باب 6- باب آخر نادر في ذكر ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من الأشعار المناسبة لهذا المجلد و قد مر بعضها في الأبواب السابقة

 1-  منها في الشكاية ]من أهل الزمان و معاصريه[

تغيّرت المودّة و الإخاء و قلّ الصّدق و انقطع الرّجاءو أسلمني الزّمان إلى صديق كثير الغدر ليس له رعاءسيغنيه الذي أغناه عني فلا فقر يدوم و لا ثراءو ليس بدائم أبدا نعيم كذاك البؤس ليس له بقاءو كلّ مودّة للّه تصفو و لا يصفو من الفسق الإخاءإذا أنكرت عهدا من حميم و في النّفس التّكرّم و الحياءو كلّ جراحة فلها دواء و سوء الخلق ليس له دواءو ربّ أخ وفيت له وفيّ و لكن لا يدوم له الوفاء

 يديمون المودّة ما رأوني و يبقى الودّ ما يبقى اللقاءأخلاء إذا استغنيت عنهم و أعداء إذا نزل البلاءو إن غيّبت عن أحد قلاني و عاقبني بما فيه اكتفاءإذا ما رأس أهل البيت ولىّ بدا لهم من النّاس الجفاء

 بيان الرعاء الحفظ و الرّعاية. و الثّراء كثرة المال و الولد و غيرهما. و إنكار العهد عدم معرفته أي تغيّره. و الحميم القريب نسبا. و قوله »وفي« بالجرّ صفة لأخ. و القلا البغض. ]و[ قوله »بما فيه اكتفاء« أي في العقوبة. و المراد ب »رأس أهل البيت« نفسه عليه السلام، أو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

 و منها في بيان شجاعته عليه السلام في غزاة بدر

ضربنا غواة النّاس عنه تكرّما و لمّا رأوا قصد السبيل و لا الهدى‏و لمّا أتانا بالهدى كان كلّنا على طاعة الرحمن و الحقّ و التّقى‏نصرنا رسول اللّه لمّا تدابروا و ثاب إليه المسلمون ذوو الحجى

 بيان ]لفظة[ »و لمّا« في الأوّل حرف نفي و فيما بعده للشرط. و إضافة »القصد« إلى »السبيل« من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف، يقال طريق قصد و قاصد إذا أدّاك إلى المطلوب. و ثاب الرّجل رجع و ثاب الناس اجتمعوا و جاءوا. أقول ]ذكر[ في الدّيوان أنّها لغزوة بدر، و لعلّها بغزوة أحد و حنين أنسب كما لا يخفى.

 و منها يومئ إلى الشّكوى

فلو كانت الدنيا تنال بفطنة و فضل و عقل نلت أعلى المراتب‏و لكنّما الأرزاق حظّ و قسمة بفضل مليك لا بحيلة طالب

 و منها في مثله

ليس البليّة في أيّامنا عجبا بل السّلامة فيها أعجب العجب

 و منها في نحوه

ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب و الناس ابن مخاتل و موارب‏يفشون بينهم المودّة و الصفا و قلوبهم محشوّة بعقارب

 بيان ختله و خاتله أي خدعه. و المواربة و قد يهمز المخادعة.

 و منها في شبهه

علمي غزير و أخلاقي مهذّبة و من تهذّب يشقى في تهذّبه‏لو رمت ألف عدوّ كنت واجدهم و لو طلبت صديقا ما ظفرت به

 بيان الغزارة الكثرة. و تهذيب الأخلاق تصفيتها و تخليصها عمّا يضيّعها. و ]معنى[ قوله عليه السلام »يشقى« أي يتعب. و الرّوم الطلب.

 و منها في تعبير الوليد بن المغيرة

يهدّدني بالعظيم الوليد فقلت أنا ابن أبي طالب‏أنا ابن المبجّل بالأبطحين و بالبيت من سلفي غالب

 فلا تحسبنّي أخاف الوليد و لا أنّني منه بالهائب‏فيا بن المغيرة إنّي امرؤ سموح الأنامل بالقاضب‏طويل اللّسان على الشّائنين قصير اللّسان على الصّاحب‏خسرتم بتكذيبكم للرسول تعيبون ما ليس بالعائب‏و كذبتموه بوحي السّماء فلعنة اللّه على الكاذب

 بيان الأبطح مسيل واسع فيه حصى صغار. و قيل أريد بالأبطحين أبطح مكّة و أبطح المدينة الذي يقال له وادي العقيق. و وجه تبجيل أبي طالب بالمدينة، أنّ سلمى أمّ عبد المطّلب كانت منها. و إنّما خصّ من أسلافه و أجداده غالبا تفؤّلا بالغلبة. و القاضب السيف القاطع أي تجود أنامله بأعمال السيّوف القاطعة. و الشّائنون المبغضون. ]و قوله[ »ما ليس بالعائب« أي خلقا لا يصير سببا لعيب صاحبه.

 و منها خطابا لأبي لهب

أبا لهب تبّت يداك أبا لهب و صخرة بنت الحرب حمالة الحطب‏خذلت نبيّ اللّه قاطع رحمه فكنت كمن باع السلامة بالعطب‏لخوف أبي جهل فأصبحت تابعا له و كذاك الرأس يتبعه الذّنب‏فأصبح ذاك الأمر عارا يهيله عليك حجيج البيت في موسم العرب‏و لو لان بعض الأعادي محمد لحانى ذووه بالرماح و بالقضب‏و لن تشملوه أو يصرّع حوله رجال ملاء بالحروب ذوو حسب

 بيان التباب خسران يؤدّي إلى الهلاك. و اليدان إمّا بمعناهما أو كناية عن النفس كقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. أو عن النفس و البدن أو عن الدّنيا و الآخرة. و »صخرة«، عطف على »يداك«، و يحتمل العطف على محلّ الضمير أيضا. و »قاطع« حال عن ضمير الخطاب. و العطب بالتحريك الهلاك. و »ذاك« إشارة إلى تبعة لأبي جهل. و يقال هلت الدقيق في الجراب أي صببته من غير كيل، و كلّ شي‏ء أرسلته إرسالا من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه. قلت هلته أهيله هيلا فانهال أي جرى و انصبّ. و لعلّه إشارة إلى رمي الحاجّ إليه بالأحجار عند مرورهم عليه، أو قراءتهم هذه السورة في المواسم. و »عن بعض« متعلّق ب »لان« بتضمين معنى الإعراض، أو »عن« للتعليل. و لحوت العصا ألحوها لحوا قشرتها. و كذلك لحيت العصا ألحيها لحيا و لحيت الرجل ألحاه لحيا لمته. و قال الجوهري سيف قاضب و قضيب أي قطّاع و الجمع قواضب و قضب، و كأنّ الضمير في »ذووه« راجع إلى البعض و يحتمل إرجاعه إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله. أو »يصرع« أو بمعنى إلّا أن أو إلى أن. و الصرع السقوط على الأرض. و الملاء جمع الملي‏ء و هو الثقة المعتمد عليه في الأمر.

 و منها خطابا لمعاوية

سيكفيني المليك و حدّ سيفي لدى الهيجاء تحسبه شهاباو أسمر من رماح الخطّ لدن شددت غرابه أن لا يعاباأذود به الكتيبة كلّ يوم إذا ما الحرب أضرمت التهاباو حولي معشر كرموا و طابوا يرجون الغنيمة و النّهاباو لا ينحون من حذر المنايا سؤال المال فيها و الإيابافدع عنك التّهدّد و اصل نارا إذا خمدت صليت لها شهابا

 بيان الأسمر الرمح. و الخطّ موضع باليمامة تنسب إليه الرماح لأنّها تحمل من بلاد الهند. فتقوّم به. و اللدن اللّين من كلّ شي‏ء، و غراب الفأس بالكسر حدّها. قوله عليه السلام »أن لا يعابا« أي لئلّا يعاب. و النهاب جمع النهب. »و لا ينحون« بالحاء المهملة أي لا يقصدون. و التهدّد التخويف. و صلى الكافر النار قاسى حرّها. و صلى النار دخل فيها. و صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار.

 و منها مخاطبا له أيضا

أنا علي و أعلى الناس في النسب بعد النبيّ الهاشميّ المصطفى العربي‏قل للذي غرّه منّي ملاطفة من ذا يخلّص أوراقا من الذهب‏هبّت عليك رياح الموت سافية فاستبقني بعدها للويل و الحرب

 بيان روي أنّه عليه السلام أنشد تلك الأبيات بعد انقضاء المحرّم ]من العام 37] و إرادة الشروع ثانيا في القتال. قوله عليه السلام »قل للذي« أي قل للذي يحبّني للطفي لا تتوقّع من أهل الزمان أن يعرفوا فضلي، فإنّ النّاس لا يميّزون بين أوراق الفضّة و دنانير الذهب. أو المعنى قل لمعاوية الذي غرّه منّي ملاطفة بتأخير الحرب في المحرّم، إنّي لا أترك الحرب حتّى أميّز بين المؤمن و المنافق. و سفت الريح التراب ذرّته. و حربه حربا كطلبه طلبا سلب ماله.

11-  فيما أجاب به بعض الأعادي في صفّين

إيّاي تدعو في الوغا يا ابن الأرب و في يميني صارم يبدي اللهب‏من يحطه منه الحمام ينسرب لقد علمت و العليم ذو أدب‏أن لست في الحرب العوان بالأدب و عن قليل غير شكّ أنقلب

 بيان الوغا الحرب. و الأرب بالتحريك و بالكسر الحاجة و يستعمل في الاحتيال. و الحطوّ بوزن العلو تحريك الشي‏ء من الأول. و الحمام بالكسر الموت. و الانسراب الجريان. و العوان من الحروب ما قوتل فيها مرّة بعد أخرى. »و عن قليل« أي بعد زمان قليل. و ]قوله[ »غير شكّ« صفة لمقدّر و هو يقينا.

 و منها تهديدا لمعاوية و جنوده

أبى اللّه إلّا أنّ صفّين دارنا و داركم ما لاح في الأفق كوكب‏إلى أن تموتوا أو نموت و ما لنا و ما لكم عن حومة الحرب مهرب

 بيان بالضمّ و السكون أيضا طرف السماء. و ]قال الجوهري[ في الصحاح حومة القتال معظمه.

 و منها في مدح أصحابه في تلك المحاربة

يا أيّها السّائل عن أصحابي إن كنت تبغي خبر الصواب

 أنبئك عنهم غير ما تكذاب بأنّهم أوعية الكتاب‏صبر لدى الهيجاء و الضراب فسل بذاك معشر الأحزاب

 بيان »غير ما تكذاب« ]لفظة[ »ما« زائدة و التكذاب بالفتح الكذب.

