باب 5- باب فيه ذكر أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام الذين كانوا على الحقّ و لم يفارقوا أمير المؤمنين عليه السلام و ذكر بعض المخال

 ختص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كانوا شرطة الخميس ستّة آلاف رجل أنصاره ]عليه السلام[.

 ختص محمد بن الحسين عن محمد بن جعفر عن أحمد بن أبي عبد اللّه قال قال عليّ بن الحكم أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين قال لهم تشرّطوا فأنا أشارطكم على الجنّة و لست أشارطكم على ذهب و لا فضّة، إنّ نبيّنا فيما مضى قال لأصحابه »تشرّطوا فإنّي لست أشارطكم إلّا على الجنّة« ]و هم[ سلمان الفارسي و المقداد و أبو ذرّ الغفاري و عمّار بن ياسر و أبو سنان و أبو عمرو الأنصاريان و سهل البدري و عثمان ابنا حنيف الأنصاري و جابر بن عبد اللّه الأنصاري. و من أصفياء أصحابه عمرو بن الحمق الخزاعي عربي و ميثم التّمار و هو ميثم بن يحيى مولى و رشيد الهجري و حبيب بن مظهّر الأسدي و محمد بن أبي بكر. و من أوليائه العلم الأزدي و سويد بن غفلة الجعفي و الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمداني و أبو عبد اللّه الجدلي و أبو يحيى حكيم بن سعد الحنفي. و كان من شرطة الخميس أبو الرضي عبد اللّه بن يحيى الحضرمي ]و[ سليم بن قيس الهلالي ]و[ عبيدة السلماني المرادي عربي. و من خواصّه تميم بن حذيم الناجي. و قد شهد مع عليّ عليه السلام ]حروبه[ قنبر مولى علي بن أبي طالب ]و[ أبو فاختة مولى بني هاشم ]و[ عبيد اللّه بن أبي رافع و كان كاتبه.

بيان اختلف في تصحيح اسم والد تميم فقيل حذيم بالحاء المهملة و الذال المعجمة. و قيل بالخاء المعجمة و الزاي. و قيل بالحاء المهملة المكسورة و الذال المعجمة الساكنة و الياء المفتوحة. و ]ذكره الجوهري[ في الصحاح بالحاء المهملة المفتوحة و الذال المعجمة الساكنة و اللام المفتوحة و قال إنّه من التابعين. و كذا صحّحه أكثر العامة في كتبهم.

 ختص عبيد بن نضلة الخزاعي ]قال[ روي عن ابن الأعمش أنّه قال لأبيه على من قرأت القرآن قال على يحيى بن الوثاب، و قرأ يحيى على عبيد بن نضلة كلّ يوم آية ففرغ من القرآن ]في[ سبع و أربعين سنة.

 ختص يحيى بن وثّاب كان مستقيما.

 ختص أبو أحيحة و اسمه عمرو بن محصن أصيب بصفين و هو الذي جهزّ أمير المؤمنين بمائة ألف درهم في مسيره إلى الجمل.

 ختص جعفر بن الحسين المؤمن عن ابن الوليد عن الصّفار عن ابن عيسى عن ابن فضّال عن ثعلبة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين خلقت الأرض لسبعة، بهم يرزقون و بهم ينصرون و بهم يمطرون، منهم سلمان الفارسي و المقداد و أبو ذر و عمّار و حذيفة. و كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول و أنا إمامهم و هم الذي صلّوا على فاطمة عليها السلام.

 ختص أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن الحارث قال قال سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام فلم يزل يسأله حتّى قال فهلك الناس إذا فقال إي و اللّه يا ابن أعين هلك الناس أجمعون قلت أهل الشرق و الغرب قال إنّها فتحت على الضلال، إي و اللّه هلكوا إلّا ثلاثة سلمان الفارسي و أبو ذرّ و المقداد و لحقهم عمّار و أبو سنان الأنصاري و حذيفة و أبو عمرة فصاروا سبعة.

 ختص عدّة من أصحابنا عن ابن الوليد عن الصفّار عن أيّوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن مثنى بن الوليد عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال ارتدّ الناس بعد النبي إلّا ثلاثة نفر المقداد بن الأسود و أبو ذرّ الغفاري و سلمان الفارسي، ثمّ إنّ الناس عرفوا و لحقوا بعد

 ختص ]في[ ذكر السابقين المقرّبين من أمير المؤمنين عليه السلام حدّثنا جعفر بن الحسين عن محمد بن جعفر المؤدّب ]قال[ الأركان الأربعة سلمان الفارسي و المقداد و أبو ذرّ و عمّار هؤلاء ]من[ الصحابة. و من التابعين أويس القرني، الذي يشفع في مثل ربيعة و مضر، و عمرو بن الحمق الخزاعي، و ذكر جعفر بن الحسين أنّه كان من أمير المؤمنين بمنزلة سلمان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ]و[ رشيد الهجري، ]و[ ميثم التّمار، ]و[ كميل بن زياد النخعي، ]و[ قنبر مولى أمير المؤمنين، ]و[ محمد بن أبي بكر، ]و[ مزرع مولى أمير المؤمنين، و عبد اللّه بن نجيّ، قال له أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل »أبشر يا ابن نجيّ فأنت و أبوك من شرطة الخميس، سمّاكم اللّه به في السماء. ]و[ جندب بن زهير العامري، و بنو عامر شيعة علي على الوجه، ]و[ حبيب بن مظهّر الأسدي، ]و[ الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمداني، ]و[ مالك بن الحارث الأشتر، ]و[ العلم الأزدي، ]و[ أبو عبد اللّه الجدلي، ]و[ جويرية بن مسهر العبدي.

 ختص محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن النضر بن سويد عمّن حدّثه من أصحابنا عن أبي عبد اللّه قال ما بقي أحد بعد ما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا و قد جال جولة إلّا المقداد، فإنّ قلبه كان مثل زبر الحديد.

 ختص ابن الوليد عن الصفّار عن علي بن سليمان الرازي. و حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عليّ بن سليمان عن علي بن أسباط بن سالم عن أبيه قال قال أبو الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد »أين حواري محمد بن عبد اللّه رسول اللّه الذين لم ينقضوا العهد و مضوا عليه« فيقوم سلمان و المقداد و أبو ذرّ. قال ثمّ ينادي ]المنادي[ »أين حواري عليّ بن أبي طالب وصيّ محمد بن عبد اللّه رسول اللّه« فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي، و محمد بن أبي بكر، و ميثم بن يحيى التّمار مولى بني أسد، و أويس القرني. قال ثمّ ينادي المنادي »أين حواري الحسن بن علي ]و[ ابن فاطمة بنت محمد رسول اللّه« فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني، و حذيفة بن أسيد الغفاري. قال ثم ينادي ]المنادي[ »أين حواري الحسين بن علي« فيقوم كلّ من استشهد معه و لم يتخلّف عنه. ثمّ ينادي »أين حواري علي بن الحسين عليه السلام« فيقوم جبير بن مطعم، و يحيى ابن أمّ الطويل، و أبو خالد الكابلي، و سعيد بن المسيّب. ثمّ ينادي »أين حواري محمد بن علي و حواريّ جعفر بن محمّد« فيقوم عبد اللّه بن شريك العامري، و زرارة بن أعين، و بريد بن معاوية العجلي، و محمد بن مسلم الثقفي، و ليث بن البختري المرادي، و عبد اللّه بن أبي يعفور، و عامر بن عبد اللّه بن خزاعة، و حجر بن زائدة، و حمران بن أعين. ثمّ ينادي سائر الشيعة مع سائر الأئمّة صلوات اللّه عليهم يوم القيامة. فهؤلاء أوّل الشيعة الذين يدخلون الفردوس و هؤلاء أول السابقين و أول المقرّبين و أوّل المحبورين.

 ختص جعفر بن الحسين عن محمد بن جعفر المؤدّب عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه رفعه قال قال عمرو بن الحمق الخزاعي لأمير المؤمنين عليه السلام و اللّه ما جئتك لمال من الدنيا تعطينيها، و لا لالتماس السلطان ترفع به ذكري ]ما جئتك[ إلّا لأنّك ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أولى الناس بالناس، و زوج فاطمة سيّدة نساء العالمين، و أبو الذريّة التي بقيت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أعظم سهما للإسلام من المهاجرين و الأنصار. و اللّه لو كلّفتني نقل الجبال الرواسي و نزح البحور الطوامي أبدا حتّى يأتي عليّ يومي، و في يدي سيفي أهزّ به عدوّك و أقوي به وليّك، و يعلي به اللّه كعبك و يفلج به حجّتك، ما ظننت أنّي أدّيت من حقّك كلّ الحقّ الذي يجب لك عليّ فقال أمير المؤمنين عليه السلام اللّهم نوّر قلبه و اهده إلى الصراط المستقيم، ليت أنّ في شيعتي مائة مثلك.

بيان طما الماء ارتفع و ملأ النهر. قوله »أهزّ به« ]يقال[ هززت الشي‏ء هزا فاهتزّ أي حرّكته فتحرّك. و في بعض النسخ »أهزم« و هو أظهر. و قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الكعب الشرف و المجد و رجل عالي الكعب شريف.

 ختص أحمد بن هارون و جعفر بن محمد بن قولويه و جماعة عن عليّ بن الحسين عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسن عن أحمد بن النضر عن صباح عن الحارث بن الحصيرة عن صخر بن الحكم الفزاري، عمّن حدّثه أنّه سمع عمرو بن الحمق يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه سمع رسول اللّه في المسجد الحرام أو في مسجد المدينة، يقول يا عمرو هل لك في أن أريك آية الجنّة يَأْكُلُ الطَّعامَ و يشرب الشراب وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ و آية النار يأكل الطعام و يشرب الشراب و يمشي في الأسواق فقلت نعم بأبي أنت و أميّ فأرنيها. فأقبل عليّ عليه السلام يمشي حتّى سلم و جلس، فقال ]النبيّ[ يا عمرو هذا و قومه آية الجنّة. ثمّ أقبل معاوية حتى سلّم فجلس، فقال ]النبيّ[ يا عمرو هذا و قومه آية النار. ]ثم قال[ و ذكر ]عمرو[ بدء إسلامه ]و[ أنّه كان في إبل لأهله، و كانوا أهل عهد لرسول اللّه، و أنّ أناسا من أصحاب رسول اللّه مرّوا به و قد بعثهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بعث فقالوا يا رسول اللّه ما معنا زاد و لا نهتدي الطريق فقال إنّكم ستلقون رجلا صبيح الوجه يطعمكم من الطعام، و يسقيكم من الشراب و يهديكم الطريق ]و[ هو من أهل الجنّة. ]قال عمرو[ فأقبلوا حتى انتهوا إليّ من آخر النهار، و أمرت فتياني فنحروا جزورا و حملوا ]إلى القوم[ من اللبن، فبات القوم يطعمون من اللحم ما شاءوا، و يسقون من اللبن ثم أصبحوا فقلت ما أنتم بمنطلقين حتّى تطعموا و تشربوا فقال رجل منهم و ضحك إلى صاحبه فقلت و مّم ضحكت فقال أبشر ببشرى اللّه و رسوله، فقلت و ما ذاك قال قال بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا الفجّ و أخبرناه أنّه ليس لنا زاد و لا هداية الطريقة فقال ستلقون رجلا صبيح الوجه يطعمكم من الطعام و يسقيكم من الشراب و يدلّكم على الطريق ]و هو[ من أهل الجنّة، فلم نلق من يوافق نعت رسول اللّه غيرك. قال ]عمرو[ فركبت معهم و أرشدتهم إلى الطريق، ثمّ انصرفت إلى فتياني و أوصيتهم بإبلي ثمّ سرت كما أنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى بايعت و أسلمت، و أخذت لنفسي و لقومي أمانا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّا آمنون على أموالنا و دمائنا إذ شهدنا أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه و أقمنا الصلاة و آتينا الزكاة و أقمنا بسهم اللّه و رسوله قال فإذا فعلتم ذلك فأنتم آمنون على أموالكم و دمائكم، لكم بذلك ذمة اللّه و رسوله لا نعتدي عليكم في مال و لا دم. ]ثم قال عمرو[ فأقمت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أقمت، و غزوت معه غزوات و قبض اللّه و رسوله.

 قال ]و[ كان عمرو بن الحمق الخزاعي شيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا صار الأمر إلى معاوية انحاز إلى شهر زور من الموصل. و كتب إليه معاوية أمّا بعد فإنّ اللّه أطفأ النائرة و أخمد الفتنة و جعل العاقبة للمتّقين، و لست بأبعد أصحابك همّة و لا أشدّهم في سوء الأثر صنعا، كلّهم قد أسهل بطاعتي و سارع إلى الدخول في أمري، و قد بطأ بك ما بطأ فادخل فيما دخل فيه ]الناس[ يمح عنك سالف ذنوبك و نحي داثر حسناتك، و لعلّي لا أكون لك دون من كان قبلي إن أبقيت و اتّقيت و وفيت و أحسنت، فاقدم عليّ آمنا في ذمة اللّه و ذمّة رسوله، محفوظا من حسد القلوب و إحن الصدور وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً. فلم يقدم عليه عمرو بن الحمق، فبعث إليه من قتله و جاء برأسه ]إليه[ فبعث به ]معاوية[ إلى امرأته ]و هي في سجنه[ فوضع في حجرها فقالت سترتموه عنّي طويلا و أهديتموه إليّ قتيلا فأهلا و سهلا من هديّة غير قالية و لا بمقلية، بلّغ أيّها الرسول عنّي معاوية ما أقول طلب اللّه بدمه، و عجّل له الويل من نقمه، فقد أتى أمرا فريّا و قتل برّا تقيا، فأبلغ أيها الرسول معاوية ما قلت. فبلّغ الرسول ]معاوية[ ما قالت، فبعث إليها فقال لها أنت القائلة ما قلت قالت نعم غير ناكلة عنه و لا معتذرة منه. قال لها اخرجي من بلادي. قالت أفعل فو اللّه ما هو لي بوطن و لا أحنّ فيها إلى سجن، و لقد طال بها سهري و اشتهر بها عبري و كثر فيها ديني من غير ما قرّت به عيني. فقال عبد اللّه بن أبي سرح الكاتب يا أمير المؤمنين إنّها منافقة فألحقها بزوجها. فنظرت إليه فقالت يا من بين لحييه كجثمان الضفدع أ لا قتلت من أنعمك خلعا و أصفاك بكساء، إنّما المارق المنافق من قال بغير الصواب، و اتّخذ العباد كالأرباب، فأنزل كفره في الكتاب. فأومأ معاوية إلى الحاجب بإخراجها فقالت وا عجباه من ابن هند يشير إليّ ببنانه و يمنعني نوافذ لسانه، أما و اللّه لأبقرنّه بكلام عتيد كنوافذ الحديد، أو ما أنا بآمنة بنت الرشيد ]ظ الشريد[.

بيان قوله »أسهل بطاعتي« أي رفع عن نفسه الشدّة، يقال أسهل القوم أي صاروا إلى السهل. و في بعض النسخ »استهلّ« أي رفع صوته أو صار إليها فرحا من قولهم استهلّ فرحا. و الجثمان الجسد. و أصفيته بالشي‏ء آثرته به. و الكساء بالضمّ جمع الكسوة. و في بعض النسخ »و أعطاك كيسا« أي كيس الدراهم. و لعلّها أرادت زوجها.

 ختص الأصبغ بن نباتة كان من شرطة الخميس و كان فاضلا.

 حدّثنا جعفر بن الحسين عند محمد بن جعفر المؤدّب عن البرقي عن صالح بن أبي حماد عن ابن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة، قال قلت للأصبغ ما كان منزلة هذا الرجل فيكم فقال ما أدري ما تقول إلّا أنّ سيوفنا ]كانت[ على عواتقنا، و من أومأ إليه ضربناه.

 ختص محمد بن الحسن الشحاذ عن سعد عن محمد بن أحمد عن محمد بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن الهيثم، عن عليّ بن الحسين الفزاري عن آدم التّمار الحضرمي عن ابن طريف عن ابن نباتة، قال أتيت أمير المؤمنين عليه السلام لأسلّم عليه فجلست أنتظره، فخرج إليّ فقمت إليه فسلمت عليه، فضرب على كفّي ثمّ شبّك أصابعه في أصابعي ثم قال يا أصبغ بن نباتة قلت لبيّك و سعديك يا أمير المؤمنين. فقال إنّ وليّنا وليّ اللّه. فإذا مات وليّ اللّه كان من اللّه بالرفيق الأعلى، و سقاه من نهر أبرد من الثلج و أحلى من الشهد و ألين من الزّبد. فقلت بأبي أنت و أمّي و إن كان مذنبا فقال نعم و إن كان مذنبا، أما تقرأ القرآن فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. يا أصبغ إنّ وليّنا لو لقي اللّه و عليه من الذنوب مثل زبد البحر و مثل عدد الرمل لغفرها اللّه له إن شاء اللّه تعالى.

 كش محمد بن قولويه و الحسين بن حسن بن بندار القميان، عن سعد عن الخشاب عن اليقطيني عن ابن أسباط عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه يقول كان مع أمير المؤمنين خمسة نفر من قريش، و كانت ثلاث عشرة قبيلة مع معاوية. فأمّا الخمسة فمحمد بن أبي بكر رحمة اللّه عليه، أتته النجابة من قبل أمّه أسماء بنت عميس، و كان معه هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص المرقال، و كان معه جعدة بن هبيرة المخزومي، و كان أمير المؤمنين عليه السلام خاله و هو الذي قال له عتبة بن أبي سفيان إنّما لك هذه الشدّة في الحرب من قبل خالك. فقال له جعدة لو كان لك خال مثل خالي لنسيت أباك و محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة و الخامس سلف أمير المؤمنين ابن أبي العاص بن ربيعة، و هو صهر النبي صلّى اللّه عليه و آله ]و هو[ أبو الربيع.

 ختص ابن قولويه عن أبيه عن سعد مثله.

 بيان ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس السلف ككبد، و كبد من الرجال زوج أخت امرأته، و بينهما أسلوفة صهر، و قد تسالفا و هما سلفان أي متزاوجا الأختين. انتهى. و الظاهر أنّ ضمير »هو« راجع إلى أبي العاص، فإنّه كان زوج زينب و اسمه القاسم بن ربيع و أبو الربيع كنية لابن أبي أبي العاص. و المراد بسلف إمّا مطلق المصاهرة فإنّ أمامة بنت أبي العاص أخته كانت عند أمير المؤمنين عليه السلام، أو كان عنده أيضا أخت إحدى زوجاته عليه السلام، أو كان ابن سلف فسقط الابن من النّسّاخ.

 كش حمدويه و إبراهيم ابنا نصير عن أيّوب عن صفوان عن معاوية بن عمّار و غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كان عمّار بن ياسر و محمد بن أبي بكر لا يرضيان أن يعصى اللّه عزّ و جلّ.

 كش نصر بن الصباح عن إسحاق بن محمد البصري عن أمير بن علي، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال كان أمير المؤمنين يقول إنّ المحامدة تأبى أن يعصى عزّ و جلّ. قلت و من المحامدة قال محمد بن جعفر، و محمد بن أبي بكر، و محمد بن أبي حذيفة، و محمد بن أمير المؤمنين ابن الحنفيّة رحمهم اللّه. أمّا محمد بن أبي حذيفة ]ف[ هو ابن عتبة بن ربيعة، و هو ابن خال معاوية.

  كش محمد بن مسعود عن علي بن الحسن بن عباس بن عامر عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّ المهدي مولى عثمان أتى فبايع أمير المؤمنين عليّا و محمد بن أبي بكر جالس، ]ف[ قال أبايعك على أنّ الأمر كان لك أوّلا و أبرأ من فلان و فلان، فبايعه.

 أقول وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّه قال أبان بن أبي عيّاش أبو الطفيل عامر بن واثلة كان صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان من خيار أصحاب علي عليه السلام.

 نهج ]و[ قال عليه السلام لعبد اللّه بن العباس و قد أشار عليه في شي‏ء لم يوافق رأيه لك أن تشير عليّ و أرى فإذا عصيتك فأطعني.

بيان قال ابن ميثم روي أنّه أشار عليه عند انصرافه من مكة حاجّا، و قد بايعه الناس فقال يا أمير المؤمنين إنّ هذا أمر عظيم يخاف غوائل الناس فيه، فاكتب لطلحة بولاية البصرة و للزبير بولاية الكوفة، و اكتب إلى معاوية و ذكّره القرابة و الصلة و أقرّه على ولاية الشام حتى يبايعك، فإن بايعك و جرى على سنّتك و طاعة اللّه فاتركه على حاله، و إن خالفك فادعه إلى المدينة و أبدله بغيره و لا تموج بحار الفتنة. فقال عليه السلام معاذ اللّه أن أفسد ديني بدنيا غيري و لك يا ابن عباس أن تشير إلى آخر الكلام.

  نهج ]و[ قال عليه السلام و قد توفي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة مرجعه من صفين و كان من أحبّ الناس إليه لو أحبّني جبل لتهافت.

]قال السيد الرضيّ[ و معنى ذلك أنّ المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه، و لا يفعل ذلك إلّا بالأتقياء الأبرار و المصطفين الأخيار. و هذا مثل قوله ]عليه السلام[ »من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للفقر جلبابا«. و قد تؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره. بيان التهافت التساقط قطعة قطعة. و التأويل الآخر الذي ذكره السيد رحمه اللّه، لعلّه هو ما ذكره ابن ميثم قال أبو عبيد إنّه ]عليه السلام[ لم يرد الفقر في الدنيا و إنّما أراد الفقر يوم القيامة أي فليعدّ لذلك ما يجده من الثواب و التقرّب إلى اللّه تعالى و الزّلفة لديه.

1033-  نهج ]و[ من خبر ضرار بن ضمرة الضبّابي عند دخوله على معاوية و مسألته له عن أمير المؤمنين قال فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله، و هو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، و يبكي بكاء الحزين و يقول يا دنيا يا دنيا إليك عني، أ بي تعرّضت أم إليّ تشوّقت لا حان حينك هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك و قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير، و خطرك يسير، و أملك حقير. آه من قلّة الزاد، و طول الطريق، و بعد السفر، و عظيم المورد و خشونة المضجع

بيان قد مرّ الخبر برواية أخرى. ]و[ »هيهات« أي بعد ما تطلبين منّي. و خطر الرجل قدره و منزلته. »و أملك حقير« أي ما يؤمّل منك و فيك.

 نهج و قال عليه السلام في ذكر خبّاب بن الأرت. يرحم اللّه خبّابا، فلقد أسلم راغبا، و هاجر طائعا، و عاش مجاهدا.

بيان قال ابن أبي الحديد خبّاب ]كان[ من فقراء المسلمين و خيارهم، و كان في الجاهلية قينا يعمل السيوف، و هو قديم إسلام. قيل إنّه كان سادس ستّة. و شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد، و هو معدود في المعذّبين في اللّه سأله عمر في أيّام خلافته ما لقيت من أهل مكّة فقال انظر إلى ظهري. فنظر فقال ما رأيت كاليوم ظهر رجل شهد مع عليّ عليه السلام صفّين و نهروان، و صلّى عليه السلام عليه و كان سنّه يوم مات ثلاثا و سبعين سنة، و دفن بظهر الكوفة و هو أوّل من دفن بظهر الكوفة.

 نهج ]و[ قال عليه السّلام في الذين اعتزلوا القتال معه خذلوا الحقّ و لم ينصروا الباطل.

بيان قال ابن أبي الحديد هم عبد اللّه بن عمر، و سعد بن أبي وقّاص، و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة، و أنس بن مالك، و جماعة غيرهم. ]ثم قال[ و قد ذكر شيخنا أبو الحسين في ]كتاب[ الغرر أنّ أمير المؤمنين لمّا دعاهم إلى القتال معه و اعتذروا أنّه قال لهم أ تنكرون هذه البيعة قالوا لا و لكنّا لا نقاتل. فقال عليه السلام إذا بايعتم فقد قاتلتم.

1068-  نهج ]و[ قال عليه السلام ما كلّ مفتون يعاتب.

بيان قال ابن أبي الحديد قالها لسعد بن أبي وقّاص و عبد اللّه بن عمر، لمّا امتنعا من الخروج معه لحرب أصحاب الجمل. أقول هذا غير ثابت، ثمّ إنّ الكلام يحتمل وجهين الأوّل أنّه ليس كلّ مفتون مستحقا للعتاب، إذ يمكن أن يكون سبب فتنته ما لم يكن باختياره. و الثاني أن يكون المراد ]أن[ بعض المفتونين لا يعاتبون لعدم نفع الخطاب فيهم. و ]أيضا[ قال ]ابن أبي الحديد[ في موضع آخر من الشرح روى أبو يوسف قال قال أبو حنيفة الصحابة كلّهم عدول، ما عدا رجالا، ثمّ عدّ منهم أبا هريرة و أنس بن مالك.

 قال و روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال أكذب الناس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبو هريرة الدوسي.

