باب 24- باب سائر ما جرى بينه و بين الخوارج سوى وقعة النهروان

627-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية و كان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين و أعتقهم فلما طالبه بالمال خاس به و هرب إلى الشام قبح الله مصقلة فعل فعل السادة و فر فرار العبيد فما أنطق مادحة حتى أسكته و لا صدق واصفه حتى بكته و لو أقام لأخذنا ميسوره و انتظرنا بماله و فوره

628-  توضيح قال ابن أبي الحديد في شرح النهج، ]نهج البلاغة[ روى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات و وجدته في أصل الكتاب أيضا عن الحارث بن كعب الأزدي عن عمه عبد الله بن قعين قال كان الخريت بن راشد أحد بني ناجية قد شهد مع علي ع صفين فجاء إليه ع بعد انقضاء صفين و بعد تحكيم الحكمين في ثلاثين من أصحابه يمشي بينهم حتى قام بين يديه فقال لا و الله لا أطيع أمرك و لا أصلي خلفك و إني غدا لمفارق لك فقال له علي ع ثكلتك أمك إذا تنقض عهدك و تعصي ربك و لا تضر إلا نفسك أخبرني لم تفعل ذلك قال لأنك حكمت في الكتاب و ضعفت عن الحق إذ جد الجد و ركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم فأنا عليك راد و عليهم ناقم و لكم جميعا مباين فقال له علي ع ويحك هلم إلي أدارسك و أناظرك في السنن و أفاتحك أمورا من الحق أنا أعلم بها منك فلعلك تعرف ما أنت الآن له منكر و تبصر ما أنت الآن عنه غافل و به جاهل فقال الخريت فأنا غاد عليك غدا فقال ع اغد إلي و لا يستهوينك الشيطان و لا يقتحمن بك رأي السوء و لا يستخفنك للجهلات الذين لا يعملون فو الله إن استرشدتني و استنصحتني و قبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد فخرج الخريت من عنده منصرفا إلى أهله قال عبد الله بن قعين فعجلت في أثره مسرعا لأنصحه و أستعلم خبره فرأيته رجع إلى أصحابه و قال لهم يا هؤلاء إني قد رأيت أن أفارق هذا الرجل فنصحت ابن عمه و رجعت إلى بيتي فلما أصبحت و ارتفع النهار أتيت أمير المؤمنين ع و أخبرته خبره فقال ع دعه فإن قبل الحق و رجع عرفنا له ذلك و قبلناه منه فقلت له يا أمير المؤمنين فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه فقال إنا لو فعلنا هذا بكل من نتهم من الناس ملأنا السجون منهم و لا أراني يسعني الوثوب بالناس و الحبس لهم و عقوبتهم حتى يظهروا لي الخلاف فقال لي سرا اذهب إلى منزل الرجل فاعلم ما فعل فأتيت منزله فإذا ليس في منزله و لا منزل أصحابه داع و لا مجيب فأقبلت إلى أمير المؤمنين ع بقصتهم فلما أخبرته ع قال أبعدهم الله كما بعدت ثمود أما و الله لو قد أشرعت لهم الأسنة و صبت على هامهم السيوف لقد ندموا إن الشيطان قد استهواهم و أضلهم و هو غدا متبرئ منهم و مخل عنهم فقام إليه زياد بن خصفة فقال يا أمير المؤمنين إنه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلا فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم علينا و لكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك فائذن لي في اتباعهم حتى نردهم عليك إن شاء الله فقال له ع فاخرج في آثارهم رشيدا ثم قال اخرج رحمك الله حتى تنزل دير أبي موسى ثم لا تبرحه حتى يأتيك أمري و سأكتب إلى من حولي من عمالي فيهم فكتب نسخة واحدة و أخرجها إلى العمال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من العمال أما بعد فإن رجالا لنا عندهم تبعة خرجوا هرابا نظنهم خرجوا نحو بلاد البصرة فسل عنهم أهل بلادك و اجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك ثم اكتب إلي بما ينتهي إليك عنهم فخرج زياد بن خصفة حتى أتى داره و جمع أصحابه و أخذ معه منهم مائة و ثلاثين رجلا و خرج حتى أتى دير أبي موسى

