باب 11- باب بغي معاوية و امتناع أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن تأميره و توجهه إلى الشام للقائه إلى ابتداء غزوات صفين

340-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلافة ذكره الواقدي في كتاب الجمل من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد علمت إعذاري فيكم و إعراضي عنكم حتى كان ما لا بد منه و لا دفع له و الحديث طويل و الكلام كثير و قد أدبر ما أدبر و أقبل ما أقبل فبايع من قبلك و أقبل إلي في وفد من أصحابك و السلام

 بيان قوله إعذاري فيكم يحتمل أن يكون الخطاب لبني أمية أو لجميع الأمة و اختار ابن أبي الحديد الأول و قال أي مع كوني ذا عذر لو ذممتكم و أسأت إليكم فلم أفعله بل أعرضت عن إساءتكم إلي و ضربت عنكم صفحا حتى كان ما لا بد منه يعني عثمان. و قال ابن ميثم يعني إعذاره إلى الله فيهم و إظهار عذره باجتهاده في نصيحة عثمان أولا و نصرة بني أمية بالذب عنه ثانيا و إعراضه عنهم بعد إياسه عنهم من قبول عثمان نصيحته و من نصرته و الدفع عنه حتى كان ما لا بد منه و لا دفع له من قبله انتهى. قيل و يحتمل أن يكون المراد بإعذاره ع استنكافه عن البيعة أولا و هو إعراضه عنهم و ما لا بد منه و لا دفع له هو خلافته ع و قد مر مثله في مخاطبة طلحة و الزبير فالخطاب لجميع الأمة. قوله ع و قد أدبر ما أدبر أي أدبر ذلك الزمان و أقبل زمان آخر. و في بعض النسخ من أدبر أي بعض الناس أقبلوا إلي و بعضهم أدبر كطلحة و الزبير و أشباههما. و قال الجوهري وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا فهو وافد و الجمع وفد مثل صاحب و صحب

341-  كتاب الصفين، لنصر بن مزاحم عن عمر بن سعد الأسدي عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي أن عليا ع حين قدم من البصرة نزع جريرا عن همدان فجاء حتى نزل الكوفة فأراد علي أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير ابعثني إليه فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر و يكون أميرا من أمرائك و أدعو أهل الشام إلى طاعتك و جلهم قومي و أهل بلادي و قد رجوت أن لا يعصوني فقال له الأشتر لا تبعثه و دعه و لا تصدقه فو الله إني لأظن هواه هواهم و نيته نيتهم فقال له علي ع دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا فبعثه علي ع و قال له حين أراد أن يبعثه إن حولي من أصحاب رسول الله ص من أهل الدين و الرأي من قد رأيت و قد اخترتك عليهم لقول رسول الله ص فيك من خير ذي يمن ائت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلا فانبذ إليه و أعلمه أني لا أرضى به أميرا و أن العامة لا ترضى به خليفة فانطلق جرير حتى أتى الشام و نزل بمعاوية فدخل عليه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين و أهل المصرين و أهل الحجاز و أهل اليمن و أهل مصر و أهل العروض و العروض عمان و أهل البحرين و اليمامة فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها و لو سأل عليها سيل من أوديته غرقها و قد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك و يهديك إلى مبايعة هذا الرجل و دفع إليه كتاب علي بن أبي طالب ع بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن بيعتي لزمتك بالمدينة و أنت بالشام لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بويعوا عليه فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى و يصله جهنم و ساءت مصيرا و إن طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتك و استعنت بالله عليك و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس و حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا تعرض فيهم الشورى و قد أرسلت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد الله و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و لا قوة إلا بالله فلما قرأ الكتاب قام جرير فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه و إن الناس بايعوا عليا غير واتر و لا موتور و كان طلحة و الزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث ألا و إن هذا الدين لا يحتمل الفتن ألا و إن العرب لا تحتمل السيف و قد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن تشفع البلاء بمثلها فلا نبأ للناس و قد بايعت

 العامة عليا و لو ملكنا و الله أمورنا لم نختر لها غيره و من خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس فإن قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين و كان لكل امرئ ما في يده و لكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول و جعل تلك أمورا موطأة و حقوقا ينسخ بعضها بعضا فقال معاوية انظر و تنظر و أستطلع رأي أهل الشام فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية مناديا فنادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر و قال بعد كلام طويل أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و أني خليفة عثمان بن عفان عليكم و أني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط و أني ولي عثمان و قد قتل مظلوما و الله يقول وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً و أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان فقام أهل الشام بأجمعهم و أجابوا إلى الطلب بدم عثمان و بايعوه على ذلك و أوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم و أموالهم أو يدركوا ثاره أو يفني الله أرواحهم قال فلما أمسى معاوية اغتم بما هو فيه

 342-  قال نصر و حدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال و استحثه جرير بالبيعة فقال يا جرير إنها ليست بخلسة و إنه أمر له ما بعده فأبلعني ريقي حتى أنظر و دعا ثقاته و شاورهم في الأمر فقال له عتبة بن أبي سفيان استعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص و أثمن له بدينه فإنه من قد عرفت و قد اعتزل أمر عثمان في حياته و هو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن يرى فرصة