 قال و روي أنّه يوم وصل إلى مروان رأس الحسين عليه السلام بالمدينة، و هو يومئذ أميرها، صعد المنبر و خطب ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال يا محمد يوم بيوم بدر

 قال و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين، أنّ عدّة من الصحابة و التابعين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام، كاتمين لمناقبه حبا للدنيا، منهم أنس بن مالك، ناشد عليّ عليه السلام في الرحبة، أيكم سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول »من كنت مولاه فعليّ مولاه«. فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها. و أنس بن مالك لم يقم، فقال له ]علي[ يا أنس ما يمنعك أن تشهد فلقد حضرتها فقال يا أمير المؤمنين كبرت سنّي و نسيت فدعا عليه ببرص لا تغطّيه العمامة فابتلي ]أنس[ به.

  ]قال[ و كان ممن أنكر ذلك اليوم زيد بن أرقم، فدعا عليه بالعمى فكفّ بصره قالوا و كان الأشعث بن قيس و جرير بن عبد اللّه البجلي يبغضانه، و هدم علي دار جرير.

 و روى أبو بكر الهذلي عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عدي ]الأكبر[ قال قام الأشعث إلى علي عليه السّلام فقال إنّ الناس زعموا أنّ رسول اللّه ]صلّى اللّه عليه و آله[ عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك. فقال ]علي عليه السّلام[ إنّه عهد إلي ما في قراب سيفي، لم يعهد إلى غيري ذلك فقال الأشعث هذه إن قلتها فهي عليك لا لك، دعها ترحل عنك. فقال ]علي عليه السلام[ و ما علمك بما عليّ ممّا لي منافق بن كافر، حائك بن حائك، أنّي لأجد منك بنة الغزل.

 و روى يحيى البرمكي عن الأعمش أنّ جريرا و الأشعث خرجا إلى الجبّان بالكوفة، فمرّ بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ عليه السلام، فنادياه يا أبا حسل هلمّ يدك نبايعك بالخلافة. فبلغ عليّا عليه السلام قولهما فقال إنّهما يحشران يوم القيامة و إمامها ضبّ.

 و كان أبو مسعود الأنصاري منحرفا عنه.

 و كان كعب الأحبار منحرفا عنه، و كان ]عليّ[ عليه السلام يقول إنّه الكذّاب.

و كان النّعمان بن بشير الأنصاري من المنحرفين عنه و كان من أمراء يزيد.

 و قد روي أنّ عمران بن الحصين كان من المنحرفين ]عنه[ و أنّ عليا عليه السلام سيّره إلى المدائن. و من الناس من يجعل عمران في الشيعة.

و كان سمرة بن جندب من شرطة زياد ]ابن سميّة أيّام كان زياد عاملا لمعاوية[.

 و روى واصل مولى ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن آبائه ]عليهم السلام[ قال كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار فيؤذيه، فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فبعث إلى سمرة و دعاه فقال له بع نخلك هذا و خذ ثمنه. قال لا أفعل قال فخذ نخلا مكان نخلك. قال لا أفعله. قال فاشتر منه بستانه. قال لا أفعل قال فاترك لي هذا النخل و لك الجنّة. قال لا أفعل ]ف[ قال صلّى اللّه عليه و آله للأنصاري اذهب فاقطع نخله، فإنّه لا حقّ له فيه.

قال و كان سمرة أيّام مسير الحسين ]عليه السلام[ إلى الكوفة على شرطة ابن زياد، و كان يحرّض الناس على الخروج إلى الحسين و قتاله. و من المبغضين له عبد اللّه بن الزبير،

 و كان عليّ عليه السلام يقول ما زال الزبير منّا أهل البيت، حتّى نشأ ابنه عبد اللّه فأفسده.

و كان يبغض بني هاشم، و يلعن و يسبّ عليا

 و روى ]إبراهيم[ صاحب كتاب الغارات عن أبي صادق عن جندب بن عبد اللّه قال ذكر المغيرة بن شعبة عند عليّ عليه السلام و جدّه مع معاوية فقال و ما المغيرة إنّما كان إسلامه لفجرة و غدرة غدرها بنفر من قومه، فهرب فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كالعائذ بالإسلام، و اللّه ما رأى عليه أحد منذ ادّعى الإسلام خضوعا و لا خشوعا ألا و إنّه كائنة من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة، يجانبون الحقّ، و يوقدون نيران الحرب، و يوازرون الظالمين. ألا إنّ ثقيفا قوم غدر لا يوفون بالعهد، يبغضون العرب، كأنّهم ليسوا منهم، و إنّ الصالح في ثقيف لغريب.

 و قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم أنّ الوليد بن عقبة كان يبغض عليا و يشتمه، و أنّه الذي لاحاه في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نابذه و قال له أنا أثبت منك جنانا و أحدّ سنانا فقال له عليّ عليه السلام اسكت يا فاسق فأنزل اللّه تعالى فيهما أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ فكان لا يعرف في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا بالوليد الفاسق، و سمّاه اللّه في آية أخرى فاسقا و هو قوله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا و كان يبغض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أبوه عقبة بن أبي معيط، هو العدوّ الأزرق بمكة، و كان يؤذي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

 و روى إبراهيم أنّ ممن فارق عليا عليه السلام، يزيد بن حجيّة التّيميّ، و كان عليه السلام استعمله على الرّيّ فكسر الخراج، و احتجبه لنفسه، فحبسه علي عليه السلام و جعل معه سعدا مولاه، فقرّب يزيد ركائبه و سعد نائم، و التحق بمعاوية، و كتب إلى العراق شعرا يذمّ فيه عليا عليه السلام، و يخبره أنّه من أعدائه، فدعا ]عليه السلام[ عليه ]و[ قال لأصحابه عقب الصّلاة ارفعوا أيديكم فادعوا عليه. ]فدعا عليه[ و أمّن أصحابه.

 قال أبو الصلت التّميميّ ]و[ كان دعاؤه عليه اللّهمّ إنّ يزيد بن حجيّة هرب بمال المسلمين، و لحق بالقوم الفاسقين، فاكفنا مكره و كيده و اجزه جزاء الظالمين. ]قال[ و رفع القوم أيديهم يؤمنون عليه ]و كان في المسجد عفاق. بن شرحبيل بن أبي رهم التميميّ شيخا كبيرا و كان يعدّ ممن شهد على حجر بن عديّ حتّى قتله معاوية، فقال عفاق على من يدعو القوم قالوا على يزيد بن حجيّة. فقال تربت أيديكم أ على أشرافنا تدعون فقاموا إليه فضربوه حتى كاد ]أن[ يهلك، و قام زياد بن خصفة و كان من شيعة علي عليه السلام فقال دعوا لي ابن عمّي. فقال عليّ عليه السلام دعوا للرجل ابن عمّه. فتركه الناس، فأخذ زياد بيده فأخرجه من المسجد و جعل يمشي معه ]و[ يمسح التراب عن وجهه و عفاق يقول و اللّه لا أحبّكم ما سعيت و مشيت، و اللّه لا أحبّكم ما اختلفت الذرّة و الحرّة. و زياد يقول ]له[ ذلك أضرّ لك ذلك شرّ لك[.

و ممّن فارقه عبد اللّه بن عبد الرحمن بن مسعود الثقفي. و منهم النجاشي الشّاعر.

 ]و سبب مفارقة النجاشي أنّه[ شرب الخمر بالكوفة في أوّل يوم من شهر رمضان، فأتي به عليّا عليه السلام، فأقامه في سراويل فضربه ثمانين ثمّ زاده عشرين، فقال يا أمير المؤمنين أمّا الحدّ فقد عرفته فما هذه العلاوة. قال لجرأتك على اللّه و إفطارك في شهر رمضان، فغضب و لحق بمعاوية و هجا عليا.

  و قال صاحب كتاب الغارات إنّ عليا عليه السلام لما حدّ النجاشي غضب اليمانية، فدخل طارق بن عبد اللّه عليه فقال يا أمير المؤمنين ما كنّا نرى أنّ أهل المعصية و الطاعة، و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيّان في الجزاء، حتّى رأينا ما كان من صنيعك بأخي الحارث، فأوغرت صدورنا، و شتّت أمورنا، و حملتنا على الجادّة التي كنّا نرى أنّ سبيل من ركبها النار. فقال ]عليّ عليه السلام[ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ يا أخا نهد و هل هو إلّا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم اللّه فأقمنا عليه حدّا كان كفّارته إنّ اللّه تعالى يقول وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى فلمّا جنّه الليل همس هو و النجاشي إلى معاوية.

 قال ]إبراهيم[ و من المفارقين لعليّ عليه السلام أخوه عقيل. قدم ]عقيل[ على ]أخيه[ أمير المؤمنين ]عليه السلام[ بالكوفة يسترفده، فعرض عليه عطاءه فقال ]عقيل[ إنّما أريد من بيت المال. فلمّا صلّى عليّ عليه السلام الجمعة قال له ]يا عقيل[ ما تقول في من خان هؤلاء أجمعين قال بئس الرجل قال فإنّك أمرتني أن أخونهم و أعطيك.

فلما خرج ]عقيل[ من عنده شخص إلى معاوية، فأمر له ]معاوية[ يوم قدومه بمائة ألف درهم، و قال له يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي قال ]عقيل[ وجدت عليّا أنظر لنفسه منك، و وجدتك أنظر لي منك لنفسك. و قال معاوية لعقيل إنّ فيكم يا بني هاشم للينا. قال أجل إنّ فينا للينا من غير ضعف، و عزّا من غير عنف، و إنّ لينكم يا معاوية غدر، و سلمكم كفر. فقال معاوية و لا كلّ هذا يا أبا يزيد. ]ف[ قال عقيل

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع و ما علّم الإنسان إلّا ليعلما

 إنّ السفاهة طيش من خلائقكم لا قدّس اللّه أخلاق الملاعينا

فأراد معاوية أن يقطع كلامه فقال ما معنى )طه( قال نحن أهله و علينا نزل، لا على أبيك و لا على أهل بيتك. )طه( بالعبرانية يا رجل. و قال له الوليد غلبك أخوك على الثروة قال نعم، و سبقني و إيّاك إلى الجنّة. و قال معاوية يوما و عنده عمرو بن العاص و قد أقبل عقيل لأضحكنّك من عقيل. فلمّا سلّم ]عقيل[ قال معاوية مرحبا برجل عمّه أبو لهب. قال عقيل و أهلا بمن عمّته حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ. لأنّ امرأة أبي لهب أمّ جميل بنت حرب. ]ف[ قال معاوية يا أبا يزيد ما ظنّك بعمّك أبي لهب قال ]عقيل[ إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب، أ فناكح في النار خير أم منكوح قال كلاهما شرّ سواء و اللّه. و ممّن فارقه حنظلة الكاتب، و وائل بن حجر الحضرمي. و روي أنّ ثلاثة من أهل البصرة كانوا يتواصلون على بغض عليّ عليه السلام، ]و هم[ مطرف بن عبد اللّه، و العلاء بن زياد و عبد اللّه بن شقيق.

 و روى صاحب كتاب الغارات بإسناده عن أبي فاختة قال كنت عند عليّ فأتاه رجل عليه زيّ السفر، فقال يا أمير المؤمنين إنّي أتيتك من بلد ما رأيت لك بها محبّا. قال من أين أتيت قال من البصرة. قال أما إنّهم لو استطاعوا أن يحبّوني لأحبّوني، و إنّي و شيعتي في ميثاق اللّه لا يزاد فينا رجل و لا ينقص إلى يوم القيامة.

و روى أبو غسّان البصري قال بنى عبيد اللّه بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن أبي طالب عليه السلام و الوقيعة فيه، مسجد بني عدي، و مسجد بني مجاشع، و مسجد كان في العلّافين على وجه البصرة، و مسجد في الأزد. و ممّن قال فيه أنّه يبغض عليا و يذمّه الحسن بن أبي الحسن البصري ]أبو سعيد[ روى ]عنه[ حمّاد بن سلمة أنّه قال لو كان عليّ يأكل الحشف بالمدينة، لكان خيرا له مما دخل فيه. و روي أنّه كان من المخذلين عن نصرته.

 و رووا عنه أنّ عليا عليه السلام رآه و هو يتوضأ للصلاة، و كان ذا وسوسة، فصبّ على أعضائه ماء كثيرا، فقال له أرقت ماء كثيرا يا حسن. فقال له ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر. قال أ و ساءك ذلك قال نعم. قال فلا زلت مسوءا قال فما زال عابسا قاطبا مهموما إلى أن مات.

]ثمّ قال ابن أبي الحديد[ فأمّا أصحابنا فإنّهم يدفعون ذلك عنه و يقولون إنّه كان من محبّيه عليه السلام و المعظّمين له. و روى له أبان بن عيّاش قال سألت الحسن البصري عن عليّ عليه السلام، فقال ما أقول فيه، كانت له السابقة و الفضل و العلم و الحكمة و الفقه و الرأي و الصحبة و البلاء و النجدة و الزهد و القضاء و القرابة، إنّ عليا كان في أمره عليا فرحم اللّه عليا و صلّى عليه. فقلت يا ]أ[ با سعيد أ تقول صلّى اللّه عليه لغير النبي )ص( فقال ترحّم على المسلمين إذا ذكروا، و صلّ على النبي و آله، و علي خير آله. فقلت أ هو خير من حمزة و جعفر قال نعم. قلت ]هو[ خير من فاطمة و ابنيها قال نعم و اللّه، إنّه خير من آل محمد كلّهم، و من يشكّ أنّه خير منهم

 و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله »و أبوهما خير منهما«

و لم يجر عليه اسم شرك و لا شرب خمرا

 و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لفاطمة »زوّجتك خير أمّتي«.

فلو كان في أمّته خير منه لاستثناه. و لقد آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين أصحابه و آخى بين علي و نفسه، فرسول اللّه خير الناس نفسا و خيرهم أخا. فقلت يا ]أ[ با سعيد فما هذا الذي يقال عنك أنّك قلته في علي فقال يا ابن أخي أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة، و لو لا ذلك لسال بي الخشب. و قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي و وجدته أيضا في كتاب الغارات و قد كان بالكوفة من فقهائها من يعادي عليا و يبغضه مع غلبة التشيّع على الكوفة. فمنهم مرّة الهمداني. فروي أنّه قيل لمرّة كيف تخلفت عن علي ]ف[ قال سبقنا بحسناته و أثقلنا بسيّئاته. و منهم الأسود بن يزيد، و مسروق بن الأجدع. و روي أنّ مسروقا رجع عن ذلك. و منهم شريح ]القاضي و قد روي أنّه طرد من الكوفة[ و بعثه عليه السلام إلى »بانقيا« شهرين يقضي بين اليهود. و منهم أبو وائل شقيق بن سلمة كان عثمانيا يقع في عليّ عليه السلام. و يقال إنّه كان يرى رأي الخوارج. و من المبغضين ]لعليّ عليه السلام[ أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ]فإنّه ورث البغض عن كلالة[. و من المنحرفين عنه عليه السلام أبو عبد الرحمن السّلمي. و منهم قيس بن أبي حازم، و سعيد بن المسيّب، و الزهري، و عروة بن الزبير و كان زيد بن ثابت عثمانيا يحرّض الناس على سبّه عليه السلام. و كان المكحول من المبغضين له عليه السلام، و كذا حمّاد بن زيد. أقول قد بسط ]الثقفي[ الكلام في كتاب الغارات في عدّ هؤلاء الأشقياء و بيان أحوالهم، و روى عن عطاء بن السائب قال قال رجل لأبي عبد الرحمن السّلمي أنشدك باللّه ]إلّا أن[ تخبرني ]بما أسألك عنه، فسكت[ فلمّا أكدّ عليه ]قال نعم[ قال باللّه ]عليك[ هل أبغضت عليا إلّا يوم قسم المال في أهل الكوفة فلم يصلك و لا أهل بيتك منه بشي‏ء قال أمّا إذ أنشدتني باللّه فكان ذلك.

 و قال بعث أسامة بن زيد إلى عليّ عليه السلام أن ابعث إليّ بعطائي فو اللّه ]إنّك[ لتعلم أنّك لو كنت في فم أسد لدخلت معك. فكتب إليه ]علي عليه السلام[ إنّ هذا المال لمن جاهد عليه، و لكن هذا مالي بالمدينة فأصب منه ما شئت.

ثمّ ذكر رواية تدلّ على أنّ عروة بن الزبير و الزهري كانا ينالان من علي عليه السلام فنهاهما عنه علي بن الحسين. و عن أبي داود الهمداني قال شهدت سعيد بن المسيّب و أقبل عمر بن عليّ بن أبي طالب فقال له سعيد يا ابن أخى ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما يفعل إخوتك و بنو عمّك فقال عمر يا ابن المسيّب أ كلّما دخلت المسجد فأجي‏ء فأشهدك. فقال سعيد ما أحبّ أن تغضب، سمعت والدك عليا يقول و اللّه إنّ لي من اللّه مقاما هو خير لبني عبد المطّلب ممّا على الأرض من شي‏ء. قال عمر سمعت والدي يقول ما كلمة حكمة في قلب منافق يخرج من الدنيا حتّى يتكلّم بها. ]فقال سعيد يا ابن أخي جعلتني منافقا[ فقال ]عمر[ ذلك ما أقول لك. قال ثم انصرف. ثم قال ابن أبي الحديد و قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي كان أهل البصرة كلّهم يبغضونه قاطبة، و كانت قريش كلّها على خلافه، و كان جمهور الخلق مع بني أميّة.

 و روى عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال سمعت عليا عليه السلام و هو يقول ما لقي أحد من الناس ما لقيت ثم بكى عليّ عليه السلام.

 و روى أبو عمرو النهدي قال سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول ما بمكّة و المدينة عشرون رجلا يحبّنا.

 قال و روى ابن هلال الثّقفي في كتاب الغارات عن زكريّا بن يحيى العطّار عن فضيل عن محمد بن عليّ قال لمّا قال عليّ عليه السلام »سلوني قبل أن تفقدوني فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة و تهدي مائة، إلّا أنبأتكم بناعقها و سائقها«. فقام إليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر فقال ]عليّ عليه السلام[ و اللّه لقد حدّثني خليلي، أنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، و أنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك، و أنّ في بيتك سخلا يقتل ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلا يحبو و هو سنان بن أنس النخعي

 و روى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة أنّ عليا عليه السلام خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره فقال يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فأستغفر له. فقال عليه السلام و اللّه ما مات و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمّاد ]جمّار »خ«[. فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمّاد، و إنّي لك شيعة و محبّ. فقال ]عليّ عليه السلام[ أنت حبيب بن حمّاد قال نعم. قال له ثانية اللّه إنّك لحبيب بن حمّاد ]جمّار »خ«[. فقال إي و اللّه. قال أما و اللّه إنّك لحاملها و لتحملّنها، و لتدخلنّ بها من هذا الباب. و أشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة.

قال ثابت فو اللّه ما مت حتّى رأيت ابن زياد و قد بعث عمر بن سعد إلى ]حرب[ الحسين عليه السلام، و جعل خالد بن عرفطة ]من رجال صحاح أهل السنّة[ على مقدّمته، و حبيب بن حمّاد صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل

 و روى محمد بن جبلة الخيّاط عن عكرمة عن يزيد الأحمسي أنّ عليا عليه السلام كان جالسا في مسجد الكوفة و بين يديه قوم، منهم عمرو بن حريث، إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تعرف، فوقفت فقالت لعليّ عليه السلام يا من قتل الرجال و سفك الدماء و أيتم الصبيان و أرمل النساء فقال عليّ عليه السلام و إنّها لهي هذه السلقلقة الجلعة المجعة، و إنّها لهي هذه شبيهة الرجال و النساء التي ما رأت دما قطّ. فولّت ]المرأة[ هاربة منكّسة رأسها، فاتّبعها عمرو بن حريث، فلمّا صارت بالرحبة قال لها و اللّه لقد سررت بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل، فادخلي منزلي حتّى أهب لك و أكسوك. فلمّا دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها و نزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبكت و سألته أن لا يكشفها و قالت أنا و اللّه كما قال، لي ركب الرجال، و أنثيان كأنثي الرجال، و ما رأيت دما قط. فتركها و أخرجها. ثم جاء ]عمرو[ إلى علي عليه السلام فأخبره فقال إنّ خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أخبرني بالمتمرّدين عليّ من الرجال، و المتمرّدات من النساء إلى أن تقوم الساعة.

قال ابن أبي الحديد السّلقلق السّليطة، و هو الذّئب. و السلقة الذئبة. و الجلعة المجعة البذية اللّسان. و الركب منبت العانة.

 و روى عثمان بن سعيد عن يحيى التّيميّ عن الأعمش عن إسماعيل ابن رجاء قال قام أعشى باهلة و هو غلام يومئذ حدث إلى علي عليه السلام، و هو يخطب و يذكر الملاحم، فقال يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة فقال عليّ عليه السلام إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك اللّه بغلام ثقيف. ثمّ سكت. فقالوا و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين قال غلام يملك بلدتكم هذه، لا يترك للّه حرمة إلّا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه. فقالوا كم يملك يا أمير المؤمنين قال عشرين إن بلغها قالوا فيقتل قتلا أم يموت موتا قال بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه. قال إسماعيل بن رجاء فو اللّه لقد رأيت بعيني أعشى باهلة و قد أحضر في جملة الأسرى الذين أسروا من جيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجّاج، فقرّعه و وبّخه و استنشد شعره الذي يحرّض فيه عبد الرحمن على الحرب، ثم ضرب عنقه في هذا المجلس.

 و روى محمد بن علي الصوّاف عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن شهير ]شمير »خ«[ بن سدير الأزدي قال قال عليّ لعمرو بن الحمق الخزاعي أين نزلت يا عمرو قال في قومي. قال لا تنزلّن فيهم أ فأنزل في بني كنانة جيراننا قال لا. قال أ فأنزل في ثقيف قال فما تصنع بالمعرّة و المجرّة قال و ما هما قال عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة، أحدهما على تميم و بكر بن وائل، فقلّما يفلت منه أحد، و يأتي العنق الآخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة، فقلّ من يصيب منهم. إنّما هو يدخل الدار فيحرق البيت و البيتين. قال فأين أنزل قال في بني عمرو بن عامر من الأزد. قال فقال قوم حضروا هذا الكلام ما نراه إلّا كاهنا يتحدّث بحديث الكهنة. فقال يا عمرو إنّك لمقتول بعدي، و إنّ رأسك لمنقول، و هو أوّل رأس ينقل في الإسلام، و الويل لقاتلك، أما إنّك لا تنزل بقوم إلّا أسلموك برمتك، إلّا هذا الحيّ من بني عمرو بن عامر من الأزد، فإنّهم يسلموك و لن يخذلوك. قال فو اللّه ما مضت الأيّام حتّى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في أحياء العرب خائفا مذعورا، حتّى نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه فقتل و حمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام. و هو أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد

 و روى إبراهيم بن ميمون الأزدي عن حبّة العرني قال كان جويرية بن مسهر العبدي صالحا، و كان لعليّ صديقا، و كان عليّ عليه السلام يحبّه، و نظر يوما إليه و هو يسير، فناداه يا جويرية الحق بي فإنّي إذا رأيتك هويتك.

 قال إسماعيل بن أبان فحدّثني الصباح عن مسلم عن حبّة العرني قال سرنا مع عليّ عليه السلام يوما، فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيدا، فناداه يا جويرية الحق بي لا أبا لك أ لا تعلم أنّي أهواك و أحبّك قال فركض ]جويرية[ نحوه فقال له إنّي محدّثك بأمور فاحفظها. ]قال حبة[ ثمّ اشتركا في الحديث سرّا، فقال له جويرية يا أمير المؤمنين أنا رجل نسيّ. فقال أنا أعيد عليك الحديث لتحفظه، ثمّ قال في آخر ما حدثه إيّاه يا جويرية أحبب حبيبنا ما أحبّنا فإذا أبغضنا فابغضه، و أبغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبّنا فأحبّه. قال فكان ناس ممن يشكّ في أمر علي عليه السلام يقولون أ تراه جعل جويرية وصيّه كما يدّعي هو من وصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ]حبّة[ يقولون ذلك لشدّة اختصاصه به حتى دخل على عليّ عليه السلام يوما، و هو مضطجع و عنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية أيّها النائم استيقظ فلتضربنّ على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك. قال فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ قال و أحدّثك يا جويرية بأمرك، أما و الذي نفسي بيده، لتعتلنّ إلى العتل الزنيم فليقطعنّ يدك و رجلك، و يصلبنّك تحت جذع كافر. قال فو اللّه ما مضت الأيّام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية، فقطع يده و رجله و صلبه إلى جانب جذع ابن بني معكبر و كان جذعا طويلا فصلبه على جذع قصير إلى جانبه.

