باب 4- باب نوادر ما وقع في أيّام خلافته عليه السلام و جوامع خطبه و نوادرها

 كا عليّ بن الحسن المؤدّب عن البرقي، و أحمد بن محمد عن علي بن الحسن التّيمي، جميعا عن إسماعيل بن مهران عن عبد اللّه بن الحارث عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السلام النّاس بصفّين، فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على محمد صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال أمّا بعد، فقد جعل اللّه تعالى لي عليكم حقّا بولاية أمركم و منزلتي التي أنزلني اللّه عزّ ذكره بها منكم، و لكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم، و الحقّ أجمل الأشياء في التواصف، و أوسعها في التّناصف، لا يجري لأحد إلّا جرى عليه، و لا يجري عليه إلّا جرى له، و لو كان لأحد أن يجري ذلك له و لا يجري عليه لكان ذلك للّه عزّ و جلّ خالصا دون خلقه، لقدرته على عباده، و لعدله في كلّ ما جرت عليه ضروب ]صروف »خ«[ قضائه، و لكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، و جعل كفّارتهم عليه بحسن الثّواب تفضّلا منه ]و تطوّلا بكرمه[ و توسّعا بما هو من المزيد له أهلا. ثمّ جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافى في وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض. فأعظم ممّا افترض اللّه تبارك و تعالى من تلك الحقوق، حقّ الوالي على الرعيّة و حقّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها اللّه عزّ و جلّ لكلّ على كلّ، فجعلها نظام ألفتهم، و عزّا لدينهم، و قواما لسير الحقّ فيهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعيّة. فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه و أدّى إليها الوالي كذلك، عزّ الحقّ بينهم، فقامت مناهج الدين، و اعتدلت معالم العدل، و جرت على أذلالها السنّن، و صلح بذلك الزّمان و طاب بها العيش، و طمع في بقاء الدّولة، و يئست مطامع الأعداء. و إذا غلبت الرعيّة على واليهم، و علا الوالي الرعية اختلفت هنالك الكلمة، و ظهرت مطالع الجور، و كثر الإدغال في الدين، و تركت معالم السنن، فعمل بالهوى، و عطّلت الآثار و أكثر علل النفوس، و لا يستوحش لجسيم حدّ عطّل، و لا لعظيم باطل أثّل، فهنالك تذل الأبرار و تعزّ الأشرار و تخرب البلاد و تعظم تبعات اللّه عزّ و جلّ عند العباد. فهلمّ أيّها الناس إلى التعاون على طاعة اللّه عزّ و جلّ، و القيام بعدله و الوفاء بعهده، و الإنصاف له في جميع حقّه، فإنّه ليس العباد إلى شي‏ء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التّعاون عليه، و ليس أحد و إن اشتدّت على رضا اللّه حرصه و طال في العمل اجتهاده، ببالغ حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله، و لكن من واجب حقوق اللّه عزّ و جلّ على العباد النّصيحة له بمبلغ

 جهدهم، و التّعاون على إقامة الحقّ بينهم. و ليس امرؤ و إن عظمت في الحقّ منزلته و جسمت في الحقّ فضيلته بمستغن عن أن يعاون على ما حمله اللّه عزّ و جلّ من حقّه، و لا امرؤ مع ذلك خسأت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك و يعان عليه، و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر من ذلك حاجة، و كلّ في الحاجة إلى اللّه عزّ و جلّ شرع سواء. فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو، و يقال إنّه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده، فقام و أحسن الثناء على اللّه عزّ و جلّ بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقّه عليهم، و الإقرار ]له[ بما ذكر من تصرّف الحالات به و بهم. ثمّ قال أنت أميرنا و نحن رعيّتك، بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من الذّل، و بإعزازك أطلق عباده من الغلّ، فاختر علينا فأمض اختيارك، و ائتمر فأمض ائتمارك، فإنّك القائد المصدّق، و الحاكم الموفق، و الملك المخوّل، لا نستحلّ في شي‏ء معصيتك، و لا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك، و يجلّ عنه في أنفسنا فضلك. فأجابه أمير المؤمنين ]عليه السلام فقال[ إن من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه، و جل موضعه من قلبه، أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعم اللّه عليه و لطف إحسانه إليه، فإنّه لم تعظم نعم اللّه على أحد إلّا زاد حقّ اللّه عليه عظما. و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر، و يوضع أمرهم على الكبر. و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّي أحبّ الإطراء و استماع الثناء، و لست بحمد اللّه كذلك، و لو كنت أحبّ أن يقال ذلك ]لي[ لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة و الكبرياء، و ربما استحلي الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم أفرغ من أدائها، و فرائض لا بدّ من إمضائها، فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، و لا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنّوا بي استثقالا في حقّ قيل لي، و لا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، و لا آمن ذلك من فعلي، إلّا أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي، فإنّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، و أخرجنا مما كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى. فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، فقال أنت أهل ما قلت، و اللّه فوق ما قلته، فبلاؤه عندنا ما لا يكفر، و قد حملك اللّه تبارك و تعالى رعايتنا، و ولّاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، و إمامنا الذي نقتدي به، و أمرك كلّه رشد، و قولك كلّه أدب. قد قرّت بك في الحياة أعيننا، و امتلأت من سرور بك قلوبنا، و تحيّرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، و لسنا نقول لك أيّها الإمام الصالح تزكية لك، و لا تجاوز القصد في الثناء عليك، و لن يكن في أنفسنا طعن على يقينك، أو غش في دينك فنتخوّف أن تكون أحدثت بنعمة اللّه تبارك و تعالى تجبّرا، أو دخلك كبر، و لكنّا نقول لك ما قلنا تقرّبا إلى اللّه عزّ و جلّ بتوقيرك، و توسّعا بتفضيلك، و شكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك و لنا و آثر أمر اللّه على نفسك و علينا، فنحن طوع فيما أمرتنا، ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا. فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال و أنا أستشهدكم عند اللّه على

 نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم، و عمّا قليل يجمعني و إيّاكم الموقف بين يديه، و السؤال عمّا كنّا فيه، ثمّ يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لا يخفى عليه خافية، و لا يجوز عنده إلّا مناصحة الصدور في جميع الأمور. فأجابه الرجل و يقال لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين عليه السلام فأجابه، و قد عال الذي في صدره فقال و البكاء يقطع منطقه، و غصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته و وحشته من كون فجيعته فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم و الذلّ الطويل في فساد زمانه و انقلاب حدّه و انقطاع ما كان من دولته، ثمّ نصب المسألة إلى اللّه عزّ و جلّ بالامتنان عليه و المدافعة عنه بالتفجّع و حسن الثّناء فقال يا ربّانيّ العباد و يا سكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك و أين يبلغ وصفنا من فعلك و أنّى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك و كيف و بك جرت نعم اللّه علينا، و على يدك اتّصلت أسباب الخير إلينا أ لم تكن لذلّ الذليل ملاذا و للعصاة الكفّار إخوانا فبمن إلّا بأهل بيتك و بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من فظاعة تلك الخطرات، أو بمن فرّج عنّا غمرات الكربات أو بمن إلّا بكم أظهر اللّه معالم ديننا و استصلح ما كان فسد من دنيانا، حتّى استبان بعد الجور ذكرنا، و قرّت من رخاء العيش أعيننا لمّا ولّيتنا بالإحسان جهدك، و وفيت لنا بجميع عهدك، فكنت شاهد من غاب منّا و خلف أهل البيت لنا، و كنت عزّ ضعائفنا و ثمال فقرائنا و عماد عظمائنا، يجمعنا من الأمور عدلك، و يتّسع لنا في الحقّ تأنّيك، فكنت لنا أنسا إذا رأيناك، و سكنا إذا ذكرناك. فأيّ الخيرات لم تفعل و أيّ الصالحات لم تعمل و لو أنّ الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحريكه جهدنا و تقوى لمدافعته طاقتنا، أو يجوز الفداء عنك عنه بأنفسنا و بمن نفديه النفوس من أبنائنا، لقدّمنا أنفسنا و أبناءنا قبلك، و لأخطرناها و قلّ خطرها دونك، و لقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك، و في مدافعة من ناواك و لكنّه سلطان لا يحاول، و عزّ لا يزاول، و ربّ لا يغالب، فإن يمنن علينا بعافيتك، و يترحّم علينا ببقائك، و يتحنّن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا و بقاء منك بين أظهرنا، نحدّث اللّه عزّ و جلّ بذلك شكرا نعظّمه، و ذكرا نديمه، و نقسم أنصاف أموالنا صدقات، و أنصاف رقيقنا عتقاء، و نحدث له تواضعا في أنفسنا، و نخشع في جميع أمورنا. و إن يمض بك إلى الجنان، و يجري عليك حتم سبيله، فغير متّهم فيك قضاؤه، و لا مدفوع عنك بلاؤه، و لا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأنّ اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه، و لكنّا نبكي من غير إثم لعزّ هذا السلطان أن يعود ذليلا، و للدّين و الدّنيا أكيلا، فلا نرى لك خلفا نشكو إليه، و لا نظيرا نأمله و لا نقيمه.

تبيين أقول أورد السيّد ]الرضي[ في ]المختار (216) من باب الخطب من[ النهج بعض هذا السؤال و الجواب، و أسقط أكثرها، و سنشير إلى بعض الاختلافات. قوله عليه السلام »بولاية أمركم« أي لي عليكم حقّ الطاعة لأنّ اللّه جعلني واليا عليكم متولّيا لأمركم، و لأنّه أنزلني منكم منزلة عظيمة هي منزلة الإمامة و السلطنة و وجوب الطاعة. قوله عليه السلام »و الحقّ أجمل الأشياء في التواصف« أي وصفه جميل و ذكره حسن. يقال تواصفوا الشي‏ء أي وصفه بعضهم لبعض. و في بعض النسخ »التراصف« بالراء المهملة. و التراصف تنضيد الحجارة بعضها ببعض أي ]الحقّ[ أحسن الأشياء في إحكام الأمور و إتقانها. »و أوسعها في التّناصف« أي إذا أنصف الناس بعضهم لبعض، فالحقّ يسعه و يحتمله، و لا يقع للناس في العمل بالحقّ ضيق. و في نهج البلاغة »فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف« أي إذا أخذ الناس في وصف الحقّ و بيانه، كان لهم في ذلك مجال واسع، لسهولته على ألسنتهم. و إذا حضر التناصف بينهم فطلب منهم، ضاق عليهم المجال، لشدّة العمل بالحقّ و صعوبة الإنصاف. قوله عليه السلام »صروف قضائه« أي أنواعه المتغيّرة المتوالية. و في بعض النسخ »ضروب قضائه« ]و هو[ بمعناه و الحاصل أنّه لو كان لأحد أن يجعل الحقّ على غيره و لم يجعل له على نفسه، لكان هو سبحانه أولى بذلك و على الأولوية بوجهين الأوّل القدرة. فإنّ غيره تعالى لو فعل ذلك لم يطعه أحد، و اللّه تعالى قادر على جبرهم و قهرهم. و الثاني إنّه لو لم يجزهم على أعمالهم و كلّفهم بها لكان عادلا لأنّ له من النعم على العباد ما لو عبدوه أبد الدهر لم يوفوا حقّ نعمة واحدة منها. فالمراد من أوّل الكلام أنّه سبحانه جعل لكلّ أحد على غيره حقّا حتّى على نفسه. أمّا الحقّ المفروض على الناس فبمقتضى الاستحقاق، و أمّا ما أجرى على نفسه، فللوفاء بالوعد مع لزوم الوعد عليه. فظهر جريان الحقّ على كلّ أحد و إن اختلف الجهة و الاعتبار. قوله عليه السلام »و جعل كفّارتهم عليه حسن ثواب« لعلّ المراد بالكفّارة الجزاء العظيم لستره عملهم، حيث لم يكن له في جنبه قدر، فكأنّه قد محاه و ستره. ]و[ في أكثر النسخ »بحسن الثّواب« فيحتمل أيضا أن يكون المراد بها ما يقع منهم لتدارك سيّئاتهم، كالتوبة و سائر الكفّارات أي أوجب قبول كفّارتهم و توبتهم على نفسه مع حسن الثواب بأن يثيبهم على ذلك أيضا. و لا يبعد أن يكون ]لفظ »كفّارتهم«[ تصحيف كفاءتهم بالهمز ]ة[. و في النهج »و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلا منه و توسّعا بما هو من المزيد أهله«. قوله عليه السلام »ثمّ جعل من حقوقه« هذا كالمقدّمة لما يريد أن يبيّنه من كون حقّه عليهم واجبا من قبل اللّه تعالى، و هو حقّ من حقوقه ليكون أدعى لهم على أدائه. و بيّن أنّ حقوق الخلق بعضهم على بعض هي من حقّ اللّه تعالى، من حيث إنّ حقّه على عباده هو الطاعة، و أداء تلك الحقوق طاعات اللّه، كحقّ الوالد على ولده و بالعكس، و حقّ الزوج على الزوجة و بالعكس، و حقّ الوالي على الرعية و بالعكس قوله عليه السلام »فجعلها تتكافأ في وجوهها« أي جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحقّ الوالي و هو الطاعة من الرعية مقابل بمثله، و هو العدل فيهم و حسن السيرة. قوله عليه السلام »و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض« كما أنّ الوالي إذا لم يعدل لم يستحقّ الطاعة. قوله عليه السلام »فريضة فرضها اللّه« بالنّصب على الحاليّة أو بإضمار فعل، أو بالرفع ليكون خبر مبتدإ محذوف. و قوله عليه السلام »نظاما لألفتهم« فإنّها سبب اجتماعهم و بها يقهرون أعداءهم و يعزّون أولياءهم. قوله عليه السلام »و قواما« أي بها يقوم جريان الحقّ فيهم و بينهم. قوله عليه السلام »عزّ الحقّ« أي غلب.

 قوله عليه السلام »و اعتدلت معالم العدل« أي مظانّه، أو العلامات التي نصبت في طريق العدل لسلوكه، أو الأحكام التي يعلم بها العدل. قوله عليه السلام »على أذلالها« قال الفيروزآبادي ذلّ الطريق بالكسر محجته. و أمور اللّه جارية على أذلالها أي طريق ]على[ مجاريها ]هو[ جمع ذلّ بالكسر. قوله عليه السلام »و كثر الإدغال« ]هو[ بكسر الهمزة. و الإدغال ]هو[ أن يدخل في الشي‏ء ما ليس منه، و هو الإبداع و التلبيس. أو بفتحها ]و هو[ جمع الدغل بالتحريك ]و هو[ الفساد. قوله عليه السلام »علل النّفوس« أي أمراضها بملكات السوء كالغلّ و الحسد و العداوة و نحوها. و قيل وجوه ارتكاباتها للمنكرات، فتأتي من كلّ منكر بوجه و علّة و رأي فاسد. قوله ]عليه السلام[ »أثّل« يقال مال مؤثّل و مجد مؤثّل أي مجموع ذو أصل، و أثلة الشي‏ء أصله. ذكره الجزري. و في النهج »]و لا لعظيم باطل[ فعل«. قوله عليه السلام »تبعات اللّه« قال ]الخليل[ في ]كتاب[ العين التّبعة اسم للشي‏ء الذي لك فيه بغية شبه ظلامة و نحوها. قوله عليه السلام »فهلمّ أيّها الناس« قال الجوهري هلم يا رجل بفتح الميم بمعنى تعال، قال الخليل أصله »لمّ« من قولهم لمّ اللّه شعثه أي جمعه كأنّه أراد لمّ نفسك إلينا أي اقرب. و »ها« للتنبيه. و إنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، و جعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد و الجمع و التأنيث في لغة أهل الحجاز. قوله عليه السلام »حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله« أي جزاء ما أعطى اللّه أهل الحقّ من الدين المبين، و سائر ما هداهم اللّه تعالى إليه بأن يكون المراد بالحقيقة الجزاء مجازا، أو يكون في الكلام تقدير مضاف أي حقيقة جزاء ما أعطي من الحقّ، أو يكون المراد بالبلوغ إليها كونه بإزائها و مكافاة لها. و قيل المراد بحقيقة ما أعطى اللّه شكر نعمة هدايته تعالى إلى دين الحقّ. و في النهج »حقيقة ما اللّه أهله من الطاعة له«. و في بعض النسخ القديمة من الكتاب »حقيقة ما الحقّ من اللّه أهله«. قوله ]عليه السلام[ »النصيحة له« أي للّه أو للإمام، أو نصيحة بعضهم لبعض للّه تعالى بأن لا يكون الظرف صلة. و في النهج »النصيحة بمبلغ ]جهدهم[« بدون الصلة و هو يؤيّد الأخير. قال الجزري ]في مادّة نصح« من كتاب النهاية[ النصيحة في اللغة الخلوص، يقال نصحته و نصحت له. و معنى نصيحة اللّه صحة الاعتقاد في وحدانيته و إخلاص النيّة في عبادته. و ]معنى[ النصيحة لكتاب اللّه هو التصديق به و العمل بما فيه. و نصيحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، التصديق بنبوّته و رسالته و الانقياد لما أمر به و نهى عنه. و ]معنى[ نصيحة الأئمّة أن يطيعهم في الحقّ، و نصيحة عامّة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم. قوله عليه السلام »و لا لامرئ مع ذلك« كأنّه راجع إلى ما حمل اللّه على الوالي، أو إلى الوالي الذي أشير إليه سابقا أي لا يجوز، أو لا بد لامرئ،

 أو لا استغناء لامرئ مع الوالي، أو مع كون واليه مكلّفا بالجهاد و غيره من أمور الدين، و إن كان لذلك المرء ضعيفا محقّرا بدون أن يعين على إقامة الدين و يعينه الناس أو الوالي عليه. و في النهج »و لا امرئ و إن صغرته النفوس و اقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه«. و هو الظاهر. قوله عليه السلام »خسأت به الأمور« يقال خسأت الكلب خسأ طردته. و خسأ الكلب بنفسه يتعدّى و لا يتعدى. ذكره الجوهري. فيجوز أن يكون هنا استعمل غير متعدّ بنفسه قد عدّي بالباء أي طردته الأمور. أو يكون الباء للسببيّة أي بعدت بسببه الأمور. و في بعض النسخ »حبست به الأمور« و على التقادير المراد أنّه يكون بحيث لا يتمشّى أمر من أموره، و لا ينفع سعيه في تحصيل شي‏ء من الأمور. و »اقتحمته العيون« أي احتقرته. و كلمة »ما« في قوله »ما أن يعين« زائدة. قوله عليه السلام »و أهل الفضيلة في الحال« المراد بهم الأئمّة و الولاة و الأمراء و العلماء، و كذا أهل النعم العظام فإنّهم لكونهم مكلّفين بعظائم الأمور كالجهاد في سبيل اللّه و إقامة الحدود و الشرائع و الأحكام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى إعانة الخلق أحوج. و يحتمل أن يكون المراد بأهل الفضيلة العلماء، فإنّهم محتاجون فيما حمل عليهم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى أعوان، و لا أقلّ إلى من يؤمر و ينهى. و ]المراد[ بأهل النعم أصحاب الأموال، لأنّ ما حمل عليهم من الحقوق أكثر، كأداء الأخماس و الصدقات، و هم محتاجون إلى الفقير القابل لها، و إلى الشهود و إلى غيرهم و الأوّل أظهر. قوله عليه السلام »و كلّ في الحاجة إلى اللّه شرع سواء« بيان لقوله »شرع«، و تأكيد، و إنّما ذكر ذلك لئلّا يتوهّم أنّهم يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربّهم جلّ و عزّ، بل هو الموفق و المعين لهم في جميع أمورهم، و لا يستغنون بشي‏ء عن اللّه عزّ و جلّ، و إنّما كلّفهم بذلك ليختبر طاعتهم و يثيبهم على ذلك، و اقتضت حكمته البالغة أن يجري الأشياء بأسبابها، و هو المسبّب لها و القادر على إمضائها بلا سبب. قوله عليه السلام »فأجابه رجل« الظاهر أنه كان الخضر عليه السلام و قد جاء في مواطن كثيرة و كلمه عليه السلام لإتمام الحجّة على الحاضرين، و قد أتى بعد وفاته عليه السلام و قام على باب داره و بكى و أبكى و خاطبه عليه السلام بأمثال تلك الكلمات و خرج و غاب عن الناس. قوله عليه السلام »و الإقرار« الظاهر أنّه معطوف على الثّناء أي أقرّ إقرارا حسنا بأشياء ذكرها ذلك لرجل، و لم يذكره عليه السلام اختصارا أو تقيّة من تغيّر حالاته من استيلاء أئمة الجور عليه و مظلوميته و تغير أحوال رعيته من تقصيرهم في حقّه، و عدم قيامهم بما يحقّ من طاعته و القيام بخدمته. و يمكن أن يكون الواو بمعنى مع، و يحتمل عطفه على ]قوله[ »واجب حقّه«. قوله »من الغلّ« أي أغلال الشرك و المعاصي. و في بعض النسخ القديمة »أطلق عنّا رهائن الغلّ« أي ما يوجب أغلال القيامة. قوله ]عليه السّلام[ »و ائتمر« أي اقبل ما أمرك اللّه به فأمضه علينا. قوله »و الملك المخوّل« أي المملّك الذي أعطاك اللّه الإمرة علينا و جعلنا خدمك و تبعك. قوله عليه السلام »لا نستحلّ في شي‏ء من معصيتك« لعلّه عدّي ب »في« لتضمين معنى الدخول. أو المعنى لا نستحلّ في شي‏ء شيئا من معصيتك. و في بعض النسخ القديمة »لا يستحلّ في شي‏ء من معصيتك«. و هو