343-  فروى نصر عن عمر بن سعد و محمد بن عبيد الله قالا كتب معاوية إلى عمرو أما بعد فإنه قد كان من أمر علي و طلحة و الزبير ما قد بلغك و قد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة و قدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي و قد حبست نفسي عليك حتى تأتيني أقبل أذاكرك أمرا قال فلما قرئ الكتاب على عمرو استشار ابنيه عبد الله و محمدا فقال ما تريان فقال عبد الله أرى أن نبي الله قبض و هو عنك راض و الخليفتان من بعده و قتل عثمان و أنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة و لا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشك أن تهلك فتشقى فيها و قال محمد أرى أنك شيخ قريش و صاحب أمرها و لن يصرم هذا الأمر و أنت فيه خامل يتصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أيديها و اطلب بدم عثمان فإنك قد استسلمت فيه إلى بني أمية فقال عمرو أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني و أما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي و أنا ناظر فيه فلما جنه الليل رفع صوته ينشد أبياتا في ذلك يرددها فقال عبد الله ترحل الشيخ قال و دعا عمرو غلاما له يقال له وردان و كان داهيا ماردا فقال ارحل يا وردان ثم قال حط يا وردان فقال له وردان خلطت أبا عبد الله أما إنك إن شئت أنبأتك بما في نفسك قال هات ويحك قال اعتركت الدنيا و الآخرة على قلبك فقلت علي معه الآخرة في غير دنيا و في الآخرة عوض من الدنيا و معاوية معه الدنيا بغير آخرة و ليس في الدنيا عوض من الآخرة فأنت واقف بينهما قال عمرو فإنك و الله ما أخطأت فما ترى يا وردان قال أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم و إن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك قال الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية فارتحل و سار حتى قدم على معاوية و عرف ذلك معاوية فباعده و كايد كل واحد منهما صاحبه فلما دخل عليه قال أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس فيها ورد و لا صدر قال عمرو و ما ذاك قال ذاك إن محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو و أصحابه و هو من آفات هذا الدين و منها أن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام و منها أن عليا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلينا قال عمرو ليس كل ما ذكرت عظيما أما أمر ابن أبي حذيفة فما يعظمك من رجل خرج في أشباهه أن تخرج إليه الخيل حتى تقتله أو تأتيك به و إن فاتك لا يضرك و أما قيصر فاهد له من وصفاء الروم و وصائفها و آنية الذهب و الفضة و سله الموادعة فإنه إليها سريع و أما علي فلا و الله يا معاوية لا تسوي العرب بينك و بينه في شي‏ء من الأشياء و إن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش و إنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه

  -344  و روى نصر عن عمر بن سعد بإسناده قال قال معاوية لعمرو يا أبا عبد الله إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه و شق عصا المسلمين و قتل الخليفة و أظهر الفتنة و فرق الجماعة و قطع الرحم قال عمرو إلى من قال إلى جهاد علي قال فقال عمرو و الله يا معاوية ما أنت و علي بعكمي بعير ما لك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا فقهه و لا علمه و و الله إن له مع ذلك جدا و جدودا و حظا و حظوة و بلاء من الله حسنا فما تجعل لي إن شايعتك على ما تريد قال حكمك قال مصر طعمة قال فتلكأ عليه معاوية

345-  قال نصر و في حديث غير عمر قال قال له معاوية يا أبا عبد الله إني أكره أن تحدث العرب أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض دنيا قال دعني منك قال معاوية إني لو شئت أن أمنيك و أخدعك لفعلت قال عمرو لا لعمر الله ما مثلي يخدع و لأنا أكيس من ذلك قال له معاوية ادن مني برأسك أسارك قال فدنا منه عمرو كي يساره فعض معاوية أذنه و قال هذه خدعة هل ترى في البيت أحدا غيري و غيرك ثم رجع الكلام إلى حديث عمر فقال معاوية يا أبا عبد الله أ لم تعلم أن مصرا مثل العراق قال بلى و لكنها إنما تكون لي إذا كانت لك و إنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق قال فدخل عليه عتبة بن أبي سفيان فقال أ ما ترضى أن تشتري عمروا بمصر إن هي صفت لك فليتك لا تغلب على الشام فقال معاوية يا عتبة بت عندنا الليلة قال فلما جن على عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية بأبيات يحثه فيها على إرضاء عمرو فلما سمع معاوية ذلك أرسل إلى عمرو و أعطاها إياه قال فقال عمرو و لي الله عليك بذلك شاهد قال له معاوية نعم لك الله علي بذلك لئن فتح الله علينا الكوفة قال عمرو وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ قال فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه ما صنعت قال أعطانا مصر فقالا و ما مصر في ملك العرب قال لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما مصر قال فأعطاها إياه و كتب له كتابا و كتب معاوية على أن لا ينقض شرط طاعة فكتب عمرو على أن لا تنقض طاعته شرطا و كايد كل منهما صاحبه و كان مع عمرو ابن عم له فتى شاب و كان داهيا فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى و قال أ لا تخبرنا يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك و منيت دنيا غيرك أ ترى أهل مصر و هم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية و علي حي و تراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال عمرو يا ابن الأخ إن الأمر لله دون علي و معاوية فأنشد الفتى في ذلك شعرا فقال له عمرو يا ابن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي و لكني الآن مع معاوية فقال له الفتى إنك إن لم ترد معاوية لم يردك و لكنك تريد دنياه و يريد دينك و بلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب و لحق بعلي فحدثه بأمر عمرو و معاوية قال فسر ذلك عليا و قربه قال و غضب مروان و قال ما بالي لا أشتري كما اشترى عمرو قال فقال له معاوية إنما نبتاع الرجال لك قال فلما بلغ عليا ما صنع معاوية و عمرو قال يا عجبا لقد سمعت منكرا كذبا على الله يشيب الشعراء إلى آخر ما سيأتي من الأبيات في آخر الأبواب

