكي و يعقوب بن يزيد عن أبي وكيع عن أبي إسحاق عن الحارث عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص و سئل عن الإبل فقال تلك أعنان الشياطين و يأتي خيرها من الجانب الأشأم قيل إن سمع الناس هذا تركوها قال إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة

29-  و منه، عن الحجال عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد الله ع اشتر لي جملا و ليكن أسود فإنها أطول شي‏ء أعمارا ثم قال لو يعلم الناس كنه حملان الله على   الضعيف ما غالوا ببهيمة

30-  و في حديث آخر قال قال أبو عبد الله ع اشتر السود القباح منها فإنها أطول شي‏ء أعمارا

 الكافي، عن العدة عن أحمد بن محمد عن الحجال مثله إلى قوله و خذه أشوه فإنه أطول شي‏ء أعمارا فاشتريت له جملا بثمانين درهما فأتيته به

و في حديث آخر إلخ بيان في القاموس شاه وجهه شوها و شوهة قبح كشوه كفرح فهو أشوه و شوهه الله قبح وجهه و كمعظم القبيح الشكل

31-  المحاسن، عن الحسن بن محبوب عن حسين بن عمر بن يزيد قال اشتريت إبلا و أنا بالمدينة مقيم فأعجبني إعجابا شديدا فدخلت على أبي عبد الله ع فذكرته فقال و ما لك و للإبل أ ما علمت أنها كثيرة المصائب قال فمن إعجابي بها أكريتها و بعثت بها غلماني إلى الكوفة قال فسقطت كلها فدخلت عليه فأخبرته فقال فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

 الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله إلا أن فيه عن أبيه قال اشتريت إلى قوله فدخلت على أبي الحسن الأول ع فذكرتها له إلى قوله فبعثت بها مع غلمان لي إلى الكوفة

   بيان الاستشهاد بالآية مبني على أن قوله قول الله و مخالفة أمره مخالفة لأمر الله

32-  المحاسن، عن أبيه مرسلا عمن ذكره عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال نهى رسول الله ص أن يتخطى القطار قيل يا رسول الله و لم قال لأنه ليس من قطار إلا و ما بين البعير إلى البعير شيطان

33-  و منه، عن يعقوب بن يزيد و ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال كان علي بن الحسين ع ليبتاع الراحلة بمائة دينار و يكرم بها نفسه

 الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله. بيان يدل على استحباب ركوب الدابة الفارهة و المغالاة في ثمنها لإكرام النفس عند الناس

34-  البصائر، و الإختصاص، عن السندي بن محمد البزاز عن أبان بن عثمان عن عمرو بن صهبان عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن جابر بن عبد الله قال لما أقبل رسول الله ص من غزوة ذات الرقاع و هي غزوة بني ثعلبة من غطفان أقبل حتى إذا كان قريبا من المدينة إذا بعير قد أقبل من قبل البيوت حتى انتهى إلى رسول الله ص فوضع جرانه إلى الأرض ثم جرجر فقال رسول الله ص هل تدرون ما يقول هذا البعير فقالوا الله و رسوله أعلم قال فإنه أخبرني أن صاحبه عمل   عليه حتى إذا أكبره و أدبره و أهزله أراد نحره و بيع لحمه ثم قال رسول الله ص يا جابر اذهب به إلى صاحبه و ائتني به فقلت لا أعرف صاحبه فقال هو يدلك عليه قال فخرجت معه حتى انتهيت إلى بني واقف فدخل في زقاق فإذا أنا بمجلس فقالوا يا جابر كيف تركت رسول الله ص و كيف تركت المسلمين قلت هم الصالحون و لكن أيكم صاحب هذا البعير فقال بعضهم أنا فقلت أجب رسول الله ص فقال ما لي قلت استعدى عليك بعيرك فجئت أنا و البعير و صاحبه إلى رسول الله ص فقال إن بعيرك يخبرني أنك عملت عليه حتى إذا أكبرته و أدبرته و أهزلته أردت نحره و بيع لحمه فقال قد كان ذلك يا رسول الله قال فبعنيه قال هو لك يا رسول الله قال ص بل بعنيه فاشتراه رسول الله ص منه ثم ضرب على صفحته فتركه يرعى في ضواحي المدينة فكان الرجل منا إذا أراد الروحة أو الغدوة منحه رسول الله ص قال جابر رأيته بعد و قد ذهب دبره و صلح

