باب 28- ما جرى بين أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و بين عثمان و ولاته و أعوانه و بعض أحواله

 ما بإسناده، عن عبد اللّه بن أسعد بن زرارة، عن عبد اللّه بن أبي عمرة الأنصاري، قال لما قدم أبو ذرّ على عثمان قال أخبرني أيّ البلاد أحبّ إليك. قال مهاجري. قال لست بمجاوري. قال فالحق بحرم اللّه فأكون فيه. قال لا. قال فالكوفة أرض بها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قال لا. قال فلست بمختار غيرهنّ، فأمره بالمسير إلى الربذة. فقال إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لي اسمع و أطع و أنفذ حيث قادوك و لو لعبد حبشيّ مجدّع، فخرج إلى الربذة، فأقام هنا مدّة ثم دخل المدينة فدخل على عثمان و الناس عنده سماطين، فقال يا أمير المؤمنين إن أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع و لا ضرع إلّا شويهات، و ليس لي خادم إلّا محرّرة، و لا ظلّ يظلّني إلّا ظلّ شجرة فأعطني خادما و غنيمات أعيش فيها، فحوّل وجهه عنه، فتحوّل عنه إلى السماط الآخر، فقال مثل ذلك، فقال له حبيب بن سلمة لك عندي يا أبا ذرّ ألف درهم و خادم و خمسمائة شاة. قال أبو ذرّ أعط خادمك و ألفك و شويهاتك من هو أحوج إلى ذلك منّي، فإنّي إنّما أسأل حقّي في كتاب اللّه، فجاء عليّ عليه السلام، فقال له عثمان أ لا تغني عنها سفيهك هذا. قال أيّ سفيه. قال أبو ذرّ. قال عليّ عليه السلام ليس بسفيه، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذرّ، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون )إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ(. قال عثمان التراب في فيك. قال عليّ عليه السلام بل التراب في فيك، أنشد باللّه من سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ذلك لأبي ذرّ، فقام أبو هريرة و عشرة فشهدوا بذلك، فولّى عليّ عليه السلام. قال ابن عباس كنت عند أبي على العشاء بعد المغرب إذ جاء الخادم فقال هذا أمير المؤمنين بالباب، فدخل عثمان فجلس، فقال له العباس تعشّ. قال تعشّيت، فوضع يده، فلمّا فرغنا من العشاء قام من كان عنده و جلست و تكلّم عثمان، فقال يا خال أشكو إليك ابن أخيك يعني عليّا عليه السلام فإنّه أكثر في شتمي و نطق في عرضي، و أنا أعوذ باللّه في ظلمكم بني عبد المطلب، إن يكن هذا الأمر لكم فقد سلّمتموه إلى من هو أبعد منّي، و إن لا يكن لكم فحقّي أخذت، فتكلّم العباس فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ذكر ما خصّ اللّه به قريشا منه، و ما خصّ به بني عبد المطلب خاصّة، ثم قال أمّا بعد فما حمدتك لابن أخي و لا حمدت ابن أخي فيك، و ما هو وحده، و لقد نطق غيره، فلو أنّك هبطت ممّا صعدت و صعدوا ممّا هبطوا لكان ذلك أقرب. فقال أنت و ذلك يا خال. فقال فلم تكلّم بذلك عنك. قال نعم، أعطهم عنّي ما شئت. و قام عثمان فخرج فلم يلبث أن رجع إليه فسلّم و هو قائم، ثم قال يا خال لا تعجل بشي‏ء حتّى أعود إليك، فرفع العباس يديه و استقبل القبلة، فقال اللّهمّ اسبق لي ما لا خير لي في إدراكه، فما مضت الجمعة حتّى مات.

 ما ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن جعفر بن عبد اللّه العلوي، عن عمّه القاسم بن جعفر العلوي، عن عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه ابن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد، عن أبي بكر ابن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، أنّه نزل على خالد بن أسيد بمكة، فقال له لو أتيت ابن عمّك فوصلك، فأتى عثمان فكتب له إلى عبد اللّه بن عامر أن صله بستمائة ألف، فنزل به من قابل فسأله، فقال له قد بارك اللّه لي في مشورتك فأتيته فأمر لي بستمائة ألف، فقال له ابن عمر ستّين ألفا. قال مائة ألف و مائة ألف و مائة ألف.. ستّ مرّات، فقال له ابن عمر اسكت فما أسود عثمان.