 346-  و روى نصر عن محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال لما بات عمرو عند معاوية و أصبح أعطاه مصر طعمة و كتب له بها كتابا و قال ما ترى قال امض الرأي الأول فبعث معاوية مالك بن هبيرة في طلب ابن أبي حذيفة فأدركه فقتله و بعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه ثم قال معاوية لعمرو ما ترى في علي قال أرى فيه خيرا أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق و من عند خير الناس في أنفس الناس و دعوتك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد و رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي و هو عدو لجرير فأرسل إليه و وطئ له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان و ليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب و من تعلق بقلبه شي‏ء لم يخرجه شي‏ء أبدا فدعا معاوية يزيد بن لبيد و بسر بن أرطاة و عمرو بن سفيان و مخارق بن الحرث الزبيدي و حمزة بن مالك و حابس بن سعيد الطائي ثم كتب إلى شرحبيل أن جرير بن عبد الله قدم علينا من قبل علي بأمر فظيع فاقدم فاستشار شرحبيل أهل اليمن من أهل حمص فاختلفوا عليه فقام إليه عبد الرحمن بن غنم و هو صاحب معاذ و ختنه و كان أفقه أهل الشام فنهاه عن المسير إلى معاوية و وعظه و نهاه أيضا عياض اليماني و كان ناسكا فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية فلما قدم عليه تلقاه الناس فأعظموه و دخل على معاوية فقال له معاوية يا شرحبيل إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي و علي خير الناس لو لا أنه قتل عثمان و حبست نفسي عليك و إنما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا و أكره ما كرهوا فقال شرحبيل اخرج فانظر فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له كلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان فرجع مغضبا إلى معاوية فقال يا معاوية أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان و الله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك قال معاوية ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلا رجل من أهل الشام قال فرد هذا الرجل إلى أصحابه إذن قال فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق و أن أهل الشام مع شرحبيل فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال ابعث إلى جرير فبعث إليه حصين أن زرنا فإن عندنا شرحبيل بن السمط فاجتمعا عنده فتكلم شرحبيل فقال يا جرير أتيتنا بأمر ملفق لتلقينا في لهوات الأسد و أردت أن تخلط الشام بالعراق و أطريت عليا و هو قاتل عثمان و الله سائلك عما قلت يوم القيامة فأقبل عليه جرير و قال يا شرحبيل أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا و قد اجتمع عليه المهاجرون و الأنصار و قوتل على رده طلحة و الزبير و أما قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواتها ألقيت نفسك و أما خلط العراق بالشام فخلطها على حق خير من فرقتها على باطل و أما قولك إن عليا قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد و لكنك ملت إلى الدنيا و شي‏ء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير و زجره و كتب جرير إلى شرحبيل أبياتا يعظه فيها فزعر شرحبيل و فكر فاستزله القوم و لفف له معاوية الرجال و لم ينفعه زجر قومه له و لا غيرهم حتى إنه بعثه معاوية إلى مدائن الشام يدعوهم إلى الطلب بدم عثمان فبدأ بأهل حمص فأجابوه إلا نساك من أهل حمص فإنهم قاموا إليه فقالوا بيوتنا قبورنا و مساجدنا و أنت أعلم بما ترى و جعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به فآيس جرير عند ذلك من معاوية و من عوام الشام

347-  قال نصر و كان معاوية قد أتى جريرا قبل ذلك في منزله فقال يا جرير إني قد رأيت رأيا قال هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام و مصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي و أسلم له هذا الأمر و أكتب إليه بالخلافة فقال جرير اكتب بما أردت و أكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير أما بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة و أن يختار من أمره ما أحب و أراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام و إن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن أستعمل معاوية على الشام و أنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه و لم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا فإن بايعك الرجل و إلا فأقبل و فشا كتاب معاوية في العرب

348-  و في حديث صالح بن صدقة قال أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس و قال علي وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا و أبطأ على علي ع حتى آيس منه

349-  و في حديث محمد و صالح بن صدقة قالا و كتب علي ع إلى جرير أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ثم خيره و خذه بالجواب بين حرب مخزية أو سلم محظية فإن اختار الحرب فانبذ له و إن اختار السلم فخذه ببيعته فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتى به إلى معاوية فأقرأه الكتاب و قال يا معاوية إنه لا يطبع على قلب إلا بذنب و لا ينشرح إلا بتوبة و لا أظن قلبك إلا مطبوعا أراك قد وقفت بين الحق و الباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك فقال معاوية ألقاك بالفيصل في أول مجلس إن شاء الله

350-  فلما بايع معاوية أهل الشام و ذاقهم قال يا جرير الحق بصاحبك و كتب إليه بالحرب فأجابه علي ع من علي إلى معاوية بن صخر أما بعد فقد أتاني كتاب امرئ ليس له بصر يهديه و لا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فاتبعه زعمت أنه إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان و لعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا و أصدرت كما أصدروا و ما كان الله ليجمعهم على ضلالة و لا ليضربهم بالعمى و ما أمرت فيلزمني خطيئة الأمر و لا قتلت فيجب علي قصاص و أما قولك إن أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون و الأنصار و إلا أتيتك به من قريش الحجاز و أما قولك ادفع إلينا قتلة عثمان فما أنت و عثمان إنما أنت رجل من بني أمية و بنو عثمان أولى بذلك منك فإن زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على المحجة و أما تمييزك بين الشام و البصرة و بينك و بين طلحة و الزبير فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا واحد لأنها بيعة عامة لا يثنى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار و أما ولوعك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حق العيان و لا يقين بالخبر و أما فضلي بالإسلام و قرابتي من النبي ص و شرفي في قريش فلعمري لو استطعت دفع ذلك لدفعته

351-  نصر عن صالح بن صدقة بإسناده قال لما رجع جرير إلى علي ع كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير و الأشتر عند علي ع فقال الأشتر أما و الله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه و أقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو يخاف غمه إلا سده فقال جرير و الله لو أتيتهم لقتلوك و خوفه بعمرو و ذي الكلاع و حوشب و قد زعموا أنك من قتلة عثمان فقال الأشتر لو أتيته و الله يا جرير لم يعييني جوابها و لم يثقل علي محملها و لحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال فأتهم إذا قال الآن و قد أفسدتهم و وقع بيننا الشر

352-  و عن الشعبي قال اجتمع جرير و الأشتر عند علي ع فقال الأشتر أ ليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا و أخبرتك بعداوته و غشه و أقبل الأشتر يشتمه و يقول يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان و الله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم و أنت و الله منهم و لا أرى سعيك إلا لهم و لئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ع ليحبسنك و أشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستبين من هذه الأمور و يهلك الله الظالمين قال فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسا و لحق به أناس من قيس و لم يشهد صفين من قيس غير تسعة عشر رجلا و لكن أحمس شهدها منهم سبعمائة رجل و خرج علي ع إلى دار جرير فشعث منها و حرق مجلسه و خرج أبو زرعة عمرو بن جرير و قال أصلحك الله إن فيها أيضا لغير جرير فخرج علي منها إلى دار ثوير بن عامر فحرقها و هدم منها و كان ثوير رجلا شريفا و كان قد لحق بجرير

353-  و في حديث صالح بن صدقة قال لما أراد معاوية المسير إلى صفين كتب إلى أهل مكة و أهل المدينة كتابا يذكرهم فيه أمر عثمان فكتب إليه عبد الله بن عمر مجيبا له و لابن العاص أما بعد فلقد أخطأتما موضع النصرة و تناولتما من مكان بعيد و ما زاد الله من شك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا و ما أنتما و المشورة و ما أنتما و الخلافة و أما أنت يا معاوية فطليق و أما أنت يا عمرو فظنون ألا فكفا عنا أنفسكما فليس لكما ولي و لا نصير و أجابه سعد بن أبي وقاص أما بعد فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة من قريش فلم يكن أحد منا أحق من صاحبه إلا باجتماعنا عليه غير أن عليا قد كان فيه ما فينا و لم يك فينا ما فيه و هذا أمر قد كرهنا أوله و كرهنا آخره و أما طلحة و الزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما و الله يغفر لأم المؤمنين ما أتت به

  -354  و كتب إليه محمد بن مسلمة أما بعد فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من رسول الله ص مثل الذي في يدي فقد أخبرني رسول الله ص بما هو كائن قبل أن يكون فلما كان كسرت سيفي و جلست في بيتي و اتهمت الرأي على الدين إذا لم يصلح لي معروف آمر به و لا منكر أنهى عنه و لعمري ما طلبت إلا الدنيا و لا اتبعت إلا الهوى فإن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا فما أخرجني الله من نعمة و إلا صيرني إلى شك إلى آخر ما كتب

355-  قال و روى صالح بن صدقة عن إسماعيل بن زياد عن الشعبي أن عليا ع قدم من البصرة مستهل رجب و أقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب فيما بينه و بين معاوية و عمرو بن العاص

 356-  و في حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال لما قدم عبيد الله بن عمر على معاوية بالشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال يا عمرو إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله بن عمر و قد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان و ينال منه فقال الرأي ما رأيت فبعث إليه فأتاه فقال له يا ابن أخ إن لك اسم أبيك فانظر بمل‏ء عينيك و تكلم بكل فيك فأنت المأمون المصدق فاصعد المنبر فاشتم عليا و اشهد عليه أنه قتل عثمان فقال يا أمير المؤمنين أما شتمي له فإنه علي بن أبي طالب و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه و أما بأسه فهو الشجاع المطرق و أما أيامه فما قد عرفت و لكني ملزمه دم عثمان فقال عمرو إذا و الله قد نكأت القرحة فلما خرج عبيد الله قال معاوية أما و الله لو لا قتله الهرمزان و مخافة علي على نفسه ما أتانا أبدا أ لم تر إلى تقريظه عليا فلما قام عبيد الله خطيبا تكلم بحاجته حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك فعاتبه معاوية فاعتذر بأني كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان و عرفت أن الناس محتملوها عني فهجره معاوية و استخف بحقه حتى أنشد شعرا في مدح عثمان و تصويب طلحة و الزبير فأرضاه و قربه و قال حسبي هذا منك بيان قوله ع من خير ذي يمن إشارة إلى رواية وردت في مدحه قال ابن الأثير في مادة ذوي من كتاب النهاية في حديث المهدي قرشي يمان ليس من ذي و لا ذو أي ليس في نسبه نسب أذواء اليمن و هم ملوك حمير منهم ذو يزن و ذو رعين و قوله قرشي يمان أي و هو قرشي النسب يماني المنشإ و منه حديث جرير يطلع عليكم رجل من ذي يمن على وجهه مسحة من ذي ملك و كذا أورده أبو عمر الزاهد و قال ذي هاهنا صلة أي زائدة انتهى. و العكم بالكسر العدل و عكمت المتاع شددته. قوله على أن لا ينقض قال ابن أبي الحديد تفسيره أن معاوية قال للكاتب اكتب على أن لا ينقض شرط طاعة يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشي‏ء و هذه مكايدة له لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع عن مصر و لم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته و يحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصر لأن مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء كان مصر مسلمة إليه أو لا. فلما انتبه عمرو على هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك و قال بل اكتب على أن لا تنقض طاعة شرطا يريد أخذ إقرار معاوية بأنه إذا أطاعه لا تنقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه و هذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية. و في النهاية و الصحاح نفضت المكان و استنفضته و تنفضته إذا نظرت جميع ما فيه و النفضة بفتح الفاء و سكونها و النفيضة قوم يبعثون متجسسين هل

  يرون عدوا أو خوفا. و قرقيسا بالكسر و يمد و يقصر بلد على الفرات و التقريظ مدح الإنسان و هو حي بحق أو باطل

357-  البرسي في مشارق الأنوار، عن محمد بن سنان قال بينا أمير المؤمنين ع يجهز أصحابه إلى قتال معاوية إذا اختصم إليه اثنان فلغى أحدهما في الكلام فقال له اخسأ يا كلب فعوى الرجل لوقته و صار كلبا فبهت من حوله و جعل الرجل يشير بإصبعه إلى أمير المؤمنين ع و يتضرع فنظر إليه و حرك شفتيه فإذا هو بشر سوي فقام إليه بعض أصحابه و قال له مالك تجهز العسكر و لك مثل هذه القدرة فقال و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة في هذه الفلوات حتى أضرب صدر معاوية فأقلبه عن سريره لفعلت و لكن عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ

358-  ختص، ]الإختصاص[ محمد بن علي عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان الأحمر قال قال الصادق ع يا أبان كيف ينكر الناس قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما قال لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره و لا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و إتيان سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه أ ليس نبينا أفضل الأنبياء و وصيه أفضل الأوصياء أ فلا جعلوه كوصي سليمان حكم الله بيننا و بين من جحد حقنا و أنكر فضلنا

  -359  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن عبيد الله بن أبي هاشم عن عمر بن ثابت عن جبلة بن سحيم قال لما بويع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بلغه أن معاوية قد توقف عن إظهار البيعة له و قال إن أقرني على الشام و أعمالي التي ولانيها عثمان بايعته فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين ع فقال له يا أمير المؤمنين إن معاوية من قد عرفت و قد ولاه الشام من كان قبلك فوله أنت كيما تتسق عرى الأمور ثم اعزله إن بدا لك فقال له أمير المؤمنين ع أ تضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه قال لا قال لا يسألني الله عز و جل عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً لكن أبعث إليه و أدعوه إلى ما في يدي من الحق فإن أجاب فرجل من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم و إن أبى حاكمته إلى الله فولى المغيرة و هو يقول فحاكمه إذا فحاكمه إذا فأنشأ يقول

نصحت عليا في ابن حرب نصيحة فرد فما مني له الدهر ثانيةو لم يقبل النصح الذي جئته به و كانت له تلك النصيحة كافيةو قالوا له ما أخلص النصح كله فقلت له إن النصيحة غالية

فقام قيس بن سعد رحمه الله فقال يا أمير المؤمنين إن المغيرة أشار عليك بأمر لم يرد الله به فقدم فيه رجلا و أخر فيه أخرى فإن كان لك الغلبة تقرب إليك بالنصيحة و إن كانت لمعاوية تقرب إليه بالمشورة ثم أنشأ يقول 

يكاد و من أرسى ثبيرا مكانه مغيرة أن يقوي عليك معاويةو كنت بحمد الله فينا موفقا و تلك التي أراكها غير كافيةفسبحان من علا السماء مكانها و الأرض دحاها فاستقرت كما هيه

 بيان قوله الدهر منصوب على الظرفية أي ليس مني نصيحة ثانية ما بقي الدهر. قوله و من أرسى الواو للقسم أي بحق الذي أثبت جبل ثبير المعروف بمنى

360-  شا، ]الإرشاد[ من كلام أمير المؤمنين ع لما عمد المسير إلى الشام لقتال معاوية بن أبي سفيان قال بعد حمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله ص اتقوا الله عباد الله و أطيعوه و أطيعوا إمامكم فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل ألا و إن الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر و قد أصبح معاوية غاصبا لما في يديه من حقي ناكثا لبيعتي طاعنا في دين الله عز و جل و قد علمتم أيها المسلمون ما فعل الناس بالأمس و جئتموني راغبين إلي في أمركم حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني فالتويت عليكم لأبلو ما عندكم فراودتموني القول مرارا و راودتكم و تكأكأتم علي تكأكؤ الإبل الهيم على حياضها حرصا على بيعتي حتى خفت أن يقتل بعضكم بعضا فلما رأيت ذلك منكم رويت في أمري و أمركم و قلت إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا يقوم فيهم مقامي و يعدل فيهم عدلي و قلت و الله لألينهم و هم يعرفون حقي و فضلي أحب إلي من أن يلوني و هم لا يعرفون حقي و فضلي فبسطت لكم يدي فبايعتموني يا معشر المسلمين و فيكم المهاجرون و الأنصار و التابعون بإحسان فأخذت عليكم عهد بيعتي و واجب صفقتي من عهد الله و ميثاقه و أشد ما أخذ على النبيين من عهد و ميثاق لتفن لي و لتسمعن لأمري و لتطيعوني و تناصحوني و تقاتلون معي كل باغ أو مارق إن مرق فأنعمتم لي بذلك جميعا فأخذت عليكم عهد الله و ميثاقه و ذمة الله و رسوله فأجبتموني إلى ذلك و أشهدت الله عليكم و أشهدت بعضكم على بعض و قمت فيكم بكتاب الله و سنة نبيه ص فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ينازعني الخلافة و يجحدني الإمامة و يزعم أنه أحق بها مني جرأة منه على الله و على رسوله بغير حق له فيها و لا حجة و لم يبايعه عليها المهاجرون و لا سلم له الأنصار و المسلمون يا معشر المهاجرون و الأنصار و جماعة من سمع كلامي أ و ما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة أ ما بايعتموني على الرغبة أ لم آخذ عليكم العهد بالقبول لقولي أ ما بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة أبي بكر و عمر فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتى مضيا و نقض علي و لم يف لي أ ما يجب لي عليكم نصحي و يلزمكم أمري أ ما تعلمون أن بيعتي تلزم الشاهد عنكم و الغائب فما بال معاوية و أصحابه طاعنين في بيعتي و لم لم يفوا بها لي و أنا في قرابتي و سابقتي و صهري أولى بالأمر ممن تقدمني أ ما سمعتم قول رسول الله ص يوم الغدير في ولايتي و موالاتي فاتقوا الله أيها المسلمون و تحاثوا على جهاد معاوية الناكث القاسط و أصحابه القاسطين و اسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا فإنه عظة لكم فانتفعوا بمواعظ الله و ازدجروا عن معاصي الله فقد وعظكم الله بغيركم فقال لنبيه ص أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَ ما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ

يا أيها الناس إن لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أن الله تعالى جعل الخلافة و الأمر من بعد الأنبياء في أعقابهم و إنه فضل طالوت و قدمه على الجماعة باصطفائه إياه و زيادته بسطة في العلم و الجسم فهل تجدون الله عز و جل اصطفى بني أمية على بني هاشم و زاد معاوية علي بسطة في العلم و الجسم فاتقوا الله عباد الله و جاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له قال الله عز و جل لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ و قال تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ اتقوا الله عباد الله و تحاثوا على الجهاد مع إمامكم فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر إذا أمرتهم أطاعوني و إذا استنهضتهم نهضوا معي لاستغنيت بهم عن كثير منكم و أسرعت النهوض إلى حرب معاوية و أصحابه فإنه الجهاد المفروض

 بيان التكأكؤ التجمع و التوى عن الأمر تثاقل و روى في الأمر تروية نظر و تفكر و أنعم له أي قبل قوله و أجاب بنعم. قوله ع إن الله جعل الخلافة فيه إشكال و هو أن المشهور بين المفسرين أن طالوت لم يكن من سبط النبوة و لا من سبط المملكة إذ النبوة كانت في سبط لاوي و المملكة في سبط يهودا و قيل في سبط يوسف و هو كان من سبط بنيامين فالآيات تدل على عدم لزوم كون الخلافة في أعقاب الأنبياء. و يمكن أن يجاب عنه بوجوه الأول القدح في تلك الأمور فإنها مستندة إلى أقوال المؤرخين و المفسرين من المخالفين فيمكن أن يكون طالوت من سبط النبوة أو المملكة فيكون ادعاؤهم الأحقية من جهة المال فقط. الثاني أن كونه من ولد يعقوب و إسحاق و إبراهيم كاف في ذلك. الثالث أن يكون الاستدلال من جهة ما يفهم من الآية من كون النبوة في سبط مخصوص آباؤهم أنبياء فالمراد بالخلافة رئاسة الدين و إن اجتمعت رئاسة الدين و الدنيا في تلك الأمة فلا ينافي الاستدلال بالبسطة في العلم و الجسم فإنه إذا اشترط في الرئاسة الدنيوية فقط البسطة في العلم و الجسم فاشتراطهما في الرئاستين ثابت بطريق أولى

361-  شا، ]الإرشاد[ و من كلام ع و قد بلغه عن معاوية و أهل الشام ما يؤذيه من الكلام فقال الحمد لله قديما و حديثا ما عاداني الفاسقون فعاداهم الله أ لم تعجبوا إن هذا لهو الخطب الجليل إن فساقا غير مرضيين و عن الإسلام و أهله منحرفين خدعوا بعض هذه الأمة و أشربوا قلوبهم حب الفتنة و استمالوا أهواءهم بالإفك و البهتان قد نصبوا لنا الحرب و هبوا في إطفاء نور الله وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ اللهم إن ردوا الحق فاقضض خدمتهم و شتت كلمتهم و أبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت

362-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع عند عزمه على المسير إلى الشام اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في النفس و الأهل و المال اللهم أنت الصاحب في السفر و أنت الخليفة في الأهل و لا يجمعهما غيرك لأن المستخلف لا يكون مستصحبا و المستصحب لا يكون مستخلفا

 قال السيد رضي الله عنه و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله ص و قد قفاه أمير المؤمنين ع بأبلغ كلام و تممه بأحسن تمام من قوله لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل. بيان قال ابن ميثم روي أنه ع دعا بهذا الدعاء عند وضعه رجله في الركاب متوجها إلى حرب معاوية و الوعثاء المشقة و الكآبة الحزن و المنقلب مصدر من قولهم انقلب منقلبا رجع و سوء المنظر هو أن يرى في نفسه أو أهله أو ماله ما يكرهه

363-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية أما بعد فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل و خذه بالأمر الجزم ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم مخزية فإن اختار الحرب فانبذ إليه و إن اختار السلم فخذ بيعته و السلام

 تبيين قال ابن ميثم روي أن جريرا أقام عند معاوية حين أرسله ع حتى اتهمه الناس فقال علي ع قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا فأبطأ جرير حتى أيس منه فكتب إليه بعد ذلك هذا الكتاب فلما انتهى إليه أتى معاوية فأقرأه إياه و قال يا معاوية إنه لا يطبع على قلب إلا بذنب و لا يشرح إلا بتوبة و لا أظن قلبك إلا مطبوعا أراك قد وقفت بين الحق و الباطل كأنك تنتظر شيئا في يد غيرك فقال معاوية ألقاك بالفصل في أول مجلس إن شاء الله ثم أخذ في بيعة أهل الشام فلما انتظم أمره لقي جريرا و قال له الحق بصاحبك و أعلمه بالحرب فقدم جرير إلى علي ع

 قال و البجلي منسوب إلى بجيلة قبيلة و المجلية من الإجلاء و هو الإخراج عن الوطن قهرا و المخزية المهينة و المذلة و روي مجزية بالجيم أي كافية و الحرب و السلم مؤنثان لكونهما في معنى المحاربة و المسالمة و النبذ الإلقاء و الرمي و المقصود أن يجهر له بذلك من غير مداهنة كقوله تعالى وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ

364-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع و قد أشار إليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد الله إلى معاوية أن استعدادي لحرب أهل الشام و جرير عندهم إغلاق للشام و صرف لأهله عن خير إن أرادوه و لكن قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا و الرأي عندي مع الأناة فأرودوا و لا أكره لكم الاستعداد لحرب أهل الشام و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه و قلبت ظهره و بطنه و لم أر لي إلا القتال أو الكفر بما أنزل على محمد ص إنه قد كان على الأمة وال أحدث أحداثا و أوجد الناس مقالا فقالوا ثم نقموا فغيروا

 بيان جرير بن عبد الله البجلي كان عاملا لعثمان على ثغر همدان فلما صار الأمر إليه طلبه فأجاب بالسمع و الطاعة و قدم إليه ع فأرسله إلى معاوية

365-  و روي أنه ع لما أراد بعثه قال جرير و الله يا أمير المؤمنين ما أدخرك من نصري شيئا و ما أطمع لك في معاوية فقال ع قصدي حجة أقيمها ثم كتب معه فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام إلى آخر ما مر برواية نصر بن مزاحم فأجابه معاوية أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك و أنت بري‏ء من دم عثمان كنت كأبي بكر و عمر و عثمان و لكنك أغريت بعثمان و خذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل و قوي بك الضعيف و قد أبى أهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين و لعمري ما حجتك علي كحجتك على طلحة و الزبير لأنهما بايعاك و لم أبايعك و لا حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة لأنهم أطاعوك و لم يطعك أهل الشام فأما شرفك في الإسلام و قرابتك من النبي ص و موضعك من قريش فلست أدفعه و كتب في آخر الكتاب قصيدة كعب بن جعيل أرى الشام يكره أهل العراق و أهل العراق لها كارهونا

366-  و يروى أن الكتاب الذي كتبه ع مع جرير كانت صورته إني قد عزلتك ففوض الأمر إلى جرير و السلام و قال لجرير صن نفسك عن خداعه فإن سلم إليك الأمر و توجه إلي فأقم أنت بالشام و إن تعلل بشي‏ء فارجع فلما عرض جرير الكتاب على معاوية تعلل بمشاورة أهل الشام و غير ذلك فرجع جرير و كتب معاوية في أثره في ظهر كتاب علي ع من ولاك حتى تعزلني و السلام

  و يقال أغلق الباب إذا جعله بحيث يعسر فتحه و المراد بالخير الطاعة و الأناة كالقناة اسم من التأني و أرودوا على صيغة الإفعال أي ارفقوا و الإعداد التهية كالاستعداد. و ربما يتوهم التنافي بين ذكر مفسدة الاستعداد أولا و عدم كراهة الإعداد ثانيا. و دفع بوجوه منها أنه كره استعداد نفسه بجمع العسكر و عرضهم و تحريضهم على القتال دون إعداد أصحابه بإصلاح كل منهم فرسه و أسلحته. و منها أن المكروه إظهار الإعداد دون الإعداد سرا و تركنا بعض الوجوه لوهنها. و ضرب الأنف و العين مثل للعرب يراد منه الاستقصاء في البحث و التأمل و قلب الظهر و البطن التأمل في ظاهر الأمر و باطنه. و إطلاق الكفر هنا على المبالغة أو بالمعنى الذي يطلق على ترك الفرائض و فعل الكبائر كما سيأتي في أبواب الإيمان و الكفر. و يحتمل على بعد اختصاص ذلك بالإمام و المراد بالوالي عثمان و بالأحداث البدع و الأمور المنكرة و أوجد الناس مقالا أي أبدى لهم طريقا إليه بأحداثه و تفسير أوجدها هنا بأغضب كما قيل غريب و نقموا كضربوا أي عتبوا و طعنوا عليه

367-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من وصية له ع لمعقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له اتق الله الذي لا بد لك من لقائه و لا منتهى لك دونه و لا تقاتلن إلا من قاتلك و سر البردين و غور الناس و رفه في السير و لا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا و قدره مقاما لا ظعنا فأرح فيه بدنك و روح ظهرك فإذا وقفت حين ينبطح السحر أو حين ينفجر الفجر فسر على بركة الله فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك وسطا و لا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى يأتيك أمري و لا يحملنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم و الإعذار إليهم

 بيان قال ابن ميثم روي أنه ع بعثه من المدائن و قال له امض على الموصل حتى توافيني بالرقة ثم أوصاه بذلك. و البردان الغداة و العشي و قال الجوهري التغوير القيلولة يقال غوروا أي انزلوا للقائلة قال أبو عبيد يقال للقائلة الغائرة و الترفيه الإراحة و السكن ما يسكن إليه و الظعن الارتحال. و قال ابن الأثير في النهاية الظهر الإبل الذي يحمل عليها و يركب. قوله ع فإذا وقفت قال ابن أبي الحديد أي إذا وقفت ثقلك و جملك لتسير فليكن ذلك حين ينبطح السحر أي حين يتسع و يمتد أي لا يكون السحر الأول بل ما بين السحر الأول و بين الفجر الأول و أصل الانبطاح السعة و منه الأبطح بمكة. و قال الجوهري نشب الشي‏ء في الشي‏ء بالكسر نشوبا أي علق فيه و أنشبته أنا فيه و يقال نشب الحرب بينهم ثارت و الشنآن البغض و في بعض النسخ شبابكم قبل دعائهم أي إلى الإسلام و يقال أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية في العذر

  -368  نهج، ]نهج البلاغة[ و قال ع و قد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار فترجلوا له و اشتدوا بين يديه ما هذا الذي صنعتموه فقالوا خلق منا نعظم به أمراءنا فقال ع و الله ما ينتفع بهذا أمراؤكم و إنكم لتشقون به على أنفسكم و تشقون به في آخرتكم و ما أخسر المشقة وراءها العقاب و أربح الدعة معها الأمان من النار

 بيان الدهقان بكسر الدال و ضمها رئيس القرية و الشد العدو و اشتد عدا و تشقون به لعله لكون غرضهم التسلط على الناس و الجور عليهم للتقرب عند الإمام و إظهاره عند الناس أو يكون غرضه ع تعليمهم و نهيهم عن فعل ذلك مع غيره ع من أئمة الجور

369-  كتاب صفين، لنصر بن مزاحم روى عن عبد الرحمن بن عبيد الله قال لما أراد علي ع المسير إلى الشام دعا من كان معه من المهاجرين و الأنصار فجمعهم ثم حمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم الحكم مباركو الأمر مقاويل بالحق و قد عزمنا على المسير إلى عدونا و عدوكم فأشيروا علينا برأيكم فقام هاشم بن عتبة و عمار بن ياسر و قيس بن سعد بن عبادة و سهل بن حنيف فصوبوا رأيه و بذلوا إليه نصرته