 بيان أكبره أي جعله كبيرا في السن مجازا أو وجده كبيرا و أدبره أي جعله ذا دبر و هو بالتحريك قرحة الدابة و ضواحي المدينة نواحيها و في القاموس منحه كمنعه و ضربه أعطاه و الاسم المنحة بالكسر و منحه الناقة جعل له وبرها و لبنها و ولدها و هي المنحة و المنيحة

35-  الإختصاص، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد و محمد البرقي عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عمن ذكره عن أبي جعفر ع قال لما مات علي بن الحسين ع جاءت ناقة له من الرعي حتى ضربت بجرانها القبر   و تمرغت عليه إن أبي كان يحج عليها و يعتمر و لم يقرعها قرعة قط

36-  أصل من أصول أصحابنا عن هارون بن موسى عن محمد بن علي عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن ابن فضال عن الصادق عن أبيه عن آبائه ع عن النبي ص قال الشاة المنتجة بركة

37-  الكافي، عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن إسماعيل الجعفي و عبد الكريم بن عمرو و عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله ع قال حمل نوح ع في السفينة الأزواج الثمانية التي قال الله عز و جل ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ فكان من الضأن اثنين زوج داجنة يربيها الناس و الزوج الآخر الضأن التي تكون في الجبال الوحشية أحل لهم صيدها و من المعز اثنين زوج داجنة يربيها الناس و الزوج الآخر الظباء التي تكون في المفاوز و من الإبل اثنين البخاتي و العراب و من البقر اثنين زوج داجنة للناس و الزوج الآخر البقرة الوحشية و كل طير طيب وحشي و إنسي ثم غرقت الأرض

38-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن علي بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن رجل عن ابن أبي يعفور عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول إياكم و الإبل الحمر فإنها أقصر الإبل أعمارا

    المكارم، مرسلا عن الصادق ع مثله

39-  الكافي، عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحجال عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد الله ع لو يعلم الناس كنه حملان الله للضعيف ما غالوا ببهيمة

 بيان في النهاية كنه الأمر حقيقته و قيل وقته و قدره و قيل غايته. و قال قال أبو موسى أرسلني أصحابي إلى رسول الله ص أسأله الحملان الحملان مصدر حمل يحمل حملانا و ذلك أنهم أنفذوه يطلب منه شيئا يركبون عليه و منه تمام الحديث

 قال النبي ص ما أنا حملتكم و لكن الله حملكم أراد إفراده تعالى بالمن عليهم و قيل لما ساق الله إليه هذه الإبل وقت حاجتهم كان هو الحامل لهم عليها و قيل كان ناسيا ليمينه أنه لا يحملهم فلما أمر لهم بالإبل قال ما أنا حملتكم و لكن الله حملكم كما قال للصائم الذي أفطر ناسيا الله أطعمك و سقاك

انتهى و الحاصل هنا أنه تعالى لما كان هو المقوي للضعيف لحمل الثقيل نسب الحمل إليه سبحانه

40-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن على ذروة كل بعير شيطانا فامتهنوها لأنفسكم و ذللوها و اذكروا اسم الله فإنما يحمل الله

 بيان فامتهنوها أي ابتذلوها و استخدموها

    -41  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ع قال لو يعلم الحاج ما له من الحملان ما غالى أحد ببعير

42-  و منه، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الله عز و جل اختار من كل شي‏ء شيئا اختار من الإبل الناقة و من الغنم الضائنة

 بيان في القاموس الضائن خلاف الماعز من الغنم و الجمع ضأن و يحرك و كأمير و هي ضائنة و الجمع ضوائن