أقول روى ابن أبي الحديد في شرح النهج، عن الزبير بن بكّار، قال روى في الموفقيّات عن عليّ عليه السلام، قال أرسل إليّ عثمان في الهاجرة فتقنّعت بثوبي و أتيته، فدخلت و هو على سريره و في يده قضيب و بين يديه مال دثر صبرتان من ورق و ذهب، فقال دونك خذ من هذا حتّى تملأ بطنك فقد أحرقتني. فقلت وصلتك رحم إن كان هذا المال ورثته أو أعطاكه معط أو اكتسبته من تجارة كنت أحد رجلين إما آخذ و أشكر أو أوفّر و أجهد، و إن كان من مال اللّه و فيه حقّ المسلمين و اليتيم و ابن السبيل، فو اللّه ما لك أن تعطينيه و لا لي أن آخذه. فقال أبيت و اللّه إلّا ما أبيت. ثم قام إليّ بالقضيب فضربني، و اللّه ما أردّ يده حتّى قضى حاجته، فتقنّعت بثوبي و رجعت إلى منزلي و قلت اللّه بيني و بينك إن كنت أمرتك بمعروف و نهيتك عن منكر.

 و عن الزبير بن بكّار في الكتاب المذكور، قال روى عن عمّه، عن عيسى بن داود، عن رجاله، عن ابن عباس، قال لما بنى عثمان داره بالمدينة أكثر الناس عليه في ذلك فبلغه، فخطبنا في يوم الجمعة ثم صلّى بنا، ثم عاد إلى المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله )ص(، ثم قال أمّا بعد، فإنّ النعمة إذا حدثت حدث لها حسّاد حسبها، و أعداء قدرها، و إنّ اللّه لم يحدث لنا نعما ليحدث لها حسّاد عليها، و متنافسون فيها، و لكنّه قد كان من بناء منزلنا هذا ما كان إرادة جمع المال فيه و ضمّ القاصية إليه، فأتانا عن أناس منكم أنّهم يقولون أخذ فيئنا و أنفق شيئا و استأثر بأموالنا، يمشون خمرا، و ينطقون سرّا، كأنّا غيب عنهم، و كأنّهم يهابون مواجهتنا، معرفة منهم بدحوض حجّتهم، فإذا غابوا عنّا يروح بعضهم إلى بعضهم يذكرنا، و قد وجدوا على ذلك أعوانا من نظرائهم، و مؤازرين من شبهائهم، فبعدا بعدا و رغما رغما. قال ثم أنشد بيتين يومئ فيهما إلى عليّ عليه السلام

توقّد بنار أينما كنت و اشتعل فلست ترى ممّا تعالج شافياتشطّ فيقضي الأمر دونك أهله وشيكا و لا تدعى إذا كنت نائيا

و ذكر تمام خطبته، ثم قال ثمّ همّ بالنزول فبصر بعليّ بن أبي طالب عليه السلام و معه عمّار بن ياسر رحمه اللّه و ناس من أهل هواه يتناجون، فقال إيها.. إيها إسرارا لا جهارا أما و الّذي نفسي بيده ما أحنق على جرّة، و لا أوتي من ضعف مرّة، و لو لا النظر منّي و لي و لكم، و الرّفق بي و بكم لعاجلتكم، فقد اغتررتم و أقلتم من أنفسكم. ثم رفع يديه يدعو و هو يقول اللّهمّ قد تعلم حبّي للعافية و إيثاري للسّلامة فأتنيها، قال فتفرّق القوم عن عليّ عليه السلام، و قام عديّ بن الخياد... و كلّمه بكلام ذكره، ثم قال و نزل عثمان فأتى منزله و أتاه النّاس و فيهم ابن عباس، فلمّا أخذوا مجالسهم أقبل على ابن عباس، فقال ما لي و لكم يا ابن عباس ما أغراكم بي، و أولعكم بتعقيب أمري لتنقمون عليّ أمر العامّة.. و عاتبه بكلام طويل، فأجابه ابن عباس، و قال في جملة كلامه.. أخسأ الشيطان عنك لا يركبك، و أغلب غضبك و لا يغلبك، فما دعاك إلى هذا الأمر الذي كان منك. قال دعاني إليه ابن عمّك عليّ بن أبي طالب. قال ابن عباس و عسى أن يكذب مبلّغك. قال عثمان إنّه ثقة. قال ابن عباس إنّه ليس بثقة من أولع و أغرى. قال عثمان يا ابن عباس اللّه إنّك ما تعلم من عليّ ما شكوت منه. قال اللّهمّ لا، إلّا أن يقول كما يقول الناس، و ينقم كما ينقمون، فمن أغراك به و أولعك بذكره دونهم. قال عثمان إنّما أفتى من أعظم الداء الذي ينصب نفسه لرأس الأمر و هو عليّ ابن عمّك، و هذا و اللّه كلّه من نكده و شؤمه. قال ابن عباس مهلا استثن يا أمير المؤمنين قل إن شاء اللّه. فقال إن شاء اللّه. ثم قال إنّي أنشدك يا ابن عباس الإسلام و الرّحم، فقد و اللّه غلبت و ابتليت بكم، و اللّه لوددت أنّ هذا الأمر كان صائرا إليكم دوني فحملتموه عنّي و كنت أحد أعوانكم عليه، إذا و اللّه لوجدتموني لكم خيرا ممّا وجدتكم لي، و لقد علمت أنّ الأمر لكم و لكن قومكم دفعوكم عنه و اختزلوه دونكم، فو اللّه ما أدري أ رفعوكم أم رفعوه عنكم. قال ابن عباس مهلا يا أمير المؤمنين فإنّا ننشدك اللّه و الإسلام و الرّحم مثل ما نشدتنا، أن تطمع فينا و فيك عدوّا، و تشمت بنا و بك حسودا، إن أمرك إليك ما كان قولا، فإذا صار فعلا فليس إليك و لا في يدك، و إنّا و اللّه لتخالفن إن خولفنا، و لتنازعن إن نوزعنا، و ما يمتنك أن يكون الأمر صار إلينا دونك إلّا أن يقول قائل منّا ما يقوله الناس و يعيب كما عابوا و أمّا صرف قومنا عنّا الأمر فعن حسد قد و اللّه و ما عرفته، و بغي و اللّه علمته، فاللّه بيننا و بين قومنا، و أمّا قولك إنّك لا تدري أ رفعوه عنّا أم رفعونا عنه، فلعمري إنّك لتعرف أنّه لو صار إلينا هذا الأمر ما ازددنا به