 أظهر. قوله »في ذلك« أي في العلم بأن تكون كلمة »في« تعليلية، و يحتمل أن يكون إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام من إطاعته عليه السلام. و الخطر القدر و المنزلة. قوله »و يجلّ عنه« يحتمل إرجاع الضمير إلى القياس أي فضلك أجلّ في أنفسنا من أن يقاس بفضل أحد. و يمكن إرجاعه إلى العلم فتكون كلمة »عن« تعليلية كما في قوله تعالى »وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ« أي يجلّ و يعظم بسبب ذلك في أنفسنا فضلك. قوله عليه السلام »من عظم جلال اللّه« إمّا على التعليل بنصب »جلال اللّه«، أو بالتخفيف برفعه يعني من حقّ من عظّم جلال اللّه في نفسه و جلّ موضعه في قلبه، أن يصغر عنده كلّ ما سوى اللّه تعالى، لما ظهر له من جلال اللّه، و أنّ أحقّ من كان كذلك أئمّة الحقّ عليهم السّلام، لعظم نعم اللّه و كمال معرفتهم بجلال ربّهم، فحقّ اللّه تعالى عليهم أعظم منه على غيرهم، فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلا يحبّوا الفخر و الإطراء في المدح، أو يجب أن يضمحلّ في جنب جلال اللّه عندهم غيره تعالى، فلا يكون غيره منظورا لهم في أعمالهم ليطلبوا رضى الناس بمدحهم. قوله عليه السلام »و إنّ من أسخف« السخف رقّة العيش و رقة العقل. و السخافة رقّة كلّ شي‏ء. أي أضعف حالات الولاة عند الرعيّة أن يكونوا متهمين عندهم بهذه الخصلة المذمومة. قوله عليه السلام »إنّي أحبّ الإطراء« أي مجاوزة الحدّ في المدح و المبالغة فيه. قوله عليه السلام »انحطاطا للّه سبحانه« أي تواضعا له تعالى. و في بعض النسخ القديمة »و لو كنت أحبّ أن يقال ]لي[ ذلك، لتناهيت له أغنانا اللّه و إيّاكم عن تناول ما هو أحقّ به من التعاظم و حسن الثناء«. و التناهي قبول النهي. و الضمير في »له« راجع إلى اللّه تعالى. و في النهج كما في النسخ المشهورة قوله عليه السلام »فربما استحلى الناس« يقال استحلاه أي وجده حلوا. قال ابن ميثم رحمه اللّه هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه فكأنّه يقول و أنت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في اللّه، و أحثّ الناس على ذلك، و من عادة الناس أن يستحلوا الثناء عند أن يبلوا بلاء حسنا في جهاد أو غيره من سائر الطاعات. ثمّ أجاب ]عليه السلام[ عن هذا العذر في نفسه بقوله »فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء« أي لا تثنوا عليّ لأجل ما ترونه منّي من طاعة اللّه، فإنّ ذلك إنّما هو إخراج لنفسي إلى اللّه من حقوقه الباقية عليّ لم أفرغ بعد من أدائها و هي حقوق نعمه و فرائضه التي لا بدّ من المضيّ فيها. و كذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها اللّه ]عليّ لكم[ من النصيحة في الدين و الإرشاد إلى الطريق الأفضل، و التعليم لكيفية سلوكه. ]ثم قال[ و في خطّ الرضي رحمه اللّه »من التقية« بالتاء و المعنى فإنّ الذي أفعله من طاعة اللّه، إنّما هو إخراج لنفسي إلى اللّه و إليكم من تقيّة الخلق فيما يجلب عليّ من الحقوق. إذ كان عليه السلام إنما يعبد اللّه للّه غير ملتفت في شي‏ء من عبادته، و أداء واجب حقّه إلى أحد سواه خوفا منه أو رغبة إليه. أو المراد بها التّقيّة الّتي كان يعملها في زمن الخلفاء الثلاثة و تركها في أيّام خلافته، و كأنّه قال لم أفعل شيئا إلّا و هو أداء حقّ واجب عليّ، و إذا كان كذلك،

 فكيف أستحقّ أن يثنى عليّ لأجل إتيان الواجب بثناء جميل و أقابل بهذا التعظيم ]و[ هذا من باب التواضع منه ]عليه السلام[ و تعليم كيفيته، و كسر للنفس عن محبة الباطل و الميل إليه. انتهى. و قال ابن أبي الحديد معنى قوله »لإخراجي نفسي إلى اللّه و إليكم« أي لاعترافي بين يدي اللّه و بمحضر منكم أنّ عليّ حقوقا في إيالتكم و رئاستي لم أقم بها بعد و أرجو من اللّه القيام بها. انتهى ]كلام ابن أبي الحديد[. فكأنّه جعل قوله ]عليه السلام[ »لإخراجي« تعليلا لترك الثناء لا مثنى عليه و لا يخفى بعده. ثمّ اعلم أنّه يحتمل أن يكون المراد ب »البقيّة« الإبقاء و الترحم كما قال تعالى أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ. أي إخراجي نفسي من أن أبقى و أترحّم مداهنة في حقوق لم أفرغ من أدائها. قال الفيروزآبادي و أبقيت ما بيننا لم أبالغ في كلّ فساده. و الاسم منه البقيّة و » أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ« أي إبقاء أو فهم. قوله عليه السلام »و لا تتحفّظوا عنّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة« البادرة الحدّة و الكلام الذي يسبق من الإنسان في الغضب أي لا تثنوا عليّ كما يثنى على أهل الحدّة من الملوك خوفا من سطوتهم، أو لا تحتشموا منّي كما يحتشم من السلاطين و الأمراء، كترك المسارّة و الحديث إجلالا و خوفا منهم، و ترك مشاورتهم أو إعلامهم ببعض الأمور و القيام بين أيديهم. قوله عليه السلام »بالمصانعة« أي الرشوة و المداراة. قوله عليه السلام »كان العمل بهما أثقل عليه« و شأن الولاة العمل بالعدل و الحقّ، أو أنتم تعلمون أنّه لا يثقل عليّ العمل بهما. قوله عليه السلام »بفوق أن أخطئ« هذا من ]باب[ الانقطاع إلى اللّه و التواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحقّ، و عدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبودية، و الإقرار بأنّ عصمته من نعمه تعالى عليه، و ليس اعترافا بعدم العصمة كما توهّم، بل ليست العصمة إلّا ذلك. فإنّما هي أن يعصم اللّه العبد عن ارتكاب المعاصي، و قد أشار عليه السلام إليه بقوله »إلّا أن يكفي اللّه«. و هذا مثل قول يوسف عليه السلام وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إلخ. قوله عليه السلام »ما هو أملك به« أي العصمة من الخطإ فإنّه تعالى أقدر على ذلك للعبد من العبد لنفسه. قوله عليه السلام »ممّا كنّا فيه« أي من الجهالة و عدم العلم و المعرفة و الكمالات التي يسرها اللّه تعالى لنا ببعثة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم. قال ابن أبي الحديد ليس هذا إشارة إلى خاصّ نفسه عليه السلام، لأنّه لم يكن كافرا فأسلم، و لكنّه كلام يقوله و يشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا. و يجوز أن يكون معناها لو لا ألطاف اللّه تعالى ببعثة محمد صلّى اللّه عليه و آله لكنت أنا و غيري على مذهب الأسلاف. انتهى. قوله عليه السلام »فبلاؤه عندنا ما لا يكفر« أي نعمه عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها و سترها، أو لا يجوز كفرانها و ترك شكرها. قوله عليه السلام »سياسة أمورنا« ]يقال[ سست الرعية سياسة أمرتها و نهيتها. و »العلم« بالتحريك ما ينصب في الطريق ليهتدي به السائرون. قوله »من بارع الفضل« قال الفيروزآبادي برع ]فلان[ و يثلّث براعة فاق أصحابه في العلم و غيره، أو تمّ في كلّ جمال و فضيلة، فهو بارع و هي بارعة. قوله »و لم يكن« على المجهول من ]قولهم[ كننت الشي‏ء سترته. أو بفتح الياء و كسر الكاف من ]قولهم[ و كن الطائر بيضه يكنه ]على زنة وعد[ إذا حضنه. و في بعض النسخ »لم يكن«. و في النسخة القديمة »لن يكون«. قوله »و توسّعا« أي في الفضل و الثواب. قوله »مع ذلك« أي مع طاعتنا لك أي نفس الطاعة أمر مرغوب فيه و مع ذلك موجب لحصول ما ينفعنا و ما هو خير لنا في دنيانا و آخرتنا. قوله »إلّا مناصحة الصدور« أي خلوصها عن غشّ النفاق بأن يطوي فيه ما يظهر خلافه، أو نصح الإخوان نصحا يكون في الصدر لا بمحض اللّسان. قوله »و قد عال الذي في صدره« يقال عالني الشي‏ء أي غلبني. و عال أمرهم اشتدّ. قوله عليه السلام »و غصص الشجا« الغصّة بالضمّ ما اعترض

 في الحلق. و كذا الشجا و الشجو الهمّ و الحزن. قوله عليه السلام »لخطر مرزئته« الخطر بالتحريك القدر و المنزلة و الإشراف على الهلاك. و المرزئة المصيبة، و كذا الفجيعة و كونها أي وقوعها و حصولها و الضميران راجعان إلى أمير المؤمنين عليه السلام. و القائل كان عالما بقرب أوان شهادته عليه السلام فلذا كان يندب و يتفجّع. و إرجاعهما إلى القائل بعيد. قوله عليه السلام »أشفى« أي أشرف عليه. و الضمير في قوله »إليه« راجع إلى اللّه تعالى. قوله عليه السلام »و انقلاب جدّه« الجدّ البخت. و التفجّع التوجّع في المصيبة أي سأل اللّه دفع هذا البلاء الذي قد ظنّ وقوعه عنه عليه السلام مع التفجّع و التضرّع. قوله »يا ربّاني العباد« قال الجزري الربّاني منسوب إلى الربّ بزيادة الألف و النون ]للمبالغة[. و قيل هو من الربّ بمعنى التربية لأنّهم كانوا يربّون المتعلّمين بصغارها و كبارها. و الربّاني العالم الراسخ في العلم و الدين. أو الذي يطلب بعلمه وجه اللّه ]تعالى[. و قيل العالم العامل المعلّم. قوله »و يا سكن البلاد« السكن بالتحريك كلّ ما يسكن إليه. قوله »و بك جرت نعم اللّه علينا« أي بجهادك و مساعيك الجميلة لترويج الدين و تشييد الإسلام في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و بعده. قوله عليه السلام »و للعصاة الكفّار إخوانا« أي كنت تعاشر من يعصيك و يكفر نعمتك معاشرة الإخوان شفقة منك عليهم. أو المراد الشفقة على الكفّار و العصاة و الاهتمام في هدايتهم. و يحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره و كان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع. و قيل المراد بالإخوان الخوان الذي يؤكل عليه، فإنّه لغة فيه كما ذكره الجزري. و لا يخفى بعده. و في النسخة القديمة »أ لم نكن« بصيغة المتكلم، و حينئذ فالمراد بالفقرة الأولى أنّه كان ينزل بنا ذلّ كلّ ذليل أي كنّا نذلّ بكلّ ذلّة و هوان. و هو أظهر و ألصق بقول »فبمن«. قوله عليه السلام »من فظاعة تلك الخطرات« أي شناعتها و شدّتها. قوله ]عليه السلام[ »بعد الحور« قال الجوهري ]و في الأثر[ »نعوذ باللّه من الحور بعد الكور« أي من النقصان بعد الزيادة. و في بعض النسخ ]»بالجور«[ بالجيم. قوله عليه السلام »و ثمال فقرائنا« قال الجزري الثمال بالكسر الملجأ و الغياث. و قيل هو المطعم في الشدّة. قوله ]عليه السلام[ »يجمعنا من الأمور عدلك« أي هو سبب اجتماعنا و عدم تفرّقنا في جميع الأمور، أو من بين سائر الأمور، أو هو سبب لانتظام أمورنا، أو عدلك يحيط بجميعنا في جميع الأمور. قوله عليه السلام »و يتّسع لنا في الحقّ تأنيك« أي صار مداراتك و تأنّيك و عدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقّه سببا لوسعة الحقّ علينا، و عدم تضيّق الأمر بنا. قوله عليه السلام »ليبلغ تحريكه« أي تغييره و صرفه. و في النسخة القديمة »تحويله«. قوله »و لا خطرناها« أي جعلناها في معرض المخاطرة و الهلاك. أو صيّرناها خطرا و رهنا و عوضا لك. قال الجزري ]و[ فيه »فإنّ الجنّة لا خطر لها« أي لا عوض لها و لا مثل. و الخطر بالتحريك في الأصل الرهن و ما يخاطر عليه. و مثل الشي‏ء و عدله، و لا يقال إلّا في الشي‏ء الذي له قدر و مزيّة، و منه الحديث »أ لا رجل يخاطر بنفسه و ماله« أي يلقيهما في الهلكة بالجهاد. و منه حديث النعمان ]بن مقرن يوم نهاوند[ »إنّ هؤلاء يعني المجوس قد أخطروا لكم رثّة و متاعا و أخطرتم لهم الإسلام« المعنى أنّهم قد شرطوا لكم ذلك و جعلوه رهنا من جانبهم، و جعلتم رهنكم دينكم. قوله عليه السلام »حاولك« أي قصدك. قوله »من ناواك« أي عاداك. قوله »و لكنّه« أي الربّ تعالى. قوله »و عزّ« أي ذو عزّ و غلبة. و »زاوله« أي حاوله و طالبه. و هذه إشارة إلى أنّ تلك الأمور بقضاء اللّه و تقديره، و المبالغة في دفعها في حكم مغالبة اللّه في تقديراته. و قد سبق تحقيق القضاء و القدر في كتاب العدل. قوله »نعظّمه« الضمير في قوله »نعظمه« و »نديمه« راجعان إلى الشكر و الذكر. ]و[ قوله »بلاءه« يحتمل النعمة أيضا. قوله »ما عنده« هو خبر »إنّ«، و يحتمل أن يكون الخبر محذوفا أي خير لك، و المعنى أنّه لا تختلف قلوبنا بل تتّفق على أنّ اللّه اختار لك بإمضائك النعيم و الراحة الدائمة، على ما كنت فيه من المشقّة و الجهد و العناء. قوله »من غير إثم« أي لا نأثم على البكاء عليك فإنّه من أفضل

 الطاعات، أو لا نقول ما يوجب الإثم. قوله »لعزّ« متعلّق ب ]قوله[ »البكاء« و »أن يعود« بدل اشتمال له أي نبكي لتبدّل عزّ هذا السلطان ذلا. قوله »أكيل« الأكيل يكون بمعنى المأكول، و بمعنى الأكل. و المراد هنا الثاني أي نبكي لتبدّل هذا السلطان الحقّ بسلطنة الجور فيكون أكلا للدين و الدنيا. و في بعض النسخ »لعن اللّه هذا الشيطان« فلا يكون مرجع الإشارة سلطنته عليه السلام، بل جنسها الشامل للباطل أيضا أي لعن اللّه السلطنة التي لا تكون صاحبها. و يحتمل أن يكون اللعن مستعملا في أصل معناه لغة، و هو الإبعاد أي أبعد اللّه هذا السلطان عن أن يعود ذليلا. و لا يخفى بعده. قوله »و لا نرى لك خلفا« أي من بين السلاطين لخروج السلطنة عن أهل البيت ]عليهم السلام[.

 كا عليّ بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن علي، جميعا عن إسماعيل بن مهران و أحمد بن محمد بن أحمد عن علي بن الحسن التيمي، و علي بن الحسين عن أحمد بن محمد بن خالد، جميعا عن إسماعيل بن مهران عن المنذر بن جيفر عن الحكم بن ظهير عن عبد اللّه بن حريز العبدي. عن الأصبغ بن نباتة قال أتى أمير المؤمنين عليه السلام عبد اللّه بن عمر و ولد أبي بكر و سعد بن أبي وقّاص يطلبون منه التفضيل لهم، فصعد المنبر و مال الناس إليه فقال الحمد للّه وليّ الحمد و منتهى الكرم، لا تدركه الصفات و لا يحدّ باللغات و لا يعرف بالغايات. و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه نبيّ الهدى و موضع التّقوى و رسول الرّب الأعلى، جاء بالحقّ من عند الحقّ لينذر بالقرآن المبين و البرهان المستنير فصدع بالكتاب المبين و مضى على ما مضت عليه الرسل الأوّلون. أمّا بعد أيّها النّاس فلا تقولنّ رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتّخذوا العقار و فجّروا الأنهار و ركبوا أفره الدّواب و لبسوا ألين الثّياب فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إن لم يغفر لهم الغفّار إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون، و صيرتّهم إلى ما يستوجبون فيفقدون ذلك فيسألون »ظلمنا ابن أبي طالب و حرمنا و منعنا حقوقنا«. فاللّه عليهم المستعان. من استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا و آمن بنبيّنا و شهد شهادتنا و دخل في ديننا، أجرينا عليه حكم القرآن بحدود الإسلام، ليس لأحد على أحد فضل إلّا بالتّقوى. ألا و إنّ للمتّقين عند اللّه أفضل الثواب و أحسن الجزاء و المآب، لم يجعل اللّه تبارك و تعالى الدنيا للمتّقين ثوابا، وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ. انظروا أهل دين اللّه فيما أصبتم في كتاب اللّه، و تركتم عند رسول اللّه صلّى اللّه و جاهدتم به في ذات اللّه، أ بحسب أم بنسب أم بعمل أم بطاعة أم زهادة و فيما أصبحتم فيه راغبين. فسارعوا إلى منازلكم رحمكم اللّه، الّتي أمرتم بعمارتها العامرة الّتي لا تخرب و الباقية الّتي لا تنفد، التي دعاكم ]اللّه[ إليها و حضّكم عليها و رغبكم فيها، و جعل الثّواب عنده عنها. فاستتمّوا نعم اللّه عزّ ذكره بالتّسليم لقضائه، و الشكر على نعمائه، فمن لم يرض بهذا فليس منّا و لا إلينا، و إنّ الحاكم يحكم بكتاب اللّه و لا خشية عليه من ذلك، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. و في نسخة ]من كتاب الكافي[ »و لا وحشة و أولئك لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ«. و قال ]عليه السلام[ و قد عاتبتكم بدرّتي الّتي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا، و ضربتكم بسوطي الذي أقيم به حدود ربّي فلم ترعووا، أ تريدون أن أضربكم بسيفي أمّا إنّي أعلم الذي تريدون و يقيم أودكم، و لكن لا أشري صلاحكم بفساد نفسي، بل يسلّط اللّه عليكم قوما فينتقم لي منكم، فلا دنيا استمتعتم بها و لا آخرة صرتم إليها، فبعدا و سحقا لِأَصْحابِ السَّعِيرِ.