 و منها في مثله

أ لم تر قومي إذ دعاهم أخوهم أجابوا و إن أغضب على القوم يغضبواهم حفظوا غيبي كما كنت حافظا لقومي أجزي مثلها إن تغيّبوابنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم و آباؤهم آباء صدق فأنجبوا

 بيان حفظ الغيب للشخص أن لا تفعل في غيبته ما يكرهه. و ضمير »مثلها« راجع إلى المحافظة. قوله عليه السلام »لم تقعد« قال الشارح ]هذا[ دعاء ]لهم[ أي لا تقعد أمهاتهم بمآتمهم. أقول و يحتمل أن يكون من المقاعد من النّساء، و هي التي قعدت عن الولد و الحيض. ذكره الجوهري. و الأظهر أنّه خبر و ليس بدعاء و الباء للتعدية، و المعنى لم تصر أمّهاتهم سببا لقعودهم عن الحرب لدناءتهن، فيناسب المصرع الثاني. و ]أيضا[ قال ]الجوهري[ أنجب ولد نجيبا. و امرأة منجبة و منجاب تلد النّجباء.

 و منها في مدح قبائل من عسكره

الأزد سيفي على الأعداء كلّهم و سيف أحمد من دانت له العرب‏قوم إذا فاجئوا أوفوا و إن غلبوا لا يجمحون و لا يدرون ما الهرب‏قوم لبؤسهم في كلّ معترك بيض رقاق و داودية سلبواالبيض فوق رءوس تحتها اليلب و في الأنامل سمر الخطّ و القضب‏البيض تضحك و الآجال تنتحب و السمر ترعف و الأرواح تنتهب‏و أي يوم من الأيّام ليس لهم فيه من الفعل ما من دونه العجب‏الأزد أزيد من يمشي على قدم فضلا و أعلاهم قدرا إذا ركبواو الأوس و الخزرج القوم الذين هم آووا فأعطوا فوق ما وهبوايا معشر الأزد أنتم معشر أنف لا تضعفون إذا ما اشتدّت الحقب‏وفيتم و وفاء العهد شيمتكم و لم يخال قديما صدقكم كذب‏إذا غضبتم يهاب الخلق سطوتكم و قد يهون عليكم منكم الغضب‏يا معشر الأزد إنّي من جميعكم راض و أنتم رءوس الأمر لا الذنب‏لن تيأس الأزد من روح و مغفرة و اللّه يكلؤكم من حيث ما ذهبواطبتم حديثا كما قد طاب أوّلكم و الشوك لا يجتنى من فرعه العنب‏و الأزد جرثومة إن سوبقوا سبقوا أو فوخروا فخروا أو غولبوا غلبواأو كوثروا كثروا أو صوبروا صبروا أو سوهموا سهموا أو سولبوا سلبواصفوا فأصفاهم المولى ولايته فلم يشب صفوهم لهو و لا لعب‏هينون لينون خلقا في مجالسهم لا الجهل يعروهم فيها و لا الصخب‏الغيث إمّا رضوا من دون نائلهم و الأسد يرهبهم يوما إذا غضبواأندى الأنام أكفا حين تسألهم و أربط الناس جأشا إن هم ندبواو أيّ جمع كثير لا تفرقه إذا تدانت لهم غسّان و الندب‏و اللّه يجزيهم عمّا أتوا و حبوا به الرسول و ما من صالح كسبوا

 بيان الأزد أبو حيّ من اليمن. و الإيفاء الوفاء بالعهد، و الإشراف على الشي‏ء، و إعطاء الحقّ وافيا. و قال الجوهري جمع الفرس اعتزّ فارسه و غلبه. و جمحت المرأة زوجها و هو خروجها من بيته إلى أهلها قبل أن يطلّقها. و جمح أسرع. و المعترك معركة الحرب. و البيض الرقاق السيوف الرقيقة. و الداودية الدروع المنسوبة إليه عليه السلام. قوله »سلبوا« أي أخذوها في الحرب من الأعادي. و قال الجوهري اليلب الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود بعضها إلى بعض. و يقال اليلب كلّ ما كان من جنن الجلود و لم يكن من الحديد. و قال يقال رماح رواعف لما يقطر منها الدم أو لتقدّمها في الطعن. ]و قوله[ »ما وهبوا« على المجهول كما صحّحه الشارح أو على المعلوم أي أعطوا أزيد مما عهدوا و وعدوا من الإيثار و الإفضال. و ]قال الزمخشري[ في الأساس هو أنف قومه و هم أنف الناس ]أي سادتهم[ قال الحطيئة

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و ]قال الجوهري[ في الصحاح روضة أنف بالضم أي لم يرعها أحد، و كأس أنف إذا لم يشرب بها قبل ذلك. و أنف من الشي‏ء يأنف أنفا و أنفة استنكف. يقال ما رأيت أحمى أنفا و لا آنف من فلان. و الحقب جمع الحقبة بالكسر و هي السّنون. و »قديما« مفعول فيه أي زمانا قديما. ]و[ »طبتم حديثا« أي جديدا. و الجرثومة بالضم الأصل. ذكره الجوهري و قال ساهمته قارعته فسهمت أسهمه بالفتح صفوا أي من الغشّ و الباطل. ]قوله[ »فأصفاهم المولى ولايته« أي أعطاهم اللّه محبّته أو أخلص لهم كلّ محبّ محبّته، أو أخلص اللّه لهم محبّته إيّاهم أو محبّتهم له. قال الجوهري أصفيته الودّ أخلصته له و أصفيته بالشي‏ء آثرته به. و قال شي‏ء هيّن على فيعل أي سهل. و »هين« مخفّف، و قوم هينون لينون. و قال عراني هذا الأمر و اعتراني إذا غشيك. و قال الصخب الصياح و الجلبة. و ]لفظة[ »ما« في ]قوله[ »إن ما ]رضوا[« زائدة كما في قوله تعالى فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ. و النائل العطاء، و المعنى أنّهم إن رضوا فجودهم بحيث يعدّ الغيث أدون و أقلّ من عطائهم. و »يوما« مفعول فيه لقوله »غضبوا«. و النّدى الجود و فلان أندى من فلان إذا كان أكثر خيرا منه. و يقال فلان رابط الجأش أي يربط نفسه عن الفرار لشجاعته. و ندبوا على بناء المفعول من قولهم ندبه لأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب. ذكره الجوهري و قال ]أيضا[ الندب بالتحريك الخطر. و تقول رمينا ندبا أي رشقا. و الندب، أيضا الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد و قال الفيروزآبادي الندب بالتحريك الرشق و الخطر، و قبيلة منها بشر بن حرب و محمد بن عبد الرحمن. و قال غسّان أبو قبيلة باليمن منهم ملوك غسّان، و ماء بين رمع و زبيدة من نزل من الأزد فشرب منه سمّي غسّان و من لم يشرب فلا انتهى إليه. و قال الشّارح الواو في »و الندب« بمعنى مع. و فيه نظر. و قوله »من صالح« بيان ل »ما« أي و ما كسبوا من صالح و ما عطف على ما.

 و منها مخاطبا لعثمان 

و إن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا و المشيرون غيّب‏و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنّبيّ و أقرب

 بيان قال الشارح قوله عليه السلام »و المشيرون غيّب« إشارة إلى ما قاله الحافظ إسماعيل من أنّ طلحة كان غائبا، و لمّا دفن عمر قعد عثمان و عليّ و الزبير و عبد الرحمن و سعد يتشاورون، فأشار عثمان على عبد الرحمن بالدخول في الأمر فأبى و قال لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، فإن شئتم اخترت لكم منكم واحدا. فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فأقبل الناس كلّهم إليه فأخذ يتشاور حتّى جاء في الليلة الثّالثة إلى باب المسور بن مخرمة بعد هوى من اللّيل، فضرب الباب و قال ادع لي الزبير و سعدا. فجاءا و شاورهما، ثمّ أرسل إلى عثمان فدعاه فناجاه حتّى فرّق بينهما المؤذّن، فلمّا صلّوا الصبح اجتمعوا و أرسل عبد الرحمن إلى من حضر من المهاجرين و الأنصار و أمراء الأجناد فبايع عثمان و بايعوه. و أقول هذا إن ثبت أنّ الخطاب كان لعثمان كما ذكره الشارح، و إلّا فيمكن أن يكون الخطاب لأبي بكر، فالمراد بالمشيرين بنو هاشم و أتباعهم. و قوله »و إن كنت بالقربى« إلخ بهذا أنسب، لما عرفت أنّهم احتجوا على الأنصار بالقرابة و قد مرّ مثل هذا الكلام منه عليه السلام في النثر.

 و منها في تهديد من اجترأ عليه في الوغا

يا جامعا لشمله ساعاته و دنت منيّته و حان وفاته‏ارجع فإنّي عند مختلف القنا ليث يكرّ على العدى جرّاته

 بيان »و دنت« معطوف على »جامعا« كقوله تعالى فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً.

 و منها في استئذان القتال من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله

هل يدفع الدرع الحصين منيّة يوما إذا حضرت لوقت مماتي‏إنّي لأعلم أنّ كلّ مجمّع يوما يئول لفرقة و شتات‏يا أيّها الداعي النّذير و من به كشف الإله رواكد الظلمات‏أطلق فديتك لابن عمك أمره و ارم عداتك عنه بالجمرات‏فالموت حقّ و المنيّة شربة تأتي إليه فبادر الزّكوات

 بيان »الرواكد« الثوابت »فبادر الزّكوات« أي بادر ابن عمّك ما يوجب زكاة النفوس و طهارتها من الذنوب و ذمائم الأخلاق.

 و منها خطابا لفاطمة عند توجّهه إلى قتال المشركين 

قرّبي ذا الفقار فاطم منّي فأخي السيف كلّ يوم هياج‏قرّبي الصّارم الحسام فإنّي راكب في الرجال نحو الهياج‏ورد اليوم ناصحا ينذر الناس جيوش كالبحر ذي الأمواج‏و ردوا مسرعين يبغون قتلي و أبيك المحبوّ بالمعراج‏و خراب الأوطان و قتل الناس و كلّ إذا أصبح لاجي‏سوف أرضي المليك بالضرب ما عشت إلى أن أنال ما أنا راج‏من ظهور الإسلام أو يأتي الموت شهيدا من شاخب الأوداج

 بيان يوم الهياج بالكسر يوم القتال. و الصارم بكسر الراء و الحسام بالضم السيف القاطع. و قال الشارح الهياج جمع الهائج، و هو الفحل يشتهي الضراب. و ]قوله[ »ناصحا« مفعول ]لقوله[ »ورد« و الواو في قوله »و أبيك« للقسم أو عطف على ضمير المتكلّم في ]قوله[ »قتلي« على مذهب من جوّزه. و »خراب« معطوف على »قتلي« ]قوله[ »أصبح لاج« أي ملتجئا إليّ. و الشخب السيّلان. و الودجان عرقان في العنق. و »من« بيانيّة أو ابتدائية و لا يخفى توجيهها على اللبيب.