 فضلا إلى فضلنا، و لا قدرا إلى قدرنا، و إنّا لأهل الفضل و أهل القدر، و ما فضل فاضل إلّا بفضلنا، و لا سبق سابق إلّا بسبقنا، و لو لا هدانا ما اهتدى أحد، و لا أبصروا من عمى، و لا قصدوا من جور. فقال عثمان حتى متى يا ابن عباس يأتيني عنكم ما يأتيني هبوني كنت بعيدا، أ ما كان لي من الحقّ عليكم أن أراقب و أن أناظر بلى، و ربّ الكعبة و لكن الفرقة سهّلت لكم القول فيّ، و تقدّمت بكم إلى الإسراع إليّ، و اللّه المستعان. قال ابن عباس فخرجت فلقيت عليّا عليه السلام و إذا به من الغضب و التلظّي أضعاف ما بعثمان، فأردت تسكينه فامتنع، فأتيت منزلي و أغلقت بابي و اعتزلتهما، فبلغ ذلك عثمان، فأرسل إليّ، فأتيته و قد هدأ غضبه، فنظر إليّ ثم ضحك، و قال يا ابن عباس ما أبطأ بك عنّا، إنّ تركك العود إلينا دليل على ما رأيت عن صاحبك و عرفت من حاله، فاللّه بيننا و بينه، خذ بنا في غير ذلك. قال ابن عباس فكان عثمان بعد ذلك إذا أتاه عن عليّ عليه السلام شي‏ء فأردت التكذيب عنه يقول و لا يوم الجمعة حين أبطأت عنّا و تركت العود إلينا، فلا أدري كيف أردّ عليه.

 و عن الزبير بن بكّار في كتاب المذكور، عن عبد اللّه بن عباس، قال ما سمعت من أبي قطّ شيئا في أمر عثمان تلومه فيه أو يعذره و لا سألته عن شي‏ء من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه، فإنّا عنده ليلة و نحن نتعشّى إذ قيل هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب. فقال ائذنوا له. فدخل فأوسع له على فراشه، و أصاب من العشاء معه، فلمّا رفع قام من كان هناك و ثبت أنا، فحمد عثمان اللّه و أثنى عليه، ثم قال أمّا بعد يا خال فإنّي جئتك أستعذرك من ابن أخيك عليّ شتمني و شهر أمري و قطع رحمي و طعن في ديني، و إنّي أعوذ باللّه منكم يا بني عبد المطلب إنّ لكم حقّا تزعمون أنكم غلبتم عليه فقد تركتموه في يديّ من فعل ذلك بكم و أنا أقرب إليكم رحما منه و ما لمت منكم أحدا إلّا عليّا، و لقد دعيت أن أبسط عليه فتركته للّه و الرحم، و أنا أخاف أن لا يتركني فلا أتركه. قال ابن عباس فحمد أبي اللّه و أثنى عليه، ثم قال أمّا بعد، يا ابن أختي فإن كنت لا تحمد عليّا لنفسك فإنّي لا أحمدك لعليّ، و ما عليّ وحده قال فيك، بل غيره، فلو أنّك اتّهمت نفسك للناس اتّهم الناس أنفسهم لك، و لو أنّك نزلت ممّا رقيت و ارتقوا ممّا نزلوا فأخذت منهم و أخذوا منك ما كان بذلك بأس. قال عثمان فذلك إليك يا خال و أنت بيني و بينهم. قال فأذكر لهم ذلك عنك. قال نعم، و انصرف. فما لبثنا أن قيل هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب. قال أبي ائذنوا له، فدخل فقام قائما و لم يجلس و قال لا تعجل يا خال حتّى أوذنك، فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالسا بالباب ينتظره حتى خرج فهو الذي فتأه عن رأيه الأول، فأقبل عليّ أبي، و قال يا بنيّ ما إلى هذا من أمره من شي‏ء. ثم قال يا بنيّ املك عليك لسانك حتّى ترى ما لا بدّ منه، ثم رفع يديه، فقال اللّهمّ اسبق بي ما لا خير لي في إدراكه، فما مرّت جمعة حتّى مات رحمه اللّه.

 و عن الزبير بن بكّار في الكتاب المذكور، عن ابن عباس، قال صلّيت العصر يوما ثم خرجت فإذا أنا بعثمان بن عفّان في أيّام خلافته في بعض أزقّة المدينة وحده، فأتيته إجلالا له و توقيرا لمكانه، فقال لي هل رأيت عليّا. فقلت خلّفته في المسجد، فإن لم يكن الآن فيه فهو في منزله. قال أمّا منزله فليس فيه، فابغه لنا في المسجد، فتوجّهنا إلى المسجد و إذا عليّ عليه السلام يخرج منه، قال ابن عباس و قد كنت أمس ذلك اليوم عند عليّ عليه السلام فذكر عثمان و تجرّمه عليه، و قال أما و اللّه يا ابن عباس إنّ من دوائه لقطع كلامه و ترك لقائه. فقلت له يرحمك اللّه كيف لك بهذا فإن تركته ثم أرسل إليك فما أنت صانع. قال أعتلّ و أعتلّ فمن يقسرني. فقلت لا أحد. قال ابن عباس فلمّا تراءينا له و هو خارج من المسجد ظهر منه من التفلّت و الطلب للانصراف ما استبان لعثمان، فنظر إليّ عثمان و قال يا ابن عباس أ ما ترى ابن خالنا يكره لقاءنا. فقلت و لم حقّك ألزم، و هو بالفضل أعلم، فلمّا تقاربا رماه عثمان بالسّلام فردّ عليه، فقال عثمان إن تدخل فإيّاك أردنا، و إن تمض فإيّاك طلبنا، فقال عليّ عليه السلام أيّ ذلك أحببت. قال تدخل، فدخلا، و أخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصّر عنها و جلس قبالتها، فجلس عثمان إلى جانبه فنكصت عنهما فدعواني جميعا فأتيتهما، فحمد عثمان اللّه و صلّى على رسوله صلّى اللّه عليه ]و آله[ ثم قال أمّا بعد، يا ابني خالي و ابني عمّي فإذا جمعتكما في النداء فأستجمعكما في الشكاية على رضاي عن أحدكما و وجدي على الآخر.. إلى آخر كلامه. و قال ابن عباس فأطرق عليّ عليه السلام و أطرقت معه طويلا، أمّا أنا فأجللته أن أتكلّم قبله، و أمّا هو فأراد أن أجيب عنّي و عنه، ثم قلت له أ تتكلّم أم أتكلّم أنا عنك. فقال بل تكلّم عنّي و عنك، فحمدت اللّه و أثنيت على رسوله صلّى اللّه عليه ]و آله[ ثم قلت.. و ذكر كلامه. قال فنظر إليّ عليّ عليه السلام نظرا هبته، و قال دعه حتّى يبلغ رضاه فيما هو فيه، فو اللّه لو ظهرت له قلوبنا و بدت له سرائرنا حتّى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بأذنه ما زال متجرّما سقما، و اللّه ما أنا ملقى على وضمة و إنّي لمانع من وراء ظهري، و إنّ هذا الكلام منه لمخالفته منه و سوء عشرة.. ثم ذكر كلام عثمان و ما أجابه به عليّ عليه السلام، ثم قال فأخذت بأيديهما حتى تصافحا و تصالحا و تمازحا و نهضت عنهما فتشاورا و تؤامرا و تذاكرا ثم افترقا، فو اللّه ما مرّت ثالثة حتى لقيني كلّ واحد منهما يذكر من صاحبه ما لا يبرك عليه الإبل، فعلمت أن لا سبيل إلى صلحهما بعدها.