43-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن إسحاق بن الهيثم عن سعد بن طريف عن الأصبغ قال قال أمير المؤمنين ع في وصف حملة الكرسي أحدها في صورة الثور و هو سيد البهائم و لم يكن في هذه الصور أحسن من الثور و لا أشد انتصابا منه حتى اتخذ الملأ من بني إسرائيل العجل فلما عكفوا عليه و عبدوه من دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياء من الله أن عبد من دون الله شي‏ء يشبهه و تخوف أن ينزل به العذاب الخبر

44-  العلل، عن محمد بن عمرو بن علي البصري عن إبراهيم بن حماد النهاوندي   عن أحمد بن محمد المستثنى عن موسى بن الحسن عن إبراهيم بن شريح الكندي عن معاوية بن وهب عن يحيى بن أيوب عن جميل بن أنس قال قال رسول الله ص أكرموا البقر فإنها سيد البهائم ما رفعت طرفها إلى السماء حياء من الله عز و جل منذ عبد العجل

45-  العيون، و العلل، عن محمد بن عمرو بن علي البصري عن محمد بن عبد الله بن أحمد بن جبلة عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عن آبائه ع أنه سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين ع عن الثور ما باله غاض طرفه لا يرفع رأسه إلى السماء قال حياء من الله عز و جل لما عبد قوم موسى العجل نكس رأسه و سأله ما بال الماعز مفرقعة الذنب بادية الحياء و العورة فقال لأن الماعز عصت نوحا ع لما أدخلت السفينة فدفعها فكسر ذنبها و النعجة مستورة الحياء و العورة لأن النعجة بادرت بالدخول إلى السفينة فمسح نوح ع يده على حيائها و ذنبها فاستوت الألية

 بيان تدل هذه الأخبار على أن الثور لم يكن قبل عبادة بني إسرائيل العجل على هذه الخلقة و لا استبعاد فيه و يمكن أن يقال المراد لما علم الله أنه سيعبد على هذه الخلقة و كذا القول في الماعز و النعجة و لكنه بعيد

46-  المجازات النبوية، قال رسول الله ص و قد سئل عن الإبل فقال   أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية و لا تدبر إلا مولية و لا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم

 قال السيد الرضي رضي الله عنه فقوله أعنان الشياطين مجاز و الأعنان النواحي و قال بعضهم الصحيح أن عنان الشي‏ء نواحيه فالأول قول البصريين و الثاني قول الكوفيين و المراد على القولين المبالغة في وصف الإبل بأخلاق السيئة و الطباع المستعصية فكأن الشياطين تنهاها و تأمرها و مما يؤيد ذلك قوله ص الإبل خلقت من الشياطين و قوله إن على ذروة كل بعير شيطانا ثم ذكر نحوا مما مر من كلام الزمخشري

47-  المجازات، قال ص لا تسبوا الإبل فإنها رقوء الدم

 و إنما المراد أنها إذا أعطيت في الديات كانت سببا لانقطاع الدماء المطلولة و الثارات المطلوبة فشبه ع تلك الحال بالعرق العائذ و الدم السائل الذي إذا ترك لج و استنثر الدم و إذا عولج انقطع و رقأ و يروى فإن فيها رقوء الدم

48-  الدر المنثور، عن زيد بن ثابت قال امتنعت على نوح الماعزة أن تدخل السفينة فدفعها في ذنبها فمن ثم انكسر ذنبها فصار معقوفا و بدا حياؤها و مضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها فستر حياءها

 بيان عقفه كضربه عطفه و الحياء الفرج من ذوات الخف و الظلف و السباع

    -49  الدلائل للطبري، عن العباس بن معروف عن أبي الحسن الكرخي عن الحسن بن عمران عن زرعة عن سماعة عن أبي بصير قال خرجت مع علي بن الحسين ع إلى مكة فبلغنا الأبواء فإذا غنم و نعجة قد تخلفت عن القطيع و هي تثغو ثغاء شديدا و تلتفت إلى سخلتها تثغو و تشتد في طلبها فكلما قامت السخلة ثغت النعجة فتتبعها السخلة فقال يا أبا بصير تدري ما تقول النعجة لسخلتها فقلت لا و الله ما أدري فقال إنها تقول الحقي بالغنم فإن أختك عام أول تخلفت في هذا الموضع فأكلها الذئب