 و منها في الشكوى ]ممن يتظاهر بالخلة و يبطن الخلاف[

كلّ خليل لي خاللته لا ترك اللّه له واضحةفكلّهم أروغ من ثعلب ما أشبه اللّيلة بالبارحة

 بيان الواضحة الأسنان التي تبدو عن الضّحك.

 و منها ]ما أنشده[ عند بناء مسجد المدينة

لا يستوي من يعمر المساجدا و من يبيت راكعا و ساجدايدأب فيها قائما و قاعدا و من يكرّ هكذا معانداو من يرى عن الغبار حائدا

 و منها في عرض الإيمان على سيّد الأنام

يا شاهد ]اللّه[ عليّ فاشهد إنّي على دين النّبي أحمدمن شكّ في الدين فإنّي مهتدي يا ربّ فاجعل في الجنان موردي

23-  و منها في الاعتذار من قتل من قتلهم من قريش

قريش بدتنا بالعداوة أوّلا و جاءت لتطفئ نور ربّ محمدبأفواههم و البيض بالبيض تلتقي بأيديهم من كلّ عضب مهنّدو خطية قد سقّفت سمهرية أسنّتها قد حودثت بمحدّدفقلنا لهم لا تبعثوا الحرب و اسلموا و فيئوا إلى دين المبارك أحمدفقالوا كفرنا بالذي قال إنّه يوعّدنا بالحكم و الحشر في غدفقتلتهم و اللّه أفضل قربة إلى ربّنا البرّ العظيم الممجد

 بيان »بدت« من البدو، أو من المهموز. و العضب السيف القاطع. و المهنّد السيف المطبوع من حديد الهند. و تثقيف الرماح تسويتها. ذكره الجوهري و قال الاسمهرار الصلابة و الشدّة. و السمهرية القناة الصلبة. و يقال ]هي[ منسوبة إلى سمهر اسم رجل كان يقوم الرماح يقال رمح سمهري و رماح سمهرية. و محادثة السيف جلاؤه. و السلم بالتحريك الخلوص. و الأظهر أنّه من السلامة أو السلام بمعنى الصلح. و الفي‏ء الرجوع. و القتلة بالكسر القتل.

 و منها خطابا لسعيد بن سلمة المخزومي

إنّ الذي سمك السماء بقدرة حتّى علا في عرشه فتوحّدابعث الذي لا مثله فيما مضى يدعى برأفته النّبيّ محمدافاعلم بأنّك ميّت و محاسب فإلى متى تبغي الضلالة و الردى‏أقبل إلى الإسلام إنّك جاهل و تجنّب العزّى و ربّك فاعبداو اللّات و الهجرات فاهجر إنّني أخشى عليك عذاب يوم سرمدا

 بيان الهجرات الهذيانات. و منها في المفاخرة

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي معه ربيت و سبطاه هما ولدي‏جدّي و جدّ رسول اللّه متّحد و فاطم زوجتي لا قول ذي فندصدّقته و جميع الناس في ظلم من الضّلالة و الإشراك و النكدفالحمد للّه فردا لا شريك له البرّ بالعبد و الباقي بلا أمد

 بيان الفند ضعف الرأي من هرم. و النكد بالتحريك أيضا الشدّة.

 و منها ]ما[ قاله عليه السلام عند قربه من البصرة

و إنّي قد حللت بدار قوم هم الأعداء و الأكباد سودهم إن يظفروا بي يقتلوني و إن قتلوا فليس لهم خلود

  و منها مخاطبا لابنه محمد ]ابن الحنفية[ في حرب الجمل

اطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في حرب إذا لم توقدبالمشرفيّ و القنا المسدّد

 بيان الضمير في ]قوله[ »توقد« راجع إلى الحرب قال تعالى كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ و المشرفيّ بالفتح السيف المنسوب إلى مشارف الشام.

 و منها مخاطبا للأشعث ]بن قيس الكندي[ في صفّين

اصبر على تعب الإدلاج و السهر و بالرّواح على الحاجات و البكرلا تضجرن و لا يعجزك مطلبها فالنّجح يتلف بين العجز و الضجرإنّي وجدت و في الأيّام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثرو قلّ من جدّ في أمر يطالبه فاستصحب الصّبر إلّا فاز بالظفر

 بيان روي أنّ الأشعث بن قيس دخل عليه بصفّين و هو قائم يصلّي ظهيرة فقال قلت يا أمير المؤمنين أ دءوب بالليل ]و[ دءوب بالنهار ]قال[ فانسلّ من صلاته و هو يقول هذه الأبيات.

و الإدلاج السيّر بالليل. و البكر جمع البكرة.

 و منها في الشّكاية عن أهل الزّمان

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم و المنكرون لكلّ أمر منكرو بقيت في خلف يزيّن بعضهم بعضا ليدفع معور عن معورسلكوا بنيّات الطريق فأصبحوا متنكّبين عن الطّريق الأكبر

 بيان الإعوار الريبة. و مكان معور ]أي[ يخاف فيه القطع. و العورة كلّما يستحى منه. و بنيات الطريق الطرق الصغيرة المنشعبة من الجادّة.

 و منها في ]بيان[ حسن خلقه عليه السلام

أريد بذاكم أن يهشّوا لطلعتي و أن يكثروا بعدي الدّعاء على قبري‏و أن يمنحوني في المجالس ودّهم و إن كنت عنهم غائبا أحسنوا ذكري

 بيان بذاكم أي بالمزاح. و الهشاشة الارتياح و الخفّة للمعروف. و الطّلعة الرؤية.

 و منها في ذمّ بعض أهل زمانه عليه السلام

ما فيك خير و لا مير يعدّله قضيت منك لباناتي و أوطاري‏فإن بقيت فلا ترجى لمكرمة و إن هلكت فمذموما إلى النار

 بيان قال الجوهري الميرة الطعام يمتاره الإنسان. و قد مار أهله يميرهم ميرا. و منه قولهم ما عندهم خير و لا مير. و اللبانة و الوطر الحاجة.

 و منها مخاطبا لبعض أزواجه عليه السلام

إلى كم يكون العذل في كلّ ليلة لما لا تملّين القطيعة و الهجرارويدك إنّ الدهر فيه كفاية لتفريق ذات البيت فانتظري الدهرا

 بيان العذل الملامة. و قال شارح ]الديوان[ التملية إيقاد النار بلا حطب. و لم أره فيما عندنا من كتب اللغة، و يمكن أن يكون من الإملاء بمعنى الإمهال و التأخير، أو من الملال و الأخير أظهر. و رويدك اسم فعل بمعنى أمهل.

 و منها في ذكر هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مبيته عليه السّلام على فراشه، رواه أبو جعفر الطوسي و غيره

وقيت بنفسي خير من وطأ الحصا و من طاف بالبيت العتيق و بالحجررسول إليه الخلق إذ مكروا به فنجّاه ذو الطول الكريم من المكرو بتّ أراعيهم متى ينشرونني و قد وطّنت نفسي على القتل و الأسرو بات رسول اللّه في الغار آمنا موقّى و في حفظ الإله و في سترأقام ثلاثا ثمّ ذمّت قلائص قلائص يفرين الحصا أينما تفري‏أردت به نصر الإله تبتلا و أضمرته حتّى أوسّد في قبري

 بيان نشرت الخشبة أنشرها إذا قطعتها بالمنشار. و النشر البسط و التفريق. و القلوص الناقة الشّابة، و جمعه قلص ]على زنة عنق[ و جمعه قلائص. و الفري القطع. و »تفري« يحتمل الخطاب، و الشارح حمله على الغيبة و أرجع الضمير إلى »القلائص«. و التبتّل الانقطاع عن الدنيا إلى اللّه تعالى.

 و روى ]الميبذي[ في ]شرح[ الديوان عن عبد اللّه بن شريك عن أبيه أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام إنّ على باب المسجد قوما يزعمون أنّك ربّهم فدعاهم فقال ويلكم إنّما أنا عبد اللّه مثلكم آكل الطعام و أشرب الشراب، فاتّقوا اللّه و ارجعوا. فأتوه في اليوم الثاني و الثالث فقالوا مثل ذلك، فقال لهم و اللّه إن تبتم و إلّا قتلتكم أخبث قتلة. فدعا قنبر و أتى بقدوم فحفر لهم أخدودا بين باب المسجد و القصر، فدعا بالحطب فطرحه و النار فيه و قال إنّي طارحكم فيها أو ترجعوا. فأبوا فقذف بهم فيها حتّى احترقوا. و قال بعض أصحابنا لم يحرقهم و إنّما ادّخن عليهم ثم قال عليه السلام

لمّا رأيت الأمر أمرا منكرا أوقدت ناري و دعوت قنبراثمّ احتفرت حفرا و حفرا و قنبر يحطم حطما منكرا

 و منها في مدح أهل البيت عليهم السلام

قد يعلم الناس أنّا خيرهم نسبا و نحن أفخرهم بيتا إذا فخروارهط النبيّ و هم مأوى كرامته و ناصروا الدين و المنصور من نصرواو الأرض تعلم أنّا خير ساكنها كما به تشهد البطحاء و المدرو البيت ذو الستر لو شاءوا يحدثّهم نادى بذلك ركن البيت و الحجر

 بيان لعلّ ]المراد من[ علم الأرض علمها على تقدير الحياة، أو المراد أهل الأرض. و شهادة البطحاء و أمثالها أيضا بلسان الحال أو أهلها.

 و منها في الفخر و إظهار المكارم

إذا اجتمعت عليا معدّ و مذحج بمعركة يوما فإنّي أميرهامسلّمة أكفال خيلي في الوغا و مكلومة لباتها و نحورها

 حرام على أرماحنا طعن مدبر و تندقّ منها في الصدور صدورها

 بيان معد بالفتح أبو العرب. و مذحج بفتح الميم و الذال المعجمة و تقديم الحاء على الجيم أبو قبيلة. و الأكفال جمع الكفل. و الغرض أنّا لا نفرّ في الحرب و لا نتبع المدبر.