إيضاح قوله »ولد أبي بكر« هو عبد الرحمن. قوله عليه السلام »ولي الحمد« أي الأولى به، أو المتولّي لحمد نفسه كما ينبغي له بإيجاد ما يدلّ على كماله و اتّصافه بجميع المحامد، و بتلقين ما يستحقّه من الحمد أنبياؤه و حججه عليهم السلام و إلهام محبّيه و توفيقهم للحمد. ]قوله عليه السلام[ »و منتهى الكرم« أي ينتهي إليه كلّ جود و كرم لأنّه موجد النّعم و الموفّق لبذلها، أو هو المتّصف بأعلى مراتب الكرم و المولى بجلائل النّعم. و يحتمل أن يكون الكرم بمعنى الكرامة و الجلالة على الوجهين السابقين. ]قوله عليه السلام[ »لا تدركه الصفات« أي توصيفات الواصفين أو صفات المخلوقين. ]قوله عليه السلام[ »فلا يعرف بالغايات« أي بالنهايات و الحدود الجسمانيّة، أو بالحدود العقليّة، إذ حقيقة كلّ شي‏ء و كنهه حدّه و نهايته. أو ليس له نهاية لا في وجوده و لا في علمه و لا في قدرته، و كذا سائر صفاته. أو لا يعرف بما هو غاية أفكار المتفكّرين. ]قوله عليه السلام[ »فصدع بالكتاب المبين« قال الفيروزآبادي ]في شرح[ قوله تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أي شقّ جماعتهم بالتوحيد، أو اجهر بالقرآن، أو أظهر أو احكم بالحقّ و افصل بالأمر، أو اقصد بما تؤمر، أو افرق به بين الحقّ و الباطل. ]قوله عليه السلام[ »فلا تقولنّ رجال« الظاهر أنّ قوله »رجال« فاعل ]لقوله[ »لا تقولنّ« و ما ذكر بعده إلى قوله »و يقولون« صفات تلك الرجال. و قوله »ظلمنا ابن أبي طالب« مقول القول. و قوله »يقولون« تأكيد للقول المذكور في أوّل الكلام ]و[ إنّما أتى به لكثرة الفاصلة بين العامل و المعمول. و يحتمل أن يكون مقول القول محذوفا يدلّ عليه قوله »ظلمنا ابن أبي طالب«. و قيل مفعوله محذوف تقدير الكلام فلا تقولنّ ما قلتم من طلب التفضيل و غيره رجال كانت الدنيا غمرتهم في زمن الخلفاء الثلاثة إذا منعتهم ما كانوا يأخذون و أعطيتهم ما يستوجبون، فيصرفون ما أعطيتهم و يسألون الزيادة عليه و يقولون ظلمنا ابن أبي طالب. انتهى. أقول لا يخفى أنّ ما ذكرناه أظهر. و في بعض النسخ »رجالا« بالنّصب، و لعلّ فيه حينئذ حذفا أي لا تقولنّ أنتم نعتقد أو نتولى رجالا صفتهم كذا و كذا، و لعلّه كان »لا تتولّون« فصحّف. ]قوله عليه السلام[ »أفره الدوابّ« يقال دابّة فارهة أي نشيطة قويّة نفيسة. و »الشنار« العيب و العار. ]قوله عليه السلام[ »ألا و إنّ للمتّقين« أي ليس الكرم عند اللّه إلّا بالتقوى، و جزاء التقوى ليس إلّا في العقبى، و لم يجعل اللّه جزاء عملهم التفضيل في عطايا الدنيا. ]قوله عليه السلام[ »فانظروا أهل دين اللّه« أي يا أهل دين اللّه كذا في النسخ المصحّحة، و في بعضها »إلى أهل« و المراد بقوله »فيما أصبتم في كتاب اللّه« ]من[ نعوت الأنبياء و الأولياء الذين ذكرهم اللّه في القرآن، أو مواعيده الصادقة على الأعمال الصالحة. و بقوله »تركتم عند رسول اللّه« صفاته الحسنة و صفات أصحابه و ما كان يرتضيه صلّى اللّه عليه و آله من ذلك، أو ضمان الرسول لهم المثوبات على الصالحات، كأنّه وديعة لهم عنده صلّى عليه و آله. ]قوله عليه السلام[ »و جاهدتم به« أي بسببه و هو ما رأيتم من فضله و كماله، أو ما سمعتم من المثوبات عليه. ]قوله عليه السلام[ »أ بحسب أم بنسب« أي لم تكن تلك الأمور بالحسب و النسب بل بالعمل و الطاعة و الزهادة. ]قوله عليه السلام[ »و فيما أصبحتم« أي انظروا فيما أصبحتم راغبين فيه هل يشبه ما رأيتم و عهدتم مما تقدم ذكره، أو انظروا أيّهما أصلح لأن يرغب فيه. ]قوله عليه السلام[ »و جعل الثواب عنده عنها« كلمة »عن« لعلّها بمعنى »من« للتبعيض. أو قوله »التي« بدل اشتمال للمنازل، و المراد بها الأعمال التي توصل إليها، و لا يبعد أن يكون في الأصل »و التي« أو »بالتي« فصحّف. ]قوله عليه السلام[ »و لا خشية عليه من ذلك« أي لا يخشى على

 الحاكم العدل أي الإمام أن يترك حكم اللّه و لا يجوز أن يظنّ ذلك به، أو لا يخشى الحاكم بسبب العمل بحكم اللّه من أحد، أو أن يكون معاقبا بذلك عند اللّه. و على نسخة »و لا وحشة« المعنى أنّه إذا عمل الحاكم بحكم اللّه لا يستوحش من مفارقة رعيّته عنه بسبب ذلك. ]قوله عليه السلام[ »بدرّتي« الدّرّة بالكسر الّتي يضرب بها. و يظهر من الخبر أنّ السوط أكبر و أشدّ منها. و الارعواء الانزجار عن القبيح. و قيل الندم على الشي‏ء و الانصراف عنه و تركه. و الأود بالتحريك العوج. ]قوله عليه السلام[ »بفساد نفسي« أي لا أطلب صلاحكم بالظلم و بما لم يأمرني به ربّي فأكون قد أصلحتكم بإفساد نفسي. و »سحقا« أي بعدا.

 كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي عن محمد بن عبد اللّه بن عثمان عن عليّ بن ]أبي[ سيف ]المدائني[ عن أبي حباب عن ربيعة و عمارة قالا إنّ طائفة من أصحاب عليّ عليه السلام مشوا إليه فقالوا يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال و فضّل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم و من تخاف خلافه من الناس و فراره قال و إنّما قالوا له ذلك للذي كان معاوية يصنع بمن أتاه فقال لهم عليّ عليه السلام أ تأمرونّي أن أطلب النّصر بالجور و اللّه لا أفعل ما طلعت شمس و ما لاح في السّماء نجم، و اللّه لو كان مالهم لي لواسيت بينهم، فكيف و ما هي إلّا أموالهم قال ثمّ أزم طويلا ساكنا ثمّ قال من كان له مال فإيّاه و الفساد فإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو ذكر لصاحبه في النّاس و يضعه عند اللّه، و لم يضع رجل ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلّا حرمه اللّه شكرهم و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه من يودّه و يظهر له البشر فإنّما هو ملق و كذب، و إنّما ينوي أن ينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت بصاحبه النّعل فاحتاج إلى معونته و مكافأته فشر خليل و ألأم خدين. و من صنع المعروف فيما آتاه اللّه، فليصل به القرابة، و ليحسن فيه الضيافة، و ليفكّ به العاني، و ليعن به الغارم و ابن السّبيل و الفقراء و المهاجرين، و ليصبر نفسه على النّوائب و الخطوب فإنّ الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدّنيا و درك فضائل الآخرة.

 نهج ]و[ قال عليه السّلام في خطبة ]له[ فأين يتاه بكم بل كيف تعمهون و بينكم عترة نبيكم و هم أزمّة الحق و ألسنة الصّدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن و ردوهم ورود الهيم العطاش. أيّها الناس خذوها من خاتم النّبيّين صلّى اللّه عليه و آله إنّه يموت من يموت منّا و ليس بميّت و يبلى من بلي منّا و ليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون، و اعذروا من لا حجّة لكم عليه و أنا هو، أ لم أعمل فيكم بالثقل الأكبر و أترك فيكم الثّقل الأصغر و ركزت فيكم راية الإيمان، و وقفتكم على حدود الحلال و الحرام، و ألبستكم العافية من عدلي، و فرشتكم المعروف من قولي و فعلي، و أريتكم كرائم الأخلاق من نفسي فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، و لا يتغلغل إليه الفكر.

بيان تاه فلان تحيّر. و العمه التردد على وجه التحيّر. و الواو في قوله »و بينكم« للحال. و الأزمّة جمع زمام و هو المقود أي هم القادة للحقّ يدور معهم حيثما داروا. ]قوله عليه السلام[ »و ألسنة الصدق« أي هم كاللسان للصدق لا يتكلّم إلّا بهم، أو هم المتكلّمون به و لا يظهر إلّا منهم. ]قوله عليه السلام[ »فأنزلوهم« أي أنزلوا العترة في صدوركم و قلوبكم بالتعظيم و الانقياد لأوامرهم و نواهيهم و التمسّك بهم بأحسن المنازل التي تنزلون القرآن، أو بأحسن المنازل التي يدلّ عليها القرآن. ]قوله عليه السلام[ »و ردوهم« من الورود و هو الحضور عند الماء للشرب. و »الهيم« الإبل العطاش. قوله عليه السلام »و اعذروا« قال ابن ميثم طلب عليه السلام منهم العذر فيما يصيبهم و يلحقهم من عذاب اللّه بسبب تقصيرهم في إطاعته عليه السلام. قوله عليه السلام »فيما لا يدرك« أي فيما ذكر لهم من خصائص العترة الطاهرة و فضلها أي أمرنا صعب لا تهتدي إليه العقول ]الساذجة[. و التغلغل الدخول.

 نهج ]و من كلام له عليه السلام[ و لقد أحسنت جواركم، و أحطت بجهدي من ورائكم، و أعتقتكم من ربق الذّلّ و حلق الضيم، شكرا منّي للبرّ القليل، و إطراقا عمّا أدركه البصر و شهده البدن من المنكر الكثير.

بيان الإحاطة من الوراء ]هو[ دفع من يريدهم بشرّ لأنّ العدوّ الغالب يكون من وراء المحارب. و الحلق بالتحريك و كعنب جمع حلقة. و الضيم الظلم. و أطرق أي سكت و أرخى عينيه إلى الأرض، و إطراقه عليه السلام عن المنكر الكثير و سكوته عنه لعدم تأثير النهي، أو لانجراره إلى ما هو أعظم منه.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام اتّخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، و اتخذهم له أشراكا، فباض و فرّخ في صدورهم، و دبّ و درج في حجورهم، فنظر بأعينهم و نطق بألسنتهم، فركب بهم الزّلل، و زيّن لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، و نطق بالباطل على لسانه.

بيان ملاك الأمر بالكسر ما يقوم به. و الأشراك إما جمع شريك أي عدّهم ]الشيطان[ من شركائه في إضلال النّاس. أو جمع شرك بالتحريك أي جعلهم حبائل لاصطياد الخلق. »فباض و فرخ« كناية عن طول مكثه للوسوسة في صدورهم. و الدب المشي الضعيف، و الدرج أقوى منه و هما كنايتان عن تربيتهم الباطل و ملازمة الشيطان لهم حتى صار كالوالدين. و الزلل في الأعمال و الخطل في الأقوال. و الباء في ]قوله[ »ركب بهم« للتعدية. و الضمير في »سلطانه« راجع إلى »من« أي من شاركه الشيطان فيما جعله اللّه لهم من السلطان على الأعمال و الأقوال. أو إلى »الشيطان« أي كأنّهم الأصل في سلطانه و قدرته على الإضلال.

 نهج ]و[ من خطبة له ]عليه السّلام[ في الملاحم ألا بأبي و أمّي من عدّة أسماؤهم في السماء معروفة و في الأرض مجهولة. ألا فتوقّعوا ما يكون من إدبار أموركم و انقطاع وصلكم، و استعمال صغاركم ذاك، حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حلّه. ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجرا من المعطي. ذاك حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة و النعيم و تحلفون من غير اضطرار و تكذبون من غير إحراج. ذاك إذا عضّكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير. ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرجاء أيّها الناس ألقوا هذه الأزمّة الّتي تحمل ظهورها الأثقال من أيديكم، و لا تصدّعوا على سلطانكم فتذمّوا غبّ فعالكم، و لا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة، و أميطوا عن سننها و خلّوا قصد السّبيل لها، فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن و يسلم فيها غير المسلم. إنّما مثلي بينكم كمثل السّراج في الظلمة، يستضي‏ء به من ولجها، فاسمعوا أيّها النّاس و عوا و أحضروا آذان قلوبكم تفهموا

إيضاح قال ابن أبي الحديد قالت الإماميّة هذه العدّة هم الأئمة الأحد عشر من ولده عليهم السلام. و قال غيرهم إنّه عنى الأبدال الذين هم أولياء اللّه. انتهى. ]أقول[ و ظاهر أنّ ذكر انتظار فرج الشّيعة كما اعترف به بعد هذا لا ارتباط له بحكاية الأبدال. و أمّا كون أسمائهم في الأرض مجهولة، فلعلّ المراد به أنّ أكثر الناس لا يعرفون قدرهم و منزلتهم، فلا ينافي معرفة الخواص لهم و إن كانوا أيضا لا يعرفونهم حقّ معرفتهم. أو أراد به جهالة أسمائهم في وقت إيراد ]هذا[ الكلام، و التخصيص في الاحتمال الأخير أقلّ منه في الأوّل. قوله عليه السلام »و انقطاع وصلكم« جمع وصلة أي تفرّق أموركم المنتظمة. و المراد باستعمال الصغار تقديمهم على المشايخ و أرباب التجارب في الأعمال و الولايات. قوله عليه السلام »حيث يكون المعطى« على بناء المجهول »أعظم أجرا من المعطي« على بناء الفاعل لأنّ أكثر الأموال في ذلك الزّمان يكون من الحرام، و أيضا لا يعطونها على الوجه المأمور به ]بل[ للأغراض الفاسدة. و أمّا المعطى فلمّا كان فقيرا يأخذ المال لسدّ خلّته، لا يلزمه البحث عن المال و حلّه و حرمته فكان أعظم أجرا من المعطي. و قيل لأنّ صاحب المال لمّا كان يصرفه في أغلب الأحوال في الفساد، فإذا أخذه الفقير فقد فوّت عليه صرفه في القبائح، فقد كفّه بأخذ المال من ارتكاب القبيح. و لا يخلو من بعد. و النعمة بالفتح غضارة العيش. و في بعض النسخ بالكسر أي الخفض و الدعة و المال. قوله عليه السلام »من غير إخراج« أي من غير اضطرار إلى الكذب. و روي بالواو. قوله عليه السلام »إذا عضّكم البلاء« يقال عضّ اللقمة كسمع و منع أي أمسكها بأسنانه و عضّ بصاحبه أي لزمه. و عضّ الزمان و الحرب شدّتهما. و القتب بالتحريك معروف. و الغارب ما بين العنق و السنام. و قال ابن أبي الحديد هذا الكلام غير متّصل بما قبله كما هو عادة الرضي، و قد ]كان عليه السلام[ ذكر بين ذلك ما ينال من شيعته من البؤس و القنوط و مشقّة انتظار الفرج. و قوله عليه السلام »ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرجاء« حكاية كلام شيعته عليه السلام انتهى. فيكون المراد بالرجاء رجاء ظهور القائم عليه السلام. و قال ابن ميثم و يحتمل أن يكون الكلام متّصلا و يكون قوله عليه السلام »ما أطول هذا العناء« كلاما مستأنفا في معنى التوبيخ لهم على إعراضهم عنه و إقبالهم على الدنيا و إتعابهم أنفسهم في طلبها، و تنفير لهم عنها بذكر طول العناء في طلبها و بعد الرجاء لما يرجى منها. قوله عليه السلام »ألقوا« أي ألقوا من أيديكم أزمّة الآراء الفاسدة و الأعمال الكاسدة الّتي هي كالنوق و المراكب في حمل التبعات و الآثام. »و لا تصدّعوا« أي لا تتفرّقوا. و السلطان الأمير و الإمام. و غبّ كلّ شي‏ء عاقبته. و فور نار الفتنة وهجها و غليانها. »و أميطوا« أي تنحّوا. و السّنن الطّريقة. قوله عليه السلام »و خلّوا« أي دعوها تسلك طريقها و لا تتعرّضوا لها تكونوا حبطا لنارها.

 نهج ]و من خطبة له عليه السّلام[ الحمد للّه النّاشر في الخلق فضله، و الباسط فيهم بالجود يده، نحمده في جميع أموره، و نستعينه على رعاية حقوقه، و نشهد أن لا إله غيره، و أنّ محمدا عبده و رسوله أرسله بأمره صادعا و بذكره ناطقا، فأدّى أمينا و مضى رشيدا و خلّف فينا راية الحقّ، من تقدّمها مرق و من تخلّف عنها زهق، و من لزمها لحق. دليلها مكيث الكلام بطي‏ء القيام سريع إذا قام، فإذا أنتم ألنتم له رقابكم و أشرتم إليه بأصابعكم جاءه الموت فذهب به، فلبثتم بعده ما شاء اللّه حتّى يطلع اللّه لكم من يجمعكم و يضمّ نشركم. فلا تطمعوا في غير مقبل، و لا تيأسوا من مدبر، فإنّ المدبر عسى أن تزلّ إحدى قائمتيه و تثبت الأخرى فترجعا حتّى تثبتا جميعا. ألا و إنّ مثل آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله كمثل نجوم السّماء إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصّنائع، و أراكم ما كنتم تأملون.