 و روى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الهيثمي قال كان ميثم التّمار مولى علي عليه السلام عبدا لامرأة من بني أسد، فاشتراه عليّ عليه السلام و أعتقه فقال له ما اسمك قال سالم. فقال إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخبرني أنّ اسمك الذي سمّاك به أبوك في العجم ميثم. قال صدق اللّه و رسوله و صدقت، هو اسمي قال فارجع إلى اسمك و دع سالما فنحن نكنيّك به. فكنّاه أبا سالم. قال و قد كان أطلعه عليّ عليه السلام على علم كثير و أسرار خفية من أسرار الوصية، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك فيشكّ فيه قوم من أهل الكوفة، و ينسبون عليا عليه السلام إلى المخرقة و الإيهام و التدليس، حتّى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه و فيهم الشّاكّ و المخلص يا ميثم إنّك تؤخذ بعدي و تصلب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك و فمك دما حتّى تخضب لحيتك، فإذا كان اليوم الثالث، طعنت بحربة فيقضى عليك، فانتظر ذلك، و الموضع الذي تصلب فيه على دار عمرو بن حريث، إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة و أقربهم من المطهرة يعني الأرض و لأرينّك النخلة التي تصلب على جذعها، ثمّ أراها إيّاها بعد ذلك بيومين، فكان ميثم يأتيها فيصلي عندها فيقول بوركت من نخلة، لك خلقت، و لي نبت، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل عليّ عليه السلام حتّى قطعت، فكان يرصد جذعها و يتعاهده و يتردّد إليه و يبصره. و كان يلقى عمرو بن حريث فيقول إنّي مجاورك فأحسن جواري، فلا يعلم عمرو ما يريد. فيقول له أ تريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم.

أقول ثمّ ذكر قصة شهادته نحوا مما سنذكره في باب أحواله رحمه اللّه.

 ثمّ قال قال إبراهيم ]و[ حدّثني إبراهيم بن العباس عن مبارك البجلي عن أبي بكر بن عيّاش، عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي قال كنت عند زياد و قد أتي برشيد الهجري، و كان من خواصّ أصحاب علي عليه السّلام، فقال له زياد ما قال لك خليلك أنّا فاعلون بك قال تقطعون يدي و رجلي و تصلبونني. فقال زياد أما و اللّه لأكذبنّ حديثه، خلّوا سبيله فلمّا أراد أن يخرج قال ردّوه، لا نجد لك شيئا أصلح مما قال صاحبك، إنّك لن تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت، اقطعوا يديه و رجليه فقطعوا يديه و رجليه و هو يتكلّم، فقال اصلبوه خنقا في عنقه. فقال رشيد و قد بقي لي عندكم شي‏ء ما أراكم فعلتموه. فقال زياد اقطعوا لسانه. فلمّا أخرجوا لسانه ]ليقطع[ قال نفّسوا عنّي حتّى أتكلّم كلمة واحدة. فنفّسوا عنه فقال و اللّه هذا تصديق خبر أمير المؤمنين عليه السلام، أخبرني بقطع لساني. فقطعوا لسانه و صلبوه.

 و روى أبو داود الطيالسي عن سليمان بن زريق عن عبد العزيز بن صهيب قال حدّثني أبو العالية قال حدّثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام، إنّه قال ليقبلنّ جيش حتّى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم. قال أبو العالية قلت فإنّك لتحدّثني ]بالغيب[ فقال ]مزرع[ احفظ ما أقول لك فإنّما حدثني به الثقة علي بن أبي طالب عليه السلام. ]قال[ و حدّثني أيضا شيئا آخر، ]قال[ لتؤخذنّ فلتقلتنّ و لتصلبنّ بين شرفتين من شرف المسجد. ]قال أبو العالية[ فقلت له إنّك لتحدّثني بالغيب فقال احفظ ما أقول لك. قال أبو العالية فو اللّه ما أتت علينا جمعة حتى أخذ مزرع، فقتل و صلب بين شرفتين من شرف المسجد.

 و روى محمد بن موسى العنزي قال كان مالك بن ضمرة الرواسيّ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام و ممن استبطن من جهته علما كثيرا، و كان أيضا قد صحب أبا ذرّ فأخذ من علمه، و كان يقول في أيّام بني أميّة اللّهم لا تجعلني شرّ الثلاثة. فيقال له و ما الثلاثة فيقول رجل يرمى به من فوق طمار، و رجل تقطع يداه و رجلاه و يصلب، و رجل يموت على فراشه. فكان من الناس من يهزأ به و يقول هو من أكاذيب أبي تراب. قال فكان الذي رمي به من طمار هانئ بن عروة، و الذي قطع و صلب رشيد الهجري، و مات مالك على فراشه.

 و قال ابن أبي الحديد و روى قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن ربيعة بن مالك السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان فقلت يا أبا عبد اللّه إنّ الناس ليتحدّثون عن عليّ بن أبي طالب و مناقبه فيقول لهم أهل البصرة إنّكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل. فهل أنت محدّثي بحديث عنه أذكره للناس فقال ]حذيفة[ يا ربيعة و ما الذي تسألني عن عليّ عليه السلام و ما الذي أحدّثك به عنه و الذي نفس حذيفة بيده، لو وضع جميع أعمال أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله في كفّة الميزان منذ بعث اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى يوم الناس هذا، و وضع عمل واحد من أعمال عليّ في الكفّة الأخرى لرجح على أعمالهم كلّها. فقال ربيعة هذا المدح الذي لا يقام له و لا يقعد و لا يحمل، إنّي لأظنّه إسرافا يا أبا عبد اللّه. فقال حذيفة يا لكع و كان لا يحمل و أين كان المسلمون يوم الخندق و قد عبر إليهم عمرو و أصحابه، فملكهم الهلع و الجزع، و دعا إلى المبارزة فأحجموا عنه حتّى برز إليه عليّ عليه السلام فقتله و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من أعمال أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله إلى هذا اليوم و إلى أن تقوم الساعة.

توضيح ]قوله[ »إنّي لآخذ منك« لعلّه استفهام إنكاري أي إنّي لا أحتاج إلى فضول علمك و ثمرات رأيك، شبّهها بما ينبذ من فضول الغزل عند الحياكة لمناسبة كون الملعون حائكا. و قال الجوهري الهمس الصوت الخفيّ. و همس الأقدام أخفى ما يكون من صوت القدم. و قال الرمّة قطعة من الحبل بالية و منه قولهم »دفع إلي الشي‏ء برمّته«. و أصله أنّ رجلا دفع إلى رجل بعيرا بحبل في عنقه، فقيل ذلك لكلّ من دفع شيئا بجملته. و قال عتلت الرجل أعتله و أعتله إذا جذبته جذبا عنيفا، و العتلّ الجافي الغليظ. و قال الزنيم المستلحق في قوم ليس منهم ]و[ لا يحتاج إليه و قيل هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه. قوله »تحت جذع كافر« بالإضافة و يحتمل التوصيف، قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الكافر من الأرض ما بعد عن الناس. و الكفر الخشبة الغليظة القصيرة. و الأوّل أظهر. و قال ]الجواهري[ في الصحاح الطّمار المكان المرتفع. و قال التّقريض مدح الإنسان و هو حيّ. و قيل مدحه بباطل أو حقّ.

 نهج ]و[ قال عليه السّلام لعمّار بن ياسر و قد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما دعه يا عمّار فإنّه لم يأخذ من الدّين إلّا ما قاربته الدّنيا ]و[ على عمد لبّس على نفسه، ليجعل الشّبهات عاذرا لسقطاته.

بيان السقطة العثرة و الزلّة.

 نهج ]و[ قال عليه السلام للأشعث بن قيس معزّيا إن صبرت صبر الأكارم، إلّا سلوت سلوّ البهائم.

بيان سلاه و سلا عنه سلوا و سلوا نسيه فتسلى، و المعنى إن صبرت عند المصيبة و رضيت بقضاء اللّه، كنت من الأكارم و الأفاضل و فزت بالثواب، و إن لم تصبر فلا محالة تنسى المصيبة و تترك الجزع بعد زمان كالبهائم، فإنّها تنسى ما يصيبها بعد ذهاب ألمها و لا ثواب لها.

 كا أبو عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار، و محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال إنّ الرجل كان في القبيلة من شيعة عليّ عليه السلام، فيكون زينها أدّاهم للأمانة، و أقضاهم للحقوق و أصدقهم، إليه وصاياهم و ودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنّه لأدّانا للأمانة و أصدقنا للحديث.

 نهج ]و[ قال عليه السلام يهلك فيّ رجلان محبّ غال و مبغض قال.

بيان قلاه أي كرهه و أبغضه. و هو يشمل المخالفين أيضا لأنّ تقديم غيره عليه بغض له.

1074-  كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي عن يوسف بن كليب المسعودي عن معاوية بن هشام عن الصباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن أصحابه عن عليّ عليه السلام أنّه قال ادعو لي غنيا و باهلة و حيا آخر قد سمّاهم فليأخذوا عطاياهم، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة ما لهم في الإسلام نصيب، و إنّي لشاهد لهم في منزلي عند الحوض و عند المقام المحمود أنّهم أعدائي في الدنيا و الآخرة. و لئن ثبت قدماي لأردّنّ قبائل إلى قبائل و قبائل إلى قبائل، و لأبهرجنّ ستّين قبيلة ما لهم في الإسلام نصيب.

 و عن يوسف بن كليب عن يحيى بن سالم عن عمرو بن عمير عن أبيه عنه عليه السلام مثله.

 نهج ]و[ في حديثه عليه السلام هذا الخطيب الشّحشح.

قال السيّد ]الرضيّ[ رحمه اللّه يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها، و كلّ ماض في كلام أو سير فهو شحشح، و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك. بيان قال ابن أبي الحديد هذه الكلمة قالها ]عليه السلام[ لصعصعة بن صوحان، و كفى له فخرا أن يثني له علي عليه السلام بالمهارة و فصاحة اللسان، و كان صعصعة من أفصح الناس، ذكر ذلك شيخنا أبو عثمان.

 نهج ]و[ من كلام له عليه السلام كلّم به عبد اللّه بن زمعة و هو من شيعته، و ذلك إنّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا فقال عليه السلام إنّ هذا المال ليس لي و لا لك، و إنّما هو في‏ء المسلمين و جلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، و إلّا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم.

بيان جلب أسيافهم بالتحريك ما اجتلبته أسيافهم و ساقته إليهم.

 نهج ]و[ هنّأ بحضرته عليه السلام رجل رجلا بغلام ولد له فقال ليهنّئك الفارس. فقال عليه السلام لا تقل ذاك و لكن قل شكرت الواهب، و بورك لك في الموهوب، و بلغ أشدّه، و رزقت برّه.

بيان »شكرت الواهب« جملة دعائية أي رزقك اللّه شكره. و الأشدّ القوّة و فسّر بما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين.

 نهج ]و[ بنى رجل من عماله عليه السلام بناء فخما فقال ]علي[ عليه السّلام. أطلعت الورق رءوسها. إنّ البناء ليصف لك الغنى.

بيان قال الجوهري رجل فخم أي عظيم القدر. و قال الورق الدراهم المضروبة.

 نهج ]و[ قال عليه السلام و قد عزّى الأشعث بن قيس عن ابن له يا أشعث إن تحزن على ابنك فقد استحقّت ذلك منك الرحم، و إن تصبر ففي اللّه من كلّ مصيبة خلف. يا أشعث إن صبرت جرى عليك القدر و أنت مأجور، و إن جزعت جرى عليك و أنت مأزور. ]يا أشعث ابنك[ سرّك و هو بلاء و فتنة، و حزنك و هو ثواب و رحمة.

بيان »إن تحزن« ظاهره جواز الحزن، و لا ينافي كونه مأزورا على الجزع، فإنّ الحزن غير الجزع. و قال الشيخ الرضي رحمه اللّه قولهم »في اللّه من كلّ ما فات خلف« أي في ألطافه. و قال الجوهري الوزر الإثم و الثقل قال الأخفش تقول منه وزر يوزر، و وزر يزر، و وزر يؤزر، فهو موزور. و إنّما قال في الحديث »مأزورات« لمكان »مأجورات«، و لو أفرد لقال موزورات. ]و قوله[ »سرّك« أي الولد. و كونه فتنة لقوله تعالى إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ.

 يج روي أنّ عليا عليه السلام قال يوما لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي. فقال رجل في نفسه لآتينّه و لأقولنّ أنا أذهب بالمال فهو يثق بي، فإذا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية، فجاء إلى عليّ عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين أنا أذهب بالمال، فرفع رأسه إليّ و قال إليك عنّي تأخذ طريق الشام إلى معاوية.

 نهج ]و[ قيل إنّ الحارث بن حوط أتاه عليه السلام فقال أ تراني ]أظنّ أنّ[ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة فقال عليه السلام يا حار إنّك نظرت تحتك و لم تنظر فوقك فحرت، إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف أهله، و لم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. فقال الحارث فإنّي أعتزل مع سعد بن مالك و عبد اللّه بن عمر، فقال عليه السلام إنّ سعدا و عبد اللّه لم ينصرا الحقّ و لم يخذلا الباطل.

بيان قال الراوندي الصحيح »ابن حوط« بالحاء المهملة المفتوحة و ]وجدت[ بخطّ الرضي بالمعجمة المضمومة. و ]قوله[ »يا حار« في بعض النسخ بضمّ الراء و في بعضها بكسرها. ]قوله عليه السلام[ »نظرت تحتك« أي إلى الأمر الظاهر الذي يستولي عليه فكرك و نظرك و هو خطّة قتال أهل القبلة، و لم تنظر إلى الأمر العالي الذي هو فوق نظرك من وجوب قتالهم لبغيهم على الإمام العادل. و قيل أي نظرت في أعمال الناكثين من أصحاب الجمل المتمسّكين بظاهر الإسلام الذين هو دونك في المرتبة لبغيهم، فاغتررت بشبهتهم و لم تنظر إلى من هو فوقك و هو إمامك الواجب الطاعة و من تبعه من المهاجرين و الأنصار. و قيل نظره تحته كناية عن نظره إلى باطل شبهتهم المكتسبة عن محبّة الدنيا التي هي الخيبة، و نظره فوقه كناية عن نظره إلى الحقّ و تلقّيه من اللّه. و سعد بن مالك هو ابن أبي وقّاص. ]قوله عليه السلام[ »و لم يخذلا الباطل« أي ما سعيا في محق الباطل، و ليس يعني بالخذلان عدم المساعدة. و قيل هو من قولهم »خذلت الوحشية« إذا قامت على ولدها أي لم يقيما عليه و لم ينصراه.

1083-  كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن زاذان قال انطلقت مع قنبر إلى عليّ عليه السلام فقال قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئة. قال فما هو قال قم معي فقام فانطلق إلى بيته فإذا باسنة مملوءة جامات من ذهب و فضّة فقال يا أمير المؤمنين إنّك لا تترك شيئا إلّا قسمته فادّخرت هذا لك. قال عليّ عليه السلام لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا كثيرة فسلّ سيفه فضربها فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه أو ثلثه، ثمّ قال اقسموه بالحصص. ففعلوا و جعل ]علي[ يقول

هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه

]ثمّ قال[ يا بيضاء و يا صفراء غرّي غيري قال و في البيت مساك و إبر فقال اقسموا هذا فقالوا لا حاجة لنا فيه قال و كان يأخذ من كلّ عامل مما يعمل و الذي نفسي بيده لتأخذنّ شرّه مع خيره

  و عن حبيب بن أبي ثابت أنّه قال قال عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب لعليّ عليه السلام يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فو اللّه ما عندي ]نفقة[ إلّا أن أبيع بعض علوفي. قال له لا و اللّه ما أجد لك شيئا إلّا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك.

بيان »فإذا باسنة« كذا في نسخ ]كتاب[ الغارات. و ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس الباسنة جوالق غليظ من مشاقة الكتان. انتهى. و يحتمل أن يكون ]»فإذا بأشنّة«[ بالشين المعجمة جمع الشّنّ ]و هي القربة[. و في رواية ابن أبي الحديد »فإذا بغرارة« و هي الجوالق. و المساك جمع مسك بالتحريك و هي الأسورة و الخلاخل من القرون و العاج. و في رواية ابن أبي الحديد »]و في البيت[ مسك« و هو أظهر. و العلوفة الناقة أو الشاة تعلفها و لا ترسلها فترعى. و في بعض النسخ ]»علوقي«[ بالقاف و هو ما يعلق به الإنسان كناية عن الثياب، و اسم لنوع من الناقة أيضا. و في رواية ابن أبي الحديد »إلّا أن أبيع دابّتي«.

 يج روي أنّ الأشعث بن قيس استأذن على عليّ عليه السلام فردّه قنبر، فأدمى أنفه فخرج علي عليه السلام و قال ما ذاك يا أشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف مررت لاقشعرت شعيرات استك قال و من غلام ثقيف قال غلام يليهم لا يبقى بيت من العرب إلّا أدخلهم الذلّ. قال كم يلي قال عشرين إن بلغها. ]ثم[ قال الراوي و لي الحجّاج سنة خمس و سبعين و مات سنة خمس و تسعين.

 يج و روى جميع بن عمير قال اتّهم عليّ عليه السلام رجلا يقال له العيزار برفع أخباره إلى معاوية، فأنكر ذلك و جحد فقال لتحلف باللّه إنّك ما فعلت قال نعم، و بدر يحلف. فقال ]له علي[ إن كنت كاذبا فأعمى اللّه بصرك. ]قال[ فما دارت الجمعة حتّى أخرج أعمى يقاد، قد أعمى اللّه بصره.

 ما جماعة عن أبي المفضّل عن محمد بن القاسم بن زكريا عن عبّاد بن يعقوب، عن مطر بن أرقم عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن صفوان بن قبيصة، عن الحارث بن سويد عن عبد اللّه بن مسعود قال قرأت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سبعين سورة من القرآن أخذتها من فيه، و زيد ]بن ثابت[ ذو ذؤابتين يلعب مع الغلمان، و قرأت سائر أو قال بقيّة القرآن على خير هذه الأمّة، و أقضاهم بعد نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب.

 ما جماعة عن أبي المفضّل عن عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز عن شريح بن يونس، عن هيثم بن بشير عن يعلى بن عطاء عن عبد اللّه بن نافع أنّ أبا موسى ]الأشعري[ عاد الحسن بن عليّ عليه السلام، فقال عليّ عليه السلام أما إنّه لا يمنعنا ما في أنفسنا عليك أن نحدّثك بما سمعنا ]سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال[ إنّه من عاد مريضا شيّعه سبعون ألف ملك، كلّهم يستغفر له إن كان مصبحا حتّى يمسي، و إن كان ممسيا حتّى يصبح، و كان له خريف في الجنّة.

1093-  كتاب الغارات عن قدم الضبّي قال بعث عليّ عليه السلام إلى لبيد بن عطارد التميمي ليجاء به، فمرّ ]الذي أخذه إلى أمير المؤمنين[ بمجلس من مجالس بني أسد و فيه نعيم بن دجاجة، فقام نعيم فخلّص الرجل، فأتوا أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا أخذنا الرجل فمررنا به على نعيم بن دجاجة فخلّصه و كان نعيم من شرطة الخميس فقال عليّ بنعيم. ]فأتى به[ فأمر به أن يضرب ضربا مبّرحا، فلمّا ولّوا به ]إلى السجن[ قال يا أمير المؤمنين إن المقام معك لذلّ و إنّ فراقك كفر. قال إنّه لكذاك قال نعم. قال خلّوا سبيله.

 و عن الفضل بن دكين عن الحسن بن حيّ عن ابن أبي ليلى قال إنّ عليا عليه السلام رزق شريحا القاضي خمس مائة.

 و عن إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر عن سالم الجعفي عن الشعبي قال وجد علي عليه السلام درعا له عند نصراني فجاء به إلى شريح يخاصمه إليه، ]فلما نظر إليه[ ذهب يتنحّى، فقال مكانك. و جلس إلى جنبه و قال يا شريح أما لو كان خصمي مسلما ما جلست إلّا معه، و لكنّه نصراني، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كنتم و إيّاهم في طريق فألجئوهم إلى مضائقة، و صغّروا بهم كما صغّر اللّه بهم في غير أن تظلموا. ثمّ قال عليّ عليه السلام إنّ هذه درعي لم أبع و لم أهب. فقال النصراني ما الدرع إلّا درعي، و ما أمير المؤمنين عندي بكاذب. فالتفت شريح إلى عليّ عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين هل من بيّنة قال لا. فقضى بها ]شريح[ للنصراني. ]فأخذها النصراني[ فمشى هنيئة ثم أقبل، فقال أمّا أنا فأشهد أنّ هذه أحكام النبيين، ]أمير المؤمنين[ يمشي إلى قاضيه و قاضيه يقضي عليه أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، الدرع و اللّه درعك يا أمير المؤمنين. قال أمّا إذا أسلمت فهي لك و حمله على فرس.

 قال الشعبي فأخبرني من رآه يقاتل مع علي عليه السلام الخوارج بالنهروان.

 و عن أبي عمرو الكندي قال كنّا ذات يوم عند عليّ فوافق الناس منه طيب نفس و مزاج، فقالوا يا أمير المؤمنين حدّثنا عن أصحابك. قال عن أيّ أصحابي تسألونني قالوا عن أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله. قال كلّ أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله أصحابي، فعن أيّهم تسألونني قالوا عن الذين رأيناك تلطفهم بذكرك و بالصلاة عليهم دون القوم. قال عن أيّهم قالوا حدّثنا عن عبد اللّه بن مسعود قال قرأ القرآن و علم السنّة و كفى بذلك. قالوا فو اللّه ما درينا بقوله »و كفى بذلك« كفى بقراءة القرآن و علم السنّة أم كفى بعبد اللّه. قال فقلنا حدّثنا عن أبي ذرّ. قال كان يكثر السؤال فيعطي و يمنع، و كان شحيحا حريصا على دينه، حريصا على العلم الجزم، قد ملئ في وعاء له حتّى امتلأ وعاؤه علما عجز فيه. قال فو اللّه ما درينا بقوله »عجز فيه« أعجز عن كشفه ما كان عنده أو عجز عن مسألته. قلنا حدّثنا عن حذيفة بن اليمان قال علم أسماء المنافقين، و سأل عن المعضلات حين غفل ]غيره[ عنها، و لو سألوه لوجدوه بها عالما. قالوا فحدّثنا عن سلمان الفارسي قال من لكم بمثل لقمان الحكيم و ذلك امرؤ منّا و إلينا أهل البيت، أدرك العلم الأوّل و أدرك العلم الآخر، و قرأ الكتاب الأوّل و قرأ الكتاب الآخر بحر لا ينزف. قلنا فحدّثنا عن عمّار بن ياسر قال ذلك امرؤ خالط اللّه الإيمان بلحمه و دمه و شعره و بشره حيث زال ]الحقّ[ زال معه، و لا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا. قلنا فحدّثنا عن نفسك قال مهلا، نهانا اللّه عن التزكية. ]ف[ قال له رجل فإنّ اللّه يقول وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ قال فإنّي أحدّث بنعمة ربّي. كنت و اللّه إذا سألت أعطيت، و إذا سكتّ ابتديت، و إنّ تحت الجوانح منّي علما جمّا فاسألوني. فقام إليه ابن الكوّاء. فسأله عن مسائل أوردناها في محالّها ]من هذا الكتاب[.

 و عن النعمان بن سعد قال رأيت عليا عليه السلام على المنبر يقول أين الثمودي فطلع الأشعث فأخذ كفّا من الحصا و ضرب وجهه فأدماه، و انجفل و انجفل الناس معه و يقول ترحا لهذا الوجه ترحا لهذا الوجه.

بيان الترح ضدّ الفرح. و الهلاك و الانقطاع.

 و في ]كتاب[ الغارات عن عبّاد بن عبد اللّه الأسدي، قال كنت جالسا يوم الجمعة و عليّ عليه السلام يخطب على منبر من آجر، و ابن صوحان جالس فجاء الأشعث فقال يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على وجهك فغضب ]عليّ عليه السلام[ فقال ]صعصعة[ ليبيّن اليوم من أمر العرب ما كان يخفى فقال عليّ عليه السلام من يعذرني عن هؤلاء الضياطرة، يقبل أحدهم يتقلّب على حشاياه، و يهجّر قوم لذكر اللّه، فيأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين. و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لقد سمعت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله يقول ليضربنكم و اللّه على الدّين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا.

 قال مغيرة كان علي عليه السلام أميل إلى الموالي و ألطف بهم، ]و[ كان عمر أشدّ تباعدا منهم.

بيان قال الجزري في ]مادة »حمر« من كتاب النهاية[ حديث عليّ عليه السلام »غلبتنا عليك هذه الحمراء«. يعنون العجم و الروم. و العرب تسمّي الموالي الحمراء. و ]أيضا[ قال ]الجزري[ في ]مادة »حشى« و »ضيطرة«[ و في حديث عليّ »من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتخلّف أحدهم يتقلّب على حشاياه« الضياطرة هم الضخام الذين لا غناء عندهم. الواحد ضيطار، و الياء زائدة. و الحشايا الفرش واحدها حشيّة بالتشديد. انتهى. أقول »يهجّر« على التفعيل بمعنى السير في الهاجرة، قال ]ابن الأثير[ في النهاية ]و[ منه حديث زيد بن عروة »هل مهجّر كمن قال« أي هل من سار في الهاجرة كمن نام في القائلة

 نهج ]و[ قال عليه السلام لكاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع ألق دواتك، و أطل جلفة قلمك، و فرّج بين السطور، و قرمط بين الحروف، فإنّ ذلك أجدر بصباحة الخطّ.