 و منه في مثله، و روي أنّه قالها لمّا بويع من قبله بالخلافة

أغمّض عيني عن أمور كثيرة و إنّي على ترك الغموض قديرو ما من عمى أغضي و لكنّ ربّما تعامى و أغضى المرء و هو بصيرو أمسكت عن أشياء لو شئت قلته و ليس علينا في المقال أميرأصبّر نفسي في اجتهادي و طاقتي و إنّي بأخلاق الجميع خبير

 و منه في الشكاية ممّن خانه و خالفه من قريش و غيرهم

تلكم قريش تمنّاني لتقتلني فلا و ربّك ما بزّوا و لا ظفروافإن بقيت فرهن ذمّتي لهم بذات ودقين لا يعفو لها أثرو إن هلكت فإنّي سوف أورثهم ذلّ الحياة فقد خانوا و قد غدرواإمّا بقيت فإنّي لست متّخذا أهلا و لا شيعة في الدين إذ فجرواقد بايعوني و لم يوفوا ببيعتهم و ماكروني في الأعداء إذ مكرواو ناصبوني في حرب مضرّمة ما لم يلاق أبو بكر و لا عمر

 بيان في بعض النسخ رواه أبو عمرو بن العلاء، و ابن درستويه، و قال بعد البيتين الأوّلين »قال أبو عثمان المازني لم يصحّ عندنا ]أنّه[ تكلّم بشي‏ء من الشّعر إلّا هذين البيتين«. قلت هذا القول منه لا يدلّ على أنّه لم يصحّ أصلا ]حتّى عند غيره[، و قد يصحّ عند غيره أشياء لا تحصى. ]ثمّ قال[ و زاد غيرهما. ثمّ ذكر باقي الأبيات. و »تمنّى« أصله تتمنّى. ]و قوله[ »ما بزّوا« ما غلبوا. و في بعض النسخ ]ذكرت اللفظة[ بالراء المهملة. و الرهن بمعنى المفعول ]أي المرهون[. و الذمّة ما يذمّ الرجل على إضاعته من عهد. و الودق المطر. و في ]كتاب[ الأساس »حرب ذات ودقين« شبّهت بسحابة ذات مطرتين شديدتين. و قال الجوهري ذات ودقين الداهية أي ]الداهية[ ذات وجهتين كأنّها جاءت من وجهين. و أصل »إمّا« إن ما.

 و منه بعد قتل طلحة و الزبير

أشكوا إليك عجري و بجري و معشرا أعشوا علي بصري‏إني قتلت مضري بمضري جدعت أنفي و قتلت معشري

 بيان قال ]ابن الأثير نقلا عن الهروي[ في ]مادّة »بجر« من كتاب[ النهاية في حديث عليّ عليه السلام »أشكوا إلى اللّه عجري و بجري« أي همومي و أحزاني. و أصل العجرة نفخة في الظهر، فإذا كانت في السرّة فهي بجرة. و قيل العجر العروق المتعقّدة في الظهر، و البجر العروق المتعقّدة في البطن، ثمّ نقلا إلى الهموم و الأحزان، أراد أنّه يشكو إلى اللّه أموره كلّها ما ظهر منها و ما بطن. و الإغشاء الستر. و مضر قبيلة أبوهم مضر بن نزار بن معد بن عدنان. و الجدع بالدال المهملة قطع الأنف.

 و منه خطابا لابن العاص في ]معركة[ صفّين

يا عجبا لقد رأيت منكرا كذبا على اللّه يشيب الشعرايسترق السمع و يغشي البصرا ما كان يرضى أحمد لو خبّراأن تعدلوا وصيّه و الأبترا شاني النبيّ و اللعين الأخزراكلاهما بجنده قد عسكرا قد باع هذا دينه إذ فجّرابملك مصر إن أصابا ظفرا من ذا بدنيا بيعه قد خسرايا ذا الذي يطلب منّي الوترا إن كنت تبغي أن تزور القبراحقّا و تصلى بعد ذاك الجمرا أسعطك اليوم ذعافا صبرالا تحسبني يا ابن عاص عسرا سل بي بدرا ثم سل بي خيبراكانت قريش يوم بدر جزرا إنّي إذا ما الحرب يوما حضراأضرمت ناري و دعوت قنبرا قدّم لوائي لا تؤخّر حذرالن ينفع الحاذر ما قد حذرا و لا أخا الحيلة عمّا قدّراإنّ الحذار لا يردّ القدرا لمّا رأيت الموت موتا أحمرادعوت همدان و ادعوا حميرا لو أنّ عندي يوم حربي جعفراأو حمزة الليث الهمام الأزهرا رأت قريش نجم ليل ظهرا

  أقول روى الأبيات نصر بن مزاحم في كتاب صفّين و زاد بعد قوله »و ادعوا حميرا«

حيّ يمان يعظمون الخطرا قرن إذا ناطح قرنا كسراقل لابن حرب لا تدبّ الخمرا أرود قليلا أبد منك الضجرالا تحسبنّي يا ابن حرب غمرا و سل بنا بدرا معا و خيبراكانت قريش يوم بدر جزرا إذ وردوا الأمر فذمّوا الصدرا

 بيان »الأبتر الشاني« هو عمرو بن العاص. »و اللعين الأخزر« معاوية. و الأخزر الضيّق العين. أو الذي ينظر بمؤخّر العين. و قال الشارح الأبتر معاوية، و الأخزر ]هو[ عمرو. و هو ينافي ما ذكره الخاص و العام أنّ قوله ]تعالى[ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. نزل في عمرو. و الوتر الجناية. و الإسعاط صبّ الدواء في الأنف. و الذعاف السمّ. و موت ذعاف أي سريع. و الصبر المرّ. و قال الجوهري جزر السّباع اللحم الذي تأكله يقال تركوهم جزرا بالتحريك إذا قتلوهم. ]قوله عليه السلام[ »أضرمت ناري« أي نار الغضب. و ]قال الجوهري[ في الصحاح موت أحمر يوصف بالشدّة. قوله عليه السلام »رأت قريش« أي يصير عليهم اليوم ليلا لشدّة الأمر.

 و منه في الشكوى 

صبرت على مرّ الأمور كراهة و أبقيت في ذاك الصّباب من الأمر

 الصبابة بالضمّ البقية من الماء و الجمع صباب ]أو صبابات[ و هو كناية عن الخلافة و ما أصابه منها. و في بعض النسخ ]الضباب[ بالضّاد المعجمة و هي سحابة تغشي الأرض كالدّخان، فتكون كناية عمّا لحقه و بقي عليه من الشدائد و المحن.

 و منه خطابا لأصحابه في صفّين

دبّوا دبيب النمل قد آن الظفر لا تنكروا فالحرب ترمي بالشررإنا جميعا أهل صبر لا خور

 بيان الخور بالتحريك الضعف. و منه شكاية عن حيلة ]عمرو[ بن العاص في التحكيم

لقد عجزت عجز من لا يقتدر سوف أكيس بعدها و أستمرّأرفع من ذيلي ما كان يجرّ قد يجمع الأمر الشّتيت المنتشر

 و منه في الشكاية عن قلّة الأنيس الموافق

الحمد للّه حمدا لا شريك له دأبي في صبحه و في غلسه‏لم يبق لي مونس فيؤنسني إلّا أنيس أخاف من أنسه‏فاعتزل الناس ما استطعت و لا تركن إلى من تخاف من دنسه‏فالعبد يرجو ما ليس يدركه و الموت أدنى إليه من نفسه

 بيان الغلس ظلمة آخر الليل.

 و منه في المفاخرة

أ تحسب أولاد الجهالة أنّنا على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس‏فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم بقتلي ذوي الأقران يوم التمارس‏و إنّا أناس لا نرى الحرب سبّة و لا ننثني عند الرماح المداعس‏و هذا رسول اللّه كالبدر بيننا به كشف اللّه العدا بالتّناكس‏فما قيل فينا بعدها من مقالة فما غادرت منّا جديدا للابس

 بيان »بنو البدر« من حضرها. و تمارسوا في الحرب تضاربوا. و السبة بالضمّ عار يسبّ به. و المدعاس الرمح الذي لا ينثني. و المدعس الرمح يدعس به. »بالتناكس« أي بانقلاب رايتهم أو بانهزام. قوله عليه السلام »فما غادرت« يحتمل أن يكون المراد عدم رضاه بما ذكره فيه الغالون أي ما ذكروه أبلى ثيابنا و أذهب عزّنا. أو يكون إشارة إلى ما ذكره القالون المبغضون و لعلّه أظهر. و يحتمل أن يكون خبر الموصول محذوفا أي لا حاجة لنا فيها و ]يكون[ ضمير »غادرت« راجعا إلى ما ذكره عليه السلام من المناقب أي لم تترك جديدا لم تأت به إلينا. أو المعنى أنّ بعد تحقّق تلك المناقب لا ينفع غاصبينا و أعداءنا ما قالوا فينا من المثالب لأن يلبسوا بسبّنا ثوبا جديدا من الخلافة.

 و منه في المفاخرة و إظهار الشجاعة

السيف و الخنجر ريحاننا أفّ على النرجس و الآس‏شرابنا من دم أعدائنا و كأسنا جمجمة الراس

  و منه في مثله

إنّي أنا الليث الهزبر الأشوش و الأسد المستأسد المعرّس‏إذ الحروب أقبلت تضرّس و اختلفت عند النزال الأنفس‏ما هاب من وقع الرماح الأشرس

 بيان قال الأصمعي الليث دابّة مثل الحرباء يتعرّض للراكب و ينسب إلى بلدة »عفرّين« بكسر العين و تشديد الراء، و في المثل هو أشجع من ليث عفرّين. و يحتمل أن يكون هو المراد هنا فإنّ التأسيس أولى. و الهزبر الأسد. و الشوش بالتحريك النظر بمؤخّر العين تكبّرا و تغيّظا. ذكره الجوهري و قال استأسد اجترأ عليه. و قال التعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة ثمّ يرتحلون. و العريس و العريسة مأوى الأسد. و ضرّسته الحرب تضريسا أي جرّبته و أحكمته. و وقع الحديد صوته. و رجل أشرس أي عسر شديد الخلاف أو جري‏ء على القتال. و الأشرس الأسد.

 و منه في بناء سجن بالقصب

أ لا تراني كيّسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّساحصنا حصينا و أمينا كيّسا

 بيان المكيس ]بكسر الياء[ من يجعل غيره كيّسا. و ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس المخيّس كمعظم و محدّث السّجن، و سجن بناه عليّ عليه السلام، و كان أوّلا جعله من قصب و سمّاه نافعا فنقبه اللصوص. ثم ذكر الأبيات و فيه »بابا حصينا« و ]قال الجوهري[ في الصحاح خيّسه تخييسا أي ذلّله. و منه المخيّس و هو اسم سجن كان بالعراق أي موضع التذليل.

 و منه رسالة إلى ]عمرو[ بن العاص

لأصبحنّ العاصي ابن العاصي سبعين ألفا عاقدي النواصي‏مستحقبين حلق الدلاص قد جنبوا الخيل مع القلاص‏آساد غيل حين لا مناص

 بيان قال نصر بن مزاحم في كتاب صفّين لمّا بلغ عمرو بن العاص مسيره عليه السلام إلى الشام قال

لا تحسبني يا عليّ غافلا لأوردنّ الكوفة القبائلا

بجمعي العام و جمعي قابلا فأجابه ]عليّ عليه السلام[ بهذه الأبيات. و يقال صبّحتهم أي أتيتهم به صباحا. و عقد النواصي كناية عن الاهتمام في الحرب. و استحقبه أي احتمله. و الحلق بالفتح جمع الحلقة. و قال الجوهري الدليص و الدلاص اللّين البراق يقال درع دلاص و أدرع دلاص. و قال الغيل بالكسر الأجمة و موضع الأسد قيل ]هو[ مثل »خيس«. و قال المناص الملجأ و المفرّ.

