باب 23- باب قتال الخوارج و احتجاجاته صلوات الله عليه

587-  قال ابن أبي الحديد في شرح النهج، ]نهج البلاغة[ روى ابن ديزيل في كتاب صفين عن عبد الرحمن بن زياد عن خالد بن حميد عن عمر مولى غفرة قال لما رجع علي ع من صفين إلى الكوفة أقام الخوارج حتى جموا ثم خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء فتنادوا لا حكم إلا لله وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ألا إن معاوية و عليا أشركا في حكم الله فأرسل علي ع إليهم عبد الله بن العباس فنظر في أمرهم و كلمهم ثم رجع إلى علي ع فقال له ما رأيت فقال ابن عباس و الله ما أدري ما هم فقال ع أ رأيتهم منافقين فقال و الله ما سيماهم سيماء منافقين إن بين أعينهم لأثر السجود و هم يتأولون القرآن فقال ع دعوهم ما لم يسفكوا دما أو يغصبوا مالا و أرسل إليهم ما هذا الذي أحدثتم و ما تريدون قالوا نريد أن نخرج نحن و أنت و من كان معنا بصفين ثلاث ليال و نتوب إلى الله من أمر الحكمين ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم الله بيننا و بينه فقال علي ع فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين و أخذنا منهم العهد و أعطيناهموه ألا قلتم هذا حينئذ قالوا كنا قد طالت الحرب علينا و اشتد البأس و كثر الجراح و كل الكراع و السلاح فقال لهم أ فحين اشتد البأس عليكم عاهدتم فلما وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد إن رسول الله كان يفي للمشركين بالعهد أ فتأمرونني بنقضه فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي ع و لا يزال الآخر منهم يخرج من عند علي ع فدخل واحد منهم على علي ع بالمسجد و الناس حوله فصاح لا حكم إلا لله وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ فتلفت الناس فنادى لا حكم إلا لله و لو كره المتلفتون فرفع علي ع رأسه إليه فقال لا حكم إلا لله و لو كره أبو حسن فقال ع إن أبا حسن لا يكره أن يكون الحكم لله ثم قال حكم الله أنتظر فيكم فقال له الناس هلا ملت يا أمير المؤمنين على هؤلاء فأفنيتهم فقال إنهم لا يفنون إنهم لفي أصلاب الرجال و أرحام النساء إلى يوم القيامة

 قال و روى أنس بن عياض المدني عن جعفر بن محمد ع عن أبيه عن جده ع أن عليا ع كان يوما يؤم الناس و هو يجهر بالقراءة فجهر ابن الكواء من خلفه وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ فلما جهر ابن الكواء من خلفه بها سكت علي ع فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي ع فأتم قراءته فلما شرع علي ع في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك الآية فسكت علي ع فلم يزالا كذلك يسكت هذا و يقرأ ذاك مرارا حتى قرأ علي ع فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ فسكت ابن الكواء و عاد علي ع إلى قراءته

 قال و ذكر الطبري في التاريخ أن عليا ع لما دخل الكوفة دخلها معه كثير من الخوارج و تخلف منهم بالنخيلة و غيرها خلق كثير لم يدخلوها فدخل حرقوص بن زهير السعدي و زرعة بن برج الطائي و هما من رءوس الخوارج على علي ع فقال له حرقوص تب من خطيئتك و اخرج بنا إلى معاوية نجاهده فقال ع إني كنت نهيت عن الحكومة فأبيتم ثم الآن تجعلوها ذنبا أما إنها ليست بمعصية و لكنها عجز من الرأي و ضعف في التدبير و قد نهيتكم عنه فقال له زرعة أما و الله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لأقتلنك أطلب بذلك وجه الله و رضوانه فقال له علي ع بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح قال زرعة وددت أنه كان ذلك و خرج علي ع يخطب الناس فصاحوا به من جوانب المسجد لا حكم إلا لله و صاح به رجل وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ فقال علي ع فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ

 و روى ابن ديزيل في كتاب صفين قال كانت الخوارج في أول ما انصرفت عن رايات علي ع تهدد الناس قتلا قال فأتت طائفة منهم على النهر إلى جنب قرية فخرج منها رجل مذعورا آخذا بثيابه فأدركوه فقالوا له أرعبناك قال أجل فقالوا قد عرفناك أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ص قال نعم قالوا فما سمعت من أبيك يحدث عن رسول الله ص قال فحدثهم أن رسول الله ص قال إن فتنة جائية القاعد منها خير من القائم الحديث

 و قال غيره بل حدثهم أن طائفة تمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقرءون القرآن صلاتهم أكثر من صلاتكم الحديث فضربوا رأسه فسال دمه في النهر ما امذقر أي ما اختلط بالماء كأنه شراك ثم دعوا بجارية له حبلى فبقروا عما في بطنها

 و قال عزم علي ع الخروج من الكوفة إلى الحرورية و كان في أصحابه منجم فقال له يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة و سر على ثلاث ساعات مضين من النهار فإنك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضر شديد و إن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظهرت و ظفرت و أصبت ما طلبت فقال له علي ع أ تدري ما في بطن فرسي هذه أ ذكر هو أم أنثى قال إن حسبت علمت فقال ع من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ثم قال ع إن محمدا ص ما كان يدعي علم ما ادعيت علمه أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و تصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل و عز في صرف المكروه عنه و ينبغي للموقن بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و صرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضدا و ندا اللهم لا طير إلا طيرك و لا ضير إلا ضيرك و لا إله غيرك ثم قال نخالف و نسير في الساعة التي نهيتنا عنها ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم و التعلم للنجوم إلا ما يهتدى به في ظلمات البر و البحر إنما المنجم كالكاهن و الكاهن كالكافر و الكافر في النار أما و الله إن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت و لأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر و ظهر عليهم ثم قال لو لم نسر في الساعة التي نهانا عنها المنجم لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر و ظهر أما إنه ما كان لمحمد ص منجم و لا لنا من بعده حتى فتح الله علينا بلاد كسرى و قيصر أيها الناس توكلوا على الله و ثقوا به فإنه يكفي ممن سواه

 قال فروى مسلم الضبي عن حبة العرني قال لما انتهينا إليهم رمونا فقلنا لعلي ع يا أمير المؤمنين قد رمونا فقال كفوا ثم رمونا فقال لنا كفوا ثم الثالثة فقال الآن طاب القتال احملوا عليهم

 و روي أيضا عن قيس بن سعد بن عبادة أن عليا ع لما انتهى إليهم قال لهم أقيدونا بدم عبد الله بن خباب فقالوا كلنا قتله فقال احملوا عليهم

 و ذكر أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل أن أول من قال لا حكم إلا لله عز و جل عروة بن حبير قالها بصفين و قيل أول من قالها يزيد بن عاصم المحاربي قال و كان أميرهم أول ما اعتزلوا ابن الكواء ثم بايعوا عبد الله بن وهب الراسبي

 و ذكر المدائني في كتاب الخوارج قال لما خرج علي ع إلى أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدمته يركض حتى انتهى إلى علي فقال البشرى يا أمير المؤمنين قال ما بشراك قال إن القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك فأبشر فقد منحك الله أكتافهم فقال الله أنت رأيتهم قد عبروا قال نعم فأحلفه ثلاث مرات في كلها يقول نعم فقال ع و الله ما عبروا و لن يعبروه و إن مصارعهم لدون النطفة و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لن يبلغوا الأثلاث و لا قصر بوران حتى يقتلهم الله وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى

 قال ثم أقبل فارس آخر يركض فقال كقول الأول فلم يكترث ع بقوله و جاءت الفرسان كلها تركض و تقول مثل ذلك فقام علي ع فجال في متن فرسه قال فقال شاب من الناس و الله لأكونن قريبا منه فإن كانوا عبروا النهر لأجعلن سنان هذا الرمح في عينيه أ يدعي علم الغيب فلما انتهى علي إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم و عرقبوا خيلهم و جثوا على ركبهم و تحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل فنزل ذلك الشاب فقال يا أمير المؤمنين إني كنت شككت فيك آنفا و إني تائب إلى الله و إليك فاغفر لي فقال علي ع إن الله هو الذي يغفر الذنوب فاستغفره

 و ذكر المبرد في الكامل قال لما واقفهم علي ع بالنهروان قال لا تبدءوهم بقتال حتى يبدءوكم فحمل منهم رجل على صف علي ع فقتل منهم ثلاثة فخرج إليه ع فضربه فقتله فلما خالطه سيفه قال يا حبذا الروحة إلى الجنة فقال عبد الله بن وهب و الله ما أدري إلى الجنة أم إلى النار فقال رجل منهم من بني سعد إنما حضرت اغترارا بهذا الرجل يعني عبد الله و أراه قد شك و اعتزل عن الحرب بجماعة من الناس و مال ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الأنصاري و كان على ميمنة علي ع فقال لأصحابه احملوا عليهم فو الله لا يقتل منكم عشرة و لا يسلم منهم عشرة فحمل عليهم فطحنهم طحنا و قتل من أصحابه ع تسعة و أفلت من الخوارج ثمانية

 و ذكر المبرد و غيره أيضا أن أمير المؤمنين ع لما وجه إليهم عبد الله بن العباس ليناظرهم قال لهم ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين قالوا له قد كان للمؤمنين أميرا فلما حكم في دين الله خرج من الإيمان فليتب بعد إقراره بالكفر نعد إليه قال ابن عباس ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك أن يقر على نفسه بالكفر قالوا إنه أمر بالتحكيم قال إن الله أمر بالتحكيم في قتل صيد فقال يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين فقالوا إنه قد حكم عليه فلم يرض قال إن الحكومة كالإمامة و متى فسق الإمام وجبت معصيته و كذلك الحكمان لما خالفا نبذت أقاويلهما فقال بعضهم لبعض اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم فإن هذا من الذين قال الله فيهم بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ و قال جل ثناؤه وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا

 و قال المبرد أول من حكم عروة بن أدية و قيل رجل من بني محارب يقال له سعيد و لم يختلفوا في اجتماعهم على عبد الله بن وهب الراسبي و إنه امتنع عليهم و أومى إلى غيره فلم يرضوا إلا به فكان إمام القوم و أول سيف سل من سيوف الخوارج سيف عروة بن أدية و ذاك أنه أقبل على الأشعث فقال له ما هذه الدنية يا أشعث و ما هذا التحكيم أ شرط أوثق من شرط الله عز و جل ثم شهر عليه السيف و الأشعث مول فضرب به عجز بغلته و عروة هذا من الذين نجوا من حرب النهروان فلم يزل باقيا مدة في أيام معاوية حتى أتي به زياد و معه مولى له فسأله عن أبي بكر و عمر فقال خيرا فسأله عن عثمان و أبي تراب فتولى عثمان ست سنين من خلافته ثم شهد عليه بالكفر و فعل في أمر علي ع مثل ذلك إلى أن حكم ثم شهد عليه بالكفر ثم سأله عن معاوية فسبه سبا قبيحا ثم سأله عن نفسه فقال له أولك لزنية و آخرك لدعوة و أنت بعد عاص لربك فأمر به زياد فضرب عنقه ثم دعا مولاه فقال له صف لي أموره قال أطنب أم أختصر قال بل اختصر قال ما أتيته بطعام بنهار قط و لا فرشت له فراشا بليل قط

 قال و سبب تسميتهم الحرورية أن عليا ع لما ناظرهم بعد مناظرة ابن عباس إياهم كان فيما قال لهم أ لا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم إن هذه مكيدة و وهن و لو أنهم قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني و سألوني التحكيم أ فتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت قال فهل تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله فمتى خالفاه فأنا و أنتم من ذلك براء و أنتم تعلمون أن حكم الله لا يعدوني قالوا اللهم نعم

 قال و كان معهم في ذلك الوقت ابن الكواء قال و هذا من قبل أن يذبحوا عبد الله بن خباب و إنما ذبحوه في الفرقة الثانية بكسكر فقالوا له حكمت في دين الله برأينا و نحن مقرون بأنا كنا كفرنا و لكنا الآن تائبون فأقر بمثل ما أقررنا به و تب ننهض معك إلى الشام فقال أ ما تعلمون أن الله تعالى قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل و امرأته فقال سبحانه فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها و في صيد أصيب كأرنب يساوي نصف درهم فقال يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فقالوا له فإن عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك هذا ما كتبه عبد الله علي أمير المؤمنين محوت اسمك من الخلافة و كتبت علي بن أبي طالب فقد خلعت نفسك فقال لي برسول الله ص أسوة حين أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب هذا ما كتبه محمد رسول الله و سهيل بن عمرو و قال له لو أقررت بأنك رسول الله ص ما خالفتك و لكني أقدمك لفضلك فاكتب محمد بن عبد الله فقال لي يا علي امح رسول الله ص قلت لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة قال فقفني عليه فمحاه بيده ثم قال اكتب محمد بن عبد الله ثم تبسم إلي و قال يا علي أما إنك ستسام مثلها فتعطى فرجع معه منهم ألفان من حروراء و قد كانوا تجمعوا بها فقال لهم على ما نسميكم ثم قال أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء

 و روى أهل السير كافة أن عليا ع لما طحن القوم طلب ذا الثدية طلبا شديدا و قلب القتلى ظهرا لبطن فلم يقدر عليه فساءه ذلك و جعل يقول و الله ما كذبت و لا كذبت اطلبوا الرجل و إنه لفي القوم فلم يزل يتطلبه حتى وجده و هو رجل مخدج اليد كأنها ثدي في صدره