بيان قال الجوهري لاقت الدواة تليق أي لصقت. و لقتها أنا يتعدّى و لا يتعدّى فهي مليقة إذا أصلحت مدادها، و ألقتها إلّاقة لغة فيه. و قال الجلف القشر يقال جلفت الطين عن رأس الدّن أجلفه بالضمّ. و جلفت الشي‏ء قطعته و استأصلته. و قال ابن أبي الحديد الجلفة هيئة فتحة القلم، و أصله القشر.

 نهج ]و[ قال أمير المؤمنين عليه السلام يأتي على النّاس زمان، لا يبقى فيهم من القرآن إلّا رسمه، و من الإسلام إلّا اسمه، مساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها و عمّارها شرّ أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة، و إليهم تأوي الخطيئة. يردّون من شذّ عنها فيها، و يسوقون من تأخّر عنها إليها، يقول اللّه سبحانه »فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة أترك الحكيم فيها حيران«. و قد فعل، و نحن نستقيل اللّه عثرة الغفلة.

 بيان ]قوله عليه السلام[ »إلّا رسمه« أي كتابته دون العمل به و تلاوته كما ينبغي. و قيل رسم القرآن تلاوته و هو أثره. ]قوله عليه السلام[ »و إليهم تأوي« كناية عن شدّة ملازمتهم لها، أو عن رجوع آثامها إليهم، لكونهم سبب شيوعها في النّاس و الضمائر المؤنّثة إمّا راجعة إلى الفتنة أو الخطيئة. و قيل ينبغي أن يكون ]عليه السلام[ قد قال هذا الكلام في أيّام خلافته لأنّها كانت أيّام السيف المسلّط على أهل الضلال من المسلمين، و كذلك ما بعثه اللّه عزّ و جلّ على بني أميّة و أتباعهم من سيوف بني هاشم، بعد انتقاله عليه السلام ]إلى اللّه[، و على هذا ينبغي أن يحمل قوله عليه السلام »و قد فعل« على دنوّ وقوع الفعل، أو أنّه قضي في علم اللّه و قدّر حتما. أو يكون قوله عليه السلام »يأتي على الناس زمان« بمعنى أنّ مثل ذلك من الأمور الممكنة التي تجري على الخلق، و إن كان قد وقع. و يمكن أن يكون إخبارا عن وقوع الأمور في آخر الزمان، و يحمل قوله »و قد فعل« على أحد الوجهين، و يكون الحكم بدنوه مثل قوله تعالى » اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ« [1-  القمر 54].

 ]نهج[ و قال عليه السّلام لغالب بن صعصعة أبي الفرزدق في كلام دار بينهما ما فعلت إبلك الكثيرة فقال ذعذعتها الحقوق يا أمير المؤمنين. فقال عليه السّلام ذاك أحمد سبلها.

 بيان »ما فعلت إبلك« أي كيف تلفت ]أو ما شأنها هل هي على حالها، أم طرأت عليها الزيادة و النقيصة[. ]و[ »ذعذعتها الحقوق« أي فرّقتها المصارف الضرورية من الزكاة و الجهاد و نوائب القبيلة و أمثالها. و ]قوله عليه السلام[ »أحمد ]سبلها[« من المبنيّ للمفعول.

1117-  كتاب الغارات بإسناده عن عليّ بن النعمان قال قال عليّ عليه السلام لئن ملكت لأرمينّه بالحجارة. يعني المغيرة ]بن شعبة[ و كان ينتقص عليا عليه السلام.

 و عن جندب بن عبد اللّه قال ذكر المغيرة بن شعبة عند عليّ عليه السلام فقال و ما المغيرة إنّما كان سبب إسلامه لفجرة و غدرة لمطمئنّين إليها ركبها منهم فهرب، فأتى النبي صلّى اللّه عليه و آله كالعائذ بالإسلام و اللّه ما رأى ]أحد[ عليه من ادّعاء الإسلام خضوع و لا خشوع. ألّا و إنّه كان من ثقيف فراعنة يجانبون الحقّ و يسعرون نيران الحرب و يوازرون الظّالمين. ألا لأنّ ثقيفا قوم غدر لا يوفون بعهد، يبغضون العرب، كأنّهم ليسوا منهم و لربّ صالح قد كان فيهم منهم عروة بن مسعود و أبو عبيد بن مسعود. و أمّا الوليد بن عقبة فهو الذي سمّاه اللّه في كتابه فاسقا، و هو أحد الصبية الذين بشرّهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالنار و ]قد[ قال شعرا يردّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قوله حيث قال في عليّ عليه السلام »إن تولّوه تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم« فقال ]الوليد في ردّ هذا القول[

فإن يك قد ضل البعير بحمله فلم يك مهديّا و لا كان هاديا

فهو من مبغضي عليّ عليه السلام و أعدائه و أعداء النبي صلّى اللّه عليه و آله لأنّ أباه قتله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ صبرا يوم بدر بالصفراء.

 و عن مغيرة الضبيّ قال مرّ ناس بالحسن بن عليّ عليه السلام و هم يريدون عيادة الوليد بن عقبة، و هو في علّة شديدة، فأتاه الحسن عليه السلام معهم عائدا، فقال للحسن عليه السلام »أتوب إلى اللّه مما كان بيني و بين جميع الناس، إلّا ما كان بيني و بين أبيك« يقول أي لا أتوب منه.

قال إبراهيم و لحق بمعاوية يزيد بن حجيّة، و وائل بن حجر الحضرمي، و مصقلة بن هبيرة الشيباني، و القعقاع بن شور، و طارق بن عبد اللّه، و النجاشي الشاعر. و كان أصحابه لمّا نزل بقلوبهم من الفتنة و البلاء و الركون إلى الدنيا، يغدرون و يختانون مال الخراج و يهربون إلى معاوية.

 و عن الأعمش قال كان عليّ عليه السلام يولّيهم الولاية و الأعمال فيأخذون ]ما يقدرون عليه من الأموال[ و يهربون إلى معاوية، منهم المنذر بن الجارود العبدي. قال كان علي عليه السّلام ولّى المنذر بن الجارود فارسا فاحتاز مالا من الخراج. قال ]و[ كان المال أربع مائة ألف درهم، فحبسه عليّ عليه السّلام فشفّع فيه صعصعة بن صوحان إليه عليه السلام، و قام بأمره و خلصّه، و كان صعصعة من مناصحيه عليه السلام.

  قال الأسود بن قيس جاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام عائدا صعصعة فدخل عليه فقال له يا صعصعة لا تجعلنّ عيادتي إليك أبّهة على قومك. فقال لا و اللّه يا أمير المؤمنين، و لكن نعمة و شكرا. فقال له علي عليه السلام إن كنت ما علمت لخفيف المئونة عظيم المعونة. فقال صعصعة و أنت و اللّه يا أمير المؤمنين ما علمت بكتاب اللّه لعليم، و إنّ اللّه في صدرك لعظيم، و إنّك بالمؤمنين لرءوف رحيم.

و منهم يزيد بن حجيّة. أقول و ذكر أحواله و أحوال جماعة من الفارّين الخاذلين، أوردنا ]سابقا[ أحوالهم برواية ابن أبي الحديد عنه و عن غيره. ثمّ قال ]صاحب الغارات[ و منهم الهجنّع عبد اللّه بن عبد الرحمن بن مسعود الثقفي شهد مع علي عليه السلام صفّين، و كان في أوّل أمره مع معاوية ثمّ صار إلى علي ثم رجع بعد إلى معاوية سمّاه علي عليه السلام الهجنّع. و الهجنّع الطويل. و منهم القعقاع بن شور،

 حدّثنا جرير بن عبد الحميد عن ]أبي[ إسحاق الشيباني قال قال علي عليه السلام تسألوني المال و قد استعملت القعقاع بن شور على كسكر، فأصدق امرأته بمائة ألف و ايم اللّه لو كان كفوا ]لها[ ما أصدقها ذلك

 و عن ميسرة قال قال عليّ عليه السلام قاتلوا أهل الشام مع كلّ إمام بعدي.

 و عن الواقدي قال إنّ عمرو بن ثابت الذي روى عن أبي أيّوب حديث »ستة أيّام من شوّال« كان يركب بالشام في القرى، فإذا دخل قرية جمع أهلها ثمّ يقول أيّها الناس إنّ عليّ بن أبي طالب كان رجلا منافقا، أراد أن ينفّر برسول اللّه صلّى اللّه عليه ليلة العقبة فالعنوه. قال فيلعنه أهل تلك القرى ثم يسير إلى الأخرى، فيأمرهم بمثل ذلك. و عن الحسن بن الحرّ قال لقيت مكحولا فإذا هو مملوء بغضا لعلي عليه السلام، فلم أزل به حتّى لان أو سكن. و عن محمد بن عبد اللّه بن قارب قال إنّي عند معاوية لجالس إذ جاء أبو موسى فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين. قال ]معاوية[ و عليك السلام. فلمّا تولّى قال و اللّه لا يلي على اثنين حتّى يموت. و كان أبو بكرة ]نفيع بن الحارث[ لمّا قدم علي عليه السلام البصرة لقي الحسن بن أبي الحسن، و هو متوجّه نحو علي عليه السلام فقال ]له[ إلى أين قال إلى عليّ عليه السلام. قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من القاعد، و القاعد فيها خير من القائم. ]قال الحسن[ فلزمت بيتي، فلمّا كان بعد لقيت جابر بن عبد اللّه و أبا سعيد فقالوا أين كنت. فحدّثتهم بما قال أبو بكرة فقالوا لعن اللّه أبا بكرة إنّما قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ]ذلك[ لأبي موسى »تكون بعدي فتنة أنت فيها نائم خير منك قاعد، و أنت فيها قاعد خير منك ساع«. و قال لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد، فكان يحدّث و يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و قال أبو القاسم و قال خليلي. فجاءه شابّ من الأنصار يتخطّى الناس حتّى دنا منه، فقال يا أبا هريرة حديث أسألك عنه فإن كنت سمعته من النّبي صلّى اللّه عليه و آله حدّثنيه، أنشدك باللّه ]أ[

 سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول لعليّ »من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه«

قال أبو هريرة نعم و الذي لا إله إلّا هو لسمعته من النبي صلّى اللّه عليه يقول لعليّ »من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه«. فقال له الفتى لقد و اللّه واليت عدوّه و عاديت وليّه ]قال[ فتناول بعض الناس الشّابّ بالحصى، و خرج أبو هريرة فلم يعد إلى المسجد حتّى خرج من الكوفة.

 ]الباب الخامس و الثّلاثون[ باب النّوادر

 كنز الفوائد للكراجكي ]قال[ حدّثني الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى الحسيني عن ميمون بن حمزة الحسيني قال رأيت المعمّر المغربي، و قد أتي به إلى الشّريف أبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل سنة عشر و ثلاثمائة و أدخل إلى داره و معه خمسة رجال أغلقت الدار و ازدحم الناس، و حرصت في الوصول إلى الباب فما قدرت لكثرة الزحام فرأيت بعض غلمان الشريف أبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل و هما قنبر و فرّخ و عرّفتهما أنّي أشتهي أن أنظره فقالا لي در إلى باب الحمام بحيث لا يدرى بك. فصرت إليه ففتحا لي سرّا و دخلت و أغلقت الباب، و حصلت في مسلخ الحمام فإذا قد فرش له ليدخل الحمام فجلست يسيرا فإذا به قد دخل، و هو رجل نحيف الجسم، ربع من الرجال، خفيف العارضين، آدم اللون، إلى القصر ]أقرب[ ما هو، أسود الشعر يقدّر الإنسان أنّ له نحوا من الأربعين سنة، و في صدغيه أثر كأنّه ]أثر[ ضربة، فلمّا تمكّن من الجلوس و النفر معه و أراد خلع ثيابه قلت له ما هذه الضربة فقال أردت أن أناول مولاي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام السوط يوم النهروان فقص الفرس رأسه فضربني باللّجام و كان حديدا فشجّني. فقلت له أدخلت هذه البلدة قديما فقال نعم و كان موضع جامعكم السفلاني مبصلة و فيه بئر. فقلت هؤلاء أصحابك فقال ]هم[ ولدي و ولد ولدي. ثمّ دخل الحمّام فجلست حتّى خرج و لبس ثيابه، فرأيت عنفقته قد ابيضّت، فقلت له ]أ[ كان بها صباغ قال لا و لكن إذا جعت ابيضّت و إذا شبعت اسودّت فقلت قم ]و[ ادخل الدار حتّى تأكل. فدخل الباب.

 1119-  و روى الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه حجّ في تلك السنة و فيها حجّ نصر القشوري صاحب المقتدر قال فدخلت مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أصبت فيها قافلة البصريين و فيها أبو بكر محمد بن علي البادراني، و معه رجل من أهل المغرب يذكر أنّه رأى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ازدحم عليه الناس و جعلوا يتمسّحون به و كادوا يقتلونه. قال فأمر عمّي أبو القاسم طاهر بن يحيى فتيانه و غلمانه أن يفرّجوا عنه ففعلوا، و دخلوا به إلى دار ابن سهل اللطفي، و كان طاهر يسكنها، و أذن للناس فدخلوا، و كان معه خمسة رجال ذكر أنّهم أولاده و أولاده، فيهم شيخ له نيّف و ثمانون سنة، فسألناه عنه فقال هذا ابني. و ]كان فيهم[ اثنان ]آخران[ لكلّ واحد منهما ستّون سنة أو خمسون سنة، و آخر له سبعون سنة فقال هذا ابن ابني. و ]فيهم[ آخر له ستّ عشرة سنة فقال هذا ابن ابن ابني، و لم يكن له أصغر منه، و كان إذا رأيته قلت هذا ابن ثلاثين أو أربعين سنة، أسود الرأس و اللحية، شابّ نحيف الجسم، آدم، ربع القامة و خفيف العارضين، هو إلى القصر أقرب، و اسمه علي بن عثمان بن الخطاب. فممّا سمعت من حديثه الذي حدّث الناس به أنّه قال خرجت من بلدي أنا و أبي و عمّي نريد الوفود على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كنّا مشاة في قافلة، فانقطعنا عن الناس، و اشتدّ بنا العطش و عدمنا الماء، و زاد بأبي و عمّي الضعف فأقعدتهما إلى جانب شجرة و مضيت ألتمس لهما ماء فوجدت عينا حسنة و فيها ماء صاف في غاية البرد و الطيبة، فشربت حتّى ارتويت، ثمّ نهضت لآتي بأبي و عمي إلى العين فوجدت أحدهما قد مات فتركته بحاله، و أخذت الآخر و مضيت في طلب العين، فاجتهدت إلى أن أراها فلم أرها و لا عرفت موضعها، و زاد العطش به حتّى مات، فحرصت في أمره حتّى واريته، و عدت إلى الآخر فواريته أيضا. و سرت وحدي إلى أن انتهيت إلى الطريق و لحقت بالناس و دخلت المدينة، و كان دخولي إليها في اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فرأيت الناس منصرفين من دفنه فكانت أعظم الحسرات دخلت بقلبي، و وافى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فحدّثته حديثي فأخذني و أقمت معه مدّة خلافة أبي بكر و عمر و عثمان، و في أيّام خلافته حتّى قتله عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة. قال و لمّا حوصر عثمان بن عفّان في داره، دعاني و دفع إلي كتابا و نجيبا و أمرني بالخروج إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و كان عليّ عليه السلام غائبا ب »ينبع« في ضياعه و أمواله، فأخذت الكتاب و ركبت النجيب و سرت حتّى إذا كنت بموضع يقال له جنان أبي عباية، سمعت قرآنا فإذا أمير المؤمنين ]عليه السلام[ يقرأ أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ قال فلمّا نظر إليّ قال يا أبا الدنيا ما وراءك قلت هذا كتاب عثمان فقرأه فإذا فيه

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل و إلّا فأدركني و لمّا أمزّق

فلمّا قرأه قال سرسر. فدخلنا المدينة ساعة قتل عثمان، فمال أمير المؤمنين عليه السلام إلى حديقة بني النّجار، و علم الناس بمكانه فجاءوا إليه ركضا و قد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة، فلمّا نظروا إليه ارفضوا من طلحة ارفضاض الغنم يشدّ عليها السبع. فبايعه طلحة و الزبير فتابع المهاجرون و الأنصار يبايعونه، فأقمت معه أخدمه. و حضرت معه صفّين أو قال النّهروان فكنت عن يمينه إذ سقط السّوط من يده، فانكببت لآخذه و أرفعه إليه، و كان لجام دابّته حديدا مدمجا فشجّني هذه الشّجّة فدعاني أمير المؤمنين عليه السلام فتفل فيها و أخذ حفنة من تراب فتركها عليها، فو اللّه ما وجدت ألما و لا وجعا، ثمّ أقمت معه حتّى قتل عليه السلام. و صحبت الحسن ]بن عليّ عليه السلام[ حتّى ضرب بالساباط و حمل إلى المدائن، و لم أزل معه بالمدينة حتّى مات مسموما، سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي )لعنة اللّه عليهما(. ثمّ خرجت مع الحسين عليه السلام بكربلاء، و قتل عليه السلام فهربت بديني، و أنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي، و ظهور عيسى ابن مريم عليهما السلام. قال الشريف أبو محمد حسن بن محمد الحسيني و مما رأيت من هذا الشيخ علي بن عثمان، و هو إذ ذاك في دار عمّي طاهر بن يحيى و يحدّث أحاديثه، و بدء خروجه إذ نظرت إلى عنفقته فرأيتها قد احمرت ثمّ ابيضّت، فجعلت أنظر إلى ذلك لأنّه لم يكن في لحيته و لا رأسه و لا عنفقته بياض، فنظر إليّ ]و أنا[ أنظر إليه فقال ما ترون إنّ هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت إلى سوادها، فدعا عمّي بطعام فأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت بين يديه، و كنت أنا ممن جلس معه عليها و جلس عمي معه، فكان يأكل و يلقمه فأكل آكل شابّ و عمّي يحلف عليه، و أنا أنظر إلى عنفقته تسودّ حتّى عادت إلى سوادها و شبع.

 4331-  ثم قال ]الكراجكي[ و حدّثني القاضي أسد بن إبراهيم السلمي و الحسين بن محمد الصيرفي، جميعا عن محمد بن محمد المعروف بالمفيد عن علي بن عثمان المعروف بأبي الدنيا الأشجّ المعمّر قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول كلمة الحقّ ضالّة المؤمن، حيث وجدها فهو أحقّ بها.

 و بهذا الإسناد قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، و أبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طوبى لمن رآني أو رأى من رآني أو رأى من رأى من رآني.

 و بالإسناد إلى أمير المؤمنين قال عهد إلى النّبي الأميّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن و لا يبغضك إلّا منافق.

 و بالإسناد قال قال علي ]عليه السلام[ في الزّنا ستّ خصال ثلاث في الدنيا و ثلاث في الآخرة. فأمّا اللواتي في الدنيا فيذهب بنور الوجه، و يقطع الرزق، و يسرع الفناء. و أمّا اللّواتي في الآخرة فغضب الربّ عزّ و جلّ، و سوء الحساب، و الدخول في النار.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار.

 و بالإسناد قال قال عليه السلام لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سألت اللّه عزّ و جلّ أن يجعلها أذنك يا عليّ.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تتّخذوا قبري عيدا، و لا تتّخذوا قبوركم مساجد، و لا بيوتكم قبورا، و صلّوا عليّ حيث كنتم فإنّ صلاتكم تبلغني و تسليمكم يبلغني.

 و بالإسناد عن عليّ عليه السلام قال ما رمدت و لا صدعت منذ يوم دفع إلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الراية يوم خيبر.

 و بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال من جلس في مجلسه ينتظر الصّلاة فهو في صلاة، و صلّت عليه الملائكة، و صلاتهم عليه اللّهمّ اغفر له اللهمّ ارحمه.

 و بالإسناد قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يحجبه و لا يحجزه عن قراءة القرآن إلّا الجنابة.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحرب خدعة.

 و بالإسناد قال قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الدين قبل الوصيّة، و أنتم تقرءون مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ. و إنّ أعيان بني الأمّ يتوارثون دون بني العلّات، يرث الرجل أخاه لأبيه و أمّه دون أخيه لأبيه.

 قال أبو بكر المعروف بالمفيد رأيت أثر الشجّة في وجهه ]حينما لقيته[ و قال أخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بحديثي و قصتي في سفري و موت أبي و عمي و العين التي شربتها منها وحدي فقال هذه عين لم يشرب منها أحد إلّا عمّر عمرا طويلا، فأبشر، ما كنت لتجدها بعد شربك منها. قال أبو بكر و سألت عن الأشجّ أقواما من أهل بلده فقالوا هو مشهور عندنا بطول العمر، يحدّثنا بذلك عن آبائهم عن أجدادهم.

 فأمّا الأحاديث التي رواها عن الأشجّ أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني مما لم يروه أبو بكر محمد بن أحمد الجرجرائيّ فهي قال الشريف أبو محمّد حدّثني علي بن عثمان المعروف بالأشجّ ]قال[ حدّثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني و من أبغضهم فقد أبغضني.

 قال و حدّثني أمير المؤمنين عليه السّلام قال قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنا و أنت يا عليّ أبوا هذا الخلق، فمن عقّنا فعليه لعنة اللّه، أمّن يا عليّ فقلت آمين يا رسول اللّه. و قال يا علي أنا و أنت أجيرا هذا الخلق، فمن منعنا أجرنا فعليه لعنة اللّه، أمّن يا علي. ]فقلت آمين يا رسول اللّه[. ]و قال يا علي[ أنا و أنت موليا هذا الخلق، فمن جحدنا ولاءنا و أنكرنا حقّنا فعليه لعنة اللّه، أمّن يا عليّ. فقلت آمين يا رسول اللّه.

بيان قوله »مدمّجا« أي دخل بعضه في بعض. و في بعض النسخ »مزجّجا«. يقال أزججت الرمح أي جعلت له زجّا. و زجّجت المرأة حاجبيها دقّقته و طوّلته. قوله ]صلّى اللّه عليه و آله[ »لا تتّخذوا قبري عيدا« أي عادة بكثرة الزيارة أو مجمعا للأمور. و في سائر الروايات »مسجدا« و هو الظّاهر.

1156-  و قال ابن أبي الحديد ففي شرح النهج روى جعفر بن سليمان عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما لعلي عليه السلام ما يلقى بعده من العنت فأطال، فقال له علي عليه السلام أنشدك اللّه و الرّحم يا رسول اللّه لمّا دعوت اللّه أن يقبضني إليه قبلك فقال كيف أسأله في أجل مؤجّل. قال يا رسول اللّه فعلام أقاتل من أمرتني بقتاله قال على الحدث في الدّين.

 و روى الأعمش عن عمّار الدّهني عن أبي صالح الحنفي عن علي عليه السلام قال قال لنا يوما لقد رأيت اللّيلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام فشكوت إليه ما لقيت حتّى بكيت، فقال لي انظر. ]فنظرت[ فإذا جلاميد، و إذا رجلان مصفّدان قال الأعمش هما معاوية و عمرو بن العاص قال فجعلت أرضخ رءوسهما ثمّ تعود، ثمّ أرضخ رءوسهما ثم تعود حتّى انتبهت.

 و روى قيس بن الربيع عن يحيى بن هانئ المراديّ عن رجل من قومه يقال له زياد بن فلان قال كنّا في بيت مع علي عليه السلام و نحن شيعته و خواصّه، فالتفت ]علي[ فلم ينكر منّا أحدا فقال إنّ هؤلاء سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم، و يسملون أعينكم. فقال رجل منّا و أنت حيّ يا أمير المؤمنين قال أعاذني اللّه من ذلك. فالتفت فإذا واحد يبكي فقال له يا ابن الحمقاء أ تريد باللّذات في الدنيا الدّرجات في الآخرة إنّما وعد اللّه الصّابرين.

  و روى زرارة بن أعين عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال كان علي عليه السلام إذا صلّى الفجر لم يزل معقّبا إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء و المساكين و غيرهم من الناس، فيعلّمهم الفقه و القرآن. و كان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك، فقام يوما فمرّ برجل فرماه بكلمة هجر قال و لم يسمّه محمد بن علي فرجع عوده على بدئه حتّى صعد المنبر، و أمر فنودي الصلاة جامعة، فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال أيّها الناس إنّه ليس شي‏ء أحبّ إلى اللّه و لا أعمّ نفعا من حلم إمام و فقهه، و لا شي‏ء أبغض إلى اللّه و لا أعمّ ضررا من جهل إمام و خرقه. ألا و إنّه من لم يكن له من نفسه واعظ، لم يكن له من اللّه حافظ. ألا و إنّه من أنصف من نفسه، لم يزده اللّه إلّا عزّا. ألا و إنّ الذلّ في طاعة اللّه أقرب إلى اللّه من التعزّز في معصيته. ثمّ قال أين المتكلّم آنفا. فلم يستطع الإنكار فقال ها أنا ذا يا أمير المؤمنين. فقال أما إنّي لو أشاء لقلت. فقال أو تعفو و تصفح فأنت أهل لذلك. فقال عفوت و صفحت. فقيل لمحمد بن علي عليه السلام ما أراد أن يقول. قال أراد أن ينسبه.