 و منه في الاحتجاج على الخصوم

لنا ما تدّعون بغير حقّ إذا ميز الصّحاح من المراض‏عرفتم حقّنا فجحدتموه كما عرف السواد من البياض‏كتاب اللّه شاهدنا عليكم و قاضينا الإله فنعم قاض

 و فيه ]و منه خ ل[ أنّه كتب معاوية إليه عليه السلام

لا تفسدنّ سابق إحسان مضى و اللّه لا تغلب فيما قد قضى

فأجابه ]عليّ[ عليه السلام

إن كنت ذا علم بما اللّه قضى فاثبت أصادفك و سيفي منتضى‏و اللّه لا يرجع شي‏ء قد مضى و اللّه لا يبرم شيئا نقضا

 و منه في المفاخرة

نحن نؤمّ النمط الأوسطا لسنا كمن قصر أو أفرطا

 و منه في الشكوى

مات الوفاء فلا رفد و لا طمع في الناس لم يبق إلّا اليأس و الجزع‏فاصبر على ثقة باللّه و ارض به فاللّه أكرم من يرجى و يتّبع

 و منه في التذلّل ]إلى اللّه تعالى[

ذنوبي إن فكّرت فيها كثيرة و رحمة ربّي من ذنوبي أوسع‏فما طمعي في صالح قد عملته و لكنّني في رحمة اللّه أطمع‏فإن يك غفران فذاك برحمة و إن تكن الأخرى فما كنت أصنع

 مليكي و معبودي و ربّي و حافظي و إنّي له عبد أقرّ و أخضع

 و منه في وصف قتل الأغشم

أودى بأغشم دهر كان يأمله فخرّ منجدلا في الأرض مصروعاقد كان يكثر في الكلام تسميعا حتّى سما بحسامه ترويعافعلوته مني بضربة فاتك ما كان يوما في الحروب جزوعامن كان ينكر فضلنا و سناءنا فأنا عليّ للإله مطيعا

 بيان أودى هلك. و الباء للتعدية. و التسميع التشنيع. و الترويع التخويف. و الفاتك الجري‏ء الشجاع. و السّناء الرفعة.

 و منه في إظهار الشوكة و القوّة

هل يقرع الصخر من ماء و من مطر هل يلحق الريح بالآمال و الطمع‏أنا عليّ أبو السبطين مقتدر على العداة غداة الروع و الزمع

 بيان »هل يقرع الصخر« أي لا يؤثّر الماء و المطر في الحجر الصلب. و الغرض النهي عن الطمع فيما لا يتيسّر و لا تقدر عليه. و الريح الغلبة و القوّة. و يحتمل معناه المعروف. و الزمع بالتحريك الدهش.

 و منه في التلهّف عن قتل أنصاره

يا لهف نفسي قتلت ربيعة ربيعة السامعة المطيعةسمعتها كانت بها الوقيعة بين محاني سوقها المبيعة

 فما بها نقص و لا وضيعة و لا الأمور الرثة الشنيعةكانت قديما عصبة منيعة ترجو ثواب اللّه بالصنيعةو مرّة أنسابها وليعة قالعة أصواتها رفيعةليست كأصوات بني الخضيعة دعا حكيم دعوة سميعةمن غير ما بطل و لا خديعة نال بها المنزلة الرفيعةفي الشرف العالي من الدّسيعة

 بيان ربيعة أبو قبيلة. و المحاني المعاطف. و سوق الحرب حومة القتال. و المبيعة موضع البيع. و الرّثة بالكسر السقط من متاع البيت. و مرّة أبو قبيلة من قيس. و هو مفعول »دعا«. و الولع الكذب. و القلع بالفتح كون القدم غير ثابت عند المصارعة. و رقعة أي هجاه. و الخضيعة صوت بطن لذاته. و حكيم هو ابن جبلة الذي ]قتل في محاربته طلحة و الزبير[ قتل ب »المربد«. قوله ]عليه السلام[ »سميعة« أي مستمعة. و البطل بالضمّ البطلان. و الدسيعة العطيّة.

 و منه في الرضا

ما لي على فوت فائت أسف و لا تراني عليه ألتهف‏ما قدّر اللّه لي فليس له عنّي إلى من سواي منصرف‏فالحمد للّه لا شريك له ما لي قوت و همتي الشرف‏أنا راض بالعسر و اليسار فما تدخلني ذلة و لا صلف

 بيان الصلف مجاوزة قدر الظرف و الادّعاء فوق ذلك تكبّرا.

 و منه في ]قصة[ قتل كعب بن الأشرف و إجلاء بني النضير

عرفت و من يعتدل يعرف و أيقنت حقّا و لم أصدف‏عن الكلم الصدق يأتي بها من اللّه ذي الرأفة الأرأف‏رسائل يدرسن في المؤمنين بهنّ اصطفى أحمد المصطفي‏فأصبح أحمد فينا عزيزا عزيز المقامة و الموقف‏فيا أيّها الموعدوه سفاها و لم يأت جورا و لم يعنف‏ألستم تخافون أدنى العذاب و ما آمن اللّه كالأخوف‏فإن تصرعوا تحت أسيافنا كمصرع كعب أبي الأشرف‏غداة رأى اللّه طغيانه و أعرض كالجمل الأخيف‏فأنزل جبريل في قتله بوحي إلى عبده الملطف‏فدسّ الرسول رسولا له بأبيض ذي ظبة مرهف‏فباتت عيون له معولات متى ينع كعب لها تذرف‏فقالوا لأحمد ذرنا قليلا فإنّا من النوح لم نشتف‏فخلّاهم ثم قال اظعنوا دحورا على رغمة الأنف‏و أجلى النضير إلى غربة و كانوا بدارة ذي زخرف‏إلى أذرعات رادفا هم على كلّ ذي دبر أعجف

 بيان »يأتي بها« أي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و »سفاها« تمييز أو حال. و الجنف الميل أي الجمل الكثير الميل عن القصد. قوله »فإن تصرعوا« جزاء الشرط محذوف أي لانتقمنا منكم و لم يكن بعيدا. و »غداة« بفتح التاء مضاف إلى الجملة. و قيل ]المراد من[ الوحي ]هو[ قوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ. و الدسّ الإرسال خفية. و الرسول ]هو[ محمد بن مسلمة الذي بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لقتل كعب غيلة، و قد مرّت القصة في المجلد السادس. »متى ينع« على بناء المجهول من النعي و هو خبر الموت. و ضمير »لها« راجع إلى العيون و الإسناد فيه و في »المعولات« على المجاز و ذرفت عينه سال منها الدمع. و »الأنف« جمع الأنف. و »الأذرعات« بفتح الهمزة و كسر الراء موضع بالشام. و الرداف جمع الرديف. و الدبر جراحة تحدث في ظهر البعير و جنبه. و الأعجف المهزول.

 و منه في هرب غطريف بن جشم

يا لهف نفسي على الغطريف المدّعي البأس و بذل الريف‏أفلت من ضرب له خفيف غير كريم الجدّ أو طريف

 بيان البأس الشدّة في الحرب. و الريف بالكسر أرض فيها زرع و خصب أي كان مدّعيا لغاية الشجاعة و الكرم. و الطريف في النسب الكثير الآباء إلى الجدّ الأكبر. و قال الشارح أي ما جدّه غير كريم أو بينه و بين جدّه الكريم آباء كثيرة.

 و منه في إظهار الشوق إلى الكوفة 

يا حبّذا سيف بأرض الكوفة أرض لنا مألوفة معروفةيطلقها جمالنا المعلوفة عمي صباحا و اسلمي مألوفة

 بيان السيف بالكسر ساحل البحر. و ]قال ابن الأثير[ في ]مادّة »عرف« من كتاب[ النهاية العرف الريح الطيّبة و منه حديث علي عليه السلام »حبّذا أرض الكوفة أرض سواء سهلة معروفة« أي طيّبة العرف. و قولهم »عم صباحا« كلمة تحية كأنّه محذوف ]منه حرف[، من »نعم ينعم« بالكسر كما يقال كل من »أكل يأكل« فحذف النون و الألف تخفيفا.

 و منه في الرضا ]بما قسم اللّه و قدّره له[

رضيت بما قسم اللّه لي و فوّضت أمري إلى خالقي‏لقد أحسن اللّه فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي

 و منه في الفخر بالعلم

علمي معي أينما قد كنت يتبعني‏قلبي وعاء له لا جوف صندوق‏إن كنت في البيت كان العلم فيه معي‏أو كنت في السوق كان العلم في السوق

 و منه في الشكاية عن الرفقاء

تغرّبت أسأل من عنّ لي من الناس هل من صديق صدوق

 فقالوا عزيزان لا يوجدان صديق صدوق و بيض الأنوق

 بيان الأنوق ]كصبور[ الرخمة و في المثل »أعزّ من بيض الأنوق« لأنّه يحرزها فلا يكاد يظفر بها لأنّ أوكارها في رءوس الجبال و الأماكن الصعبة البعيدة.

 و منه في مثله

تراب على رأس الزمان فإنّه زمان عقوق لا زمان حقوق‏فكلّ رفيق فيه غير موافق و كلّ صديق فيه غير صدوق

 و منه في سبب بغض الأعادي

ما تركت بدر لنا صديقا و لا لنا من خلفنا طريقا

 و منه خطابا لموسى بن حازم العكّي في الحرب

دونكها مترعة دهاقا كأسا زعافا مزجت زعاقاإنّا لقوم ما ترى ما لاقى أقدّ هاما و أقط ساقا

 بيان دونكها أي خذها و الضمير راجع إلى الكأس لأنّه مؤنّث سماعي. و أترعه ملأه. و الدهاق الممتلئة. و زعفه زعفا قتله مكانه و سمّ زعاف بالضم ]أي مهلك من ساعته[. الزعاف بالضم الماء الممزوج بالملح الشديد الملوحة. و القدّ القطع طولا. و القطّ القطع عرضا.

 و منه في إخباره ]عليه السلام[ بالأمر الخفيّ 

أرى حربا مغيّبة و سلما و عهدا ليس بالعهد الوثيق

 بيان قال الشارح أمّر أمير المؤمنين عليه السلام حريث بن راشد قبل ]وقعة[ صفّين على الأهواز و جميع هذه المصادر خال عن تأمير أمير المؤمنين خرّيتا على مدينة الأهواز، فما ذكره شارح الديوان لم يعلم من أين أخذه. و لمّا رجع عليه السلام ]من صفّين[ بغى و تمرّد، فبعث عليه السلام إليه معقل بن قيس، فقتله و أسر جماعة من بني ناجية خرجوا معه، ففداهم مصقلة بن هبيرة بخمس مائة ألف درهم فلمّا عجز ]من أدائه[ هرب إلى معاوية، فأمر ]أمير المؤمنين[ عليه السلام بتخريب بيته فظهرت فيه أسلحة فأنشد عليه السلام هذا البيت.