 و روى ابن ديزيل عن الأعمش عن زيد بن وهب قال لما شجرهم علي ع بالرماح قال اطلبوا ذا الثدية فطلبوا طلبا شديدا حتى وجدوه في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى فأتي به و إذا رجل على يديه مثل سبلات السنور فكبر علي ع و كبر الناس معه سرورا بذلك

 و روي أيضا عن مسلم الضبي عن حبة العرني قال كان رجلا أسود منتن الريح له يد كثدي المرأة إذا مدت كانت بطول اليد الأخرى و إذا تركت اجتمعت و تقلصت و صارت كثدي المرأة عليها شعرات مثل شوارب الهرة فلما وجدوه قطعوا يده و نصبوها على رمح ثم جعل علي ع ينادي صدق الله و بلغ رسوله لم يزل يقول ذلك هو و أصحابه بعد العصر إلى أن غربت الشمس أو كادت

 و روي أيضا أنه قال لما عيل صبر علي ع في طلب المخدج قال ائتوني ببغلة رسول الله ص فركبها و اتبعه الناس فرأى القتلى و جعل يقول اقلبوا فيقلبون قتيلا عن قتيل حتى استخرجه فسجد علي ع

 و روى كثير من الناس أنه لما دعي بالبغلة قال ائتوني بها فإنها هادية فوفقت به على المخدج فأخرجه من تحت قتلى كثيرين

 و روى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال قال علي ع يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية فلما طحن القوم و رام استخراج ذي الثدية فأتعبه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة فركب بغلة رسول الله ص و قال اطرح على كل قتيل منهم قصبة فلم أزل كذلك و أنا بين يديه و هو راكب خلفي و الناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه و إذا وجهه أربد و إذا هو يقول و الله ما كذبت و لا كذبت فإذا خرير ماء عند موضع دالية فقال فتش هذا ففتشته فإذا قتيل قد صار في الماء و إذا رجله في يدي فجذبتها و قلت هذه رجل إنسان فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الأخرى و جررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج فكبر علي ع بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس كلهم

 و قد روى كثير من المحدثين أن النبي ص قال لأصحابه يوما إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر أنا يا رسول الله قال لا فقال عمر أنا يا رسول الله قال لا بل هو خاصف النعل و أشار إلى علي ع

 و قد روى المحدثون أن رجلا تلا بحضرة علي ع قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فقال علي ع أهل حروراء منهم

 قال المبرد و من شعر أمير المؤمنين الذي لا اختلاف فيه أنه قاله و كان يردده أنهم لما ساموه أن يقر بالكفر و يتوب حتى يسيروا معه إلى الشام فقال أ بعد صحبة رسول الله ص و التفقه في دين الله أرجع كافرا ثم قال

يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمدمن شك في الله فإني مهتدي يا رب فاجعل في الجنان موردي

 و روي أيضا في الكامل أن عليا ع في أول خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي و قد كان وجهه إليهم زياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن عباس فقال لصعصعة بن صوحان بأي القوم رأيتهم أشد إطاعة فقال بيزيد بن قيس الأرحبي فركب علي ع إلى الحروراء فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه و أقبل على الناس فقال هذا مقام من فلج فيه فلج إلى يوم القيامة ثم كلمهم و ناشدهم فقالوا إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم و قد تبنا فتب إلى الله كما تبنا نعدلك فقال علي ع أنا أستغفر الله من كل ذنب فرجعوا و هم ستة آلاف فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا ع رجع عن التحكيم و رآه ضلالا و قالوا إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع و يجبى المال ثم ينهض بنا إلى الشام فأتى الأشعث عليا ع فقال يا أمير المؤمنين إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا و الإقامة عليها كفرا فقام علي ع فخطب فقال من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب و من رآها ضلالا فقد ضل فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت ثم قال ابن أبي الحديد كل فساد كان في خلافة أمير المؤمنين ع و كل اضطراب حدث فأصله الأشعث و لو لا محاقة أمير المؤمنين ع في معنى الحكومة في هذه المرة لم يكن حرب النهروان و لكان ع ينهض بهم إلى معاوية و يملك الشام فإنه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض و المواربة و في المثل النبوي الحرب خدعة و ذلك أنهم قالوا تب إلى الله مما فعلت كما تبنا ننهض معك إلى الحرب فقال لهم كلمة مرسلة يقولها الأنبياء و المعصومون فرضوا بها و عدوها إجابة لهم إلى سؤالهم وصفت له ع نياتهم و استخلص بها ضمائرهم من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب فلم يتركه الأشعث و جاء إليه مستفسرا فأفسد الأمر و نقض ما دبره ع و عادت الخوارج إلى شبهتها الأولى و هكذا الدول التي تظهر فيها أمارات الزوال يتاح لها أمثال الأشعث من أولي الفساد في الأرض سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا

 ثم قال قال المبرد ثم مضى القوم إلى النهروان و قد كانوا أرادوا المضي إلى المدائن فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما و نصرانيا فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر و استوصوا بالنصراني و قالوا احفظوا ذمة نبيكم قال و لقيهم عبد الله بن خباب في عنقه مصحف على حمار و معه امرأته و هي حامل فقالوا له إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك فقال لهم ما أحياه القرآن فأحيوه و ما أماته فأميتوه فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعا و عرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله فقالوا هذا فساد في الأرض و أنكروا قتل الخنزير ثم قالوا لابن خباب حدثنا عن أبيك فقال سمعت أبي يقول قال رسول الله ص ستكون بعدي فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يمسي مؤمنا و يصبح كافرا فكن عبد الله المقتول و لا تكن القاتل قالوا فما تقول في أبي بكر و عمر فأثنى خيرا قالوا فما تقول في علي بعد التحكيم و في عثمان في السنين الست الأخيرة فأثنى خيرا قالوا فما تقول في التحكيم و الحكومة قال إن عليا أعلم بالله منكم و أشد توقيا على دينه و أنفذ بصيرة فقالوا إنك لست بمتبع الهدى إنما تتبع الرجال على إيمانهم ثم قربوه إلى النهر فأضجعوه و ذبحوه قال و ساوموا رجلا نصرانيا بنخلة له فقال هي لكم فقالوا ما كنا لنأخذها إلا بثمن فقال وا عجباه أ تقتلون مثل عبد الله بن خباب و لا تقبلون جنا نخلة

 و روى أبو عبيدة قال طعن واحد من الخوارج يوم النهروان فمشى في الرمح و هو شاهر سيفه إلى أن وصل إلى طاعنه فقتله و هو يقرأ وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى قال استنطقهم علي ع بقتل ابن خباب فأقروا به فقال انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة فتكتبوا كتائب و أقرت كل كتيبة بما أقرت به الأخرى من قتل ابن خباب و قالوا لنقتلنك كما قتلناه فقال و الله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا و أنا أقدر على قتلهم لقتلتهم ثم التفت إلى أصحابه فقال شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم و حمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ثم يخرج فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم

 و روى محمد بن حبيب قال خطب علي ع الخوارج يوم النهر فقال لهم نحن أهل بيت النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و عنصر الرحمة و معدن العلم و الحكمة نحن أفق الحجاز بنا يلحق البطي‏ء و إلينا يرجع التائب أيها الناس إني نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الوادي

  إلى آخر ما أورده السيد الرضي رحمه الله في المختار من كتاب نهج البلاغة، الآتي قريبا

588-  كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي عن إبراهيم بن المبارك و إبراهيم بن العباس عن بكر بن عيسى عن إسماعيل بن خالد البجلي عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش قال سمعت عليا يقول أنا فقأت عين الفتنة و لو لا أنا ما قوتل أهل النهروان و لا أصحاب الجمل و لو لا أني أخشى أن تتكلوا فتدعوا العمل لأخبرتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصرا بضلالهم عارفا للهدى الذي نحن عليه

 و عن عبيد بن سليمان النخعي عن سعيد الأشعري قال استخلف علي ع حين سار إلى النهروان رجلا من النخع يقال له هانئ بن هوذة فكتب إلى علي ع أن غنيا و باهلة فتنوا فدعوا الله عليك أن يظفر بك

 قال فكتب إليه علي ع أجلهم عدوك من الكوفة و لا تدع منهم أحدا

 و عن علي بن قادم عن شريك بن عبد الله عن ليث عن أبي يحيى قال سمعت عليا يقول اغدوا خذوا حقكم مع الناس و الله يشهد أنكم تبغضوني و أني أبغضكم

589-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع و قد مر بقتلى الخوارج يوم النهر بؤسا لكم لقد ضركم من غركم فقيل له من غرهم يا أمير المؤمنين فقال ع الشيطان المضل و الأنفس الأمارة بالسوء غرتهم بالأماني و فسحت لهم في المعاصي و وعدتهم الإظهار فاقتحمت بهم النار

  بيان و فسحت أي أوسعت لهم بالرخصة في المعاصي و وعدتهم الإظهار أي أن يظهرهم و يغلبهم علينا

590-  نهج، ]نهج البلاغة[ و قال ع لما سمع قول الخوارج لا حكم إلا لله كلمة حق يراد بها باطل

 بيان قال ابن أبي الحديد قال الله تعالى إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي إذا أراد الله شيئا من أفعاله فلا بد من وقوعه بخلاف غيره من القادرين و تمسكت الخوارج به في إنكارهم عليه ع في القول بالتحكيم مع عدم رضاه ع كما ذكر في السير و أراد الخوارج نفي كل ما يسمى حكما و هو باطل لأن الله تعالى قد أمضى حكم كثير من المخلوقين في كثير من الشرائع

591-  نهج، ]نهج البلاغة[ و سمع ع رجلا من الحرورية يتهجد و يقرأ فقال نوم على يقين خير من صلاة في شك

592-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع في تخويف أهل النهروان فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النهر و بأهضام هذا الغائط على غير بينة من ربكم و لا سلطان مبين معكم قد طوحت بكم الدار و احتبلكم المقدار و قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فأبيتم علي إباء المخالفين المنابذين حتى صرفت رأيي إلى هواكم و أنتم معاشر إخفاء الهام سفهاء الأحلام و لم آت لا أبا لكم بجرا و لا أردت بكم ضرا

 بيان الأهضام جمع هضم و هو المطمئن من الوادي و الغائط ما سفلت من الأرض و السلطان الحجة و لعل المراد بالبينة الحجة الشرعية و بالسلطان الدليل العقلي و قال الجوهري طاح يطوح و يطيح هلك و سقط و كذلك إذا تاه في الأرض و طوحه أي توهه و ذهب به هاهنا و هاهنا و المراد بالدار الدنيا و احتبلكم أي أوقفكم في الحبال و المقدار قضاء الله و قدره و الهام جمع الهامة و هي الرأس و خفتها كناية عن قلة العقل أو عن الطيش و عدم الثبات في الرأي و الأحلام جمع حلم بالكسر و هو الأناة و العقل و لا أبا لك كلمة تستعمل في المدح كثيرا و في الذم أيضا و في معرض التعجب و الظاهر هنا الذم أو التعجب و البجر الأمر العظيم و الداهية و يروى هجرا و هو الساقط من القول و يروى عرا و العرو المعرة الإثم

593-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في الخوارج لما سمع قولهم لا حكم إلا لله قال كلمة حق يراد بها باطل نعم إنه لا حكم إلا لله و لكن هؤلاء يقولون لا إمرة و إنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر و يبلغ الله فيها الأجل و يجمع به الفي‏ء و يقاتل به العدو و تأمن به السبل و يؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر و يستراح من فاجر

 و في رواية أخرى أنه لما سمع تحكميهم قال حكم الله أنتظر فيكم و قال أما الإمرة البرة فيعمل فيها التقي و أما الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي إلى أن تنقطع مدته و تدركه منيته