توضيح النّشر التفريق و البسط، و بسط اليد كناية عن العطاء. و قيل اليد هنا النعمة في جميع أموره أي ما صدر منه من النعم و البلايا. و رعاية حقوق اللّه شكره و طاعته. ]قوله عليه السّلام[ »بأمره صادعا« أي مظهرا مجاهرا. و الرشد إصابة الصواب. و قيل الاستقامة على طريق الحقّ مع تصلّب فيه. و راية الحقّ الثّقلان المخلّفان. و مرق السهم من الرمية إذا خرج عن المرمي به، و المراد هنا خروج من تقدّمها و لم يعتد بها من الدين. و زهق الشي‏ء كمنع بطل و هلك. و اللّحوق إصابة الحقّ. و أراد بالدليل نفسه عليه السلام. و الضمير راجع إلى الراية. ]و[ مكيث الكلام أي بطيئه أي لا يتكلّم من غير رويّة. و بطي‏ء القيام كناية عن ترك العجلة و الطّيش. و إلانة الرقاب كناية عن الإطاعة. و الإشارة بالأصابع ]كناية[ عن التعظيم و الإجلال. قال ابن أبي الحديد نقل أنّ أهل العراق لم يكونوا أشدّ اجتماعا عليه من الشهر الذي قتل عليه السلام فيه، اجتمع له مائة ألف سيف، و أخرج مقدّمته يريد الشام، فضربه اللعين و انفضّت تلك الجموع كالغنم فقدت رعاتها. و أشار ]عليه السلام[ بمن يجمعهم إلى المهدي عليه السلام. و النشر المنشور التفرّق. قوله عليه السلام »فلا تطمعوا« أي من لم يقبل على طلب هذا الأمر ممن هو أهله، فلا تطمعوا فيه فإنّ ذلك لاختلال بعض شرائط الطلب، كما كان شأن أكثر أئمّتنا عليهم السلام. و قيل أراد بغير المقبل من انحرف عن الدين بارتكاب منكر، فإنّه لا يجوز الطمع في أن يكون أميرا لكم. و في بعض النسخ »فلا تطعنوا في عين« أي من أقبل على هذا الأمر من أهل البيت فلا تدفعوه عما يريد. و قوله ]عليه السلام[ »و لا تيأسوا« أي من أدبر عن طلب الخلافة ممن هو أهل لها فلا تيأسوا من عوده و إقباله على الطلب، فإنّ إدباره يكون لفقد بعض الشروط كقلّة الناصر. و زوال إحدى القائمتين كناية عن اختلال بعض الشروط، و ثبات الأخرى ]كناية[ عن وجود بعضها. و قوله »فيرجعان حتّى يثبتا« ]كناية[ عن استكمال الشرائط، و لا ينافي النهي عن الإياس النّهي عن الطّمع لأنّ عدم اليأس هو التجويز، و الطمع فوق التجويز. أو لأنّ النهي عن الطمع في حال عدم الشروط و الإعراض عن الطلب لذلك و النهي عن الإياس لجواز حصول الشرائط. و قيل ]في تفسير قوله عليه السلام[ »و لا تيأسوا من مدبر« أي إذا ذهب من بينكم إمام و خلّفه إمام آخر فاضطرب أمره، فلا تشكوا فيهم، فإنّ المضطرب الأمر سينتظم أموره. و حينئذ يكون قوله عليه السلام »ألا إنّ مثل آل محمد صلّى اللّه عليه و آله« كالبيان لهذا. ]قوله عليه السلام[ »إذا خوى نجم« أي مال للمغيب. و الصّنائع جمع صنيعة و هي الإحسان أي لا تيأسوا عسى أن يأتي اللّه بالفرج عن قريب و المتحقّق الوقوع قريب و إن كان بعيدا. و يمكن أن يكون ]أراد[ إراءة المخاطبين ما يأملون في الرجعة.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام أيّها الغافلون غير المغفول عنهم، و التاركون المأخوذ منهم ما لي أراكم عن اللّه ذاهبين و إلى غيره راغبين كأنّكم نعم أراح بها سائم إلى مرعى وبي‏ء و مشرب دويّ، ]و[ إنّما هو كالمعلوفة للمدى، لا تعرف ما ذا يراد بها، إذا أحسن إليها تحسب يومها دهرها و شبعها أمرها. و اللّه لو شئت أن أخبر كلّ رجل منكم بمخرجه و مولجه و جميع شأنه لفعلت و لكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ألا و إنّي مفضيه إلى الخاصّة ممن يؤمن ذلك منه. و الّذي بعثه بالحقّ و اصطفاه على الخلق، ما أنطق إلّا صادقا، و لقد عهد إليّ بذلك كلّه و بمهلك من يهلك و منجى من ينجو و مآل هذا الأمر، و ما أبقي شيئا يمرّ على رأسي إلّا أفرغه في أذني و أفضى به إليّ. أيّها النّاس و اللّه لا أحثّكم على طاعة إلّا و أسبقكم إليها، و لا أنهاكم عن معصية إلّا و أتناهى قبلكم عنها.

بيان ]قوله عليه السلام[ »أيّها الغافلون« الظاهر أنّ الخطاب لعامّة المكلّفين أي الذين غفلوا عمّا يراد بهم و منهم، ]و هم[ غير المغفول عنهم، فإنّ أعمالهم محفوظة مكتوبة. ]قوله[ »و التاركون« أي لما أمروا به المأخوذ منهم بانتقاص أعمارهم و قواهم و استلاب أحبابهم و أموالهم. و الذهاب عن اللّه التوجه إلى غيره و الإعراض عن جنابه. و النّعم بالتحريك جمع لا واحد له من لفظه و أكثر ما يقع على الإبل. ]قوله عليه السلام[ »أراح بها سائم« شبّههم بالنعم التي تتبع نعما أخرى. سائمة أي راعية. و إنّما قال ذلك لأنّها إذا اتبعت أمثالها كان أبلغ في ضرب المثل بجهلها من الإبل التي يسيمها راعيها. و ما يظهر من كلام ابن ميثم من أنّ السائم بمعنى الراعي، ففيه ما لا يخفى. و المرعى الوبي‏ء ذو الوباء و المرض، و أصله الهمز. و الدّوي ذو الدّاء، و الأصل في الدويّ، دوي بالتخفيف و لكنّه شدّد للازدواج. قال الجوهري رجل دو بكسر الواو أي فاسد الجوف من داء. و المدى بالضمّ جمع مدية و هي السكين. قوله عليه السلام »تحسب يومها« أي تظنّ أن ذلك العلف كما هو حاصل لها في هذا اليوم حاصل لها أبدا، أو نظرها مقصور على يومها تحسب أنّه دهرها. »و شبعها أمرها« أي تظن انحصار شأنها و أمرها في الشبع. قوله عليه السلام »و اللّه لو شئت أن أخبر« قال ابن أبي الحديد ]و[ هذا كقول المسيح عليه السلام وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ  ]219-  آل عمران 3] ]و لكن[ قال عليه السلام إلّا أنّي أخاف عليكم الغلوّ في أمري، و أن تفضّلوني على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، بل أخاف عليكم أن تدّعوا فيّ الإلهيّة كما ادّعت النصارى ذلك في المسيح عليه السلام لمّا أخبرهم بالأمور الغائبة. ]ثم قال ابن أبي الحديد[ و مع كتمانه عليه السلام فقد كفر ]فيه[ كثير منهم، و ادّعوا فيه النبوّة، و أنّه شريك الرسول في الرسالة و إنّه هو الرسول، و لكنّ الملك غلط، و أنّه هو الذي بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله، و ادّعوا فيه الحلول و الاتحاد. و يحتمل أن يكون كفرهم فيه بإسناد التقصير إليه عليه السلام في إظهار شأنه و جلالته. و المهلك بفتح اللام و كسرها يحتمل المصدر و اسم الزمان و المكان. و المراد بالهلاك إمّا الموت و القتل أو الضلال و الشقاء. و كذلك النجاة. و المراد بالأمر الخلافة أو الدين و ملك الإسلام. و مآله انتهاؤه بظهور القائم عليه السلام و ما يكون في آخر الزمان. و أفرغه كفرّغه صبّه.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا و لا يدّعي نبوّة و لا وحيا، فقاتل بمن أطاعه من عصاه، يسوقهم إلى منجاتهم، و يبادر بهم السّاعة أن تنزل بهم. يحسر الحسير و يقف الكسير فيقيم عليه حتّى يلحقه غايته، إلّا هالكا لا خير فيه، حتّى أراهم منجاتهم، و بوأهم محلّتهم، فاستدارت رحاهم، و استقامت قناتهم. و ايم اللّه لقد كنت من ساقتها حتّى تولّت بحذافيرها، و استوسقت في قيادها، ما ضعفت و لا جبنت، و لا خنت و لا وهنت. و ايم اللّه لأبقرنّ الباطل حتّى أخرج الحقّ من خاصرته.

بيان المنجاة مصدر أو اسم مكان. »و يبادر بهم السّاعة« أي يسارع إلى هدايتهم و إرشادهم حذرا من أن ينزل بهم السّاعة فتدركه على الضّلالة. و الحسير المعيي. و إقامته ]صلّى اللّه عليه و آله[ على الحسير و الكسير و مراقبته من تزلزل عقائده، ليدفع شبهه حتّى يبلغه الغاية الّتي خلق لأجلها، إلّا من لم يكن قابلا للهداية. و منهم من حمله على ظاهره من شفقته صلّى اللّه عليه و آله على الضعفاء في الأسفار و الغزوات. ]قوله عليه السلام[ »حتّى أراهم منجاتهم« أي نجاتهم أو محلّ نجاتهم. و محلّتهم منزلهم و غاية سفرهم الصوري أو المعنوي. و استدار الرّحى و استقامة القناة، كنايتان عن انتظام الأمر كما مرّ. و السّاقة جمع سائق، و الضّمير لغير مذكور ]لفظا[ و المراد الجاهليّة، شبّهها عليه السّلام بكتيبة مصادفة لكتيبة الإسلام فهزمها. و في القاموس الحذفور كعصفور الجانب كالحذفار و الشريف و الجمع الكثير. و أخذه بحذافيره بأسره. أو بجوانبه أو بأعاليه. و الحذافير المتهيّئون للحرب. و اشدد حذافيرك تهيّأ. و استوسقت أي اجتمعت و انتظمت يعني الملّة الإسلامية أو الدعوة أو ما يجري هذا المجرى أي لمّا ولّت الجاهلية استوسقت هذه في قيادها كالإبل المقودة إلى أعطانها. و يحتمل عوده إلى الجاهلية أي تولّت بحذافيرها و اجتمعت تحت ظلّ المقادة. و البقر الشقّ. و الخاصرة ما بين أسفل الأضلاع و عظم الورك، شبّه عليه السّلام الباطل بحيوان ابتلع الحقّ.

 نهج ]و من كلام له عليه السلام[ تاللّه لقد علمت تبليغ الرسالات و إتمام العدات و تمام الكلمات، و عندنا أهل البيت أبواب الحكم و ضياء الأمر. ألا و إنّ شرائع الّدين واحدة، و سبله قاصدة، من أخذ بها لحق و غنم، و من وقف عنها ضلّ و ندم. اعملوا ليوم تذخر له الذّخائر، و تبلى فيه السّرائر، و من لا ينفعه حاضر لبّه فعازبه عنه أعجز و غائبه أعوز. و اتّقوا نارا حرها شديد، و قعرها بعيد و حليتها حديد و شرابها صديد. ألا و إنّ اللّسان الصّالح يجعله اللّه للمرء في النّاس خير له من المال يورثه من لا يحمده.

بيان قال ابن أبي الحديد ]قوله[ »لقد علمت تبليغ الرّسالات« إشارة إلى قوله تعالى يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ و لا يخشون إلّا اللّه و إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قصّة براءة »لا يؤدّي عنّي أنا أو رجل منّي«، و أنّه علم مواعيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّتي وعد بها و إنجازها، فمنها ما هو وعد لواحد من النّاس نحو أن يقول سأعطيك كذا. و منها ما هو وعد بأمر سيحدث، كأخبار الملاحم و الأمور المتجدّدة. و فيه إشارة إلى قول تعالى ]مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ و إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه في حقّه عليه السلام »قاضي ديني و منجز عداتي« و أنّه علم تمام الكلمات و هو تأويل القرآن و بيانه الذي يتم به. و فيه إشارة إلى قوله تعالى وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا. و إلى قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ]له[ »اللّهم اهد قلبه و ثبّت لسانه«. و لعلّ الراد ب »أبواب الحكم« بالضمّ أو »الحكم« بكسر الحاء و فتح الكاف على اختلاف النسخ الأحكام الشرعية. و ب »ضياء الأمر« العقائد العقلية أو بالعكس. و قال ابن ميثم لعلّ المراد ب »شرائع الدين و سبله« أهل البيت عليهم السلام فإنّ أقوالهم في الدين واحدة خالية عن الاختلاف. أقول و يحتمل أن يكون المراد معناه الظاهر، و يكون الغرض نفي الاختلاف في الأحكام بالآراء و المقاييس، و يظهر منه بطلان إمامة غير أهل البيت كما لا يخفي. قوله عليه السلام »و من لا ينفعه« فيه وجوه الأول أنّ من لم يعتبر في حياته بلبّه فأولى بأن لا ينتفع بعد الموت. الثاني أنّ المراد من لم يعمل بما فهم و حكم به عقله وقت إمكان العمل، فأحرى أن لا ينتفع به بعد انقضاء وقته، بل لا يورثه إلّا ندامة و حسرة. الثالث أنّ المراد من لم يكن له من نفسه واعظ و زاجر و لم يعمل بما فهم و عقل، فأحرى بأن لا يرتدع من القبيح بعقل غيره و موعظته له. و »اللسان الصالح« الذّكر الجميل. و »من لا يحمده« وارثه الذي لا يعدّ ذلك الإيراث فضلا و نعمة.

 نهج ]و[ من خطبته ]عليه السّلام[ المعروفة بالقاصعة ألا و إنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطّاعة، و ثلمتم حصن اللّه المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة، و إنّ اللّه سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة الّتي ينتقلون في ظلّها و يأوون إلى كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة لأنّها أرجح من كلّ ثمن و أجلّ من كلّ خطر. و اعلموا أنّكم قد صرتم بعد الهجرة أعرابا، و بعد الموالاة أحزابا، ما تتعلّقون من الإسلام إلّا باسمه، و لا تعرفون من الإيمان إلّا رسمه، تقولون »النّار و لا العار«، كأنّكم تريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه انتهاكا لحريمه، و نقضا لميثاقه الذي وضعه اللّه لكم، حرما في أرضه و أمنا بين خلقه. و إنكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر، ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا أنصار ينصرونكم إلّا المقارعة بالسّيوف حتّى يحكم اللّه بينكم. و إنّ عندكم الأمثال من بأس اللّه و قوارعه و أيّامه و وقائعه، فلا تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه، و تهاونا ببطشه، و يأسا من بأسه. فإنّ اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلّا لتركهم الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، فلعن السّفهاء لركوب المعاصي، و الحلماء لترك التّناهي. ألا و قد قطعتم قيد الإسلام، و عطّلتم حدوده و أمتّم أحكامه. ألا و قد أمرني اللّه بقتال أهل البغي و النّكث و الفساد في الأرض، فأمّا النّاكثون فقد قاتلت، و أمّا القاسطون فقد جاهدت، و أمّا المارقون فقد دوخت، و أمّا شيطان الرّدهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه و رجّة صدره، و بقيت بقيّة من أهل البغي، و لئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم إلّا ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّرا. أنا وضعت ]في الصغّر[ بكلاكل العرب و كسرت نواجم قرون ربيعة و مضر. و قد علمتم موضعي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و أنا وليد، يضمّني إلى صدره و يكنفني في فراشه و يمسّني جسده و يشمّني عرفه، و كان يمضغ الشّي‏ء ثمّ يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة ]خطيئة »خ«[ في فعل.

أقول قد مضى تمامها مع شرحها في آخر المجلد الخامس.

 نهج ]و[ من كلام له عليه السلام ألا و إنّ اللّسان بضعة من الإنسان، فلا يسعده القول إذا امتنع، و لا يمهله النّطق إذا اتّسع، و إنّا لأمراء الكلام، و فينا تنشّبت عروقه، و علينا تهدّلت غصونه. و اعلموا رحمكم اللّه أنكم في زمان، القائل فيه بالحقّ قليل، و اللّسان عن الصّدق كليل، و اللّازم للحقّ ذليل، أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الإدهان، فتاهم عارم، و شائبهم آثم، و عالمهم منافق، و قارئهم مماذق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم، و لا يعول غنيّهم فقيرهم.

بيان قال ابن أبي الحديد ]هذا الكلام[ قاله عليه السلام في واقعة اقتضت ذلك، و هي أنّه أمر ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي أن يخطب الناس يوما، فصعد المنبر فحصر و لم يستطع الكلام، فقام أمير المؤمنين عليه السلام فتسنّم ذروة المنبر، فخطب خطبة طويلة هذه الكلمات منها. و البضعة القطعة من اللحم. و الضمير في ]قوله عليه السلام[ »يسعده« و »يمهله« للّسان، و في ]قوله[ »امتنع« و »اتّسع« للإنسان. و المعنى أنّ اللسان لمّا كان آلة للإنسان يتصرّف بتصريفه إيّاه، فإذا امتنع الإنسان عن الكلام لشاغل أو صارف، لم يسعد اللّسان القول و لم يواته، و إذا دعاه الدّاعي إلى الكلام و حضره و اتسع الإنسان له، لم يمهله النّطق بل يسارع إليه. و يحتمل أن يعود الضّمير في »امتنع« إلى القول، و في »اتّسع« إلى النّطق أي فلا يسعد القول اللسان إذا امتنع القول من الإنسان و لم يحضره لوهم أو نحوه، أوجب حصره و عيّه و لم يمهله النّطق إذا اتّسع عليه و حضره. و يحتمل أن يكون الضّمير في »يسعده« و »يمهله« راجعا إلى الإنسان، و في ]قوله[ »امتنع« و »اتّسع« إلى اللّسان أي إذا امتنع اللّسان لعدم جرأة فلا يسعد القول الإنسان، و إذا اتّسع لم يمهل النطق الإنسان. و الأوّل أظهر. و نشب الشي‏ء في الشّي‏ء بالكسر أي علق و أنشبته أنا فيه أي أعلقته فانتشب. ذكره الجوهري. و المراد بعروقه أصوله و موادّه، كالعلم بالمعاني و الملكات الفاضلة. و غصونه فروعه و أغصانه و آثاره. و تهدّلت أغصان الشجرة أي تدلّت. ]قوله عليه السلام[ »معتكفون على العصيان« أي ملازمون ]لها[ من قولهم عكف على الشي‏ء أي حبس نفسه عليه، و منه الاعتكاف. و الاصطلاح افتعال من الصلح. و الادهان القول باللّسان بمقتضى مصلحة حالهم دون الاتفاق في القلوب، أو بمعنى الغش. و العرامة شراسة الخلق و البطر و الفساد و قلّة الأدب. ]قوله عليه السلام[ »و شائبهم آثم« ]أي[ لجهله و غفلته شاب في الإثم. قوله عليه السلام »مماذق« أي غير مخلص كما ذكره الجوهري. و »عاله« أي كفله و قام بأمره و أنفق عليه.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام و أستعينه على مداحر الشّيطان و مزاجره و الاعتصام من حبائله و مخاتله. و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و نجيبه و صفوته، لا يوازى فضله، و لا يجبر فقده، أضاءت به البلاد بعد الضّلالة المظلمة و الجهالة الغالبة و الجفوة الجافية، و النّاس يستحلّون الحريم و يستذلّون الحكيم، يحيون على فترة و يموتون على كفرة. ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت، فاتّقوا سكرات النّعمة، و احذروا بوائق النّقمة، و تثبّتوا في قتام العشوة، و اعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها، و ظهور كمينها، و انتصاب قطبها، و مدار رحاها، تبدأ في مدارج خفيّة، و تؤول إلى فظاعة جليّة، شبابها كشباب الغلام، و آثارها كآثار السلام، تتوارثها الظلمة بالعهود، أوّلهم قائد لآخرهم، و آخرهم مقتد بأوّلهم، يتنافسون في دنيا دنيّة، و يتكالبون على جيفة مريحة، و عن قليل يتبرأ التابع من المتبوع، و القائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء و يتلاعنون عند اللقاء. ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف و القاصمة الزّخوف، فتزيغ قلوب بعد استقامة، و تضلّ رجال بعد سلامة، و تختلف الأهواء عند هجومها، و تلتبس الآراء عند نجومها. من أشرف لها قصمته، و من سعى فيها حطمته، يتكادمون فيها تكادم الحمر في العانة، قد اضطرب معقود الحبل، و عمي وجه الأمر، تغيض فيها الحكمة، و تنطق فيها الظّلمة، و تدقّ أهل البدو بمسحلها، و ترضّهم بكلكلها. يضيع في غبارها الوحدان، و يهلك في طريقها الرّكبان، ترد بمرّ القضاء، و تحلب عبيط الدّماء، و تثلم منار الدّين، و تنقض عقد اليقين. تهرب منها الأكياس، و تدبرها الأرجاس، مرعاد مبراق، كاشفة عن ساق، تقطع فيها الأرحام، و يفارق عليها الإسلام، بريئها سقيم، و ظاعنها مقيم. ]و[ منها بين قتيل مطلول، و خائف مستجير، يختلون بعقد الأيمان، و بغرور الإيمان، فلا تكونوا أنصاب الفتن و أعلام البدع، و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، و بنيت عليه أركان الطاعة، و اقدموا على اللّه مظلومين و لا تقدموا عليه ظالمين، و اتّقوا مدارج الشّيطان و مهابط العدوان، و لا تدخلوا بطونكم لعق الحرام، فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصية و سهّل لكم سبيل الطّاعة.