 و منه في مثله

أرى أمرا تنقّص عروتاه و حبلا ليس بالحبل الوثيق

 و منه ]في[ تعيير معاوية في بناء مسجد بناه بدمشق

سمعتك تبني مسجدا من خيانة و أنت بحمد اللّه غير موفّق

 كمطعمة الرمّان مما زنت به جرت مثلا للخائن المتصدّق‏فقال لها أهل البصيرة و التقى لك الويل لا تزني و لا تتصدّقي

 و منه في مدح أصحابه

قومي إذا اشتبك القنا جعلوا الصدور لها مسالك‏اللّابسون دروعهم فوق القلوب لأجل ذلك

 و منه ]في الرضا بما رزقه اللّه من العلم[

رضينا قسمة الجبّار فينا لنا علم و للأعداء مال‏فإنّ المال يفنى عن قريب و إنّ العلم باق لا يزال

 و منه في إظهار الكرم

و داري مناخ لمن قد نزل و زادي مباح لمن قد أكل‏أقدّم ما عندنا حاضر و إن لم يكن غير خبز و خلّ‏فأمّا الكريم فراض به و أمّا اللّئيم فذاك الوبل

 بيان الوبل بالتحريك الوبال و هو أمر يخاف ضرره.

 و منه في إظهار المكارم

إنّي امرؤ باللّه عزّي كلّه ورث المكارم آخري من أوّلي‏فإذا اصطنعت صنيعة أتبعتها بصنيعة أخرى و إن لم أسأل‏و إذا يصاحبني رفيق مرمل آثرته بالزاد حتّى يمتلي‏و إذا دعيت لكربة فرّجتها و إذا دعيت لغدرة لم أفعل

 و إذا يصيح بي الصريخ لحادث وافيته مثل الشهاب المشعل‏و أعدّ جاري من عيالي إنّه اختار من بين المنازل منزلي‏و حفظته في أهله و عياله بتعاهد منّي و لمّا أسعل

 بيان أرمل القوم نفد زادهم. و الصريخ المستغيث و المغيث، و أريد به هنا الأوّل. و السّعال هنا كناية عن الكراهة يقال أغصّك السّعال فأخذك السعال.

 و منه في ]بيان[ فضائله عليه السلام مخاطبا للحارث الهمداني

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلايعرفني طرفه و أعرفه بنعته و اسمه و ما فعلاو أنت عند الصراط معترضي فلا تخف عثرة و لا زللاأقول للنّار حين توقف للعرض ذريه لا تقربي الرجلاذريه لا تقربيه إنّ له حبلا بحبل الوصيّ متّصلاأسقيك من بارد على ظمإ تخاله في الحلاوة العسلاقول علي لحارث عجب كم ثمّ أعجوبة له جملا

 بيان »حار« مرخّم حارث. و رأيته قبلا بالفتح أو الضمّ أي مقابلة و عيانا. »جملا« أي مجملات أو جملة جملة.

 و منه في ردّ منجّم أراد إرشاده عليه السلام

خوّفني منجّم أخو خبل تراجع المرّيخ في بيت حمل‏فقلت دعني من أكاذيب الحيل المشتري عندي سواء و زحل‏أرفع عن نفسي أفانين الدول بخالقي و رازقي عزّ و جلّ

 بيان الخبل فساد العقل. و منه في إظهار أنّ الخلافة حقّه مخاطبا لأبي بكر روى أبو الجيش المظفّر البلخي بإسناده قال جاء علي عليه السلام و أبو بكر في المسجد فقال عليه السلام

تعلّم أبا بكر و لا تك جاهلا بأنّ عليا خير حاف و ناعل‏و أنّ رسول اللّه أوصى بحقّه و أكّد فيه قوله بالفضائل‏و لا تبخسنّه حقّه و اردد الورى إليه فإنّ اللّه أصدق قائل

 و منه في إظهار الشجاعة

أنا الصّقر الذي حدّثت عنه عتاق الطير تنجذل انجذالاو قاسيت الحروب أنا ابن سبع فلمّا شبت أفنيت الرجالافلم تدع السيوف لنا عدوّا و لم يدع السخاء لديّ مالا

 بيان قال الجوهري عتاق الطير ]بكسر العين[ الجوارح منها. و الانجذال السقوط من طعنة أو ضربة. و قوله ]عليه السلام[ »عنه« متعلّق ب ]قوله[ »حدّثت« و »الانجذال« معا أو بأحدهما و يقدّر للآخر. ]و في قوله[ »أنا ابن سبع« الواو مقدّر للحال. و احتمل الشارح أن يكون السبع مصدر ]قولهم[ »سبع الذئب الغنم« ]من باب »منع« و »نصر«[ أي افترسها. و لعلّه لقراءته »شئت« بالهمزة كما صرّح به، و الأظهر أنّه ]»شبت«[ بالباء كما في بعض النسخ من الشبب.

 و منه في مثله

صيد الملوك أرانب و ثعالب و إذا ركبت فصيدي الأبطال‏صيدي الفوارس في اللقاء و إنّني عند الوغا لغضنفر قتّال

 بيان الغضنفر الأسد. و منه في إظهار حبّ النبيّ و نصره و ذمّ أعاديه

إنّ عبدا أطاع ربّا جليلا و قفا الداعي النبيّ الرسولافصلاة الإله تترى عليه في دجى الليل بكرة و أصيلاإنّ ضرب العداة بالسيف يرضي سيّدا قادرا و يشفي غليلاليس من كان قاصدا مستقيما مثل من كان هاويا و ذليلاحسبي اللّه عصمة لأموري و حبيبي محمد لي خليلا

 بيان قوله ]عليه السلام[ »هاويا« أي ساقطا في الآخرة في النار. و في بعض النسخ »هاديا و دليلا« بالمهملة أي ليس الهادي و المكمّل كالمهتدي و المسترشد.

 و منه في مثله روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله آخى بين أصحابه و ترك عليا عليه السلام ]لم يؤاخ بينه و بين أحد[ فقال له في ذلك فقال أنا اخترتك لنفسي، أنت أخي و أنا أخوك في الدنيا و الآخرة. فبكى علي عليه السلام و قال

أقيك بنفسي أيّها المصطفى الذي هدانا به الرحمن من غمّة الجهل‏و تفديك حوبائي و ما قدر مهجتي لمن أنتمي معه إلى الفرع و الأصل‏و من كان لي مذ كنت طفلا و يافعا و أنعشني بالعلّ منه و بالنهل‏و من جدّه جدّي و من عمّه أبي و من نجله نجلي و من بنته أهلي‏و من حين آخى بين من كان حاضرا دعاني و آخاني و بيّن من فضلي‏لك الفضل إنّي ما حييت لشاكر لإحسان ما أوليت يا خاتم الرسل

 بيان الحوباء بالفتح النفس. و الفرع الأولاد و الأحفاد. و الأصل الآباء و الأجداد أي أولادي أولاده و آبائي آباؤه. و أيفع ]الغلام[ ارتفع فهو يافع و العلّ الشرب الثّاني. و النهل الشرب الأوّل فإنّ الإبل تسقى في أوّل الورد فتردّ إلى العطن ثمّ تسقى الثانية فتردّ إلى المرعى. و النجل النسل.

 و منه عند قرب حرب الجمل

قد طال ليلي و الحزين موكّل لحذار يوم عاجل و مؤجّل‏و الناس تعروهم أمور جمّة مرّ مذاقتها كطعم الحنظل‏فتن تحلّ بهم و هنّ سوارع تسقي أواخرها بكأس الأوّل‏فتن إذا نزلت بساحة أمّة حيقت بعدل بينهم متبهّل

 بيان حاق به الأمر نزل. و لم أره متعدّيا. و التّبهّل الإخلاص في الدعاء.

 و منه في الشكاية عن طلحة و الزبير

إنّ يومي من الزبير و من طلحة فيما يسوءني لطويل‏ظلماني و لم يكن علم اللّه إلى الظلم لي لخلق سبيل

 بيان قال الشارح ]قوله عليه السلام[ »علم اللّه« قسم و التقدير لم يكن لي سبيل إلى الظلم لخلق. أقول و يحتمل أن يكون المعنى أنّه لم يكن حينئذ لأحد ]من الخلق[ سبيل إلى ظلمي ]و[ هما أسّسا للناس ذلك.

 و منه مخاطبا لمعاوية

ألا من ذا يبلّغ ما أقول فإنّ القول يبلغه الرسول‏ألا أبلغ معاوية بن صخر لقد حاولت لو نفع الحويل‏و ناطحت الأكارم من رجال هم الهام الذين لهم أصول‏هم نصروا النبي و هم أجابوا رسول اللّه إذ خذل الرسول‏نبيا جالد الأصحاب عنه و ناب الحرب ليس له فلول‏فدنت له و دان أبوك كرها سبيل الغيّ عندكما سبيل‏مضى فنكصتما لمّا توارى على الأعقاب غيّكما طويل‏إذا ما الحرب أهدب عارضاها و أبرق عارض منها مخيل‏فيوشك أن يجول الخيل يوما عليك و أنت منجدل قتيل

 بيان قال الجوهري حاولت الشي‏ء أي أردته. و الاسم الحويل. و هامة القوم رئيسهم. و الأصل الحسب. و الفلول الكسور. و قال الفيروزآبادي الهيدب السحاب المتدلّي، أو ذيله. و هدب الشجر كفرح طال أغصانه و تدلّت كأهدبت. و قال العارض السحاب المعترض في الأفق. و أبرق السّحاب ظهر منه البرق. و السّحابة المخيلة بفتح الميم و كسر الخاء التي تحسبها ماطرة. و المنجدل الصريع. ]ثم[ قال ]شارح الديوان[ فأجاب معاوية

لا تحسبنّي يا علي غافلا لأوردنّ الكوفة القنابلاو المشمخرّ و القنا الذوابلا في عامنا هذا و عاما قابلا

 فأجابه ]علي عليه السلام[

أصبحت ذا حمق تمنّى الباطلا لأوردنّ شامك الصواهلاأصبحت أنت يا ابن هند جاهلا لأرمينّ منكم الكواهلاتسعين ألفا رامحا و نابلا يزدحمون الحزن و السواهلابالحقّ و الحقّ يزيح الباطلا هذا لك العام و ذرني قابلا

 بيان القنبلة طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين. و اشمخرّ ]الشي‏ء[ طال، و المشمخرّ الجبل العالي. و »تمنّى« ماض أو مضارع بحذف التاء. و الصاهل الفرس الذي له صهيل. و ]قال الزمخشري[ في ]كتاب[ الأساس هو كافل أهله و كاهلهم ]أي[ هو الذي يعتمدونه، شبّه بالكاهل واحد الكواهل. و النابل من النبل و هو السهم.

 و منه في وصف أصحابه صلوات اللّه عليه

كآساد غيل و أشبال خيس غداة الخميس ببيض صقال‏تحيد الضراب و حزّ الرقاب أمام العقاب غداة النزال‏تكيد الكذوب و تخزي الهيوب و تروي كعوب دماء القذال

 بيان الغيل و الخيس بكسرهما موضع الأسد. و الشّبل بالكسر ولده. و الحزّ القطع. و العقاب العلم الضخم. و اسم راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و القذال جماع مؤخّر الرأس.