 بيان قوله ع كلمة حق الظاهر أن المراد بالكلمة قولهم لا حكم إلا لله و الباطل الذي أريد بها المعنى الذي قصدوه لا ما يفهم من كلام بعض الشارحين أن دعاء أصحاب معاوية إياكم إلى كتاب الله كلمة حق لكن مقصودهم بها ليس العمل بكتاب الله بل فتوركم عن الحرب و تفرق أهوائكم و معناها الحق حصر الحكم حقيقة فيه سبحانه إذ حكم غيره تعالى إنما يجب متابعته لأنه حكمه تعالى. قوله ع و إنه لا بد للناس إلخ قال بعض الشارحين الألفاظ كلها ترجع إلى إمرة الفاجر قال يعمل فيها المؤمن أي ليست بمانعة للمؤمن من العمل و يستمتع فيها الكافر أي يتمتع بمدته و يبلغ الله فيها الأجل لأن إمارة الفاجر كإمارة البر في أن المدة المضروبة فيها تنتهي إلى الأجل الموقت للإنسان. و قال بعضهم الضمير في إمرته راجع إلى الأمير مطلقا فالإمرة التي يعمل فيها المؤمن الإمرة البرة و التي يستمتع فيها الكافر الإمرة الفاجرة و المراد بعمل المؤمن في إمرة البر عمله على وفق أوامر الله و نواهيه و باستمتاع الكافر في إمرة الفاجر انهماكه في اللذات الحاضرة و يبلغ الله فيها الأجل أي في إمرة الأمير سواء كان برا أو فاجرا و فائدتها تذكير العصاة ببلوغ الأجل و تخويفهم به و يؤيد هذا الوجه الرواية الأخرى. و يمكن أن يكون المعنى أنه لا بد في انتظام أمور المعاش أمير بر أو فاجر ليعمل المؤمن بما يستوجب به جنات النعيم و يتمتع فيها الكافر ليكون حجة عليه و لعله أظهر لفظا و معنى. قوله ع حتى يستريح كلمة حتى إما لبيان الغاية و المعنى تستمر تلك الحال حتى يستريح البر من الأمراء و هو الظاهر أو مطلقا و يستريح الناس من الفاجر أو مطلقا بالموت أو العزل و فيهما راحة للبر لأن الآخرة خير من الأولى و لا يجري الأمور غالبا على مراده و لا يستلذ كالفاجر بالانهماك في الشهوات و راحة للناس من الفاجر لخلاصهم من جوره و إن انتظم به نظام الكل في المعاش. و إما لترتب الغاية أي حتى يستريح البر من الناس في دولة البر من الأمراء و يستريح الناس مطلقا من بغي بعض الفجار و من الشرور و المكاره في دولة الأمير مطلقا برا كان أو فاجرا و لا ينافي ذلك إصابة المكروه من فاجر أحيانا. قوله ع حكم الله أنتظر أي جريان القضاء بقتلهم و حلول وقته. قوله ع إلى أن تنقطع مدته أي مدة دولته أو حياته

594-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع كلم به الخوارج أصابكم حاصب و لا بقي منكم آبر أ بعد إيماني بالله و جهادي مع رسول الله ص أشهد على نفسي بالكفر لقد ضللت إذا و ما أنا من المهتدين فأوبوا شر مآب و ارجعوا على أثر الأعقاب أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا و سيفا قاطعا و أثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة

 قال السيد رضي الله عنه قوله ع و لا بقي منكم آبر يروى على ثلاثة أوجه أحدها بالراء من قولهم رجل آبر للذي يأبر النخل أي يصلحه. و يروى آثر و هو الذي يأثر الحديث أي يحكيه و يرويه و هو أصح الوجوه عندي كأنه ع قال و لا بقي منكم مخبر. و يروى آبز بالزاء المعجمة و هو الواثب و الهالك أيضا يقال له آبز

595-  و قال ع لما عزم على حرب الخوارج و قيل له إنهم قد عبروا جسر النهروان مصارعهم دون النطفة و الله لا يفلت منهم عشرة و لا يهلك منكم عشرة

 قال الرضي رحمه الله يعني بالنطفة ماء النهر و هو أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جما. بيان روي أنه كلمهم بهذا الكلام لما اعتزلوه و تنادوا من كل ناحية لا حكم إلا لله الحكم لله يا علي لا لك و قالوا بان لنا خطاءنا فرجعنا و تبنا فارجع إليه أنت و تب و قال بعضهم اشهد على نفسك بالكفر ثم تب منه حتى نطيعك و الحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء و هي صغار الحصى و إصابة الحاصب كناية عن العذاب و قيل أي أصابكم حجارة من السماء و الأوب بالفتح و الإياب بالكسر الرجوع و الأعقاب مؤخر الأقدام و أثرها بالتحريك علامتها و الرجوع على العقب هو القهقرى فهو كالتأكيد للسابق قيل هو أمر لهم بالإياب و الرجوع إلى الحق من حيث خرجوا منه قهرا كان القاهر يضرب في وجوههم يردهم على أعقابهم و الرجوع هكذا شر الأنواع و قيل هو دعاء عليهم بالذل و انعكاس الحال. أقول و يحتمل أن يكون الأمر على التهديد كقوله تعالى قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ و الأثرة بالتحريك الاسم من قولك فلان يستأثر على أصحابه أي يختار لنفسه أشياء حسنة و يخص نفسه بها و الاستيثار الانفراد بالشي‏ء أو من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى أي يفضل الظالمون غيركم عليكم في نصيبكم و يعطونهم دونكم و قيل يجوز أن يكون المراد بالأثرة النمام. و النهروان بفتح النون و الراء و جوز تثليث الراء ثلاث قرى أعلى و أوسط و أسفل بين واسط و بغداد. و الصرع الطرح على الأرض و المصرع يكون مصدرا و موضعا و المراد هنا مواضع هلاكهم و الإفلات و التفلت و الانفلات التخلص من الشي‏ء فجأة من غير تمكث. و هذا الخبر من معجزاته ع المتواترة و روي أنه لما قتل الخوارج وجدوا المفلت منهم تسعة تفرقوا في البلاد و وجدوا المقتول من أصحابه ع ثمانية. و يمكن أن يكون خفي على القوم مكان واحد من المقتولين أو يكون التعبير بعدم هلاك العشرة للمشاكلة و المناسبة بين القرينتين

  -596  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج فقال له يا أمير المؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال ع أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و تخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب و دفع المكروه و ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع و آمن الضر ثم أقبل ع على الناس فقال أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا على اسم الله و عونه

597-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع و قد قام إليه رجل من أصحابه فقال نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فما ندري أي الأمرين أرشد فصفق ع إحدى يديه على الأخرى ثم قال هذا جزاء من ترك العقدة أما و الله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا فإن استقمتم هديتكم و إن اعوججتم قومتكم و إن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى و لكن بمن و إلى من أريد أن أداوي بكم و أنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة و هو يعلم أن ضلعها معها اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي و كلت النزعة بأشطان الركي أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه و قرءوا القرآن فأحكموه و هيجوا إلى الجهاد فولهوا اللقاح إلى أولادها و سلبوا السيوف أغمادها و أخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا و صفا صفا بعض هلك و بعض نجا لا يبشرون بالأحياء و لا يعزون عن الموتى مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من الدعاء صفر الألوان من السهر على وجوههم غبرة الخاشعين أولئك إخواني الذاهبون فحق لنا أن نظمأ إليهم و نعض الأيدي على فراقهم إن الشيطان يسني لكم طرقه و يريد أن يحل دينكم عقدة عقدة و يعطيكم بالجماعة الفرقة و بالفرقة الفتنة فاصدفوا عن نزعاته و نفثاته و اقبلوا النصيحة ممن أهداها إليكم و اعقلوها على أنفسكم

 إيضاح قوله ع هذا جزاء من ترك العقدة أي الرأي و الحزم و قيل مراده ع هذا جزاؤكم حين تركتم الرأي الأصوب فيكون هذا إشارة إلى حيرتهم التي دل عليها قولهم فما ندري أي الأمرين أرشد فيكون ترك العقدة منهم لا منه ع. و يمكن حمله على ظاهره الألصق بقوله ع بعد ذلك حملتكم على المكروه إلخ و لا يلزم خطاؤه كما توهمه الخوارج بأن يكون المراد كان هذا جزائي حين تركت العقدة أي هذا مما يترتب على ترك العقدة و إن كان تركها اضطرارا لا اختيارا و لا عن فساد رأي كما يدل عليه صريح قوله ع بعد ذلك و لكن بمن و إلى من فإن ترك الأصلح إذا لم يمكن العمل بالأصلح مما لا فساد فيه و لا ريب في عدم إمكان حربه ع بعد رفعهم المصاحف و افتراق أصحابه. قوله ع على المكروه أي الحرب إشارة إلى قوله تعالى فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً و المكروه مكروه لهم لا له ع. قوله و إن اعوججتم لعل المراد بالاعوجاج اليسير من العصيان لا الإباء المطلق و بالتقويم الإرشاد و التحريض و التشجيع و بالآباء الإباء المطلق و بالتدارك الاستنجاد بغيرهم من قبائل العرب و أهل الحجاز و خراسان فإن كلهم كانوا من شيعته ع كذا ذكره ابن أبي الحديد. قوله ع و لكن بمن أي بمن أستعين في هذا الأمر الذي لا بد له من ناصر و معين و إلى من أرجع في ذلك. قوله ع كناقش الشوكة هذا مثل للعرب لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها أي إذا استخرجت الشوكة بمثلها فكما أن الأولى انكسرت في رجلك و بقيت في لحمك كذلك تنكسر الثانية فإن ضلعها بالتحريك أي ميلها معها أي طباع بعضكم يشبه طباع بعض و يميل إليها كما تميل الشوكة إلى مثلها. و قال ابن الأثير في مادة نقش من النهاية نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه و به سمي المنقاش الذي ينقش به. و الداء الدوي الشديد من دوي إذا مرض و النزعة جمع نازع و هو الذي يستقي الماء و الشطن هو الحبل و الركي جميع الركية و هي البئر كأنهم عن المصلحة في قعر بئر عميق و كل ع من جذبهم إليه أو شبه ع وعظه لهم و قلة تأثيره فيهم بمن يستقي من بئر عميقة لأرض وسيعة و عجز عن سقيها. قوله ع فولهوا اللقاح اللقاح بكسر اللام الإبل الواحدة لقوح و هي الحلوب أي جعلوا اللقاح والهة إلى أولادها بركوبهم إياها عند خروجهم إلى الجهاد و في بعض النسخ فولهوا وله اللقاح إلى أولادها و الوله إلى الشي‏ء الاشتياق إليه. و أخذوا بأطراف الأرض أي أخذوا الأرض بأطرافها كما قيل أو أخذوا على الناس بأطراف الأرض أي حصروهم يقال لمن استولى على غيره و ضيق عليه قد أخذ بأطراف الأرض و أخذوا أطرافها من قبيل أخذت بالخطام و الزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون و يكون مصدرا كالصف و نصبهما على الحالية أي زحفا بعد زحف و صفا بعد صف في الأطراف أو المصدرية أي يزحفون زحفا قوله لا يبشرون أي لشدة ولههم إلى الجهاد لا يفرحون ببقاء حيهم حتى يبشروا به و لا يحزنون لقتل قتيلهم حتى يعزوا به أو لما قطعوا العلائق الدنيوية إذا ولد لأحدهم مولود لم يبشر به و إذا مات منهم أحد لم يعزوا عنه و الأول أظهر لا سيما على نسخة القيل. و قال في النهاية المرة مرض في العين لترك الكحل و قال الخمس الجوع و المجاعة و رجل خمص إذا كان ضامر البطن و ذبل أي قل ماؤه و ذهبت نضارته و قال الجوهري يقال حق لك أن تفعل أي خليق بك و قال سناه أي فتحه و سهله و يقال صدف عن الأمر أي انصرف عنه و نزغ الشيطان بينهم أي أفسد و أغرى و نفثاته وساوسه التي ينفث بها

598-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع قال للبرج بن مسهر الطائي و قد قال له بحيث يسمعه لا حكم إلا لله و كان من الخوارج اسكت قبحك الله يا أثرم فو الله لقد ظهر الحق فكنت فيه ضئيلا شخصك خفيا صوتك حتى إذا نعر الباطل نجمت نجوم قرن الماعز

 بيان قبحك الله بالتخفيف و التشديد أي نحاك عن الخير و قيل كسرك يقال قبحت الجوزة أي كسرتها و الثرم سقوط الأسنان و الضئيل الدقيق النحيف الخفي و نعر أي صاح كناية عن ظهور الباطل و قوة أهله و نجم طلع أي طلعت بلا شرف و لا شجاعة و لا قدم بل على غفلة و الماعز واحد المعز من الغنم و هو خلاف الضأن

599-  كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي عن إسماعيل بن أبان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمر عن زر بن حبيش و عن أحمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش قال خطب علي ع بالنهروان فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس أما بعد أنا فقأت عين الفتنة لم يكن أحد ليجترئ عليها غيري