 و روى بإسناده عن عبد الله بن وال التيمي قال إني لعند أمير المؤمنين ع إذا يبج قد جاءه يسعى بكتاب من قرظة بن كعب الأنصاري و كان أحد عماله يخبره بأن خيلا مرت من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر و أن رجلا من دهاقين أسفل الفرات قد أسلم و صلى يقال له زاذان فروخ فلقوه فقالوا له أ مسلم أنت قال نعم قالوا فما تقول في علي قال أقول إنه أمير المؤمنين ع و سيد البشر و وصي رسول الله ص فقالوا كفرت يا عدو الله ثم حملت عليه عصابة منهم فقطعوه بأسيافهم و أخذوا معه رجلا من أهل الذمة يهوديا فقالوا خلوا سبيل هذا لا سبيل لكم عليه فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد فقد فهمت ما ذكرت من أمر العصابة التي مرت بعملك فقتلت البر المسلم و أمن عندهم المخالف المشرك و إن أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا كالذين حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ف أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يوم يحشر أعمالهم فالزم عملك و أقبل على خراجك فإنك كما ذكرت في طاعتك و نصيحتك و السلام و كتب ع إلى زياد بن خصفة أما بعد فقد كنت أمرتك أن تنزل دير أبي موسى حتى يأتيك أمري و ذلك أني لم أكن علمت أين توجه القوم و قد بلغني أنهم أخذوا نحو قرية من قرى السواد فاتبع آثارهم و سل عنهم فإنهم قد قتلوا رجلا من أهل السواد مسلما مصليا فإذا أنت لحقت بهم فارددهم إلي فإن أبوا فناجزهم و استعن بالله عليهم فإنهم قد فارقوا الحق و سفكوا الدم الحرام و أخافوا السبيل و السلام قال عبد الله بن وال فأخذت الكتاب منه ع و أنا يومئذ شاب حدث فاستأذنته أن أذهب معه إلى العدو فأذن و دعا لي فأتيت بالكتاب إليه ثم خرجنا حتى أتينا الموضع الذي كانوا فيه فسألنا عنهم فقيل أخذوا نحو المدائن و لحقنا بالمدائن فقال زياد لرئيسهم ما الذي نقمت على أمير المؤمنين و علينا حتى فارقتنا قال لم أرض بصاحبكم إماما و لم أرض بسيرتكم سيرة فرأيت أن أعتزل و أكون مع من يدعو إلى الشورى من الناس فإذا اجتمع الناس على رجل هو لجميع الأمة رضا كنت مع الناس فقال زياد ويحك و هل يجتمع الناس على رجل يداني عليا عالما بالله و بكتابه و سنة رسوله ص مع قرابته و سابقته في الإسلام فقال له الخريت هو ما أقول لك فقال زياد ففيم قتلتم الرجل المسلم فقال الخريت ما أنا قتلته إنما قتلته طائفة من أصحابي قال فادفعهم إلينا قال ما إلى ذلك من سبيل قال أ و هكذا أنت فاعل قال هو ما تسمع قال فدعونا أصحابنا و دعا الخريت أصحابه ثم اقتتلنا فو الله ما رأيت قتالا مثله منذ خلقني الله لقد تطاعنا بالرماح حتى لم يبق في أيدينا رمح ثم اضطربنا بالسيوف حتى انحنت و عقرت عامة خيلنا و خيلهم و كثرت الجراح فيما بيننا و بينهم و قتل منا رجلان مولى لزياد كانت معه رأيته يدعى سويدا و رجل آخر يدعى واقدا و صرع منهم خمسة نفر و حال الليل بيننا و بينهم فقد و الله كرهونا و كرهناهم و هزمونا و هزمناهم و جرح زياد و جرحت ثم إنا بتنا في جانب و تنحوا فمكثوا ساعة من أول الليل ثم مضوا فذهبوا و أصبحنا فوجدناهم قد ذهبوا فو الله ما كرهنا ذلك فمضينا حتى أتينا البصرة و بلغنا أنهم أتوا الأهواز فنزلوا في جانب منها و تلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مائتين فأقاموا معهم

 و كتب زياد إلى علي ع أما بعد فإنا لقينا عدو الله الناجي و أصحابه بالمدائن فدعوناهم إلى الهدى و الحق و الكلمة السواء فتولوا عن الحق و أخذتهم الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فقصدونا و صمدنا صمدهم فاقتتلنا قتالا شديدا ما بين قائم الظهر إلى أن ادكرت الشمس و استشهد منا رجلان صالحان و أصيب منهم خمسة نفر و خلوا لنا المعركة و قد فشت فينا و فيهم الجراح ثم إن القوم لما أدركوا الليل خرجوا من تحته متنكرين إلى أرض الأهواز و قد بلغني أنهم نزلوا منها جانبا و نحن بالبصرة نداوي جراحنا و ننتظر أمرك رحمك الله و السلام فلما أتاه الكتاب قرأه على الناس فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال أصلحك الله يا أمير المؤمنين إنما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء الذين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين فإذا لحقوهم استأصلوا شافتهم و قطعوا دابرهم فقال ع له تجهز يا معقل إليهم و ندب معه ألفين من أهل الكوفة فيهم يزيد بن المعقل و كتب إلى عبد الله بن العباس بالبصرة أما بعد فابعث رجلا من قبلك صليبا شجاعا معروفا بالصلاح في ألفي رجل من أهل البصرة فليتبع معقل بن قيس فإذا خرج من أرض البصرة فهو أمير أصحابه حتى يلقى معقلا فإذا لقيه فمعقل أمير الفريقين فليسمع منه و ليطعه و لا يخالفه و مر زياد بن خصفة فليقبل إلينا فنعم المرء زياد و نعم القبيل قبيلته و كتب ع إلى زياد أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت به الناجي و أصحابه الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فهم حيارى عمهون يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً و وصفت ما بلغ بك و بهم الأمر فأما أنت و أصحابك سعيكم و عليه جزاؤكم و أيسر ثواب الله للمؤمن خير له من الدنيا التي يقتل الجاهلون أنفسهم عليها ف ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ و أما عدوكم الذين لقيتم فحسبهم خروجهم من الهدى و ارتكاسهم في الضلالة و ردهم الحق و جماحهم في التيه فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ و دعهم فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ف أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ فكأنك بهم عن قليل بين أسير و قتيل فأقبل إلينا أنت و أصحابك مأجورين فقد أطعتم و سمعتم و أحسنتم البلاء و السلام قال و نزل الناجي جانبا من الأهواز و اجتمع إليه علوج كثير من أهلها ممن أراد كسر الخراج و من اللصوص و طائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه

 قال إبراهيم و روي عن عبد الله بن قعين قال كنت أنا و أخي كعب في ذلك الجيش مع معقل فلما أراد الخروج أتاه ع يودعه فقال له يا معقل بن قيس اتق الله ما استطعت فإنها وصية الله للمؤمنين لا تبغ على أهل القبلة و لا تظلم أهل الذمة و لا تتكبر فإن الله لا يحب المتكبرين فقال معقل الله المستعان فقال علي ع هو خير مستعان ثم قام معقل فخرج و خرجنا معه حتى نزل الأهواز فأقمنا أياما حتى بعث ابن عباس خالد بن معدان مع جيش البصرة فدخل على صاحبنا و سلم عليه بالإمرة و اجتمعا جميعا في عسكر واحد ثم خرجنا إلى الناجي و أصحابه فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز يريدون قلعة بها حصينة فلحقناهم و قد دنوا من الجبل فصففنا لهم ثم أقبلنا نحوهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن معقل و على ميسرته منجاب بن راشد و وقف الناجي بمن معه من