 و منه في مدح عبد العزيز بن الحارث

شريت بأمر لا يطاق حفيظة حباء و إخوان الحفيظ قليل‏جزاك إله الناس خيرا فقد وفت يداك بفضل ما هناك جزيل

 بيان روي أنّه قالها حين أحاط عسكر الشام بطائفة من أصحابه فنادى ]عليه السلام[ ألا هل من رجل يشري نفسه للّه و يبيع دنياه بآخرته فأجابه عبد العزيز و دخل في غمار الناس و حارب حتّى وصل إلى أصحابه عليه السلام و قال لهم يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام كبّروا و هلّلوا فها نحن قد وافيناكم إن شاء اللّه. و صار ذلك سبب الفتح و الظفر كما مرّ

و الحفيظة الغضب و الحميّة و هي مفعول »شريت« أو المفعول مقدر أي نفسك.

 و منه في الضّجر و الشكوى ]من تحامل الطّغاة على أهل التقوى[ و روي أنّه أنشدهما يوم استشهد عمّار ]بن ياسر[ رضي اللّه عنه

ألا أيّها الموت الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيت كلّ خليل

 أراك مصرّا بالذين أحبهم كأنّك تنحو نحوهم بدليل

 و منه في كثرة قتلى أهل الشام

كأين تركنا في دمشق و أهلها من أشمط موتور و شمطاء ثاكل‏و غانية صاد الرماح خليلها و أضحت بعيد اليوم إحدى الأرامل‏تبكّي على بعل لها راح غازيا و ليس إلى يوم الحساب بقافل‏و نحن أناس لا تصيد رماحنا إذا ما طعنّا القوم غير المقاتل

 أقول روى نصر بن مزاحم في كتاب صفّين عن عمرو بن شمر قال لمّا صدر ]عليّ[ عليه السلام من صفّين أنشأ يقول ]...[ و ذكر الأبيات.

بيان الشمط بياض لشعر الرأس يخالط سواده، و الرجل أشمط و المرأة شمطاء. و الموتور الذي قتل له قتيل و لم يدرك بدمه. و الغانية الجارية التي غنيت بزوجها أو التي غنيت بحسنها و جمالها عن الزينة. و القفول الرجوع عن السفر.

 و قال في الديوان و منه في الشكوى عن اندراس معالم الإسلام

لبيك على الإسلام من كان باكيا فقد تركت أركانه و معالمه‏لقد ذهب الإسلام إلّا بقيّة قليل من الناس الذي هو لازمه

 و منه قال جاءت إليه عليه السلام امرأة تشكو زوجها فقالت

زوجي كريم يبغض المحارما يقطع ليلا قاعدا و قائماو يصبح الدهر لدينا صائما و قد خشيت أن يكون آثما

 لأنّه يصبح لي مراغما

أجابها زوجها

لا أصبح الدهر بهنّ هائما و لا أكون بالنساء ناعمالا بل أصلّي قاعدا و قائما فقد أكون للذنوب لازمايا ليتني نجوت منها سالما

فأجابهما عليه السلام حاكما بينهما

مهلا فقد أصبحت فيها آثما لك الصلاة قاعدا و قائماثلاثة تصبح فيها صائما و رابع تصبح فيه طاعماو ليلة تخلو لديها ناعما ما لك أن تمسكها مراغما

 توضيح المراغمة المغاصبة. و الهيام كالجنون من العشق. و مهلا أي أمهل.

 و منه في الشكوى

أصبحت بين الهموم و الهمم عموم عجز و همّه الكرم‏طوبى لمن نال قدر همّته أو نال عزّ القنوع بالقسم

 و منه في المفاخرة و إظهار الفضائل قال ]شارح الديوان[ ذكر الإمام علي بن أحمد الواحدي عن أبي هريرة قال اجتمع عدّة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، منهم أبو بكر، و عمر، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و الفضل بن العبّاس، و عمّار، و عبد الرحمن بن عوف، و أبو ذرّ، و المقداد، و سلمان، و عبد اللّه بن مسعود، فجلسوا و أخذوا في مناقبهم، فدخل عليهم عليّ عليه السلام فسألهم فيم أنتم قالوا نتذاكر مناقبنا ممّا سمعنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال عليّ عليه السّلام اسمعوا منّي ثمّ أنشأ يقول هذه الأبيات

لقد علم الأناس بأنّ سهمي من الإسلام يفضل كلّ سهم‏و أحمد النبي أخي و صهري عليه اللّه صلّى و ابن عمّي‏و إنّي قائد للناس طرّا إلى الإسلام من عرب و عجم‏و قاتل كلّ صنديد رئيس و جبّار من الكفّار ضخم‏و في القرآن ألزمهم ولائي و أوجب طاعتي فرضا بعزم‏كما هارون من موسى أخوه كذاك أنا أخوه و ذاك اسمي

 لذاك أقامني لهم إماما و أخبرهم به بغدير خمّ‏فمن منكم يعادلني بسهمي و إسلامي و سابقتي و رحمي‏فويل ثمّ ويل ثم ويل لمن يلقى الإله غدا بظلمي‏و ويل ثمّ ويل ثم ويل لجاحد طاعتي و مريد هضمي‏و ويل للذي يشقى سفاها يريد عداوتي من غير جرمي

 و منه في الشكاية

أطلب العذر من قومي و إن جهلوا فرض الكتاب و نالوا كلّ ما حرماحبل الإمامة لي من بعد أحمدنا كالدلو علقت التكريب و الوذمالا في نبوّته كانوا ذوي ورع و لا رعوا بعده إلّا و لا ذممالو كان لي جائزا سرحان أمرهم خلّفت قومي و كانوا أمّة أمما

 بيان قال الفيروزآبادي ]في »مادّة كرب« من القاموس[ الكرب بالتحريك الحبل يشدّ في وسط العراقي ليلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير، و قد كرب الدلو و أكربها و كرّبها. و قال ]أيضا[ الوذم محرّكة السيور بين آذان الدلو. و الإلّ بالكسر العهد. و »سرحان« مصدر من ]قولهم[ سرّح الماشية. و هو إرسالها للرعي. و تسريح المرأة تطليقها. و الأمم بالتحريك الشي‏ء اليسير. و أخذت ذلك من أمم أي من قرب و داره أمم داري أي مقابلتها. و قرئ ]أمما[ بضمّ الهمزة أيضا أي فرقا مختلفة.

 و روي أنّه قال غطريف بن جشم

»إنّي غطريف نعم و ابن جشم«

إلى آخر الأبيات فأجابه عليه السلام

أنا على المرتجى دون العلم مرتهن للحين موف بالذمم

 أنصر خير الناس مجدا و كرم نبي صدق راحما و قد علم‏إنّي سأشفي صدره و أنتقم فهو بدين اللّه و الحقّ معتصم‏فاثبت لحاك اللّه يا شرّ قدم فسوف تلقى حرّ نار تضطرم‏تحلّ فيها ثم توهى كالحمم

 بيان العلم الأثر الذي يعلم به الشي‏ء كعلم الطريق و علم الجيش. و الحين بالفتح الهلاك. و قال الجوهري قولهم لحاه اللّه أي قبّحه و لعنه. و رجل قدم بكسر الدال أي يتقدّم. و قدم بالتحريك أي شجاع. و كعنب الرجل له مرتبة في الخير. و الحمم بالضم الفحم و كلّ ما احترق من النار.

 و منه مخاطبا للزبير في ]حرب[ الجمل

لا تعجلنّ و اسمعن كلامي إنّي و رب الرّكّع الصيام‏إذ المنايا أقبلت خيامي حملت حمل الأسد الضرغام‏بباتل مؤلّل حسام عوّد قطع اللحم و العظام

 بيان ]قال الجوهري[ في الصحاح ألّلت الشي‏ء تأليلا حدّدت طرفه.

 و منه خطابا لمعاوية

أما و اللّه إنّ الظلم شوم و لا زال المسي‏ء هو الظلوم‏إلى ديّان يوم الدين نمضي و عند اللّه تجتمع الخصوم‏ستعلم في الحساب إذا التقينا غدا عند المليك من الغشوم‏ستنقطع اللذاذة عن أناس من الدنيا و تنقطع الهموم‏لأمر ما تصرّفت الليالي لأمر ما تحرّكت النجوم

 سل الأيّام عن أمم تقضّت ستخبرك المعالم و الرسوم‏تروم الخلد في دار المنايا فكم قد رام مثلك ما تروم‏تنام و لم تنم عنك المنايا تنبّه للمنيّة يا نئوم‏لهوت عن الفناء و أنت تفنى فما شي‏ء من الدنيا يدوم‏تموت غدا و أنت قرير عين من العضلات في لجج تعوم

 بيان العضلة بالضمّ الداهية. و العوم السباحة.

 و منه حاكيا قتله بعض المنافقين

ضربته بالسيف وسط الهامة بشفرة ضاربة هدّامةفبتّكت من جسمه عظامه و بينت من أنفه أرغامه‏أنا علي صاحب الصمصامة و صاحب الحوض لدى القيامةأخو نبيّ اللّه ذو العلامة قد قال إذ عمّمني العمامةأنت أخي و معدن الكرامة و من له من بعدي الإمامة

 بيان قال الجوهري الشفرة بالفتح السكّين العظيم. و شفرة السيف أيضا حدّه. و الهضم القطع. و التبتيك التقطيع. و الصمصامة السيف القاطع الذي لا ينثني. و ]المراد من[ العلامة ]هنا[ خاتم النبوّة.

 و منه في مرثية أكارم أصحابه

جزى اللّه خيرا عصبة أيّ عصبة حسان الوجوه صرعوا حول هاشم‏شقيق و عبد اللّه منهم و معبد و نبهان و ابنا هاشم ذي المكارم‏و عروة لا ينأى فقد كان فارسا إذا الحرب هاجت بالقنا و الصوارم

 إذا اختلف الأبطال و اشتبك القنا و كان حديث القوم ضرب الجماجم

 بيان هاشم هو ابن عتبة ]الزهري الصحابي[ المرقال. و شقيق ]هو[ ابن ثور العبدي. و عبد اللّه ]هو[ ابن بديل بن ورقاء ]الصحابي[ الخزاعي.

 و منه مرتجزا في صفّين

ما علّتي و أنا جلد حازم و في يميني ذو غرار صارم‏و عن يميني مذحج القماقم و عن يساري وائل الخضارم‏القلب حولي مضر الجماجم و أقبلت همدان و الأكارم‏و الأزد من بعد لنا دعائم و الحقّ في الناس قديم دائم

 بيان قال الجوهري العلّة حدث يشغل صاحبه عن وجهه. و قال ]أيضا[ الغراران شفتا السيف و كلّ شي‏ء له حدّ فحدّه غراره. و القمقام السيّد. و العدد الكثير. و وائل اسم قبيلة. و خضرم الكثير العطاء. و القلب وسط الجيش. و جماجم العرب القبائل التي تجمع البطون فينسب إليها دونهم.