 و روى زرارة أيضا قال قيل لجعفر بن محمد عليه السلام إنّ قوما هاهنا ينتقصون عليا عليه السلام. فقال بم ينتقصونه لا أبا لهم و هل فيه موضع نقيصة و اللّه ما عرض لعلي عليه السلام أمران قطّ كلاهما للّه طاعة إلّا عمل بأشدّهما و أشقّهما عليه و لقد كان يعمل العمل كأنّه قائم بين الجنّة و النار، ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له، و ينظر إلى عقاب هؤلاء فينتهي له، و إن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال وَجَّهْتُ وَجْهِيَ تغيّر لونه حتّى ]كان[ يعرف ذلك في لونه. و لقد أعتق ألف عبد من كدّ يده، يعرق فيه جبينه و يحفى فيه كفّه. و لقد بشّر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال بشّر الوارث، ثمّ جعلها صدقة على الفقراء و المساكين و ابن السبيل إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، ليصرف اللّه النار عن وجهه.

 و روى القنّاد عن أبي مريم الأنصاري عن عليّ عليه السلام قال لا يحبّني كافر و لا ولد زنا.

 قال و روى أبو غسّان النهدي قال دخل قوم من الشيعة على علي في الرّحبة و هو على حصير خلق فقال ]لهم[ ما جاء بكم قالوا حبّك يا أمير المؤمنين. قال أما إنّه من أحبّني رآني حيث يحبّ أن يراني، و من أبغضني رآني حيث يكره أن يراني. ثمّ قال ما عبد اللّه أحد قبلي إلّا نبيّه، و لقد هجم أبو طالب علينا و أنا و هو ساجدان فقال أو فعلتموها ثمّ قال لي و أنا غلام ويحك، انصر ابن عمّك، ويحك لا تخذله. و جعل يحثّني على مؤازرته و مكانفته.

 و روى جابر الجعفي عن علي عليه السلام قال من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ عدّة للبلاء.

 و روى أبو الأحوص عن أبي حيّان عن عليّ عليه السلام ]أنّه[ قال يهلك فيّ رجلان محبّ غال، و مبغض قال.

 و روى حمّاد بن صالح، عن أيّوب عن أبي كهمس عن علي عليه السلام قال يهلك فيّ ثلاثة اللّاعن، و المستمع المقرّ، و حامل الوزر، و هو الملك المترف الذي يتقرّب إليه بلعني، و يبرأ عنده من ديني، و ينتقص عنده حسبي، و إنّما حسبي حسب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ديني دينه. و ينجو فيّ ثلاثة من أحبّني، و من أحبّ محبّي، و من عادى عدويّ. فمن أشرب قلبه بغضي، أو ألّب عليّ، أو تنقّصني، فليعلم أنّ اللّه عدوه و جبرئيل، و أنّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ.

 و روى أبو صادق عن ربيعة بن ناجد عن عليّ عليه السلام قال قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ فيك لشبها من عيسى ابن مريم، أحبّته النصارى حتّى أنزلته بالمنزلة التي ليست له، و أبغضته اليهود حتّى بهتت أمّه.

 قال ]ابن أبي الحديد[ و روى شيخنا أبو القاسم البلخي عن سلمة بن كهيل عن المسيّب بن نجبة قال بينا عليّ عليه السلام يخطب إذ قام أعرابي فصاح وا مظلمتاه فاستدناه علي عليه السلام فلمّا دنا ]منه[ قال ]له[ إنّما لك مظلمة واحدة، و أنا قد ظلمت عدد المدر و الوبر

 قال و في رواية عبّاد بن يعقوب أنّه دعاه فقال له ويحك و أنا و اللّه مظلوم، هات فلندع على من ظلمنا.

 و روى سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال اشتكى علي شكاية فعاده أبو بكر و عمر، و خرجا من عنده فأتيا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فسألهما من أين جئتما قالا عدنا عليا. قال كيف رأيتماه قالا رأيناه لما به. فقال كلّا إنّه لن يموت حتّى يوسّع غدرا و بغيا، و ليكوننّ في هذه الأمّة عبرة يعتبر به الناس من بعدي.

 و روى عثمان بن سعيد عن عبد اللّه الغنوي، أنّ عليا عليه السلام خطب بالرحبة فقال أيّها الناس إنّكم قد أبيتم إلّا أن أقولها فو ربّ السماء و الأرض إنّ من عهد النبيّ الأميّ ]إليّ[ »أنّ الأمّة ستغدر بك بعدي«.

 و روى هشيم بن بشير عن إبراهيم بن سالم مثله.

و روى أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه.

 و روى أبو جعفر الإسكافي أيضا أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل على فاطمة عليها السلام فوجد عليّا نائما فذهبت تنبّهه فقال دعيه فربّ سهر له بعدي طويل، و ربّ جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة. فبكت ]فاطمة[ فقال لا تبكي فإنكما معي و في موقف الكرامة عندي.

 و روى الناس كافّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال له هذا وليّي و أنا وليّه، عاديت من عاداه و سالمت من سالمه، أو نحو هذا اللفظ.

 و روى محمد بن عبد اللّه بن أبي رافع عن زيد بن علي قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام عدوّك عدوّي، و عدوّي عدوّ اللّه عزّ و جلّ.

 و روى يونس بن خبّاب عن أنس بن مالك قال كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ بن أبي طالب معنا، فمررنا بحديقة فقال علي يا رسول اللّه أ لا ترى ما أحسن هذه الحديقة فقال إنّ حديقتك في الجنة أحسن منها. حتّى مررنا بسبع حدائق يقول عليّ عليه السلام ما قاله، و يجيبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما أجابه. ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف فوقفنا ]حوله[، و وضع رأسه على رأس عليّ عليه السلام و بكى. فقال ما يبكيك يا رسول اللّه قال ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني فقال يا رسول اللّه أ فلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم قال بل تصبر. قال فإن صبرت قال تلاقي جهدا. قال أ في سلامة من ديني قال نعم قال فإذا لا أبالي.

 و روى جابر الجعفي عن محمد بن علي عليه السلام قال قال علي عليه السلام ما رأيت مذ بعث اللّه محمّدا رخاء، لقد أخافتني قريش صغيرا، و أنصبتني كبيرا، حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فكانت الطّامة الكبرى، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.

1158-  و من كتاب الغارات قال روى محمّد بن إسماعيل البجلّي عن عمرو بن موسى عن المنهال بن عمرو عن عبد اللّه بن الحارث قال قال عليّ عليه السلام على المنبر ما أحد جرت عليه المواسي إلّا و قد أنزل اللّه فيه قرآنا. فقام إليه رجل من مبغضيه فقال له فما أنزل اللّه تعالى فيك فقام الناس إليه يضربونه فقال دعوه، أ تقرأ سورة هود قال نعم. فقرأ علي عليه السلام أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ثمّ قال »الذي كان على بيّنة من ربّه« محمّد صلّى اللّه عليه و آله، الشاهد الذي يتلوه أنا

 و روى عثمان بن سعيد عن عبد اللّه بن بكير عن حكيم بن جبير قال خطب علي عليه السلام فقال في أثناء خطبته أنا عبد اللّه و أخو رسوله، لا يقولها أحد قبلي و لا بعدي إلّا كذّاب. ورثت نبيّ الرحمة، و نكحت سيّدة نساء هذه الأمّة، و أنا خاتم الوصيّين. فقال رجل من عبس من لا يحسن أن يقول مثل هذا فلم يرجع إلى أهله حتّى جنّ و صرع. فسألوهم هل رأيتم به عرضا قبل هذا قالوا و ما رأينا به قبل هذا عرضا.

 و روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد اللّه قال لمّا بلغ عليا عليه السلام النّاس يتّهمونه فيما يذكره من تقديم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ]إيّاه[ و تفضيله عليه الناس قال أنشد اللّه من بقي ممن لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سمع مقالته في يوم غدير خمّ إلّا قام فتشهد بما سمع. فقام ستّة ممن عن يمينه من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ]و شهدوا[ أنّهم سمعوه يقول ذلك اليوم و هو رافع بيد علي من كنت مولاه فهذا مولاه اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أحبّ من أحبّه، و أبغض من أبغضه.

 نهج ]و[ قال أمير المؤمنين عليه السلام نحن النمرقة الوسطى، بها يلحق التالي، و إليها يرجع الغالي.

بيان النمرقة وسادة صغيرة، و ربّما سمّوا الطّنفسة التي فوق الرحل نمرقة. قال ابن أبي الحديد و المعنى أنّ آل محمد صلّى اللّه عليه و آله هم الأمر الأوسط بين الطرفين المذمومين، فكلّ من جاوزهم فالواجب أن ]يرجع إليهم، و كلّ من قصّر عنهم فالواجب أن[ يلحق بهم. و استعار لفظ النمرقة لهذا المعنى من قولهم ركب فلان من الأمر منكرا، و قد ارتكب الرأي الفلاني، فكأنّ ما يراه الإنسان مذهبا يرجع إليه، يكون كالرّاكب و الجالس عليه. و يجوز أن يكون لفظ »الوسطى« يراد به الفضلى، يقال هذه هي الطريقة الوسطى، و الخليفة الوسطى أي الفضلى، و منه قوله تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ و منه جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً. و قال ابن ميثم وجه الاستعارة، أنّ أئمّة الحقّ مستند للخلق في تدبير معاشهم و معادهم. انتهى. و يمكن أن يقال لمّا كان الصدر في النمارق المصفوفة هي الوسطى، فلذا وصفها بها.

1161-  نهج ]و[ قال عليّ عليه السلام ما شككت في الحقّ مذ أريته. و قال عليه السلام ما كذبت و لا كذبت، و لا ضللت و لا ضلّ بي.

 نهج ]و[ قال علي عليه السلام لا يعاب المرء بتأخير حقّه، إنّما يعاب من أخذ ما ليس له.

بيان قال ابن أبي الحديد لعلّ هذه الكلمة قالها في جواب سائل سأله لم أخّرت المطالبة لحقّك من الإمامة فقال عليه السلام لا يعاب المرء بتأخير استيفاء حقّه. و لمّا كان حقّ الإمامة غير مختصّ به لأنّ مصالح المسلمين كانت منوطة بها فلا بدّ من إضمار في الكلام أي إذا كان هناك مانع من طلبه، انتهى. و يمكن حمله على الحقوق الخالصة كالانتقام و نحوه و استرداد فدك و مثله.

 نهج ]و[ سئل عليه السلام عن قريش فقال أمّا بنو مخزوم فريحانة قريش، تحبّ حديث رجالهم و النكاح في نسائهم، و أمّا بنو عبد شمس فأبعدها رأيا و أمنعها لما وراء ظهورها، و أمّا نحن فأبذل لما في أيدينا، و أسمح عند الموت بنفوسنا، و هم أكثر و أمكر و أنكر، و نحن أفصح و أنصح و أصبح.

بيان قال ابن ميثم فلان بعيد الرأي، إذا كان يرى المصلحة من بعيد لقوّة رأيه. و ]قوله عليه السلام[ و »أمنعها لما وراء ظهورها« كناية عن حميّتهم. و ]قال ابن الأثير[ في النهاية النكر بالضمّ الدهاء و الأمر المنكر. ]قوله عليه السلام[ »و أصبح« أي أحسن وجوها و أجمل، و ألقى للناس بالطلاقة و البشر.

 نهج ]و[ قال عليه السلام و قد رئي عليه إزار خلق مرفوع فقيل له في ذلك فقال يخشع له القلب، و تذلّ به النّفس، و تذلّ به النّفس و يقتدي به المؤمنون.

 ]نهج[ و مدحه قوم في وجهه فقال اللّهمّ إنّك أعلم بي من نفسي، و أنا أعلم بنفسي منهم، اللّهمّ اجعلنا خيرا مما يظنّون، و اغفر لنا ما لا يعلمون.

 و قال ]عليه السلام[ لرجل أفرط في الثّناء عليه و كان له متّهما أنا دون ما تقول و فوق ما في نفسك.

 و قال عليه السلام يهلك فيّ رجلان محبّ مطر، و باهت مفتر.

]قال السيّد الرضي رحمه اللّه[ و هذا مثل قوله عليه السلام يهلك فيّ اثنان محبّ غال، و مبغض قال.

 نهج و قال عليه السلام لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، و لو صببت الدنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني، و ذلك إنّه قضى فانقضى على لسان النّبيّ الأمّيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّه قال لا يبغضك مؤمن و لا يحبّك منافق.

بيان الخيشوم أقصى الأنف. و الجمّة المكان الذي يجتمع فيه الماء.

 دعوات الرّاوندي عن ربيعة بن كعب قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالتزموا عليّ ابن أبي طالب عليه السلام. و منه في كلام أبي جعفر عليه السلام و قد سأله حمران عمّا أصيب به أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام من قتل الطواغيت إيّاهم و الظفر بهم حتّى قتلوا و غلبوا و قال عليه السلام و لو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه و إظهار الطواغيت عليهم سألوا اللّه دفع ذلك عنهم لدفع ]اللّه ذلك عنهم[ ثم كان انقضاء مدّة الطواغيت و ذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد و ما كان الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه و لا لعقوبة من معصية خالفوا اللّه فيها و لكن لمنازل و كرامة أراد ]اللّه[ أن يبلغهم إيّاها فلا يذهبنّ بك المذاهب فيهم. و منه قال لمّا نزل أمير المؤمنين النّهروان سأل عن جميل بن بصيهري كاتب ]أ[ نوشيروان فقيل إنّه بعد حيّ يرزق فأمر بإحضاره فلمّا حضر وجد حواسه كلّها سالمة إلّا البصر، و ]وجد[ ذهنه صافيا و قريحته تامّة فسأله كيف ينبغي للإنسان يا جميل أن يكون قال يجب أن يكون قليل الصديق كثير العدوّ. قال أبدعت يا جميل فقد أجمع الناس على أنّ كثرة الأصدقاء أولى. فقال ليس الأمر على ما ظنّوا فإنّ الأصدقاء إذا كلّفوا السعي في حاجة الإنسان لم ينهضوا بها كما يجب و ينبغي و المثل فيه ]هو قولهم[ »من كثرة الملّاحين غرقت السّفينة« فقال أمير المؤمنين قد امتحنت هذا فوجدته صوابا فما منفعة كثرة الأعداء فقال إنّ الأعداء إذا كثروا يكون الإنسان أبدا متحرّزا متحفّظا أن ينطق بما يؤخذ عليه أو تبدر منه زلّة يؤخذ عليها فيكون أبدا على هذه الحالة سليما من الخطايا و الزلل. فاستحسن ذلك ]منه[ أمير المؤمنين عليه السلام.

 نهج ]و[ سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن أشعر الشّعراء فقال إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عن قصبتها فإن كان و لا بدّ فالملك الضلّيل. قال السيّد ]الرّضيّ[ رحمه اللّه يريد ]عليه السلام من قوله »الملك الضليل«[ إمرأ القيس.

 أقول قال ابن أبي الحديد ]قرأت[ في أمالي ابن دريد قال أخبرني الجرموزي عن ابن المهلّبي عن ابن الكلبي عن شدّاد بن إبراهيم عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري عن ابن عرادة قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعشّي الناس في شهر رمضان اللحم و لا يتعشّى معهم فإذا فرغوا خطبهم و وعظهم فأفاضوا ليلة في الشعراء و هم على عشائهم فلمّا فرغوا خطبهم عليه السلام و قال في خطبته اعلموا أنّ ملاك أمركم الدين و عصمتكم التقوى و زينتكم الأدب و حصون أعراضكم الحلم. ثم قال قل يا أبا الأسود فيما كنتم تفيضون فيه أيّ الشعراء أشعر فقال يا أمير المؤمنين ]أشعر الشعراء[ الذي يقول

و لقد أغتدي يدافع ركني أعوجيّ ذو ميعة إضريج‏مخلط مزيل معن مفن منفح مطرح سبوح خروج

يعني أبا دواد الأيادي. فقال عليه السلام ليس به. قالوا فمن يا أمير المؤمنين فقال لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السّابق منهم و لكن إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة و لا رهبة. قيل من هو يا أمير المؤمنين قال هو الملك الضلّيل ذو القروح. قيل إمرؤ القيس يا أمير المؤمنين قال هو. قيل فأخبرنا عن ليلة القدر قال ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها و لست أشكّ أنّ اللّه إنّما يسترها عنكم نظرا لكم لأنّه لو أعلمكموها عملتم فيها و تركتم غيرها و أرجو أن لا تخطئكم إن شاء اللّه انهضوا رحمكم اللّه.

]ثم قال[ و قال ابن دريد لمّا فرغ من الخبر إضريج ينبثق في عدوه. و قيل واسع الصدر. و منفح يخرج الصيد من مواضعه. و مطرح يطرح ببصره. و خروج سابق. ]و الغاية بالغين المعجمة الراية[ و الميعة أوّل جري الفرس. ]و قيل الجري بعد الجري[ انتهى. أقول الحلبة بالفتح الخيل تجمع للسباق من كلّ أوب و لا تخرج من وجه واحد. و قصبة السبق هي التي تنصب ليحرزها السابق من القوم في الرهان. و الضّليل كقنديل مبالغة في الضلال. و لعلّ المعنى أنّهم لم ينشدوا في أمر واحد و زمان واحد حتّى يعرف أيّهما أسبق و أكمل. أو أنّ الشعر ليس مقصورا على فنّ واحد و لا لطائفة ]و لا[ منحصرة في نوع حتّى يكون للتفضيل حدّ معيّن.

 نهج و قال عليه السلام أنا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الفجّار.

قال السيّد رحمه اللّه و معنى ذلك أنّ المؤمنين يتبعونني و الفجار يتبعون المال كما يتبع النحل يعسوبها و هو رئيسها.

 نهج ]و[ قيل له عليه السلام بأيّ شي‏ء غلبت الأقران فقال ما لقيت أحدا إلّا أعانني على نفسه.

قال السيّد ]الرضيّ[ رحمه اللّه يومئ عليه السلام إلى تمكّن هيبته في القلوب.

 ]نهج[ و قال عليه السلام لابنه محمد يا بنيّ إنّي أخاف عليك الفقر فاستعذ باللّه منه فإنّ الفقر منقصة للّدين مدهشة للعقل داعية للمقت.

 كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي بإسناده عن الضحّاك بن مزاحم عن عليّ عليه السلام قال كان خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يحبس شيئا لغد، و كان أبو بكر يفعل ]كذلك[، و قد رأى عمر في ذلك أن دوّن الدواوين، و أخّر المال إلى السنة. و أمّا أنا، فأصنع كما صنع خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قال و كان عليّ عليه السلام يعطيهم من الجمعة إلى الجمعة، و كان ]عند ما يعطيهم[ يقول

هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه

 و بأسانيد عن مجمع التّيميّ أنّ عليا عليه السلام كان ينزح بيت المال ثمّ يتنفّل فيه، و يقول اشهد لي يوم القيامة أنّي لم أحبس فيك المال على المسلمين.

 و عن عاصم بن كليب عن أبيه قال أتى عليا عليه السلام مال من أصبهان فقسّمه، فوجد فيه رغيفا، فكسره سبع كسر، ثمّ جعل على كلّ جزء منه كسرة ثمّ دعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم أيّهم يعطيه أوّلا. و كانت ]قبائل[ الكوفة يومئذ أسباعا.

 و عن عبد الرحمن بن عجلان، عمن حدّثه قال كان عليّ عليه السلام يقسم فينا الأبزار، يصرّه صررا الحرف و الكمون و كذا و كذا

 و عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أنّ دهقانا بعث إلى عليّ عليه السلام بثوب ديباج منسوج بالذهب، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء.

 و عن يزيد بن محجن التّيميّ قال أخرج عليّ عليه السلام سيفا له فقال من يشتري سيفي هذا منّي فو الذي نفسي بيده لو أنّ معي ثمن إزار لما بعته.

 و عن أبي رجاء أنّ عليا عليه السلام أخرج سيفا له إلى السوق فقال من يشتري منّي هذا فلو كان معي ثمن إزار لما بعته. قال أبو رجاء فقلت له يا أمير المؤمنين أنا أبيعك إزارا و أنسئك ثمنه إلى عطائك، فبعته إزارا إلى عطائه، فلمّا قبض عطاءه أعطاني حقّي.

 و عن أبي إسحاق الهمداني أنّ امرأتين أتتا عليا عليه السلام عند القسمة، إحداهما من العرب، و الأخرى من الموالي، فأعطى كلّ واحدة خمسة و عشرين درهما و كرا من الطعام، فقالت العربية يا أمير المؤمنين إنّي امرأة من العرب و هذه امرأة من العجم فقال عليه السلام و اللّه لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‏ء فضلا عن بني إسحاق.

 و عن يوسف بن كليب عن أبي عبيدة عن عبد اللّه بن مسعود، عن معاوية بن عمّار عن جعفر بن محمد قال ما اعتلج على عليّ عليه السلام أمران قطّ إلّا أخذ بأشدّهما، و ما زال عندكم يأكل مما عملت يده، يؤتى به ]إليه[ من المدينة، و إن كان ليأخذ السويق فيجعله في الجراب ثم يختم عليه، مخافة أن يزاد فيه من غيره. و من كان في الدنيا أزهد من علي عليه السلام

 و عن أبي سويد بن الحارث قال أمر عليّ عليه السلام عمّالا من عمّاله فصنعوا للناس طعاما في شهر رمضان، فذكروا أنّهم صنعوا خمسا و عشرين جفنة.

 و عن هارون بن مسلم البجلي عن أبيه قال أعطى عليّ الناس في عام واحد ثلاثة أعطية، ثم قدم عليه خراج أصفهان فقال أيّها الناس اغدوا فخذوا، فو اللّه ما أنا لكم بخازن. ثمّ أمر ببيت المال فكنس و نضح، فصلّى فيه ركعتين ثمّ قال يا دنيا غرّي غيري. ثمّ خرج فإذا هو بحبال على باب المسجد فقال ما هذه الحبال فقيل جي‏ء بها من أرض كسرى. فقال اقسموها بين المسلمين. فكأنّهم ازدروها فنقضها بعضهم فإذا هي كتّان يعمل، فتأسفّوا ]فتنافسوا »خ ل«[ فيها فبلغ الحبل من آخر النهار دراهم.

  و عن سفيان بن عيينة عن عمّار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال فرض عليّ عليه السلام لمن قرأ القرآن ألفين ألفين قال و كان أبي ممّن قرأ القرآن.

 و عن إبراهيم بن يحيى الثوري عن أبي إسحاق بن مهران عن سابق البربري قال رأيت عليا عليه السلام أسّس مسجد الكوفة إلى قريب من طاق الزياتين قدر شبر شبر. قال و رأيت المخيّس و هو ]من[ خصّ و كان الناس يفرجونه و يخرجون منه فبناه عليّ عليه السلام بالجصّ و الآجر قال فسمعته و هو يقول

ألا تراني كيّسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخلّسا

 و عن الحسين بن هاشم عن أبي عثمان الدوري عن أبي إسحاق السبيعي قال كنت على عنق أبي يوم الجمعة و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يخطب و هو يتروّح بكمّه فقلت يا أبة أمير المؤمنين يجد الحرّ فقال لا يجد حرا و لا بردا، و لكنّه غسل قميصه و هو رطب و لا له غيره فهو يتروّح به

 و عن إبراهيم بن ميمون عن عليّ بن عابس عن أبي إسحاق قال رفعني أبي فرأيت عليا عليه السلام، أبيض الرأس و اللحية، عريض ما بين المنكبين

  و بإسناده عن عبّاد بن عبد اللّه قال كان عليّ يخطب على منبر من آجر.

 و عن عدي بن ثابت قال أتي علي عليه السلام بفالوذج فأبى أن يأكله

 و عن صالح أنّ جدّته أتت عليا عليه السلام و معه تمر يحمله، فسلّمت ]عليه[ و قالت أعطني هذا التمر أحمله. قال أبو العيال أحقّ بحمله. قالت و قال لي أ لا تأكلين منه قلت لا أريده. قالت فانطلق به إلى منزله، ثمّ رجع و هو مرتد بتلك الملحفة و فيها قشور التمر، فصلّى بالناس فيها الجمعة.

 و عن جعفر بن محمد عليه السلام قال أتى أمير المؤمنين عليه السلام بخبيص فأبى أن يأكله، قالوا ]أ[ تحرّمه قال لا، و لكني أخشى أن تتوق إليه نفسي، ثمّ تلا أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا

 و عن بعض أصحاب عليّ عليه السلام أنّه قيل له كم تصّدّق، أ لا تمسك قال إي و اللّه، لو أعلم أنّ اللّه قبل منّي فرضا واحدا لأمسكت، و لكنّي و اللّه ما أدري أ قبل اللّه منّي شيئا أم لا

 و عن عبد اللّه بن الحسن قال أعتق عليّ عليه السلام ألف أهل بيت بما مجلت فيه يداه و عرقت ]فيه[ جبينه

 و عن جعفر بن محمد عليه السلام قال أعتق عليّ عليه السلام ألف مملوك مما عملت يداه، و إن كان عندكم إنّما حلواه التمر و اللّبن و ثيابه الكرابيس. و تزوّج عليه السلام ليلى، فجعل له حجلة فهتكها و قال أحبّ أهلي إليّ ما هم فيه.