 و في حديث ابن أبي ليلى لم يكن ليفقأها أحد غيري و لو لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل و أهل النهروان و ايم الله لو لا أن تتكلوا و تدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيكم ص لمن قاتلهم مبصرا لضلالتهم عارفا للهدى الذي نحن عليه ثم قال سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عما شئتم سلوني قبل أن تفقدوني إني ميت أو مقتول بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم و ضرب بيده إلى لحيته و الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شي‏ء فيما بينكم و بين الساعة و لا عن فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها و سائقها فقام إليه رجل فقال حدثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء قال إنكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل و إذا سئل مسئول فليثبت ألا و إن من ورائكم أمورا أتتكم جللا مزوجا و بلاء مكلحا ملحا و الذي فلق الحبة و برأ النسمة أن لو قد فقدتموني و نزلت بكم كراهية الأمور و حقائق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين و فشل كثير من المسئولين و ذلك إذا قلصت حربكم و شمرت عن ساق و كانت الدنيا بلاء عليكم و على أهل بيتي حتى يفتح الله لبقية الأبرار فانصروا أقواما كانوا أصحاب رايات يوم بدر و يوم حنين تنصروا و تؤجروا و لا تسبقوهم فتصرعكم البلية فقام إليه رجل آخر فقال يا أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن قال إن الفتنة إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت استقرت يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات إن الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا و يخطئن أخرى إلا أن خوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية إنها فتنة عمياء مظلمة مطينة عمت فتنتها و خصت بليتها و أصاب البلاء من أبصر فيها و أخطأ البلاء من عمي عنها يظهر أهل باطلها على أهل حقها حتى تملأ الأرض عدوانا و ظلما و بدعا ألا و إن أول من يضع جبروتها و يكسر عمدها و ينزع أوتادها الله رب العالمين و ايم الله لتجدن بني أمية أرباب سوء لكم بعدي كالناب الضروس تعض بفيها و تخبط بيديها و تضرب برجليها و تمنع درها لا يزالون بكم حتى لا يتركوا في مصركم إلا تابعا لهم أو غير ضار و لا يزال بلاؤهم بكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا مثل انتصار العبد من ربه إذا رآه أطاعه و إذا توارى عنه شتمه و ايم الله لو فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم الله لشر يوم لهم ألا إن من بعدي جماع شتى ألا إن قبلتكم واحدة و حجكم واحد و عمرتكم واحدة و القلوب مختلفة ثم أدخل ع أصابعه بعضها في بعض فقام رجل فقال ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا هكذا يقتل هذا هذا و يقتل هذا هذا قطعا جاهلية ليس فيها هدى و لا علم يرى نحن أهل البيت منها بمنجاة و لسنا فيها بدعاة فقام رجل فقال يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان قال انظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا و إن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا و لا تسبقوهم فتصرعكم البلية فقام رجل آخر فقال ثم ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين قال ثم إن الله يفرج الفتن برجل منا أهل البيت كتفريج الأديم بأبي ابن خيرة الإماء يسومهم خسفا و يسقيهم بكأس مصبرة فلا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ودت قريش عند ذلك بالدنيا و ما فيها لو يروني مقاما واحدا قدر حلب شاة أو جزر جزور لأقبل منهم بعض الذي يرد عليهم حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا فيغريه الله ببني أمية فيجعلهم مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا

 بيان الجلل محركة الأمر العظيم مزوجا أي مقرونا بمثله و الكلوح العبوس يقال كلح و أكلح و قلصت بالتشديد أي انضمت و اجتمعت و بالتخفيف أي كثرت و تزايدت من قلصت البئر إذا ارتفع ماؤها و شمرت عن ساق أي كشفت عن شدة و حام الطائر و غيره حول الشي‏ء دار مطينة أي مخفية و الناب الناقة المسنة و الضروس السيئة الخلق تعض حالبها و جماع الناس كرمان أخلاطهم من قبائل شتى و كلما تجمع و انضم بعضه إلى بعض و لبد كنصر و فرح أقام و لزق كتفريج الأديم أي الجلد عن اللحم و ابن خيرة الإماء القائم ع يسومهم خسفا أي يوليهم ذلا و كأس مصبرة ممزوجة بالصبر و في النهاية فيه بين يدي الساعة هرج أي قتال و اختلاط و أصل الهرج الكثرة في الشي‏ء و الاتساع. أقول و قد مضى بعض هذه الخطبة مشروحا

600-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع قاله للخوارج و قد خرج إلى معسكرهم و هم مقيمون على إنكار الحكومة فقال ع أ كلكم شهد معنا صفين قالوا منا من شهد و منا من لم يشهد قال ع فامتازوا فرقتين فليكن من شهد صفين فرقة و من لم يشهدها فرقة حتى أكلم كلا بكلامه و نادى الناس فقال أمسكوا عن الكلام و أنصتوا لقولي و أقبلوا بأفئدتكم إلي فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها ثم كلمهم ع بكلام طويل منه أ لم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة و غيلة و مكرا و خديعة إخواننا و أهل دعوتنا استقالونا و استراحوا إلى كتاب الله سبحانه فالرأي القبول منهم و التنفيس عنهم فقلت لكم هذا أمر ظاهره إيمان و باطنه عدوان و أوله رحمة و آخره ندامة فأقيموا على شأنكم و الزموا طريقتكم و عضوا على الجهاد بنواجذكم و لا تلتفتوا إلى ناعق نعق إن أجيب أضل و إن ترك ذل و قد كانت هذه الفعلة و قد رأيتكم أعطيتموها و الله لئن أبيتها ما وجبت علي فريضتها و لا حملني الله ذنبها و و الله إن جئتها إني للمحق الذي يتبع و إن الكتاب لمعي ما فارقته مذ صحبته فلقد كنا مع رسول الله ص و إن القتل ليدور بين الآباء و الأبناء و الإخوان و القرابات فما نزداد على كل مصيبة و شدة إلا إيمانا و مضيا على الحق و تسليما للأمر و صبرا على مضض الجراح و لكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ و الاعوجاج و الشبهة و التأويل فإذا طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا و نتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا فيها و أمسكنا عما سواها

601-  ج، ]الإحتجاج[ أ لم تقولوا إلى آخر الكلام

 توضيح قوله ع بكلامه أي بالكلام الذي يليق به. و قال في النهاية فيه نشدتك الله و الرحم أي سألتك بالله و بالرحم و قال الجوهري الغيلة بالكسر الخديعة و نفس تنفيسا فرج تفريجا قوله ع أوله رحمة لأنه كان وسيلة إلى حقن الدماء و الفعلة بالفتح المرة من الفعل و المراد بها الرضا بالحكومة و فريضتها ما وجب بسببها و ترتب عليها و إن الكتاب لمعي أي لفظا و معنى و المضض وجع المصيبة قوله ع إلى البقية أي إلى بقاء ما بقي فيما بيننا من الإسلام كما ذكره ابن ميثم و الأظهر عندي أنه من الإبقاء بمعنى الرحم و الإشفاق و الإصلاح كما في الصحيفة لا تبقى على من تضرع إليها. و قال في القاموس أبقيت ما بيننا لم أبالغ في فساده و الاسم البقية و أولو بقية ينهون عن الفساد أي إبقاء. و قال ابن أبي الحديد هذا الكلام ليس يتلو بعضه بعضا و لكنه ثلاثة فصول لا يلتصق أحدها بالآخر آخر الفصل الأول قوله ع و إن ترك ذل. و آخر الفصل الثاني قوله على مضض الجراح و الفصل الثالث ينتهي آخر الكلام

602-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلامه له ع في التحكيم إنا لم نحكم الرجال و إنما حكمنا القرآن و هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان و لا بد له من ترجمان و إنما ينطق عنه الرجال و لما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله تعالى و قد قال الله سبحانه فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ فرده إلى الله أن نحكم بكتابه و رده إلى الرسول أن نأخذ بسنته فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به و إن حكم بسنة رسول الله ص فنحن أحق الناس و أولاهم به و أما قولكم لم جعلت بينك و بينهم أجلا في التحكيم فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل و يتثبت العالم و لعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة و لا يؤخذ بأكظامها فتعجل عن تبين الحق و تنقاد لأول الغي إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه و إن نقصه و كرثه من الباطل و إن جر إليه فائدة و زاده فأين يتاه بكم و من أين أتيتم استعدوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه و موزعين بالجور لا يعدلون عنه جفاة عن الكتاب نكب عن الطريق ما أنتم بوثيقة يعلق بها و لا زوافر عز يعتصم إليها لبئس حشاش نار الحرب أنتم أف لكم لقد لقيت منكم برحا يوما أناديكم و يوما أناجيكم فلا أحرار صدق عند النداء و لا إخوان ثقة عند النجاء

603-  ج، ]الإحتجاج[ قال ع إنا لم نحكم الرجال إلى قوله و تنقاد لأول الغي

 توضيح قوله ع إنا لم نحكم حاصل الجواب أنا لم نرض بتحكيم الرجلين مطلقا بل على تقدير حكمهما بالصدق في الكتاب و السنة لأن القوم دعونا إلى تحكيم القرآن لا تحكيم الرجلين و إنما رضينا بتحكيم الرجلين لحاجة القرآن إلى الترجمان فالحاكم حقيقة هو القرآن لا الرجلان فإذا خالف الرجلان حكم الكتاب و السنة لم يجب علينا قبول قولهما. مع أن رضاه ع كان اضطرارا كما عرفت مرارا. قوله ع فإذا حكم بالصدق أي إذا حكم بالصدق في الكتاب و السنة فيجب أن يحكم بخلافتنا لأنا أحق الناس بالكتاب و السنة و إذا حكم بالصدق فيهما فنحن أولى الناس باتباع حكمهما فعدم اتباعنا لعدم حكمهم بالصدق و إلا لاتبعناه و إذا حكم بالصدق فيهما فنحن أحق الناس بهذا الحكم فيجب عليهم اتباع قولنا لا علينا اتباع قولهم. و الضمير في قوله أحق الناس به عائد إلى الكتاب أو إلى الله أو إلى الحكم و في قوله أولاهم به إلى الرسول أو إلى الحكم. قوله ع ليتبين الجاهل أي ليظهر للجاهل وجه الحق و التبين يكون لازما و متعديا و يتثبت العالم بدفع الشبهة و يطمئن قلبه. قوله ع و لا يؤخذ بأكظامها معطوف على يتبين. و قال ابن الأثير في كظم من كتاب النهاية و في حديث علي بأكظامها هي جمع كظم بالتحريك و هو مخرج النفس من الحلق و أول الغي هو أول شبهة عرضت لهم من رفع المصاحف و كرنه الغم أو أكرثه أي اشتد عليه و بلغ منه المشقة و تاه يتيه تيها تحير و ضل أو تكبر و من أين أتيتم أي هلكتم أو دخل عليكم الشيطان و الشبهة و الحيلة و قال الجوهري أوزعته بالشي‏ء أغريته به لا يعدلون به أي ليس للجور عندهم عديل و يروى لا يعدلون عنه أي لا يتركونه إلى غيره و الجفاء البعد عن الشي‏ء. و نكب عن الطريق ينكب نكبا عدل ما أنتم بوثيقة أي بعروة وثيقة أو بذي وثيقة و الوثيقة الثقة و علق بالشي‏ء كفرح و تعلق به أي نشب و استمسك و زافرة الرجل أنصاره و خاصته و الحشاش بضم الحاء و تشديد الشين جمع حاش و هو الموقد للنار و كذلك الحشاش بالكسر و التخفيف و قيل هو ما يحش به النار أي يوقد و البرح الشدة و في بعض النسخ بالتاء و هو الحزن يوما أناديكم أي جهرا و يوما أناجيكم أي سرا فلا أحرار أي لا تنصرون و لا تحمون و لا إخوان ثقة أي لا تكتمون السر و لا تعملون بلوازم الإخاء

604-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع للخوارج فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت و ضللت فلم تضللون عامة أمة محمد ص بضلالي و تأخذونهم بخطئي و تكفرونهم بذنوبي سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البراءة و السقم و تخلطون من أذنب بمن لم يذنب و قد علمتم أن رسول الله ص رجم الزاني ثم صلى عليه ثم ورثه أهله و قتل القاتل و ورث ميراثه أهله و قطع السارق و جلد الزاني غير المحصن ثم قسم عليهما من الفي‏ء و نكحا المسلمات فأخذهم رسول الله ص بذنوبهم و أقام حق الله فيهم و لم يمنعهم سهمهم من الإسلام و لم يخرج أسماءهم من بين أهله ثم أنتم شرار الناس و من رمى به الشيطان مراميه و ضرب به تيهه و سيهلك في صنفان محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق و مبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق و خير الناس في حالا النمط الأوسط فالزموه و الزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة و إياكم و الفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذة من الغنم للذئب ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه و لو كان تحت عمامتي هذه و إنما حكم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن و يميتا ما أمات القرآن و إحياؤه الاجتماع عليه و إماتته الافتراق عنه فإن جرنا القرآن إليهم اتبعناهم و إن جرهم إلينا القرآن اتبعونا فلم آت لا أبا لكم بجرا و لا ختلتكم عن أمركم و لا لبسته عليكم و إنما اجتمع رأي ملإكم على اختيار رجلين أخذنا عليهما أن لا يتعديا القرآن فتاها عنه و تركا الحق و هما يبصرانه و كان الجور هواهما فمضيا عليه و قد سبق استثناؤنا عليهما في الحكومة بالعدل و الصمد للحق سوء رأيهما و جور حكمهما

 إيضاح قوله ع و ضللت بكسر اللام و فتحها أقول لما قالت الخوارج لعنهم الله إن الدار دار الكفر لا يجوز الكف عن أحد من أهلها قتلوا الناس حتى الأطفال و قتلوا البهائم و ذهبوا إلى تكفير أهل الكبائر مطلقا و لذا أكفروا أمير المؤمنين صلوات الله عليه و من تبعه على تصويب التحكيم فلذا احتج ع عليهم بأنه لو كان صاحب الكبيرة كافرا لما صلى عليه رسول الله ص و لا ورثه من المسلم و لا مكنه من نكاح المسلمات و لا قسم عليهم من الفي‏ء و لأخرجه من إطلاق لفظ الإسلام عليه. و قوله ع و ورث ميراثه يدل ظاهرا على عدم إرث المسلم من الكافر و لعله إلزام عليهم. قوله ع و نكحا أي السارق و الزاني المسلمات و لم يمنعهما رسول الله ص من ذلك. قوله ع من بين أهله أي أهل الإسلام و مرامي الشيطان طرق الضلال التي يسوق الإنسان إليها بوساوسه و ضرب به تيهه أي وجهه إليه من ضربت في الأرض إذا سافرت و الباء للتعدية و التيه بالكسر و الفتح الحيرة و بالكسر المفازة يتاه فيها. و تقييد البغض بالإفراط لعله لتخصيص أكمل الأفراد بالذكر أو لأن المبغض مطلقا مجاوز عن الحد أو لأن الكلام إخبار عما سيوجد منهم مع أن فيه رعاية الازدواج و التناسب بين الفقرتين. و قال في النهاية في حديث علي ع خير هذه الأمة النمط الأوسط النمط الطريقة و من الطرائق و الضرب من الضروب يقال ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب و النمط الجماعة من الناس أمرهم واحد و قال فيه عليكم بالسواد الأعظم أي جملة الناس و معظمهم الذين يجتمعون على طاعة السلطان و سلوك المنهج المستقيم و قال إن يد الله على الجماعة أي إن الجماعة من أهل الإسلام في كنف الله و يد الله كناية عن الحفظ و الدفاع عنهم. قوله ع إلى هذا الشعار قال ابن ميثم أي مفارقة الجماعة و الاستبداد بالرأي و قوله ع و لو كان تحت عمامتي كناية عن أقصى القرب من عنايته أي و لو كان ذلك الداعي في هذا الحد من عنايتي به و قال ابن أبي الحديد كان شعارهم أن يحلقوا وسط رءوسهم و يبقوا الشعر مستديرا حوله كالإكليل و قال و لو كان تحت عمامتي أي و لو اعتصم و احتمى بأعظم الأشياء حرمة فلا تكفوا عن قتله. أقول و يحتمل أن يكون شعارهم قولهم لا حكم إلا لله و أن يكون كنى بقوله تحت عمامتي عن نفسه. قوله ع و إحياؤه الاجتماع عليه أي ما يحييه القرآن هو الاجتماع عليه و ما يميته هو الافتراق عنه أو إن الاجتماع على القرآن إحياؤه إذ به يحصل الأثر و الفائدة المطلوبة منه و الافتراق عنه إماتة له و البجر بالضم و الفتح الداهية و الأمر العظيم و الختل الخداع. قوله ع و إنما اجتمع يظهر منه جوابان عن شبهتهم أحدهما إني ما اخترت التحكيم بل اجتمع رأي ملإكم عليه و قد ظهر أنه ع كان مجبورا في التحكيم. و ثانيهما أنا اشترطنا عليهما في كتاب التحكيم أن لا يتجاوزا حكم القرآن فلما تعديا لم يجب علينا اتباع حكمهما. و الملأ أشراف الناس و رؤسائهم و مقدموهم الذين يرجع إلى قولهم ذكره في النهاية و الصمد القصد. و سوء رأيهما مفعول سبق أو الاستثناء أيضا على التنازع أي ذكرنا أولا أنا إنما نتبع حكمهما إذا لم يختارا سوء الرأي و الجور في الحكم

605-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في معنى الحكمين فأجمع رأي ملإكم على أن اختاروا رجلين فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن و لا يجاوزاه و يكون ألسنتهما معه و قلوبهما تبعة فتاها عنه و تركا الحق و هما يبصرانه و كان الجور هواهما و الاعوجاج رأيهما و قد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل و العمل بالحق سوء رأيهما و جور حكمهما و الثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحق و أتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم

 إيضاح قال في النهاية في حديث علي ع فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن أي يقيما عنده يقال جعجع القوم إذا أناخوا بالجعجاع و هي الأرض و الجعجاع أيضا الموضع الضيق الخشن و قال في القاموس التبع محركة التابع يكون واحدا و جمعا و يجمع على أتباع. قوله ع و الثقة في أيدينا أي أنا على برهان و ثقة في أمورنا قوله ع بما لا يعرف أي لا يصدق به

606-  نهج، ]نهج البلاغة[ من وصيته ع لعبد الله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه تقول و يقولون و لكن حاجهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا

 بيان قوله ع و لكن حاجهم بالسنة قال ابن أبي الحديد كقول النبي ص علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه حيثما دار و غير ذلك من النصوص. و قال الجوهري يقال ما عنه محيص أي محيد و مهرب

607-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع و قد أرسل رجلا من أصحابه يعلم له علم قوم من جند الكوفة هموا باللحاق بالخوارج و كانوا على خوف منه ع فلما عاد إليه الرجل قال له أمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا فقال الرجل بل ظعنوا يا أمير المؤمنين فقال ع بعدا لهم كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ أ ما لو أشرعت الأسنة إليهم و صبت السيوف على هاماتهم لقد ندموا على ما كان منهم إن الشيطان اليوم قد استفلهم و هو غدا متبرئ منهم و مخل عنهم فحسبهم بخروجهم من الهدى و ارتكاسهم في الضلال و العمى و صدهم عن الحق و جماحهم في التيه

 بيان قطن بالمكان أقام و قوله بعدا منصوب على المصدر و هو ضد القرب و الهلاك قوله ع قد استفلهم في بعض النسخ بالقاف أي حملهم أو اتخذهم قليلا و سهل عليه أمرهم و في أكثر النسخ بالفاء أي وجدهم فلا لا خير فيهم أو مفلولين منهزمين و في بعضها استفزهم أي استخفهم و في بعضها استقبلهم أي قبلهم و المراد بالغد اليوم الذي تصب السيوف على هاماتهم أو يوم القيامة. و قال الجوهري الركس رد الشي‏ء مقلوبا و ارتكس فلان في أمر كان قد نجا منه و جمح الفرس كمنع اعتز فارسه و غلبه و التيه المفازة و الضلال

608-  ج، ]الإحتجاج[ روي أن أمير المؤمنين ع أرسل عبد الله بن عباس إلى الخوارج و كان بمرأى منهم و مسمع ليسألهم ما ذا الذي نقموا عليه فقال لهم ابن عباس ما ذا نقمتم على أمير المؤمنين قالوا له في الجواب نقمنا يا ابن العباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة موبقة تدعو إلى النار أما أولها فإنه محي اسمه من إمرة المؤمنين ثم كتب بينه و بين معاوية فإذا لم يكن أمير المؤمنين فنحن المؤمنون فلسنا نرضى أن يكون أميرنا و أما الثانية فإنه شك في نفسه حين قال للحكمين انظرا فإن كان معاوية أحق بها فأثبتاه و إن كنت أولى بها فأثبتاني فإذا هو شك في نفسه فلم يدر أ هو المحق أم معاوية فنحن فيه أشد شكا و الثالثة أنه جعل الحكم إلى غيره و قد كان عندنا أحكم الناس و الرابعة أنه حكم الرجال في دين الله و لم يكن ذلك إليه و الخامسة أنه قسم بيننا الكراع و السلاح يوم البصرة و منعنا النساء و الذرية و السادسة أنه كان وصيا فضيع الوصية قال ابن عباس قد سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم فأنت أحق بجوابهم فقال نعم ثم قال يا ابن عباس قل لهم أ لستم ترضون بحكم الله و حكم رسوله قالوا نعم قال أبدأ على ما بدأتم به في بدء الأمر ثم قال كنت أكتب لرسول الله ص الوحي و القضايا و الشروط و الأمان يوم صالح أبا سفيان و سهيل بن عمرو فكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله ص و أبو سفيان و سهيل بن عمرو فقال سهيل إنا لا نعرف الرحمن الرحيم و لا نقر أنك رسول الله و لكنا نحسب ذلك شرفا لك أن تقدم اسمك قبل أسمائنا و إن كنا أسن منك و أبي أسن من أبيك فأمرني رسول الله ص فقال اكتب مكان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ باسمك اللهم فمحوت ذلك و كتبت باسمك اللهم و محوت رسول الله و كتبت محمد بن عبد الله فقال لي إنك تدعى إلى مثلها فتجيب و أنت مكره و هكذا كتبت بيني و بين معاوية و عمرو بن العاص هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين ع و معاوية و عمرو بن العاص فقالا لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنك أمير المؤمنين و قاتلناك و لكن اكتب علي بن أبي طالب فمحوت كما محا رسول الله ص فإن أبيتم ذلك فقد جحدتم فقالوا هذه لك خرجت منها فقال و أما قولكم إني شككت في نفسي حيث قلت للحكمين انظرا فإن كان معاوية أحق بها مني فأثبتاه فإن ذلك لم يكن شكا مني و لكني أنصفت في القول قال الله تعالى وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ و لم يكن ذلك شكا و قد علم الله أن نبيه على الحق قالوا و هذه لك قال و أما قولكم إني جعلت الحكم إلى غيري و قد كنت عندكم أحكم الناس فهذا رسول الله ص قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة و قد كان أحكم الناس و قد قال الله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فتأسيت برسول الله ص قالوا و هذه لك بحجتنا قال و أما قولكم إني حكمت في دين الله الرجال فما حكمت الرجال و إنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكما بين أهله و قد حكم الله الرجال في طائر فقال وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فدماء المسلمين أعظم من دم طائر قالوا و هذه لك بحجتنا قال و أما قولكم إني قسمت يوم البصرة لما أظفرني الله بأصحاب الجمل الكراع و السلاح و منعتكم النساء و الذرية فإني مننت على أهل البصرة كما من رسول الله ص على أهل مكة فإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم و لم نأخذ صغيرا بكبير و بعد فأيكم كان يأخذ عائشة في سهمه قالوا و هذه لك بحجتنا قال و أما قولكم إني كنت وصيا فضيعت الوصية فأنتم كفرتم و قدمتم علي و أزلتم الأمر عني و ليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم إنما يبعث الله الأنبياء صلوات الله عليهم فيدعون إلى أنفسهم و الوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه و ذلك لمن آمن بالله و رسوله ص

 و لقد قال الله عز ذكره وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم إياه و لكن الناس كانوا يكفرون بتركهم البيت لأن الله تعالى نصبه لهم علما و كذلك نصبني علما حيث قال رسول الله ص يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى و أنت مني بمنزلة الكعبة تؤتى و لا تأتي فقالوا و هذه لك بحجتنا فأذعنوا فرجع بعضهم و بقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممن كانوا قعدوا عنه فقاتلهم فقتلهم

 بيان قوله ع فدماء المسلمين لعل المراد أن تحكيم الرجال في الطائر لما كان لجهل الناس و الاضطرار فالضرورة هنا أشد فالكلام على التنزل فإنه ع منع أولا تحكيم الرجال و قال بعد التسليم لا فساد فيه و يحتمل أن يكون مؤيدا لأول الكلام ردا لشبهة أصحاب معاوية بالمقايسة بالطائر أي لم نحكم الرجال لأن التحكيم إنما ورد في الأمور الجزئية التي لا مفسدة كثيرا في الخطأ فيها و لا يمكن مقايسة دماء المسلمين بها فإنه قياس مع الفارق و لكنه بعيد و لا يجري في بعض الأخبار التي وردت بهذا الوجه

609-  ب، ]قرب الإسناد[ اليقطيني عن القداح عن جعفر عن أبيه ع أن عليا ع كان يباشر القتال بنفسه و أنه نادى ابنه محمد بن الحنفية يوم النهروان قدم يا بني اللواء فقدم ثم قال قدم يا بني اللواء فقدم ثم وقف فقال له قدم يا بني فتكعكع الفتى فقال قدم يا ابن اللخناء ثم جاء علي حتى أخذ منه اللواء فمشى به ما شاء الله ثم أمسك ثم تقدم علي بين يديه فضرب قدما

 إيضاح قال الجوهري كعكعته فتكعكع أي حبسته فاحتبس و تكعكع أي جبن و رجل كعكع بالضم أي جبان ضعيف و قال لخن السقاء بالكسر أي أنتن و منه قولهم أمة لخناء و يقال اللخناء التي لم تختن و قال مضى قدما لم يعرج و لم ينثن

610-  يد، ]التوحيد[ الدقاق عن الأسدي عن البرمكي عن جعفر بن سليمان الجعفري عن أبيه عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن سعد الخفاف عن الأصبغ بن نباتة قال لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع على الخوارج و وعظهم و ذكرهم و حذرهم القتال قال لهم ما تنقمون مني إلا أني أول من آمن بالله و برسوله فقالوا أنت كذلك و لكنك حكمت في دين الله أبا موسى الأشعري فقال ع و الله ما حكمت مخلوقا و إنما حكمت القرآن و لو لا أني غلبت على أمري و خولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني و بين أهل حرب الله حتى أعلي كلمة الله و أنصر دين الله و لو كره الجاهلون و الكافرون

611-  ب، ]قرب الإسناد[ هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه ع أن عليا ع كان يدعو على الخوارج فيقول في دعائه اللهم رب البيت المعمور و السقف المرفوع و البحر المسجور و الكتاب المسطور أسألك الظفر على هؤلاء الذين نبذوا كتابك وراء ظهورهم و فارقوا أمة أحمد ص عتوا عليك

612-  مد، ]العمدة[ بإسناده إلى أحمد بن حنبل من مسنده بإسناده عن زيد بن وهب قال قدم على علي ع قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجة فقال له اتق الله يا علي فإنك ميت فقال علي ع بل مقتول قتلا ضربة على هذا يخضب هذه يعني لحيته و رأسه عهد معهود و قضاء مقضي وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى و عاتبه في لباسه فقال ما يمنعك أن تلبس فقال ما لك و للباسي هو أبعد من الكبر و أجدر أن يقتدي بي المسلم

613-  ل، ]الخصال[ في خبر اليهودي السائل أمير المؤمنين عما فيه من خصال الأوصياء قال ع و أما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله ص كان عهد إلي أن أقاتل في آخر الزمان من أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار و يقومون الليل و يتلون الكتاب يمرقون بخلافهم علي و محاربتهم إياي من الدين مروق السهم من الرمية فيهم ذو الثدية يختم لي بقتلهم بالسعادة فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعني بعد الحكمين أقبل بعض القوم على بعض باللائمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع من أخطأ و أن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه و قتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا و طاعته لنا في الخطإ و أحل لنا بذلك قتله و سفك دمه فتجمعوا على ذلك و خرجوا راكبين رءوسهم ينادون بأعلى أصواتهم لا حكم إلا لله ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة و أخرى بحروراء و أخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتى عبرت دجلة فلم تمر بمسلم إلا امتحنته فمن تابعها استحيته و من خالفها قتلته فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عز و جل و الرجوع إليه فأبيا إلا السيف لا يقنعهما غير ذلك فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عز و جل فقتل الله هذه و هذه كانوا يا أخا اليهود لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا و سدا منيعا فأبى الله إلا ما صاروا إليه ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة و وجهت رسلي تترى و كانوا من جلة أصحابي و أهل التعبد منهم و الزهد في الدنيا فأبت إلا اتباع أختيها و الاحتذاء على مثالهما و أشرعت في قتل من خالفها من المسلمين و تتابعت إلي الإخبار بفعلهم فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة أوجه السفراء و النصحاء و أطلب العتبى بجهدي بهذا مرة و بهذا مرة و أومى بيده إلى الأشتر و الأحنف بن قيس و سعيد بن قيس الأرحبي و الأشعث بن قيس الكندي فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله يا أخا اليهود عن آخرهم و هم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت منهم مخبر فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى له ثدي كثدي المرأة ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين

 بيان قال الفيروزآبادي في القاموس جل الشي‏ء و جلاله بضمها معظمه و قوم جلة بالكسر عظماء سادة ذوو أخطار

614-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن أبي حمزة عن علي بن الحسين ع عن أبيه قال لما أراد علي ع أن يسير إلى النهروان استنفر أهل الكوفة و أمرهم أن يعسكروا بالمدائن فتأخر عنه شبث بن ربعي و عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس و جرير بن عبد الله و قالوا ائذن لنا أياما نتخلف عنك في بعض حوائجنا و نلحق بك فقال لهم قد فعلتموه سواه لكم من مشايخ فو الله ما لكم من حاجة تتخلفون عليها و إني لأعلم ما في قلوبكم و سأبين لكم تريدون أن تثبطوا عني الناس و كأني بكم بالخورنق و قد بسطتم سفرتكم للطعام إذ يمر بكم ضب فتأمرون صبيانك فيصيدونه فتخلعوني و تبايعونه ثم مضى إلى المدائن و خرج القوم إلى الخورنق و هيئوا طعاما فبينما هم كذلك على سفرتهم و قد بسطوها إذ مر بهم ضب فأمروا صبيانهم فأخذوه و أوثقوه و مسحوا أيديهم على يده كما أخبر علي ع و أقبلوا على المدائن فقال لهم أمير المؤمنين ع بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ليبعثنكم الله يوم القيامة مع إمامكم الضب الذي بايعتم كأني أنظر إليكم يوم القيامة مع إمامكم و هو يسوقكم إلى النار ثم قال لئن كان مع رسول الله ص منافقون فإن معي منافقين أما و الله يا شبث و يا ابن حريث لتقاتلان ابني الحسين هكذا أخبرني رسول الله ص

  -615  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن عليا ع لما سار إلى النهروان شك رجل يقال له جندب فقال له علي ع الزمني و لا تفارقني فلزمه فلما دنوا من قنطرة النهروان نظر علي ع قبل زوال الشمس إلى قنبر يؤذنه بالصلاة فنزل و قال ائتني بماء فقعد يتوضأ فأقبل فارس و قال قد عبر القوم فقال أمير المؤمنين ع ما عبروا و لا يعبرونها و لا يفلت منهم إلا دون العشرة و لا يقتل منكم إلا دون العشرة و الله ما كذبت و لا كذبت فتعجب الناس فقال جندب إن صح ما قال علي ع فلا أحتاج إلى دليل غيره فبينما هم كذلك إذ أقبل فارس فقال يا أمير المؤمنين القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة فصلى بالناس الظهر و أمرهم بالمسير إليهم فقال جندب قلت لا يصل إلى القنطرة قبلي أحد فركضت فرسي فإذا هم دون القنطرة وقوف فكنت أول من رمى فقتلوا كلهم إلا تسعة و قتل من أصحابنا تسعة ثم قال علي ع اطلبوا ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه فقال اطلبوا فو الله ما كذبت و لا كذبت ثم قام فركب البغلة نحو قتلى كثير فقال اقلبوها فاستخرجوا ذا الثدية فقال الحمد لله الذي عجلك إلى النار و قد كان الخوارج خرجوا عليه قبل ذلك بجانب الكوفة في حروراء و كانوا إذ ذاك اثني عشر ألفا قال فخرج إليهم أمير المؤمنين ع في إزاره و ردائه راكبا البغلة فقيل له القوم شاكون في السلاح أ تخرج إليهم كذلك قال إنه ليس بيوم قتالهم و صار إليهم بحروراء و قال لهم ليس اليوم أوان قتالكم و ستفترقون حتى تصيروا أربعة آلاف فتخرجون علي في مثل هذا اليوم في مثل هذا الشهر فأخرج إليكم بأصحابي فأقاتلكم حتى لا يبقى منكم إلا دون عشرة و يقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة هكذا أخبرني رسول الله ص فلم يبرح من مكانه حتى تبرأ بعضهم من بعض و تفرقوا إلى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان

616-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن جندب بن زهير الأزدي قال لما فارقت الخوارج عليا خرج ع إليهم و خرجنا معه فانتهينا إلى عسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل في قراءة القرآن و فيهم أصحاب البرانس و ذوو الثفنات فلما رأيت ذلك دخلني شك فتنحيت و نزلت عن فرسي و ركزت رمحي و وضعت ترسي و نثرت عليه درعي و قمت أصلي و أنا أقول في دعائي اللهم إن كان قتال هؤلاء رضا لك فأرني من ذلك ما أعرف به أنه الحق و إن كان لك سخطا فاصرف عني إذ أقبل علي ع فنزل عن بغلة رسول الله ص و قام يصلي إذ جاءه رجل فقال قطعوا النهر ثم جاء آخر يشتد به دابته فقال قطعوه و ذهبوا فقال أمير المؤمنين ع ما قطعوه و لا يقطعونه و ليقتلن دون النطفة عهد من الله و رسوله ص و قال لي يا جندب ترى التل قلت نعم قال إن رسول الله ص حدثني أنهم يقتلون عنده ثم قال إنا نبعث إليهم رسولا يدعوهم إلى كتاب الله و سنة نبيه فيرشقون وجهه بالنبل و هو مقتول قال فانتهينا إلى القوم فإذا هم في معسكرهم لم يبرحوا و لم يترحلوا فنادى الناس و ضمهم ثم أتى الصف و هو يقول من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله و سنة نبيه و هو مقتول و له الجنة فما أجابه أحد إلا شاب من بني عامر بن صعصعة فلما رأى حداثة سنه قال له ارجع إلى موقفك ثم أعاد فما أجابه أحد إلا ذلك الشاب قال خذه أما إنك مقتول فمشى به حتى إذا دنا من القوم حيث يسمعهم ناداهم إذ رموا وجهه بالنبل فأقبل علينا و وجهه كالقنفذ فقال علي ع دونكم القوم فحملنا عليهم قال جندب ذهب الشك عني و قتلت بكفي ثمانية و لما قتل الحرورية قال علي ع التمسوا في قتلاهم رجلا مخدوجا حدي يديه مثل ثدي المرأة فطلبوه فلم يجدوه فقام فأمر بهم فقلب بعضهم على بعض فإذا حبشي إحدى عضديه مثل ثدي المرأة عليه شعرات كسبال السنور فكبر و كبر الناس معه و قال هذا شيطان لو لا أن تتكلوا لحدثتكم بما أعد الله على لسان نبيكم لمن قاتل هؤلاء

617-  شا، ]الإرشاد[ من كلام أمير المؤمنين ع للخوارج حين رجع إلى الكوفة و هو بظاهرها قبل دخوله إياها بعد حمد الله و الثناء عليه اللهم إن هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة و من نطف فيه أو عنت فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا نشدتكم بالله أ تعلمون أنهم حين رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم إني أعلم بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن إني صحبتهم و عرفتهم أطفالا و رجالا فكانوا شر أطفال و شر رجال امضوا على حقكم و صدقكم إنما رفعوا القوم لكم هذه المصاحف خديعة و وهنا و مكيدة فرددتم علي رأيي و قلتم لا بل نقبل منهم فقلت لكم اذكروا قولي لكم و معصيتكم إياي فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحياه القرآن و أن يميتا ما أماته القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في الكتاب و إن أبيا فنحن من حكمهما براء قال بعض الخوارج فخبرنا أ تراه عدلا يحكم الرجال في الدماء فقال ع إنا لم نحكم الرجال إنما حكمنا القرآن و هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق و إنما يتكلم به الرجال قالوا له فخبرنا عن الأجل الذي جعلته فيما بينك و بينهم قال ليتعلم الجاهل و يتثبت العالم و لعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة ادخلوا مصركم رحمكم الله و رحلوا من عند آخرهم

 بيان قوله ع كان أولى بالفلج أي من ظفر في هذا الحرب و في هذه القضية لإخبار النبي ص بكون القاتلين أولى بالحق من المقتولين و غير ذلك مما مر أو المعنى أن حجة أهل الحق تكون أغلب دائما و قال الجوهري نطف الرجل بالكسر إذا اتهم بريبة و نطف الشي‏ء أيضا فسد و النطف التلطخ بالعيب و قال العنت الإثم و قد عنت الرجل أي أثم و العنت أيضا الوقوع في أمر شاق و قد عنت و أعنته غيره

618-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ لما دخل أمير المؤمنين ع الكوفة جاء إليه زرعة بن البرج الطائي و حرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية فقال لا حكم إلا لله فقال ع كلمة حق يراد بها باطل قال حرقوص فتب من خطيئتك و ارجع عن قصتك و اخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا فقال علي ع قد أردتكم على ذلك فعصيتموني و قد كتبنا بيننا و بين القوم كتابا و شروطا و أعطينا عليها عهودا و مواثيقا و قد قال الله تعالى وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ الآية فقال حرقوص ذلك ذنب ينبغي أن نتوب عنه فقال علي ع ما هو بذنب و لكنه عجز من الرأي و ضعف في العقل و قد تقدمت فنهيتكم عنه فقال ابن الكواء الآن صح عندنا أنك لست بإمام و لو كنت إماما لما رجعت فقال علي ع ويلكم قد رجع رسول الله ص عام الحديبية عن قتال أهل مكة ففارقوا أمير المؤمنين ع و قالوا لا حكم إلا لله و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و كانوا اثني عشر ألفا من أهل الكوفة و البصرة و غيرهما و نادى مناديهم أن أمير القتال شبث بن ربعي و أمير الصلاة عبد الله بن الكواء و الأمر شورى بعد الفتح و البيعة لله على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و استعرضوا الناس و قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت و كان عامله على النهروان فقال أمير المؤمنين ع يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه و لما ذا اجتمعوا فلما وصل إليهم قالوا ويلك يا ابن عباس أ كفرت بربك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب و خرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي فقال ابن عباس من بني الإسلام فقال الله و رسوله فقال النبي أحكم أموره و بين حدوده أم لا قال بلى قال فالنبي بقي في دار الإسلام أم ارتحل قال بل ارتحل قال فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده قال بل بقيت قال و هل قام أحد بعده بعمارة ما بناه قال نعم الذرية و الصحابة قال أ فعمروها أو خربوها قال بل عمروها قال فالآن هي معمورة أم خراب قال بل خراب قال خربها ذريته أم أمته قال بل أمته قال و أنت من الذرية أو من الأمة قال من الأمة قال أنت من الأمة و خربت دار الإسلام فكيف ترجو الجنة و جرى بينهم كلام كثير فحضر أمير المؤمنين ع في مائة رجل فلما قابلهم خرج إليه ابن الكواء في مائة رجل فقال ع أنشدكم الله هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله فقلت لكم إني أعلم بالقوم منكم و ذكر مقاله إلى أن قال فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن و أن يميتا ما أمات القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه و إن أبيا فنحن منه براء فقالوا له أخبرنا أ تراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء فقال إنا لسنا الرجال حكمنا و إنما حكمنا القرآن و القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال قالوا فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك و بينهم قال ليعلم الجاهل و يتثبت العالم و لعل الله يصلح في هذه المدة هذه الأمة و جرت بينهم مخاطبات فجعل بعضهم يرجع فأعطى أمير المؤمنين ع راية أمان مع أبي أيوب الأنصاري فناداهم أبو أيوب من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أمير المؤمنين ع أن يتميزوا منهم و أقام الباقون على الخلاف و قصدوا إلى نهروان فخطب أمير المؤمنين ع أهل الكوفة و استنفرهم فلم يجيبوه فتمثل

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد

ثم استنفرهم فنفر ألفا رجل يقدم عدي بن حاتم و هو يقول

إلى شر خلق من شراه تحزبوا و عادوا إله الناس رب المشارق

فوجه أمير المؤمنين ع نحوهم و كتب إليهم على يدي عبد الله بن أبي عقب و السعيد من سعدت به رغبته و الشقي من شقيت به رغبته و خير الناس خيرهم لنفسه و شر الناس شرهم لنفسه و ليس بين الله و بين أحد من خلقه قرابة و كل نفس بما كسبت رهينة فلما أتاهم أمير المؤمنين فاستعطفهم أبوا إلا قتاله و تنادوا أن دعوا مخاطبة علي و أصحابه و بارزوا الجنة و صاحوا الروح الرواح إلى الجنة و كان أمير المؤمنين ع يعبئ أصحابه و نهاهم أن يتقدم إليهم أحد و كان أول من خرج من الخوارج للبراز أخنس بن العزيز الطائي و جعل يقول 

ثمانون من حيي جديلة قتلوا على النهر كانوا يخضبون العوالياينادون لا حكم إلا لربنا حنانيك فاغفر حوبنا و المساوياهم فارقوا من جار في الله حكمه فكل على الرحمن أصبح ثاويا

فقتله أمير المؤمنين ع و خرج عبد الله بن وهب الراسبي يقول

أنا ابن وهب الراسبي الشاري أضرب في القوم لأخذ الثاري‏حتى تزول دولة الأشرار و يرجع الحق إلى الأخيار

و خرج مالك بن الوضاح و قال

إني لبائع ما يفنى بباقية و لا أريد لدى الهيجاء تربيصا

و خرج إلى أمير المؤمنين ع الوضاح بن الوضاح من جانب و ابن عمه حرقوص من جانب فقتل أمير المؤمنين الوضاح و ضرب ضربة على رأس الحرقوص فقطعه و وقع رأس سيفه على الفرس فشرد و رجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب فصارت الحرورية كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ فكان المقتولون من أصحاب علي ع رؤبة بن وبر البجلي و رفاعة بن وائل الأرحبي و الفياض بن خليل الأزدي و كيسوم بن سلمة الجمحي و حبيب بن عاصم الأزدي إلى تمام تسعة و انفلت من الخوارج تسعة كما تقدم ذكره و كان ذلك لتسع خلون من صفر سنة ثمان و ثلاثين

 أبو نعيم الأصفهاني عن سفيان الثوري أن أمير المؤمنين ع أمر أن يفتش عن المخدج بين القتلى فلم يجدوه فقال رجل و الله ما هو فيهم فقال ع و الله ما كذبت و لا كذبت

 تاريخ الطبري و إبانة ابن بطة و سنن أبي داود و مسند أحمد عن عبد الله بن أبي رافع و أبي موسى الوائلي و جندب و أبي الوضي‏ء و اللفظ له قال قال علي ع اطلبوا المخدج فقالوا لم نجده فقال و الله ما كذبت و لا كذبت يا عجلان ائتني ببغلة رسول الله ص فأتاه بالبغلة فركبها و جال في القتلى ثم قال اطلبوه هاهنا فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر و طين

 و في رواية أبي نعيم عن سفيان فقيل قد أصبناه فسجد لله تعالى فنصبها

 تاريخ القمي أنه رجل أسود عليه شعرات عليه قريطق مخدج اليد إحدى ثدييه كثدي المرأة عليه شعيرات مثل ما يكون على ذنب اليربوع

 و في مسند موصلي حبشي مثل البعير في منكبه مثل ثدي المرأة فقال صدق الله و رسوله ص

 و في رواية أبو داود و ابن بطة أنه قال علي ع من يعرف هذا فلم يعرفه أحد فقال رجل أنا رأيت هذا بالحيرة فقلت إلى أين تريد فقال إلى هذه و أشار إلى الكوفة و ما لي بها معرفة فقال علي ع صدق هو من الجان

 و في رواية أخرى هو من الجن

 و في رواية أحمد قال أبو الوضي‏ء لا يأتينكم أحد يخبركم من أبوه قال فجعل الناس يقولون هذا ملك هذا ملك هذا ملك و يقول علي ابن من

 و في مسند الموصلي في حديث من قال من الناس إنه رآه قبل مصرعه فإنه كاذب

 و في مسند أحمد بإسناده عن أبي الوضي‏ء أنه قال قال علي ع أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم و الثاني له جمع كثير و الثالث فيه ضعف

 إبانة ابن بطة أنه ذكر المقتول بالنهروان فقال سعد بن أبي وقاص هو شيطان الردهة زاد أبو يعلى في المسند شيطان ردهة رجل من بجيلة يقال له الأشهب أو ابن الأشهب علامة في قوم ظلمة

 محمد بن عبد الله الرعيني بإسناده عن علي ع أنه لما انصرف من صفين خاض الناس في أمر الحكمين فقال بعض الناس ما يمنع أمير المؤمنين ع من أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلم فقال للحسن قم يا حسن فقل في هذين الرجلين عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص فقام الحسن فقال أيها الناس إنكم قد أكثرتم في أمر عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص فإنما بعثا ليحكما بكتاب الله فحكما بالهوى على الكتاب و من كان هكذا لم يسم حكما و لكنه محكوم عليه و قد أخطأ عبد الله بن قيس في أن أوصى بها إلى عبد الله بن عمر فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال في أن أباه لم يرضه لها و في أنه لم يستأمره و في أنه لم يجتمع عليه المهاجرون و الأنصار الذين نفذوها لمن بعده و إنما الحكومة فرض من الله و قد حكم رسول الله ص سعدا في بني قريظة فحكم فيهم بحكم الله لا شك فيه فنفذ رسول الله ص حكمه و لو خالف ذلك لم يجره ثم جلس ثم قال علي ع لعبد الله بن العباس قم فتكلم فقام و قال أيها الناس إن للحق أهلا أصابوه بالتوفيق و الناس بين راض به و راغب عنه و إنما بعث عبد الله بن قيس بهدى إلى ضلالة و بعث عمرو بن العاص بضلالة إلى الهدى فلما التقيا رجع عبد الله عن هداه و ثبت عمرو على ضلالته و الله لئن حكما بالكتاب لقد حكما عليه و إن حكما بما اجتمعا عليه معا ما اجتمعا على شي‏ء و إن كانا حكما بما سارا إليه لقد سار عبد الله و إمامه علي و سار عمرو و إمامه معاوية فما بعد هذا من غيب ينتظر و لكنهم سئموا الحرب و أحبوا البقاء و دفعوا البلاء و رجا كل قوم صاحبهم ثم جلس ثم قال لعبد الله بن جعفر قم فتكلم فقام عبد الله و قال أيها الناس إن هذا الأمر كان النظر فيه إلى علي و الرضا فيه لغيره فجئتم بعبد الله بن قيس فقلتم لا نرضى إلا بهذا فارض به فإنه رضانا و ايم الله ما استفدناه علما و لا انتظرنا منه غائبا و لا أملنا ضعفه و لا رجونا به صاحبه و لا أفسد بما عملا العراق و لا أصلحا الشام و لا أماتا حق علي و لا أحييا باطل معاوية و لا يذهب الحق رقية راق و لا نفحة شيطان و أنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس و جلس

 نوف البكالي عن أمير المؤمنين أنه نادى بعد الخطبة بأعلى صوته الجهاد الجهاد عباد الله ألا و إني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج

 قال نوف و عقد للحسين ع في عشرة آلاف و لقيس بن سعد في عشرة آلاف و لأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف و لغيرهم على أعداد أخر و هو يريد الرجعة إلى صفين فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله فتراجعت العساكر

 بيان قال في النهاية في حديث منصور و جاء الغلام و عليه قرطق أبيض أي قباء و هو تعريب كرته و قد تضم طاؤه و إبدال القاف من الهاء في الأسماء المعربة كثير و منه حديث الخوارج كأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق هو تصغير قرطق

619-  كشف، ]كشف الغمة[ قال ابن طلحة لما عاد أمير المؤمنين من صفين إلى الكوفة بعد إقامة الحكمين أقام ينتظر انقضاء المدة التي بينه و بين معاوية ليرجع إلى مقاتلته و المحاربة إذ انخزلت طائفة من خاصة أصحابه في أربعة آلاف فارس و هم العباد و النساك فخرجوا من الكوفة و خالفوا عليا ع و قالوا لا حكم إلا لله و لا طاعة لمن عصى الله و انحاز إليهم نيف عن ثمانية آلاف ممن يرى رأيهم فصاروا اثني عشر ألفا و ساروا إلى أن نزلوا بحروراء و أمروا عليهم عبد الله بن الكواء فدعا علي ع عبد الله بن عباس رضي الله عنه فأرسله إليهم فحادثهم فلم يرتدعوا و قالوا ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسى أن يزول ما بأنفسنا إذا سمعناه فرجع ابن عباس فأخبره فركب في جماعة و مضى إليهم فركب ابن الكواء في جماعة منهم فواقفه فقال له علي ع يا ابن الكواء إن الكلام كثير فأبرز إلي من أصحابك لأكلمك فقال و أنا آمن من سيفك فقال نعم فخرج إليه في عشرة من أصحابه فقال له علي ع عن الحرب مع معاوية و ذكر له رفع المصاحف على الرماح و أمر الحكمين و قال أ لم أقل لكم إن أهل الشام يخدعونكم بها فإن الحرب قد عضتهم فذروني أناجزهم فأبيتم أ لم أرد أن أنصب ابن عمي حكما و قلت إنه لا ينخدع فأبيتم إلا أبا موسى و قلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها و لو وجدت في ذلك الوقت أعوانا غيركم لما أجبتكم و شرطت على الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته إلى خاتمته و السنة الجامعة و إنهما إن لم يفعلا فلا طاعة لهما علي كان ذلك أو لم يكن قال ابن الكواء صدقت قد كان هذا كله فلم لا ترجع الآن إلى حرب القوم فقال حتى تنقضي المدة التي بيننا و بينهم قال ابن الكواء و أنت مجمع على ذلك قال نعم لا يسعني غيره فعاد ابن الكواء و العشرة الذين معه إلى أصحاب علي ع راجعين عن دين الخوارج و تفرق الباقون و هم يقولون لا حكم إلا لله و أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي و حرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية و عسكروا بالنهروان و خرج إليهم علي ع فسار حتى بقي على فرسخين منهم و كاتبهم و راسلهم فلم يرتدعوا فأركب إليهم ابن عباس و قال سلهم ما الذي نقموه و أنا ردفك فلا تخف منهم فلما جاءهم ابن عباس قال ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين قالوا نقمنا أشياء لو كان حاضرا لكفرناه بها و علي ع وراءه يسمع ذلك فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين قد سمعت كلامهم و أنت أحق بالجواب فتقدم و قال أيها الناس أنا علي بن أبي طالب فتكلموا بما نقمتم علي فقالوا نقمنا عليك أولا إنا قاتلنا بين يديك بالبصرة فلما أظفرك الله بهم أبحتنا ما في عسكرهم و منعتنا النساء و الذرية فكيف حل لنا ما في العسكر و لم تحل لنا النساء فقال لهم علي ع يا هؤلاء إن أهل البصرة قاتلونا و بدءونا بالقتال فلما ظفرتم اقتسمتم سلب من قاتلكم و منعتكم من النساء و الذرية فإن النساء لم يقاتلن و الذرية ولدوا على الفطرة و لم ينكثوا و لا ذنب لهم و لقد رأيت رسول الله ص من على المشركين فلا تعجبوا إن مننت على المسلمين فلم أسلب نساءهم و لا ذريتهم و قالوا نقمنا عليك يوم صفين كونك محوت اسمك من إمرة المؤمنين فإذا لم تكن أميرنا فلا نطيعك و لست أميرا لنا فقال يا هؤلاء إنما اقتديت برسول الله ص حين صالح سهيل بن عمرو قالوا فإنا نقمنا عليك أنك قلت للحكمين انظرا كتاب الله فإن كنت

 أفضل من معاوية فأثبتاني في الخلافة فإذا كنت شاكا في نفسك فنحن فيك أشد و أعظم شكا فقال ع إنما أردت بذلك النصفة فإني لو قلت احكما لي و ذرا معاوية لم يرض و لم يقبل و لو قال النبي ص لنصارى نجران لما قدموا عليه تعالوا حتى نبتهل و اجعل لعنة الله عليكم لم يرضوا و لكن أنصفهم من نفسه كما أمره الله تعالى فقال فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأنصفهم عن نفسه فكذلك فعلت أنا و لم أعلم بما أراد عمرو بن العاص من خدعة أبي موسى قالوا فإنا نقمنا عليك أنك حكمت حكما في حق هو لك فقال إن رسول الله حكم سعد بن معاذ في بني قريظة و لو شاء لم يفعل و أنا اقتديت به فهل بقي عندكم شي‏ء فسكتوا و صاح جماعة منهم من كل ناحية التوبة التوبة يا أمير المؤمنين و استأمن إليه ثمانية آلاف و بقي على حربه أربعة آلاف فأمر ع المستأمنين بالاعتزال عنهم في ذلك الوقت و تقدم بأصحابه حتى دنا منهم و تقدم عبد الله بن وهب و ذو الثدية حرقوص و قالا ما نريد بقتالنا إياك إلا وجه الله و الدار الآخرة فقال علي ع هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ثم التحم القتال بين الفريقين و استعر الحرب بلظاها و أسفرت عن زرقة صبحها و حمرة ضحاها فتجادلوا و تجالدوا بألسنة رماحها و حداد ظباها فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي و كان شهد صفين مع علي ع فحمل و شق الصفوف يطلب عليا ع فبدره على علي فقتله فحمل ذو الثدية ليضرب عليا فسبقه علي ع و ضربه ففلق البيضة و رأسه فحمله فرسه و هو لما به فألقاه في آخر المعركة في حرف دالية على شط النهروان و خرج من بعده ابن عمه مالك بن الوضاح و حمل على علي ع فضربه علي فقتله و تقدم عبد الله بن وهب الراسبي فصاح يا ابن أبي طالب و الله لا نبرح من هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فابرز إلي و أبرز إليك و ذر الناس جانبا فلما سمع علي ع كلامه تبسم و قال قاتله الله من رجل ما أقل حياؤه أما إنه ليعلم أني حليف السيف و خدين الرمح و لكنه قد يئس من الحياة أو أنه ليطمع طمعا كاذبا ثم حمل علي ع فضربه علي و قتله و ألحقه بأصحابه القتلى و اختلطوا فلم يكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم و كانوا أربعة آلاف فما أفلت منهم إلا تسعة أنفس رجلان هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان و بها نسلهما و رجلان صارا إلى بلاد عمان و بها نسلهما و رجلان صارا إلى اليمن و فيها نسلهما و هم الإباضية و رجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يعرف بالسن و البوازيج و إلى شاطئ الفرات و صار آخر إلى تل موزن و غنم أصحاب علي ع غنائم كثيرة و قتل من أصحاب علي ع تسعة بعدد من سلم من الخوارج و هي من جملة كرامات علي ع فإنه قال نقتلهم و لا يقتل منا عشرة و لا يسلم منهم عشرة فلما قتلوا قال علي ع التمسوا المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي ع بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخروهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر علي ع و قال صدق الله و بلغ رسوله قال أبو الوضي‏ء فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل ذنب اليربوع و هذا أبو الوضي‏ء هو عباد بن نسيب القيسي تابعي يروي عنه هذا القول أبو داود في سننه كما قال

  بيان انخزلت انقطعت و انحاز القوم تركوا مركزهم إلى آخر و الخدين الصديق. و قال الفيروزآبادي في القاموس السن جبل بالمدينة و موضع بالري و بلد على دجلة و قال بوازيج بلد قرب تكريت

620-  إرشاد القلوب، خرج أمير المؤمنين ع ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجها إلى داره و قد مضى ربع من الليل و معه كميل بن زياد و كان من خيار شيعته و محبيه فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت و يقرأ قوله تعالى أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ بصوت شجي حزين فاستحسن كميل ذلك في باطنه و أعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئا فالتفت صلوات الله عليه و آله إليه و قال يا كميل لا تعجبك طنطنة الرجل إنه من أهل النار و سأنبئك فيما بعد فتحير كميل لمكاشفته له على ما في باطنه و لشهادته بدخول النار مع كونه في هذا الأمر و تلك الحالة الحسنة و مضى مدة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل و قاتلهم أمير المؤمنين ع و كانوا يحفظون القرآن كما أنزل فالتفت أمير المؤمنين ع إلى كميل بن زياد و هو واقف بين يديه و السيف في يده يقطر دما و رءوس أولئك الكفرة الفجرة محلقة على الأرض فوضع رأس السيف على رأس من تلك الرءوس و قال يا كميل أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ القرآن في تلك الليلة فأعجبك حاله فقبل كميل قدميه و استغفر الله و صلى على مجهول القدر

621-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي وائل السهمي قال خرجنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فلما انتهينا إلى النهروان قال و كنت شاكا في قتالهم فضربت بفرسي فأقحمته في أشجار كانت هناك قال فو الله لكأنه علم ما في قلبي فأقبل يسير على بغلة النبي ص حتى نزل بتلك الأشجار فنزل فوضع فرشه ثم جلس عليه ثم احتبى بحمائل سيفه فأنا أراه و لا يراني إذ جاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين ما يجلسك فقد عبر القوم النهر قال كذبت لم يعبروا قال فرجع ثم جاء آخر قال يا أمير المؤمنين ما يجلسك فقد عبر القوم النهر و قتلوا فلانا و فلانا قال كذبت لم يعبروا و الله لا يعبرون حتى أقتلهم عهد من الله و من رسوله قال ثم دعا بفرس فركبه فقلت ما رأيت كاليوم و الله لئن كان صادقا لأضربن بسيفي حتى ينقطع قال و لما جازني اتبعته فانتهينا إلى القوم فإذا هم يريدون العبور فشد عليهم رجل يقال له معين أو مغيث فعرض رمحه على القنطرة فرد القوم ثم إن عليا ع صاح بالقوم فتنحوا قال ثم حملوا علينا فانهزمنا و هو واقف ثم التفت إلينا فقال ما هذا كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ قلنا أ و ليس إلى الموت نساق قال شدوا الأضراس و أكثروا الدعاء و احملوا على القوم قال ففعلنا فو الله ما انتصف النهار و منهم أحد يخبر عن أحد قال فلما رأى الناس ذلك عجبوا من قوله فقال أيها الناس إن رسول الله ص أخبرني أن في هؤلاء القوم رجلا مخدج اليد فأقبل يسير حتى انتهينا إلى جوبة قتلى فقال ارفعوهم فرفعناهم فاستخرجنا الرجل فمددنا المخدجة فاستوت مع الصحيحة ثم خليناها فرجعت كما كانت فلما رأى الناس قد عجبوا قال أيها الناس إن فيه علامة أخرى في يده الصحيحة في بطن عضده مثل ركب المرأة قال فشققت ثوبا كان عليه بأسناني أنا و الأصبغ بن نباتة حتى رأيناه كما وصف و رأوه الناس

 بيان الجوبة الحفرة

622-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال بعث أمير المؤمنين ع عبد الله بن العباس إلى ابن الكواء و أصحابه و عليه قميص رقيق و حلة فلما نظروا إليه قالوا يا ابن عباس أنت خيرنا في أنفسنا و أنت تلبس هذا اللباس فقال هذا أول ما أخاصمكم فيه قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ و قال الله عز و جل خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

623-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن محمد بن عيسى عن صفوان عن يوسف بن إبراهيم قال دخلت على أبي عبد الله ع قال إن عبد الله بن العباس لما بعثه أمير المؤمنين إلى الخوارج يواقفهم لبس أفضل ثيابه و تطيب بأطيب طيبه و ركب أفضل مراكبه فخرج فواقفهم فقالوا يا ابن عباس بيننا أنت أفضل الناس إذ أتيتنا في لباس الجبابرة و مراكبهم فتلا عليهم هذه الآية قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ فالبس و تجمل فإن الله جميل يحب الجمال و ليكن من حلال

624-  ختص، ]الإختصاص[ محمد بن علي عن محمد بن الحسن عن العكلي الحرمازي عن صالح بن أسود بن صنعان الغنوي عن مسمع بن عبد الله البصري عن رجل قال لما بعث علي بن أبي طالب ع صعصعة بن صوحان إلى الخوارج قالوا له أ رأيت لو كان علي معنا في موضعنا أ تكون معه قال نعم قالوا فأنت إذا مقلد عليا دينك ارجع فلا دين لك فقال لهم صعصعة ويلكم أ لا أقلد من قلد الله فأحسن التقليد فاضطلع بأمر الله صديقا لم يزل أ و لم يكن رسول الله ص إذا اشتدت الحرب قدمه في لهواتها فيطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده مكدودا في ذات الله عنه يعبر رسول الله و المسلمون فأين تصرفون و أين تذهبون و إلى من ترغبون و عمن تصدفون عن القمر الباهر و السراج الزاهر و صراط الله المستقيم و سبيل الله المقيم قاتلكم الله أنى تؤفكون أ في الصديق الأكبر و الغرض الأقصى ترمون طاشت عقولكم و غارت حلومكم و شاهت وجوهكم لقد علوتم القلة من الجبل و باعدتم العلة من النهل أ تستهدفون أمير المؤمنين ع و وصي رسول الله ص لقد سولت لكم أنفسكم خسرانا مبينا فبعدا و سحقا للكفرة الظالمين عدل بكم عن القصد الشيطان و عمي بكم عن واضح المحجة الحرمان فقال له عبد الله بن وهب الراسبي نطقت يا ابن صوحان بشقشقة بعير و هدرت فأطنبت في الهدير أبلغ صاحبك أنا مقاتلوه على حكم الله و التنزيل فقال عبد الله بن وهب أبياتا قال العكلي الحرمازي و لا أدري أ هي له أم لغيره

كي تلزموا الحق وحده و نضربكم حتى يكون لنا الحكم‏فإن تتبعوا حكم الإله يكن لكم إذا ما اصطلحنا الحق و الأمن و السلم‏و إلا فإن المشرفية محذم بأيدي رجال فيهم الدين و العلم

فقال صعصعة كأني أنظر إليك يا أخا راسب مرملا بدمائك يحجل الطير بأشلائك لا تجاب لكم داعية و لا تسمع منكم واعية يستحل ذلك منكم إمام هدى قال الراسبي

سيعلم الليث إذا التقينا دور الرحى عليه أو علينا

أبلغ صاحبك أنا غير راجعين عنه أو يقر لله بكفره أو يخرج عن ذنبه فإن الله قابل التوب شديد العقاب و غافر الذنب فإذا فعل ذلك بذلنا المهج فقال صعصعة عند الصباح يحمد القوم السري ثم رجع إلى علي صلوات الله عليه فأخبره بما جرى بينه و بينهم فتمثل علي ع

أراد رسولاي الوقوف فراوحا يدا بيد ثم أسهما لي على السواء

بؤسا للمساكين يا ابن صوحان أما لقد عهد إلي فيهم و إني لصاحبهم و ما كذبت و لا كذبت و إن لهم أن يدور فيه رحى المؤمنين على المارقين فيا ويحها حتفا ما أبعدها من روح الله ثم قال

إذا الخيل جالت في الفتى و تكشفت عوابس لا يسألن غير طعان‏فكرت جميعا ثم فرق بينها سقى رمحه منها بأحمر قان‏فتى لا يلاقي القرن إلا بصدره إذا أرعشت أحشاء كل جبان

ثم رفع رأسه و يده إلى السماء و قال اللهم اشهد ثلاثا قد أعذر من أنذر و بك العون و إليك المشتكى و عليك التكلان و إياك ندرأ في نحورهم أبى القوم إلا تماديا في الباطل و يأبى الله إلا الحق فأين يذهب بكم عن حطب جهنم و عن طيب المغنم و أشار إلى أصحابه و قال استعدوا لعدوكم فإنكم غالبوهم بإذن الله ثم قرأ عليهم آخر سورة آل عمران

 بيان قوله يطأ صماخها بأخمصه الأخمص من باطن القدم ما لم يبلغ الأرض و هو كناية عن الاستيلاء على الحرب و إذلال أهلها و لعل المكدود هنا بمعنى الكاد و الطيش الخفة و شاهت وجوهكم قبحت و العل الشربة الثانية أو الشرب بعد الشرب تباعا و النهل محركة أول الشرب و استهدف له دنا منه و انتصب له و سيف حذم قاطع و يقال حجل الطائر كنصر و ضرب إذا نزا في مشيته أو بالخاء المعجمة ثم الجيم قال الجوهري الخجل سوء احتمال الغنى و في الحديث إذا شبعتن خجلتن أي أشرتن و بطرتن انتهى. قوله عند الصباح يحمد القوم السري قال الميداني يضرب الرجل يحتمل المشقة رجاء الراحة

  -625  ختص، ]الإختصاص[ المعلى بن محمد البصري عن بسطام بن مرة عن إسحاق بن حسان عن الهيثم بن واقد عن علي بن الحسن العبدي عن ابن طريف عن ابن نباتة قال أمرنا أمير المؤمنين ع بالمسير إلى المدائن من الكوفة فسرنا يوم الأحد و تخلف عمرو بن حريث في سبعة نفر فخرجوا إلى مكان بالحيرة يسمى الخورنق فقالوا نتنزه فإذا كان يوم الأربعاء خرجنا فلحقنا عليا قبل أن يجمع فبينا هم يتغدون إذ خرج عليهم ضب فصادوه فأخذه عمرو بن حريث فنصب كفه فقالوا بايعوا هذا أمير المؤمنين فبايعه السبعة و عمرو ثامنهم و ارتحلوا ليلة الأربعاء فقدموا المدائن يوم الجمعة و أمير المؤمنين يخطب و لم يفارق بعضهم بعضا كانوا جميعا حتى نزلوا على باب المسجد فلما دخلوا نظر إليهم أمير المؤمنين ع فقال يا أيها الناس إن رسول الله ص أسر إلي ألف حديث في كل حديث ألف باب لكل باب ألف مفتاح و إني سمعت الله يقول يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ و إني أقسم لكم بالله ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر بإمامهم و هو ضب و لو شئت أن أسميهم فعلت قال فلو رأيت عمرو بن حريث سقط كما تسقط السعفة وجيبا

 بيان الوجيب الاضطراب

626-  أقول روى الشيخ أحمد بن فهد في المهذب، و غيره في غيره بأسانيدهم عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله ع قال يوم النيروز هو اليوم الذي ظفر فيه أمير المؤمنين ع بأهل النهروان و قتل ذا الثدية