 و منه في ذمّ بعض القبائل

و أبعد من حلم و أقرب من خنا و أخمد نيرانا و أخمل أنجماموالي أياد شرّ من وطأ الحصا موالي قيس لا أنوف و لا فمافما سبقوا قوما بوتر و لا دم و لا نقضوا وترا و لا أدركوا دماو لا قام منهم قائم في جماعة ليحمل ضيما أو ليدفع مغرما

 بيان الخنا الفحش. و قوله عليه السلام »لا أنوف و لا فما« أي ليس فيهم الرياسة و الفصاحة. و المغرم ما يلزم أداؤه.

 و منه تحسرا على قتل أعيان قبيلة شبام

و صحت على شبام فلم تجبني يعزّ عليّ ما لقيت شبام

 و منه في الشّكاية و التّصبّر

تنكّر لي دهري و لم يدر أنّني أعزّ و روعات الخطوب تهون‏فظلّ يريني الخطب كيف اعتداؤه و بتّ أريه الصبر كيف يكون

 بيان التنكّر التغيّر. و منه في التأدّب عن أحوال الزمان و تحصيل التجارب

الدهر أدّبني و اليأس أغناني و القوت أقنعني و الصبر ربّاني‏و أحكمتني من الأيّام تجربة حتّى نهيت الذي قد كان ينهاني

 و منه في الشكاية عن أهل النفاق

هذا زمان ليس إخوانه يا أيّها المرء بإخوان‏إخوانه كلّهم ظالم لهم لسانان و وجهان‏يلقاك بالبشر و في قلبه داء يواريه بكتمان‏حتّى إذا ما غبت عن عينه رماك بالزور و بهتان‏هذا زمان هكذا أهله بالودّ لا يصدقك اثنان‏يا أيّها المرء كن منفردا دهرك لا تأنس بإنسان

  و منه ]ما[ روي أنّه عزّى ]به[ عمر بن الخطاب بابن له توفّي فقال

إنّا نعزّيك لا أنّا على ثقة من الحياة و لكن سنّة الدين‏فلا المعزّى بباق بعد ميّته و لا المعزّي و لو عاشا إلى حين

 بيان ]قوله[ »لا أنّا« بالفتح أي لا نعزّيك لكوننا على ثقة من حياتنا بعده.

 و منه في الشكاية عن منافقي زمانه صلوات اللّه عليه

لو لا الذين لهم ورد يقومونا و آخرين لهم سرد يصوموناتدكدكت أرضكم من تحتكم سحرا لأنّكم قوم سوء لا تطيعونا

 بيان قال الجوهري سردت الصوم تابعته. و قال تدكدكت الجبال أي صارت دكّاوات و هي رواب من طين.

 و منه في نفي تأثير النجوم

أتاني يهدّدني بالنجوم و ما هو من شرّه كائن‏ذنوبي أخاف فأمّا النجوم فإنّي من شرّها آمن

 و منه في المفاخرة

نحن الكرام بنو الكرام و طفلنا في المهد يكنى‏إنا إذا قعد اللئام على بساط العزّ قمنا

 بيان التكنية في المهد علامة الشرف أو بيان لاستحبابها. و المراد بالقيام التهيّؤ للجهاد و سائر العبادات.

 و قال عبد اللّه بن وهب الراسبي ]رئيس الخوارج[ في النهروان

أضربكم و لا أرى أبا الحسن ذاك الذي ضلّ إلى الدنيا ركن

فأجابه ]عليّ[ صلوات اللّه عليه

يا أيّها المشرك يا من افتتن و المتمنّي أن يرى أبا الحسن‏إليّ فانظر أيّنا يلقى الغبن

 بيان الغبن بالفتح ]فسكون الباء المخدوعية[ في البيع ]أو الشراء[. و بالتحريك ]الضعف[ في الرأي.

 و منه خطابا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و إظهارا للإخلاص له

يا أكرم الخلق على اللّه و المصطفى بالشرف الباهي‏محمّد المختار مهما أتى من محدث مستفظع ناهي‏فاندب له حيدر لا غيره فليس بالغمر و لا اللاهي‏ترى عماد الكفر من سيفه منكّسا باطله واهي‏هل العدى إلّا ذئاب عوت مع كلّ ناس نفسه ساهي‏سيهزم الجمع على عقبه بحيدر و النصر للّه

 بيان الباهي ]مأخوذ[ من البهاء و هو الحسن. و استفظع الأمر وجده فظيعا. و الغمر بالضمّ و بضمّتين الذي لم يجرّب الأمور. و العقب بالتسكين لغة في العقب ]بالتحريك[.

 و منه افتخارا بالمناقب و الفضائل

أنا للفخر أليها و بنفسي أتّقيها نعمة من سامك السبع بما قد خصنيهالن ترى في حومة الهيجاء لي فيها شبيها و لي السبقة في الإسلام طفلا و وجيهاو لي القربة إن قام شريف ينتميها زقّني بالعلم زقّا فيه قد صرت فقيهاو لي الفخر على الناس بعرسي و بنيها ثم فخري برسول اللّه إذ زوّجنيهالي مقامات ببدر حين حار الناس فيها و بأحد و حنين لي صولات تليهاو أنا الحامل للراية حقّا أحتويها و أنا القاتل عمرا حين حار الناس تيهاو إذا ضرّم حربا أحمد قدّمنيها و إذا نادى رسول اللّه نحوي قلت إيهاو أنا المسقي كأسا لذّة الأنفس فيها هبة اللّه فمن مثلي في الدنيا شبيها

 بيان ضمير »أليها« مبهم يفسّره »نعمة« و هي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. ]قوله[ »و بنفسي أتّقيها« أي أجعل نفسي وقاية لتلك النعمة. و »سامك السبع« ]أي[ رافع سبع سماوات. و زقّ الطائر الفرخ يزقّه ]على زنة »مدّ« و بابه[ أي أطعمه بفيه. و »إيها« كلمة استزادة.

 و منه إظهارا للشجاعة

أنا مذ كنت صبيا ثابت القلب جريا أبطل الأبطال قهرا ثمّ لا أفزع شيئايا سباع البرّ ريفي و كلي ذا اللحم نيا

 بيان ]قال الجوهري[ في الصحاح رافت الماشية رعت الريف و هي أرض فيها زرع و خصب.

 و قال بعض الأعادي خطابا لعسكره عليه السلام

أضربكم و لو أرى عليا ألبسه أبيض مشرفيا

فأجابه صلوات اللّه عليه

يا أيّهذا المبتغي عليا إنّي أراك جاهلا غبياقد كنت عن لقائه غنيا هلمّ فادن هاهنا إليا

 و منه في تخويف بعض الكفّار

سيف رسول اللّه في يميني و في يساري قاطع الوتين‏و كلّ من بارزني يجيني أضربه بالسيف عن قريني‏محمد و عن سبيل الديني هذا قليل عن طلاب عين

 بيان الوتين عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. و ]قوله[ »يجيني« أمر غائب، قال ]الشيخ[ الرّضيّ رحمه اللّه جاز في النظم حذف لام الأمر في فعل غير الفاعل نحو

»محمّد تفد نفسك كلّ نفس«

و أجاز الفرّاء حذفها في النّثر نحو قل له يفعل قال تعالى قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ و القرين المصاحب. و طلاب بالكسر جمع طالب مثل جياع و جائع. كذا قال الشارح، و المعروف في جمعه ]أي جمع طالب[ طلّاب بالضمّ و التشديد فيمكن أن يكون التخفيف ]هاهنا[ للضرورة أو يكون ]طلاب[ بالكسر مصدر »طالبه مطالبة و طلابا« إذا طالبه بحقّ. و العين بالكسر جمع الأعين أي الواسع العين.

 و منه في تهديد بعض الأشرار

اليوم أبلو حسبي و ديني بصارم تحمله يميني‏عند اللقا أحمي به عريني

 بيان العرين مأوى الأسد. و كان نقش سيفه عليه السلام

أسد على أسد يطول بصارم عضب يمان في يمين يمان

 بيان قال الشارح ]قوله[ »في يمين يمان« يدلّ على أنّ البيت من غيره عليه السلام، و لعلّ السّيف انتقل إليه عليه السلام من رجل من أهل اليمن و كان هذا البيت مكتوبا عليه. و يحتمل أن يكون عليه السلام نقش هذا البيت على سيفه في عاشر الهجرة، حين بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى اليمن فعل ذلك تودّدا إليهم. أو يقرأ »يمان« بضمّ الياء أي صاحب اليمن كعظام و عقام بمعنى عظيم و عقيم انتهى. و أقول يمكن أن يكون النسبة إلى اليمن باعتبار كمال الإيمان كما ورد في الخبر أنّ الإيمان يمان و الحكمة يمانية. و قال الجزري ]في مادّة »يمن«[ في شرح هذا الخبر ]في كتاب النهاية[ إنّما قال ذلك لأنّ الإيمان بدأ من مكة و هي من تهامة من أرض اليمن و لهذا يقال الكعبة اليمانية انتهى. ]قال المصنّف[ و يظهر منه ]أي من كلام الجزري[ توجيه آخر أيضا كما لا يخفى.

 و منه ]ما أنشده[ في ]وقعة[ الجمل مخاطبا لابن الحنفيّة ]محمد ابنه[ رضي اللّه عنه

اقحم فلن تنالك الأسنّة و إنّ للموت عليك جنّة

 و منه تمنّيا للعدم خوفا من عذاب اللّه تعالى و تذلّلا له

ليت أمّي لم تلدني ليتني متّ صبياليتني كنت حشيا أكلتني البهم نيا

 بيان البهم جمع بهمة و هي أولاد الضأن.

 و منه في الشكوى عن ]أهل[ الزمان

عجبا للزمان في حالتيه و بلاء دفعت منه إليه‏ربّ يوم بكيت منه فلمّا صرت في غيره بكيت عليه

 و منه ترغيبا في التّهجّد

يا نفس قومي فقد قام الورى إن ينم الناس فذو العرش يرى‏و أنت يا عين دعي عنّي الكرى عند الصباح يحمد القوم السرى

 بيان الكرى النعاس. و السرى بالضمّ السير باللّيل، و المثل معروف. قد وفّق اللّه تعالى للفراغ من هذا المجلد من كتاب بحار الأنوار، الموسوم بكتاب الفتن، على يدي مؤلّفه الفقير الخاسر القاصر ابن محمد تقيّ محمّد باقر ختم اللّه له بالحسنى، في سلخ شهر ذي الحجّة الحرام من شهور سنة إحدى و تسعين بعد الألف الهجرية. و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على سيّد المرسلين محمد و عترته الأكرمين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين