باب 3- نسبه و أحوال والديه عليه و عليهما السلام

 أقول قد مر بعض فضائلهما في باب أحوال عبد المطلب و باب أحوال عبد الله و آمنة

1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن المتوكل عن محمد العطار عن سهل عن محمد بن سنان عن عمرو بن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت رفعه قال دخل رسول الله ص على عمه أبي طالب و هو مسجى فقال يا عم كفلت يتيما و ربيت صغيرا و نصرت كبيرا فجزاك الله عني خيرا ثم أمر عليا بغسله

2-  لي، ]الأمالي للصدوق[ العطار عن أبيه عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن علي بن جعفر عن محمد بن عمر الجرجاني قال قال الصادق جعفر بن محمد ع أول جماعة كانت أن رسول الله ص كان يصلي و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب معه إذ مر أبو طالب به و جعفر معه قال يا بني صل جناح ابن عمك فلما أحسه رسول الله ص تقدمهما و انصرف أبو طالب مسرورا و هو يقول

إن عليا و جعفرا ثقتي عند ملم الزمان و الكرب‏و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسب‏لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي

قال فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم

 أقول روى السيد في الطرائف عن أبي هلال العسكري من كتاب الأوائل مثله

   بيان صل جناح ابن عمك كأنه بالتخفيف أمرا من تصل أي تمم جناحه فإن أمير المؤمنين ع كان أحد جناحيه و به كان يتم الجناحان و يحتمل التشديد أيضا فإن الجناح يكون بمعنى الجانب و الكنف و الناحية و الأول أبلغ و أظهر

3-  ج، ]الإحتجاج[ عن الصادق عن آبائه ع أن أمير المؤمنين ع كان ذات يوم جالسا في الرحبة و الناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أنت بالمكان الذي أنزلك الله به و أبوك معذب في النار فقال له علي ع مه فض الله فاك و الذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم أبي معذب في النار و ابنه قسيم الجنة و النار و الذي بعث محمدا بالحق نبيا إن نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار نور محمد ص و نوري و نور الحسن و الحسين و نور تسعة من ولد الحسين فإن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام

 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن عبيد الله عن هارون بن موسى عن محمد بن همام عن علي بن الحسين الهمداني عن محمد البرقي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عنه ع مثله

 بيان في رواية الشيخ بعد قوله و نوري و نور فاطمة و على هذا فالخمسة إما مبني إلى اتحاد نوري محمد و علي صلوات الله عليهما أو اتحاد نوري الحسنين ع بقرينة عدم توسط النور في البين و يحتمل أن يكون قوله و نور تسعة معطوفا على  الخمسة

4-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن مسرور عن محمد الحميري عن أبيه عن البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس قال أقبل علي بن أبي طالب ع ذات يوم إلى النبي ص باكيا و هو يقول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقال له رسول الله ص مه يا علي فقال علي يا رسول الله ماتت أمي فاطمة بنت أسد قال فبكى النبي ص ثم قال رحم الله أمك يا علي أما إنها إن كانت لك أما فقد كانت لي أما خذ عمامتي هذه و خذ ثوبي هذين فكفنها فيهما و مر النساء فليحسن غسلها و لا تخرجها حتى أجي‏ء فإلي أمرها قال و أقبل النبي ص بعد ساعة و أخرجت فاطمة أم علي ع فصلى عليها النبي ص صلاة لم يصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة ثم كبر عليها أربعين تكبيرة ثم دخل إلى القبر فتمدد فيه فلم يسمع له أنين و لا حركة ثم قال يا علي ادخل يا حسن ادخل فدخلا القبر فلما فرغ مما احتاج إليه قال له يا علي اخرج يا حسن اخرج فخرجا ثم زحف النبي ص حتى صار عند رأسها ثم قال يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم و لا فخر فإن أتاك منكر و نكير فسألاك من ربك فقولي الله ربي و محمد نبيي و الإسلام ديني و القرآن كتابي و ابني إمامي و وليي ثم قال اللهم ثبت فاطمة بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ثم خرج من قبرها و حثا عليها حثيات ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال و الذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي فقام إليه عمار بن ياسر فقال فداك أبي و أمي يا رسول الله لقد صليت عليها صلاة  لم تصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة فقال يا أبا اليقظان و أهل ذلك هي مني لقد كان لها من أبي طالب ولد كثير و لقد كان خيرهم كثيرا و كان خيرنا قليلا فكانت تشبعني و تجيعهم و تكسوني و تعريهم و تدهنني و تشعثهم قال فلم كبرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله قال نعم يا عمار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفا من الملائكة فكبرت لكل صف تكبيرة قال فتمددك في القبر و لم يسمع لك أنين و لا حركة قال إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة و لم أزل أطلب إلى ربي عز و جل أن يبعثها ستيرة و الذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها و مصباحين من نور عند يديها و مصباحين من نور عند رجليها و ملكيها الموكلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة

 ضه، ]روضة الواعظين[ عن ابن عباس مثله

 قال و روي في خبر آخر طويل أن النبي ص قال يا عمار إن الملائكة قد ملأت الأفق و فتح لها باب من الجنة و مهد لها مهاد من مهاد الجنة و بعث إليها بريحان من رياحين الجنة فهي في روح و ريحان و جنة و نعيم و قبرها روضة من رياض الجنة

 بيان الزحف العدو و الأشعث المغبر الرأس

5-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال قال أبو طالب لرسول الله ص يا ابن أخ الله أرسلك قال نعم قال فأرني آية قال ادع لي تلك الشجرة فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت فقال أبو طالب  أشهد أنك صادق يا علي صل جناح ابن عمك

 قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ ابن عباس عن أبيه مثله

6-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن الوليد عن الحسن بن متيل عن الحسن بن علي بن فضال عن مروان بن مسلم عن ثابت بن دينار الثمالي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه سأله رجل فقال له يا ابن عم رسول الله أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلما فقال و كيف لم يكن مسلما و هو القائل

و قد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا و لا يعبأ بقول الأباطل

إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف حين أسروا الإيمان و أظهروا الشرك فآتاهم الله أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ

 أقول رواه السيد فخار بن معد الموسوي عن شاذان بن جبرئيل بإسناده إلى ابن الوليد

7-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الطالقاني عن أحمد الهمداني عن المنذر بن محمد عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال مثل أبي طالب مثل أهل الكهف حين أسروا الإيمان و أظهروا الشرك فآتاهم الله أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ

 كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عنه ع مثله

   -8  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن جماعة من أصحابنا عن أحمد بن هلال عن أمية بن علي القيسي عن درست بن أبي منصور أنه سأل أبا الحسن الأول أ كان رسول الله محجوجا بأبي طالب فقال ع لا و لكن كان مستودعا للوصايا فدفعها إليه ص قال قلت فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به فقال لو كان محجوجا به ما دفع إليه الوصية قال فقلت فما كان حال أبي طالب قال أقر بالنبي و بما جاء به و دفع إليه الوصايا و مات من يومه

 بيان أي هل كان أبو طالب حجة على رسول الله إماما له فأجاب ع بنفي ذلك معللا بأنه كان مستودعا للوصايا دفعها إليه لا على أنه أوصى إليه و جعله خليفة له  ليكون حجة عليه بل كما يوصل المستودع الوديعة إلى صاحبها فلم يفهم السائل ذلك و أعاد السؤال و قال دفع الوصايا مستلزم لكونه حجة عليه فأجاب ع بأنه دفع إليه الوصايا على وجه المذكور و هذا لا يستلزم كونه حجة بل ينافيه. و قوله ع مات من يومه أي يوم الدفع لا يوم الإقرار و يحتمل تعلقه بهما و يكون المراد الإقرار الظاهر الذي اطلع عليه غيره ص هذا أظهر الوجوه عندي في حل الخبر و يحتمل وجوها أخر. منها أن يكون المعنى هل كان الرسول محجوجا مغلوبا في الحجة بسبب أبي طالب حيث قصر في هدايته إلى الإيمان و لم يؤمن فقال ع ليس الأمر كذلك لأنه كان قد آمن و أقر و كيف لا يكون كذلك و الحال أن أبا طالب كان من الأوصياء و كان أمينا على وصايا الأنبياء و حاملا لها إليه ص فقال السائل هذا موجب لزيادة الحجة عليهما حيث علم نبوته بذلك و لم يقر فأجاب ع بأنه لو لم يكن مقرا لم يدفع الوصايا إليه. و منها أن المعنى لو كان محجوجا به و تابعا له لم يدفع الوصية إليه بل كان ينبغي أن تكون عند أبي طالب فالوصايا التي ذكرت بعد غير الوصية الأولى و اختلاف التعبير يدل عليه فدفع الوصية كان سابقا على دفع الوصايا و إظهار الإقرار و إن دفعها كان في غير وقت ما يدفع الحجة إلى المحجوج بأن كان متقدما عليه أو أنه بعد دفعها اتفق موته و الحجة يدفع إلى المحجوج عند العلم بموته أو دفع بقية الوصايا فأكمل الدفع يوم موته

9-  ع، ]علل الشرائع[ ل، ]الخصال[ حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله  بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن جده يحيى عن إبراهيم بن محمد بن يوسف المقدسي عن علي بن الحسن عن إبراهيم بن رستم عن أبي حمزة السكوني عن جابر بن يزيد الجعفي عن عبد الرحمن بن سابط قال كان النبي ص يقول لعقيل إني لأحبك يا عقيل حبين حبا لك و حبا لحب أبي طالب لك

10-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ قد مر في خبر الاستسقاء أن النبي ص لما دعا فاستجيب له ضحك و قال لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام عمر بن الخطاب فقال عسى أردت يا رسول الله

و ما حملت من ناقة فوق ظهرها أبر و أوفى ذمة من محمد

فقال رسول الله ص ليس هذا من قول أبي طالب هذا من قول حسان بن ثابت فقام علي بن أبي طالب ع فقال كأنك أردت يا رسول الله

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة للأرامل‏تلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل‏كذبتم و بيت الله يبزى محمد و لما نماصع دونه و نقاتل‏و نسلمه حتى نصرع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

 بيان الهلاك الفقراء جمع الهالك و قال الجزري في قصيدة أبي طالب يعاتب قريشا في أمر النبي ص

كذبتم و بيت الله يبزى محمد. و لما نطاعن دونه و نناضل.

 يبزى أي يقهر و يغلب أراد لا يبزى فحذف لا من جواب القسم و هي مرادة  أي لا يقهر و لم نقاتل عنه و ندافع و قال المماصعة المجادلة و المضاربة

11-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى عن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن العباس بن معبد بن العباس عن بعض أهله عن العباس بن عبد المطلب أنه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة قال له نبي الله ص يا عم قل كلمة واحدة أشفع لك بها يوم القيامة لا إله إلا الله فقال لو لا أن يكون عليك و على بني أبيك غضاضة لأقررت عينيك و لو سألتني هذه في الحياة لفعلت قال و عنده جميلة بنت حرب حمالة الحطب و هي تقول له يا أبا طالب مت على دين الأشياخ قال فلما خفت صوته فلم يبق منه شي‏ء قال حرك شفتيه قال العباس و أصغيت إليه فقال قولا خفيفا لا إله إلا الله فقال العباس للنبي ص يا ابن أخي قد و الله قال الذي سألته فقال رسول الله ص لم أسمعه

 بيان الغضاضة بالفتح الذلة و المنقصة أقول لعل المنقصة من أجل أنه يقال كان في تمام عمره على الباطل و لما كان عند الموت رجع عنه و لعله على تقدير صحة الخبر إنما كلفه رسول الله ص إظهار الإسلام مع علمه بتحققه ليعلم القوم أنه مسلم و امتناعه من ذلك كان خوفا من أن يعيش بعد ذلك و لا يمكنه نصره و إعانته فلما أيس من ذلك أظهر الإيمان

12-  ع، ]علل الشرائع[ الحسن بن محمد بن يحيى العلوي عن جده عن بكر بن عبد الوهاب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده أن رسول الله ص دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم و كانت مهاجرة مبايعة بالروحاء مقابل حمام أبي قطيعة قال و كفنها رسول الله ص في قميصه و نزل في قبرها و تمرغ في لحدها فقيل له في ذلك فقال إن أبي هلك  و أنا صغير فأخذتني هي و زوجها فكانا يوسعان علي و يؤثراني على أولادهما فأحببت أن يوسع الله عليها قبرها

13-  ع، ]علل الشرائع[ الحسن بن محمد العلوي عن جده عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال إن فاطمة بنت أسد بن هاشم أوصت إلى رسول الله ص فقبل وصيتها فقالت يا رسول الله إني أردت أن أعتق جاريتي هذه فقال رسول الله ص ما قدمت من خير فستجدينه فلما ماتت رضوان الله عليها نزع رسول الله ص قميصه و قال كفنوها فيه و اضطجع في لحدها فقال أما قميصي فأمان لها يوم القيامة و أما اضطجاعي في قبرها فليوسع الله عليها

14-  مع، ]معاني الأخبار[ ابن موسى عن الكليني عن الحسن بن محمد عن محمد بن يحيى الفارسي عن أبي حنيفة محمد بن يحيى عن الوليد بن أبان عن محمد بن عبد الله بن مسكان عن أبيه قال قال أبو عبد الله ع إن فاطمة بنت أسد رحمها الله جاءت إلى أبي طالب رحمه الله تبشره بمولد النبي ص فقال لها أبو طالب اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلا النبوة و قال السبت ثلاثون سنة و كان بين رسول الله ص و أمير المؤمنين ع ثلاثون سنة

 بيان قال الفيروزآبادي السبت الدهر

15-  مع، ]معاني الأخبار[ المكتب و الوراق و الهمداني جميعا عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن المفضل قال قال أبو عبد الله ع آمن أبو طالب بحساب الجمل  و عقد بيده ثلاثة و ستين ثم قال ع إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الشرك فآتاهم الله أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ

16-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد بن عبد الله و محمد بن يحيى عن محمد بن عبد الله رفعه عن أبي عبد الله ع قال إن أبا طالب أسلم بحساب الجمل قال بكل لسان

17-  كا، ]الكافي[ محمد بن عبد الله عن أحمد و عبد الله ابني محمد بن عيسى عن أبيهما عن عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله ع قال أسلم أبو طالب بحساب الجمل و عقد بيده ثلاثا و ستين

18-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تفسر الوكيع قال حدثني سفيان عن منصور عن إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال و الله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب حتى أسلم بلسان الحبشة و قال لرسول الله ص أ تفقه الحبشة قال يا عم إن الله علمني جميع الكلام قال يا محمد اسدن لمصافا قاطالاها يعني أشهد مخلصا لا إله إلا الله فبكى رسول الله ص و قال إن الله أقر عيني بأبي طالب

 بيان هذا الخبر يدل على أن قوله ع في الخبر السابق بكل لسان رد لما يتوهم من ظاهر هذا الخبر أنه إنما أسلم بلسان الحبشة فقط و نفى ذلك فقال بل أسلم بكل لسان و يمكن حمل هذا الخبر على أنه أظهر إسلامه في بعض المواطن لبعض المصالح بتلك اللغة فلا ينافي كونه أظهر الإسلام بلغة أخرى أيضا في مواطن أخر

19-  ك، ]إكمال الدين[ مع، ]معاني الأخبار[ أبو الفرج محمد بن المظفر بن نفيس المصري عن محمد بن أحمد الداودي عن أبيه قال كنت عند أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه فسأله رجل ما  معنى قول العباس للنبي ص إن عمك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل و عقد بيده ثلاثة و ستين فقال عنى بذلك إله أحد جواد و تفسير ذلك أن الألف واحد و اللام ثلاثون و الهاء خمسة و الألف واحد و الحاء ثمانية و الدال أربعة و الجيم ثلاثة و الواو ستة و الألف واحد و الدال أربعة فذلك ثلاثة و ستون

 بيان لعل المعنى أن أبا طالب أظهر إسلامه للنبي ص أو لغيره بحساب العقود بأن أظهر الألف أولا بما يدل على الواحد ثم اللام بما يدل على الثلاثين و هكذا و ذلك لأنه كان يتقي من قريش كما عرفت و قيل يحتمل أن يكون العاقد هو العباس حين أخبر النبي ص بذلك فظهر على التقديرين أن إظهار إسلامه كان بحساب الجمل إذ بيان ذلك بالعقود لا يتم إلا بكون كل عدد مما يدل عليه العقود دالا على حرف من الحروف بذلك الحساب. و قد قيل في حل أصل الخبر وجوه أخر منها أنه أشار بإصبعه المسبحة لا إله إلا الله محمد رسول الله فإن عقد الخنصر و البنصر و عقد الإبهام على الوسطى يدل على الثلاث و الستين على اصطلاح أهل العقود و كأن المراد بحساب الجمل هذا و الدليل على ما ذكرته

 ما ورد في رواية شعبة عن قتادة عن الحسن في خبر طويل ننقل منه موضع الحاجة و هو أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول الله ص و بكى و قال يا محمد إني أخرج من الدنيا و ما لي غم إلا غمك إلى أن قال ص يا عم إنك تخاف علي أذى أعادي و لا تخاف على نفسك عذاب ربي فضحك أبو طالب و قال يا محمد دعوتني و كنت قدما أمينا و عقد بيده على ثلاث و ستين عقد الخنصر و البنصر و عقد الإبهام على إصبعه الوسطى و أشار بإصبعه المسبحة يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فقام علي ع و قال الله أكبر و الذي بعثك بالحق نبيا لقد شفعك في عمك و هداه بك فقام جعفر و قال لقد سدتنا في الجنة يا شيخي كما سدتنا في الدنيا فلما مات أبو طالب أنزل الله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ

رواه  ابن شهرآشوب في المناقب و هذا حل متين لكنه لم يعهد إطلاق الجمل على حساب العقود. و منها أنه أشار إلى كلمتي لا و إلا و المراد كلمة التوحيد فإن العمدة فيها و الأصل النفي و الإثبات. و منها أن أبا طالب و أبا عبد الله ع أمرا بالإخفاء اتقاء فأشار بحساب العقود إلى كلمة سبح من التسبيحة و هي التغطية أي غط و استر فإنه من الأسرار و هذا هو المروي عن شيخنا البهائي طاب رمسه. و منها أنه إشارة إلى أنه أسلم بثلاث و ستين لغة و على هذا كان الظرف في مرفوعة محمد بن عبد الله متعلقا بالقول. و منها أن المراد أن أبا طالب علم نبوة نبينا ص قبل بعثته بالجفر و المراد بسبب حساب مفردات الحروف بحساب الجمل. و منها أنه إشارة إلى سن أبي طالب حين أظهر الإسلام و لا يخفى ما في تلك الوجوه من التعسف و التكلف سوى الوجهين الأولين المؤيدين بالخبرين و الأول منهما أوثق و أظهر لأن المظنون أن الحسين بن روح لم يقل ذلك إلا بعد سماعه من الإمام ع و أقول في رواية السيد فخار كما سيأتي بكلام الجمل و هو يقرب التأويل الثاني

20-  فس، ]تفسير القمي[ نزلت النبوة على رسول الله ص يوم الإثنين و أسلم علي ع يوم الثلاثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي ص ثم دخل أبو طالب إلى النبي ص و هو يصلي و علي بجنبه و كان مع أبي طالب جعفر فقال له أبو طالب صل جناح ابن عمك فوقف جعفر على يسار رسول الله ص فبدر رسول الله ص من بينهما فكان يصلي رسول الله ص و علي و جعفر و زيد بن حارثة و خديجة إلى أن أنزل الله  عليه فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ الآية

21-  ك، ]إكمال الدين[ ابن الوليد عن الصفار عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر عن علي بن أبي سارة عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله ع قال إن أبا طالب أظهر الشرك و أسر الإيمان فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز و جل إلى رسول الله ص اخرج منها فليس لك بها ناصر فهاجر إلى المدينة

22-  ك، ]إكمال الدين[ أحمد بن محمد الصائغ عن محمد بن أيوب عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمد و علي بن عبد الله عن الربيع بن محمد السلمي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول و الله ما عبد أبي و لا جدي عبد المطلب و لا هاشم و لا عبد مناف صنما قط قيل فما كانوا يعبدون قال كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم ع متمسكين به

23-  ير، ]بصائر الدرجات[ إبراهيم بن هاشم عن علي بن أسباط عن بكر بن جناح عن رجل عن أبي عبد الله ع قال لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ع جاء علي إلى النبي ص فقال له رسول الله ص يا أبا الحسن ما لك قال أمي ماتت قال فقال النبي ص و أمي و الله ثم بكى و قال وا أماه ثم قال لعلي ع هذا قميصي يكفنها فيه و هذا ردائي فكفنها فيه فإذا فرغتم فأذنوني فلما أخرجت صلى عليها النبي ص صلاة لم يصل قبلها و لا بعدها على أحد مثلها ثم نزل على قبرها فاضطجع فيه ثم قال لها يا فاطمة قالت لبيك يا رسول الله فقال فهل وجدت ما وعد ربك حقا قالت نعم فجزاك الله خير جزاء و طالت مناجاته في القبر فلما خرج قيل يا رسول الله لقد صنعت بها شيئا في تكفينك إياها ثيابك و دخولك في قبرها و طول  مناجاتك و طول صلاتك ما رأيناك صنعته بأحد قبلها قال أما تكفيني إياها فإني لما قلت لها يعرض الناس عراة يوم يحشرون من قبورهم فصاحت و قالت وا سوأتاه فألبستها ثيابي و سألت الله في صلاتي عليها أن لا يبلي أكفانها حتى تدخل الجنة فأجابني إلى ذلك و أما دخولي في قبرها فإني قلت لها يوما إن الميت إذا أدخل قبره و انصرف الناس عنه دخل عليه ملكان منكر و نكير فيسألانه فقالت وا غوثاه بالله فما زلت أسأل ربي في قبرها حتى فتح لها روضة من قبرها إلى الجنة و روضة من رياض الجنة

24-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ توفي أبو طالب عم النبي و له ص ست و أربعون سنة و ثمانية أشهر و أربعة و عشرون يوما و الصحيح أن أبا طالب توفي في آخر السنة العاشرة من مبعث رسول الله ص ثم توفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام فسمى رسول الله ص ذلك العام عام الحزن

25-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن النبي ص لما رجع من السرى نزل على أم هانئ بنت أبي طالب فأخبرها فقالت بأبي أنت و أمي و الله لئن أخبرت الناس بهذا ليكذبنك من صدقك و كان أبو طالب قد فقده تلك الليلة فجعل يطلبه و جمع بني هاشم ثم أعطاهم المدى و قال إذا رأيتموني أدخل و ليس معي محمد فلتضربوا و ليضرب كل رجل منكم جليسه و الله لا نعيش نحن و لا هم و قد قتلوا محمدا فخرج في طلبه و هو يقول يا لها عظيمة إن لم يواف رسول الله مع الفجر فتلقاه على باب أم هانئ حين نزل من البراق فقال يا ابن أخي انطلق فادخل في بين يدي المسجد و سل سيفه عند الحجر و قال يا بني هاشم أخرجوا مداكم فقال لو لم أره ما بقي منكم سفر و لا عشنا فاتقته قريش منذ يوم أن  يغتالوه ثم حدثهم محمد فقالوا صف لنا بيت المقدس قال إنما أدخلته ليلا فأتاه جبرئيل فقال انظر إلى هناك فنظر إلى البيت فوصفه و هو ينظر إليه ثم نعت لهم ما كان لهم من عير ما بينهم و بين الشام

 بيان المدى بضم الميم و كسرها جمع المدية مثلثة و هي السكين العظيم قوله ما بقي منكم سفر أي من يسافر في البلاد

26-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن فاطمة بنت أسد أنه لما ظهرت أمارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده من يكفل محمدا قالوا هو أكيس منا فقل له يختار لنفسه فقال عبد المطلب يا محمد جدك على جناح السفر إلى القيامة أي عمومتك و عماتك تريد أن يكفلك فنظر في وجوههم ثم زحف إلى عند أبي طالب فقال له عبد المطلب يا أبا طالب إني قد عرفت ديانتك و أمانتك فكن له كما كنت له قالت فلما توفي أخذه أبو طالب و كنت أخدمه و كان يدعوني الأم و قالت و كان في بستان دارنا نخلات و كان أول إدراك الرطب و كان أربعون صبيا من أتراب محمد ص يدخلون علينا كل يوم في البستان و يلتقطون ما يسقط فما رأيت قط محمدا يأخذ رطبة من يد صبي سبق إليها و الآخرون يختلس بعضهم من بعض و كنت كل يوم ألتقط لمحمد ص حفنة فما فوقه و كذلك جاريتي فاتفق يوما أن نسيت أن ألتقط له شيئا و نسيت جاريتي و كان محمد نائما و دخل الصبيان و أخذوا كل ما سقط من الرطب و انصرفوا فنمت فوضعت الكم على وجهي حياء من محمد  إذا انتبه قالت فانتبه محمد و دخل البستان فلم ير رطبة على وجه الأرض فانصرف فقالت له الجارية إنا نسينا أن نلتقط شيئا و الصبيان دخلوا و أكلوا جميع ما كان قد سقط قالت فانصرف محمد إلى البستان و أشار إلى نخلة و قال أيتها الشجرة أنا جائع قالت فرأيت الشجرة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها محمد ما أراد ثم ارتفعت إلى موضعها قالت فاطمة فتعجبت و كان أبو طالب قد خرج من الدار و كل يوم إذا رجع و قرع الباب كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب فقرع أبو طالب فعدوت حافية إليه و فتحت الباب و حكيت له ما رأيت فقال هو إنما يكون نبيا و أنت تلدين له وزيرا بعد يأس فولدت عليا ع كما قال

27-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ كانت السباع تهرب من أبي طالب فاستقبله أسد في طريق الطائف و بصبص له و تمرغ قبله فقال أبو طالب بحق خالقك أن تبين لي حالك فقال الأسد إنما أنت أبو أسد الله ناصر نبي الله و مربيه فازداد أبو طالب في حب النبي ص و الإيمان به و الأصل في ذلك أن النبي ص قال أنا خلقت و علي من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام الخبر

28-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ القاضي المعتمد في تفسيره عن ابن عباس أنه وقع بين أبي طالب و بين يهودي كلام و هو بالشام فقال اليهودي لم تفخر علينا و ابن أخيك بمكة يسأل الناس فغضب أبو طالب و ترك تجارته و قدم مكة فرأى غلمانا يلعبون و محمد فيهم مختل الحال فقال له يا غلام من أنت و من أبوك قال أنا محمد بن عبد الله أنا يتيم لا أب لي و لا أم  فعانقه أبو طالب و قبله ثم ألبسه جبة مصرية و دهن رأسه و شد دينارا في ردائه و نشر قبله تمرا فقال يا غلمان هلموا فكلوا ثم أخذ أربع تمرات إلى أم كبشة و قص عليها فقالت فلعله أبوك أبو طالب قال لا أدري رأيت شيخا بارا إذ مر أبو طالب فقالت يا محمد كان هذا قال نعم قالت هذا أبوك أبو طالب فأسرع إليه النبي ص و تعلق به و قال يا أبه الحمد لله الذي أرانيك لا تخلفني في هذه البلاد فحمله أبو طالب

29-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ الأوزاعي قال كان النبي ص في حجر عبد المطلب فلما أتى عليه اثنان و مائة سنة و رسول الله ص ابن ثمان سنين جمع بنيه و قال محمد يتيم فآووه و عائل فأغنوه احفظوا وصيتي فيه فقال أبو لهب أنا له فقال كف شرك عنه فقال العباس أنا له فقال أنت غضبان لعلك تؤذيه فقال أبو طالب أنا له فقال أنت له يا محمد أطع له فقال رسول الله ص يا أبه لا تحزن فإن لي ربا لا يضيعني فأمسكه أبو طالب في حجره و قام بأمره يحميه بنفسه و ماله و جاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة و من غيرهم من بني أعمامه و من العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوة و أنشأ عبد المطلب

أوصيك يا عبد مناف بعدي بموحد بعد أبيه فرد

و قال

وصيت من كفيته بطالب عبد مناف و هو ذو تجارب‏يا ابن الحبيب أكرم الأقارب يا ابن الذي قد غاب غير آئب

فتمثل أبو طالب و كان سمع عن الراهب وصفه

لا توصني بلازم و واجب إني سمعت أعجب العجائب

  من كل حبر عالم و كاتب بان بحمد الله قول الراهب

30-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ أبو سعيد الواعظ في كتاب شرف المصطفى أنه لما حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب فقال له يا بني قد علمت شدة حبي لمحمد و وجدي به انظر كيف تحفظني فيه قال أبو طالب يا أبه لا توصني بمحمد فإنه ابني و ابن أخي فلما توفي عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة و الكسوة على نفسه و على جميع أهله

31-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ الطبري و البلاذري إنه لما نزل فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ صدع النبي ص و نادى قومه بالإسلام فلما نزل إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآيات أجمعوا على خلافه فحدب عليه أبو طالب و منعه فقام عتبة و الوليد و أبو جهل و العاص إلى أبي طالب فقالوا إن ابن أخيك قد سب آلهتنا و عاب ديننا و سفه أحلامنا و ضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا و إما أن تخلي بيننا و بينه فقال لهم أبو طالب قولا رقيقا و ردهم ردا جميلا فمضى رسول الله ص على ما هو عليه يظهر دين الله و يدعو إليه و أسلم بعض الناس فاهتمشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا إن لك سنا و شرفا و منزلة و إنا قد اشتهيناك أن تنهى ابن أخيك فلم ينته و إنا و الله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا و تسفيه أحلامنا و عيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين فقال أبو طالب للنبي ص ما بال أقوامك يشكونك فقال ص إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب و تؤدي إليهم بها العجم الجزية فقالوا كلمة واحدة نعم و أبيك عشرا قال أبو طالب و أي كلمة هي يا ابن أخي قال لا إله إلا الله فقاموا ينفضون ثيابهم و يقولون أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ إلى قوله عَذابِ قال ابن إسحاق إن أبا طالب قال له في السر لا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله ص أنه قد بدا لعمه و أنه خاذله و أنه قد ضعف عن  نصرته فقال يا عماه لو وضعت الشمس في يميني و القمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو أقتل دونه ثم استعبر فبكى ثم قام يولي فقال أبو طالب امض لأمرك فو الله لا أخذلك أبدا

 و في رواية أنه قال ص إن الله تعالى أمرني أن أدعو إلى دينه الحنيفية و خرج من عنده مغضبا فدعاه أبو طالب و طيب قلبه و وعده بالنصر ثم أنشأ يقول

و الله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينافاصدع بأمرك ما عليك غضاضة و أبشر بذاك و قر منك عيوناو دعوتني و زعمت أنك ناصح فلقد صدقت و كنت قدما أميناو عرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينالو لا المخافة أن يكون معرة لوجدتني سمحا بذاك مبينا

 الطبري و الواحدي بإسنادهما عن السدي و روى ابن بابويه في كتاب النبوة عن زين العابدين ع أنه اجتمعت قريش إلى أبي طالب و رسول الله ص عنده فقالوا نسألك من ابن أخيك النصف قال و ما النصف منه قالوا يكف عنا و نكف عنه فلا يكلمنا و لا نكلمه و لا يقاتلنا و لا نقاتله إلا أن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب و زرعت الشحناء و أنبتت البغضاء فقال يا ابن أخي أ سمعت قال يا عم لو أنصفني بنو عمي لأجابوا دعوتي و قبلوا نصيحتي إن الله تعالى أمرني أن أدعو إلى دينه الحنيفية ملة إبراهيم فمن أجابني فله عند الله الرضوان و الخلود في الجنان و من عصاني قاتلته حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ  فقالوا قل له يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكرها بسوء فنزل أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ قالوا إن كان صادقا فليخبرنا من يؤمن منا و من يكفر فإن وجدناه صادقا آمنا به فنزل ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ قالوا و الله لنشتمنك و إلهك فنزل وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ قالوا قل له فليعبد ما نعبد و نعبد ما يعبد فنزلت سورة الكافرين فقالوا قل له أرسله الله إلينا خاصة أم إلى الناس كافة قال بل إلى الناس أرسلت كافة إلى الأبيض و الأسود و من على رءوس الجبال و من في لجج البحار و لأدعون السنة فارس و الروم يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً فتجبرت قريش و استكبرت و قالت و الله لو سمعت بهذا فارس و الروم لاختطفتنا من أرضنا و لقلعت الكعبة حجرا حجرا فنزل وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ و قوله أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ فقال المطعم بن عدي و الله يا با طالب لقد أنصفك قومك و جهدوا على أن يتخلصوا مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال أبو طالب و الله ما أنصفوني و لكنك قد أجمعت على خذلاني و مظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك فوثب كل قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذبونهم و يفتنونهم عن دينهم و الاستهزاء بالنبي ص و منع الله رسوله بعمه أبي طالب منهم و قد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله و القيام دونه إلا أبا لهب كما قال الله وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ و قدم قوم من قريش من الطائف و أنكروا ذلك و وقعت فتنة فأمر النبي ص المسلمين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة ابن عباس دخل النبي ص الكعبة و افتتح الصلاة فقال أبو جهل من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته فقام ابن الزبعرى و تناول فرثا و دما و ألقى ذلك عليه فجاء أبو طالب و قد سل سيفه فلما رأوه جعلوا ينهضون فقال و الله لئن قام أحد جللته  بسيفي ثم قال يا ابن أخي من الفاعل بك قال هذا عبد الله فأخذ أبو طالب فرثا و دما و ألقى عليه

 و في رواية متواترة أنه أمر عبيده أن يلقوا السلى عن ظهره و يغسلوه ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروا على أسبلة القوم بذلك

 الطبري و البلاذري و الضحاك قال لما رأت قريش حمية قومه و ذب عمه أبي طالب عنه جاءوا إليه و قالوا جئناك بفتى قريش جمالا و جودا و شهامة عمارة بن الوليد ندفعه إليك يكون نصره و ميراثه لك و مع ذلك من عندنا مال و تدفع إلينا ابن أخيك الذي فرق جماعتنا و سفه أحلامنا فنقتله فقال و الله ما أنصفتموني أ تعطونني ابنكم أغذوه لكم و تأخذون ابني تقتلونه هذا و الله ما لا يكون أبدا أ تعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره ثم نهرهم فهموا باغتياله فمنعهم أبو طالب من ذلك و قال فيه

حميت الرسول رسول الإله ببيض تلألأ مثل البروق‏أذب و أحمي رسول الإله حماية عم عليه شفوق

و أنشد

يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى و غالب لنا غلاب كل مغالب‏و سلم إلينا أحمد و اكفلن لنا بنيا و لا تحفل بقول المعاتب‏فقلت لهم الله ربي و ناصري على كل باغ من لؤي بن غالب

 مقاتل لما رأت قريش يعلو أمره قالوا لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا و تكبرا و إن هو إلا ساحر أو مجنون و توعدوه و تعاقدوا لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش  كلها على قتله و بلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم و أحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله و قال إن ابن أخي كما يقول أخبرنا بذلك آباؤنا و علماؤنا أن محمدا نبي صادق و أمين ناطق و أن شأنه أعظم شأن و مكانه من ربه أعلى مكان فأجيبوا دعوته و اجتمعوا على نصرته و راموا عدوه من وراء حوزته فإنه الشرف الباقي لكم الدهر و أنشأ يقول

أوصي بنصر النبي الخير مشهده عليا ابني و عم الخير عباساو حمزة الأسد المخشي صولته و جعفرا أن تذودوا دونه الناساو هاشما كلها أوصي بنصرته أن يأخذوا دون حرب القوم أمراساكونوا فدى لكم نفسي و ما ولدت من دون أحمد عند الروع أتراسابكل أبيض مصقول عوارضه تخاله في سواد الليل مقباسا

 و حض أخاه حمزة على اتباعه إذ أقبل حمزة متوشحا بقوسه راجعا من قنص له فوجد النبي ص في دار أخته محموما و هي باكية فقال ما شأنك قالت ذل الحمى يا با عمارة لو لقيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام و جده هاهنا جالسا فآذاه و سبه و بلغ منه ما يكره فانصرف و دخل المسجد و شج رأسه شجة منكرة فهم قرباؤه بضربه فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة لكيلا يسلم ثم عاد حمزة إلى النبي ص و قال عز بما صنع بك ثم أخبره بصنيعه فلم يرض النبي ص و قال يا عم لأنت منهم فأسلم حمزة فعرفت قريش أن رسول الله قد عز و أن حمزة سيمنعه

 قال ابن عباس فنزل أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ و سر أبو طالب بإسلامه و أنشأ يقول

صبرا أبا يعلى على دين أحمد و كن مظهرا للدين وفقت صابرا

  و حط من أتى بالدين من عند ربه بصدق و حق لا تكن حمز كافرافقد سرني إذ قلت إنك مؤمن فكن لرسول الله في الله ناصرافناد قريشا بالذي قد أتيته جهارا و قل ما كان أحمد ساحرا

و قال لابنه طالب

ابني طالب إن شيخك ناصح فيما يقول مسدد لك راتق‏فاضرب بسيفك من أراد مساءه حتى تكون لذي المنية ذائق‏هذا رجائي فيك بعد منيتي لا زلت فيك بكل رشد واثق‏فاعضد قواه يا بني و كن له إني بجدك لا محالة لاحق‏آها أردد حسرة لفراقه إذ لم أراه قد تطاول باسق‏أ ترى أراه و اللواء أمامه و على ابني للواء معانق‏أ تراه يشفع لي و يرحم عبرتي هيهات إني لا محالة راهق

و كتب إلى النجاشي تعلم أبيت اللعن أن محمدا الأبيات فأسلم النجاشي و كان قد سمع مذاكرة جعفر و عمرو بن العاص و نزل فيه وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ إلى قوله جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ

 عكرمة و عروة بن الزبير و حديثهما لما رأت قريش أنه يفشو أمره في القبائل و أن حمزة أسلم و أن عمرو بن العاص رد في حاجته عند النجاشي فأجمعوا أمرهم و مكرهم على أن يقتلوا رسول الله ص علانية فلما رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول الله شعبهم فاجتمع قريش في دار الندوة و كتبوا صحيفة على بني هاشم أن لا يكلموهم و لا يزوجوهم و لا يتزوجوا إليهم و لا يبايعوهم  أو يسلموا إليهم رسول الله ص و ختم عليها أربعون خاتما و علقوها في جوف الكعبة و في رواية عند زمعة بن الأسود فجمع أبو طالب بني هاشم و بني المطلب في شعبه و كانوا أربعين رجلا مؤمنهم و كافرهم ما خلا أبا لهب و أبا سفيان فظاهراهم عليه فحلف أبو طالب لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بني هاشم و حصن الشعب و كان يحرسه بالليل و النهار و في ذلك يقول

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا كموسى خط في أول الكتب‏أ ليس أبونا هاشم شد أزره و أوصى بنيه بالطعان و بالضرب‏و إن الذي علقتم من كتابكم يكون لكم يوما كراغية السقب‏أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى و يصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب

و له

و قالوا خطة جورا و حمقا و بعض القول أبلج مستقيم‏لتخرج هاشم فيصير منها بلاقع بطن مكة و الحطيم‏فمهلا قومنا لا تركبونا بمظلمة لها أمر وخيم‏فيندم بعضكم و يذل بعض و ليس بمفلح أبدا ظلوم‏فلا و الراقصات بكل خرق إلى معمور مكة لا يريم‏طوال الدهر حتى تقتلونا و نقتلكم و تلتقي الخصوم‏و يعلم معشر قطعوا و عقوا بأنهم هم الجد الظليم‏أرادوا قتل أحمد ظالميه و ليس لقتله فيهم زعيم‏و دون محمد فتيان قوم هم العرنين و العضو الصميم

و كان أبو جهل و العاص بن وائل و النضر بن الحارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا و يحذرونه  من النهب فأنفقت خديجة على النبي فيه مالا كثيرا و من قصيدة لأبي طالب

فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا على ساخط من قومنا غير معتب‏فلا تحسبونا خاذلين محمدا لدى غربة منا و لا متقرب‏ستمنعه منا يد هاشمية و مركبها في الناس أحسن مركب‏فلا و الذي تخذى له كل نضوة طليح بجنبي نخلة فالمحصب‏يمينا صدقنا الله فيها و لم نكن لنحلف بطلا بالعتيق المحجب‏نفارقه حتى نصرع حوله و ما بال تكذيب النبي المقرب

و كان النبي ص إذا أخذ مضجعه و نامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه و أضجع عليا مكانه و وكل عليه ولده و ولد أخيه فقال علي ع يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب

اصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب‏قد بلوناك و البلاء شديد لفداء النجيب و ابن النجيب‏لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب و الباع و الفناء الرحيب‏إن تصبك المنون بالنبل تترى فمصيب منها و غير مصيب‏كل حي و إن تتطاول عمرا آخذ من سهامها بنصيب

فقال علي ع

أ تأمرني بالصبر في نصر أحمد فو الله ما قلت الذي قلت جازعاو لكنني أحببت أن تر نصرتي و تعلم أني لم أزل لك طائعاو سعيي لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود طفلا و يافعا

و كانوا لا يأمنون إلا في موسم العمرة في رجب و موسم الحج في ذي الحجة فيشترون و يبيعون فيهما و كان النبي ص في كل موسم يدور على قبائل العرب فيقول  لهم تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربي و ثوابكم على الله الجنة و أبو لهب في أثره يقول إنه ابن أخي و هو كذاب ساحر فأصابهم الجهد و بعثت قريش إلى أبي طالب ادفع إلينا محمدا حتى نقتله و نملكك علينا فأنشأ أبو طالب اللامية التي يقول فيها و أبيض يستسقى الغمام بوجهه فلما سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه فكان أبو العاص بن الربيع و هو ختن رسول الله ص يجي‏ء بالعير بالليل عليها البر و التمر إلى باب الشعب ثم يصبح بها فحمد النبي ص فعله فمكثوا بذلك أربع سنين و قال ابن سيرين ثلاث سنين

 و في كتاب شرف المصطفى فبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحسها فنزل جبرئيل فأخبر النبي ص بذلك فأخبر النبي ص أبا طالب فدخل أبو طالب على قريش في المسجد فعظموه و قالوا أردت مواصلتنا و أن تسلم ابن أخيك إلينا قال و الله ما جئت لهذا و لكن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني أن الله قد أخبره بحال صحيفتكم فابعثوا إلي صحيفتكم فإن كان حقا فاتقوا الله و ارجعوا عما أنتم عليه من الظلم و قطيعة الرحم و إن كان باطلا دفعته إليكم فأتوا بها و فكوا الخواتيم و إذا فيها باسمك اللهم و اسم محمد فقط فقال لهم أبو طالب اتقوا الله و كفوا عما أنتم عليه فسكتوا و تفرقوا فنزل ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ قال كيف أدعوهم و قد صالحوا على ترك الدعوة فنزل يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ فسأل النبي ص أبا طالب الخروج من الشعب فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها و هم مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف الذي أجار النبي ص لما انصرف من الطائف و زهير بن أمية المخزومي ختن أبي طالب على ابنته عاتكة و هشام بن عمرو بن لؤي بن غالب و أبو البختري بن هشام و زمعة بن الأسود بن عبد المطلب و قال هؤلاء السبعة أحرقها الله و عزموا أن يقطعوا يمين كاتبها و هو منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فوجدوها شلا فقالوا قطعها الله  فأخذ النبي ص في الدعوة و في ذلك يقول أبو طالب

ألا هل أتى نجدا بنا صنع ربنا على نأيهم و الله بالناس أرفدفيخبرهم أن الصحيفة مزقت و أن كل ما لم يرضه الله يفسديراوحها إفك و سحر مجمع و لم تلق سحرا آخر الدهر يصعد

و له أيضا

و قد كان من أمر الصحيفة عبرة متى ما يخبر غائب القوم يعجب‏محا الله منها كفرهم و عقوقهم و ما نقموا من ناطق الحق معرب‏و أصبح ما قالوا من الأمر باطلا و من يختلق ما ليس بالحق يكذب‏و أمسى ابن عبد الله فينا مصدقا على سخط من قومنا غير معتب

و له

تطاول ليلي بهم نصب و دمعي كسح السقاء السرب‏للعب قصي بأحلامها و هل يرجع الحلم بعد اللعب‏و نفي قصي بني هاشم كنفي الطهاة لطاف الحطب‏و قالوا لأحمد أنت امرؤ خلوف الحديث ضعيف النسب‏ألا إن أحمد قد جاءهم بحق و لم يأتهم بالكذب‏على أن إخواننا وازروا بني هاشم و بني المطلب‏هما أخوان كعظم اليمين أمرا علينا كعقد الكرب‏فيا لقصي أ لم تخبروا بما قد خلا من شئون العرب‏فلا تمسكن بأيديكم بعيد الأنوف بعجب الذنب‏و رمتم بأحمد ما رمتم على الآصرات و قرب النسب

  فإني و ما حج من راكب و كعبة مكة ذات الحجب‏تنالون أحمد أو تصطلوا ظباة الرماح و حد القضب‏و تقترفوا بين أبياتكم صدور العوالي و خيلا عصب

 بيان حدب عليه بالكسر أي تعطف ذكره الجوهري و قال قال ابن السكيت يقال للناس إذا كثروا بمكان فأقبلوا و أدبروا و اختلطوا رأيتهم يهتمشون و قال يقال قدما كان كذا و كذا و هو اسم من القدم قوله أن يكون معرة المعرة الإثم و الأمر القبيح المكروه و الأذى و لعل المعنى لو لا أن يكون إظهاري للإسلام سببا للفتن و الحروب و عدم تمكني من نصرتك لأظهرته و الأمراس جمع المرس بفتح الراء أي الحبل أو جمع المرس بكسر الراء و هو الشديد الذي مارس الأمور و جربها و ما في البيت يحتملهما قوله عوارضه أي نواصيه و صفحاته و المقباس بالكسر شعلة نار تقتبس من معظم النار و القنص بالتحريك الصيد قوله ذل الحمى الحمى بالكسر ما يحمى و يدفع عنه و لا يقرب أي ما كان يحمى و يدفع عنه من ساحة عزنا ذل و صار ذلولا من كثرة ورود من لا يراعيه قوله عز بما صنع أي سل و صبر نفسك و في بعض النسخ تعز و هو أظهر قوله لا محالة راهق الرهق غشيان المحارم و المراد الشفاعة في القيامة و في بعض النسخ بالزاي المعجمة أي هالك ميت فالمراد الشفاعة في الدنيا حتى يرى ما تمنى و هذا أظهر. قوله و أبا سفيان هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. قوله شد أزره أي قواه بأن أوصى بنصره. قوله كراغية السقب السقب الولد الذكر من الناقة و لعله تمثيل لعدم  انتفاعهم بتلك الصحيفة كما لا ينتفع برغاء السقب أو لاضطرارهم و جزعهم يوما ما قوله قبل أن تحفر الزبى الزبى جمع الزبية و هو ما يحفر للأسد و هو كناية عن تهيؤ الفتن و الشرور لهم و كون من لم يجن ذنبا كذي الذنب إما لتوزع بالهم جميعا و دهشتهم أو المراد بمن لا ذنب له من ترك النصرة و لم يضر قوله و قالوا خطة القول هنا بمعنى الفعل و الخطة بالضم الأمر و القصة و الجهل قوله و الراقصات أي النوق الراقصة و الخرق بالفتح الأرض الواسعة و قوله لا يريم صفة لمعمور مكة أي لا يبرح و قوله لا نفي لما تقدم أي لا يتهيأ لهم تلك الخطة طول الدهر بحق الراقصات حتى يقتلونا أو النفي متعلق بيريم و القسم معترض و لا ثانيا تأكيد و طول الدهر فاعل يريم و الأصوب أنه لا نريم بصيغة المتكلم كما هو في سائر النسخ للديوان و غيره فلا تأكيد و طوال منصوب و الزعيم الكفيل و عرانين القوم سادتهم و صميم الشي‏ء خالصه قوله غير معتب أي لا يتيسر رضاؤه و المركب مصدر ميمي أي تركيبها و النضوة الناقة المهزولة و طلح البعير إذا عيي فهو طليح و ناقة طليح أسفار إذا جهدها السير و هزلها و النخلة و المحصب اسمان لموضعين. قوله بطلا أي باطلا و العتيق المحجب الكعبة قوله أحجى أي أجدر و أولى و الشعوب بالفتح و الضم المنية قوله بنا صنع ربنا الظرف متعلق بالصنع و في بعض النسخ نبأ بتقديم النون قوله و ما نقموا كلمة ما موصولة و معرب خبرها و السح السيلان و السرب الجاري و الطهاة الطباخون و إنهم لا يعتنون بالأحطاب اللطيفة الدقيقة و يرمونها تحت القدر بسهولة قوله كعظم اليمين أي كعظمين متلاصقين تركب منهما الساعد قوله أمرا علينا يقال أمررت الحبل إذا فتلته فتلا شديدا يقال فلان أمر عقدا من فلان أي أحكم أمرا منه و أوفى ذمة و الكرب بالتحريك الحبل الذي يشد في وسط العراقي ثم يثنى ثم يثلث ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير و العجب أصل الذنب كناية عن الأداني كما أن الأنوف  كناية عن الأشراف و الآصرة ما عطفك على رجل من رحم أو قرابة أو صهر أو معروف و قوله فأنى استفهام للإنكار و ما حج قسم معترض أي أنى تنالونه إلا أن تصطلوا نار الحرب و سيف قضيب أي قطاع و الجمع قواضب و قضب. أقول روى السيد فخار بن معد الموسوي رحمه الله فيما صنفه في إيمان أبي طالب قصة إضجاع أمير المؤمنين ع مكان الرسول ص عن السيد عبد الحميد بن التقي بإسناده إلى الشريف أبي علي الموضح العلوي إلى آخر ما مر و قصة تحريض حمزة على الإسلام و أشعاره في ذلك عن ابن إدريس بإسناده إلى أبي الفرج الأصفهاني

32-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ خطب أبو طالب في نكاح فاطمة بنت أسد الحمد لله رب العالمين رب العرش العظيم و المقام الكريم و المشعر و الحطيم الذي اصطفانا أعلاما و سدنة و عرفاء خلصاء و حجبة بهاليل أطهارا من الخنى و الريب و الأذى و العيب و أقام لنا المشاعر و فضلنا على العشائر نحب آل إبراهيم و صفوته و زرع إسماعيل في كلام له ثم قال و قد تزوجت فاطمة بنت أسد و سقت المهر و نفذت الأمر فاسألوه و اشهدوا فقال أسد زوجناك و رضينا بك ثم أطعم الناس فقال أمية بن الصلت

أغمرنا عرس أبي طالب فكان عرسا لين الحالب‏إقراؤه البدو بأقطاره من راجل خف و من راكب‏فنازلوه سبعة أحصيت أيامها للرجل الحاسب

 بيان السدنة جمع السادن و هو خادم الكعبة و البهلول بالضم الضحاك و السيد الجامع لكل خير قوله نحب لعله على البناء للمجهول و آل منصوب على التخصيص كقوله نحن معاشر الأنبياء و الأظهر أنه نخب بالخاء المعجمة

   -33  يل، ]الفضائل لابن شاذان[ الحسن بن أحمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن إسماعيل الفاروسي عن عمر بن روق الخطابي عن الحجاج بن منهال عن الحسن بن عمران عن شاذان بن العلاء عن عبد العزيز عن عبد الصمد عن سالم عن خالد بن السري عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال سألت رسول الله ص عن ميلاد علي بن أبي طالب فقال آه آه سألت عجبا يا جابر عن خير مولود ولد في شبه المسيح إن الله خلق عليا نورا من نوري و خلقني نورا من نوره و كلانا من نوره نورا واحدا و خلقنا من قبل أن يخلق سماء مبنية و لا أرضا مدحية أو طولا أو عرضا أو ظلمة أو ضياء أو بحرا إلى هواء بخمسين ألف عام ثم إن الله عز و جل سبح نفسه فسبحناه و قدس ذاته فقدسناه و مجد عظمته فمجدناه فشكر الله تعالى ذلك لنا فخلق من تسبيحي السماء فسمكها و الأرض فبطحها و البحار فعمقها و خلق من تسبيح علي الملائكة المقربين فكلما سبحت الملائكة المقربون منذ أول يوم خلقها الله عز و جل إلى أن تقوم الساعة فهو لعلي و شيعته يا جابر إن الله تعالى عز و جل نقلنا فقذف بنا في صلب آدم فأما أنا فاستقررت في جانبه الأيمن و أما علي فاستقر في جانبه الأيسر ثم إن الله عز و جل نقلنا من صلب آدم في الأصلاب الطاهرة فما نقلني من صلب إلا نقل عليا معي فلم نزل كذلك حتى أطلعنا الله تعالى من ظهر طاهر و هو ظهر عبد المطلب ثم نقلني عن ظهر طاهر و هو عبد الله و استودعني خير رحم و هي آمنة فلما أن ظهرت ارتجت الملائكة و ضجت و قالت إلهنا و سيدنا ما بال وليك علي لا نراه مع النور الأزهر يعنون بذلك محمدا ص فقال الله عز و جل فأقروا أني أعلم بوليي و أشفق عليه منكم فأطلع الله عز و جل عليا من ظهر طاهر و هو خير ظهر من بني هاشم بعد أبي و استودعه خير رحم و هي فاطمة بنت أسد فمن قبل أن صار في الرحم كان رجل في ذلك الزمان و كان زاهدا عابدا يقال له المثرم بن رعيب بن الشيقيان و كان من أحد العباد قد عبد الله تعالى مائتين و سبعين سنة لم يسأله حاجة حتى أن الله عز و جل أسكن في قلبه الحكمة و ألهمه لحسن طاعته لربه فسأل الله تعالى أن يريه وليا له فبعث الله تعالى له بأبي طالب فلما بصر به المثرم قام إليه و قبل رأسه و أجلسه بين يديه ثم قال من أنت يرحمك الله فقال له رجل من تهامة فقال من أي تهامة فقال من عبد مناف فقال من أي عبد مناف قال من هاشم فوثب العابد و قبل رأسه ثانية و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني وليه

 ثم قال أبشر يا هذا فإن العلي الأعلى ألهمني إلهاما فيه بشارتك فقال أبو طالب و ما هو قال ولد يولد من ظهرك هو ولي الله عز و جل و إمام المتقين و وصي رسول رب العالمين فإن أنت أدركت ذلك الولد من ذلك فأقرئه مني السلام و قل له إن المثرم يقرأ عليك السلام و يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله به تتم النبوة و بعلي تتم الوصية قال فبكى أبو طالب و قال فما اسم هذا المولود قال اسمه علي قال أبو طالب إني لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان مبين و دلالة واضحة قال المثرم ما تريد قال أريد أن أعلم أن ما تقوله حق و أن رب العالمين ألهمك ذلك قال فما تريد أن أسأل لك الله تعالى أن يطعمك في مكانك هذا قال أبو طالب أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا قال فدعا الراهب ربه قال جابر قال رسول الله ص فما استتم المثرم الدعاء حتى أتي بطبق عليه فاكهة من الجنة و عذق رطب و عنب و رمان فجاء به المثرم إلى أبي طالب فتناول منه رمانة فنهض من ساعته إلى فاطمة بنت أسد فلما أن نحى و استودعها النور ارتجت الأرض و تزلزلت بهم سبعة أيام حتى أصاب قريشا من ذلك شدة ففزعوا فقالوا مروا بآلهتكم إلى ذروة جبل أبي قبيس حتى نسألهم يسكنون لنا ما قد نزل بنا و حل بساحتنا فلما أن اجتمعوا إلى جبل أبي قبيس و هو يرتج ارتجاجا و يضطرب اضطرابا فتساقطت الآلهة على وجوهها فلما نظروا إلى ذلك قالوا لا طاقة لنا بذلك ثم صعد أبو طالب الجبل و قال لهم أيها الناس اعلموا أن الله عز و جل قد أحدث في هذه الليلة حادثا و خلق فيها خلقا أن تطيعوه و تقروا له بالطاعة و تشهدوا له بالإمامة المستحقة و إلا لم يسكن ما بكم حتى لا يكون بتهامة مسكن قالوا يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك فبكى و رفع يديه و قال إلهي و سيدي أسألك بالمحمدية المحمودة و العلوية العالية و الفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة و الرحمة قال جابر قال رسول الله ص فما استتم أبو طالب الكلام حتى سكنت الأرض و الجبال و تعجب الناس من ذلك قال جابر قال رسول الله ص فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة فقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فيدعون بها عند شدائدهم في الجاهلية و هي لا تعلمها و لا تعرف حقيقتها حتى ولد علي بن أبي طالب ع فلما كان في الليلة التي ولد فيها علي ع أشرقت الأرض و تضاعفت النجوم فأبصرت قريش من ذلك عجبا فصاح بعضهم في بعض و قالوا إنه قد حدث في السماء حادث أ ترون من إشراق السماء و ضيائها و تضاعف النجوم بها قال فخرج أبو طالب و هو يتخلل سكك مكة و مواقعها و أسواقها و هو يقول لهم أيها الناس ولد الليل في الكعبة حجة الله تعالى و ولي الله فبقي الناس يسألونه عن علة ما يرون من إشراق السماء فقال لهم أبشروا فقد ولد هذه الليلة ولي من أولياء الله عز و جل يختم به جميع الخير و يذهب به جميع الشر و يتجنب الشرك و الشبهات و لم يزل يلزم هذه الألفاظ حتى أصبح فدخل الكعبة و هو يقول هذه الأبيات

يا رب رب الغسق الدجى و القمر المبتلج المضي‏بين لنا من حكمك المقضي ما ذا ترى لي في اسم ذا الصبي

قال فسمع هاتفا يقول

خصصتما بالولد الزكي و الطاهر المطهر الرضي

 إن اسمه من شامخ علي علي اشتق من العلي

فلما سمع هذا خرج من الكعبة و غاب عن قومه أربعين صباحا قال جابر فقلت يا رسول الله عليك السلام إلى أين غاب قال مضى إلى المثرم ليبشره بمولد علي بن أبي طالب و كان المثرم قد مات في جبل لكام لأنه عهد إليه إذا ولد هذا المولود أن يقصد جبل لكام فإن وجده حيا بشره و إن وجده ميتا أنذره فقال جابر يا رسول الله كيف يعرف قبره و كيف ينذره ميتا فقال يا جابر اكتم ما تسمع فإنه من سرائر الله تعالى المكنونة و علومه المخزونة إن المثرم كان قد وصف لأبي طالب كهفا في جبل لكام و قال له إنك تجدني هناك حيا أو ميتا فلما أن مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف و دخله فإذا هو بالمثرم ميتا جسده ملفوف في مدرعته مسجى بها و إذا بحيتين إحداهما أشد بياضا من القمر و الأخرى أشد سوادا من الليل المظلم و هما في الكهف فدخل أبو طالب إليه و سلم عليه فأحيا الله عز و جل المثرم فقام قائما و مسح وجهه و هو يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن عليا ولي الله هو الإمام من بعده ثم قال له المثرم بشرني يا أبا طالب فقد كان قلبي متعلقا بك حتى من الله علي بقدومك فقال له أبو طالب أبشر فإن عليا قد طلع إلى الأرض قال فما كان علامة الليلة التي ولد فيها حدثني بأتم ما رأيت في تلك الليلة قال أبو طالب نعم شاهدته فلما مر من الليل الثلث أخذ فاطمة بنت أسد ما يأخذ النساء عند الولادة فقرأت عليها الأسماء التي فيها النجاة فسكنت بإذن الله تعالى فقلت لها أنا آتيك بنسوة من أحبائك ليعينوك على أمرك قالت الرأي لك فاجتمعت النسوة عندها فإذا أنا بهاتف يهتف من وراء البيت أمسك عنهن يا أبا طالب فإن ولي الله لا تمسه إلا يد مطهرة فلم يتم الهاتف فإذا أنا بأربع نسوة فدخلن عليها و عليهن ثياب حرير بيض و إذا روائحهن أطيب من المسك الأذفر فقلن لها السلام عليك يا ولية الله فأجابتهن بذلك فجلسن بين يديها و معهن جؤنة من فضة فما كان إلا قليل حتى ولد أمير المؤمنين فلما أن ولد أتيتهن فإذا أنا به قد طلع كأنه الشمس الطالعة فسجد على الأرض و هو يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و أني وصي نبيه تختم به النبوة و تختم بي الوصية فأخذته إحداهن من الأرض و وضعته في حجرها فلما وضعته نظر إلى وجهها و نادى بلسان طلق و يقول السلام عليك يا أماه فقالت و عليك السلام يا بني فقال كيف والدي قالت في نعم الله عز و جل يتقلب و في خيرته يتنعم فلما أن سمعت ذلك لم أتمالك أن قلت يا بني أ و لست أباك فقال بلى و لكن أنا و أنت من صلب آدم فهذه أمي حواء فلما سمعت ذلك غضضت وجهي و رأسي و غطيته بردائي و ألقيت نفسي حياء منها ع ثم دنت أخرى و معها جؤنة مملوءة من المسك فأخذت عليا ع فلما نظر إلى وجهها قال السلام عليك يا أختي فقالت و عليك السلام يا أخي فقال ما حال عمي فقالت بخير و هو

 يقرأ عليك السلام فقلت يا بني من هذه و من عمك فقال هذه مريم بنت عمران و عمي عيسى ع فضمخته بطيب كان معها في الجؤنة من الجنة ثم أخذته أخرى فأدرجته في ثوب كان معها قال أبو طالب فقلت لو طهرناه كان أخف عليه و ذلك أن العرب تطهر مواليدها في يوم ولادتها فقلن إنه ولد طاهرا مطهرا لأنه لا يذيقه الله الحديد إلا على يدي رجل يبغضه الله تعالى و ملائكته و السماوات و الأرض و الجبال و هو أشقى الأشقياء فقلت لهن من هو قلن هو عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تعالى و هو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد ص قال أبو طالب فأنا كنت في استماع قولهن إذ أخذه محمد بن عبد الله ابن أخي من يدهن و وضع يده في يده و تكلم معه و سأله عن كل شي‏ء فخاطب محمد ص عليا ع و خاطب علي ع محمدا ص بأسرار كانت بينهما ثم غابت النسوة فلم أرهن فقلت في نفسي ليتني كنت أعرف الامرأتين الأخيرتين و كان علي أعرف مني فسألته عنهن فقال لي يا أبت أما الأولى فكانت أمي حواء و أما الثانية التي ضمختني بالطيب فكانت مريم بنت عمران و أما التي أدرجتني في الثوب فهي آسية و أما صاحبة الجؤنة فكانت أم موسى ع ثم قال علي ع الحق بالمثرم يا أبا طالب و بشره و أخبره بما رأيت فإنك تجده في كهف كذا في موضع كذا و كذا فلما فرغ من المناظرة مع محمد ابن أخي و من مناظرتي عاد إلى طفوليته الأولى فأتيتك فأخبرتك و شرحت لك القصة بأسرها بما عاينت و شاهدت من ابني علي يا مثرم فقال أبو طالب فلما سمع المثرم ذلك مني بكى بكاء شديدا في ذلك و فكر ساعة ثم سكن و تمطى ثم غطى رأسه و قال لي غطني بفضل مدرعتي فغطيته بفضل مدرعته فتمدد فإذا هو ميت كما كان فأقمت عنده ثلاثة أيام أكلمه فلم يجبني فاستوحشت لذلك فخرجت الحيتان و قالتا الحق بولي الله فإنك أحق بصيانته و كفالته من غيرك فقلت لهما من أنتما قالتا نحن عمله الصالح خلقنا الله عز و جل على الصورة التي ترى و نذب عنه الأذى ليلا و نهارا إلى يوم القيامة فإذا قامت الساعة كانت إحدانا قائدته و الأخرى سائقته و دليله إلى الجنة ثم انصرف أبو طالب إلى مكة قال جابر بن عبد الله قال لي رسول الله ص شرحت لك ما سألتني و وجب عليك الحفظ لها فإن لعلي عند الله من المنزلة الجليلة و العطايا الجزيلة ما لم يعط أحد من الملائكة المقربين و لا الأنبياء المرسلين و حبه واجب على كل مسلم فإنه قسيم الجنة و النار و لا يجوز أحد على الصراط إلا ببراءة من أعداء علي ع

 كتاب غرر الدرر، للسيد حيدر الحسيني عن الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الرشيد الأصبهاني عن الحسن بن أحمد العطار الهمداني عن الإمام ركن الدين أحمد بن محمد بن إسماعيل الفارسي عن فاروق الخطابي عن حجاج بن منهال عن الحسن بن عمران الفسوي عن شاذان بن العلاء عن عبد العزيز بن عبد الصمد بن مسلم بن خالد المكي عن أبي الزبير عن جابر مثله

34-  ضه، ]روضة الواعظين[ قال أبو عبد الله ع لما حضر أبا طالب الوفاة جمع وجوه قريش فأوصاهم فقال يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه و قلب العرب و أنتم خزنة الله في أرضه و أهل حرمه فيكم السيد المطاع الطويل الذراع و فيكم المقدم الشجاع الواسع الباع اعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيبا إلا حزتموه و لا شرفا إلا أدركتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة و لهم به إليكم الوسيلة و الناس لكم حرب و على حربكم ألب و إني موصيكم بوصية فاحفظوها أوصيكم بتعظيم هذه البنية فإن فيها مرضاة الرب و قواما للمعاش و ثبوتا للوطأة و صلوا أرحامكم ففي صلتها منساة في الأجل و زيادة في العدد و اتركوا العقوق و البغي ففيهما هلكت القرون قبلكم أجيبوا الداعي و أعطوا السائل فإن فيها شرفا للحياة و الممات عليكم بصدق الحديث و أداء الأمانة فإن فيهما نفيا للتهمة و جلالة في الأعين و اجتنبوا الخلاف على الناس و تفضلوا عليهم فإن فيهما محبة للخاصة و مكرمة للعامة و قوة لأهل البيت و إني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش و الصديق في العرب و هو جامع لهذه الخصال التي أوصيكم بها قد جاءكم بأمر قبله الجنان و أنكره اللسان مخافة الشنآن و ايم الله لكأني أنظر إلى صعاليك العرب و أهل العز في الأطراف و المستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته و صدقوا كلمته و عظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش و صناديدها أذنابا و دورها خرابا و ضعفاؤها أربابا و إذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه و أبعدهم منه أخطأهم لديه قد محضته العرب ودادها و صفت له بلادها و أعطته قيادها فدونكم يا معشر قريش ابن أبيكم و أمكم كونوا له ولاة و لحربه حماة و الله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد و لا يأخذ أحد بهداه إلا سعد و لو كان لنفسي مدة و في أجلي تأخير لكفيته الكوافي و لدافعت عنه الدواهي غير أني أشهد بشهادته و أعظم مقالته

 بيان قال في القاموس ألب إليه القوم أتوه من كل جانب و هم عليه ألب و إلب واحد مجتمعون عليه بالظلم و العداوة قوله مخافة الشنآن هو بفتح النون و سكونها البغضاء أي لم أظهره باللسان مخافة عداوة القوم. و قال الجوهري الصعلوك الفقير و صعاليك العرب ذؤبانها. أقول روى بعض أرباب السير المعتبرة مثله ثم قال و في لفظ آخر لما حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد و ما اتبعتم أمره فأطيعوه ترشدوا. و أقول ألف السيد الفاضل السعيد شمس الدين أبو علي فخار بن معد الموسوي كتابا في إثبات إيمان أبي طالب و أورد فيه أخبارا كثيرة من طرق الخاصة و العامة و هو من أعاظم محدثينا و داخل في أكثر طرقنا إلى الكتب المعتبرة و سنورد طريقنا إليه في المجلد الآخر من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى و استخرجنا من كتابه بعض الأخبار

35-  قال أخبرني شيخنا أبو عبد الله محمد بن إدريس عن أبي الحسن علي بن إبراهيم عن الحسن بن طحان عن أبي علي الحسن بن محمد عن والده محمد بن الحسن عن رجاله عن الحسن بن جمهور عن أبيه عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع كردين عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص هبط علي جبرئيل فقال لي يا محمد إن الله عز و جل شفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب و صلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب و حجر كفلك أبو طالب و بيت آواك عبد المطلب و أخ كان لك في الجاهلية قيل يا رسول الله و ما كان فعله قال كان سخيا يطعم الطعام و يجود بالنوال و ثدي أرضعتك حليمة بنت أبي ذؤيب

  -36  و أخبرني الشيخ أبو عبد الله بهذا الإسناد عن محمد بن الحسن عن رجاله يرفعونه إلى إدريس و علي بن أسباط جميعا قالا إن أبا عبد الله ع قال أوحى الله تعالى إلى النبي ص أني حرمت النار على صلب أنزلك و بطن حملك و حجر كفلك و أهل بيت آووك فعبد الله بن عبد المطلب الصلب الذي أخرجه و البطن الذي حمله آمنة بنت وهب و الحجر الذي كفله فاطمة بنت أسد و أما أهل البيت الذين آووه فأبو طالب

37-  و أخبرني الشيخ أبو الفضل بن الحسين عن محمد بن محمد بن الجعفرية عن محمد بن الحسن بن أحمد عن محمد بن أحمد بن شهريار عن والده أحمد عن محمد بن شاذان عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبي علي عن الحسين بن أحمد عن أحمد بن هلال عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول نزل جبرئيل على رسول الله ص فقال يا محمد ربك يقرئك السلام و يقول لك إني قد حرمت النار على صلب أنزلك و على بطن حملك و حجر كفلك فقال جبرئيل أما الصلب الذي أنزلك فصلب عبد الله بن عبد المطلب و أما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب و أما الحجر الذي كفلك فعبد مناف بن عبد المطلب و فاطمة بنت أسد

38-  و أخبرني الشيخ شاذان بن جبرئيل عن عبد الله بن عمر الطرابلسي عن القاضي عبد العزيز عن محمد بن علي بن عثمان الكراجكي عن الحسن بن محمد بن علي عن منصور بن جعفر بن ملاعب عن محمد بن داود بن جندل عن علي بن الحرب عن زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله عن العباس بن عبد المطلب أنه سأل رسول الله ص فقال ما ترجو لأبي طالب فقال كل خير أرجو من ربي عز و جل

39-  و بالإسناد عن الكراجكي عن محمد بن أحمد بن علي عن محمد بن عثمان بن عبد الله عن جعفر بن محمد عن عبيد الله بن أحمد عن محمد بن زياد عن مفضل بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين ع أنه كان جالسا في الرحبة و الناس حوله فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله و أبوك معذب في النار فقال مه فض الله فاك و الذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم أبي معذب في النار و ابنه قسيم الجنة و النار و الذي بعث محمدا بالحق إن نور أبي طالب ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار نور محمد و نور فاطمة و نور الحسن و نور الحسين و نور ولده من الأئمة ألا إن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام

40-  و بالإسناد عن الكراجكي عن الحسين بن عبيد الله بن علي عن هارون بن موسى عن علي بن همام عن علي بن محمد القمي عن منجح الخادم عن أبان بن محمد قال كتبت إلى الإمام علي بن موسى ع جعلت فداك إني شككت في إيمان أبي طالب قال فكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و من يبتغ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى أما إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار

41-  و أخبرني عبد الحميد بن عبد الله عن عمر بن الحسين بن عبد الله بن محمد عن محمد بن علي بن بابويه بإسناد له أن عبد العظيم بن عبد الله العلوي كان مريضا فكتب إلى أبي الحسن الرضا ع عرفني يا ابن رسول الله عن الخبر المروي أن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه فكتب إليه الرضا ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإنك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار

42-  و بالإسناد إلى الكراجكي عن رجاله عن أبان عن محمد بن يونس عن أبيه عن أبي عبد الله ع أنه قال يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب قلت جعلت فداك يقولون هو في ضحضاح من نار و في رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه فقال كذب أعداء الله إن أبا طالب من رفقاء النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً

 أقول روى الكراجكي تلك الأخبار في كتاب كنز الفوائد مع أشعار كثيرة دالة على إيمانه تركناها مخافة التطويل و التكرار رجعنا إلى كلام السيد

43-  و أخبرني الشيخ أبو الفضل بن الحسين الحلي عن محمد بن محمد بن الجعفرية عن محمد بن أحمد بن الحسن عن محمد بن أحمد بن شهريار عن أبي الحسن بن شاذان عن محمد بن علي بن بابويه عن أبي علي عن الحسين بن أحمد المالكي عن أحمد بن هلال عن علي بن حسان عن عمه قال قلت لأبي عبد الله ع إن الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار فقال كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل على النبي ص قلت و بما نزل قال أتى جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يقول لك إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الشرك فآتاهم الله أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ و إن أبا طالب أسر الإيمان و أظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين و ما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة ثم قال ع كيف يصفونه بهذا و قد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال يا محمد اخرج عن مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب

44-  و أخبرني الشيخ محمد بن إدريس عن أبي الحسن العريضي عن الحسين بن طحان عن أبي علي عن محمد بن الحسن بن علي الطوسي عن رجاله عن ليث المرادي قال قلت لأبي عبد الله ع سيدي إن الناس يقولون إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه قال ع كذبوا و الله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان و إيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم ثم قال ع كان و الله أمير المؤمنين يأمر أن يحج عن أب النبي و أمه و عن أبي طالب في حياته و لقد أوصى في وصيته بالحج عنهم بعد مماته

 ثم قال قدس الله روحه فهذه الأخبار المختصة بذكر الضحضاح و ما شاكلها من روايات أهل الضلال و موضوعات بني أمية و أشياعهم و أحاديث الضحضاح جميعها تستند إلى المغيرة بن شعبة و هو رجل ضنين في حق بني هاشم لأنه معروف بعداوتهم و روي أنه شرب في بعض الأيام فلما سكر قيل له ما تقول في إمامة بني هاشم فقال و الله ما أردت لهاشمي قط خيرا و هو مع ذلك فاسق ثم ذكر قصة زناه بالبصرة و تعطيل عمر حده كما ذكرناه في كتاب الفتن و ذكر وجوها أخر لبطلان هذه الرواية تركناها روما للاختصار ثم قال

45-  و أخبرني شاذان بن جبرئيل بإسناده إلى محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلى داود الرقي قال دخلت على أبي عبد الله ع و لي على رجل دين و قد خفت تواه فشكوت ذلك إليه فقال إذا مررت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافا و صل عنه ركعتين و طف عن أبي طالب طوافا و صل عنه ركعتين و طف عن عبد الله طوافا و صل عنه ركعتين و طف عن آمنة طوافا و صل عنها ركعتين و طف عن فاطمة بنت أسد طوافا و صل عنها ركعتين ثم ادع الله عز و جل أن يرد عليك ما لك قالوا ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا فإذا غريمي واقف يقول يا داود حبستني تعال فاقبض حقك

46-  و أخبرني محمد بن إدريس بإسناده إلى أبي جعفر الطوسي عن رجاله عن الثمالي عن عكرمة عن ابن عباس قال أخبرني العباس بن عبد المطلب أن أبا طالب شهد عند الموت أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله

47-  و بالإسناد عن أبي جعفر عن رجاله عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله ص من نفسه الرضا

48-  و بالإسناد عن حماد عن أبي عبد الله ع قال إنا لنرى أن أبا طالب أسلم بكلام الجمل

 أقول قال السيد رضي الله عنه قوله ع لنرى معناه لنعتقد لأنه يقال فلان يرى رأي فلان أي يعتقد اعتقاده و قوله ع بكلام الجمل يعني الجمل الذي خاطب النبي ص و قصته معروفة ثم قال

49-  و أخبرني محمد بن إدريس بإسناده إلى أبي جعفر يرفعه إلى أيوب بن نوح عن العباس بن عامر عن ربيع بن محمد عن أبي سلام بن أبي حمزة عن معروف بن خربوذ عن عامر بن واثلة قال قال علي ع إن أبي حين حضره الموت شهده رسول الله ص فأخبرني فيه بشي‏ء أحب إلي من الدنيا و ما فيها

50-  و أخبرني عبد الحميد بن التقي بإسناده عن أبي علي الموضح عن الحسن السكوني عن أحمد بن محمد بن سعيد عن الزبير بن بكار عن إبراهيم المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي حبيبة عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء أبو بكر إلى النبي ص بأبي قحافة يقوده و هو شيخ كبير أعمى فقال رسول الله ص لأبي بكر أ لا تركت الشيخ حتى نأتيه فقال أردت يا رسول الله أن يأجرني الله أما و الذي بعثك بالحق نبيا لأنا كنت أشد فرحا بإسلام عمك أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك فقال رسول الله ص صدقت

 و قد روى هذا الحديث أبو الفرج الأصفهاني عن أبي بشر عن الغلابي عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن أبي صالح عن ابن عباس قال جاء أبو بكر بأبي قحافة إلى النبي ص و ذكر الحديث

51-  و بالإسناد عن أبي علي الموضح عن محمد بن الحسن العلوي عن عبد العزيز بن يحيى عن أحمد بن محمد العطار عن حفص بن عمر بن الحارث عن عمر بن أبي زائدة عن عبد الله بن أبي الصيفي عن الشعبي يرفعه عن أمير المؤمنين ع قال كان و الله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش

 قال أبو علي الموضح و لأمير المؤمنين ع في أبيه يرثيه يقول

أبا طالب عصمة المستجير و غيث المحول و نور الظلم‏لقد هد فقدك أهل الحفاظ فصلى عليك ولي النعم‏و لقاك ربك رضوانه فقد كنت للطهر من خير عم

فلو كان مات كافرا ما كان أمير المؤمنين ع يرثيه بعد موته و يدعو له بالرضوان من الله تعالى

52-  و بالإسناد عن أبي علي الموضح قال تواترت الأخبار بهذه الرواية و بغيرها عن علي بن الحسين ع أنه سئل عن أبي طالب أ كان مؤمنا فقال نعم فقيل له إن هاهنا قوما يزعمون أنه كافر فقال وا عجباه أ يطعنون على أبي طالب أو على رسول الله ص و قد نهاه الله أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن و لا يشك أحد أن بنت أسد من المؤمنات السابقات و أنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه

53-  و أخبرني الحسن بن معية عن عبد الله بن جعفر بن محمد الدوريستي عن أبيه عن جده عن محمد بن علي بن بابويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله عن خلف بن حماد عن أبي الحسن المعيدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال قال أبو طالب للنبي ص بمحضر من قريش ليريهم فضله يا ابن أخي الله أرسلك قال نعم قال إن للأنبياء معجزا و خرق عادة فأرنا آية قال ادع تلك الشجرة و قل لها يقول لك محمد بن عبد الله أقبلي بإذن الله فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أمرها بالانصراف فانصرفت فقال أبو طالب أشهد أنك صادق ثم قال لابنه علي يا بني الزم ابن عمك

54-  و أخبرني بالإسناد إلى أبي الفرج عن هارون بن موسى عن محمد بن علي عن علي بن أحمد بن مسعدة عن عمه عن أبي عبد الله ع أنه قال كان أمير المؤمنين ع يعجبه أن يروي شعر أبي طالب و أن يدون و قال تعلموه و علموه أولادكم فإنه كان على دين الله و فيه علم كثير

  -55  و أخبرني أبو الفضل شاذان بن جبرئيل عن الكراجكي عن طاهر بن موسى عن مزاحم بن عبد الوارث عن أبي بكر بن عبد العزيز عن العباس بن علي عن علي بن عبد الله عن جعفر بن عبد الواحد عن العباس بن الفضل عن إسحاق بن عيسى قال سمعت أبي يقول سمعت المهاجر مولى بني نوفل يقول سمعت أبا طالب بن عبد المطلب يقول حدثني محمد ص أن ربه بعثه بصلة الرحم و أن يعبد الله وحده و لا يعبد معه غيره و محمد عندي الصادق الأمين

56-  و حدثني بهذا الحديث نصر بن علي عن ذاكر بن كامل عن علي بن أحمد الحداد عن أحمد بن عبد الله الحافظ عن أحمد بن فارس المعبدي عن علي بن سراج عن جعفر بن عبد الواحد عن محمد بن عباد عن إسحاق بن عيسى عن مهاجر مولى بني نوفل قال سمعت أبا رافع يقول سمعت أبا طالب يقول حدثني محمد ص أن الله أمره بصلة الأرحام و أن يعبد الله وحده و لا يعبد معه غيره و محمد عندي المصدق الأمين

57-  و أخبرنا به أيضا محمد بن إدريس بإسناده إلى أبي الفرج عن أحمد بن إبراهيم عن هارون بن عيسى عن جعفر بن عبد الواحد عن العباس بن الفضل عن إسحاق بن عيسى عن أبيه قال سمعت المهاجر مولى بني نوفل يقول سمعنا أبا رافع يقول سمعت أبا طالب يقول حدثني محمد بن عبد الله أن ربه بعثه بصلة الأرحام و أن يعبد الله وحده لا شريك له و لا يعبد سواه و محمد الصدوق الأمين

58-  و أخبرني يحيى بن محمد بن أبي زيد عن أبيه عن محمد بن محمد بن أبي الغنائم عن الشريف علي بن محمد الصوفي عن الحسين بن أحمد البصري عن يحيى بن محمد عن أبيه عن أبي علي بن همام عن جعفر بن محمد الفزاري عن عمران بن معافا عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد عن أبي بصير عن الباقر ع أنه قال مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا و شعره في ديوانه يدل على إيمانه ثم محبته و تربيته و نصرته و معاداة أعداء رسول الله ص و موالاة أوليائه و تصديقه إياه بما جاء به من ربه و أمره لولديه علي و جعفر بأن يسلما و يؤمنا بما يدعو إليه و أنه خير الخلق و أنه يدعو إلى الحق و المنهاج المستقيم و أنه رسول الله رب العالمين فثبت ذلك في قلوبهما فحين دعاهما رسول الله ص أجاباه في الحال و ما تلبثا لما قد قرره أبوهما عندهما من أمره و كانا يتأملان أفعال رسول الله ص فيجدانها كلها حسنة يدعو إلى سداد و استناد فحسبك إن كنت منصفا منه هذا أن يسمح بمثل علي و جعفر ولديه و كانا من قلبه بالمنزلة المعروفة المشهورة لما يأخذان به أنفسهما من الطاعة له و الشجاعة و قلة النظير لهما أن يطيعا رسول الله ص فيما يدعوهما إليه من دين و جهاد و بذل أنفسهما و معاداة من عاداه و موالاة من والاه من غير حاجة إليه لا في مال و لا في جاه و لا غيره لأن عشيرته أعداؤه و أما المال فليس له فلم يبق إلا الرغبة فيما جاء به من ربه

 أقول الظاهر أنه إلى هنا من الرواية لأنه رحمه الله قال بعد ذلك فهذا الحديث مروي عن الإمام أبي جعفر الباقر ع فلقد بين حال أبي طالب فيه أحسن تبيين و نبه على إيمانه أجل تنبيه و لقد كان هذا الحديث كافيا في معرفة إيمان أبي طالب أسكنه الله جنته لمن كان منصفا لبيبا عاقلا أديبا و

 قد كنت سمعت جماعة من أصحابنا العلماء مذاكرة يروون عن الأئمة الراشدين من آل محمد صلوات الله عليهم أنهم سئلوا عن قول النبي ص المتفق على روايته المجمع على صحته أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة فقالوا أراد بكافل اليتيم عمه أبا طالب لأنه كفله يتيما من أبويه و لم يزل شفيقا عليه

ثم قال قدس سره

59-  و أخبرني السيد عبد الحميد عن عبد السميع بن عبد الصمد عن جعفر بن هاشم بن علي عن جده عن أبي الحسن علي بن محمد الصوفي عن الحسن بن محمد بن يحيى عن جده يحيى بن الحسن يرفعه إن رسول الله ص قال لعقيل بن أبي طالب أنا أحبك يا عقيل حبين حبا لك و حبا لأبي طالب لأنه كان يحبك

60-  و أخبرني أبو الفضل شاذان بن جبرئيل عن الكراجكي يرفعه قال أصابت قريشا أزمة مهلكة و سنة مجدبة منهكة و كان أبو طالب ذا مال يسير و عيال كثير فأصابه ما أصاب قريشا من العدم و الإضاقة و الجهد و الفاقة فعند ذلك دعا رسول الله ص عمه العباس فقال له يا أبا الفضل إن أخاك كثير العيال مختل الحال ضعيف النهضة و العزمة و قد نزل به ما نزل من هذه الأزمة و ذوو الأرحام أحق بالرفد و أولى من حمل الكل في ساعة الجهد فانطلق بنا إليه لنعينه على ما هو عليه فلنحمل بعض أثقاله و نخفف عنه من عياله يأخذ كل واحد منا واحدا من بنيه ليسهل بذلك عليه بعض ما هو فيه فقال العباس نعم ما رأيت و الصواب فيما أتيت هذا و الله الفضل الكريم و الوصل الرحيم فلقيا أبا طالب فصبراه و لفضل آبائهما ذكراه و قالا له إنا نريد أن نحمل عنك بعض الحال فادفع إلينا من أولادك من تخف عنك به الأثقال فقال أبو طالب إذا تركتما لي عقيلا و طالبا فافعلا ما شئتما فأخذ العباس جعفرا و أخذ رسول الله ص عليا فانتجبه لنفسه و اصطفاه لمهم أمره و عول عليه في سره و جهره و هو مسارع لموصوفاته موفق للسداد في جميع حالاته

 و قد روي من طريق آخر أن العباس بن عبد المطلب أخذ جعفرا و أخذ حمزة طالبا و أخذ رسول الله ص عليا

 و روي من طريق آخر أن أبا طالب قال للنبي ص و العباس حين سألاه ذلك إذا خليتما لي عقيلا فخذا من شئتما و لم يذكر طالبا

61-  و أخبرني الشيخ الفقيه شاذان بإسناده إلى الكراجكي يرفعه إن أبا جهل بن هشام جاء إلى النبي ص و معه حجر يريد أن يرميه به إذا سجد فلما سجد رسول الله ص رفع أبو جهل يده فيبست على الحجر فرجع و قد التصق الحجر بيده فقال له أشياعه من المشركين أ خشيت قال لا و لكني رأيت بيني و بينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه فقال في ذلك أبو طالب رضي الله عنه و أرضاه هذه الأبيات

أفيقوا بني عمنا و انتهوا عن الغي في بعض ذا المنطق‏و إلا فإني إذا خائف بوائق في داركم تلتقي‏تكون لغابركم عبرة و رب المغارب و المشرق‏كما ذاق من كان من قبلكم ثمود و عاد فمن ذا بقي‏غداة أتتهم بها صرصر و ناقة ذي العرش إذ تستقي‏فحل عليهم بها سخطة من الله في ضربة الأزرق‏غداة يعض بعرقوبها حسام من الهند ذو رونق‏و أعجب من ذاك في أمركم عجائب في الحجر الملصق

 بكف الذي قام من حينه إلى الصابر الصادق المتقي‏فأثبته الله في كفه على رغم ذا الخائن الأحمق

 و أقول روى الكراجكي رحمه الله هذا الخبر بعينه مرسلا

62-  ثم قال السيد و أخبرني عبد الحميد بإسناده إلى الشريف الموضح يرفعه قال كان أبو طالب يحث ابنه عليا و يحضه على نصر النبي ص و قال علي ع قال لي يا بني الزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل و آجل ثم قال لي

إن الوثيقة في لزوم محمد فاشدد بصحبته على يديكا

63-  و أخبرني شاذان بن جبرئيل عن الكراجكي عن محمد بن علي بن صخر عن عمر بن محمد بن سيف عن محمد بن محمد بن سليمان عن محمد بن صنو بن صلصال قال قال كنت أنصر النبي ص مع أبي طالب قبل إسلامي فإني يوما لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيها بالملهوف فقال لي يا أبا الغضنفر هل رأيت هذين الغلامين يعني النبي و عليا صلوات الله عليهما فقلت ما رأيتهما مذ جلست فقال قم بنا في الطلب لهما فلست آمن قريشا أن تكون اغتالتهما قال فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقينا إلى قلته فإذا النبي و علي عن يمينه و هما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان و يسجدان قال فقال أبو طالب لجعفر ابنه صل جناح ابن عمك فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي ص فتقدمهما و أقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول

إن عليا و جعفرا ثقتي عند ملم الزمان و النوب‏لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي‏و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسب

64-  و أخبرني عبد الحميد بإسناده يرفعه إلى عمران بن حصين قال كان و الله إسلام جعفر بأمر أبيه و ذلك أنه مر أبو طالب و معه ابنه جعفر برسول الله ص و علي عن يمينه فقال أبو طالب لجعفر صل جناح ابن عمك فجاء جعفر فصلى مع النبي ص فلما قضى صلاته قال له النبي ص يا جعفر وصلت جناح ابن عمك إن الله يعوضك من ذلك جناحين تطير بهما في الجنة فأنشأ أبو طالب يقول

إن عليا و جعفرا ثقتي إلى قوله ذو حسب‏حتى ترون الرءوس طائحة منا و منكم هناك بالقضب‏نحن و هذا النبي أنصره نضرب عنه الأعداء كالشهب‏إن نلتموه بكل جمعكم فنحن في الناس ألأم العرب

 65-  و روى الواقدي بإسناد له أن رسول الله لما كثر أصحابه فظهر أمره اشتد ذلك على قريش و أنكر بعضهم على بعض و قالوا قد أفسد محمد بسحره سفلتنا و أخرجهم عن ديننا فلتأخذ كل قبيلة من فيها من المسلمين فيأخذ الأخ أخاه و ابن العم ابن عمه فيشده و يوثقه كتافا و يضربه و يخوفه و هم لا يرجعون فأنزل الله أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فخرج جماعة من المسلمين إلى الحبشة يقدمهم جعفر بن أبي طالب فنزلوا على النجاشي ملك الحبشة فأقاموا عنده في كرامة و رفيع منزلة و حسن جوار و عرفت قريش ذلك فأرسلوا إلى النجاشي عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي فخرج فلما قدم عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد في رهط من أصحابهما على النجاشي تقدم عمرو بن العاص فقال أيها الملك إن هؤلاء قوم من سفهائنا صباة قد سحرهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فادفعهم عنك فإن صاحبهم يزعم أنه نبي قد جاء بنسخ دينك و محو ما أنت عليه فلم يلتفت النجاشي إلى قوله و لم يحفل بما أرسلت به قريش و جرى على إكرام جعفر و أصحابه و زاد في الإحسان إليهم و بلغ أبا طالب ذلك فقال يمدح النجاشي

ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر و عمرو و أعداء النبي الأقارب‏و هل نال أفعال النجاشي جعفرا و أصحابه أم عاق ذلك شاهب‏تعلم خيار الناس أنك ماجد كريم فلا يشقى لديك المجانب‏و تعلم بأن الله زادك بسطة و أسباب خير كلها لك لازب

 فلما بلغت الأبيات النجاشي سر بها سرورا عظيما و لم يكن يطمع أن يمدحه أبو طالب بشعر فزاد في إكرامهم و أكثر من إعظامهم فلما علم أبو طالب سرور النجاشي قال يدعوه إلى الإسلام و يحثه على اتباع النبي عليه أفضل الصلاة و السلام 

تعلم خيار الناس أن محمدا وزير لموسى و المسيح ابن مريم‏أتى بالهدى مثل الذي أتيا به فكل بأمر الله يهدي و يعصم‏و إنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث الترجم‏فلا تجعلوا لله ندا و أسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم‏و إنك ما يأتيك منا عصابة لقصدك إلا أرجعوا بالتكرم

66-  و أخبرني الشيخ عبد الرحمن بن محمد الجوزي و كان ممن يرى كفر أبي طالب و يعتقده بإسناده إلى الواقدي قال كان أبو طالب بن عبد المطلب لا يغيب صباح النبي ص و مساءه و يحرسه من أعدائه و يخاف أن يغتالوه فلما كان ذات يوم فقده و لم يره و جاء المساء فلم يره و أصبح فطلبه في مظانه فلم يجده فجمع ولدانه و عبيده و من يلزمه في نفسه فقال لهم إن محمدا قد فقدته في أمسنا و يومنا هذا و لا أظن إلا أن قريشا قد اغتالته و كادته و قد بقي هذا الوجه ما جئته و بعيد أن يكون فيه و اختار من عبيده عشرين رجلا فقال امضوا و أعدوا سكاكين و ليمض كل رجل منكم و ليجلس إلى جنب سيد من سادات قريش فإن أتيت و محمد معي فلا تحدثن أمرا و كونوا على رسلكم حتى أقف عليكم و إن جئت و ما محمد معي فليضرب كل رجل منكم الرجل الذي إلى جانبه من سادات قريش فمضوا و شحذوا سكاكينهم و مضى أبو طالب في الوجه الذي أراده و معه رهط من قومه فوجده في أسفل مكة قائما يصلي إلى جانب صخرة فوقع عليه و قبله و أخذ بيده و قال يا ابن أخ قد كدت أن تأتي على قومك سر معي فأخذ بيده و جاء إلى المسجد و قريش في ناديهم جلوس عند الكعبة فلما رأوه قد جاء و يده في يد النبي ص قالوا هذا أبو طالب قد جاءكم بمحمد إن له لشأنا فلما وقف عليهم و الغضب يعرف في وجهه قال لعبيده أبرزوا ما في أيديكم فأبرز كل واحد منهم ما في يده فلما رأوا السكاكين قالوا ما هذا يا أبا طالب قال ما ترون أني طلبت محمدا فما أراه منذ يومين فخفت أن تكونوا كدتموه ببعض شأنكم فأمرت هؤلاء أن يجلسوا إلى حيث ترون و قلت لهم إن جئت و ما محمد معي فليضرب كل منكم صاحبه الذي إلى جنبه و لا يستأذنني فيه و لو كان هاشميا فقالوا و هل كنت فاعلا فقال إي و رب هذه و أومأ إلى الكعبة فقال له مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف و كان من أحلافه لقد كدت تأتي على قومك قال هو ذاك و مضى به و هو يرتجز

اذهب بني فما عليك غضاضة اذهب و قر بذاك منك عيوناو الله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيناو دعوتني و علمت أنك ناصحي و لقد صدقت و كنت قبل أميناو ذكرت دينا لا محالة إنه من خير أديان البرية دينا

قال فرجعت قريش على أبي طالب بالعتب و الاستعطاف و هو لا يحفل بهم و لا يلتفت إليهم

  -67  و أخبرني مشايخي محمد بن إدريس و أبو الفضل شاذان بن جبرئيل و أبو العز محمد بن علي بأسانيدهم إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان يرفعه قال لما مات أبو طالب رضي الله عنه أتى أمير المؤمنين ع النبي ص فآذنه بموته فتوجع توجعا عظيما و حزن حزنا شديدا ثم قال لأمير المؤمنين ع امض يا علي فتول أمره و تول غسله و تحنيطه و تكفينه فإذا رفعته على سريرته فأعلمني ففعل ذلك أمير المؤمنين ع فلما رفعه على السرير اعترضه النبي ص فرق و تحزن و قال وصلت رحما و جزيت خيرا يا عم فلقد ربيت و كفلت صغيرا و نصرت و آزرت كبيرا ثم أقبل على الناس و قال أما و الله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين

68-  و أخبرني أبو عبد الله بإسناده إلى أبي الفرج عن أبي بشر عن محمد بن هارون عن أبي حفص عن عمه قال قال السبيعي لما فقدت قريش رسول الله ص في القبائل بالموسم و زعموا أنه ساحر قال أبو طالب رضي الله عنه

زعمت قريش أن أحمد ساحر كذبوا و رب الراقصات إلى الحرم‏ما زلت أعرفه بصدق حديثه و هو الأمين على الحرائب و الحرم

 ليت شعري إذا كان ما زال يعرفه بصدق الحديث ما الذي يدعوه إلى تكذيبه أخذ الله له بحقه من الذين يفترون و ينسبون الكفر إليه

69-  و أخبرني عبد الحميد بن التقي رحمه الله بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليا ع يقول مر رسول الله ص بنفر من قريش و قد نحروا جزورا و كانوا يسمونها الفهيرة و يجعلونها على النصب فلم يسلم عليهم فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا يمر بنا يتيم أبي طالب و لم يسلم فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي أنا أفعل فأخذ الفرث و الدم فانتهى به إلى النبي ص و هو ساجد فملأ به ثيابه فانصرف النبي ص حتى أتى عمه أبا طالب فقال يا عم من أنا فقال و لم يا ابن أخ فقص عليه القصة فقال و أين تركتهم فقال بالأبطح فنادى في قومه يا آل عبد المطلب يا آل هاشم يا آل عبد مناف فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين فقال كم أنتم فقالوا نحن أربعون قال خذوا سلاحكم فأخذوا سلاحهم و انطلق بهم حتى انتهى إليهم فلما رأت قريش أبا طالب أرادت أن تتفرق فقال لهم و رب البنية لا يقوم منكم أحد إلا جللته بالسيف ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات فقطع منها ثلاثة أنهار ثم قال يا محمد سألت من أنت ثم أنشأ يقول و يومئ بيده إلى النبي ص

أنت النبي محمد قرم أغر مسود

حتى أتى على آخر الأبيات ثم قال يا محمد أيهم الفاعل بك فأشار النبي ص إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر فدعاه أبو طالب فوجا أنفه حتى أدماها ثم أمر بالفرث و الدم فأمر على رءوس الملإ كلهم ثم قال يا ابن أخ أ رضيت ثم قال سألت من أنت أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلى آدم ع ثم قال أنت و الله أشرفهم حيا و أرفعهم منصبا يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفوني فأنزل تعالى صدرا من سورة الأنعام وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً

 و روي من طريق آخر أنه ص لما رمي بالسلى جاءت ابنته ع فأماطت عنه بيدها ثم جاءت إلى أبي طالب فقالت يا عم ما حسب أبي فيكم فقال يا ابنة أبوك فينا السيد المطاع العزيز الكريم فما شأنك فأخبرته بصنع القوم ففعل ما فعل بالسادات من قريش ثم جاء إلى النبي ص قال هل رضيت يا ابن أخ ثم أتى فاطمة ع فقال يا بنية هذا حسب أبيك فينا

70-  و أخبرني الشيخان أبو عبد الله محمد بن إدريس و أبو الفضل شاذان بن جبرئيل بإسنادهما إلى أبي الفرج الأصفهاني قال حدثنا أبو بشر عن محمد بن الحسن بن حماد عن محمد بن حميد عن أبيه قال سئل أبو الجهم بن حذيفة أ صلى النبي ص على أبي طالب فقال و أين الصلاة يومئذ إنما فرضت الصلاة بعد موته و لقد حزن عليه رسول الله ص و أمر عليا بالقيام بأمره و حضر جنازته و شهد له العباس و أبو بكر بالإيمان و أشهد على صدقهما لأنه كان يكتم الإيمان و لو عاش إلى ظهور الإسلام لأظهر إيمانه

71-  و ذكر الشريف النسابة العلوي المعروف بالموضح بإسناده أن أبا طالب لما مات ما كانت نزلت الصلاة على الموتى فما صلى النبي ص عليه و لا على خديجة و إنما اجتازت جنازة أبي طالب و النبي ص و علي و جعفر و حمزة جلوس فقاموا فشيعوا جنازته و استغفروا له فقال قوم نحن نستغفر لموتانا و أقاربنا المشركين ظنا منهم أن أبا طالب مات مشركا لأنه كان يكتم إيمانه فنفى الله عن أبي طالب الشرك و نزه نبيه و الثلاثة المذكورين عن الخطإ في قوله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى

72-  و أخبرني شيخنا أبو عبد الله بإسناده إلى أبي الفرج الأصفهاني عن أبي بشر عن محمد بن هارون عن الحسن بن علي الزعفراني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن الحسن بن المبارك عن أسيد بن القاسم عن محمد بن إسحاق قال قال أبو طالب رضي الله عنه

قل لمن كان من كنانة في العز و أهل الندى و أهل الفعال‏قد أتاكم من المليك رسول فاقبلوه بصالح الأعمال‏و انصروا أحمد فإن من الله رداء عليه غير مدال

73-  و أخبرني السيد النقيب يحيى بن محمد العلوي عن والده محمد بن أبي زيد عن تاج الشرف العلوي البصري قال أخبرني السيد النسابة الثقة علي بن محمد العلوي قال أنشدني أبو عبد الله بن صفية الهاشمية معلمي بالبصرة لأبي طالب رحمه الله

لقد كرم الله النبي محمدا فأكرم خلق الله في الناس أحمدو شق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود و هذا محمد

74-  و أخبرني المشيخة محمد بن إدريس و شاذان بن جبرئيل و محمد بن علي الفويقي بأسانيدهم عن الشيخ المفيد رحمهم الله يرفعه إن أبا طالب رضي الله عنه لما أراد الخروج إلى بصرى الشام ترك رسول الله إشفاقا عليه و لم يعمد على استصحابه فلما ركب تعلق رسول الله ص بزمام ناقته و بكى و ناشده في إخراجه فظلمته الغمام و لقيه بحيرا الراهب فأخبره بنبوته و ذكر له البشارة في الكتب الأولى به و حمل له و لأصحابه الطعام و النزل و حث أبا طالب على الرجوع به إلى أهله و قال له إني أخاف عليه من اليهود فإنهم أعداؤه فقال أبو طالب في ذلك

إن ابن آمنة النبي محمدا عندي بمثل منازل الأولادلما تعلق بالزمام رحمته و العيس قد قلصن بالأزوادفارفض من عيني دمع ذارف مثل الجمان مفرق الأفرادراعيت فيه قرابة موصولة و حفظت فيه وصية الأجدادو أمرته بالسير بين عمومة بيض الوجوه مصالت أنجادساروا لأبعد طية معلومة و لقد تباعد طية المرتادحتى إذا ما القوم بصرى عاينوا لاقوا على شرك من المرصادحبرا فأخبرهم حديثا صادقا عنه و رد معاشر الحساد

 فأما قوله و حفظت فيه وصية الأجداد فإن أبي معد بن فخار بن أحمد العلوي الموسوي قال أخبرني النقيب محمد بن علي بن حمزة العلوي بإسناد له إلى الواقدي قال لما توفي عبد الله بن عبد المطلب أبو النبي ص و هو طفل يرضع و روي أن عبد الله توفي و النبي ص حمل و هذه الرواية أثبت فلما وضعته أمه كفله جده عبد المطلب ثماني سنين ثم احتضر للموت فدعا ابنه أبا طالب فقال له يا بني تكفل ابن أخيك مني فأنت شيخ قومك و عاقلهم و من أجد فيه الحجى دونهم و هذا الغلام ما تحدثت به الكهان و قد روينا في الأخبار أنه سيظهر من تهامة نبي كريم و روي فيه علامات قد وجدتها فيه فأكرم مثواه و احفظه من اليهود فإنهم أعداؤه فلم يزل أبو طالب لقول عبد المطلب حافظا و لوصيته راعيا و قال رحمه الله أيضا

أ لم ترني من بعد هم هممته بغزة خير الوالدين كرام‏بأحمد لما أن شددت مطيتي لرحل و قد ودعته بسلام‏بكى حزنا و العيس قد فصلت لنا و جاذب بالكفين فضل زمام‏ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة تفيض على الخدين ذات سجام‏فقلت له رح راشدا في عمومة مواسين في البأساء غير لئام‏فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا لنا فوق دور ينظرون جسام‏فجاء بحيرا عند ذلك حاسرا لنا بشراب طيب و طعام‏فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا فقلنا جمعنا القوم غير غلام‏يتيم فقال ادعوه أن طعامنا كثير عليه اليوم غير حرام‏فلما رأوه مقبلا نحو داره يوقيه حر الشمس ظل غمام‏و أقبل ركب يطلبون الذي رأى بحيرا من الأعلام وسط خيام‏فثار إليهم خشية لعرامهم و كانوا ذوي دهي معا و غرام‏دريسا و تماما و قد كان فيهم زبير و كل القوم غير نيام‏فجاءوا و قد هموا بقتل محمد فردهم عنه بحسن خصام

 بتأويله التوراة حتى تفرقوا و قال لهم ما أنتم بطغام‏فذلك من إعلامه و بيانه و ليس نهار واضح كظلام

75-  و أخبرني شيخنا ابن إدريس بإسناده إلى أبي الفرج الأصفهاني يرفعه قال لما رأى أبو طالب من قومه ما يسره من جلدهم معه و حدبهم عليه مدحهم و ذكر قديمهم و ذكر النبي ص فقال

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر فعبد مناف سرها و صميمهاو إن حضرت أشراف عبد منافها ففي هاشم أشرافها و قديمهاففيهم نبي الله أعني محمدا هو المصطفى من سرها و كريمهاتداعت قريش غثها و سمينها علينا فلم تظفر و طاشت حلومها

76-  و أخبرني شيخي محمد بن إدريس بإسناده إلى الشيخ المفيد يرفعه إلى أبي رافع مولى النبي ص و ذكر حديثا طويلا في قصة بدر إلى أن قال فاحتمل عبيدة من المعركة إلى موضع رحل رسول الله ص و أصحابه فقال عبيدة رحم الله أبا طالب لو كان حيا لرأى أنه صدق في قوله

و نسلمه حتى نصرع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

77-  و أخبرني الشيخ محمد بن إدريس بإسناد متصل إلى الحسن بن جمهور العمي عن أبيه عن أحمد بن قتيبة عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن رومان عن يزيد بن الصعق عن عمر بن خارجة عن عرفطة قال بينا أنا بأصفاق مكة إذ أقبلت عير من أعلى نجد حتى حاذت الكعبة و إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير حتى أتى الكعبة و تعلق بأستارها ثم نادى يا رب البنية أجرني فقام إليه شيخ جسيم وسيم عليه بهاء الملوك و وقار الحكماء فقال خطبك يا غلام فقال إن أبي مات و أنا صغير و إن هذا الشيخ النجدي استعبدني و قد كنت أسمع أن لله بيتا يمنع من الظلم فأتى النجدي و جعل يسحبه و يخلص أستار الكعبة من يده و أجاره القرشي و مضى النجدي و قد تكنعت يداه قال عمر بن خارجة فلما سمعت الخبر قلت إن لهذا الشيخ لشأنا فصوبت رحلي نحو تهامة حتى وردت الأبطح و قد أجدبت الأنواء و أخلقت العواء و إذا قريش حلق قد ارتفعت لهم ضوضاء فقائل يقول استجيروا باللات و العزى و قائل يقول بل استجيروا بمناة الثالثة الأخرى فقام رجل من جملتهم يقال له ورقة بن نوفل عم خديجة بنت خويلد فقال فيكم بقية إبراهيم و سلالة إسماعيل فقالوا كأنك عنيت أبا طالب قال إنه ذلك فقاموا إليه بأجمعهم و قمت معهم فقالوا يا أبا طالب قد أقحط الواد و أجدب العباد فهلم فاستسق لنا فقال رويدكم دلوك الشمس و هبوب الريح فلما زاغت الشمس أو كادت وافى أبو طالب قد خرج و حوله أغيلمة من بني عبد المطلب و في وسطهم غلام أيفع منهم كأنه شمس دجى تجلت عنه غمامة قتماء فجاء حتى أسند ظهره إلى الكعبة في مستجارها و لاذ بإصبعه و بصبصت الأغيلمة حوله و ما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا و من هاهنا حتى كث و لف و أسحم و أقتم و أرعد و أبرق و انفجر له الوادي فلذلك قال أبو طالب يمدح النبي ص

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

إلى آخر الأبيات 78-  و أخبرني الشيخ محمد بن إدريس يرفعه قال قيل لتأبط شرا الشاعر و اسمه ثابت بن جابر من سيد العرب فقال أخبركم سيد العرب أبو طالب بن عبد المطلب و قيل للأحنف بن قيس التميمي من أين اقتبست هذه الحكم و تعلمت هذا الحلم قال من حكيم عصره و حليم دهره قيس بن عاصم المنقري و لقد قيل لقيس حلم من رأيت فتحلمت و علم من رأيت فتعلمت فقال من الحكيم الذي لم ينفد قط حكمته أكثم بن صيفي التميمي و لقد قيل لأكثم ممن تعلمت الحكمة و الرئاسة و الحلم و السيادة فقال من حليف الحلم و الأدب سيد العجم و العرب أبي طالب بن عبد المطلب

 79-  و حدثني النقيب محمد بن الحسن بن معية العلوي عن سلار بن حبيش البغدادي عن الأمير أبي الفوارس الشاعر قال حضرت مجلس الوزير يحيى بن هبيرة و معي يومئذ جماعة من الأماثل و أهل العلم و كان في جملتهم الشيخ أبو محمد بن الخشاب اللغوي و الشيخ أبو الفرج بن الجوزي و غيرهم فجرى حديث شعر أبي طالب بن عبد المطلب فقال الوزير ما أحسن شعره لو كان صدر عن إيمان فقلت و الله لأجيبن الجواب قربة إلى الله فقلت يا مولانا و من أين لك أنه لم يصدر عن إيمان فقال لو كان صادرا عن إيمان لكان أظهره و لم يخفه فقلت لو كان أظهره لم يكن للنبي ص ناصر قال فسكت و لم يحر جوابا و كانت لي عليه رسوم فقطعها و كانت لي فيه مدائح في مسودات فغسلتها جميعا بيان رونق السيف ماؤه و حسنه و الشغب تهييج الشر و المجانب من كان في جنب الرجل و المباعد ضد و اللزوب اللصوق و حديث مرجم لا يوقف على حقيقته و الرجم الظن و الغضاضة الذلة و المنقصة و قوله دينا تمييز مؤكد و استشهدوا بهذا البيت لذلك و حريبة الرجل ماله الذي سلبه أو ماله الذي يعيش به قوله غير مدال كان المعنى لا يغلب عليه فيؤخذ منه و العيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شقرة و قلصت الناقة قليصا استمرت في مضيها و المصلات و المصلت الرجل الماضي في الحوائج و الأنجاد جمع نجد و هو الشجاع الماضي فيما يعجز غيره و الطية بالكسر الضمير و النية و المنزل الذي انتواه و الشرك بالتحريك جمع شركة و هي كعظم الطريق و وسطه و سجم الدمع سجاما ككتاب سال و عرام الجيش كغراب حدهم و شدتهم و كثرتهم و الغرام الولوع و الشر الدائم و الهلاك و العذاب و الطغام بالفتح أوغار الناس و رذالهم و السر بالكسر جوف كل شي‏ء و لبه و محض النسب و أفضله كالسرار و الغث المهزول و الطيش النزق و الخفة و ذهاب العقل. و كنع يده أشلها و الصوب و التصوب المجي‏ء من علو و زاغت الشمس أي مالت عن نصف النهار أو كادت أي قربت أن تميل و الأقتم الأسود كالأسحم

80-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن علي بن المعلى عن أخيه محمد عن درست عن البطائني عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال لما ولد النبي ص مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها

81-  كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد و محمد بن يحيى عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد الأزدي عن إسحاق بن جعفر عن أبيه ع قال قيل له إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا فقال كذبوا كيف يكون كافرا و هو يقول أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا كموسى خط في أول الكتب و في حديث آخر كيف يكون أبو طالب كافرا و هو يقول

لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا و لا يعبأ بقول الأباطل‏و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

82-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ع قال بينا النبي ص في المسجد الحرام و عليه ثياب جدد فألقى المشركون عليه سلى ناقة فملئوا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله فذهب إلى أبي طالب فقال له يا عم كيف ترى حسبي فيكم فقال ما ذاك يا ابن أخي فأخبره الخبر فدعا أبو طالب حمزة و أخذ السيف و قال لحمزة خذ السلى ثم توجه إلى القوم و النبي ص معه فأتى قريشا و هم حول الكعبة فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه فقال لحمزة أمر السلى على أسبلتهم ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم ثم التفت أبو طالب إلى النبي ص فقال يا ابن أخي هذا حسبك فينا

83-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي نصر عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله ع قال لما توفي أبو طالب نزل جبرئيل ع على رسول الله ص فقال يا محمد اخرج من مكة فليس لك فيها ناصر و ثارت قريش بالنبي ص فخرج هاربا حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون فصار إليه

84-  كا، ]الكافي[ حميد بن زياد عن محمد بن أيوب عن محمد بن زياد عن أسباط بن سالم عن أبي عبد الله ع قال كان حيث طلقت آمنة بنت وهب و أخذها المخاض بالنبي ص حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت فقالت إحداهما للأخرى هل ترين ما أرى فقالت و ما ترين قالت هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق و المغرب فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما ما لكما من أي شي‏ء تعجبان فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت فقال لها أبو طالب أ لا أبشرك فقالت بلى فقال أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود

  بيان أبو طالب اسمه عبد مناف و قال صاحب كتاب عمدة الطالب قيل إن اسمه عمران و هي رواية ضعيفة رواها أبو بكر محمد بن عبد الله الطرسوسي النسابة و قيل اسمه كنيته و يروى ذلك عن أبي علي محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر الأعرج و زعم أنه رأى خط أمير المؤمنين ع و كتب علي بن أبو طالب و لكن حدثني تاج الدين محمد بن القاسم النسابة و جدي لأمي محمد بن الحسين الأسدي أن الذي كان في آخر ذلك المصحف علي بن أبي طالب و لكن الياء مشبهة بالواو في خط الكوفي. و الصحيح أن اسمه عبد مناف و بذلك نطقت وصية أبيه عبد المطلب حين أوصى إليه برسول الله ص و هو قوله

أوصيك يا عبد مناف بعدي. بواحد بعد أبيه فرد

. انتهى. و قد أجمعت الشيعة على إسلامه و أنه قد آمن بالنبي ص في أول الأمر و لم يعبد صنما قط بل كان من أوصياء إبراهيم ع و اشتهر إسلامه من مذهب الشيعة حتى أن المخالفين كلهم نسبوا ذلك إليهم و تواترت الأخبار من طرق الخاصة و العامة في ذلك و صنف كثير من علمائنا و محدثينا كتابا مفردا في ذلك كما لا يخفى على من تتبع كتب الرجال. و قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول و ما أسلم من أعمام النبي ص غير حمزة و العباس و أبي طالب عند أهل البيت ع و قال الطبرسي رحمه الله قد ثبت إجماع أهل البيت ع على إيمان أبي طالب و إجماعهم حجة لأنهم أحد الثقلين اللذين أمر النبي ص بالتمسك بهما ثم نقل عن الطبري و غيره من علمائهم الأخبار و الأشعار الدالة على إيمانه. و قال يحيى بن الحسن بن بطريق في كتاب المستدرك بعد إيراد ما مر ذكره في أحوال النبي ص من إخبار الأحبار و الرهبان بنبوته ص و تأييد أبي طالب له في رسالته و أشعاره في تلك الأمور ناقلا عن أكابر علمائهم و مؤرخيهم كابن إسحاق صاحب كتاب المغازي و غيره قال فيدل على إيمانه أشياء. منها لما عرفه بحيرا الراهب أمره قال إنه سيكون لابن أخيك هذا شأن فارجع به إلى موضعه و احفظه فلم يزل حافظا له إلى أن أعاده إلى مكة و قد ذكر ذلك في شعره و قال

إن ابن آمنة النبي محمدا. عندي بمثل منازل الأولاد.

 فأقر بنبوته كما ترى. و منها قوله لما رأى بحيرا الغمامة على رأس رسول الله ص فقال فيه

فلما رآه مقبلا نحو داره. يوقيه حر الشمس ظل غمام.حنا رأسه شبه السجود و ضمه. إلى نحره و الصدر أي ضمام.

 إلى أن قال

و ذلك من أعلامه و بيانه. و ليس نهار واضح كظلام.

 فافتخاره بذلك و جعله من أعلامه دليل على إيمانه. و منها قوله في رجوعه من عند بحيرا و ذكر اليهود

لما رجعوا حتى رأوا من محمد. أحاديث تجلو غم كل فؤاد.

 و حتى رأوا أحبار كل مدينة. سجودا له من عصبة و فراد.

 و هذا من أدل دليل على فرحه و سروره بمعجزاته و أخباره.

 و منها أنه أرسل إليه عقيلا و جاء به في شدة الحر لما شكوا منه و قال له إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم و مسجدهم فانته عنهم فقال ص لهم أ ترون هذه الشمس فقالوا نعم فقال فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تشعلوا منها شعلة فقال لهم أبو طالب و الله ما كذب ابن أخي قط فارجعوا عنه

و هذا غاية التصديق. و منها قوله في جواب ذلك في أبياته

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة . و أبشر و قر بذاك منك عيونا.

 و هذا أمر له بإبلاغ ما أمره تعالى به على أشق وجه و قوله في تمام الأبيات و دعوتني و زعمت أنك ناصحي. و لقد صدقت و كنت قبل أمينا. فصدقه في دعائه له إلى الإيمان و كونه أمينا و هذا غاية في قبول أمره له و فيها بعد هذا البيت

و عرضت دينا قد علمت بأنه. من خير أديان البرية دينا.

 و هذا من أدل الدليل على إيمانه. و منها قوله

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا.نبيا الأبيات و هذا القول إيمان بلا خلاف.

 أقول ثم ذكر قصة الصحيفة إلى أن قال فقال له أبو طالب يا ابن أخي من حدثك بهذا فقال رسول الله ص أخبرني ربي بهذا فقال له عمه إن ربك الحق و أنا أشهد أنك صادق

 أقول ثم ذكر إتيانه القوم و إخباره إياهم بذلك و مباهلته معهم فقال فلو لا تصديقه لرسول الله ص عما بلغه عن الله تعالى لما سارع إلى القوم بالمباهلة بالنبي و تصديقه و ما باهل به إلا و لم يكن عنده شك في أنه هو المنصور عليهم بما ثبت عنده من آيات الرسول ص و صدقه و معجزاته. و قال

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا. نبيا كموسى خط في أول الكتب

. فأقر بنبوته و أكد ذلك بأن شبهه بموسى ع و زاد في التأكيد بقوله خط في أول الكتب فاعترف بأنه قد بشر بنبوته كل نبي له كتاب و هذا أمر لا يعترف به إلا من قد سبق له قدم في الإسلام ثم وكد اعترافه أيضا بقوله

و إن عليه في العباد محبة . و لا خير ممن خصه الله بالحب.

 فاعترف بمحبة الخلق له و بمحبة الله له و جعله خير الخلق بقوله و لا خير إلى آخره يعني لا يكون أحد خيرا ممن خصه الله بحبه بل هو خير من كل أحد. ثم ذكر الأبيات المتقدمة في ذلك و استدل بها على إيمانه و ذكر كثيرا من القصص و الأشعار تركناها إيثارا للاختصار

 85-  مد، ]العمدة[ من مسند عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال علي بن أبي طالب و اسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب و اسم عبد المطلب شيبة الحمد بن هاشم و اسم هاشم عمرو بن عبد مناف و اسم عبد مناف المغيرة بن قصي و اسم قصي زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب و قيل أشجب بن نبت بن قيدار بن إسماعيل و إسماعيل أول من فتق لسانه بالعربية المبينة التي نزل بها القرآن و أول من ركب الخيل و كانت وحوشا و هو ابن عرق الثرى خليل الله إبراهيم بن تارخ بن ناخور و قيل الناخر بن ساروع بن أرغو بن قالع و هو قاسم الأرض بين أهلها ابن عامر و هو هود النبي ع ابن شالخ بن أرفخشد و هو الرافد بن سام بن نوح بن مالك و هو في لغة العرب ملكان بن المتوشلخ و هو المثوب بن أخنخ و هو إدريس النبي ع ابن يرد و هو اليارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش و هو الطاهر بن شيث و هو هبة الله و يقال أيضا شاث بن آدم أبي البشر ع

 أقول في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين ع أنه قال في مرثية أبي طالب رضي الله عنه

أرقت لنوح آخر الليل غردا لشيخي ينعى و الرئيس المسوداأبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى و ذا الحلم لا خلفا و لم يك قعدداأخا الملك خلى ثلمة سيسدها بنو هاشم أو يستباح فيمهدافأمست قريش يفرحون بفقده و لست أرى حيا لشي‏ء مخلداأرادت أمورا زينتها حلومهم ستوردهم يوما من الغي موردايرجون تكذيب النبي و قتله و أن يفتروا بهتا عليه و محجداكذبتم و بيت الله حتى نذيقكم صدور العوالي و الصفيح المهنداو يبدو منا منظر ذو كريهة إذا ما تسربلنا الحديد المسردافإما تبيدونا و إما نبيدكم و إما تروا سلم العشيرة أرشداو إلا فإن الحي دون محمد بنو هاشم خير البرية محتداو إن له فيكم من الله ناصرا و لست بلاق صاحب الله أوحدانبي أتى من كل وحي بخطه فسماه ربي في الكتاب محمداأغر كضوء البدر صورة وجهه جلا الغيم عنه ضوؤه فتوقداأمين على ما استودع الله قبله و إن كان قولا كان فيه مسددا

  بيان أرقت بالكسر أي سهرت و الغرد و التغريد التطريب و الصعاليك جمع الصعلوك و هو الفقير و الندى بالفتح الجود و الخلف بالسكون قوم سوء يخلفون غيرهم و رجل قعدد و قعدد إذا كان قريب الآباء إلى الجد الأكبر و يمدح به من وجه لأن الولاء للكبر و يذم به من وجه لأنه من أولاد الهرمى و ينسب إلى الضعف ذكره الجوهري و الثلمة بالضم الخلل في الحائط و غيره و في الأساس أهمد فلان الأمر أماته و في الصحاح همدت النار تهمد همودا أي طفئت و ذهبت البتة و الهمدة السكتة و همد الثوب بلي و أهمد في المكان أقام و في السير أسرع و البهت البهتان و عالية الرمح ما دخل السنان إلى ثلثه و الصفيحة السيف العريض و الكريهة الشدة في الحرب و سرد الدروع إدخال حلقها بعضها في بعض و كذا التسريد و المحتد الأصل و صاحب الله النبي ص و الأوحد الذي ليس له ناصر و الخطة بالضم الأمر و القصة و الغرة بياض في جبهة الفرس ميمون

 و منه في مرثية خديجة و أبي طالب رضي الله عنهما

أ عيني جودا بارك الله فيكما على هالكين لا ترى لهما مثلاعلي سيد البطحاء و ابن رئيسها و سيدة النسوان أول من صلى‏مهذبة قد طيب الله خيمها مباركة و الله ساق لها الفضلامصابهما أدجى إلى الجو و الهواء فبت أقاسي منهم الهم و الثكلالقد نصرا في الله دين محمد على من يعافي الدين قد رعيا إلا

 بيان الخيم بالكسر السجية و الطبيعة لا واحد له من لفظه و الإل بالكسر العهد

 و منه في مرثية أبي طالب رضي الله عنه

أبا طالب عصمة المستجير و غيث المحول و نور الظلم

 لقد هد فقدك أهل الحفاظ و قد كنت للمصطفى خير عم

 بيان روى السيد حيدر في الغرر هاتين المرثيتين و تلك المراثي دلائل على كمال إيمان أبي طالب رضي الله عنه فإنه أجل و أتقى من أن يرثى و يمدح كافرا بأمثال تلك المدائح رعاية للنسب بل بعض أبياتها يدل كونه أفضل من حمزة رضي الله عنه. و قال السيد بن طاوس في كتاب الطرائف إني رأيت المخالفين تظاهروا بالشهادة على أبي طالب عم نبيهم و كفيله بأنه مات كافرا و كذبوا الأخبار الصحيحة المتضمنة لإيمانه و ردوا شهادة عترة نبيهم صلوات الله عليهم الذين رووا أنهم لا يفارقون كتاب ربهم و إنني وجدت علماء هذه العترة مجمعين على إيمان أبي طالب رضي الله عنه و ما رأيت هؤلاء الأربعة المذاهب كابروا فيمن قيل عنه إنه مسلم مثل هذه المكابرة و ما زال الناس يشهدون بالإيمان لمن يخبر عنه مخبر بذلك أو ترى عليه صفة تقتضي الإيمان و سوف أورد لك بعض ما أوردوا في كتبهم و برواية رجالهم من الأخبار الدالة لفظا أو معنى تصريحا أو تلويحا بإيمان أبي طالب رضي الله عنه و يظهر لك أن شهادتهم عليه بالكفر عداوة لولده علي بن أبي طالب ع أو لبني هاشم. فمن ذلك ما ذكروه و رووه في كتاب أخبار أبي عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد الطبري اللغوي عن أبي العباس أحمد بن يحيى بن تغلب عن ابن الأعرابي ما هذا لفظه و أخبرنا تغلب عن ابن الأعرابي قال العور الردي‏ء من كل شي‏ء و الوعر الموضع المخيف الوحش قال ابن الأعرابي و من العور خبر ابن عباس

 قال لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال علي ع و قال ابن عباس و كان النبي ص يربيه و عبق من سمته و كرمه و خلائقه ما أطاق فقال لي ص يا علي قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين فاصنع لي طعاما و اطبخ لي لحما قال علي ع فعددتهم بني هاشم بحتا فكانوا أربعين قال فصنعت الطعام طعاما يكفي لاثنين أو ثلاثة قال فقال لي المصطفى ص هاته قال فأخذ شظية من اللحم فشظاها بأسنانه و جعلها في الجفنة قال و أعددت لهم عسا من لبن قال و مضيت إلى القوم فأعلمتهم أنه قد دعاهم لطعام و شراب قال فدخلوا و أكلوا و لم يستتموا نصف الطعام حتى تضلعوا قال و لعهدي بالواحد منهم يأكل مثل ذلك الطعام وحده قال ثم أتيت باللبن قال فشربوا حتى تضلعوا قال و لعهدي بالواحد منهم وحده يشرب مثل ذلك اللبن قال و ما بلغوا نصف العس قال ثم قام فلما أراد أن يتكلم اعترض عليه أبو لهب لعنه الله فقال أ لهذا دعوتنا ثم أتبع كلامه بكلمة ثم قال قوموا فقاموا و انصرفوا كلهم قال فلما كان من الغد قال لي يا علي أصلح لي مثل ذلك الطعام و الشراب قال فأصلحته و مضيت إليهم برسالته قال فأقبلوا إليه فلما أكلوا و شربوا قام رسول الله ص ليتكلم فاعترضه أبو لهب لعنه الله قال فقال له أبو طالب رضي الله عنه اسكت يا أعور ما أنت و هذا قال ثم قال أبو طالب رضي الله عنه لا يقومن أحد قال فجلسوا ثم قال للنبي ص قم يا سيدي فتكلم بما تحب و بلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق قال فقال ص لهم أ رأيتم لو قلت لكم إن وراء هذا الجبل جيشا يريد أن يغير عليكم أ كنتم تصدقوني قال فقالوا كلهم نعم إنك لأنت الأمين الصادق قال فقال لهم فوحدوا الله الجبار و اعبدوه وحده بالإخلاص و اخلعوا هذا الأنداد الأنجاس و أقروا و اشهدوا بأني رسول الله إليكم و إلى الخلق فإني قد جئتكم بعز الدنيا و الآخرة قال فقاموا و انصرفوا كلهم و كان الموعظة قد عملت فيهم

هذا آخر لفظة حديث أبي عمرو الزاهد. قال السيد رضي الله عنه و لو لم يكن لأبي طالب رضي الله عنه إلا هذا الحديث و أنه سبب في تمكين النبي ص من تأدية رسالته و تصريحه بقوله و بلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق لكفاه شاهدا بإيمانه و عظيم حقه على أهل الإسلام و جلالة أمره في الدنيا و دار المقام و ما كان لنا حاجة إلى إيراد حديث سواه و إنما نورد الأحاديث استظهارا في الحجة لما ذكرناه. فمن ذلك أيضا ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الحادي عشر من إفراد البخاري تعليقا قال و قال عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه قال ربما ذكرت قول الشاعر و أنا أنظر إلى وجه النبي ص و هو يستسقى و ما ينزل حتى يجيش كل ميزاب فمن ذلك

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة للأرامل

 و هو قول أبي طالب رضي الله عنه

 و قد أخرجه بالإسناد من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه قال سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب حيث قال و ذكر البيت و هي قصيدة مشهورة بين الرواة لأبي طالب رضي الله عنه و هي هذه

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد و أحببته حب الحبيب المواصل

إلى آخر الأبيات و من ذلك ما رواه الثعلبي في تفسيره قال في تفسير قوله تعالى وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ عن عبد الله بن عباس قال اجتمعت قريش إلى أبي طالب رضي الله عنه و قالوا له يا أبا طالب سلم إلينا محمدا فإنه قد أفسد أدياننا و سب آلهتنا و هذه أبناؤنا بين يديك تبن بأيهم شئت ثم دعوا بعمارة بن الوليد و كان مستحسنا فقال لهم هل رأيتم ناقة حنت إلى غير فصيلها لا كان ذلك أبدا ثم نهض عنهم فدخل على النبي ص فرآه كئيبا و قد علم مقالة قريش فقال رضي الله عنه يا محمد لا تحزن ثم قال

و الله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينافاصدع بأمرك ما عليك غضاضة و ابشر و قر بذاك منك عيوناو دعوتني و ذكرت أنك ناصحي و لقد نصحت و كنت قبل أميناو ذكرت دينا قد علمت بأنه من خير أديان البرية دينا

 و روى الثعلبي أنه قد اتفق على صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب رضي الله عنه مقاتل و عبد الله بن عباس و القاسم بن محصرة و عطاء بن دينار

 و من ذلك ما رواه بإسناده في كتاب اسمه نهاية الطلوب و غاية السئول في مناقب آل الرسول رجل من علمائهم و فقهائهم حنبلي المذهب اسمه إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري يرفعه إلى الحسن بن علي بن أبي عبد الله الأزدي الفقيه قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثني أبي عن عبد الكريم الجزري و قال الحسن بن علي المذكور و حدثنا أيضا عبد الله بن عمر البرقي عن عبد الكريم الجزري عن طاوس عن ابن عباس و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة يقول فيه إن النبي ص قال للعباس إن الله قد أمرني بإظهار أمري و قد أنبأني و استنبأني فما عندك فقال له العباس يا ابن أخي تعلم أن قريشا أشد الناس حسدا لولد أبيك و إن كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء و الداهية العظيمة و رمينا عن قوس واحد و انتسفونا نسفا صلتا و لكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك إن لا ينصرك لا يخذلك و لا يسلمك فأتياه فلما رآهما أبو طالب قال إن لكما لظنة و خبرا ما جاء بكما في هذا الوقت فعرفه العباس ما قال له النبي ص و ما أجابه به العباس فنظر إليه أبو طالب رضي الله عنه و قال له أخرج ابن أخي فإنك الرفيع كعبا و المنيع حزبا و الأعلى أبا و الله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد و اجتذبته سيوف حداد و الله لتذلن لك العرب ذل البهم لحاضنها و لقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا و لقد قال إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به فمن أدركه من ولدي فليؤمن به

 ثم ذكر صفة إظهار نبيهم للرسالة عقيب كلام أبي طالب له و صورة شهادته و قد صلى وحده و جاءت خديجة فصلت معه ثم جاء علي فصلى معه. و زاد الزمخشري في كتاب الأكتاب بيتا آخر رواه عن أبي طالب رضي الله عنه

و عرضت دينا لا محالة إنه. من خير أديان البرية دينا.لو لا الملامة أو حذاري سبه. لوجدتني سمحا بذاك مبينا.

 و من ذلك ما ذكره الحنبلي صاحب الكتاب المذكور بإسناده إلى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن مغيرة بن معقب قال فقد أبو طالب رضي الله عنه رسول الله ص فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله فبعث إلى بني هاشم فقال يا بني هاشم أظن أن بعض قريش اغتال محمدا فقتله فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة و ليجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش فإذا قلت أبغي محمدا قتل كل رجل منكم الرجل الذي إلى جانبه و بلغ رسول الله ص جمع أبي طالب و هو في بيت عند الصفا فأتى أبا طالب و هو في المسجد فلما رآه أبو طالب أخذ بيده ثم قال يا معشر قريش فقدت محمدا فظننت أن بعضكم اغتاله فأمرت كل فتى شهد من بني هاشم أن يأخذ حديدة و يجلس كل واحد منهم إلى عظيم منكم فإذا قلت أبغي محمدا قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلى جنبه فاكشفوا عما في أيديكم يا بني هاشم فكشف بنو هاشم عما في أيديهم فنظرت قريش إلى ذلك فعندها هابت قريش رسول الله ص ثم أنشأ أبو طالب يقول

ألا أبلغ قريشا حيث حلت و كل سرائر منها غرورفإني و الضوابح غاديات و ما تتلو السفافرة الشهورلآل محمد راع حفيظ و ود الصدر مني و الضميرفلست بقاطع رحمي و ولدي و لو جرت مظالمها الجزورأ يأمر جمعهم أبناء فهر بقتل محمد و الأمر زورفلا و أبيك لا ظفرت قريش و لا لقيت رشادا إذ تشيربني أخي و نوط القلب مني و أبيض ماؤه غدق كثيرو يشرب بعده الولدان ريا و أحمد قد تضمنه القبورأيا ابن الأنف أنف بني قصي كأن جبينك القمر المنير

 أقول روى جامع الديوان نحو هذا الخبر مرسلا ثم ذكر الأشعار هكذا

ألا أبلغ...

 إلى قوله

و كل سرائر منها غدور

. فإني و الضوابح غاديات. و ما تتلو السفافرة الشهور.

 إلى قوله جزور.

فيا لله در بني قصي. لقد احتل عرصتهم ثبور.عشية ينتحون بأمر هزل. و يستهوي حلومهم الغرور.

 فلا و أبيك إلى قوله إذ تشير أ يأمر إلى قوله زور.

أ لا ضلت حلومهم جميعا. و أطلق عقل حرب لا تبور.أ يرضى منكم الحلماء هذا. و ما ذا كم رضا لي أن تبوروا.

 بني أخي إلى قوله القبور.

فكيف يكون ذلكم قريشا. و ما مني الضراعة و الفتور.علي دماء بدن عاطلات. لئن هدرت بذلكم الهدور. لقام الضاربون بكل ثغر. بأيديهم مهندة تمور.و تلقوني أمام الصف قدما. أضارب حين تحزمه الأمور.أرادي مرة و أكر أخرى. حذارا أن تغور به الغرور.أذودهم بأبيض مشرفي. إذا ما حاطه الأمر النكير.و جمعت الجموع أسود فهر. و كان النقع فوقهم يثور.كأن الأفق محفوف بنار. و حول النار آساد تزير.بمعترك المنايا في مكر. تخال دماءه قدرا تفور.إذا سالت مجلجلة صدوق. كأن زهاءها رأس كبير.و شظباها محل الموت حقا. و حوض الموت فيها يستدير.هنالك أي بني يكون مني. بوادر لا يقوم لها الكثير.تدهدهت الصخور من الرواسي. إذا ما الأرض زلزلها القدير.

 و لا قفل بقيلهم فإني. و ما حلت بكعبته النذور.وفي دون نفسك إن أرادوا. بها الدهياء أو سالت بحور.

 أيا ابن الأنف إلى آخره.

لك الله الغداة و عهد عم. تجنبه الفواحش و الفجور.بتحفاظي و نصرة أريحي. من الأعمام معضاد يصور.

 ثم قال السيد رضي الله عنه

 و من ذلك ما رواه الحنبلي صاحب كتاب نهاية الطلوب و غاية السئول بإسناده قال سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول حدثني محمد ابن أخي و كان و الله صدوقا قال قلت له بم بعثت يا محمد قال بصلة الأرحام و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة

 و من ذلك ما رواه صاحب كتاب نهاية الطلوب و غاية السئول بإسناده إلى عروة بن عمر الثقفي قال سمعت أبا طالب رضي الله عنه قال سمعت ابن أخي الأمين يقول اشكر ترزق و لا تكفر فتعذب

 و من ذلك ما رواه صاحب الكتاب المزبور بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أن أبا طالب مرض فعاده النبي ص

 و من ذلك ما رواه أيضا الحنبلي في الكتاب المشار إليه بإسناده إلى عطاء بن أبي رياح عن ابن عباس قال عارض النبي ص جنازة أبي طالب رضي الله عنه قال وصلتك رحم و جزاك الله يا عم خيرا

 و من ذلك ما رواه بإسناده إلى ثابت البناني عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب قال كل خير أرجوه من ربي

 و من عجيب ما بلغت إليه العصبية على أبي طالب من أعداء أهل البيت ع أنهم زعموا أن المراد بقوله تعالى لنبيه ص إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أنها في أبي طالب رضي الله عنه و قد ذكر أبو المجد بن رشادة الواعظ الواسطي في مصنفه كتاب أسباب نزول القرآن ما هذا لفظه قال قال الحسن بن مفضل في قوله عز و جل إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ كيف يقال إنها نزلت في أبي طالب رضي الله عنه و هذه السورة من آخر ما نزل من القرآن بالمدينة و أبو طالب مات في عنفوان الإسلام و النبي ص بمكة و إنما هذه الآية نزلت في الحارث بن نعمان بن عبد مناف و كان النبي ص يحب إسلامه فقال يوما للنبي ص إنا نعلم أنك على الحق و أن الذي جئت به حق و لكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تتخطفنا من أرضنا لكثرتهم و قلتنا و لا طاقة لنا بهم فنزلت الآية و كان النبي ص يؤثر إسلامه لميله إليه. قال السيد رحمه الله فكيف استجاز أحد من المسلمين العارفين مع هذه الروايات و مضمون الأبيات أن ينكروا إيمان أبي طالب رضي الله عنه و قد تقدمت روايتهم لوصية أبي طالب أيضا لولده أمير المؤمنين علي ع بملازمة محمد ص و قوله رضي الله عنه إنه لا يدعو إلا إلى خير و قول نبيهم ص جزاك الله يا عم خيرا و قوله ص لو كان حيا قرت عيناه و لو لم يعلم نبيهم ص أن أبا طالب رضي الله عنه مات مؤمنا ما دعا له و لا كانت تقر عينه بنبيهم ص و لو لم يكن إلا شهادة عترة نبيهم ص له بالإيمان لوجب تصديقهم كما شهد نبيهم ص أنهم لا يفارقون كتاب الله تعالى و لا ريب أن العترة أعرف بباطن أبي طالب رضي الله عنه من الأجانب و شيعة أهل البيت ع مجمعون على ذلك و لهم فيه مصنفات و ما رأينا و لا سمعنا أن مسلما أخرجوا فيه إلى مثل ما أخرجوا في إيمان أبي طالب رضي الله عنه و الذي نعرفه منهم أنهم يثبتون إيمان الكافر بأدنى سبب و بأدنى خبر واحد و بالتلويح فقد بلغت عداوتهم ببني هاشم إلى إنكار إيمان أبي طالب

  رضي الله عنه مع تلك الحجج الثواقب إن هذا من جملة العجائب بيان عبق به الطيب كفرح لزق و الشظية كل فلقة من شي‏ء و الجمع شظايا و التشظية التفريق و العس بالضم القدح العظيم و تضلع من الطعام امتلأ كأنه ملأ أضلاعه و بضع من الماء كمنع روي و في النهاية لم يكن أبو لهب أعور و لكن العرب تقول للذي لم يكن له أخ من أبيه و أمه أعور و قيل إنهم يقولون للردي‏ء من كل شي‏ء من الأمور و الأخلاق أعور و قال في حديث الاستسقاء و ما ينزل حتى يجيش كل ميزاب أي يتدفق و يجري بالماء ربيع اليتامى أي ينمون و يهتزون به كالنبات ينمو و يهتز في الربيع و في بعض النسخ ثمال اليتامى كما في النهاية و قال الثمال بالكسر الملجأ و الغياث و قيل هو المطعم في الشدة و في القاموس كلف به كفرح أولع و أكلفه غيره و التكليف الأمر بما يشق عليك و في النهاية كلفت بهذا الأمر أكلف به إذا ولعت به و أحببته و قال يقال وجدت بفلانة وجدا إذا أحببتها حبا شديدا و دينا تمييز مؤكد و الطامة الداهية تغلب ما سواها و نسف البناء ينسفه قلعه من أصله كانتسفه و في القاموس التقريب ضرب من العدو و الشكاية و الظنة بالكسر التهمة و كأنه هنا مجاز و البهم جمع البهمة بفتحهما و هي أولاد الضأن و المعز و حاضنها مربيها و في بعض النسخ بالخاء المعجمة يقال حضن ناقته حمل عليها و عض من بدنها و كمنبر من يهزل الدواب و يذللها قوله فإني و الضوابح في النهاية في حديث أبي طالب يمدح النبي ص

فإني و الضوابح كل يوم. و ما تتلو السفافرة الشهور.

 الضوابح جمع ضابح يقال ضبح أي صاح يريد القسم بمن يرفع صوته بالقراءة و هو جمع شاذ في صفة الآدمي كفوارس و السفافرة أصحاب الأسفار و هي الكتب و الشهور أي العلماء واحدهم شهر كذا قال الهروي و الفهر بالكسر أبو قبيلة من قريش و نوط القلب و نياطه عرق نيط به القلب ينتحون أي يقصدون على دماء بدن كأنه ألزم على نفسه دماء البدن و أقسم بها إن لم يكن ما يقوله و العاطلات الحسان أو بلا قلائد و أرسان أو الطويلة الأعناق و المقسم عليه أنه لو هدرت دماء بسببكم لقام الضاربون السيوف بكل ناحية بأيديهم مهندة أي سيوف مشحذة تمور أي تضطرب و تتحرك حين تحزمه أي تشده و الضمير للنبي ص و لا يبعد أن يكون بالياء و يقال راداه أي راوده و داراه و عن القوم رمى عنهم بالحجارة أو هو من الردي الهلاك أن تغور به الغرور أي يذهب به إلى الغور أصحاب الغارة و له معان أخر مناسبة و الزئر و الزئير صوت الأسد من صدره عند غضبه و المجلجل السيد القوي و الجري‏ء الدفاع المنطيق و الجلجلة شدة الصوت و كان الصدوق بالضم جمع صادق أي في الحرب و الزهاء العدد الكثير و كأنه كناية عن تراكمهم و اجتماعهم و يحتمل التصحيف و شظى القوم خلاف صميمهم و هم الأتباع و الدخلاء عليهم و البادرة الحدة عند الغضب تدهدهت تدحرجت و ما حلت الواو للقسم و ما بمعنى من و المراد به الرب تعالى و الداهية الدهياء البلية العظيمة أو سالت أو بمعنى إلى أن أو إلا أن لك الله الغداة أي الله حافظك في هذه الغداة و يحفظك عهد عمك تجنبه الأصل تتجنبه و الأريحي الواسع الخلق و المعضاد الكثير الإعانة يصور أي يصوت كناية عن إعلان النصرة أو يهد أركان الخصامة و يحتمل أن يكون بالنون بالفتح أو الضم مبالغة في النصرة و المراد بهذا العم إما نفسه أو حمزة رضي الله عنهما. أقول و قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة اختلف الناس في إسلام أبي طالب فقالت الإمامية و أكثر الزيدية ما مات إلا مسلما و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما و قال أكثر الناس من أهل الحديث و العامة و من شيوخنا البصريين و غيرهم مات على دين قومه

 و يروون في ذلك حديثا مشهورا أن رسول الله قال له عند موته قل يا عم كلمة أشهد لك بها غدا عند الله تعالى فقال لو لا أن تقول العرب إن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك

و روي أنه قال أنا على دين الأشياخ و قيل إنه قال أنا على دين عبد المطلب و قيل غير ذلك و روى كثير من المحدثين أن قوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ الآية أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله ص استغفر له بعد موته و رووا أن قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ نزلت في أبي طالب و رووا أن عليا ع جاء إلى رسول الله بعد موت أبي طالب فقال له إن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه و احتجوا بأنه لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي و الصلاة هي المفرقة بين المسلم و الكافر و أن عليا و جعفرا لم يأخذا من تركته شيئا

 و رووا عن النبي ص أنه قال إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي و إنه في ضحضاح من نار و رووا عنه أيضا أنه قيل له لو استغفرت لأبيك و أمك فقال لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إلي ما لم يصنعا و إن عبد الله و آمنة و أبا طالب في حجرة من حجرات جهنم

 فأما الذين زعموا أنه كان مسلما فقد رووا خلاف ذلك

 فأسندوا خبرا إلى أمير المؤمنين ع أنه قال قال رسول الله ص قال لي جبرئيل إن الله مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب و صلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب و حجر كفلك أبي طالب و بيت آواك عبد المطلب و أخ كان لك في الجاهلية قيل يا رسول الله و ما كان فعله قال كان سخيا يطعم الطعام و يجود بالنوال و ثدي أرضعتك حليمة بنت أبي ذؤيب

 قالوا و قد نقل الناس كافة عن رسول الله ص أنه قال نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية

فوجب بهذا أن يكون آباؤهم كلهم منزهين عن الشرك لأنهم لو كانوا عبدة أصنام لما كانوا طاهرين قالوا و أما ما ذكر في القرآن من إبراهيم و أبيه آزر و كونه ضالا مشركا فلا يقدح في مذهبنا لأن آزر كان عم إبراهيم فأما أبوه فتارخ بن ناخور و سمي العم أبا كما قال أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ ثم عد فيهم إسماعيل و ليس من آبائه و لكنه عمه. ثم قال

 و احتجوا في إسلام الآباء بما روي عن جعفر بن محمد ع أنه قال يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة و عليه سيماء الأنبياء و بهاء الملوك

 و روي أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله ص بالمدينة يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب فقال أرجو له كل خير من الله عز و جل

 و روي أن رجلا من رجال الشيعة و هو أبان بن أبي محمود كتب إلى علي بن موسى الرضا ع جعلت فداك إني قد شككت في إسلام أبي طالب فكتب إليه وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الآية و بعدها إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار

 و قد روي عن محمد بن علي الباقر ع أنه سئل عما يقوله الناس أن أبا طالب في ضحضاح من نار فقال لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان و إيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ثم قال أ لم تعلموا أن أمير المؤمنين عليا ع كان يأمر أن يحج عن عبد الله و آمنة و أبي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم

 و قد روي أن أبا بكر جاء بأبي قحافة إلى النبي ص عام الفتح يقوده و هو شيخ كبير أعمى فقال رسول الله ص أ لا تركت الشيخ حتى نأتيه فقال أردت يا رسول الله أن يأجره الله أما و الذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام عمك أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك فقال صدقت

 و روي أن علي بن الحسين ع سئل عن هذا فقال وا عجبا إن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر و قد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام و لم تزل تحت أبي طالب حتى مات

 و يروى عن قوم من الزيدية أن أبا طالب أسند المحدثون عنه حديثا ينتهي إلى أبي رافع مولى رسول الله ص قال سمعت أبا طالب يقول بمكة حدثني محمد ابن أخي أن ربه بعثه بصلة الرحم و أن يعبده وحده لا يعبد معه غيره و محمد عندي الصادق الأمين

 و قال قوم إن قول النبي ص أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة إنما عنى به أبا طالب

و قالت الإمامية إن ما يرويه العامة من أن عليا و جعفرا لم يأخذا من تركة أبي طالب شيئا حديث موضوع و مذهب أهل البيت بخلاف ذلك فإن المسلم عندهم يرث الكافر و لا يرث الكافر المسلم و لو كان أعلى درجة منه في النسب قالوا و قوله ص لا توارث بين أهل ملتين نقول بموجبه لأن التوارث تفاعل و لا تفاعل عندنا في ميراثهما و اللفظ يستدعي الطرفين كالتضارب لا يكون إلا من اثنين قالوا و حب رسول الله ص لأبي طالب معلوم مشهور و لو كان كافرا ما جاز له حبه لقوله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ الآية

 قالوا و قد اشتهر و استفاض الحديث و هو قوله ص لعقيل أنا أحبك حبين حبا لك و حبا لحب أبي طالب لك فإنه كان يحبك

قالوا و خطبة النكاح مشهورة خطبها أبو طالب عند نكاح محمد ص خديجة و هي قوله الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم و زرع إسماعيل و جعل لنا بلدا حراما و بيتا محجوجا و روي محجوبا و جعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله أخي من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا و فضلا و حزما و عقلا و رأيا و نبلا و إن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل و عارية مسترجعة و له في خديجة بنت خويلد رغبة و لها فيه مثل ذلك و ما أحببتم من الصداق فعلي و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جليل. قالوا فتراه يعلم نبأه الشائع و خطبه الجليل ثم يعانده و يكذبه و هو من أولي الألباب هذا غير سائغ في العقول.

 قالوا و قد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع أن رسول الله ص قال إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الشرك فآتاهم الله أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ و إن أبا طالب أسر الإيمان و أظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين

 و في الحديث الصحيح المشهور أن جبرئيل قال له ليلة مات أبو طالب اخرج منها فقد مات ناصرك

و أما حديث الضحضاح من النار فإنما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد و هو المغيرة بن شعبة و بغضه لبني هاشم و على الخصوص لعلي ع مشهور معلوم و قصته و فسقه غير خاف

 قالوا و قد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب و بعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة أن أبا طالب ما مات حتى قال لا إله إلا الله محمد رسول الله

 و الخبر المشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاما خفيا فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع رأسه إلى رسول الله ص فقال يا ابن أخي و الله لقد قالها عمك و لكنه ضعف عن أن يبلغك صوته

 و روي عن علي ع أنه قال ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله ص من نفسه الرضا

قالوا و أشعار أبي طالب تدل على أنه كان مسلما و لا فرق بين الكلام المنظوم و المنثور إذا تضمنا إقرارا بالإسلام أ لا ترى أن يهوديا لو توسط جماعة من المسلمين و أنشد شعرا قد ارتجله و نظمه يتضمن الإقرار بنبوة محمد ص لكنا نحكم بإسلامه كما لو قال أشهد أن محمدا رسول الله فمن تلك الأشعار قوله

يرجون منا خطة دون نيلها. ضراب و طعن بالوشيج المقوم. يرجون أن نسخى بقتل محمد. و لم تختضب سن العوالي من الدم.كذبتم و بيت الله حتى تفلقوا . جماجم تلقى بالحطيم و زمزم.و تقطع أرحام و تنسى حليلة. حليلا و يغشى محرم بعد محرم.على ما مضى من مقتكم و عقوقكم. و غشيانكم في أمركم كل مأثم.و ظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى. و أمر أتى من عند ذي العرش قيم.فلا تحسبونا مسلميه فمثله. إذا كان في قوم فليس بمسلم.

 و من شعر أبي طالب في أمر الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم

أ لا أبلغا عني على ذات بينها. لؤيا و خصا من لؤي بني كعب.أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا. رسولا كموسى خط في أول الكتب.و أن عليه في العباد محبة. و لا حيف فيمن خصه الله بالحب.و أن الذي رقشتم في كتابكم . يكون لكم يوما كراغية السقب.أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى. و يصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب.و لا تتبعوا أمر الغواة و تقطعوا. أواصرنا بعد المودة و القرب.

 و تستحلبوا حربا عوانا و ربما. أمر على من ذاقه حلب الحرب.فلسنا و بيت الله نسلم أحمد. لعراء من عض الزمان و لا كرب. و لما تبن منا و منكم سوالف. و أيد أترت بالمهندة الشهب.بمعترك ضنك ترى قصد القنا. به و الضباع العرج تعكف كالشرب. كأن عجال الخيل في حجراته. و غمغمة الأبطال معركة الحرب.أ ليس أبونا هاشم شد أزره. و أوصى بنيه بالطعان و بالضرب.و لسنا نمل الحرب حتى نملنا. و لا نشتكي مما ينوب من النكب.و لكننا أهل الحفائظ و النهى. إذا طار أرواح الكماة من الرعب.

 و من ذلك قوله

فلا تسفهوا أحلامكم في محمد. و لا تتبعوا أمر الغواة الأشائم.تمنيتموا أن تقتلوه و إنما. أمانيكم هذي كأحلام نائم.و إنكم و الله لا تقتلونه. و لما تروا قطف اللحى و الجماجم.زعمتم بأنا مسلمون محمدا. و لما نقاذف دونه و نزاحم.من القوم مفضال أبي علي العدى . تمكن في الفرعين من آل هاشم.أمين حبيب في العباد مسوم. بخاتم رب قاهر في الخواتم.يرى الناس برهانا عليه و هيبة. و ما جاهل في قومه مثل عالم.نبي أتاه الوحي من عند ربه. فمن قال لا يقرع بها سن نادم.

 و من ذلك قوله و قد غضب لعثمان بن مظعون الجمحي حين عذبته قريش و نالت منه

أ من تذكر دهر غير مأمون. أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون.أ من تذكر أقوام ذوي سفه. يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين.أ لا ترون أذل الله جمعكم. أنا غضبنا لعثمان بن مظعون.و نمنع الضيم من يبغي مضيمتنا. بكل مطردة في الكف مسنون.و مرهفات كأن الملح خالطها. يشفي بها الداء من هام المجانين.حتى تقر رحال لا حلوم لها. بعد الصعوبة بالإسماح و اللين.أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب. على نبي كموسى أو كذي النون.

 قالوا و قد جاء في الخبر أن أبا جهل بن هشام جاء مرة إلى رسول الله ص و هو ساجد و بيده حجر يريد أن يرضخ به رأسه فلصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد فقال أبو طالب في ذلك من جملة أبيات

أفيقوا بني عمنا و انتهوا . عن الغي من بعض ذا المنطق.و إلا فإني إذا خائف. بوائق في داركم تلتقي.كما ذاق من كان من قبلكم. هود و عاد و من ذا بقي.

 و منها

و أعجب من ذاك في أمركم. عجائب في الحجر الملصق.بكف الذي قام من خبثه. إلى الصابر الصادق المتقي.فأثبته الله في كفه. على رغمة الخائن الأحمق.

 قالوا و قد اشتهر عن عبد الله المأمون أنه كان يقول أسلم أبو طالب و الله بقوله

نصرت الرسول رسول المليك. ببيض تلألأ كلمع البروق.أذب و أحمي رسول الإله. حماية حام عليه شفيق.و ما إن أدب لأعدائه. دبيب البكار حذار الفنيق.و لكن أزير لهم ساميا . كما زار ليث بغيل مضيق.

 أقول و زاد في الديوان بعد البروق

بضرب يذبب دون النهاب. حذار الوتائر و الخنفقيق.

 ثم قال ابن أبي الحديد قالوا و جاء في السيرة و ذكره أكثر المؤرخين أن عمرو بن العاص لما خرج إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب و أصحابه عند النجاشي قال

تقول ابنتي أين أين الرحيل. و ما البين مني بمستنكر.فقلت دعيني فإني امرؤ. أريد النجاشي في جعفر.لأكويه من عنده كية. أقيم بها نحوه الأصعر.و لن أنثني عن بني هاشم. بما اسطعت في الغيب و المحضر. و عن عائب اللات في قوله. و لو لا رضا اللات لم تمطر.و إني لأشنا قريش له. و إن كان كالذهب الأحمر.

 قالوا فكان عمرو يسمى الشانئ بن الشانئ لأن أباه كان إذا مر عليه رسول الله ص بمكة يقول و الله إني لأشنؤك و فيه أنزل إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قالوا فكتب أبو طالب إلى النجاشي شعرا يحرضه فيه على إكرام جعفر و أصحابه و الإعراض عما يقوله عمرو فيه و فيهم من جملته

ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر. و عمرو و أعداء النبي الأقارب.و هل نال إحسان النجاشي جعفرا. و أصحابه أم عاق عن ذاك شاغب

. في أبيات كثيرة قالوا و روي عن علي ع أنه قال قال لي أبي يا بني الزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل و آجل ثم قال لي

إن الوثيقة في لزوم محمد. فاشدد بصحبته علي يديكا

. قالوا و من شعره المناسب بهذا المعنى قوله

إن عليا و جعفرا ثقتي. عند ملم الزمان و النوب.لا تخذلا و انصرا ابن عمكما. أخي لأمي من بينهم و أبي.و الله لا أخذل النبي و لا. يخذله من بني ذو حسب.

قالوا و قد جاءت الرواية أن أبا طالب لما مات جاء علي ع إلى رسول الله ص فآذنه بموته فتوجع عظيما و حزن شديدا ثم قال امض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل فاعترضه رسول الله ص و هو محمول على رءوس الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم و جزيت خيرا فلقد ربيت و كفلت صغيرا و نصرت و آزرت كبيرا ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال أم و الله لأستغفرن لك و لأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان

قالوا و المسلم لا يجوز أن يتولى غسل الكافر و لا يجوز للنبي أن يرق لكافر و لا أن يدعو له بخير و لا أن يعده بالاستغفار و الشفاعة و إنما تولى علي غسله لأن طالبا و عقيلا لم يكونا أسلما بعد و كان جعفر بالحبشة و لم تكن صلاة الجنائز شرعت بعد و لا صلى رسول الله ص على خديجة و إنما كان تشييع و رقة و دعاء. قالوا و من شعر أبي طالب يخاطب أخاه حمزة و كان يكنى أبا يعلى فصبرا أبا يعلى على دين أحمد إلى آخر ما مر من الأبيات قالوا و من شعره المشهور

أنت النبي محمد. قرم أغر مسود.لمسودين أكارم. طابوا و طاب المولد.نعم الأرومة أصلها. عمرو الخضم الأوحد.هشم الربيكة في الجفان. و عيش مكة أنكد.فجرت بذلك سنة. فيها الخبيزة تسرد.و لنا السقاية للحجيج. بها يماث العنجد.و المأزمان و ما حوت. عرفاتها و المسجد.أنى تضام و لم أمت. و أنا الشجاع العربد.و بطاح مكة لا يرى. فيها نجيع أسود.و بنو أبيك كأنهم. أسد العرين توقد. و لقد عهدتك صادقا. في القول لا تتزيد.ما زلت تنطق بالصواب. و أنت طفل أمرد.

 قالوا و من شعره المشهور أيضا قوله يخاطب محمدا ص و يسكن جأشه و يأمره بإظهاره الدعوة

لا يمنعنك من حق تقوم به. أيد تصول و لا سلق بأصوات.فإن كفك كفي إن بليت بهم. و دون نفسك نفسي في الملمات.

 و من ذلك قوله و يقال إنها لطالب بن أبي طالب

إذا قيل من خير هذا الورى. قبيلا و أكرمهم أسرة.

 أناف بعبد مناف أب. و فضله هاشم الغرة.لقد حل مجد بني هاشم. مكان النعائم و النثرة.و خير بني هاشم أحمد. رسول الإله على فترة.

 و من ذلك قوله

لقد أكرم الله النبي محمدا. فأكرم خلق الله في الناس أحمد.و شق له من اسمه ليجله . فذو العرش محمود و هذا محمد.

 و قوله أيضا و قد يروى لعلي ع.

يا شاهد الله علي فاشهد. أني على دين النبي أحمد.من ضل في الدين فإني مهتدي. يا رب فاجعل في الجنان موردي

 قالوا فكل هذه الأشعار قد جاءت مجي‏ء التواتر لأنه إن لم يكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك و هو تصديق محمد ص و مجموعها متواتر كما أن كل واحدة من قتلات علي ع الفرسان منقولة آحادا و مجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري بشجاعته و كذلك القول فيما روي من سخاء حاتم و حلم أحنف و معاوية و ذكاء إياس و خلاعة أبي نواس و غير ذلك قالوا و اتركوا هذا كله جانبا ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة قفا نبك و إن جاز الشك فيها أو في شي‏ء من أبياتها جاز الشك في قفا نبك و في بعض أبياتها و نحن نذكر منها هنا قطعة و هي قوله

أعوذ برب البيت من كل طاعن. علينا بسوء أو ملح بباطل.و من فاجر يغتابنا بمغيبه. و من ملحق في الدين ما لم يحاول.كذبتم و بيت الله نبزي محمدا. و لما نطاعن دونه و نناضل.و ننصره حتى نصرع دونه . و نذهل عن أبنائنا و الحلائل.

 و حتى ترى ذا الردع يركب ردعه. من الطعن فعل الأنكب المتحامل.و ينهض قوم في الحديد إليكم. نهوض الروايا من طريق جلاجل.و إنا و بيت الله إن جد جدنا. لتلتبسن أسيافنا بالأماثل.بكل فتى مثل الشهاب سميدع. أخي ثقة عند الحفيظة باسل.و ما ترك قوم لا أبا لك سيدا. يحوط الذمار غير نكس موائل.و أبيض يستسقى الغمام بوجهه. ثمال اليتامى عصمة للأرامل.يلوذ به الهلاك من آل هاشم. فهم عنده في نعمة و فواضل.و ميزان صدق لا يخيس شعيرة. و وزان صدق وزنه غير غائل.أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب. لدينا و لا يعبأ بقول الأباطل.لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد. و أحببته حب الحبيب المواصل.وجدت بنفسي دونه فحميته. و دافعت عنه بالذرى و الكواهل.فلا زال للدنيا جمالا لأهلها. و شينا لمن عادى و زين المحافل.و أيده رب العباد بنصره. و أظهر دينا حقه غير باطل.

 و ورد في السيرة و المغازي أن عتبة بن ربيعة أو شيبة لما قطع رجل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر أشبل عليه علي و حمزة فاستنقذاه منه و خبطا عتبة بسيفهما حتى قتلاه و احتملا صاحبهما من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدي رسول الله ص و إن مخ ساقه ليسيل فقال يا رسول الله لو كان أبو طالب حيا لعلم أنه قد صدق في قوله

كذبتم و بيت الله نخلي محمدا. و لما نطاعن دونه و نناضل.و ننصره حتى نصرع حوله. و نذهل عن أبنائنا و الحلائل.

 فقام رسول الله ص و استغفر له و لأبي طالب يومئذ و بلغ عبيدة مع النبي صلوات الله عليه و آله إلى الصفراء و مات فدفن بها.

 قالوا و قد روي أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ص في عام جدب فقال أتيناك يا رسول الله و لم يبق لنا صبي يرتضع و لا شارف يجتر ثم أنشد

أتيناك و العذراء تدمي لبانها و قد شغلت أم الرضيع عن الطفل‏و ألقى بكفيه الفتى لاستكانة من الجوع حتى ما يمر و لا يحلي‏و لا شي‏ء مما يأكل الناس عندنا سوى الحنظل العامي و العلهز الفسل‏و ليس لنا إلا إليك فرارنا و أين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقام النبي ص يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا هنيئا مريعا سحا سجالا غدقا طبقا دائما دررا تحيي به الأرض و تنبت به الزرع و تدر به الضرع و اجعله سقيا نافعة عاجلا غير رائث فو الله ما رد رسول الله ص يده إلى نحره حتى ألقت السماء أرواقها و جاء الناس يضجون الغرق الغرق يا رسول الله فقال اللهم حوالينا و لا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار حولها كالإكليل فضحك رسول الله ص حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عينه من ينشدنا قوله فقام علي ع فقال يا رسول الله لعلك أردت

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

قال أجل فأنشده أبياتا من هذه القصيدة و رسول الله ص يستغفر لأبي طالب على المنبر ثم قام رجل من كنانة فأنشده

لك الحمد و الحمد ممن شكر سقينا بوجه النبي المطردعا الله خالقه دعوة إليه و أشخص منه البصرفما كان إلا كما ساعة أو أقصر حتى رأينا الدرردفاق العزالي و جم البعاق أغاث به الله عليا مضرفكان كما قاله عمه أبو طالب ذو رواء غرربه يسر الله صوب الغمام فهذا العيان و ذاك الخبرفمن يشكر الله يلق المزيد و من يكفر الله يلق الغير

فقال رسول الله ص إن يكن شاعر أحسن فقد أحسنت

قالوا و إنما لم يظهر أبو طالب الإسلام و يجاهر به لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ص ما تهيأ له و كان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه نحو أبي بكر و عبد الرحمن بن عوف و غيرهما ممن أسلم و لم يتمكن من نصرته و القيام دونه حينئذ و إنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش و إن أبطن الإسلام كما لو أن إنسانا كان يبطن التشيع مثلا و هو في بلد من بلاد الكرامية و له في ذلك البلد وجاهة و قدم و هو يظهر مذهب الكرامية و يحفظ ناموسه بينهم بذلك و كان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى و الضرر من أهل ذلك البلد و رؤسائه فإنه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا من المدافعة و المحاماة عن أولئك النفر فلو أظهر ما يجوز من التشيع و كاشف أهل البلد بذلك صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر و لحقه من الأذى و الضر ما يلحقهم و لم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أولا. ثم قال بعد كلام فأما الصلاة و كونه لم ينقل عنه أنه صلى فيجوز أن يكون لأن الصلاة لم تكن بعد قد فرضت و إنما كانت نفلا غير واجب فمن شاء صلى و من شاء ترك و لم تفرض إلا بالمدينة انتهى كلامه. و أقول روى السيد فخار الأبيات اللامية بإسناده عن أبي الفرج الأصفهاني و عن الشيخ المفيد و قصة الاستسقاء عن عميد الرؤساء عن علي بن عبد الرحيم اللغوي عن موهوب بن أحمد الجواليقي عن يحيى بن علي بن خطيب التبريزي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة و سائر الأخبار بالأسانيد المعتبرة من كتب الفريقين. و لنوضح بعض ما يحتاج إلى بيان الضحضاح الماء اليسير و الثدي يذكر و يؤنث و الوشيج شجر الرماح و التقويم إزالة العوج و الإصلاح و السمر بالضم جمع أسمر و هو لون بين البياض و السواد و في بعض النسخ سم أي الثقب و كأنه تصحيف و العوالي جمع العالية و هي أعلى الرمح أو رأسه أو النصف الذي يلي السنان حتى تفلقوا من التفليق و هو التشقيق و في بعض النسخ بالقاف من القلق و هو الانزعاج و في بعضها بالغين المعجمة و في بعضها بالمهملة و فيما سوى الأول تكلف و إن كان الأخير لا يخلو من وجه و في أكثر الروايات حتى تعرفوا بحذف إحدى التاءين أي تطلبوا لتعرفوا و الحليل و الحليلة الزوج و الزوجة و يغشى على بناء المفعول و المحرم الحرام و غشيان المحارم معروف و يمكن أن يقرأ على بناء المعلوم و محرم بضم الميم و كسر الراء فإنه يقال لمن نال حرمة محرم و الأول أظهر و الرقش كالنقش و رقش كلامه ترقيشا زوره و زخرفه و العوان كسحاب من الحروب التي قوتل فيها مرة و تستحلبوا أي تطلبوا الحلب و أمر أي صار مرا و الحلب محركة اللبن المحلوب. قوله لعراء بالمد أي فضاء لا ستر به و هو كناية عن ترك النصرة قال تعالى لَنُبِذَ بِالْعَراءِ و العرى مقصورا الفناء و الساحة و قال الجوهري يقال أعراه صديقه إذا تباعد منه و لم ينصره و في بعض النسخ لعزاء بفتح العين و تشديد الزاي و هي السنة الشديدة و السالفة ناحية مقدم العنق من لدن معلق القرط إلى قلت الترقوة و أيد أتدت أي قويت و أحكمت و في بعض النسخ بالراء أي شدت يقال توتر العصب أي اشتد و كلاهما بقلب الواو ألفا و في بعض الروايات أبينت بالقساسية الشهب و في القاموس القساس كغراب معدن الحديد بإرمينية و منه السيوف القساسية و في الصحاح يقال كتيبة شهباء لبياض الحديد و النصل الأشهب الذي برد فذهب سواده و الشهاب شعلة من نار ساطعة و المعترك موضع القتال و الضنك الضيق و رمح قصد ككتف متكسر و في بعض الروايات كسر القنا و الكسرة بالكسر القطعة من الشي‏ء المكسور و الجمع كسر و العرجاء الضبع و الشرب جمع شارب كصحب و صاحب و يحتمل المهملة و هو القطيع من الوحش و في بعض الروايات و النسور الطهم

  يعكفن و في القاموس المطهم السمين و التام من كل شي‏ء و تطهم الطعام كرهه و فلان يتطهم عنا يستوحش و حجرة القوم بالفتح ناحية دارهم و الجمع حجرات بالتحريك و منه قولهم دع عنك نهبا صيح في حجراته و الغمغمة أصوات الأبطال في القتال كالمعمعة و الحفائظ جمع الحفيظة و هي الغضب و الحمية و الكماة بالضم جمع الكمي و هو الشجاج المتكمي في سلاحه و الأشائم جمع الأشأم و الهذي التكلم بغير معقول لمرض أو غيره و القطف قطع العنب عن الشجر استعير لقطع الرءوس و اللحى إشارة إلى أنه في غاية السهولة من القوم مفضال مبتدأ و خبر و كل منهما يحتمل كلا أو المبتدأ مقدر أي هو من القوم أبي كفعيل أي يمتنع من المذلة و المغلوبية و ضمن معنى الغلبة و العلو فعدي بعلى و سوم تسويما جعل عليه سيمة أي علامة و هو إشارة إلى خاتم النبوة و لا يخفى ما في هذا البيت من اللطف و قرع السن في الندامة مشهور و المضيمة مصدر ميمي من الضيم و هو الظلم و المطرد كمنبر رمح قصير و سن الرمح ركب فيه سنانه و رهف السيف كمنع رققه كأرهفه و البكار بالكسر جمع البكرة بالفتح و هي الفتية من الإبل و الغيل بالكسر الأجمة و موضع الأسد و الفنيق كأمير الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته و في القاموس ذببنا ليلتنا تذبيبا أتعبنا في السير و راكب مذبب كمحدث عجل منفرد و النهاب بالكسر جمع النهب و هو الغنيمة و الوتيرة الذحل و هو مكافاة الجناية و طلب الثأر و في بعض النسخ بالمثلثة جمع الوثيرة و هي السمينة الموافقة للمضاجعة و هو بعيد و الخنفقيق كقندفير السريعة جدا من النوق و الظلمان و حكاية جري الخيل و هو مشى في اضطراب كذا في القاموس و في الصحاح الخنفقيق الداهية و الخفيفة من النساء السريعة الجريئة و قال الصعر الميل في الخد خاصة و قد صعر خده و صاعره أي أماله من الكبر قال الشاعر و كنا إذا الجبار صعر خده. أقمنا له من درئه فتقوما. و حرضه تحريضا حثه و الشغب تهييج و القرم بالفتح السيد و الأرومة بالفتح و الضم الأصل و الخضم بكسر الخاء و فتح الضاد و شد الميم السيد الحمول المعطاء و البحر و السيف القاطع و في القاموس الهشم كسر الشي‏ء اليابس و هاشم أبو عبد المطلب و اسمه عمرو لأنه أول من ثرد الثريد و هشمه و قال ربك الثريد أصلحه و الربيكة عملها و هي أقط بتمر و سمن و ربما صب عليه ماء فشرب و العنجد ضرب من الزبيب و المأزم و يقال المأزمان مضيق بين جمع و عرفة و آخر بين مكة و منى قاله في القاموس و قال العربد كقرشب و تكسر الباء الشديد من كل شي‏ء و كزبرج الحية و الأرض الخشنة و قال النجيع من الدم ما كان إلى السواد أو دم الجوف و العرين كأمير مأوى الأسد يقال ليث عرينة و التوقد كناية عن شدة الغضب و التوقد الحدة و المضي في الأمر و يحتمل الفاء أيضا من التوفد و هو الإشراف و المستوفد المستوفز و في القاموس الجأش رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع و نفس الإنسان و قد لا يهمز و قال سلقه بالكلام آذاه و فلانا طعنه و الغرة من القوم شريفهم و النعائم من منازل القمر و النثرة

  كوكبان بينهما قدر شبر و فيهما لطخ بياض كأنه قطعة سحاب و هي أنف الأسد و في الصحاح غلام خليع بين الخلاعة بالفتح و هو الذي قد خلعه أهله فإن جنى لم يطلبوا بجنايته و بالجيم قلة الحياء و التكلم بالفحش و الأخير أنسب و الأول أشهر ما لم يحاول على المجهول أي لم يقصد و سائر الأبيات قد مر شرح بعضها و سيأتي شرح باقيها إن شاء الله. و في القاموس أشبل عليه عطف و أعانه و قال خبطه يخبطه ضربه شديدا و القوم بسيفهم جلدهم و قد مضى شرح لغات خبر الاستسقاء في المجلد السادس و النواجذ بالذال المعجمة أقصى الأضراس. و قال السيد المرتضى في كتاب الفصول ناقلا عن شيخه المفيد قدس سره أنه قال مما يدل على إيمان أبي طالب إخلاصه في الود لرسول الله ص و النصرة له بقلبه و يده و لسانه و أمر ولديه عليا و جعفرا باتباعه و قول رسول الله ص فيه عند وفاته وصلتك رحم و جزيت خيرا يا عم فدعا له و ليس يجوز أن يدعو بعد الموت لكافر و لا يسأل الله عز و جل له خيرا ثم أمره عليا ع خاصة من بين أولاده الحاضرين بتغسيله و تكفينه و توريته دون عقيل ابنه و قد كان حاضرا و دون طالب أيضا و لم يكن من أولاده من قد آمن في تلك الحال إلا أمير المؤمنين ع و جعفر و كان جعفر غائبا في بلاد الحبشة فلم يحضر من أولاده مؤمن إلا أمير المؤمنين ع فأمره بتولي أمره دون من لم يكن على الإيمان و لو كان كافرا لما أمر ابنه المؤمن بتوليه و لكان الكافر أحق به

 مع أن الخبر قد ورد على الاستفاضة بأن جبرئيل ع نزل على رسول الله ص عند موت أبي طالب فقال له يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يقول لك اخرج من مكة فقد مات ناصرك

و هذا يبرهن عن إيمانه لتحققه بنصرة رسول الله ص.

 و يدل على ذلك قوله لعلي ع حين رآه يصلي مع رسول الله ص ما هذا يا بني فقال دين دعاني إليه ابن عمي فقال له اتبعه فإنه لا يدعو إلا إلى خير

فاعترف بصدق رسول الله ص و ذلك حقيقة الإيمان

 و قوله و قد مر على أمير المؤمنين ع ثانية و هو يصلي عن يمين رسول الله ص و معه جعفر ابنه فقال له يا بني صل جناح ابن عمك فصلى جعفر معه و تأخر أمير المؤمنين ع حتى صار هو و جعفر خلف رسول الله ص فجاءت الرواية بأنها أول صلاة جماعة صليت في الإسلام ثم أنشأ أبو طالب يقول إن عليا و جعفرا ثقتي الأبيات

فاعترف بنبوة النبي ص اعترافا صريحا في قوله و الله لا أخذل النبي و لا فصل بين أن يصف رسول الله بالنبوة في نظمه و بين أن يقر بذلك في نثر كلامه و يشهد عليه من حضره. و مما يدل على ذلك أيضا قوله في قصيدته اللامية أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب الأبيات فشهد بتصديق رسول الله ص شهادة ظاهرة لا تحتمل تأويلا و نفى عنه الكذب على كل وجه و هذا هو حقيقة الإيمان و منه قوله

أ لم يعلموا أن النبي محمدا. رسول أمين خط في أول الكتب.

 و هذا إيمان لا شبهة فيه لشهادته له برسول الله ص و قد روى أصحاب السير أن أبا طالب رحمه الله لما حضرته الوفاة اجتمع إليه أهله فأنشأ يقول 

أوصي بنصر النبي الخير مشهده. عليا ابني و شيخ القوم عباسا.و حمزة الأسد الحامي حقيقته. و جعفرا أن يذودوا دونه الناسا.كونوا فدى لكم أمي و ما ولدت. في نصر أحمد دون الناس أتراسا.

 فأقر للنبي ص بالنبوة عند الاحتضار و اعترف له بالرسالة قبل مماته و هذا يزيل الريب في إيمانه بالله عز و جل و برسوله ص و تصديقه له و إسلامه و منه قوله رحمه الله المشهور عنه بين أهل المعرفة و أنت إذا التمسته وجدته في غير موضع من المصنفات و قد ذكره الحسن بن بشر الآمدي في كتاب ملح القبائل

ترجون أن نسخى بقتل محمد. و لم تختضب سن العوالي من الدم.كذبتم و رب البيت حتى تفلقوا. جماجم تلقى بالحطيم و زمزم.و تقطع أرحام و تنسى حليلة. حليلا و يغشى محرم بعد محرم.و ينهض قوم في الحديد إليكم. يذودون عن أحسابهم كل مجرم.على ما أتى من بغيكم و ضلالكم. و غشيانكم في أمرنا كل مأثم.بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى. و أمر أتى من عند ذي العرش مبرم.فلا تحسبونا مسلميه و مثله. إذا كان في قوم فليس بمسلم. فهذي معاذير مقدمة لكم لئلا يكون الحرب قبل التقدم.

 و هذا أيضا صريح في الإقرار بنبوة رسول الله ص كالذي قبله على ما بيناه و قد قال في قصيدته اللامية ما تدل على ما وصفناه في إخلاصه في النصرة حيث يقول 

كذبتم و بيت الله نبزي محمدا . و لما نطاعن دونه و نقاتل.و نسلمه حتى نصرع دونه. و نذهل عن أبنائنا و الحلائل.

 فإن تعلقوا بما يؤثر عنه من قوله لرسول الله ص

و الله لا وصلوا إليك بجمعهم. حتى أغيب في التراب دفينا.فامض لأمرك ما عليك غضاضة. أبشر بذاك و قر منك عيونا. لو لا المخافة أن يكون معرة. لوجدتني سمحا بذاك قمينا.و دعوتني و زعمت أنك ناصح. و لقد صدقت و كنت ثم أمينا.

 فقالوا هذا الشعر يتضمن أنه لم يؤمن برسول الله ص و لم يسمح له في الإسلام و الاتباع خوف المعرة و التسفيه و كيف يكون مؤمنا مع ذلك فإنه يقال لهم إن أبا طالب لم يمتنع من الإيمان برسول الله ص في الباطن و الإقرار بحقه من طريق الديانة و إنما امتنع من إظهار ذلك لئلا تسفهه قريش و تذهب رئاسته و يخرج من كان منها متبعا له عن طاعته و ينخرق هيبته عندهم فلا يسمع له قول و لا يمتثل له أمر فيحول ذلك بينه و بين مراده من نصرة رسول الله ص و لا يتمكن من غرضه في الذب عنه فاستسر بالإيمان و أظهر منه ما كان يمكنه إظهاره على وجه الاستصلاح ليصل بذلك إلى بناء الإسلام و قوام الدعوة و استقامة أمر رسول الله ص و كان في ذلك كمؤمني أهل الكهف الذين أبطنوا الإيمان و أظهروا ضده للتقية و الاستصلاح فآتاهم الله أجرهم مرتين و الدليل على ما ذكرناه في أمر أبي طالب رحمه الله قوله في هذا الشعر بعينه

و دعوتني و زعمت أنك ناصح. و لقد صدقت و كنت ثم أمينا.

 فشهد بصدقه و اعترف بنبوته و أقر بنصحه و هذا محض الإيمان على ما قدمناه انتهى كلامه رحمه الله. و قال السيد فخار بعد إيراد الأخبار التي أوردنا بعضها و أما ما ذكره المخالفون من أن النبي ص كان يحب عمه أبا طالب و يريد منه أن يؤمن به و هو لا يجيبه إلى ذلك فأنزل الله تعالى في شأنه إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ فإنه جهل بأسباب النزول و تحامل على عم الرسول لأن لهذه الآية و نزولها عند أهل العلم سببا معروفا و حديثا مأثورا

 و ذلك أن النبي ص ضرب بحربة في خده يوم حنين فسقط إلى الأرض ثم قام و قد انكسرت رباعيته و الدم يسيل على حر وجهه فمسح وجهه ثم قال اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فنزلت الآية

و وقعة حنين كانت بعد هجرة النبي ص بثلاث سنين و الهجرة كانت بعد موت أبي طالب رحمه الله

 و قد روي لنزولها سبب آخر و هو أن قوما ممن كانوا أظهروا الإيمان بالنبي ص تأخروا عنه عند هجرته و أقاموا بمكة و أظهروا الكفر و الرجوع إلى ما كانوا عليه فبلغ خبرهم إلى النبي ص و المسلمين فاختلفوا في تسميتهم بالإيمان فقال فريق من المسلمين هم مؤمنون و إنما أظهروا الكفر اضطرارا إليه و قال آخرون بل هم كفار و قد كانوا قادرين على الهجرة و الإقامة على الإيمان فاجتمعوا إلى رسول الله ص و كان أشراف القوم يريدون منه أن يحكم لهم بالإيمان لأرحام بينهم و بينهم فأحب رسول الله أن ينزل ما يوافق محبة الأشراف من قومه لتألفهم فلما سألوه عن حالهم قال حتى يأتيني الوحي في ذلك فأنزل الله في ذلك إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ يريد أنك لا تحكم و لا تسمي و لا تشهد بالإيمان لمن أحببت و لكن الله يحكم له و يسميه إذا كان مستحقا له و هذا أيضا كان بعد موت أبي طالب بسنين

و أيضا هذه الآية إذا تأملها المنصف تبين له أن نزولها في أبي طالب باطل من وجوه أحدها أنه لا يجوز في حكمة الله تعالى أن يكره هداية أحد من عباده و لا أن يحب له الضلالة كما لا يجوز في حكمته أن يأمر بالضلال و ينهى عن الهدى و الرشاد. و الآخر أنه إذا كان الله تعالى قد أخبر في كتابه أن النبي ص كان يحب عمه أبا طالب في قوله إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ فقد ثبت حينئذ أن أبا طالب كان مؤمنا لأن الله تعالى قد نهى عن حب الكافرين في قوله لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ. و الآخر أنه إذا ثبت أن هذه الآية نزلت في أبي طالب فهي دالة على فضل أبي طالب و على مرتبته في الإيمان و الهداية و ذلك أن هداية أبي طالب كانت من الله تعالى دون غيره من خلقه و هو كان المتولي لها و كان تقديره أن أبا طالب الذي تحبه لم تهده يا محمد أنت بنفسك بل الله الذي تولى هدايته فسبقت هدايته الدعوة له و هذا أولى مما ذكروه لعدم اشتماله على ارتكاب النبي ص ما نهي عنه من حب الكافرين. أقول لقد أطنب رحمة الله عليه في رد أخبارهم الموضوعة و أجاد و أورد كثيرا من القصص و الأخبار و الأشعار فليرجع إلى كتابه من أراد و إنما جوزنا هناك بعض التطويل و التكرار لكون هذا المطلوب من مهمات مقاصد الأخبار و لنذكر هنا قصة غريبة أوردها السيد فخار رحمه الله قال و لقد حكى الشيخ أبو الحسن علي بن أبي المجد الواعظ الواسطي بها في شهر رمضان سنة تسع و تسعين و خمسمائة عن والده قال كنت أروي أبيات أبي طالب رضي الله عنه هذه القافية و أنشد قوله فيها 

بكف الذي قام في حينه. إلى الصابر الصادق المتقي.

 فرأيت في نومي ذات ليلة رسول الله ص جالسا على كرسي و إلى جانبه شيخ عليه من البهاء ما يأخذ بمجامع القلب فدنوت من النبي ص فقلت السلام عليك يا رسول الله فرد علي السلام ثم أشار إلى الشيخ و قال ادن من عمي فسلم عليه فقلت أي أعمامك هذا يا رسول الله فقال هذا عمي أبو طالب فدنوت منه و سلمت عليه ثم قلت له يا عم رسول الله إني أروي أبياتك هذه القافية و أحب أن تسمعها مني فقال هاتها فأنشدته إياها إلى أن بلغت

بكف الذي قام في حينه. إلى الصائن الصادق المتقي.

 فقال إنما قلت أنا إلى الصابر الصادق المتقي بالراء و لم أقل بالنون ثم استيقظت. أقول

 قال في الفصول المهمة أمه ع فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف تجتمع هي و أبو طالب في هاشم ثم أسلمت و هاجرت مع النبي ص و كانت من السابقات إلى الإيمان بمنزلة الأم من النبي ص فلما ماتت كفنها النبي ص بقميصه و أمر أسامة بن زيد و أبا أيوب الأنصاري و عمر و غلاما أسود فحفروا قبرها فلما بلغوا لحدها حفره النبي ص بيده و أخرج ترابه فلما فرغ رسول الله ص اضطجع فيه و قال الله الذي يحيي و يميت و هو حي لا يموت اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد و لقنها حجتها و وسع عليها مدخلها بحق نبيك محمد و الأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين فقيل يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها فقال ص ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة و اضطجعت في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر إنها كانت من أحسن خلق الله صنيعا إلي بعد أبي طالب

أقول قد مضى بعض الأخبار في فضلهما و أحوالهما في أبواب كتاب أحوال النبي ص و باب ولادة أمير المؤمنين ع.

 يل، ]الفضائل لابن شاذان[ فض، ]كتاب الروضة[ لما ماتت فاطمة بنت أسد أقبل علي بن أبي طالب ع باكيا فقال له النبي ص ما يبكيك لا أبكى الله عينك قال توفيت والدتي يا رسول الله فقال له النبي ص بل و والدتي يا علي فلقد كانت تجوع أولادها و تشبعني و تشعث أولادها و تدهنني و الله لقد كان في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط ثم تجنيه رضي الله عنها و إذا خرجوا بنو عمي تناولني ذلك ثم نهض ص فأخذ في جهازها و كفنها بقميصه و كان في حال تشييع جنازتها يرفع قدما و يتأنى في رفع الآخر و هو حافي القدم فلما صلى عليها كبر سبعين تكبيرة ثم لحدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها و لقنها الشهادة فلما أهيل عليها التراب و أراد الناس الانصراف جعل رسول الله ص يقول لها ابنك ابنك لا جعفر و لا عقيل ابنك ابنك علي بن أبي طالب قالوا يا رسول الله فعلت فعلا ما رأينا مثله قط مشيك حافي القدم و كبرت سبعين تكبيرة و نومك في لحدها و جعل قميصك كفنها و قولك لها ابنك ابنك لا جعفر و لا عقيل فقال ص أما التأني في وضع أقدامي و رفعها في حال التشييع للجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة و أما تكبيري سبعين تكبيرة فإنها صلى عليها سبعون صفا من الملائكة و أما نومي في لحدها فإني ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت وا ضعفاه فنمت في لحدها لأجل ذلك حتى كفيتها ذلك و أما تكفيني لها بقميصي فإني ذكرت لها في حياتها القيامة و حشر الناس عراة فقالت وا سوأتاه فكفنتها بها لتقوم يوم القيامة مستورة و أما قولي لها ابنك ابنك لا جعفر و لا عقيل فإنها لما نزل عليها الملكان و سألاها عن ربها فقالت الله ربي و قالا من نبيك قالت محمد نبيي فقالا من وليك و إمامك فاستحيت أن تقول ولدي فقلت لها قولي ابنك علي بن أبي طالب فأقر الله بذلك عينها

 أقول قال ابن أبي الحديد أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أول هاشمية ولدت لهاشمي كان علي أصغر بنيها و جعفر أسن منه بعشر سنين و عقيل أسن من جعفر بعشر سنين و طالب أسن من عقيل بعشر سنين و فاطمة بنت أسد أمهم جميعا و أم فاطمة بنت أسد فاطمة بنت هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شهاب بن مهارب بن فهر و أمها عاتكة بنت أبي همهمة و اسمه عبد العزى بن عامر بن عمرو بن وديعة بن الحارث بن فهر أسلمت بعد عشرة من المسلمين فكانت الحادي عشر و كان رسول الله يكرمها و يعظمها و يدعوها أمي و أوصت إليه حين حضرتها الوفاة فقبل وصيتها و صلى عليها و نزل في لحدها و اضطجع معها فيه بعد أن ألبسها قميصه و فاطمة أول امرأة بايعت رسول الله ص من النساء و أم أبي طالب بن عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخذوم و هي أم عبد الله والد سيدنا رسول الله ص و أم الزبير بن عبد المطلب و سائر ولد عبد المطلب بعد لأمهات شتى