العرب فكانوا ميمنة و جعل أهل البلد و العلوج و من أراد كسر الخراج و جماعة من الأكراد ميسرة و سار فينا معقل يحرضنا و يقول يا عباد الله لا تبدءوا القوم و غضوا الأبصار و أقلوا الكلام و وطنوا أنفسكم على الطعن و الضرب و أبشروا في قتالهم بالأجر العظيم إنما تقاتلون مارقة مرقت و علوجا منعوا الخراج و لصوصا و أكرادا فما تنتظرون فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد قال فمر في الصف يكلمهم يقول هذه المقالة حتى إذا مر بالناس كلهم أقبل فوقف وسط الصف في القلب و نظرنا إليه ما يصنع فحرك رأيته تحريكتين ثم حمل في الثالثة و حملنا معه جميعا فو الله ما صبروا لنا ساعة حتى ولوا و انهزموا و قتلنا سبعين عربيا من بني ناجية و من بعض من اتبعه من العرب و نحو ثلاثمائة من العلوج و الأكراد و خرج الخريت منهزما حتى لحق بسيف من أسياف البحر و بها جماعة من قومه كثير فما زال يسير فيهم و يدعوهم إلى خلاف علي ع و يزين لهم فراقه و يخبرهم أن الهدى في حربه و مخالفته حتى اتبعه منهم ناس كثير و أقام معقل بن قيس بأرض الأهواز و كتب إلى أمير المؤمنين ع بالفتح و كنت أنا الذي قدم بالكتاب عليه و كان في الكتاب لعبد الله علي أمير المؤمنين من معقل بن قيس سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنا لقينا المارقين و قد استظهروا علينا بالمشركين فقتلنا منهم ناسا كثيرا و لم نعد فيهم سيرتك لم نقتل منهم مدبرا و لا أسيرا و لم ندفف منهم على جريح و قد نصرك الله و المسلمين و الحمد لله رب العالمين قال فلما قدمت بالكتاب على علي ع قرأه على أصحابه و استشارهم في الرأي فاجتمع رأي عامتهم على قول واحد قالوا نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس يتبع آثارهم و لا يزال في طلبهم حتى يقتلهم أو

 ينفيهم من أرض الإسلام فإنا لا نأمن أن يفسدوا عليك الناس قال فردني إليه و كتب معي أما بعد فالحمد لله على تأييده أولياءه و خذله أعداءه جزاك الله و المسلمين خيرا فقد أحسنتم البلاء و قضيتم ما عليكم فاسأل عن أخي بني ناجية فإن بلغك أنه استقر في بلد من البلدان فسر إليه حتى تقتله أو تنفيه فإنه لم يزل للمسلمين عدوا و للفاسقين وليا و السلام قال فسأل معقل عن مسيره و المكان الذي انتهى إليه فنبئ بمكانه بسيف البحر بفارس و أنه أفسد من قبله من عبد القيس و من والاهم من سائر العرب و كان و قومه قد منعوا الصدقة عام صفين و منعوها في ذلك العام أيضا فسار إليهم معقل في ذلك الجيش من أهل الكوفة و البصرة فأخذوا على أرض فارس حتى انتهوا إلى أسياف البحر فلما سمع الخريت بمسيره أقبل على من كان معه من أصحابه ممن يرى رأي الخوارج فأسر إليهم أني أرى رأيكم و إن عليا ما كان ينبغي له أن يحكم الرجال في دين الله و قال للآخرين من أصحابه مسرا إليهم إن عليا قد حكم حكما و رضي به فخالف حكمه الذي ارتضاه لنفسه و هذا الرأي الذي خرج عليه من الكوفة و قال لمن يرى منع الصدقة شدوا أيديكم على صدقاتكم ثم صلوا بها أرحامكم و عودوا إن شئتم على فقرائكم فأرضى كل طائفة بضرب من القول و كان فيهم نصارى كثير أسلموا فلما رأوا ذلك الاختلاف قالوا و الله لديننا الذي خرجنا منه خير و أهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء و إخافة السبل فرجعوا إلى دينهم فلقي الخريت أولئك فقال ويحكم إنه لا ينجيكم من القتل إلا الصبر لهؤلاء القوم و لقتالهم أ تدرون ما حكم علي فيمن أسلم من النصارى ثم رجع إلى النصرانية لا و الله لا يسمع له قولا و لا يرى له عذرا و لا دعوة و لا يقبل منه توبة و لا يدعوه إليها و إن حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه فما زال حتى خدعهم فاجتمع إليه ناس كثير و كان منكرا داهيا فلما رجع معقل قرأ على أصحابه كتابا من علي ع فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المسلمين و المؤمنين و المارقين و النصارى و المرتدين سلام على من اتبع الهدى و آمن بالله و رسوله و كتابه و البعث بعد الموت وافيا بعهد الله و لم يكن من الخائنين أما بعد فإني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه و أن أعمل فيكم بالحق و بما أمر الله تعالى به في كتابه فمن رجع منكم إلى رحله و كف يده و اعتزل هذا المارق الهالك المحارب الذي حارب الله و رسوله و المسلمين و سعى في الأرض فسادا فله الأمان على ماله و دمه و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا استعنا بالله عليه و جعلناه بيننا و بينه و كفى بالله وليا و السلام قال فأخرج معقل راية أمان فنصبها و قال من أتاها من الناس فهو آمن إلا الخريت و أصحابه الذين نابذوا أول مرة فتفرق عن الخريت كل من كان معه من غير قومه و عبأ معقل أصحابه ثم زحف بهم نحوه و قد حضر مع الخريت جميع قومه مسلمهم و نصرانيهم و مانعو الصدقة منهم فجعل مسلميهم ميمنة و النصارى و مانعي الصدقة ميسرة و سار معقل يحرض أصحابه فيما بين الميمنة و الميسرة و يقول أيها الناس ما تدرون ما سيق إليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم إن الله ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة و ارتدوا عن الإسلام و نكثوا البيعة ظلما و عدوانا إني شهيد لمن قتل منكم بالجنة و من عاش بأن الله يقر عينه بالفتح و الغنيمة ففعل ذلك حتى مر بالناس أجمعين ثم وقف بالقلب برايته فحملت

 الميمنة عليهم ثم الميسرة و ثبتوا لهم و قاتلوا قتالا شديدا ثم حمل هو و أصحابه عليهم فصبروا لهم ساعة ثم إن النعمان بن صهبان بصر الخريت فحمل عليه فضربه فصرعه عن فرسه ثم نزل إليه و قد جرحه فاختلفا بينهما ضربتين فقتله النعمان و قتل معه في المعركة سبعون و مائة و ذهب الباقون في الأرض يمينا و شمالا و بعث معقل الخيل إلى رحالهم فسبا من أدرك فيها رجالا و نساء و صبيانا ثم نظر فيهم فمن كان مسلما خلاه و أخذ بيعته و خلى سبيل عياله و من كان ارتد عن الإسلام عرض عليه الرجوع إلى الإسلام أو القتل فأسلموا فخلى سبيلهم و سبيل عيالاتهم إلا شيخا منهم نصرانيا أبى فقتله و جمع الناس فقال أدوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة فأخذ من المسلمين عقالين و عمد إلى النصارى و عيالاتهم فاحتملهم معه و أقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيعونهم فأمر معقل بردهم فلما ذهبوا لينصرفوا تصايحوا و دعا الرجال و النساء بعضهم إلى بعض قال فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم و لا بعدهم و كتب معقل إلى علي ع أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين عن جنده و عن عدوهم أنا دفعنا إلى عدونا بأسياف البحر فوجدنا بها قبائل ذات حد و عدد و قد جمعوا لنا فدعوناهم إلى الجماعة و الطاعة و إلى حكم الكتاب و السنة و قرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين و رفعنا لهم راية أمان فمالت طائفة منهم إلينا و ثبتت طائفة أخرى فقبلنا أمر التي أقبلت و صمدنا إلى التي أدبرت فضرب الله وجوههم و نصرنا عليهم فأما من كان مسلما فإنا مننا عليه و أخذنا بيعته لأمير المؤمنين و أخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم و أما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام و إلا قتلناهم فرجعوا إلى الإسلام غير رجل واحد فقتلناه و أما النصارى فإنا سبيناهم و أقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة كيلا يمنعوا الجزية و لا يجترءوا على قتال أهل القبلة و هم للصغار و الذلة أهل رحمك الله يا أمير المؤمنين و أوجب لك جنات النعيم و السلام قال ثم أقبل بالأسارى حتى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامل لعلي ع على اردشيرخره و هم خمس مائة إنسان فبكى إليه النساء و الصبيان و تصايح الرجال يا أبا الفضل يا حامل الثقل يا مأوى الضعيف و فكاك العناة امنن علينا فاشترنا و أعتقنا فقال مصقلة أقسم بالله لأتصدقن عليهم إن الله يجزي المتصدقين فبلغ قوله معقلا فقال و الله لو أعلمه قالها توجعا لهم و وجدا عليهم إزراء علي لضربت عنقه و إن كان في ذلك فناء بني تميم و بكر بن وائل ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث إلى معقل فقال بعني نصارى بني ناجية فقال أبيعكم بألف ألف درهم فأبى عليه فلم يزل يراوضه حتى باعه إياهم بخمسمائة ألف درهم و دفعهم إليه و قال عجل بالمال إلى أمير المؤمنين ع فقال مصقلة أنا باعث الآن بصدر منه ثم كذلك حتى لا يبقى منه شي‏ء و أقبل معقل إلى أمير المؤمنين ع فأخبره بما كان من الأمر فقال أحسنت و أصبت و وفقت و انتظر علي ع مصقلة أن يبعث بالمال فأبطأ به و بلغ عليا ع أن مصقلة خلى الأسارى و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي‏ء فقال ما أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة و لا أراكم إلا و سترونه عن قريب مبلدحا ثم كتب إليه أما بعد فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة و أعظم الغش على أهل المصر غش الإمام و عندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم فابعث بها إلي حين يأتيك رسولي و إلا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي أن لا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال و السلام فلما قرأ كتابه أتاه ع بالكوفة فأقره أياما لم يذكر له شيئا ثم سأله

 المال فأدى إليه مائتي ألف درهم و عجز عن الباقي ففر و لحق بمعاوية فلما بلغ ذلك عليا ع قال ما له ترحه الله فعل فعل السيد و فر فرار العبد و خان خيانة الفاجر فلو عجز ما زدنا على حبسه فإن وجدنا له شيئا أخذناه و إن لم نجد له مالا تركناه ثم سار علي ع إلى داره فهدمها و كان أخوه نعيم بن هبيرة شيعة لعلي ع مناصحا فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب يقال له حلوان أما بعد فإني كلمت معاوية فيك فوعدك الكرامة و مناك الإمارة فأقبل ساعة تلقى رسولي و السلام فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرح به إلى علي ع فأخذ كتابه فقرأه ثم قدمه فقطع يده فمات و كتب نعيم إلى مصقلة شعرا يتضمن امتناعه و تعييره

 و حدثني ابن أبي سيف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال قيل لعلي ع حين هرب مصقلة اردد الذين سبوا و لم يستوف أثمانهم في الرق فقال ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا إذا أعتقهم الذي اشتراهم و صار مالي دينا على الذي اشتراهم

 قال إبراهيم و روى عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أنه لما بلغ عليا ع مصاب بني ناجية و قتل صاحبهم قال هوت أمه ما كان أنقص عقله و أجرأه إنه جاءني مرة فقال إن في أصحابك رجالا قد خشيت أن يفارقوك فما ترى فيهم فقلت إني لا آخذ على التهمة و لا أعاقب على الظن و لا أقاتل إلا من خالفني و ناصبني و أظهر العداوة لي ثم لست مقاتله حتى أدعوه و أعذر إليه فإن تاب و رجع قبلنا منه و إن أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه و ناجزناه فكف عني ما شاء الله حتى جاءني مرة أخرى فقال لي إني خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب و زيد بن حصين الطائي إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما أو توثقهما فلا يزالان بمحبسك أبدا فقلت له إني مستشيرك فيهما فما ذا تأمرني به قال إني آمرك أن تدعوهما فتضرب رقابهما فعلمت أنه لا ورع له و لا عقل فقلت له و الله ما أظن لك ورعا و لا عقلا لقد كان ينبغي لك أن تعلم أني لا أقتل من لم يقاتلني و لم يظاهر لي عداوته بالذي كنت أعلمتكه من رأيي حيث جئتني في المرة الأولى و لقد كان ينبغي لك لو أردت قتلهم أن تقول لي اتق الله بم تستحل قتلهم و لم يقتلوا أحدا و لم ينابذوك و لم يخرجوا من طاعتك

 توضيح قوله ع أدركت الشمس لعله كناية عن الغروب أي أدركت مغربها كأنها تطلبه و في بعض النسخ دلكت و هو أصوب. قال في القاموس دلكت الشمس دلوكا غربت و اصفرت أو مالت أو زالت عن كبد السماء و السيف بالكسر ساحل البحر و الجمع أسياف. و النكر و النكراء و النكارة الدهاء و الفطنة يقال رجل نكر كفرح و ندب و جنب و منكر كمكرم أي ذو نكرة و الدهى جودة الرأي كالدهاء يقال رجل داهية و داه قوله عقالين أي صدقة عامين قال الفيروزآبادي العقال ككتاب زكاة عام من الإبل و قال بلدح ضرب بنفسه الأرض و وعد و لم ينجز العدة و قال ابن الأثير في الكامل لما قتل أهل النهروان خرج أشرس بن عوف الشيباني على علي ع بالدسكرة في مائتين ثم سار إلى الأنبار فوجه إليه علي الأشرس بن حسان في ثلاثمائة فواقعه فقتل الأشرس في ربيع الآخر سنة ثمان و ثلاثين ثم خرج هلال بن علقمة من بني تيم الرباب و معه أخوه مجالد فأتى ماسندان فوجه إليه علي ع معقل بن قيس الرياحي فقتله و قتل أصحابه و هم أكثر من مائتين ثم خرج أشهب بن بشر و هو من بجيلة في مائة و ثمانين رجلا فأتى المعركة التي أصيب فيها هلال و أصحابه و صلى عليهم و دفن من قدر عليه منهم فوجه إليه علي ع جارية بن قدامة السعدي و قيل حجر بن عدي فأقبل إليهم الأشهب فاقتتلوا بجرجرايا فقتل الأشهب و أصحابه ثم خرج سعيد بن قفل التيمي في رجب بالبندنيجين و معه مائتا رجل فأتى درزنجان و هي من المدائن على فرسخين فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم ثم خرج أبو مريم السعدي فأتى شهرزور و أكثر من معه من الموالي و قيل لم يكن معه من العرب غير ستة هو أحدهم و اجتمع معه مائتا رجل و قيل أربعمائة و عاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة فأرسل إليهم علي ع يدعوه إلى بيعته و دخول الكوفة فلم يفعل و قال ليس بيننا غير الحرب فبعث ع إليه شريح بن هانئ في سبعمائة فحمل الخوار على شريح و أصحابه فانكشفوا و بقي شريح في مائتين فانحاز إلى قرية فتراجع إليه بعض أصحابه و دخل الباقون الكوفة فخرج عليه ع بنفسه و قدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي فدعاهم جارية إلى طاعة علي و حذرهم القتل فلم يجيبوا و لحقهم علي ع أيضا فدعاهم فأبوا عليه و على أصحابه فقتلهم أصحاب علي ع و لم يسلم منهم غير خمسين رجلا استأمنوا فآمنهم و كان في الخوارج أربعون رجلا جرحى فأمر علي ع بإدخالهم الكوفة و مداواتهم حتى برءوا