 و عن قدامة بن عتاب قال كان علي عليه السلام ضخم البطن، ضخم مشاشة المنكبين، ضخم عضلة الذراع، دقيق مستدقّها، ضخم عضلة الساق، دقيق مستدقّها. و رأيته يخطبنا في يوم من أيّام الشتاء، عليه قميص قهز، و إزار، فأتاه آت فقال له يا أمير المؤمنين أدرك بني تميم قد ضربتها بكر بن وائل بالكناسة. فقال ها ثمّ أقبل في خطبته، ثمّ أقبل آخر فقال مثل ذلك. فقال ها ثمّ أتاه الثالث و الرابع، ثم قال أدرك بكر بن وائل قد ضربتها بنو تميم بالكناسة. فقال الآن صدقتني عن بكرك، يا شداد أدرك بكر بن وائل و بني تميم ]فذهب[ فأفرع بينهم.

بيان قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الجرف يبيس الحماط ]و هو الشجر و العشب[. و قال الكمّون كتنّور حبّ معروف. و قال القهز ]بفتح القاف[ و يكسر ثياب من صوف أحمر كالمرعزّى و ربّما يخالطه الحرير. و قال فرع بين القوم حجز و كفّ و أصلح.

 ثمّ قال الثقفي ]و[ روى جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال ابتاع عليّ عليه السلام قميصا سنبلانيا بأربعة دراهم، ثمّ دعا الخيّاط فمدّ كمّ القميص فقطع ما جاوز الأصابع

 و عن عبد اللّه بن أبي الهذيل قال رأيت عليّا و عليه قميص له إذا مدّه بلغ أطراف أصابعه، و إذا تقبض، تقبض حتّى تكون إلى نصف ساعده

 و عن أبي الأشعث العنزي عن أبيه قال رأيت عليا و قد اغتسل في الفرات يوم الجمعة، ثمّ ابتاع قميص كرابيس بثلاثة دراهم، فصلّى بالناس فيه الجمعة و ما حنط جربانه بعد

  و عن بكر بن عيسى قال كان علي عليه السلام يقول يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي و راحلتي و غلامي فأنا خائن. و كانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة من »ينبع«، و كان يطعم الناس الخبز و اللّحم و يأكل من الثريد بالزيت و يكلّلها بالتمر من العجوة، و كان ذلك طعامه. و زعموا أنّه كان يقسم ما في بيت المال، فلا يأتي الجمعة و في بيت المال شي‏ء، و ]كان[ يأمر ببيت المال في كلّ عشيّة خميس فينضح بالماء ثمّ يصلّي فيه ركعتين. و زعموا أنّه كان يقول و يضع يده على بطنه و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لا تنطوي ثميلتي على قلة من خيانة، و لأخرجنّ منها خميصا.

بيان قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الثميلة كسفينة البقية من الطعام و الشراب في البطن. و الثميلة ما يكون فيه الطعام و الشراب في الجوف. و ]قال ابن الأثير[ في النهاية في حديث الحجّاج »فسر إليها منطوي الثميلة« المعنى سر إليها مخفّفا.

1195-  كتاب الغارات بإسناده عن سعيد بن المسيّب أنّ رجلا بالشام يقال له ابن الخيبري، وجد مع امرأته رجلا فقتله، فرفع ذلك إلى معاوية، فكتب إلى بعض أصحاب عليّ عليه السلام يسأله ]فسأله[ فقال عليّ عليه السلام إنّ هذا شي‏ء ما كان قبلنا. فأخبره أنّ معاوية كتب إليه. فقال عليه السلام إن لم يجئ بأربعة شهداء يشهدون به أقيد به.

 و عن أبي حمزة قال بينما عليّ ذات يوم إذ أقبل ]إليه[ رجل فقال من أين أقبل الرجل قال من أهل العراق. قال من أيّ العراق قال من البصرة. قال أما إنّها أوّل القرى خرابا، إما غرقا و إمّا حرقا، حتّى يبقى بيت مالها و مسجدها كجؤجؤ سفينة، فأين منزلك منها فقال الرجل مكان كذا. قال عليك بصواحبها عليك بصواحبها.

 و عن شرحبيل عن علي عليه السلام قال كيف بكم و إمارة الصبيان من قريش قوم يكونون في آخر الزمان، يتّخذون المال دولة، و يقتلون الرجال. فقال الأوس بن حجر الثمالي إذا نقاتلهم و كتاب اللّه. قال كذبت و كتاب اللّه

 و عن الحسن بن بكر البجلي عن أبيه قال كنّا عند علي عليه السلام في الرحبة، فأقبل رهط فسلّموا فلمّا رآهم عليّ عليه السلام أنكرهم فقال أ من أهل الشام أنتم، أم من أهل الجزيرة قالوا بل من أهل الشام، مات أبونا و ترك مالا كثيرا و ترك أولادا رجالا و نساء، و ترك فينا خنثى له حياء كحياء المرأة، و ذكر كذكر الرجل، فأراد الميراث كرجل فأبينا عليه. فقال عليه السلام فأين كنتم عن معاوية فقالوا قد أتيناه فلم يدر ما يقضي بيننا. فنظر علي عليه السلام يمينا و شمالا و قال لعن اللّه قوما يرضون بقضائنا و يطعنون علينا في ديننا، انطلقوا بصاحبه فانظروا إلى مسبل البول، فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل، و إن خرج من غير ذلك فورّثوه مع النساء. ]قال[ فبال من ذكره، فورثه كميراث الرجل منهم

 و عن ابن عبّاس ]عن عليّ عليه السلام[ قال أوّل هلاك أهل الأرض قريش و ربيعة. قالوا و كيف قال أمّا قريش فيهلكها الملك، و أمّا ربيعة فتهلكها الحميّة

 و بحذف الإسناد قال قال عليّ عليه السلام أما و اللّه ما قاتلت إلّا مخافة أن ينزو فيها تيس من بني أميّة فيتلاعب بدين اللّه

 و عن زرّ بن حبيش قال سمعت عليا عليه السلام يقول و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة إنّه لعهد إليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن، و لا يبغضك إلّا منافق.

  و عن حبّة العرني عن عليّ عليه السلام قال إنّ اللّه أخذ ميثاق كلّ مؤمن على حبّي، و أخذ ميثاق كلّ منافق على بغضي، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني، و لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبّني

 و عن فرات بن أحنف قال إنّ عليا عليه السلام خطب فقال يا معشر الناس، أنا أنف الهدى و عيناه و أشار إلى وجهه. يا معشر النّاس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس ]قد[ اجتمعوا على مائدة، شبعها قصير، و جوعها طويل، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ. يا معشر الناس إنّما يجمع الناس الرضا و السخط، ألا و إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فأصابهم العذاب برضاهم بعقرها قال اللّه تعالى فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ فقال لهم نبيّ اللّه عن قول اللّه ناقَةَ اللَّهِ وَ سُقْياها فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها. يا معشر الناس ألا فمن سئل عن قاتلي فزعم أنّه مؤمن فقد قتلني. يا معشر الناس من سلك الطريق ورد الماء. يا معشر الناس أ لا أخبركم بحاجبي الضلالة، تبدو مخازيها في آخر الزمان

 و عن أبي عقيل عن علي عليه السلام قال اختلفت النصارى على كذا و كذا، و اختلفت اليهود على كذا و كذا، و لا أراكم أيّتها الأمّة إلّا ستختلفون كما اختلفوا، و تزيدون عليهم فرقة، ألا و إنّ الفرق كلّها ضالة إلّا أنا و من تبعني

 و عن الحسن بن علي عن أبيه عليهما السلام قال سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول يرد عليّ أهل بيتي و من أحبّهم من أمّتي هكذا و قرن بين السبابتين ليس بينهما فضل

 و عن أبي الجحّاف عن رجل قد سمّاه قال دخلوا على عليّ عليه السلام و هو في الرحبة و هو على سرير قصير ]ف[ قال ما جاء بكم قالوا حبّك و حديثك يا أمير المؤمنين. قال و اللّه قالوا و اللّه. قال أما إنّه من أحبّني يراني حيث يحبّ أن يراني، و من أبغضني رآني حيث يبغض أن يراني. ثمّ قال ما عبد اللّه أحد قبلي مع نبيّه، إنّ أبا طالب هجم عليّ و على النبي صلّى اللّه عليه و آله و أنا و هو ساجدان ثم قال أ فعملتموها فأخذ يحثّني على نصرته و على معونته

 و عن حبّة عن عليّ عليه السلام قال لو صمت الدهر كلّه و قمت اللّيل كلّه، و قتلت بين الركن و المقام، بعثك اللّه مع هواك بالغا ما بلغ، إن في جنّة ففي جنّة، و إن في نار ففي نار

 و قال ]عليه السلام[ من أحبّ أهل البيت فليستعدّ عدّة للبلاء.

 و قال ]عليه السلام[ يهلك في محبّ مفرط، و مبغض مفتر.

 و قال ]عليه السلام[ يهلك في ثلاثة و ينجو في ثلاثة يهلك اللاعن، و المستمع المقرّ، و الحامل للوزر، و ]هو[ الملك المترف ]الذي[ يتقرّب إليه بلعني، و يبرأ عنده من ديني، و ينتقص عنده حسبي، و إنّما حسبي حسب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ديني دينه. و ينجو في ثلاثة المحبّ الموالي، و المعادي من عاداني، و المحبّ من أحبّني، فإذا أحبّني عبد أحبّ محبّي و أبغض مبغضي و شايعني، فليمتحن الرجل قلبه، إنّ اللّه لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحبّ بهذا و يبغض بهذا، فمن أشرب قلبه حبّ غيرنا فألب علينا فليعلم أنّ اللّه عدوّه و جبريل و ميكال، فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ

 و عن ربيعة بن ناجد عن عليّ عليه السلام قال دعاني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال لي يا علي إنّ فيك من عيسى مثلا، أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه، و أحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له

 و قال علي عليه السلام إنّه يهلك في محبّ مطر يقرّظني بما ليس في، و مبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني. ألا و إنّي لست نبيا و لا يوحى إلي، و لكن أعمل بكتاب اللّه ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم و فيما كرهتم، و ما أمرتكم به أو غيري من معصية اللّه فلا طاعة في المعصية، الطّاعة في المعروف الطاعة في المعروف ]قالها[ ثلاثا

1198-  ما المفيد عن إبراهيم بن الحسن بن الجمهور عن أبي بكر المفيد الجرجرائي عن أبي الدنيا المعمّر المغربي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال عهد إلي مولانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن، و لا يبغضني إلّا منافق زنديق

 و بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سألت ربّي أن يجعلها أذنك يا علي

 و بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ما رمدت عيني و لا صدعت منذ سلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلي راية خيبر.

فائدة مهمّة شافية وافية في دفع شبه الفرقة الطاغية الغاوية

اعلم ]أنّه[ قد اختلف المسلمون في أنّه هل كان يسوغ للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله الاجتهاد فيما لا نص فيه أم لا ثمّ على تقدير الجواز، هل كان مقصورا على أمور الدنيا و ما لا تعلّق لها بالدين أم يتعدّى إلى غيرها و على تقدير التعدّي، هل يخصّ الحروب أم يتجاوزها ثمّ القائلون بالجواز اختلفوا في الوقوع، فأثبته طائفة و منعه آخرون و توقّف قوم. ثمّ القائلون بالوقوع، اختلفوا في أنّه هل كان يجوز عليه الخطأ في الاجتهاد أم لا و على الجواز، هل يقرّ على خطئه أم يردّ عنه فذهب إلى كلّ فريق إلّا إقراره على الخطإ، فإنّ الظاهر من كلامهم أنّه لم يقل به أحد و جعلوا ردّه عن الخطإ وجه الفرق بينه و بين سائر المجتهدين. و قد ادّعى العلّامة في شرحه لمختصر ابن الحاجب الإجماع على أنّه لا يقرّ على الخطإ، و يظهر من كلام الآمدي و بعض شرّاح صحيح مسلم أيضا ذلك. فاختار الجبّائي و أبو هاشم أنّه ]صلّى اللّه عليه و آله[ لم يتعبّد في الشّرعيّات بالاجتهاد، و لم يقع منه فيها، و كان متعبّدا به في الحروب. و حكي عن الشافعي و أحمد بن حنبل و أبي يوسف تعبّده به مطلقا. و ذهبت طائفة و منهم القاضي عبد الجبّار و أبو الحسين البصري إلى أنّه يجوز ذلك من غير قطع به. و نفاه أصحابنا قاطبة رضوان اللّه عليهم رأسا، و لم يجوّزوه في أمور الدين و الدّنيا أصلا. ثمّ لا يخفى أنّ جواز الاجتهاد و وقوعه منه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلزم جواز مخالفته، إذ يجوز أن يكون في أحكامه ما أدّى إليه اجتهاده، و مع ذلك لا يجوز لأحد خلافه لإيجاب اللّه تعالى طاعته مطلقا. و نظير ذلك أنّ الأمّة يجوز أن تجتمع على حكم بالاجتهاد، و مع ذلك لا يسع أحد مخالفتها أصلا عندهم، و المجتهد في فروع الأحكام يحكم باجتهاده و لا يسوغ لمقلّده مخالفته، و إن جاز عليه الخطأ في حكمه. و لمّا كان المعقل الحصين للمخالفين في دفع المطاعن عن أئمّتهم المضلين التّمسّك بجواز مخالفة الرسول الأمين عليه السلام، كما فعلوا ذلك في مخالفتهم له في تجهيز جيش أسامة و غيرها، أردنا أن نختم هذا المجلّد المشتمل على مطاعنهم بما يدلّ على فساد أحد الأمرين أعني جواز الاجتهاد عليه صلّى اللّه عليه و آله، أو وقوعه منه، و جواز مخالفته في شي‏ء من أحكامه و إن كان عن اجتهاد، لاستلزام كلّ منهما ما هو المقصود، و التوكّل في جميع الأمور على الربّ الودود. فنقول يدلّ على ذلك وجوه الأوّل قوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى نفى سبحانه كون نطقه صلّى اللّه عليه و آله عن الهوى، و حصره في كونه وحيا، و لو كان بعض أقواله عن اجتهاد لما صحّ الحصر. و لو قلنا بكون الهوى متناولا للاجتهاد بقرينة المقابلة، لاقتضائها كون المراد بالهوى ما ليس بوحي و الاجتهاد ليس بوحي لدلّ الجزء الأوّل على المدّعى أيضا. و أورد عليه بأنّ المراد بالآية نفي ما كانوا يقولونه في القرآن أنّه افتراه، فانتفى العموم، و لئن سلّمنا فلا نسلّم أنّه ينفي الاجتهاد لأنّه إذا كان متعبّدا بالاجتهاد بالوحي، لم يكن نطقه عن الهوى، بل كان قولا عن الوحي. و الجواب عن الأوّل أنّ الآية غير معلوم نزولها في ردّ قولهم المذكور، فلا يجوز تخصيص القرآن به، و إنّما يجوز ]التخصيص[ بالمعلوم و ما في حكمه، و لو سلّم فخصوص السّبب لا يخصّص العموم كما هو المشهور، و لا دليل من الخارج على التخصيص. و عن الثاني من وجوه. منها أنّهم يقابلون الوحي بالاجتهاد في كثير من كلامهم. و منها أنّ الوحي هو الكلام الذي يسمع بسرعة، و ليس الاجتهاد كذلك، و إنما يستند حجّيته إلى الوحي، و المستند إلى الوحي في أمر غير الوحي،

 و الدليل عليه صحة التقسيم بأن يقال أ هو وحي أم مستنبط من الوحي و مستند إليه و قد قال سبحانه إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى و قد اعترف البيضاوي بما ذكرنا حيث قال بعد نقل الجواب و فيه نظر لأنّ ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي. و منها أنّا نخصّص الكلام باجتهاد يجوز فيه الخطأ، و لا ننازع الآن في اجتهاد يؤمن معه الخطأ و لا يجوز مخالفته، و يكون من قبيل القاطع، و لا يتعلّق غرضنا في هذا المقام بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هل يقول ما يقوله عن الوحي النازل بخصوص كلّ قول أو يقول من طريق عامّ و يأخذه عن ضابطة كليّة لا يأتيها الباطل من بين يديها و من خلفها فنقول قال اللّه تبارك و تعالى وَ النَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى و قد اتّفق المفسّرون على أنّ الآية مسوقة لنفي الضلال و إثبات الوحي، إنّما هو لنفي الضلال المذكور في الآية، و الضلال لا يختص بالأصول، بل يكون في الفروع في جميع أقسام الأحكام، و إلّا لم يكن لاستدلال القوم على حجيّة الإجماع في الفروع حتّى الحروب و الولايات بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قوله »لا تجتمع أمّتي على الضلالة«. و ما يحذو حذوه معنى. فقد ثبت إذن أنّ الوحي لا يتناول اجتهادا يجوز الخطأ فيه، و إلّا لم يلزم من كونه وحيا نفي الضلال عنه كما هو المقصود، و هذا القدر يكفينا، و يدلّ عليه ما روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله نزل منزلا فقيل ]له[ إن كان ذلك عن وحي فالسّمع و الطاعة، و إن كان عن رأي فليس ذلك بمنزل مكيدة، و المشهور أنّ المنزل كان ب »بدر«، و القائل ]هو[ حباب بن المنذر. فدلّ ذلك على أنّ الوحي لا يجوز فيه الخطأ، و قد قرّره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لم يسمع بأحد يطعن على قائل هذا القول و يقول تقسيمه هذا باطل. و أيّ ملازمة بين كونه وحيا، و وجوب السمع و الطاعة، لا في زمن الصحابة و لا في زمن التابعين إلى عصرنا هذا، مع تكرّر ذلك النقل في كتب السير و التواريخ، و في كتب الأصول في مقام الاستدلال على مسائل من الاجتهاد المتعلّقة بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و لو لا أنّ الوحي لا يجوز فيه الخطأ و لا يطلق شرعا على ما لا يؤمن معه الغلط، و يجوز مخالفته، لاستحال عادة أن لا ينكر أحد على هذا القول، و لا يقدح فيه، مع توفّر الدواعي على القدح و الردّ عليه، حيث استدلّ به على محلّ النزاع في مسائل كثيرة قد طال الخصام فيها، و ذلك مما يقطع به في عادات الناس، خصوصا الممارسين لمباحث الحجاج و النظر و مسائل الخلاف، و قد رأيناهم يرتكبون تأويلات بعيدة و تكلّفات باردة. فأين كانوا عن القدح المذكور و بالجملة، ما ذكرناه دليل على أنّهم علموا صحّة ذلك التقسيم، إمّا بتقرير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، أو بدليل آخر، فلا يتوهّم أنّ ما ذكرناه ثانيا راجع إلى الأول. ]الوجه[ الثاني قوله تعالى وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً. و المراد، قضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نسبته إليه تعالى للتنبيه على أنّ قضاءه صلّى اللّه عليه و آله قضاء اللّه كما ذكره المفسّرون، و كلّ ما قاله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لو بالاجتهاد، فممّا قضى به، فلا يجوز العدول عنه و مخالفته، و تخصيص الخيرة بما يكون بمجرّد التشهّي لا عن اجتهاد، و كذا المعصية لا وجه له، و إنّما هو مجرّد تشهّي التأويل، و الانصراف عن الظاهر، و معصية لسنّة الأخذ بظواهر الكتاب و السنّة بلا قرينة تقتضيه و شاهد يشهد له. ]الوجه[ الثّالث قوله تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً

تقريره أنّ المسألة الخلافية بين الأمّة يصدق عليها أنّها مما شجر بينهم فيجب في كلّ مسألة خلافية أن يحكّموه صلّى اللّه عليه و آله، و يرجع إلى قوله و يسلموا و يركنوا إليه، و مخالفته صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد ضدّ ذلك. فظهر أنّ المسألة الخلافية، لا يجوز مخالفة ما يظهر من قوله صلّى اللّه عليه و آله فيها، سواء كان بالاجتهاد أو غيره، و المسائل الإجماعية و ما لم يسبق إليه أحد بنفي أو إثبات أولى من ذلك. أمّا الإجماعية فظاهر، و أمّا ما لم يسبق إليه أحد فلأنّ اتّباعه إذا وجب فيما تحقّق قوله طائفة من المسلمين و شبهة شرعية بخلافه، و لم يمنع ذلك من وجوب اتباعه، ففيما لا يتحقّق فيه ذلك الذي يتوهّم مانعا أولى. و أيضا لا قائل بالفصل، فإنّ الأمّة بين قائل بجواز مخالفته في الخلافيّات و غيرها، و بين ناف له فيهما جميعا. و بهذا يندفع توهّم أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله، ربّما كان ممّا أجمع على خلافه على أنّه قبل الإجماع على خلافه، كان مما لم يسبق إليه قول بنفي و لا إثبات، أو كان مما وقع فيه الخلاف. فإن قلت هاهنا احتمال آخر ذهب إليه جماعة، و هو أن يخطئ صلّى اللّه عليه و آله و ينبّه بالوحي على خطئه و ما ذكرت لا ينفيه. قلنا هذا لا ينفع فيما نحن فيه، فإنّ الغرض أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يجوز مخالفته و العدول عن قوله بالاجتهاد، و أمّا أن ينبه بالوحي عليه، فكلام لا يسمن و لا يغني من جوع في جواز إبطال قوله صلّى اللّه عليه و آله، و تخطئة رأيه و تصحيح ما صنعه جماعة من أصحابه خلافا لأمره، و ردّا عليه حكمه فيما لا وحي يدلّ على خطئه، بل قرره اللّه تعالى و أمضاه على رأيه. ]الوجه[ الرابع قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ مفهوم الشرط إن لا تتّبعوني لا يحبكم اللّه و لا يغفر لكم ذنوبكم، و ما كان موجبا لعدم محبّة اللّه و عدم مغفرة الذنوب، كان حراما. فإن قلت كلّ ما هو مستحبّ كان موجبا لمحبّة اللّه، و ربّما كان سببا للمغفرة أيضا، و يصحّ استعمال الشرط فيه و يكون مفهومه حينئذ إن لا تفعلوه تفوت المحبة المترتّبة عليه، و المغفرة المسبّبة منه، فلا يدل على الوجوب. قلنا أوّلا إنّ رجحان الاتّباع كاف لنا، فإنّ من لا يجوز الاجتهاد عليه صلّى اللّه عليه و آله، يجعل أمره واجبا ما دام لم يدلّ دليل آخر على خلافه أقوى منه، و من يجوّزه يجعل تركه و مخالفته واجبا أو مندوبا أو مباحا حسب ما أدّى إليه اجتهاده، و لا يجعل اتّباع أمره مندوبا أيضا في أكثر الأمر. فالقول بأنّ اتّباع أمره مندوب لا محالة، خلاف الإجماع المركّب. و ثانيا إنّ مفهوم الشرط يقتضي انتفاء الجزاء مطلقا، لا الجزاء المقيّد بالشرط المقارن له، و إلّا لم يصحّ الاستدلال بمفهوم الشرط في شي‏ء من المواضع. و لا يتوهّم أنّ الأمر بالاتّباع مطلق لا عام، فيصير حينئذ حاصل المفهوم إن لا تتّبعوني في شي‏ء لا يحبّكم اللّه أصلا، لا ]أنّ المفهوم[ إن لا تتّبعوني و لو في أمر واحد لا يحبّكم اللّه لأنّ الاتّفاق منّا و من الخصم حاصل على أنّ المراد به الأمر بالاتّباع في جميع الأوامر، و لهذا استدلّوا به في مسألة التّأسي. فتدبّر. ]الوجه[ الخامس قوله تعالى وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وجه الدلالة أمور أحدها أمره تعالى بالأخذ بما أمر به الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

 و ثانيها أمره ]تعالى[ بالانتهاء عمّا نهى عنه، فإن كان نهى عن خلاف ما أمر به فذاك، و إلّا فالأمر بالشي‏ء، نهي عن ضدّه عند أكثر علماء الأصول، و في النهي بعكس الأمر. و ثالثها تعقيبه الكلام بالوعيد الشديد و العقاب العظيم. و أيضا ]في[ أمره بالتقوى بعد ذلك، إشعار بأنّ الأخذ و الانتهاء المذكورين هما التقوى، و أنّ تاركه مسلوب عنه اسم التقوى مع ]أنّ[ النصوص الدّالة على الأمر به و حرمة تركه أدلّة على الوجوب. السادس قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وجه الدلالة أنّه متى كان قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله موجودا، ثمّ قدّمنا اجتهادنا عليه لزم التقدّم بين يدي اللّه و رسوله. و قد دلّت صحاح أخبارهم على أنّ الآية نزلت في مماراة أبي بكر و عمر، في تأمير الأقرع بن حابس و القعقاع بن معبد، و قد كان ما تنازعا فيه من الأمور المتعلّقة بالحروف، و لم يكن سبق من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه أمر، و إنّما أشار كلّ واحد من الرجلين لما رأى في تأميره من المصلحة بزعمه، و إذا كان مثل ذلك من التقديم المنهي عنه الموجب للتوبيخ الظاهر من سياق الآية، فالأمر في الاجتهاد فيما سبق فيه أمر منه صلّى اللّه عليه و آله، و كان أشدّ تعلّقا بالدين أولى و أظهر. ]الوجه[ السابع قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ و الرّدّ إلى اللّه و رسوله معناه إمّا التوقّف إلى أن يعلم حكمه بنصّ الكتاب و السّنّة على ما هو الحقّ، أو المراد به القياس على الحكم الذي في الكتاب و السنّة. و على التقدير الأوّل يدلّ على بطلان القياس مطلقا، و على الثاني يدلّ على بطلان القياس فيما وجد فيه نصّ من الكتاب و السنّة على ما شرح في التفاسير. و على التقديرين يبطل القياس في مقابلة النصّ و إذا بطل القياس في مقابلة النصّ و لم يجز العمل به فيما وجد فيه نصّ من الرسول صلّى اللّه عليه و آله، لم يجز الاجتهاد و العمل به مخالفة لقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله لأنّ كلّ من قال بعدم جوازه بالقياس، قال بعدم جوازه مطلقا. على أنّ الآية عامّة في كلّ متنازع فيه، سواء كان مما يؤخذ حكم طرفي النزاع، أو أحدهما من الكتاب و السنّة، أو لا. و قد حكم ]فيها[ بأنه يجب أن يرجع فيه إلى قول اللّه و رسوله و لا يحكم بأحد الطرفين، فعند مخالفة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد و لو بالاستنباط الظنّي من النصّ، يصدق أنّه مما يجب الرجوع فيه إلى النصّ، فلا يجوز الاجتهاد على خلافه. بقي الكلام في أنّه ربّما كانت المسألة إجماعيّة فلا يصدق أنّها متنازع فيها، أو كانت مما لم يسبق إليه قول. و الجواب عنها قد سبق في تقرير الاستدلال بقوله تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الآية. الثامن قوله تعالى وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ذمّهم على صدّهم عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله مطلقا، فدلّ على أنّ هذا الفعل ممن كان و بأيّ طريق كان مذموما غير سائغ، فلا يجوز مخالفته في شي‏ء لأنّه نوع من الصدّ. التاسع قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ قالوا تقريره أنّ إرسال الرسول لمّا لم يكن إلّا ليطاع، كان من لم يطعه و لم يرض بحكمه لم يقبل رسالته، و من كان كذلك كان كافرا مستوجبا للقتل. و هذا الكلام منهم يدلّ على أنّهم فهموا منه عموم الإطاعة في جميع الأوامر، بمعنى أنّ الإرسال للإطاعة في جميع الأوامر و النواهي لا يجوز أن يخالف في

 شي‏ء منها لأنّ المقصود من إعلام أنّ الغرض من الإرسال هو الإطاعة، إيجاب الإطاعة على المرسل إليهم، لا مجرّد أنّ الغرض هو الإطاعة. و قال الفخر الرّازي إنّ ظاهر اللفظ يوهم العموم، و لعلّهم إنّما فهموا ذلك لأنّ المضارعة تفيد الاستمرار الزماني، و لا قائل بأنّ إطاعة النّبيّ في كلّ زمان واجب و إن لم يجب في جميع الأوامر، لكن ذلك لا يوجب أن يكون ظاهر اللفظ ذلك، و إنّما يستلزم وجوب الإطاعة على وجه العموم في الواقع. أو يقال نزّل الأوامر الجزئيّة منزله في أجزاء الزمان. فأريد بما يدلّ على عموم الثاني عموم الأوّل، كما أنّه يراد بالدوام و الأبدية عموم الأفراد و بما يدلّ على تبعيض الأوقات تبعيض الأفراد. و فيه أنّ ذلك مجاز غير ظاهر، و دعوى ظهوره بعيد. و التحقيق أنّ الطاعة ضدّ المعصية، و المعصية المضافة إلى الأمر تصدق بمخالفته و لو من وجه، و المضافة إلى الشخص الآمر تصدق بمخالفة أمر واحد من أوامره، فالطاعة للأمر هو عدم مخالفته بوجه من الوجوه، و للشخص الآمر هو عدم مخالفته في شي‏ء من أوامره، و لهذا كانوا يكتفون في إعطاء القيادة للأمراء و التسليم لهم بأنّا سامعون لك مطيعون من غير تعميم لمطلق الطاعة. و قولهم أطعناه في الأمر الفلاني دون غيره، مجاز خلاف الظاهر. و يؤيّده أنّهم استدلّوا بقوله تعالى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ. و بقوله تعالى فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ على مسألة التأسّي، و لو لا العموم لم يصحّ هذا الاستدلال. العاشر قوله تعالى قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ و تقرير الاستدلال به على نمط الاستدلال بقوله تعالى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. كما سبق ]في الوجه الأوّل[. الحادي عشر قوله عزّ و جلّ قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ و تقريره ما علم سابقا. الثاني عشر قوله تعالى وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ دلّ على أنّ طاعة الرسول في أيّ أمر كان سبب للكون مع النبيّين و الصّدّيقين، و لو كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله مخطئا في اجتهاده و علم ذلك، لم يكن طاعته في ذلك الأمر سببا لما ذكر، فدلّ على عدم الخطإ في الاجتهاد. الثالث عشر قوله تعالى ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ دلّ على أنّ المأثور عن الأنبياء الأوّلين لا يحتمل الخطأ، و إلّا لم يكن بين إتيانهم بالأثارة و عدمه فرق. و يمكن المناقشة ]فيه[ بوجهين الأوّل أنّا لا نسلم أنّه يدلّ على عدم الخطإ في الأثارة، و إنّما يدلّ على عدم الصدق بدونها يعني أنّهم لا يقدرون على الإتيان بالأثارة الدالّة على الشرك، و ما لم يأتوا بها لا يكونون صادقين في دعواهم لأنّ ذلك ليس مما يعلم بالعقل المحض، فإن علم، فإنّما يعلم بالنقل، و لا نقل هاهنا، و لا ينافي هذا أن لا يكفي النقل المذكور في الشرك. و الثاني أنّ ذلك من الأصول، و نحن لا نخالف في عدم جواز مخالفة النّبي صلّى اللّه عليه و آله فيما قاله في أصول الدين، و إنّما نجوّز مخالفته في الفروع. و كلتاهما خلاف الظاهر فلا ينافي التمسّك بظاهره. الرابع عشر الآيات الدّالة على النهي عن اتّباع الظنّ و الاقتصار على

 العلم، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله معلوم أنّه حكم اللّه و لو ظاهرا، و يجوز اتباعه بل يجب، و اجتهاد الأمّة إذا كان مخالفا له، ليس بمعلوم أنّه يجوز اتّباعه لتحقّق الخلاف في ذلك، فمخالفته ترك للمعلوم الواجب المأمور، باتّباعه بالمظنون المنهي عن اتّباعه. الخامس عشر قوله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وجه الاستدلال أنّ من عرف اللسان لا يرتاب في أنّ مفاد الآية هو أنّ طاعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله ليس إلّا طاعة اللّه عزّ و جلّ، فكما أنّ من خالف نصّ اللّه سبحانه بالاجتهاد ضالّ غاو، فكذلك من خالفه صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد، و من جوّز مخالفته لأنّه يقول عن اجتهاد لزمه القول باجتهاده تعالى و جواز مخالفته. و قد فسرّ اللّه تعالى ضدّ الطاعة في الآية التالية لهذه الآية بإضمار غير ما يقول صلّى اللّه عليه و آله، قال سبحانه وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَ اللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا و قد استدلّ الفخر الرازي في التفسير بهذه الآية على عصمته صلّى اللّه عليه و آله في جميع أقواله و أفعاله ثم قال ]و[ قال الشافعي في باب فرض طاعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إنّ قوله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ يدلّ على أنّ كلّ تكليف كلّف اللّه عباده في باب الوضوء و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ و سائر الأبواب في القرآن، و لم يكن ذلك التكليف مبيّنا في القرآن، فحينئذ لا سبيل إلى القيام بتلك التكاليف إلّا ببيان الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و إذا كان الأمر كذلك لزم القول بأنّ طاعة الرسول عين طاعة اللّه، هذا كلام الشافعي. انتهى. و لا يخفى أنّ في هذه الكلمات اعترافا بأنّ الاجتهاد بخلاف أمره صلّى اللّه عليه و آله قطعي البطلان، و اجتهاد بخلاف أمر اللّه عزّ و جلّ، فلو فرضنا تعبّده صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد، لم يجز مخالفته على حال من الأحوال. السادس عشر قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. جعل عامّة المفسّرين الضمير راجعا إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و قول أبي بكر الرّازي إنّه راجع إلى اللّه سبحانه، لا عبرة به، على أنّه لو صحّ لكان بناء الكلام على ادّعاء أنّ مخالفة أمره مخالفته سبحانه، حتّى تتلاءم أجزاء الآية، و حينئذ يتمّ المقصود بوجه أتمّ. و إذا كان مخالفة أمره صلّى اللّه عليه و آله موضعا للحذر عن الفتنة و العذاب الأليم، ظهر فساد الاجتهاد في خلافه. أمّا إذا جعل موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقّا واجب القبول على ما زعمه البعض، فظاهر. و أمّا إذا جعل بمعنى الإتيان بما أمر به على وجهه، فلأنّه إذا كان مخالفة أمره بهذا المعنى مظنّة للعذاب و الفتنة، كان الاجتهاد بخلاف ما أمر به باطلا، و هو المدّعى. ]الوجه[ السابع عشر الأوامر المطلقة في إيجاب طاعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله مفردة و مقرونة بإيجاب طاعة اللّه سبحانه كقوله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ و قوله تعالى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ و هي في الكتاب الكريم أكثر من عشرين موضعا، و الاجتهاد

 بخلاف أمره صلّى اللّه عليه و آله تصويب لمخالفة أمر اللّه عزّ و جلّ في إيجاب طاعة رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و بطلانه واضح، و إفادة أمثال تلك الأوامر للعموم قد تبيّن في الأدلّة السابقة. الثامن عشر مما يدل على بطلان الاجتهاد على الوجه الذي يجوز مخالفته، أنّ أبا بكر و عمر كانا يقولان بأنّ حكمهما ربّما كان خطأ، و ربّما كان صوابا، و يلتمسان من الصحابة و سائر من حضرهما أن ينبّهوهما على الخطإ، و لا يقرّروا و لا يداهنوا، و لقد كانت المداهنة من القوم في شأنهما و الإغضاء على خطئهما أقلّ بالنسبة إليه صلّى اللّه عليه و آله، و الاحتشام منهم لهما دون الاحتشام له صلّى اللّه عليه و آله، و توهم تحتّم الصواب و وجوب الصحّة في قوله تعالى و فعله صلّى اللّه عليه و آله أكثر، لا سيما بعد ما تقرّر و تكرّر أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يفعل عن شهوة، و لا يقول عن هوى، و إنّما كلامه صلّى اللّه عليه و آله حكم، و نطقه فصل، و قوله عدل، و شهدت له بذلك الآيات المنزلة و السور المتلوّة، و لم يكن التوهّم في شأنهما بهذه المثابة و لا لهما هذه الأسباب و الدواعي، كيف و في حقّه صلّى اللّه عليه و آله نزل وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و نهى عن معصيته و أوعد على مشاقّته و محاقّته، و لا شي‏ء من ذلك فيهما و لا لهما، فكان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحقّ و أحرى بأن ينبّه على أنّ قوله ربّما يباين الصواب، و يخطئ من إصابة الحقّ، و كيف أهمل صلّى اللّه عليه و آله طول هذه المدّة المديدة و أضاع في تلك الأزمنة المتطاولة أن يجنّب أمّته اتّباع الباطل، و يحذرهم الاقتداء بغير الحقّ، و يصونهم عن الإصرار على ما لا ينبغي و يخالف حكم اللّه، و قد وفّق له أبو بكر و عمر و اهتديا إليه السبيل. و لو قال قائل إنّ هذا التنبيه و الإيماء كان أولى و لم يكن واجبا، كان الدليل قائما و الحجّة مستقيمة أيضا، لأنّ ترك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هذا الأولى و الأليق و الشفقة على الأمّة و النظر لها، و اختصاصهما بهذه المنزلة و انفرادهما بهذه الفضيلة و إصرارهما على هذا القول الذي يرويه الناس في معرض مدحهما و يعدّونه من فضائلهما، مما تأباه القريحة السليمة، أ فلا قال صلّى اللّه عليه و آله إنّما أنا مثلكم أخطئ و أصيب، كما آكل و أشرب و أمشي في الأسواق و من علم عادته و تتبّع سيرته صلّى اللّه عليه و آله لم يثنه ريب و لم يختلجه شكّ في أنّه لو كان ما قالوا مما له مساغ في طريق الصدق، لم يهمل النبي صلّى اللّه عليه و آله أمره، و لا أغفل عن أن يهدي الناس إليه، لكنّ الإنصاف ارتحل من البين، و العصبية أرخت سدول الغشاوة على العين. ]الوجه[ التاسع عشر مما يدلّ على ذلك احتجاج أبي بكر على الأنصار يوم السقّيفة كما رووه بقوله »الأئمّة من قريش«. و تسليم الأنصار الأمر إليه، و انكسارهم بذلك عن سورتهم، فما بالهم لم يقابلوا حجّته بأن يقولوا أيّ دليل في هذا لك و قد علمت أنّه صلّى اللّه عليه و آله ربّما يقول القول عن رأي و اجتهاد و طال ما أخطأ و رجع فلا حجّة في ذلك و لا يصلح خصوصا فيما يتعلّق بالولاية و الزعامة، فإنّه قلّما يكون عن وحي سماوي و تنزيل إلهي، مع شدّتهم في أمرهم و وصيّتهم فيما بينهم بأن شدّوا على أيديكم و لا تملّكوا أمركم أحدا. حتّى أنّ حبّابا كان قد قبض على قبيعة سيفه، و كان سعد طول حياته يعترض و يصرّح ببطلان أمرهما و يلمح بالتّغلّب و العدوان إليهما و يتلظّى كبده عليهما، و جميع الأنصار كان شأنهم ذلك و حالهم هذا إلّا قليلا منهم، و ما قالوا في هذا الباب و حفظ عنهم من النظم و النثر مشهور، و في السير و التواريخ مذكور. و كيف غفلوا عن هذا التوهين القويّ لحجّتهم هب أنّهم عن آخرهم أخذتهم الغرّة، و غشيتهم الغفلة في أوّل الوهلة و بادي الأمر، فهلّا استدركوا ثانيا و احتجّوا مرّة أخرى العشرون قول أبي بكر »أقول في الكلالة برأيي، فإن يكن صوابا فمن اللّه، و إن يكن خطأ فمنّي و من الشيطان، و اللّه و رسوله منه بريئان«. فإن

 كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أسوة أبي بكر في جواز الخطإ عليه، لم يكن لهذه التبرئة و التنزيه وجه. الحادي و العشرون ما روي عن ابن مسعود أنّه قال في المفوّضة »أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن اللّه، و إن كان خطأ فمنّي و من الشيطان«. و هذا التفصيل قاطع للشركة، و هاتان الروايتان مشهورتان، أوردهما العلماء في كتب الأصول و استدلوا بهما على مسائل من أحكام الاجتهاد، و من جملتها كتاب الأحكام للآمدي. الثاني و العشرون قول عمر بن الخطّاب »أيكم يرضى أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول اللّه« أو ما في معناه كما سبق. و قوله ]الآخر[ »رضيك لأمر ديننا أ فلا نرضاك لأمر دنيانا«. و لا يخفى أنّ الصلاة إمّا من الأحكام و الأمور التي يجوز فيها الاجتهاد و يحتمل الخطأ، أو ممّا يكون بوحي إلهيّ لا بدّ منه. فعلى الأوّل لا وجه للاستدلال به لأنّ لهم حينئذ أن يقولوا نحن قد اجتهدنا و رأينا أنّ الصواب في ضدّ ما فعله صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ الأوفق بالمصلحة خلاف ما رآه، و لا يمتنع ذلك عليه و لا نرضى بذلك، و أيّ استبعاد في هذا الرضا و إنّما يصحّ هذا الاستبعاد فيما لا يجوز فيه الخطأ و لا يتطرّق إليه البطلان. و لئن قيل إنّ الغالب عليه الصواب و إن جاز الخطأ أحيانا، و ما يغلب عليه الصواب ينبغي أن يحترز و يجتنب تركه، و المركوز في العقول التباعد عن مخالفة مثله لأنّ الخطأ مظنون فيها. قلنا إمّا أن يكون الأنصار نازعت أبا بكر و ادّعت الإمامة لنفسها بدون متمسّك و اجتهاد، أو رأته كذلك و قالت ما قالت عن شبهة تعتقدها دليلا أو تظنّها حجّة، و الأوّل مما لا يقدم عليه مثل الأنصار الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا، و هم كبار الصحابة و أعلام المسلمين و خيار الناس و أعيان أهل الدين، ]و[ كيف يقدم مثلهم على هذا الفسق الواضح أ فلا كان في الأمّة من يطعن عليهم بالفسق و العصيان و لو كان، لنقل إلينا و هذا النوع من الاستدلال قد شاع بين القوم التمسّك به. و أيضا أجمعت الأمّة إجماعا مركّبا على أنّ كل من قال في الإمامة بالرأي، و دان فيها بالاجتهاد فاسق، أو أنّهم أتوا بأفضل عبادة و أثيبوا و إن لم يصيبوا. و أما أنّ بعضهم أصاب الحقّ و اليقين و آخرون فسقوا عن الدين، فمنفيّ إجماعا، فتعيّن أن يكون الأنصار و من يحذو حذوها قالت ما قالت عن شبهة، فكان الواجب على عمر أن يتمسك برجحان اجتهاده صلّى اللّه عليه و آله على اجتهادهم بواحد من الوجوه التي تصلح للترجيح من الأمور المقرّرة في الأصول. و على الثاني، كان عليه أن يثبت بدليل أنّه صادر عن الوحي لا عن الاجتهاد، و يأتي بحجّة تعيّن كونه من أحد القسمين دون الآخر. و أيضا لا معنى لقياس ما يجوز فيه الاجتهاد و يسوغ عليه الخطأ، كأمر الإمامة و الرئاسة على ما يجب استناده إلى الوحي و التوقيف، و كيف شبّه أحدهما بالآخر مع هذا الفارق الجلي الواضح. الثالث و العشرون قول عمر حين قال بعض المرتابين في جيش أسامة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله »أ تؤمّر علينا هذا الشابّ الحدث و نحن جلّة مشيخة قريش« دعني يا رسول اللّه أضرب عنقه فقد نافق. و هذا يدلّ على أنّه يلزم بمجرّد مخالفة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله النفاق و الكفر، و لا يجوز مخالفته صلّى اللّه عليه و آله، سواء كان قوله عن اجتهاد أو لا،

 و سواء كان في الولايات و الحروب أو غيرهما، و إلّا فمن أين يلزم نفاقه و كفره و يحلّ ضرب عنقه و كيف قرّره صلّى اللّه عليه و آله على هذا الرأي الفاسد و الزعم الباطل و لم ينكر هو عليه و لا أحد من الصحابة و التابعين و أين كان أعداؤه المتتبّعون لعثراته و زلّاته، الطالبون لخطاياه و أغلاطه عن هذا الخطإ الظاهر و كيف لم يطعن الفقهاء عليه طول هذه المدّة و لم يعترض عليه حتّى أنّ الذين كانوا على رأي الروافض في الصدر الأوّل عطشى الأكباد لأدنى هفوة من هفواته، كهشام بن الحكم، و محمد بن النعمان الأحول، و غيرهم ممن عرفوا بهذه الخصلة و عدّوا من أصحاب المقالات و النحل، لم يطعنوا عليه هذا الطعن مع حرصهم على الإزراء به، و ولوعهم على تشهير مساويه و مثالبه و لو لا أنّ هذا كان في الزمن السالف إجماعيا غير مختلف فيه ما أغمضوا عليه و ]لا[ تغافلوا عنه. و إنّ ما ذكرناه أقوى في باب العادات، و المعلوم من أحوال الناس من جميع ما يذكرونه في هذا النمط و يستدلّون عليه بها، و إنّما هذا القول البديع و الإفك المفترى، شهادة زور و أماني غرور اختلقها جماعة من المتأخّرين، ترويجا لبعض ما ينتحلونه، و ترميما لأفعال شيوخهم و أئمّتهم، و هيهات هيهات و أنّى لهم بذلك و قد حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ الرابع و العشرون قول عمر أيضا يوم بدر حين قال أبو حذيفة في بعض ما كلّم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قد كان صلّى اللّه عليه و آله يوصي أن لا يقتل أحد من بني هاشم لأنّهم استكرهوا و لم يخرجوا طائعين ]فقال أبو حذيفة[ »أ نقتل آباءنا و إخواننا و نترك بني هاشم فلو أنّي لقيت عمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لأضربنّ خياشمه بالسيف حيث قال ]عمر[ »إنّ أبا حذيفة قد نافق«. و استئماره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله »دعني أضرب عنق هذا المنافق«. و لم ينكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على عمر قوله، و لو كان الأمر على ما زعموه لكان الحري بالهادي المهدي الراشد المرشد المبعوث للدلالة و الهداية أن يقول له أيّ رابطة زعمت بين إنكار قولي و بين النفاق. بل هو طاعة للّه، فإن كان صوابا فله أجران، و إلّا فأجر واحد، خصوصا في الحروب و تدبير أمر الجيوش و المغازي، سيّما يوم بدر الذي كان المسلمون فيه في غاية القلّة و نهاية الضعف، و لم يشتدّ ساعد الإسلام بعد، و كانت إثارة الإحن مجلبة للمحن، فلو لا أنّ عمر كان مصيبا في ذلك لما تغافل عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم يعتذر بأنّه يحبّ اللّه و رسوله، و لم يذهب في إصلاح ما بدا منه في الظاهر إلى أمر الباطن، و من المعلوم أنّ الظاهر إذا لم يفسد، لم يجز العدول في جواب قدح القادح فيه إلى أنّ باطنه على خلاف ما يوهمه ظاهره، فإنّ ذلك كلام من يسلّم من خصمه صحة مقدّماته التي ادّعاها، و لكنّ ذلك القدر لا يكفي في المطلوب، بل العمدة أمر الباطن و هو ملاك الأمر. و لو كان الأمر كما زعمه القوم لكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول صادعا بالحقّ أن لا غائلة في قول أبي حذيفة و لا قدح، و إنّما ذلك أسوة سائر الكلمات التي يسوغ لكلّ أحد أن يكلّمني، و لو لم يكن عبادة فلا أقلّ من أن يكون مباحا، و لم يكن يعرض بأمر باطنه و صحة عقيدته، و لا يحيل على أمر غير ظاهر للناس خفيّ عن الأبصار. الخامس و العشرون أنّ الناس اجتمعوا على عثمان زارين عليه طاعنين فيه بمخالفته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و العدول عن سنّته، و عدّدوا عليه أمورا، فلو جاز لأحد أن يخالفه بالاجتهاد لكان لعثمان أن يجيب خصمه بذلك و يناظرهم عليه، أو يرشدهم إليه، و ما رأيناه فعل ذلك مع كثرة المواقف التي واقفوه فيها كما مرّ بعضها، و لو فعل لنقل إلينا، و لقد كان كثير من الصحابة الذين طعنوا عليه واجهوه بما يسوؤه، و عابوه حين غابوا، و زجروه إذ حضروا عنده، و لم يعتل هو بأنّي اجتهدت و رأيت أنّ الصواب في خلاف ما قاله و فعله، و قد علمتم أنّه كثيرا ما كان يقول شيئا و يخالفه الناس لخطإ في رأيه،

 و ]ما قال[ أنا اليوم إمام القوم أولى منهم بذلك، و لو ساغ ما قلتم، استحال أن يتغافل عنه عثمان أو غفل هو و أتباعه و المصحّحون لما فعله في عصره، و لو احتجّ و اعتلّ بذلك، استحال في العادة أن لا ينقل إلينا و لم ينقل. ]الوجه[ السادس و العشرون أنّه لما كلّم عثمان أبا بكر و عمر في ردّ الحكم، أغلظا له القول و زبراه و قال له عمر يخرجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و تأمرني أن أدخله و اللّه لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غيّر عهد رسول اللّه صلّى عليه، و اللّه لئن أشقّ باثنتين كما تشقّ الآبلة و هو خوص المقل أحبّ إليّ من أن أخالف لرسول اللّه صلّى اللّه عليه أمرا، و إيّاك يا ابن عفّان أن تعاودني فيه بعد اليوم. و لو جاز مخالفته صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد، لم يكن لعمر أن يردّ قول عثمان و يدفعه بأنّه مخالفة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ شقّه باثنتين أحبّ إليه منها، بل كان ينبغي أن يناظره و يحجّه بطريق الاجتهاد و سنّة النظر و مراعاة المصالح و المفاسد، و يرى عثمان وجه خطئه، و أنّه في أيّ موضع من مقدّمات الاجتهاد وقعت له الغفلة و حصل منه الإهمال، و ما نراه فعل هو ذلك و لا أبو بكر. السابع و العشرون قول عمر بعد ما سمع الخبر في دية الجنين »لو لم نسمع لقضينا فيه بغير هذا«. و روي أنّه قال »نقضي فيه برأينا«. فدلّ على أنّه كان يترك الرأي بخبر الواحد، و لم ينكر على عمر أحد قوله و كان يرى التفاوت في دية الأصابع، فرجع عن رأيه بخبر عمرو بن حزم، أنّ في كلّ إصبع عشرة. الثّامن و العشرون حديث أبي الدّرداء حيث روى نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن بيع أواني الذهب و الفضّة بأكثر من وزنها. فقال معاوية لا أرى بذلك بأسا. فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أبدا. دلّ كلام ]أبي الدرداء هذا[ على أنّ مقابلة النص بالرأي غير مشروع، و لم يخصّص في إنكاره بالأحكام، بل أطلقه بحيث يتناول الحروب و غيرها، و لو كان هناك فرق بين خبر و خبر و رأي و رأي، لما صحّ له الإطلاق. التاسع و العشرون أنّ عمر كان يرى أنّ الدّية للورثة و لم يملكها الزوج فلا ترث الزوجة منها، فأخبر أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله أمر بتوريثه منها، و هو خبر الضحّاك بن سفيان بأنّه كتب النّبيّ بتوريثها من الدية. قال الآمدي ترك ]عمر[ اجتهاده في منع ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الواحد و قال أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا و أضلّوا كثيرا. و هذا، و إن كان مورده الميراث إلّا أنّ فحوى الكلام هجر الرأي بخبر الواحد مطلقا، و هذه الأخبار مما استدلّ به العلماء في كتب الأصول على أحكام خبر الواحد. الثلاثون ما روي أنّ عمر جاء رسولا إلى أبي بكر من قبل أعيان الجيش، فاستأذنه في رجوع أسامة متعلّلا بأنّ معه من وجوه الناس، و لا نأمن على خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حرمه و حرم المسلمين أن يتخطّفهم المشركون حول المدينة. فقال أبو بكر لو تخطفني الكلاب و الذئاب لم أردّ قضاء قضى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه. و لمّا أدّى إليه ]عمر[ رسالة الأنصار و سؤالهم أن يولّي عليهم أحدا أقدم سنا من أسامة وثب من مكانه و كان جالسا و أخذ بلحية عمر بن الخطاب فجرّها و قال ثكلتك أمّك يا ابن الخطّاب استعمله رسول اللّه و تأمرني أن أنزعه

 و قد كان وجه المصلحة فيما رأوه باجتهادهم ظاهرا، فلو لا أنّ مخالفة النّبيّ بالاجتهاد غير سائغ لما ساغ لأبي بكر أن يجيبه بالردّ من عرض الخلافة عليه أوّلا، و أفضى بها إليه أخيرا و أن يزري بقدره و يستخفّ به و يستهزئ ذلك الاستهزاء الذي لا يفعله الجلف الجافي بسوقي ساقط المحلّ. و كيف ساغ له أن يأخذ بلحيته الكثيفة و يخاطبه بالثكل و الويل و هو غير مستحقّ لذلك، سوى أنّه تحمّل رسالة كلّها أجر و ثواب، و جلّها صدق و صواب بزعمهم، و قد صدرت عن اجتهاد جماعة من المسلمين هم ذروة الأمر و سنامه و أساس الإسلام و قوامه و هل يغضب ذو الدين على الحاكي طاعة جماعة من المسلمين و عبادتهم، و يفعل فعل من لا صبر له، و استشاط غيظا و تلهّب غضبا، فلو لا أنّ الأمر بمخالفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لو كان عن اجتهاد كان فظيعا شنيعا لما ظهر منه ذلك الصنيع مع اتّفاق كان بينهما في النفاز و اتّحادهما في الإلحام و اجتماعهما على ترويح الباطن و هذا آخر ما أردنا إيراده من الأدلّة في هذا الباب و فيها كفاية لأولي الألباب. و لنشر إلى بعض شبه المخالفين الأولى قوله سبحانه عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ قالوا عاتبه على الإذن ]لمن أراد أن يتخلّف عنه[ و العتاب لا يكون إلّا عن خطإ و الخطأ لا يكون في الوحي بل في الاجتهاد و قال عَفَا اللَّهُ عَنْكَ و العفو لا يكون إلّا عن ذنب. و الجواب عنه أمّا أوّلا فبأنّا قد روينا عن أهل بيت العصمة عليهم السلام كما مرّ مرارا أنّ القرآن نزل ب ]طريقة قولهم[ »إيّاك أعني و اسمعي يا جارة«، و هي مروية في كتبهم أيضا عن ابن عبّاس، ]و[ في معناه عن طرقنا أخبار كثيرة، فلعلّ ذلك كان بإشارة الأصحاب الذين تقول فيهم ما تقول، و نزلت الآية عتابا لهم و ردّا عليهم لقلّة نصحهم و سوء صنيعهم. و قد مرّ في هذا الكتاب أشباهها من قوله تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و قوله سبحانه مخاطبا لعيسى عليه السلام أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ و للتعريض باب عريض، فلا يستبعد كون المراد بالآية المذكورة تعريضا و توبيخا لمن حمله عليه السلام على الإذن و ألجأه إليه و صنع ما انقلبت معه المصلحة عن وجهها و انعكس أمرها و انحصرت في الإذن إلى غير ذلك. ثمّ نقول لهؤلاء القوم لا يخلو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في إذنه لهم من جهة الخطإ في الاجتهاد من أن يكون آثما أو تاركا للأولى، أو لا هذا و لا هذا، بل إمّا مثابا مأجورا أو فاعلا مباحا و الأوّل خلاف الإجماع، و لم يظهر قائل بالثاني أيضا بل المشهور هو الثالث. فإن كان استعمل لفظ العفو و المعاتبة معه صلّى اللّه عليه و آله، من جهة أنّه ترك الأولى، فقد خرجنا و هؤلاء الخصوم رأسا برأس، فإنّ المشهور عند أصحابنا الإمامية حمل هذه الآية و أمثالها على ترك الأولى بدون أن يكون خطأ في الاجتهاد، بل يكون تعمّدا لترك الأولى عندهم، كما يحملون خطيئة آدم عليه السلام مع ما وقع عليها من المعاتبات و غيرها على ترك الأولى، فلا ترجيح معهم. و إن كان من جهة الخطإ في الاجتهاد بدون أن يكون هناك ترك للأولى، بل إمّا أن يكون فعل فعلا مباحا أو أتى بنافلة و عمل بمندوب و أطاع اللّه فيما أمره به و أقام وظيفة عبادته، فلينصفوا حينئذ من أنفسهم، و لينظر اللبيب في أنّه هل يكون استعمال لفظ العفو و إيقاع المعاتبة في صورة ترك الأولى عمدا أحسن موقعا أم استعماله في خطإ وقع أثناء الاجتهاد مع أنّه لم يفعل فعلا

 مرجوحا بل إمّا مباحا، و لعلّ من له أدنى حظّ من الإدراك لا يرتاب في أنّ تأويل الإمامة أقرب بمراتب و أولى بدرجات كثرة. و مما ينبغي أن يعلم أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و إذنه لهم من حيث إنّه قول و حكم لا يوصف بأنّه ترك الأولى لأنّ الحكم من حيث إنّه حكم كان أمرا مطابقا للواقع من جملة أحكامه عليه السلام، فكان القعود لهم جائزا بحسب الواقع، و إنّما كان ترك الأولى في إظهاره لهم و عدم منعهم من القعود. و يحتمل أن يقال لم يكن قعودهم جائزا في الواقع، بل كان الواجب عليهم أن يخرجوا إلى الجهاد، لكن كان الأولى له أن يمنعهم و لا يأذن لهم. و لا استبعاد في أنّ يكون قعودهم محرّما و إذنه عليه السلام بحسب ما يظهرونه من الأعذار و يتعلّلون بالعلل جائزا، فربّ أمر كان في الواقع حراما و الإذن فيه من حيث الظاهر جائزا، كما سيأتي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام، سلّم من شهد عليه شاهدان بالسرقة إليهما ليقطعاه فأرسلاه و فرّا، مع أنّ قطعه كان محرّما عليهما، و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أذن لأهل الذمّة أن يقرّوا على مذهبهم و يستمرّوا على دينهم مع أنّه محرّم عليهم. و أذن لعثمان في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، مع أنّه كان على عثمان أن لا يستأذنه صلّى اللّه عليه و آله و أن لا يؤمّنه. و أذن أمير المؤمنين عليه السلام ]ل[ طلحة و الزبير في الخروج إلى العمرة، مع أنّه كان يعلم أنّه محرّم عليهما و كان يتظاهر بذلك. غاية ما في الباب، أن يكون عدم الإذن فيما نحن فيه أولى، و إذنه تركا للأولى، فإذا جاز أن يكون الإذن في المحرّم جائزا مباحا فأولى أن يكون تركا للأولى. ]الشبّهة[ الثانية قوله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. قالوا لو لا أنّه أخطأ في أخذ الفدية لما عوتب على ذلك. و قد يقال إنّ مدلول هذه الآية نهي عن الأسر و قد وقع الأسر بلا شبهة. و أيضا قد أمر بالقتل و الأسر ضدّه، و قد روي أنّ عمر بن الخطّاب دخل على رسول اللّه فإذا هو و أبو بكر يبكيان فقال يا رسول اللّه أخبرني فإن أجد بكاء بكيت. فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، و لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ]و أشار[ بشجرة قريبة منه. و البكاء و نزول العذاب قريبا دليلان على الخطإ. و هذا أقصى ما قالوه في تقرير هذه الشبهة فنقول ]في جواب هذه الشبهة[ أمّا الأسر فلعلّه كان منهيّا عنه و لم يأسر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحدا، و إنّما أمر بالقتل فخالفوه على ما ذكره السيّد ]المرتضى[ رضي اللّه عنه في كتاب تنزيه الأنبياء. و يرد على ذلك أنّ أمير المؤمنين أسر عمرو بن أبي سفيان أخا معاوية على ما جاءت به الرواية، و أشار عليه السلام إليه في كتابه إلى معاوية، فلو كان الأسر منهيّا عنه لم يفعله علي عليه السلام. و يمكن أن يكون الأسر ]في الواقع كان[ منهيّا عنه بالنسبة إلى كلّ أحد مقيّدا بالغاية المذكورة في الآية، و إذا انتهى الرجل إلى الغاية صحّ منه الأسر، و قد كان عليّ عليه السلام أثخن في الأرض حتّى أنّه قتل ما يقرب من نصف عدد القتلى، و غيره ما كان بلغ معشار ما بلغ صلوات اللّه عليه. أو يقال لعلّ الإثخان كان حاصلا حين أسر علي عليه السلام من أسر و لم يكن حاصلا حين أسر غيره.

 و قد قال السيّد ]المرتضى[ قدّس سرّه إنّهم لمّا تباعدوا عن العريش و عن مرائه صلّى اللّه عليه و آله، أسروا من أسروا من المشركين بغير علمه صلّى اللّه عليه و آله و لا يبعد أن يكون هو عليه السلام لم يأسر حتّى في الكفّار و انهزموا و تباعدوا و انتهى الأمر إلى آخره و وضعت الحرب أوزارها، فحينئذ أسر من أسر. و يمكن أن يكون هذا الأسر مستثنى من العام لحكمة تعلّقت به، و قد افتكوا به رجلا من الأنصار، و كان حبسه أبو سفيان بابنه و كان الغرض من الأسر هو هذا، و القرينة على أنّ مثله مخصوص من العام أنّ التوبيخ في الآية تعلّق بإرادة الدنيا و حطامها و أعراضها، و لو لم يكن المقصود من الأسر العرض الأدنى و النصيب الأخسّ و المطلب الأركس لم يكن داخلا في النهي. و اعلم أنّ حديث الأسر و كونه منهيّا عنه ساقط فيما نحن فيه من الاجتهاد و كونه واقعا على وجه الخطإ، و إنّما يتّجه التمسّك به في نفي العصمة، فإنّ القائل بأنّ الاجتهاد وقع خطأ، لا يقول بأنّه وقع مخالفة للنصّ و على وجه المعصية حتّى يكون مما يستحق عليه العذاب العظيم و الذي يتمسّك به في معصية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يقول بأنّه وقع على سبيل الخطإ في الاجتهاد. و يمكن أن يتوجّه بأنّ النهي إنّما حصل بهذه الآية و لم يكن نهي صريح سابقا كيف و الاتّفاق حاصل على أنّه لم يكن هناك نهي و نصّ. و أمّا الأمر بالقتل في قوله تعالى فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ فالمراد به الكثرة لا محالة، لا عموم ]ضرب[ أعناق الكفّار بلا خلاف، فالقتل المدلول عليه بالآية لا ينافي الأسر. و مما يدلّ على أنّ المراد به الكثرة، هذه الآية، فإنّها كالمفسّرة لتلك، و كذلك قوله تعالى فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ. فلعلّه عليه السلام علم المراد قبل نزول هاتين الآيتين أو بواحدة منهما أو بغيرهما، فقد ظهر أنّ القتل المأمور به هو الإثخان فيه و الإكثار منه و هذا غير صريح في النهي عن الأسر. و لمّا دلّ الدليل على عدم صدور المعصية منه عليه السلام، تعيّن الحمل على ذلك. و قد حصل التوبيخ له صلّى اللّه عليه و آله و العتاب في هذه الآية و لا وجه له حينئذ سوى أنّه اجتهد و أخطأ في الاجتهاد. و هذا تقريره على وجه ينطبق على ما نحن فيه. و أنت خبير بأنّ الخطأ في الاجتهاد إمّا أن يكون ناشئا عن تفريط و تقصير يعدّ ذنبا و معصية، أو لا، بل يقع موجبا للثواب و مقتضيا للأجر الجميل، و على الأوّل فقد بطل استدلاله، إذ لو كان ذنب لا محالة لازما فأيّ دلالة في الآية على الاجتهاد و الخطإ فيه. و على الثاني، لم يصحّ ترتّب العقاب على الفعل المندوب لا محالة، الموجب للأجر و الثواب، و لا قائل بأنّ المخطئ في الاجتهاد تارك للأولى غير مستحقّ للثواب، و لا بأنّه مع عدم تفريطه مستحقّ للعقاب إلّا شرذمة قليلة لا يعبأ بهم، و لم يبق أحد منهم على أنّ الكلام معهم هو الكلام على الاحتمال الأوّل. و قول الفخر الرازي إنّ الخطأ في الاجتهاد و إن كان حسنة، إلّا أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، فلذلك حسن ترتّب العقاب عليه، فيه نظر لأنّه بعد تسليم صحّة ترتّب العقاب على الحسنة بناء على أنّ هاهنا ما هو أحسن منها، فلم لا يجوز أن لا يكون هاهنا خطأ في الاجتهاد بل أصاب في اجتهاد و علم الحسن و الأحسن، و اختار الحسن على علم منه. أ فترى أنّه يمتنع من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ترك الأحسن و العمل بالحسن، إذا كان علمهما

 و ميّز بينهما و إنّما لا يمتنع إذا لم يعلمهما و حسبهما متساويين، فلا توجب الأصلح و الأحسن على اللّه سبحانه و توجبه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و قد زعمت أنّ ترك الأحسن. و العمل بالحسن مما تكرّر منه صلّى اللّه عليه و آله، فقد رويتم أنّه صلّى اللّه عليه و آله عبس في وجه ابن أمّ مكتوم فعاتبه اللّه على ذلك، كما مرّ، و عندكم أنّه محمول على ترك الأفضل أو الصغيرة. و ]رويتم أيضا أنّه صلّى اللّه عليه و آله[ حرّم مارية ]القبطيّة[ على نفسه، و عند أصحاب هذا القائل أنّه صلّى اللّه عليه و آله أذنب و أنّ قوله تعالى وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إيماء على العفو عن هذه الزّلّة، و أنّ قوله تعالى لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ و أمره بالاستغفار في قوله وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ و ما روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستغفر في اليوم و الليلة سبعين مرّة، محمول على الذّنب. أو على ترك الأفضل و الأولى. و نظائر ذلك كثيرا، فما الذي كان باعثا على أنّ اللّه تعالى خالف عادته في ترك النكير عليه، و بهذا يعلم أنّ هذا العتاب و الإنكار ليس مبنيّا على ترك الأحسن، سواء أنشئ عن اجتهاد أو غيره. و بما ذكرنا، يعلم جواب عن قولهم إنّه صلّى اللّه عليه و آله كان مأمورا بالقتل و الأسر ضدّه و ليس لأحد أن يقول إنّ الأمر تناول حال الحرب و ما بعده، و لو كان بغير اختيار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فلا ريب في أنّ إبقاءهم بعد الحرب كان باختياره، و هو مناف للأمر بالقتل لأنّا نقول الأمر بالقتل كان مقيّدا بحال المحاربة كما هو المتبادر من قوله ]تعالى[ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ فإنّ الظاهر من الأمر بضرب الرقاب وقت اللقاء و هو حال الحرب، و لا يسمّى ما بعد الحرب و حصول الأسرى مكتوفين بأيدي الخصوم و تبدّد شملهم و زوال فئتهم عن مراكزهم، لقاء. و أيضا المتبادر من مثل هذه العبارة حدثان ذلك الفعل و فواتحه، لا أواخره، و إن دام على أنّ ضربّ الأطراف الذي فسّر به ضرب البنان غير معهود من صاحب الشرع في الأسير، فإنّه يجري مجرى المثلة، و إنّما يجوز وقت التحام الحرب و حين المسايفة. و ربّما قيل إنّ الأسر أضيف إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث قال عزّ من قائل ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ و لو لا أنّ الأسر وقع بأمره و إذنه، ما كان يضاف إليه صلّى اللّه عليه و آله. و أجاب عنه السيّد ]المرتضى[ رضي اللّه عنه بأنّ الأصحاب إنّما أسروهم ليكونوا في يده صلّى اللّه عليه و آله، فهم أسراؤه صلّى اللّه عليه و آله و مضافون إليه و إن كان لم يأمرهم بأسرهم. انتهى. و نظيره قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ مع أنّ المطلّق لغير العدّة كان عبد اللّه بن عمر، و لم يأمره صلّى اللّه عليه و آله بذلك الطلاق، و قد أضيف إليه الطلاق و خصّ بالخطاب. و ممّا يدلّ على أنّ إبقاء الأسرى لم يكن إثما، ما روى الواقدي عن عليّ عليه السلام أنّه كان يحدّث و يقول أتى جبرئيل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر فخيّره في الأسرى بين أن يضرب أعناقهم، أو يأخذ منهم الفداء و يستشهد من المسلمين في قابل عدّتهم، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه و قال هذا جبرئيل يخيّركم في الأسرى بين أن يضرب أعناقهم، أو تؤخذ منهم الفدية و يستشهد منكم قابلا عدّتهم بأحد.

 قالوا بل نأخذ الفدية و نستعين بها و يستشهد منّا من يدخل الجنّة، فقبل منهم الفداء، و قتل من المسلمين قابلا عدتهم. و طعن من طعن في هذا الحديث بأنّه ينافي العتاب على أخذ الفداء من باب الطعن بالمجهول على المعلوم. مع أنّ ابن حجر ذكر في شرحه لصحيح البخاري أنّ الترمذي و النسائي و ابن حبّان و الحاكم رووه عن عليّ عليه السلام بإسناد صحيح. و يدلّ عليه أيضا، أنّ إبقاء الأسرى قد كان بإذنه و ما كان يسع المرءوس، إذا أذن الرئيس و أمر أن يخالف و يختار، ]لا[ سيّما في مثل هذا الخطب الجليل و الشأن العظيم، خصوصا بعد ما أبرم مرائر أمر أتباعه و طاعته، و أوعد على معصيته في الكتاب الكريم، فكانت التّبعة على الآذن المطاع و الآمر الواجب الاتباع، و لكان هو المستحقّ لتوجّه العتاب و التقريع و لم يقع الأمر كذلك، بل خصّوا بالعتاب و التهديد دونه صلّى اللّه عليه و آله، و غاية الأمر أن يعمّه صلّى اللّه عليه و آله معهم، و كذلك استشارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصحابه في أمر الأسارى و أخذ الفداء منهم، دليل على أنّه لم يكن النصّ تناوله، و لو كان خاصّا أو عامّا تناوله، فكيف غفل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه مع طول مدّة المشورة و البحث عن أمرهم حتّى روي أنّ أبا بكر و عمر كلّماه متناوبين متعاقبين مرارا عديدة، و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل خيمته ثمّ بعد أمّة خرج و استأنف أمر المشورة، و كان الناس يخوضون في كلامهما و يقول قائل القول ما قال أبو بكر. و قائل القول ما قال عمر. و رووا أنّه تمثّل لهما بالملائكة و حالهم و حال عدة من الأنبياء عليه السلام، و تلا عدّة من الآيات أ فلم يخطر بباله تلك الآية النازلة في الواقعة التي هو بصددها. و تذكر الآيات النازلة في شأن الأنبياء عليهم السلام و وقائعهم، حتّى تمثّل بها لأبي بكر و عمر. و كيف لم يذكر أبو بكر هذه الآية حتّى يتوقّف مما كان فيه و يرتدع من استبقاء الأسارى و ما الذي دهم الخائضين في كلامهما، حتّى ضربوا صفحا عن ذكر الآية التي أهمهم أمر ما نزلت فيه ثمّ هلم إلى عمر و ذهوله عن الآية، مع أنّ له فيها غرضا عظيما و حظّا جسيما لشدّة ولوعه بقتل الأسرى، خصوصا بني هاشم، لا سيّما عبّاسا و عقيلا حتّى صرّح باسمهما و عيّن القاتل لهما. و بعد اللتيّا و التي، لو كان استبقاؤهم باجتهاد غفلة عن النصّ، و ذهولا عن أمر اللّه تعالى، كان المجتهد فيه مثابا و مأجورا، و لم يتوجه العتاب، إلى آخر ما علمت. و أمّا أخذ الفداء، فلا يتمّ الكلام فيه إلّا بأن يثبت أنّ العتاب و التهديد وقع عليه و هو ممنوع، بل إنّما وقع على الأسر الذي فعله المحاربون بدون إذن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كان غرضهم من الأسر عرض الدنيا و كسب المال على ما دلّ عليه القرآن. و أيضا أخذ الفداء، كان للتقوّي على الجهاد. على ما دلّت عليه الرواية و هو ممّا يتعلّق بأمر الآخرة و الذّم و العتاب، إنّما توجه بالآية إلى من كان يريد عرض الدنيا، فظهر أنّه على غير هذا الأخذ وقع، و بما سواه تعلّق كما قلنا أنّ الذمّ وقع على فعل الأصحاب المحاربين، و لعلّ غرضهم كان متعلّقا بالحطام الدنيوي. و ممّا يدلّ على أنّ هذا الوعيد و العتاب لم يكن على أخذ الفداء ثانيا، الرواية التي ذكرنا في دخول عمر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ العذاب أضيف فيها إلى الأصحاب، و البكاء كان عليهم، و لم يذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفسه في البكاء و العذاب، مع أنّه هو الآذن الآمر لهم، و لا خيرة لهم مع أمره فما للعذاب و لهم

 نعم لو كان ينزل على أبي بكر خاصّة لكان له وجه لأنّه هو المشير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهذا الرأي و المزيّن له. و مفهوم الاستثناء المذكور في روايتهم الأخرى، حيث قال »لو نزل العذاب لما نجا منه إلّا عمر«. يدلّ على أنّه كان يتناوله صلّى اللّه عليه و آله، فبين الروايتين نوع من التنافي. و من ذلك ظهر أنّ الرواية بأن تكون دليلا على نقيض مدّعاهم، أولى منها بأن تكون دليلا لهم، و لو صحّ البكاء، لكان رحمة عليهم لما ذكرنا من الأسر الواقع منهم. و منه هاهنا ظهر أنّ بين ما تضمنته الرواية من تخصيص البكاء في العذاب بهم و جعله بإزاء أخذ الفداء تنافيا. و قول الفخر الرّازي »أنّ بكاءه صلّى اللّه عليه و آله كان لخطإ في الاجتهاد، و حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين« فيه نظر من وجهين. الأوّل أنّه لا معنى للبكاء على فعل الطاعة و ما يوجب الثواب. و الثّاني أنّه لا وجه لبكائه صلّى اللّه عليه و آله على الأصحاب لخطإ نفسه، و هل رأيت أحدا يبكي على غيره لذنب نفسه فهذا في غاية الظرافة. و لا يتوهّم أنّ العذاب علّق في الآية على الأخذ لا على الأسر لأنّ الأخذ يستعمل في كلّ فعل و لا يختصّ بما يؤخذ، إلّا إذا وصل بكلمة »من« الجارّة، و لا صلة في الآية ]الكريمة[. و لنكتف من ردّ شبههم بما تعلّق بهاتين الآيتين الشريفتين، فإنّهما عمدة تمسّكوا به. و أمّا ما تمسّكوا به من الأخبار، فجوابها أظهر من أن يتعرّض له، مع أن أكثرها مما لم يثبت عندنا، و نحن في فسحة من ردها و منع صحّتها.