توضيح »مداحر الشيطان« الأمور التي يدحر و يطرد بها ]الشيطان[. و »مزاجره« الأمور التي يزجر بها. و »حبائله« مكايده التي يضلّ بها البشر. و »مخاتله« الأمور التي يختل بها بالكسر أي يخدع بها. ]قوله عليه السّلام[ »لا يوازى« أي لا يساوى. و الأصل فيه الهمزة كما قيل. »و الجهالة الغالبة« بالباء الموحّدة و في بعض النّسخ بالمثنّاة من الغلاء و هو الارتفاع أو من الغلوّ و هو مجاوزة الحدّ. و الجفوة غلظ الطبع. و الوصف للمبالغة. ]و قوله[ »و الناس« الواو للحال. و الحريم حرمات اللّه التي يجب احترامها و محرماته. و قال ]ابن الأثير[ في النهاية الفترة ما بين الرسولين. و أصابني على فترة أي في حال سكون و تقليل من العبادات و المجاهدات. و الكفرة المرّة من الكفرات. و المعشر الجماعة. و الغرض الهدف. و سكرات النعمة ما تحدثه النعم عند أربابها من الغفلة المشابهة للسكر. و البوائق الدواهي. و التّثبّت التوقّف و ترك اقتحام الأمر. و القتام بالفتح الغبار. و العشو ركوب الأمر على غير بيان و وضوح. و يروى »و تبيّنوا« كما قرئ في الآية. و كنّى عليه السلام عن ظهور المستور المخفي منها بقوله »عند طلوع جنينها و ظهور كمينها«. و الجنين الولد ما دام في البطن. و الكمين الجماعة المختفية في الحرب. و المدار مصدر و المكان بعيد. و »انتصاب قطبها و مدار رحاها« كنايتان عن انتظام أمرها. و المدرجة المذهب و المسلك أي إنّها تكون ابتداء يسيرة ثم تصير كثيرة. و الشبّاب بالكسر نشاط الفرس و رفع يديه جميعا. و في بعض النسخ ]ذكره[ بالفتح. و السّلم الحجارة أي أربابها يمرحون في أوّل الأمر كما يمرح الغلام، ثمّ يؤول إلى أن يعقب فيهم أو في الإسلام آثار كآثار الحجارة في الأبدان، فيحتمل أن يكون ]هذا[ كالتفسير لسابقه، أو يكون المراد أنّها في الدنيا كنشاط الغلام و ما أعقبها في الآخرة كآثار السلام. ]قوله عليه السلام[ »تتوارثها الظلمة بالعهود« الظرف متعلّق بالفعل أي توارثهم بما عهدوا بينهم من ظلم أهل البيت عليهم السلام و غصب حقّهم. أو ]هو متعلّق[ ب ]قوله[ »الظلمة« أي الذين ظلموا عهد اللّه و تركوه. »و يتكالبون« أي يتواثبون. و »المريحة« المنتنة من ]قولهم[ أراحت ]الجيفة[ إذا ظهر ريحها، أو من أراح البعير إذا مات. قوله عليه السلام »و عن قليل« أي بعد قليل من الزمان يتبرأ التابع ]من المتبوع[. قال ابن أبي الحديد ذلك التبرّؤ في القيامة كما ورد في الكتاب العزيز، أمّا تبرّؤ التابع من المتبوع ]فقد[ قال تعالى قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً. و أمّا تبرّؤ القائد من المقود أي المتبوع من التابع فقال تعالى إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا. و إمّا الأعمّ كما دلّ عليه قوله عليه السلام »فيتزايلون...« فقال تعالى و يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا. و قوله عليه السلام »يتزايلون« أي يفترقون. و طالع الفتنة مقدماتها. و سمّاها رجوفا لشدّة الاضطراب فيها. و لمّا ذكر عليه السلام رغبتهم في الدنيا و تكالبهم، أراد أن يذكر ما يؤكّد التعجّب من فعلهم، فأتى بجملة معترضة بين الكلامين فقال »و عن قليل يتبرّأ التّابع... إلخ«. ثمّ عاد إلى نظام الكلام فقال »ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف«. و قال ابن ميثم أشار عليه السلام إلى منافستهم في الدنيا في إثارة تلك الفتن، ثم أخبر عن انقضائها عن قليل و كنّى عن ذلك بتبرّؤ التابع من المتبوع. قيل ]و كان[ ذلك التبرؤ عند ظهور الدولة العباسية، فإنّ العادة جارية بتبرّؤ الناس عن الولاة المعزولين، خصوصا ممن تولّى عزل أولئك أو قتلهم فيتباينون بالبغضاء و يتلاعنون عند اللقاء. ]ثم[ قال ]ابن ميثم[ و قوله عليه السلام »ثمّ يأتي ]بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف«[ إشارة إلى فتنة التّتار، إذ الدائرة فيهم كانت على العرب. ]ثم[ قال و قال بعض الشارحين ذلك إشارة إلى الملحمة الكائنة في

 آخر الزمان، كفتنة الدجّال، و وصفها بالرجوف كناية عن اضطراب الناس، أو أمر الإسلام فيها. و ]كنّى[ بقصمها عن هلاك الخلق فيها تشبيها لها بالرجل الشجاع الكثير الزحف إلى أقرانه أي يمشي إليهم قدما. و نجم الشي‏ء ينجم بالضمّ نجوما ظهر و طلع. قوله ]عليه السلام[ »من أشرف لها« أي صادمها و قابلها. »و من سعى فيها« أي في تسكينها و إطفائها. و الحطم الكسر. و التكادم التّعاض بأدنى الفم. و العانة القطيع من حمر الوحش، و لعلّ المراد مغالبة مثيري تلك الفتنة بعضهم لبعض، أو مغالبتهم لغيرهم. و معقود الحبل قواعد التي كلّفوا بها. و في إسناد العمى إلى وجه الأمر تجوّز. و الغيض القلّة و النقص. و المسحل كمنبر السوهان أو المنحت أي يفعل بهم ما يفعل بالحديد أو الخشب. و الرضّ الدق. و الكلكل الصدر. و الوحدان جمع واحد أي من كان يسير وحده فإنّه يهلك فيها بالكلية، و إذا كانوا جماعة فهم يضلّون في طريقها فيهلكون. و لفظ الغبار مستعار للقليل اليسير من حركة أهلها أي إذا أراد القليل من الناس دفعها هلكوا في غبارها من دون أن يدخلوا في غمارها، و أمّا الركبان و هم الكثير من الناس فإنّهم يهلكون في طريقها و عند الخوض فيها. و يجوز أن يكون الوحدان جمع أوحد أي يضلّ في غبار هذه الفتنة و شبهها فضلاء عصرها، لغموض الشبهة و استيلاء الباطل و يكون الركبان كناية عن أهل القوّة، فهلاك أهل العلم بالضلال، و هلاك أهل القوّة بالقتل. و مرّ القضاء الهلاك و الاستئصال و البلايا الصّعبة. و عبيط الدّماء الطري الخالص منها. و تثلم أي تكسر. ]و[ منار الدين أي أعلامه. ]قوله عليه السّلام[ »مرعاد مبراق« أي ذات رعد و برق تشبيها بالسحاب. أو ذات وعيد و تهدّد من ]قولهم[ رعد الرجل و برق إذا أوعد و تهدّد. و يحتمل أن يكون ]أراد من[ الرعد صوت السلاح و ]من[ البرق ضوءه. و قال ]ابن الأثير[ في النهاية السّاق في اللغة الأمر الشّديد و كشف الساق مثل في شدّة الأمر، و أصله من كشف الإنسان عن ساقه و تشميره إذا وقع في أمر شديد. قوله عليه السلام »بريئها« أي من يعدّ نفسه بريئا سالما من المعاصي أو الآفات، أو من كان سالما بالنسبة إلى سائر الناس فهو أيضا مبتلى بها، أو المعنى أنّ من لم يكن مائلا إلى المعاصي أو أحبّ الخلاص من شرورها لا يمكنه ذلك. قوله عليه السّلام »و ظاعنها مقيم« أي لا يمكنه الخروج عنها. أو من اعتقد أنّه متخلّف عنها فهو داخل فيها لكثرة الشبه و عموم الضلالة. قوله عليه السّلام »مطلول« أي مهدر لا يطلب به. ]و[ »يختلون« أي يخدعون. ]و قوله[ »بعقد الأيمان« ]إمّا[ بصيغة المصدر أو كصرد بصيغة الجمع. و ]قوله عليه السّلام[ »يختلون« في بعض النسخ على بناء المجهول، فيكون إخبارا عن حال المخدوعين الذي يختلهم غيرهم بالأيمان المعقودة بينهم، أو بالعهود الذي يشدّونها بمسح أيمانهم. و في بعض النسخ على بناء المعلوم فيكون إخبارا من أهل ذلك الزّمان جميعا، أو الخادعين الخائنين منهم. و »بغرور الإيمان« أي بالإيمان الذي يظهره الخادعون لهؤلاء الموصوفين فيغرونهم بالمواعيد الكاذبة، أو الذي يظهره هؤلاء الموصوفون فيغرّون الناس به على النّسختين. قوله عليه السّلام »أنصاب الفتن« ]الأنصاب[ جمع نصب و هو بالفتح أو التحريك العلم أو بمعنى الغاية و الحدّ و منه أيضا أنصاب الحرم. و في بعض النسخ ]أنصار الفتن[ بالراء. قوله عليه السلام »]و الزموا[ ما عقد عليه حبل الجماعة« أي القوانين الّتي ينتظم بها اجتماع الناس على الحقّ، و هي التي بنيت عليها أركان الطاعة. ]قوله عليه السلام[ »و اقدموا على اللّه مظلومين« أي كونوا راضين بالمظلومية أو لا تظلموا الناس و إن استلزم ترك الظلم مظلوميتكم. و »مدارج الشيطان« مذاهبه و مسالكه. »و مهابط العدوان« المواضع التي يهبط هو و صاحبه فيها. و اللعق جمع لعقة بالضمّ، و هي اسم لما تأخذه الملعقة. و اللعقة بالفتح المرّة منه. فنبّه عليه السلام باللّعق على قلّتها بالنسبة إلى متاع الآخرة، أو المراد لا تدخلوا بطونكم القليل منه فكيف بالكثير. قوله عليه السّلام »]فإنّكم[ بعين من حرّم« أي بعلمه كقوله تعالى تَجْرِي بِأَعْيُنِنا.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام فبعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته، و من طاعة الشّيطان إلى طاعته، بقرآن قد بيّنه و أحكمه، ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه، و ليقرّوا به إذ جحدوه، و ليثبّتوه بعد إذا أنكروه. فتجلّى سبحانه لهم في كتابه من غير أن يكونوا رأوه، بما أراهم من قدرته، و خوّفهم من سطواته، و كيف محق من محق بالمثلات و احتصد من احتصد ]و اختضد من اختضد »خ«[ بالنقمات. و إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان، ليس فيه شي‏ء أخفى من الحقّ و لا أظهر من الباطل و لا أكثر من الكذب على اللّه و رسوله، و ليس عند أهل ذلك الزّمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا أنفق منه إذا حرّف عن مواضعه، و لا في البلاد شي‏ء أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب حملته و تناساه حفظته، فالكتاب يومئذ و أهله منفيّان طريدان، و صاحبان مصطحبان في طريق واحد، لا يؤويهما مؤو، فالكتاب و أهله في ذلك الزّمان في النّاس و ليسا فيهم، و معهم و ليسا معهم، لأنّ الضلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا. و اجتمع القوم على الفرقة و افترقوا عن الجماعة، كأنّهم أئمة الكتاب و ليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلّا اسمه و لا يعرفون إلّا خطّه و زبره. و من قبل ما مثّلوا بالصّالحين كلّ مثلة، و سمّوا صدقهم على اللّه فرية و جعلوا في الحسنة عقوبة السّيّئة. و إنّما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم و تغيّب آجالهم، حتّى نزل بهم الموعود الذي تردّ عنه المعذرة، و ترفع عنه التوبة، و تحل معه القارعة و النقمة. أيّها النّاس إنّه من استنصح اللّه وفّق، و من اتّخذ قوله دليلا هدي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، فإنّ جار اللّه آمن و عدوّه خائف. و إنّه لا ينبغي لمن عرف عظمة اللّه أن يتعظّم، فإنّ رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له، و سلامة الذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له، فلا تنفروا من الحقّ نفار الصّحيح من الأجرب و الباري من ذي السقم. و اعلموا أنّكم لن تعرفوا الرشد حتّى تعرفوا الذي تركه، و لن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نقضه، و لن تمسكوا به حتّى تعرفوا الذي نبذه. فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنّهم عيش العلم و موت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، و صمتهم عن منطقهم، و ظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين و لا يختلفون فيه، ]فهو[ بينهم شاهد صادق و صامت ناطق.

بيان »أحكمه« أتقنه. و قيل في قوله تعالى » كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ« [1-  هود 11] أي أحفظت من فساد المعنى و ركاكته. و يمكن أن يكون المراد بالإقرار باللسان، و بالإثبات التصديق بالقلب. ]قوله عليه السلام[ »فتجلّى لهم« أي ظهر و انكشف، و ربّما يفسّر الكتاب هنا بعالم الإيجاد. و المحق النقض، و المحو و الإبطال. و المثلاث العقوبات. قوله عليه السلام »و احتصد ]من احتصد[« في بعض النسخ بالمهملتين في الموضعين من الحصاد و هو قطع الزرع و النبات فهو كناية عن استئصالهم. و في بعضها بالمعجمتين من ]قولهم[ اختضد البعير أي خطمه ليذلّ. و الأول أظهر. و البوار الهلاك و كساد السوق. و تلاوة الكتاب إمّا بمعنى قراءته، أو متابعته فإنّ من اتّبع غيره يقال تلاه. و التحريف بالثاني أنسب. و يقال تناساه إذا أرى من نفسه أنّه نسيه. و نفى الشي‏ء أي نحّاه أو جحده. و الطرد الإبعاد. و أهل الكتاب ]هم[ أئمّة الدين و أتباعهم العالمون بالكتاب العاملون به. قوله عليه السّلام »لأنّ الضّلالة« أي ضلالتهم مضادّة لهدى الكتاب فلم يجتمعا حقيقة و إن اجتمعا ظاهرا. و الزبر بالفتح الكتابة و بالكسر الكتاب. قوله عليه السّلام »و من قبل« أي من قبل ذلك الزمان و إن كان بعده عليه السلام. »ما مثلوا« بالتخفيف و التشديد أي نكّلوا. و الظرف أعني قوله »على اللّه« متعلّق بالفرية، و يحتمل تعلّقه بالصدق. و المراد بتغيّب آجالهم نسيانهم إيّاها و ترك استعدادهم لها و لما بعدها. و الموعود الموت فإنّه لا تقبل فيه معذرة و عند نزوله ]لا تقبل[ توبة. »و القارعة« المصيبة التي تقرع أي تلقى بشدّة و قوّة. قوله عليه السلام »من استنصح اللّه« قال ]ابن الأثير[ في النهاية أي اتّخذه ناصحا. انتهى. و الاعتقاد بكونه تعالى ناصحا و أنّه لا يريد للعبد إلّا ما هو خير له، يوجب التوفيق بالرغبة في العمل بكلّ ما أمر ]به[ و الانتهاء عمّا نهى عنه. قوله عليه السلام » لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ« أي للحالة و الطريقة التي اتّباعها و سلوكها أقوم. ]قوله عليه السلام[ »فإنّ جار اللّه ]آمن[« أي من أجاره اللّه أو من كان قريبا منه. و في بعض النسخ »عظمته« و »قدرته« بالنصب، فكلمة »ما« فيهما زائدة. قوله عليه السلام »حتّى تعرفوا الذي تركه« الغرض منه و مما بعده التنفير من أئمّة الضلال و التنبيه على وجوب البراءة منهم. ]قوله عليه السلام[ »فإنّهم عيش العلم« أي أسباب لحياته. قوله عليه السلام »و صمتهم عن منطقهم« فإنّ لصمتهم وقتا و هيئة و حالة تكون قرائن دالّة على حسن منطقهم لو نطقوا. قوله عليه السلام »و لا يختلفون« أي لا يخالف بعضهم بعضا فيكون البعض مخالفا للحق. ]قوله عليه السلام[ »فهو بينهم« الضمير راجع إلى الدين. ]و معنى قوله[ »شاهد صادق« أي يأخذون بما حكم به و دلّ عليه. ]قوله عليه السلام[ »و صامت« لأنّه لا ينطق في الظاهر ]بنفسه و إنّما هو[ ناطق بلسان أهله و العالم به.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام حتّى بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله شهيدا و بشيرا و نذيرا، خير البريّة طفلا و أنجبها كهلا، أطهر المطهّرين شيمة و أجود المستمطرين ديمة. فما احلولت لكم الدّنيا في لذّتها، و لا تمكّنتم من رضاع أخلافها، إلّا من بعد ]ما[ صادفتموها جائلا خطامها، قلقا وضينها، قد صار حرامها عند أقوام بمنزلة السّدر المخضود، و حلالها بعيدا غير موجود، و صادفتموها و اللّه ظلا ممدودا إلى أجل معدود، فالأرض لكم شاغرة، و أيديكم فيها مبسوطة، و أيدي القادة عنكم مكفوفة، و سيوفكم عليها مسلّطة، و سيوفهم عنكم مقبوضة. ألا ]و إنّ[ لكلّ دم ثائرا، و لكلّ حقّ طالبا، و إنّ الثّائر في دمائنا كالحاكم في حقّ نفسه، و هو اللّه الذي لا يعجزه من طلب و لا يفوته من هرب. فأقسم باللّه يا بني أميّة، عمّا قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم و في دار عدوّكم. ألا إنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه، ألا إنّ أسمع الأسماع ما وعى التّذكير و قبله. أيّها النّاس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متّعظ، و امتاحوا من صفو عين قد روّقت من الكدر. عباد اللّه لا تركنوا إلى جهالتكم و لا تنقادوا لأهوائكم، فإنّ النّازل بهذا المنزل نازل بشفا جرف هار، ينقل الرّدى على ظهره من موضع لرأي يحدثه بعد رأي، يريد أن يلصق ما لا يلتصق و يقرّب ما لا يتقارب. فاللّه اللّه أن تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم، و لا من ينقض برأيه ما قد أبرم لكم. إنّه ليس على الإمام إلّا ما حمّل من أمر ربّه، الإبلاغ في الموعظة، و الاجتهاد في النّصيحة، و الإحياء للسنّة، و إقامة الحدود على مستحقّيها، و إصدار السهمان على أهلها. فبادروا العلم من قبل تصويح نبته، و من قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله، و انهوا عن المنكر و تناهوا عنه فإنّما أمرتم بالنهي بعد التناهى.

بيان ]قوله عليه السلام[ »شهيدا« أي على أوصيائه و أمّته و على الأنبياء و أممهم. و الكهل من جاوز الثلاثين. و قيل من بلغ الأربعين. و قيل من جاوز أربعا و ثلاثين إلى إحدى و خمسين. و الشيمة بالكسر الطبيعة و الجبلّة. و الجود بالفتح المطر الغزير. و الديمة بالكسر المطر الدائم في سكون. و احلولى الشي‏ء صار حلوا ضدّ المرّ. و الرضاع بالفتح مصدر رضع الصبي أمّه بالكسر أي امتصّ ثديها. و الأخلاف جمع خلف بالكسر و هو حلمة ضرع الناقة، أو الضرع لكلّ ذات خفّ و ظلف. و الجملتان كنايتان عن انتفاعهم و تمتّعهم بالدنيا. و صادفته أي وجدته. و الجائل الدائر المتحرّك و الذي يذهب و يجي‏ء. و خطام البعير بالكسر الحبل الذي يقاد به. و القلق المتحرّك الذي لا يستقرّ في مكانه. و الوضين بطان منسوج بعضه على بعض يشدّ به الرحل على البعير، كالحزام للسرج. و الغرض عدم تمكّنهم من الانتفاع بالدنيا و صعوبتها عليهم و عدم انقيادها لهم، كما يستصعب الناقة على راكبها إذا كانت جائلة الخطام ليس زمامها في يد راكبها، قلقة الوضين لا يثبت رحلها تحت راكبها. و يحتمل أن يكون كناية عن استقلال الدنيا و استبدادها في غرور الناس، و إقبالها على أهلها من غير أن يزجرها و يمنعها أحد. و السدر المخضود الذي انثنت أغصانه من كثرة الحمل. أو الذي قطع شوكه و نزع. و هو كناية عن أكلهم الحرام برغبة كاملة و ميل شديد. و الظّل الممدود الدائم الذي لا تنسخه الشمس. و شغرت الأرض كمنعت أي لم يبق بها أحد يحميها و يضبطها. و بلدة شاغرة برجلها إذا لم تمنع من غارة أحد. ]و قال ابن الأثير[ في ]مادّة »شغر« من[ النهاية قيل الشغر البعد. و قيل الاتساع و منه حديث علي عليه السلام ]»قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها«. و حديثه الآخر[ »فالأرض لكم شاغرة« أي واسعة. و القادة ولاة الأمر المستحقّون للإمارة و الرياسة. و تسلط السيوف إشارة إلى واقعة الحسين عليه السلام و ما كان من بني أميّة و غيرهم من القتل و سفك الدماء. و الثار طلب الدم. و المراد بكونه هنا كالحاكم في حقّ نفسه استيفاؤه الحقّ بنفسه من غير افتقار إلى بيّنة و حكم حاكم. و الضمير في ]قوله[ »تعرفنّها« راجع إلى الإمارة، أو إلى الدنيا كالضمائر المتقدّمة، و هو إخبار بانتقال الدولة عن بني أمية إلى بني العبّاس. و الطرف بالفتح نظر العين، يطلق على الواحد و غيره. و نفوذه في الخير رؤية المحاسن و اتّباعها. و وعى الحديث كرمى أي حفظه و تدبّره. و الامتياح نزول البئر و ملأ الدلو منها. و الترويق التصفية. و المراد ب »الواعظ« و »العين« ]خ »ل«[ نفسه صلوات اللّه عليه. و ركن كعلم و نصر و منع مال. و الهوى إرادة النفس. و الشفا شفير الشي‏ء و جانبه. و الجرف بالضمّ و بضمّتين ما تجرّفته السيول و أكلته من الأرض. و الهار الساقط الضعيف. و الردى جمع رداة بالفتح فيهما و هي الصخرة أي هو في تعب دائما. و فسّر هنا بالهلاك أيضا. و إلصاق ما لا يلتصق و تقريب ما لا يتقارب إثبات الباطل بحجج باطلة. و أشكاه أزال شكايته. و الشجو الهمّ و الحزن. و أبرم الأمر أي أحكمه. و ]أحكم[ الحبل أي جعله طاقين ثمّ فتله. و الغرض النهي عن اتّباع إمام لا يقدر على كشف المعضلات و حلّ المشكلات في المعاش و المعاد لقلّة البصيرة. و في بعض النسخ »و من ينقض« بدون »لا« فالمعنى لا تتّبعوا من ينقض برأيه الفاسد ما أحكمه الشرع. و السّهمان بالضمّ جمع سهم و هو الحظّ و النصيب و إيصالها إليهم. و صوّح النبات أي يبس و تشقّق أو جفّ أعلاه، و هو كناية عن ذهاب رونق العلم أو اختفاؤه أو مغلوبيّته. و المستثار مصدر بمعنى الاستثارة و هي الإنهاض و التهييج. و الترتيب بين الأمر بالتناهي لا بين النهي و التناهي. و لا يبعد حمله على ظاهر.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام و هي من خطب الملاحم الحمد للّه المتجلّي لخلقه بخلقه، الظاهر لقلوبهم بحجّته، خلق الخلق من غير رويّة، إذ كانت الرويّات لا تليق بذوي الضمائر، و ليس بذي ضمير في نفسه. خرق علمه باطن غيب السترات و أحاط بغموض عقائد السريرات. ]و[ منها في ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اختاره من شجرة الأنبياء و مشكاة الضياء و ذؤابة العلياء و سرّة البطحاء و مصابيح الظلمة و ينابيع الحكمة. ]و[ منها طبيب دوّار بطبّه، قد أحكم مراهمه، و أحمى مواسمه، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، و آذان صمّ، و ألسنة بكم، متّبع بدوائه مواضع الغفلة و مواطن الحيرة. لم يستضيئوا بأضواء الحكمة و لم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة، فهم في ذلك كالأنعام السائمة و الصخور القاسية. قد انجابت السّرائر لأهل البصائر، و وضحت محجّة الحقّ لخابطها، و أسفرت الساعة عن وجهها، و ظهرت العلامة لمتوسمها. ما لي أراكم أشباحا بلا أرواح و أرواحا بلا أشباح و نسّاكا بلا صلاح و تجارا بلا أرباح و أيقاظا نوّما و شهودا غيّبا و ناظرة عمياء و سامعة صمّاء و ناطقة بكماء. راية ضلالة قد قامت على قطبها، و تفرّقت بشعبها، تكيلكم بصاعها و تخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملّة على الضلّة، فلا يبقى يومئذ ]منكم[ إلّا ثفالة كثفالة القدر، أو نفاضة كنفاضة العكم، تعرككم عرك الأديم، و تدوسكم دوس الحصيد، و تستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطير الحبّة البطينة من بين هزيل الحبّ أين تذهب بكم المذاهب و تتيه بكم الغياهب و تخدعكم الكواذب و من أين تؤتون و أنّى تؤفكون ف لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ، و لكلّ غيبة إياب، فاستمعوا من ربّانيكم، و أحضروه قلوبكم، و استيقظوا إن هتف بكم، و ليصدق رائد أهله، و ليجمع شمله، و ليحضر ذهنه فلقد فلق لكم الأمر فلق الخرزة و قرفه قرف الصمغة. فعند ذلك أخذ الباطل مأخذه و ركب الجهل مراكبه، و عظمت الطّاغية و قلّت الدّاعية، و صال الدّهر صيال السّبع العقور، و هدر فنيق الباطل بعد كظوم، و تواخى النّاس على الفجور، و تهاجروا على الدّين، و تحابّوا على الكذب، و تباغضوا على الصّدق. فإذا كان ذلك كان الولد غيظا، و المطر قيضا، و تفيض اللئام فيضا، و تغيض الكرام غيضا. و كان أهل ذلك الزّمان ذئابا، و سلاطينه سباعا، و أوساطه أكّالا، و فقراؤه أمواتا، و غار الصّدق و فاض الكذب، و استعملت المودّة باللّسان، و تشاجر النّاس بالقلوب، و صار الفسوق نسبا، و العفاف عجبا، و لبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا

تبيين الملحمة هي الحرب أو الوقعة العظيمة فيها. و موضع القتال مأخوذ من اشتباك الناس فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى. و قيل ]هي مأخوذة[ من اللحم. و التجلّي الانكشاف. و الخلق الثاني يحتمل المصدر و المخلوق. و الرويّة التفكّر. و المراد بالضمير إمّا القلب أو ما يضمر من الصور. قوله عليه السّلام »في نفسه« أي كائن في نفسه أو في حدّ ذاته إذا تأمّل فيه متأمّل بنظر صحيح و الغامض من الأرض المطمئنّ. و من الكلام و غيره خلاف الواضح. و المشكاة كوّة غير نافذة يجعل فيها المصباح، أو عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، أو القنديل. و الذؤابة بالضمّ مهموزا الناصية أو منبتها من الرأس. و العلياء بالفتح و المدّ كلّ مكان مشرف، و السماء، و رأس الجبل. و سرّة البطحاء وسطها تشبيها بسرّة الإنسان. و البطحاء و الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى. قيل استعار ]عليه السلام[ الشجرة لصنف الأنبياء عليهم السلام و فروعها أشخاصهم و ثمرتها العلوم و الكمالات. و مشكاة الضياء لآل إبراهيم عليه السلام، و ذؤابة العلياء لقريش، و سرّة البطحاء لمكة، و المصابيح و الينابيع هم الأنبياء عليهم السلام. و المراد بالطبيب نفسه عليه السلام. و الدوران بالطبّ إتيان المرضى و تتّبعهم، فهو تعريض للأصحاب بقعودهم عمّا يجب عليهم. أو المراد بيان كمال الطبيب، فإنّ الدوّار أكثر تجربة من غيره كما قيل. و المرهم طلاء ليّن يطلى به الجرح مشتقّ من الرهمة بالكسر و هي المطر الضعيف و إحكامها إتقانها و منعها عن الفساد. و الوسم أثر الكي و الميسم بالكسر المكواة. و أحماها أي أسخنها و لعلّ إحكام المراهم إشارة إلى البشارة بالثواب، أو الأمر بالمعروف. و إحماء المواسم ]إشارة[ إلى الإنذار من العقاب، أو النهي عن المنكر و إقامة الحدود. و قدح بالزند كمنع رام الإيراء به و استخرج النار منه. و الزند بالفتح العود الذي يقدح به النار. و ثقبت النار اتقدت. و ثقب الكواكب أضاء. و القاسية الشديدة و الغليظة. و انجابت السحابة انكشفت. و المراد بالسرائر، ما أضمره المعاندون للحقّ في قلوبهم من إطفاء نور اللّه و هدم أركان الشريعة. و قيل إشارة إلى انكشاف ما يكون بعده لنفسه القدسية و لأهل البصائر من استيلاء بني أمية و عموم ظلمهم. أو انكشاف أسرار الشريعة لأهلها. و الخابط السائر على غير هدى و لعلّ المراد أنّ ضلالهم ليس لخفاء الحقّ، بل للإصرار على الشقاوة و النفاق. و سفر الصبح و أسفر أضاء و أشرق. و أسفرت المرأة كشفت عن وجهها. و المراد بإسفار الساعة و ظهور العلامة قرب القيامة بعدم بقاء نبيّ ينتظر بعثته، و ظهور الفتن و الوقائع التي هي من أشراطها. و الشبح بالتحريك سواد الإنسان و غيره تراه من بعيد. و المراد بكونهم أشباحا بلا أرواح تشبيههم بالجمادات و الأموات في عدم الانتفاع بالعقل، و عدم تأثير المواعظ فيهم كما قال تعالى كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. و أمّا كونهم أرواحا بلا أشباح فقيل المراد بيان نقصهم لأنّ الروح بلا جسد ناقصة عاطلة عن الأعمال. و قيل إشارة إلى خفّتهم و طيشهم في الأفعال. و قيل المراد أنّ منهم من هو كالجماد و الأموات، و منهم من له عقل و فهم و لكن لا قوّة له على الحرب، فالجميع عاطلون عمّا يراد بهم. و قيل المراد أنّهم إذا خافوا ذهلت عقولهم و طارت ألبابهم، فكانوا كأجسام بلا أرواح، و إذا أمنوا تركوا الاهتمام بأمورهم كأنّهم أرواح لا تعلّق لهم بالأجسام. و النسّاك العبّاد أي ليست عبادتهم مقرونة بالإخلاص و على الوجه المأمور به و مع الشرائط المعتبرة، فإنّ منها معرفة الإمام و طاعته. و كونهم تجارا بلا أرباح لعدم ترتّب الثواب على أعمالهم. و قوله عليه السلام »راية ضلالة« منقطع عمّا قبله التقطه السيّد ]الرّضي[ رضي اللّه عنه من كلامه ]عليه السلام[ على عادته، و كأنّه إشارة إلى

 ما يحدث في آخر الزمان من الفتن كظهور السفياني و غيره. و القطب حديدة تدور عليها الرحى، و ملاك الأمر و مداره و سيّد القوم. و قيامها على قطبها كناية عن انتظام أمرها و تفرّق شعبها عن انتشار فتنتها في الآفاق و تولّد فتن أخر عنها. و قيل ليس التّفرق للراية نفسها، بل لنصارها و أصحابها. و حذف المضاف، و معنى تفرقّهم أنّهم يدعون إلى تلك الدعوة المخصوصة في بلاد متفرّقة. ]قوله عليه السلام[ »و تكيلكم بصاعها« أي تأخذهم للإهلاك زمرة زمرة، كالكيّال يأخذ ما يكيله جملة جملة. أو يقهركم أربابها على الدخول في أمرهم، و يتلاعبون بكم يرفعونكم و يضعونكم كما يفعل كيّال البرّ بها إذا كاله بصاعه. أو تكيل لكم بصاعها على حذف اللام كما في قوله تعالى وَ إِذا كالُوهُمْ أي تحملكم على دينها و دعوتها، و تعاملكم بما يعامل به من استجاب لها أو تفرز لكم من فتنها شيئا و يصل إلى كلّ منكم نصيب منها. و الخبط بالفتح ضرب الشجر بالعصى ليتناثر ورقها، و خبط البعير الأرض بيده خبطا أي ضربها. و الكلام على الوجهين يفيد الذلّة و الانقهار. و القيام على الضّلّة الإصرار على الضلال. و ثفالة القدر بالضمّ ما ثفل فيه من الطبيخ، و هي كناية عن الأراذل و من لا ذكر له بين النّاس لعدم الاعتداد بقتلهم. و النفاضة بالضمّ ما سقط من النفض. و العكم بالكسر العدل، و نمط تجعل فيه المرأة ذخيرتها. ]و[ قال ]ابن الأثير[ في ]مادّة »عكم« من[ النهاية العكوم الأحمال التي تكون فيها الأمتعة و غيرها، واحدها عكم بالكسر، و منه حديث عليّ عليه السلام »نفاضة كنفاضة العكم«. انتهى. و المراد بها ما يبقى في العدل بعد التخلية من غبار أو بقيّة زاد لا يعبأ بها فتنفض. و عركه كنصره دلكه و حكّه. و الأديم الجلد أو المدبوغ منه. و داس الرجل الحنطة دقّها ليخرج الحبّ من السنبل. و الحصيد الزرع المقطوع. و استخلصه لنفسه أي استخصّه. و الغرض تخصيص المؤمن بالقتل و الأذى. و البطينة السمينة. و الهزيل ضدّ السمين. قوله عليه السلام »أين تذهب بكم« الباء في الموضعين للتعدية. و المذاهب الطرق و العقائد و إسناد الإذهاب إليها على التجوّز للمبالغة. و تاه يتيه تيها بالفتح و الكسر أي تحيّر و ضلّ. و الغيهب الظلمة و الشديد السواد من الليل. و الكواذب الأماني الباطلة و الأوهام الفاسدة. قوله ]عليه السّلام[ »و من أين تؤتون« على بناء المجهول أي من أيّ جهة و طريق يأتيكم من يضلّكم من الشياطين أو تلك الأمراض »و أنّى تؤفكون« أي أنّى تصرفون عن قصد السبيل و أين تذهبون قوله عليه السّلام »ف لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ« أي لكلّ أمد و وقت حكم مكتوب على العباد. و الإياب بالكسر الرجوع. قيل هذا الكلام منقطع عمّا قبله. و قيل تهديد بالإشارة إلى قرب الموت، و أنّهم بمعرض أن يأخذهم على غفلتهم. و الرّبّاني منسوب إلى الربّ، و فسر بالمتألّه العارف باللّه، أو الذي يطلب بعلمه وجه اللّه، أو العالم المعلّم، و المراد نفسه عليه السلام. و إحضار القلب الإقبال التامّ إلى كلامه و مواعظه. قوله عليه السلام »إن هتف بكم« بكسر الهمزة و في بعض النسخ

 بالفتح أي لهتافه بكم و هو الصيّاح. و الرائد الذي يتقدّم القوم يبصر لهم الكلاء و مساقط الغيث، و في المثل »لا يكذب الرّائد أهله«. و لعلّ المراد بالرائد نفسه عليه السلام أي وظيفتي و شأني الصدق فيما أخبركم به ممّا تردون عليه من الأمور المستقبلة في الدنيا و الآخرة، كما أنّ وظيفتكم الاستماع و إحضار القلب. و الشّمل ما تشتّت من الأمر و المراد به الأفكار و العزائم أي يجب علي التوجّه إلى نصحكم و تذكيركم بقلب فارغ عن الوساوس و الشواغل، و إقبال تامّ على هدايتكم. و يحتمل أن يراد بالشّمل من تفرّق من القوم في فيافي الضلالة. و الفاعل في ]قوله[ »فلق« هو الرائد. و قيل المراد بالرائد الفكر لكونه مبعوثا من قبل النفس في طلب مرعاها و ماء حياتها من العلوم و سائر الكمالات، فكنّى به عنه و أهله هو النفس، فكأنّه عليه السلام قال فلتصدق أفكاركم و متخيّلاتكم نفوسكم، و صدقها إيّاها تصرّفها على حسب إشارة العقل بلا مشاركة الهوى. أو المراد بالرائد أشخاص من حضر عنده، فإنّ كلا منهم له أهل و قبيلة يرجع إليهم، فأمرهم أن يصدقهم بتبليغ ما سمع على الوجه الذي ينبغي و النصيحة و الدعوة إليه. و قوله ]عليه السّلام[ »و ليجمع شمله« أي ما تفرّق و تشعّب من خواطره في أمور الدنيا و مهماتها. »و ليحضر ذهنه« أي يوجّهه إلى ما أقول. انتهى. و الفلق الشقّ. و الخرزة بالتحريك الجوهر. »و قرفه قرف الصمغة« أي قشره كما تقشر الصمغة من عود الشجرة و تقلع لأنّها إذا قلعت لم يبق لها أثر، و هذا مثل، و المعنى أوضح لكم أمر الفتن أو طريق الحقّ إيضاحا تامّا، فأظهر لكم باطن الأمر كما يرى باطن الخرزة بعد شقّها، و لا أدّخر عنكم شيئا بل ألقي الأمر بكلّيته إليكم. قوله عليه السّلام »فعند ذلك« قيل هو متّصل بقوله »من بين هزيل الحبّ«، فيكون التشويش من السيّد رضي اللّه عنه. و يمكن أن يكون إشارة إلى كلام آخر سقط من البين. ]قوله عليه السلام[ »و أخذ الشي‏ء مآخذه« أي تمكّن و استحكم. و الطاغية مصدر بمعنى الطغيان أو صفة محذوف أي الفئة الطاغية. و كذا الداعية تحتمل الوجهين. و في بعض النسخ »الرّاعية« بالراء المهملة. و الفنيق الفحل من الإبل »و هدر« ردّد صوته في حنجرته في غير شقشقة. و الكظوم الإمساك و السكوت. و كون الولد غيظا لكثرة العقوق أو لاشتغال كلّ امرئ بنفسه، فيتمنّى أن لا يكون له ولد. و المطر قيضا بالضاد المعجمة أي كثيرا. قيل إنّه من علامات تلك الشرور أو من أشرط الساعة. و قيل إنّه أيضا من الشرور إذا جاوز الحدّ. و في بعض النسخ بالظاء المعجمة و هو صميم الصيف و هو المطابق لما في النهاية، قال و منه حديث أشراط الساعة »أن يكون الولد غيضا و المطر قيضا« لأنّ المطر إنّما يراد للنبات و برد الهواء، و القيظ ضدّ ذلك انتهى. و حينئذ يحتمل أن يكون المراد تبدّل المطر بشدّة الحرّ و قلّة المطر، أو كثرته في الصيف دون الربيع و الشتاء. أو المراد أنّه يصير سببا لاشتداد الحرّ لكثرته في الصيف، إذ تثور به الأبخرة و يفسد الهواء، أو يصير على خلاف العادة سببا لشدّة الحرّ.

 »و تفيض اللئام« أي تكثر. و »تغيض الكرام« أي تقلّ. ]قوله عليه السلام[ »و أهل ذلك الزمان« أي أكابرهم. »أكّالا« بالضمّ و التشديد جمع آكل. و قال بعض الشارحين روي »أكالا« بفتح الهمزة و تخفيف الكاف يقال ما ذقت أكالا أي طعاما، و قال لم ينقل هذا إلّا في النفي، فالأجود الرواية الأخرى و هي »آكالا« بمدّ الهمزة على أفعال جمع أكل و هو ما أكل، و قد روي »أكالا« بضمّ الهمزة على فعال. و قالوا إنّه جمع آكل للمأكول كعرق و عراق، إلّا أنّه شاذّ أي صار أوساط الناس طعمة للولاة و أصحاب السلاطين كالفريسة للأسد. و غار الماء ذهب في الأرض. و فاض أي كثر حتّى سال. و في بعض النسخ »و فار الكذب«. قوله عليه السلام »و صار الفسوق نسبا« أي يحصل أنسابهم من الزنا. و قيل أي يصير الفاسق صديقا للفاسق حتّى يكون ذلك كالنسب بينهم. و أمّا لبسهم الإسلام لبس الفرو فالظاهر أنّ المراد به تبديل شرائع الإسلام و قلب أحكامه، أو إظهار النيّات الحسنة و الأفعال الحسنة و إبطان خلافها. و قيل وجه القلب، أنّه لمّا كان الغرض الأصلي من الإسلام أن يكون باطنا ينتفع به القلب و يظهر به منفعة، فقلّب المنافقون غرضه و استعملوه بظاهر ألسنتهم دون قلوبهم، فأشبه قلبهم له لبس الفرو، إذ كان أصله أن يكون حمله ظاهرا لمنفعة الحيوان الذي هو لباسه، فاستعمله الناس مقلوبا.

 نهج ]و[ خطبة له عليه السلام أمين وحيه و خاتم رسله و بشير رحمته و نذير نقمته. أيّها الناس إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، و أعملهم بأمر اللّه فيه. فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل. و لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى تحضرها عامّة الناس ما إلى ذلك سبيل، و لكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثمّ ليس للشاهد أن يرجع و لا للغائب أن يختار. ألّا و إنّي أقاتل رجلين رجلا ادّعى ما ليس له، و آخر منع الذي عليه. أوصيكم بتقوى اللّه، فإنّه خير ما تواصى العباد به و خير عواقب الأمور عند اللّه، و قد فتح باب الحرب بينكم و بين أهل القبلة، و لا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر و الصبر و العلم بمواقع الحق، فامضوا لما تؤمرون به وقفوا لما تنهون عنه، و لا تعجلوا في أمر حتّى تبيّنوا فإنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه غيرا. ألا و إنّ هذه الدّنيا الّتي أصبحتم تتمنّونها و ترغبون فيها و أصبحت تغضبكم و ترضيكم، ليست بداركم و لا منزلكم الذي خلقتم له و لا الذي دعيتم إليه. ألا و إنها ليست بباقية لكم و لا تبقون عليها، و هي و إن غرّتكم منها فقد حذرتكم شرّها، فدعوا غرورها لتحذيرها، و أطماعها لتخويفها، و سابقوا فيها إلى الدّار الّتي دعيتم إليها، و انصرفوا بقلوبكم عنها، و لا يخنّنّ أحدكم خنين الأمة على ما زوي عنه منها، و استتمّوا نعمة اللّه عليكم بالصبّر على طاعة اللّه، و المحافظة على ما استحفظكم من كتابه. ألا و إنّه لا يضرّكم تضييع شي‏ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم. ألا و إنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم، أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ و ألهمنا و إيّاكم الصبر.

إيضاح قوله عليه السّلام »بهذا الأمر« أي الخلافة. »أقواهم عليه« أي أحسنهم سياسة و أشجعهم، و ]هذا[ يدلّ على عدم جواز إمامة المفضول لا سيّما مع قوله عليه السلام »فان شغب... إلى آخره«. و الشغب بالتسكين تهييج الشر. و المراد بالاستعتاب طلب الرجوع بالمراسلة و الكلام و نحوهما. قوله عليه السلام »لئن كانت الإمامة« قال ابن أبي الحديد هذا تصريح بصحّة مذهب أصحابنا في أنّ الاختيار طريق إلى الإمامة، و يبطل قول الإمامية من دعوى النّصّ، و أنّه لا طريق إلى الإمامة سوى النصّ. انتهى. ]أقول[ و فيه نظر، أمّا أوّلا فلأنّه ]عليه السلام[ إنّما احتجّ عليهم بالإجماع، إلزاما لهم لاتّفاقهم على العمل به في خلافة أبي بكر و أخويه، و عدم تمسكه عليه السّلام بالنّصّ لعلمه عليه السلام بعدم التفاتهم إليه. كيف و قد أعرضوا عنه في أول الأمر مع قرب العهد بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و سماعهم عنه. و أمّا ثانيا فلأنّه عليه السلام لم يتعرض للنصّ نفيا و إثباتا، فكيف يكون مبطلا لما ادّعاه الإمامية من النصّ و العجب أنّه جعل هذا تصريحا بكون الاختيار طريقا إلى الإمامة و نفى الدّلالة في قوله عليه السلام »إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر...« على نفي إمامة المفضول مع قوله عليه السلام »فإن أبى قوتل«. مع أنّه لم يصرّح بأنّ الإمامة تنعقد بالاختيار، بل قال إنّها لا تتوقّف على حضور عامّة الناس، و لا ريب في ذلك نعم يدلّ بالمفهوم عليه و هذا تقيّة منه عليه السلام. و لا يخفى على من تتبّع سيره عليه السلام أنّه لم يمكنه إنكار خلافتهم و القدح فيها صريحا في المجامع، فلذا عبّر بكلام موهم لذلك. قوله عليه السلام »و أهلها يحكمون« و إن كان موهما له أيضا، لكن يمكن أن يكون المراد بالأهل الأحقّاء بالإمامة. و لا يخفى على المتأمّل أنّ ما مهد عليه السلام أوّلا بقوله »إنّ أحقّ الناس أقواهم« يشعر بأنّ عدم صحّة رجوع الشاهد و اختيار الغائب، إنّما هو في صورة الاتّفاق على الأحقّ دون غيره، فتأمّل. قوله عليه السّلام »رجلا ادّعى« كمن ادعى الخلافة. »و آخر منع« كمن لا يطيع الإمام أو يمنع حقوق اللّه. »و خير عواقب الأمور« عاقبة كلّ شي‏ء آخره. و التقوى خير ما ختم به العمل في الدنيا أو عاقبتها خير العواقب. و قوله عليه السّلام »هذا العلم« بكسر العين أو بالتحريك كما في بعض النسخ، فعلى الأوّل المعنى أنّه لا يعلم وجوب قتال أهل القبلة و موقعه و شرائطه. و على الثّاني إشارة إلى حرب أهل القبلة و القيام به. و يحتمل على بعد أن يراد به الإمامة المشار إليها بقوله »أحقّ النّاس بهذا الأمر« فيكون إشارة إلى بطلان خلافة غير أهل البصر و الصبر و العلم بمواقع الحقّ. قال ابن أبي الحديد و ذلك لأنّ المسلمين عظم عندهم حرب أهل القبلة و أكبروه، و من أقدم منهم عليه أقدم مع خوف و حذر. قال الشّافعي لو لا علي عليه السلام لما علم شي‏ء من أحكام أهل البغي. قوله عليه السّلام »فإنّ لنا« قال ابن ميثم أي إنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه تغييرا أي قوّة على التغيير، إن لم يكن في ذلك الأمر مصلحة في نفس الأمر، فلا تتسرّعوا إلى إنكار أمر نفعله حتّى تسألوا عن فائدته، فإنّه يمكن أن يكون إنكاركم لعدم علمكم بوجهه. ]و[ قال ابن أبي الحديد أي لست كعثمان أصبر على ارتكاب ما أنهى

 عنه، بل أغيّر كلّما ينكره المسلمون و يقتضي الحال و الشرع تغييره. انتهى. و يمكن أن يكون المعنى أنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه تغييرا أي ما يغيّر إنكاركم و يمنعكم عنه من البراهين الساطعة أو الأعمّ منها، و من السيوف القاطعة إن لم تنفعكم البراهين. و في ذكر إغضاب الدنيا توبيخ لأهلها بالرغبة في شي‏ء لا يراعي حقّهم كما قال عليه السلام »رغبتك في زاهد فيك ذلّ نفس«. و غرور الدنيا بتزيين الزخارف لأهلها و إغفالهم عن الفناء و تحذيرها بما أراهم من الفناء و فراق الأحبّة و نحو ذلك. و الدار التي دعوا إليها هي الجنّة. قوله عليه السلام »و لا يخنّن أحدكم« الخنين بالخاء المعجمة ضرب من البكاء دون الانتحاب. و أصله خروج الصوت من الأنف كالحنين من الفم. و يروى بالمهملة أيضا، و إضافته إلى الأمة لأنّ الإماء كثيرا ما يبكين و يسمع الحنين منهنّ، و الحرّة تأنف من البكاء و الحنين. و زواه عنه صرفه و قبضه. و في بعض النسخ »ما زوي عنه« أي عن أحدكم و لعلّه أظهر. و الصبر على الطاعة حبس النفس عليها كقوله تعالى وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ، أو عدم الجزع من شدّتها أو من البلايا إطاعة للّه، و على أيّ حال هو من الشكر الموجب للمزيد فيه بطلب تمام النعمة. و »من« في قوله »من كتابه« بيان ل »ما«. و القائمة واحدة قوائم الدواب. و قائمة السيف مقبضه. و لعلّ المراد بقائمة الدّين. أصوله و ما يقرب منها، و يحتمل أن تكون الإضافة بيانيّة، فإنّ الدين بمنزلة القائمة لأمور الدنيا و الآخرة.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام أرسله على حين فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، و طول هجعة من الأمم، و اعتزام من الفتن، و انتشار من الأمور و تلظّ من الحروب، ]و[ الدّنيا كاسفة النّور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، و إياس من ثمرها، و اغورار من مائها، قد درست أعلام الهدى، و ظهرت أعلام الرّدى، فهي متجهّمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، و طعامها الجيفة، و شعارها الخوف، و دثارها السيّف. فاعتبروا عباد اللّه و اذكروا تيك الّتي آباؤكم و إخوانكم بها مرتهنون و عليها محاسبون، و لعمري ما تقادمت بكم و لا بهم العهود، و لا خلت فيما بينكم و بينهم الأحقاب و القرون، و ما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد. و اللّه ما أسمعكم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله شيئا إلّا و ها أنا ذا اليوم مسمعكموه، و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعكم بالأمس، و لا شقّت لهم الأبصار و جعلت لهم الأفئدة في ذلك الأوان إلّا و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان. و و اللّه ما بصّرتم بعدهم شيئا جهلوه، و لا أصفيتم به و حرموه، و لقد نزلت بكم البليّة جائلا خطامها، رخوا بطانها، فلا يغرّنكم ما أصبح فيه أهل الغرور، فإنّما هو ظلّ ممدود إلى أجل معدود.

بيان »فترة ]من الرسل« الفترة[ بين الرسل انقطاع الوحي و الرسالة. و الهجعة النومة من الليل أو من أوّله. و المراد نوم غفلة الأمم. و الاعتزام العزم، كأن الفتنة مصمّمة للفساد و الهرج. و الاعتزام أيضا لزوم القصد في المشي، فالمعنى أنّها مقتصدة في مشيها لاطمئنانها و أمنها. و يروى ]»و اعترام من الفتن«[ بالراء المهملة أي كثرة ]من الفتن.[. و يروى »]و[ اعتراض« من اعترض الفرس في الطريق إذا مشى عرضا. و التّلظّي التلهّب. و في إضافة الكسف إلى النور توسّع. و غار الماء ذهب و كذا اغوراره ذهابه في الأرض. و التجهّم العبوس. و طعامها الجيفة أي الحرام لأنّهم كانوا يأخذونه بالنهب و الغارات. أو الميتة لأنّهم لم يكونوا يذبحون الحيوانات، و لمّا كان الخوف باطنا شبّهه بالشعار و السيف ظاهرا شبّهه بالدثار. و »تيك« إشارة إلى الدنيا أو أعمالهم القبيحة و »الأحقاب« جمع حقب بضمّتين و هو الدهر. »و و اللّه ما بصرّتم« لمّا بيّن عليه السلام أوّلا أنّه لم تكن الهداية للسابقين أكمل من جهة الفاعل و لا القابل فقطع عذر الحاضرين من هذه، و كان مظنّة أن يدّعي مدّع منهم العلم بأمر يقتضي العدول عن المتابعة لم يعلم به آباؤهم، دفع عليه السلام ذلك التوهّم بهذا الكلام. و الصفيّ ما يصفه الرئيس من المغنم لنفسه قبل القسمة. و لعلّ المراد بالبليّة فتنة معاوية. و قوله عليه السلام »جائلا خطامها« كناية عن خطرها و صعوبة حالها ]بالنسبة إلى[ من ركن إليها و ركبها، أو عن كونها مالكة لأمرها، فإنّ البعير إذا لم يكن له من يقوده يجول خطامه و الخطام الزمام. و البطان الحزام التي تجعل تحت بطن البعير، رخاوتها مستلزمة لصعوبة ركوبها. و تشبيه الدنيا و زخارفها بالظلّ لعدم تأصّله في الوجود و لكونه زائلا بسرعة. و الأجل مدّة العمر، و وصفها بالمعدود باعتبار أجزائه و كونه منتهى غاية المدّ على تقدير مضاف أي ممدود إلى انقضاء أجل معدود. و يحتمل أن يكون المراد بالأجل غاية العمر، و وصفه بالمعدود على المجاز.

 يف محمد بن محمد النيسابوري، بإسناد متّصل إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن جدّه عليه السلام أنّ عليا كان في حلقة من رجال قريش ينشدون الأشعار و يتفاخرون حتّى بلغوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا قل يا أمير المؤمنين فقد قال أصحابك. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام

اللّه وفّقنا لنصر محمد و بنا أقام دعائم الإسلام‏و بنا أعزّ نبيّه و كتابه و أعزّنا بالنصر و الإقدام‏في كلّ معركة تطير سيوفنا فيها الجماجم عن فراش الهام‏ينتابنا جبريل في أبياتنا بفرائض الإسلام و الأحكام‏فنكون أوّل مستحلّ حلّه و محرّم للّه كلّ حرام‏نحن الخيار من البريّة كلّها و إمامها و إمام كلّ إمام‏الخائضون غمار كلّ كريهة و الضامنون حوادث الأيّام‏إنّا لنمنع من أردنا منعه و نجود بالمعروف و الإنعام

فقالوا يا أبا الحسن ما تركت لنا شيئا نقوله.

بيان الأبيات موجودة في الديوان و زاد بعد السابع

و المبرمون قوى الأمور بعزّة و الناقضون مرائر الإبرام

و ]زاد[ بعد الأخير

و تردّ عادية الخميس سيوفنا و نقيم رأس الأصيد القمقام

و الدعامة بالكسر عماد البيت. و فراش الرأس عظام دقاق تلي القحف. و في الديوان »فراخ الهام«. و قال ]الجوهري[ في ]كتاب[ الصحاح، و قول الفرزدق

و يوم جعلنا البيض فيه لعامر مصمّمة تفأى فراخ الجماجم

يعني به الدماغ. ]و بدل[ قوله عليه السّلام »ينتابنا« ]ورد[ في الديوان »يزورنا«. ]و بدل[ قوله عليه السّلام »و إمامها« ]ورد[ في الديوان

»و نظامها و زمام كلّ زمام«

]و بدل قوله »الخائضون غمار..« ورد في الديوان[

»الخائضو غمرات كل كريهة«

و القوى جمع القوة و هي الطاقة من الحبل. و المرير من الحبال ما لطف و طال و اشتدّ فتله، و الجمع المرائر. و العادية الظلم و الشرّ. و في بعض النسخ ]الغادية[ بالمعجمة و هي سحابة تنشأ سحابا. و الأصيد الملك. و القمقام السيّد.

 ختص أحمد بن محمد بن عيسى عن عمر بن عبد العزيز عن غير واحد ]من أصحابنا[ منهم بكار بن كردم و عيسى بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قالوا سمعناه يقول جاءت امرأة متنقّبة و أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر، و قد قتل أخاها و أباها فقالت هذا قاتل الأحبّة. فنظر إليها أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا سلفع يا جرية يا بذيّة يا متكبّرة، يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هنها شي‏ء بيّن مدلى. فمضت ]المرأة[ و تبعها عمرو بن حريث و كان عثمانيا فقال يا أيّتها المرأة إنّا لا نزال يسمعنا ]عليّ[ العجائب، ما ندري حقّها من باطلها، و هذه داري فادخلي فإنّ لي أمّهات أولاد حتّى ينظرن حقّا ما قال أم باطلا و أهب لك شيئا. فدخلت ]المرأة بيت عمرو[ فأمر أمّهات أولاده فنظرن إليها، فإذا شي‏ء على ركبها مدلّى فقالت يا ويلها اطّلع منها علي بن أبي طالب على شي‏ء لم تطلع ]عليه[ إلّا أمّي أو قابلتي. قال و وهب لها عمرو بن حريث شيئا.

بيان إنّما قالت المرأة »يا ويلتي اطّلع منّي« فغيّره ]الصادق[ عليه السلام ذلك لئلا ينسب إلى نفسه الويل و ما يستهجن، و قد مرّ مثله مرارا و سيأتي الخبر في إخباره عليه السلام بالغائبات.

 ختص اليقطيني و إبراهيم بن إسحاق عن عبد اللّه بن حمّاد عن الحارث بن حصيرة عن ابن نباتة قال كنّا وقوفا على أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة و هو يعطي العطاء في المسجد، إذ جاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين أعطيت العطاء جميع الأحياء ما خلا هذا الحيّ من مراد لم تعطهم شيئا فقال ]لها[ اسكتي يا جريئة يا بذيئة يا سلفع يا سلقلق يا من لا تحيض كما تحيض النساء قال فولّت فخرجت من المسجد فتبعها عمرو بن حريث فقال لها أيّتها المرأة قد قال علي فيك ما قال أ فصدق عليك فقالت و اللّه ما كذب و إنّ كل ما رماني به لفيّ و ما أطلع علي أحد إلّا اللّه الذي خلقني و أمّي التي ولدتني. فرجع عمرو بن حريث فقال يا أمير المؤمنين تبعت المرأة فسألتها عمّا رميتها به في بدنها، فأقرّت بذلك كلّه، فمن أين علمت ذلك فقال ]عليه السلام[ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علّمني ألف باب من الحلال و الحرام، يفتح ]من[ كلّ باب ألف باب، حتّى علمت المنايا و الوصايا و فصل الخطاب و حتّى علمت المذكّرات من النساء، و المؤنّثين من الرجال.

 ختص عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان عن أبيه عن هارون بن الجهم عن ابن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال بينا أمير المؤمنين عليه السلام يوما جالسا في المسجد و أصحابه حوله، فأتاه رجل من شيعته فقال له يا أمير المؤمنين إنّ اللّه يعلم أنّي أدينه بولايتك و أحبّك في السرّ كما أحبّك في العلانية، و أتولّاك في السّر كما أتولاك في العلانية. فقال له أمير المؤمنين ]عليه السلام[ صدقت، أما للفقر فاتّخذ جلبابا، فإنّ الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي قال فولّى الرجل و هو يبكي فرحا لقول أمير المؤمنين ]عليه السلام له[ »صدقت« قال و كان هناك رجل من الخوارج و صاحب له قريبا من أمير المؤمنين، فقال أحدهما اللّه إن رأيت كاليوم قطّ، إنّه أتاه رجل فقال له إنّي أحبّك فقال له صدقت. فقال له الآخر ما أنكرت من ذلك أ يجد بدّا من أن إذا قيل ]له[ »إنّي أحبّك« أن يقول صدقت أ تعلم أنّي أحبّه فقال لا. قال فأنا أقوم فأقول له مثل ما قال له الرجل فيردّ عليّ مثل ما ردّ عليه. قال نعم. فقام الرجل فقال له مثل مقالة الرجل الأوّل، فنظر ]أمير المؤمنين[ إليه مليّا ثم قال كذبت لا و اللّه ما تحبّني و لا أحببتني ]يوما[. قال فبكى الخارجي ثمّ قال يا أمير المؤمنين تستقبلني بهذا و قد علم اللّه خلافه ابسط يدك أبايعك. فقال عليّ على ما ذا قال على ما عمل به أبو بكر و عمر. قال فمدّ يده فقال له اصفق لعن اللّه الاثنين و اللّه لكأنّي بك قد قتلت على ضلال و وطئ وجهك دوابّ العراق و لا يعرفك قومك. قال فلم يلبث أن خرج عليه أهل النهروان و خرج الرجل معهم فقتل.

 كتاب سليم بن قيس، عن أبان عنه أنّه قال صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال أيّها الناس أنا الذي فقأت عين الفتنة، و لم يكن ليجترئ عليها غيري. و ايم اللّه لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل، و لا أهل صفّين، و لا أهل النهروان. و ايم اللّه لو لا أن تتّكلوا و تدعوا العمل، لحدّثتكم بما قضى اللّه على لسان نبيّه ]محمّد[ صلّى اللّه عليه و آله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم، عارفا بالهدى الذي نحن عليه. ثمّ قال سلوني عمّا شئتم قبل أن تفقدوني، فو اللّه إنّي بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض. أنا يعسوب المؤمنين، و أوّل السابقين، و إمام المتّقين، و خاتم الوصيّين، و وارث النبيّين و خليفة ربّ العالمين. أنا ديّان الناس يوم القيامة، و قسيم اللّه بين أهل الجنّة و النار. و أنا الصدّيق الأكبر، و الفاروق الذي أفرّق بين الحقّ و الباطل، و إنّ عندي علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب، و ما من آية نزلت إلّا و قد علمت فيما نزلت و على من نزلت. أيّها النّاس إنّه وشيك أن تفقدوني، إنّي مفارقكم، و إنّي ميّت أو مقتول، ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها و في رواية أخرى ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا يعني لحيته من دم رأسه. و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة و في نسخة أخرى و الذي نفسي بيده لا تسألوني عن فئة تبلغ ثلاثمائة فما فوقها مما بينكم و بين قيام الساعة، إلّا أنبأتكم بسائقها و قائدها و ناعقها، و بخراب العرصات، متى تخرب، و متى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة. فقام رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن البلايا. فقال ]عليه السلام[ إذا سأل سائل فليعقل، و إذا سئل ]مسئول[ فليتثبّت، إنّ من ورائكم أمورا ملتجّة مجلجلة، و بلاء مكلحا مبلحا. و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لو قد فقدتموني و نزلت عزائم الأمور و حقائق البلاء، لقد أطرق كثير من السائلين، و اشتغل كثير من المسئولين و في نسخة أخرى و فشل كثير من المسئولين و ذلك إذا ظهرت حربكم و نصلت عن ناب، و قامت على ساق، و صارت الدنيا بلاء عليكم حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار. فقال رجل يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن. فقال ]عليه السلام[ إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت و في رواية أخرى اشتبهت و إذا أدبرت أسفرت. و إنّ الفتن لها موج كموج البحر، و إعصار كإعصار الريح، تصيب بلدا و تخطئ الآخر. فانظروا أقواما كانوا أصحاب رايات يوم بدر، فانصروهم تنصروا و توجروا و تعذروا. ألا ]و[ إنّ أخوف الفتن عليكم عندي فتنة بني أميّة، ]ف[ إنّها فتنة عمياء و صمّاء، مطبقة مظلمة عمّت فتنتها و خصّت بليّتها، أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء من عمي عنها، أهل باطلها ظاهرون على ]أهل[ حقّها، يملئون الأرض بدعا و ظلما و جورا و أوّل من يضع جبروتها و يكسر عمودها. و ينزع أوتادها، اللّه ربّ العالمين و قاصم الجبّارين. ألا ]و[ إنّكم ستجدون بني أميّة أرباب سوء بعدي، كالناب الضروس

 تعضّ بفيها، و تخبط بيديها، و تضرب برجليها، و تمنع درّها. و ايم اللّه لا تزال فتنتهم حتّى لا يكون نصرة أحدكم لنفسه إلّا كنصرة العبد لنفسه من سيّده، إذا غاب سبّه، و إذا حضر أطاعه. و في رواية أخرى يسبّه في نفسه. و في رواية و ايم اللّه لو شردوكم تحت كلّ كوكب لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم. فقال الرجل فهل من جماعة يا أمير المؤمنين بعد ذلك قال إنّها ستكونون جماعة شتّى، عطاؤكم و حجّكم و أسفاركم ]واحدة[ و القلوب مختلفة قال واحد ]منهم[ كيف تختلف القلوب قال هكذا و شبّك بين أصابعه ثمّ قال يقتل هذا هذا، و هذا هذا، هرجا هرجا و يبقى طغاما، جاهليّة ليس فيها منار هدى، و لا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة و لسنا فيها بدعاة. قال ]الرجل[ فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين قال انصروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا و إن استنصروكم فانصروهم تنصروا و تعذروا، فإنّهم لن يخرجوكم من هدى و لن يدعوكم إلى ردى، و لا تسبقوهم بالتقدّم فيصرعكم البلاء و تشمت بكم الأعداء. قال ]الرجل[ فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين قال يفرّج اللّه البلاء برجل من أهل بيتي كانفراج الأديم من بيته، ثمّ يرفعون إلى من يسومهم خسفا و يسقيهم بكأس مصبّرة، لا يعطيهم و لا يقبل منهم إلّا السيف هرجا هرجا، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، حتّى تودّ قريش بالدنيا و ما فيها أن يروني في مقام واحد، فأعطيهم و آخذ منهم بعض ما قد منعوني و أقبل عنهم بعض ما يردّ عليهم حتّى يقولوا ما هذا من قريش، لو كان هذا من قريش و من ولد فاطمة لرحمنا. و يغريه اللّه ببني أميّة فجعلهم ]اللّه[ » مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا«. أمّا بعد فإنّه لا بدّ من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها، ألا و إنّ لطحنها روقا، و إنّ روقها حدّها و على اللّه فلّها. ألا و إنّي و أبرار عترتي و أطائب أرومتي أحلم الناس صغارا و أعلمهم كبارا، معنا راية الحقّ و الهدى، من سبقها مرق، و من خذلها محق و من لزمها لحق. و في رواية أخرى و من لزمها سبق. إنّا أهل بيت من علم اللّه علمنا و من حكم اللّه الصادق قيلنا، و من قول الصادق سمعنا، فإنّ تتّبعونا تهتدوا ببصائرنا، و إن تتولّوا عنّا يعذّبكم اللّه بأيدينا أو بما شاء. نحن أفق الإسلام بنا يلحق المبطئ و إلينا يرجع التائب.

 و اللّه لو لا أن تستعجلوا و يتأخّر الحقّ، لنبأتكم بما يكون في شباب العرب و الموالي، فلا تسألوا أهل بيت نبيّكم محمد العلم قبل إبّانه، و لا تسألوهم المال على العسر فتبخّلوهم فإنّه ليس منهم البخل. و كونوا أحلاس البيوت و لا تكونوا عجلا بذرا، ]و[ كونوا من أهل الحقّ تعرفوا به و تتعارفوا عليه، فإنّ اللّه خلق الخلق بقدرته و جعل بينهم الفضائل بعلمه، و جعل منه عبادا اختارهم لنفسه ليحتجّ بهم على خلقه، فجعل علامة من أكرم منهم طاعته، و علامة من أهان منهم معصيته، و جعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن و الخلد الذي لا يروع أهله، و جعل عقوبة معصيته نارا تأجّج لغضبه، ]وَ[ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ تعالى وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. يا أيّها الناس إنّا أهل بيت بنا بيّن اللّه الكذب، و بنا يفرّج اللّه الزمان الكلب، و بنا ينزع اللّه ربق الذلّ من أعناقكم، و بنا يفتح اللّه و بنا يختم اللّه. فاعتبروا بنا و بعدوّنا و بهدانا و بهداهم و بسيرتنا و سيرتهم و منيّتنا و منيّتهم، يموتون بالدال و القرح و الدبيلة، و نموت بالبطن و القتل و الشهادة و بما شاء اللّه. ثمّ التفت إلى بنيه فقال يا بنيّ ليبرّ صغاركم كباركم، و ليرحم كباركم صغاركم، و لا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة الجهّال الذي لا يعطون في اللّه اليقين، كقيض بيض في أداح. ألا ويح للفراخ فراخ آل محمد من خلف مستخلف عتريف مترف، يقتل خلفي و خلف الخلف بعدي. أما و اللّه لقد علمت تبليغ الرسالات، و تنجيز العدات، و تمام الكلمات، و فتحت لي الأسباب، و أجري لي السحاب، و نظرت في الملكوت، لم يعزب عنّي شي‏ء فات و لم يفتني ما سبقني، و لم يشركني أحد فيما أشهدني ربّي، أقوم به يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ، و بي يتمّ اللّه موعده و يكمل كلماته. و أنا النعمة التي أنعمها اللّه على خلقه، و الإسلام الذي ارتضاه لنفسه، كلّ ذلك منّ اللّه به عليّ و أذلّ به منكبي. و ليس إمام إلّا و هو عارف بأهل ولايته، و ذلك قول اللّه جلّ و عزّ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ. ثم نزل ]عن المنبر[ صلّى اللّه عليه و على آله الطاهرين الأخيار و سلّم تسليما كثيرا.

 كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي عن إسماعيل بن أبان عند عبد الغفّار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن زرّ بن حبيش قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يخطب.

 قال إبراهيم و أخبرني أحمد بن عمران بن محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن زرّ بن حبيش، قال خطب عليّ عليه السلام بالنهروان ]...[. و ساق الحديث نحو حديث سليم إلى قوله وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.

بيان قوله ]عليه السلام[ »أمورا ملتجّة« قال الجوهري التجّت الأصوات اختلطت. و لججت السفينة خاضت اللجّة. و التجّ البحر التجاجا ]اضطرب و هاج و غمر[. و في بعض النسخ ]»ملبّجة«[ بالباء الموحّدة قال الجوهري لبجت به الأرض إذا جلدت به الأرض ]و صرعته[. و قال الجلجل واحد الجلاجل، و صوته الجلجلة و صوت الرعد أيضا. و المجلجل السحاب الذي فيه صوت الرعد. و جلجلت الشي‏ء إذا حرّكته بيدك. و تجلجل أي ساخ فيها و دخل. و تجلجلت قواعد البيت أي تضعضعت. و قال الفيروزآبادي كلح كمنع تكشّر في عبوس كتكلّح و أكلح و أكلحته، و دهر كالح شديد. و قال بلح الرجل بلوحا أعيا كبلّح ]تبليحا[ و ]بلح[ الماء ذهب. و البلوح البئر الذاهبة الماء و بلحت خفارته إذا لم تف. و البالح الأرض لا تنبت شيئا. قوله »و نصلت« أي خرجت كاشفا عن ناب. قال الجوهري نصل الحافر خرجت عن موضعه. و في بعض النسخ »و قلصت« بالتخفيف أو التشديد، يقال قلص الشي‏ء ارتفع و قلّص و تقلّص كلّه، بمعنى انضمّ و انزوى. يقال قلصت شفته أي انزوت. و ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس هرج الناس يهرجون وقعوا في فتنة و اختلاط و قتل. ]قوله عليه السلام[ »و إنّ لطحنها روقا« أي حسنا و إعجابا. »و إنّ روقها حدّها« أي إذا صارت ]الدنيا[ بحيث أعجبت الناس فهو نهايتها و وقت انقضائها. »و لازم على اللّه فلّها« أي كسرها. و الأرومة كالأكولة و قد تضمّ الأصل. و »البذر« بضمّتين جمع البذور و هو الذي يزيع الأسرار. و النضرة الحسن و الرونق ]و الكلام[ إشارة إلى قوله ]تعالى[ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ. قوله ]عليه السلام[ »لا يروّع أهله« أي لا يفزع و لا يخاف. و في بعض النسخ ]لا يروغ[ بالغين المعجمة أي لا يحيد و لا يميل أهلها عنها. و قال ]ابن الأثير[ في النهاية الدبيلة خراج و دمّل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا. و ]أيضا[ قال ]ابن الأثير[ في حديث علي عليه السلام »لا تكونوا كقيض بيض في أداح يكون كسرها وزرا و يخرج حضائها شرّا«. القيض قشر البيض. و الأداحي جمع الأدحي و هو الموضع الذي تبيض فيه النعامة و تفرخ، و هو أفعول من »دحوت« لأنّها تدحوه برجلها أي تبسطه ثم تبيض فيه. و قال الجوهري »ويح« كلمة رحمة و »ويل« كلمة عذاب. و قال اليزيدي هما بمعنى واحد تقول ويح لزيد و ويل لزيد ترفعهما على الابتداء. و قال الخلف القرن بعد القرن، و الخلف ما جاء من بعد يقال هو خلف سوء من أبيه و خلف صدق من أبيه بالتحريك إذا قام مقامه. و قال هما سواء منهم من يحرّك و منهم من يسكّن فيهما جميعا. و الخلف أيضا ما استخلفته من شي‏ء. و يقال القوم خلفة أي يختلفون. أقول المراد بالخلف إمّا معاوية أو يزيد. و قال ]الجوهري[ في الصحاح رجل عتريف أو عتروف أي خبيث فاجر جري‏ء ماض. و قال أترفته النعمة أطغته. ]قوله عليه السلام[ »و أذلّ به منكبي« لعلّه كناية عن كثرة الحمل و ثقله. أو المعنى أنّ مع تلك الفضائل رفع التكبّر و الترفّع عنّي.

 يج روي عن الأصبغ بن نباتة قال دخلت في بعض الأيّام على أمير المؤمنين عليه السلام في جامع الكوفة، فإذا بجمّ غفير و معهم عبد أسود فقالوا يا أمير المؤمنين هذا العبد سارق. فقال له الإمام أ سارق أنت يا غلام فقال له نعم. فقال له مرّة ثانية أ سارق أنت يا غلام فقال نعم يا مولاي. فقال له الإمام عليه السلام إن قلتها ثالثة قطعت يمينك فقال أ سارق أنت يا غلام قال نعم يا مولاي. فأمر الإمام بقطع يمينه فقطعت، فأخذها بشماله و هي تقطر دما، فلقيه ابن الكوّاء و كان يشنأ أمير المؤمنين عليه السلام فقال له من قطع يمينك قال قطع يميني الأنزع البطين، و باب اليقين، و حبل اللّه المتين، و الشافع يوم الدين المصلّي إحدى و خمسين. قطع يميني إمام التقى، و ابن عمّ المصطفى، شقيق النبيّ المجتبى، ليث الثرى غيث الورى، حتف العدى، و مفتاح الندى، و مصباح الدجى. قطع يميني إمام الحقّ، و سيّد الخلق، ]و[ فاروق الدين، و سيّد العابدين و إمام المتّقين، و خير المهتدين، و أفضل السابقين، و حجّة اللّه على الخلق أجمعين. قطع يميني إمام حظّيّ بدريّ أحديّ مكيّ مدنيّ أبطحيّ هاشميّ قرشيّ أريحيّ مولويّ طالبيّ جريّ قوي لوذعيّ الوليّ الوصيّ. قطع يميني داحي باب خيبر، و قاتل مرحب و من كفر، و أفضل من حجّ و اعتمر، و هلّل و كبّر، و صام و أفطر، و حلق و نحر. قطع يميني شجاع جريّ، جواد سخيّ، بهلول شريف الأصل ]الأصول »خ«[ ابن عمّ الرسول، و زوج البتول و سيف اللّه المسلول، المردود له الشمس عند الأفول. قطع يميني صاحب القبلتين، الضارب بالسيفين، الطاعن بالرمحين، ]و[ وارث المشعرين، الذي لم يشرك باللّه طرفة عين، أسمح كلّ ذي كفّين، و أفصح كلّ ذي شفتين، أبو السيّدين الحسن و الحسين. قطع يميني عين المشارق و المغارب، تاج لئويّ بن غالب، أسد اللّه الغالب، عليّ بن أبي طالب عليه من الصلوات أفضلها و من التحيّات أكملها. فلمّا فرغ الغلام عن الثناء و مضى لسبيله، دخل عبد اللّه بن الكوّاء على الإمام عليه السلام فقال له السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال له أمير المؤمنين السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى و خشي عواقب الردى. فقال له ]ابن الكواء[ يا أبا الحسنين قطعت يمين غلام أسود و سمعته يثني عليك بكلّ جميل. فقال و ما سمعته يقول قال كذا و كذا. و أعاد عليه جميع ما قال الغلام. فقال الإمام عليه السلام لولديه الحسن و الحسين امضيا و أتياني بالعبد. فمضيا في طلبه في كندة فقالا له أجب أمير المؤمنين يا غلام. فلمّا مثل بين يدي أمير المؤمنين قال له قطعت يمينك و أنت تثني عليّ بما قد بلغني فقال يا أمير المؤمنين ما قطعتها إلّا بحقّ واجب أوجبه اللّه و رسوله. فقال الإمام أعطني الكفّ فأخذ الإمام الكفّ و غطّاه بالرداء، و كبّر و صلّى ركعتين، و تكلّم بكلمات و سمعته يقول في آخر دعائه آمين رب العالمين. و ركّبه على الزند و قال لأصحابه اكشفوا الرداء عن الكفّ. فكشفوا الرداء عن الكفّ و إذا الكفّ على الزند بإذن اللّه. ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام أ لم أقل لك يا ابن الكوّاء إنّ لنا محبّين لو قطعنا الواحد منهم إربا إربا ما ازدادوا إلّا حبا، و لنا مبغضين لو ألعقناهم العسل ما ازدادوا إلّا بغضا، و هكذا من يحبّنا ينال شفاعتنا يوم القيامة.

بيان الشرى طريق في ]بادية[ سلمى كثير الأسد. و الحظيّ ذو الحظوة و هي المنزلة و المكانة. و الأريحيّ الواسع الخلق. و اللوذعيّ الظريف الحديد الفؤاد. و البهلول من الرجال الضحّاك.

 يج روي أنّ خارجيا اختصم في رجل آخر إلى عليّ عليه السلام فحكم بينهما، فقال الخارجي لا عدلت في القضيّة. فقال عليه السلام اخسأ يا عدوّ اللّه. فاستحال ]الخارجي[ كلبا و طار ثيابه في الهواء، فجعل يبصبص و تدمع عيناه فرّق له و دعا له، فأعاده إلى حال الإنسانيّة و تراجعت من الهواء ثيابه، فقال عليّ عليه السلام إنّ آصف وصيّ سليمان قد صنع نحوه فقصّ اللّه عنه ]بقوله[ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أيّما أكرم على اللّه نبيّكم أم سليمان قالوا نبيّنا. فقيل له ما حاجتك في قتال معاوية إلى الأنصار قال إنّما أدعو هؤلاء لثبوت الحجّة و كمال المحنة، و لو أذن لي في الدعاء بهلاكه لما تأخّر.