 و روى ابن أبي الحديد أيضا، عن شيخه أبي عثمان الجاحظ، قال ذكر في كتاب الذي أورد فيه المعاذير عليه عن أحداث عثمان أنّ عليّا عليه السلام اشتكى فعاده عثمان من شكاية، فقال عليّ عليه السلام

و عائدة تعود لغير ودّ تودّ لو أنّ ذا دنف يموت

فقال عثمان و اللّه ما أدري أ حياتك أحبّ إليّ أم موتك، إن متّ هاضني فقدك، و إن حييت فتنتني حياتك، لا أعدم ما بقيت طاعنا يتّخذك دريّة يلجأ إليها. فقال عليّ عليه السلام ما الذي جعلني دريّة للطاعنين العائبين إنّما سوء ظنّك بي أحلّني من قبلك هذا المحل، فإن كنت تخاف جانبي فلك عليّ عهد اللّه و ميثاقه أن لا بأس عليك منّي أبدا ما بلّ بحر صوفه، و إنّي لك لراع، و إنّي عنك لمحام، و لكن لا ينفعني ذلك عندك، و أمّا قولك إنّ فقدي يهيضك.. فكلّا أن تهاض لفقدي ما بقي لك الوليد و مروان، فقام عثمان فخرج. قال و قد روي أنّ عثمان هو الذي أنشد هذا البيت، و قد كان اشتكى فعاده عليّ عليه السلام، فقال عثمان

و عائدة تعود لغير نصح تودّ لو أنّ ذا دنف يموت

 و روى ابن أبي الحديد أيضا، عن أبي سعد الآبي، قال و روى في كتابه، عن ابن عباس، قال وقع بين عثمان و عليّ عليه السلام كلام، فقال عثمان ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم و قد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب يسرع أنفهم قبل شفاههم.

 قال و روى المذكور أيضا، أنّ عثمان لما نقم الناس عليه ما نقموا، قام متوكّئا على مروان، فخطب الناس، فقال إنّ لكلّ أمّة آفة، و إنّ آفة هذه الأمّة و عاهة هذه النعمة قوم عيّابون طعّانون يظهرون لكم ما تحبّون و يسرّون ما تكرهون، طغام مثل النعام يتّبعون أوّل ناعق، و لقد نقموا عليّ ما نقموا على عمر فقمعهم و وقمهم، و إنّي لأقرب ناصرا و أعزّ نفرا فما لي لا أفعل في فضول الأموال ما أشاء.

  و روى أيضا، عن الموفقيات، عن ابن عباس، أنّه قال عثمان في كلامه لعمّار بعد ذكره عليّا عليه السلام أما إنّك من شناتنا و أتباعهم.

بيان أقول لا يريب عاقل بعد النظر في تلك الأخبار التّي رواها أتباع عثمان و أحبّاؤه في أنّها تدلّ على أنّه كان ينزل أمير المؤمنين عليه السلام منزلة العدوّ، و يرى أتباعه عليه السلام من المبغضين له، كما هو الواقع و الحقّ، و كفى بمعاداة أمير المؤمنين عليه السلام له آية ل... و قال في القاموس الخمر بالتحريك ما واراك من شجر و غيره.. و جاءنا على خمرة بالكسر و خمر محرّكة في سرّ، و غفلة و خفية. و في الصحاح يقال للرّجل إذا اختل صاحبه هو يدبّ له الضرّاء و يمشي له الخمر. قوله تشطّ بكسر الشين و ضمّها.. أي تبعد. و في الصحاح تجرّم عليّ فلان.. أي ادّعى ذنبا لم أفعله. قوله عليه السلام ما أنا ملقى على وضمة.. أي لست بذليل كاللحم المطروح يأخذ منه من شاء. قال الجوهري الوضم كلّ شي‏ء يجعل عليه اللّحم من خشب أو بارية يوقى به من الأرض. و قال هاض العظم يهيضه هيضا.. أي كسره بعد الجبور.. و يقال هاضني الشّي‏ء إذا ردّك في مرضك. و قال الدّريّة البعير أو غيره يستتر به الصّائد فإذا أمكنه الرّمي رمى. قال أبو زيد هو مهموز لأنّها تدرأ نحو الصّيد.. أي تدفع. و قال و الدّريّة أيضا حلقة يتعلّم عليها الطّعن. أقول و ذكر في المعتلّ، عن الأصمعيّ الدّريّة بالمعنيين بالياء المشدّدة من غير همز. و الفيروزآبادي الدريّة بالمعنى الأخير كذلك، و بالجملة يظهر منهما أنّ الوجهين جائزان. و الشنوف بالضم جمع الشّنف بالفتح و هو القرط الأعلى. و قوله يسرع أنفهم.. بيان لطول أنوفهم و هو ممّا يزيد في الحسن.

 ج روى أنّ يوما من الأيّام قال عثمان لعليّ بن أبي طالب عليه السلام إنّك إن تربّصت بي فقد تربّصت بمن هو خير منك و منّي، قال عليّ عليه السلام و من هو خير منّي. قال أبو بكر و عمر. فقال عليّ عليه السلام كذبت أنا خير منك و منهما، عبدت اللّه قبلكم و عبدته بعدكم.

 كا عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال إنّ جماعة من بني أميّة في إمرة عثمان اجتمعوا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في يوم جمعة و هم يريدون أن يزوّجوا رجلا منهم، و أمير المؤمنين عليه السلام قريب منهم، فقال بعضهم لبعض هل لكم أن نخجل عليّا عليه السلام الساعة، نسأله أن يخطب بنا و يتكلّم فإنّه يخجل و يعين بالكلام، فأقبلوا إليه، فقالوا يا أبا الحسن إنّا نريد أن نزوّج فلانا فلانة و نحن نريد أن تخطب، فقال فهل تنتظرون أحدا. فقالوا لا، فاللّه ما لبث حتّى قال الحمد للّه المختصّ بالتوحيد، المقدّم بالوعيد، الفعّال لما يريد، المحتجب بالنور دون خلقه، ذي الأفق الطامح، و العزّ الشامخ، و الملك الباذخ، المعبود بالآلاء، ربّ الأرض و السماء، أحمده على حسن البلاء، و فضل العطاء، و سوابغ النعماء، و على ما يدفع ربّنا من البلاء، حمدا يستهلّ له العباد، و ينمو به البلاد، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له لم يكن شي‏ء قبله و لا يكون شي‏ء بعده، و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله اصطفاه بالتفضيل و هدى به من التضليل، اختصّه لنفسه، و بعثه إلى خلقه برسالاته و بكلامه، يدعوهم إلى عبادته و توحيده و الإقرار بربوبيّته و التصديق بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله، بعثه على حين فترة من الرسل، و صدف عن الحقّ، و جهالة، و كفر بالبعث و الوعيد، فبلغ رسالاته، و جاهد في سبيله، و نصح لأمّته، و عبده حتّى أتاه اليقين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كثيرا، أوصيكم و نفسي بتقوى اللّه العظيم، فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعل للمتّقين المخرج ممّا يكرهون، و الرزق من حيث لا يحتسبون، فتنجّزوا من اللّه موعده، و اطلبوا ما عنده بطاعته، و العمل بمحابّه، فإنّه لا يدرك الخير إلّا به، و لا ينال ما عنده إلّا بطاعته، و لا تكلان فيما هو كائن إلّا عليه، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه أمّا بعد، فإنّ اللّه أبرم الأمور و أمضاها على مقاديرها فهي غير متناهية عن مجاريها دون بلوغ غاياتها فيما قدّر و قضى من ذلك، و قد كان فيما قدّر و قضى من أمره المحتوم و قضاياه المبرمة ما قد تشعّبت به الأخلاق، و جرت به الأسباب من تناهي القضايا بنا و بكم إلى حضور هذا المجلس الذي خصّنا اللّه و إيّاكم للذي كان من تذكّرنا آلاءه و حسن بلائه، و تظاهر نعمائه، فنسأل اللّه لنا و لكم بركة ما جمعنا و إيّاكم عليه، و ساقنا و إيّاكم إليه، ثم إنّ فلان بن فلان ذكر فلانة بنت فلان و هو في الحسب من قد عرفتموه، و في النسب من لا تجهلونه، و قد بذل لها من الصداق ما قد عرفتموه، فردّوا خيرا تحمدوا عليه، و تنسبوا إليه، و صلّى اللّه على محمّد و آله و سلّم.

بيان المختصّ بالتوحيد.. أي بتوحيد الناس له أو بتوحيده لنفسه، فإنّه لم يوحّده حقّ توحيده غيره. المحتجب بالنور.. أي ليس له حجاب إلّا الظهور الكامل أو الكمال التامّ، أو عرشه محتجب بالأنوار الظاهرة. ذي الأفق الطامح الطّموح الارتفاع، و لعلّه كناية عن ارتفاعه عن إدراك الحواس و العقول و الأوهام، أو عن أن يصل إليه أحد بسوء، و كذا الفقرتان الآتيتان، و يحتمل التوزيع. و الشّامخ العالي، و كذا الباذخ. يستهلّ له العباد.. أي يرفعون به أصواتهم أو يستبشرون بذكره. و ينمو به البلاد.. بزيادة النعم على أهاليها. بالتفضيل.. أي بان فضله على جميع الخلق. من التضليل.. أي لئلّا يضلّهم الشيطان أو يجدهم ضالّين، أو لئلّا يكونوا مضلّين. و صدف.. أي ميل و إعراض. حتى أتاه اليقين.. أي الموت المتيقّن. و تنجّز الحاجة طلب قضاءها لمن وعدها. و التوكّل إظهار العجز و الاعتماد على الغير، و الاسم التكلان بالضم. و قال الجوهري انتهى عنه و تناهى.. أي كفّ. و قال شعبت الشّي‏ء فرقته، و شعبته جمعته، و هو من الأضداد.

 كا علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأقام بمنى ثلاثا يصلّي ركعتين، ثم صنع ذلك أبو بكر، ثم صنع ذلك عمر، ثم صنع ذلك عثمان ستّ سنين ثم أكملها عثمان أربعا، فصلّى الظهر أربعا ثم تمارض ليشدّ بذلك بدعته، فقال للمؤذّن اذهب إلى عليّ عليه السلام فليقل له فليصلّ بالناس العصر، فأتى المؤذّن عليّا عليه السلام، فقال له إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تصلّي بالناس العصر، فقال لا، إذن لا أصلّي إلّا ركعتين كما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فذهب المؤذّن فأخبر عثمان بما قال عليّ عليه السلام، فقال اذهب إليه و قل له إنّك لست من هذا في شي‏ء، اذهب فصلّ كما تؤمر. قال عليّ لا و اللّه لا أفعل.. فخرج عثمان فصلّى بهم أربعا، فلمّا كان في خلافة معاوية و اجتمع الناس عليه و قتل أمير المؤمنين عليه السلام حجّ معاوية فصلّى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثم سلّم، فنظرت بنو أميّة بعضهم إلى بعض و ثقيف و من كان من شيعة عثمان ثم قالوا قد قضى على صاحبكم و خالف و أشمت به عدوّه، فقاموا فدخلوا عليه، فقالوا أ تدري ما صنعت ما زدت على أن قضيت على صاحبنا، و أشمت به عدوّه، و رغبت عن صنيعه و سنّته، فقال ويلكم أ ما تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى في هذا المكان ركعتين و أبو بكر و عمر، و صلّى صاحبكم ستّ سنين كذلك، فتأمروني أن أدع سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما صنع أبو بكر و عمر و عثمان قبل أن يحدث، فقالوا لا و اللّه، ما نرضى عنك إلّا بذلك. قال فأقبلوا فإنّي متّبعكم و راجع إلى سنّة صاحبكم، فصلّى العصر أربعا فلم تزل الخلفاء و الأمراء على ذلك إلى اليوم.

 مع المكتب، عن أحمد بن محمد الورّاق، عن محمد بن إسماعيل ابن أبان، عن عبد اللّه بن أبي سعيد، عن فضيل بن عبد الوهاب، عن يونس بن أبي يعفور العبدي، عن أبيه، عن قنبر مولى عليّ عليه السلام، قال دخلت مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام على عثمان بن عفّان فأحبّ الخلوة و أومى إليّ عليّ عليه السلام بالتنحّي، فتنحّيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتب عليّا عليه السلام و عليّ عليه السلام مطرق، فأقبل عليه عثمان، فقال ما لك لا تقول. فقال إن قلت لم أقل إلّا ما تكره، و ليس لك عندي إلّا ما تحبّ.

قال المبرد تأويل ذلك إن قلت اعتديت عليك بمثل ما اعتديت به عليّ، فليدغك عتابي، و عندي أن لا أفعل فإن كنت عاتبا إلّا ما تحبّ.

 نهج من كلام له عليه السلام إنّ بني أميّة ليفوّقونني تراث محمّد صلّى اللّه عليه و آله تفويقا، و اللّه لئن بقيت لهم لأنفضنّهم نفض اللّحّام الوذام التّربة. و يروى التّراب الوذمة و هو على القلب.

قال السيّد رضي اللّه عنه قوله عليه السلام ليفوّقونني.. أي يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق النّاقة و هو الحلبة الواحدة من لبنها. و الوذام جمع وذمة و هي الحزّة من الكرش أو الكبد تقع في التّراب فتنفض.

بيان الحزّة بالضم هي القطعة من اللّحم و غيره، و قيل خاصّة بالكبد و قيل قطعة من اللّحم قطعت طولا. و الكرش ككتف كما في بعض النّسخ، و بالكسر لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان، و هي مؤنّثة. و نفض الثّوب و غيره تحريكه ليسقط منه التّراب و غيره. و قال ابن الأثير في النهاية التّراب جمع ترب تخفيف ترب.. يريد اللّحوم الّتي تعفّرت بسقوطها في التّراب. و الوذمة المنقطعة الأوذام، و هي السّيور الّتي يشدّ بها عرى الدّلو. قال الأصمعيّ سألت شعبة عن هذا الحرف فقال ليس هو هكذا، إنّما هو نفض القصّاب الوذام التّربة، و هي الّتي قد سقطت في التّراب. و قيل الكروش كلّها تسمّى تربة لأنّها تحصل فيها التّراب من المرتع. و الوذمة الّتي أخمل باطنها، و الكروش وذمة لأنّها مخملة، و يقال لخملها الوذم، و معنى الحديث لئن وليتهم لأطهّرنّهم من الدّنس و لأطيّبنّهم من الخبث. و قيل أراد بالقصّاب السّبع، و التّراب أصل ذراع الشّاة، و السّبع إذا أخذ الشّاة قبض على ذلك المكان ثمّ نفضها. انتهى. و الظاهر أنّ المراد من النفض منعهم من غصب الأموال و أخذ ما في أيديهم من الأموال المغصوبة، و دفع بغيهم و ظلمهم و مجازاتهم بسيّئات أعمالهم.

 و قال ابن أبي الحديد اعلم أنّ أصل هذا الخبر قد رواه أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني، بإسناد رفعه إلى حرب بن حبيش، قال بعثني سعيد بن العاص و هو يومئذ أمير الكوفة من قبل عثمان بهدايا إلى أهل المدينة، و بعث معي هدية إلى عليّ عليه السلام، و كتب إليه أنّي لم أبعث إلى أحد أكثر ممّا بعثت به إليك، إلّا أمير المؤمنين، فلمّا أتيت عليّا و قرأ كتابه قال لشدّ ما تخطر عليّ بنو أميّة تراث محمّد صلّى اللّه عليه ]و آله[، أما و اللّه لئن وليتها لأنفضّنها نفض القصّاب التراب الوذمة.

قال أبو الفرج و هذا خطأ، و إنّما هو الوذام التّربة.

 قال و حدّثني بذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن عمر بن شيبة، بإسناده ذكره في الكتاب أنّ سعيد بن العاص حيث كان أمير الكوفة بعث مع ابن أبي عائشة مولاه إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام بصلة، فقال عليّ عليه السلام و اللّه لا يزال غلام من غلمان بني أميّة يبعث إلينا ممّا أفاء اللّه على رسوله بمثل قوت الأرملة، و اللّه لئن بقيت لأنفضنّها كما ينفض القصّاب التراب الوذمة.

 نهج و من كلام له عليه السلام و قد وقعت مشاجرة بينه و بين عثمان، فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان أنا أكفيكه، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام للمغيرة يا ابن اللّعين الأبتر، و الشّجرة الّتي لا أصل لها و لا فرع، أنت تكفيني فو اللّه ما أعزّ اللّه من أنت ناصره، و لا قام من أنت منهضه، أخرج عنّا أبعد اللّه نواك، ثمّ أبلغ جهدك فلا أبقى اللّه عليك إن أبقيت.

إيضاح المغيرة هو ابن أخنس الثقفي. و قال ابن أبي الحديد و غيره إنّما قال عليه السلام يا ابن اللعين.. لأنّ الأخنس كان من أكابر المنافقين، ذكره أصحاب الحديث كلّهم في المؤلّفة الذين أسلموا يوم الفتح بألسنتهم دون قلوبهم، و أعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مائة من الإبل من غنائم حنين يتألّف بها قلبه، و ابنه أبو الحكم بن الأخنس قتله أمير المؤمنين عليه السلام يوم أحد كافرا في الحرب، و إنّما قال عليه السلام يا ابن الأبتر، لأنّ من كان عقبه ضالا خبيثا فهو كمن لا عقب له، بل من لا عقب له خير منه، و كنّى عليه السلام بنفي أصلها و فرعها من دناءته و حقارته، و قيل لأنّ في نسب ثقيف طعنا. و قتل المغيرة مع عثمان في الدار، و قوله عليه السلام ما أعزّ اللّه.. يحتمل الدعاء و الخبر. قوله عليه السلام أبعد اللّه نواك.. النّوى الوجه الّذي تذهب فيه، و الدار.. أي أبعد اللّه مقصدك أو دارك، و يروى أبعد اللّه نوأك بالهمزة.. أي خيرك من أنواء النّجوم الّتي كانت العرب تنسب المطر إليها. ثم أبلغ جهدك.. أي غايتك و طاقتك في الأذى، و في النهاية أبقيت عليه.. إذا رحمته و أشفقت عليه.

 نهج من كلام له عليه السلام قاله لعبد اللّه بن العبّاس رحمهما اللّه و قد جاءه برسالة من عثمان بن عفّان و هو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع ليقلّ هتف النّاس باسمه للخلافة بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل، فقال عليه السلام يا ابن عبّاس ما يريد عثمان أن يجعلني إلّا جملا ناضحا بالغرب أقبل و أدبر، بعث إليّ أن أخرج.. بعث إليّ أن أقدم، ثمّ هو الآن يبعث إليّ أن أخرج، و اللّه لقد دفعت عنه حتّى خشيت أن أكون آثما.

 بيان لم يكن هذا الفصل في أكثر نسخ النهج. و النّاضح البعير يستقى عليه. و الغرب الدّلو العظيمة. أقبل و أدبر.. أي يقال له أقبل و أدبر على التكرار.