 أقول و تركنا كلامهم مخالفة التطويل و الإسهاب

  -370  ثم روى نصر عن معبد قال قام علي ع على منبره خطيبا فكنت تحت المنبر أسمع تحريضه الناس و أمره لهم بالمسير إلى صفين فسمعته يقول سيروا إلى أعداء الله سيروا إلى أعداء القرآن و السنن سيروا إلى بقية الأحزاب و قتلة المهاجرين و الأنصار فعارضه رجل من بني فزارة و وطأه الناس بأرجلهم و ضربوه بنعالهم حتى مات فوداه أمير المؤمنين من بيت المال فقام الأشتر و قال يا أمير المؤمنين لا يهدنك ما رأيت و لا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن إلى آخر ما قال رفع الله مقامه و بالغ في إظهاره الثبات على الحق و بذل النصرة فقال ع الطريق مشترك و الناس في الحق سواء و من اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى ما عليه ثم نزل ع عن المنبر فدخل منزله فدخل عليه عبد الله بن المعتم العبسي و حنظلة بن الربيع التميمي و التمسا منه ع أن يستأني بالأمر و يكاتب معاوية و لا يعجل في القتال فتكلم أمير المؤمنين ع و قال بعد حمد الله و الثناء عليه أما بعد فإن الله وارث العباد و البلاد و رب السماوات السبع و الأرضين السبع و إليه ترجعون يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء أما الدبرة فإنها على الضالين العاصين ظفروا أو ظفر بهم و ايم الله إني لأسمع كلام قوم ما يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا فقال الحاضرون هما من أصحاب معاوية و يكاتبانه و كثر الكلام بين أصحابه في ذلك

  -371  و روى نصر عن عبد الله بن شريك قال خرج حجر بن عدي و عمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشام فأرسل علي ع إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا يا أمير المؤمنين أ لسنا محقين قال بلى قالا فلم منعتنا من شتمهم قال كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون و تبرءون و لكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا و كذا و من أعمالهم كذا و كذا كان أصوب في القول و أبلغ في العذر و لو قلتم مكان لعنكم إياهم و براءتكم منهم اللهم أحقن دماءهم و دماءنا و أصلح ذات بينهم و بيننا و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من جهله و يرعوي عن الغي و العدوان منهم من لج به لكان أحب إلي و خيرا لكم فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك و نتأدب بأدبك

 قال نصر و قال له عمرو بن الحمق يومئذ و الله يا أمير المؤمنين إني ما أجبتك و لا بايعتك على قرابة بيني و بينك و لا إرادة مال تؤتينيه و لا إرادة سلطان ترفع به ذكري و لكني أجبتك بخصال خمس أنك ابن عم رسول الله ص و أول من آمن به و زوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد و وصيه و أبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله و أسبق الناس إلى الإسلام و أعظم المهاجرين سهما في الجهاد فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي و نزح البحور الطوامي حتى يأتي علي يومي في أمر أقوي به وليك و أهين به عدوك ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك فقال علي ع اللهم نور قلبه بالتقى و اهده إلى صراطك المستقيم ليت أن في جندي مائة مثلك فقال حجر إذا و الله يا أمير المؤمنين صح جندك و قل فيهم من يغشك قال و كتب علي ع إلى عماله حينئذ يستنفرهم فكتب إلى مخنف بن سليم سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه و هب في نعاس العمى و الضلال اختيارا له فريضة على العارفين إن الله يرضى عمن أرضاه و يسخط على من عصاه و إنا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله في كتاب الله بغير ما أنزل الله و استأثروا بالفي‏ء و عطلوا الحدود و أماتوا الحق و أظهروا في الأرض الفساد و اتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين فإذا ولي الله أعظم أحداثهم أبغضوه و أقصوه و حرموه و إذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه و أدنوه و بروه فقد أصروا على الظلم و أجمعوا على الخلاف و قديما ما صدوا عن الحق و تعاونوا على الإثم و كانوا ظالمين فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك و أقبل إلينا لعلك تلقى معنا هذا العدو المحل فتأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تجامع المحق و تباين المبطل فإنه لا غناء بنا و لا بك عن أجر الجهاد و حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و كتب عبيد الله بن أبي رافع في سنة سبع و ثلاثين قال فاستعمل مخنف على أصبهان الحارث بن أبي الحارث بن الربيع و استعمل على همدان سعيد بن وهب و أقبل حتى شهد مع علي ع صفين قال و كتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى علي يذكر له اختلاف أهل البصرة فكتب علي ع إليه أما بعد فقد قدم علي رسولك و قرأت كتابك تذكر فيه حال أهل البصرة و اختلافهم بعد انصرافي عنهم و سأخبرك عن القوم هم بين مقيم لرغبة يرجوها أو خائف من عقوبة يخشاها فارغب راغبهم بالعدل عليه و الإنصاف له و الإحسان إليه و احلل عقدة الخوف عن قلوبهم و انته إلى أمري و أحسن إلى هذا الحي من ربيعة و كل من قبلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله

 قال نصر و كتب إلى الأسود بن قصبة أما بعد فإنه من لم ينتفع بما وعظ لم يحذر ما هو غابر و من أعجبته الدنيا رضي بها و ليست بثقة فاعتبر بما مضى تحذر ما بقي و اطبخ للمسلمين قبلك من الطلا ما يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه و أكثر لنا من لطف الجند و اجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند فإن للولدان علينا حقا و في الذرية من يخاف دعاؤه و هو لهم صالح و السلام

 و كتب إلى بعض ولاته بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عامر أما بعد فإن خير الناس عند الله عز و جل أقومهم لله بالطاعة فيما له و عليه و أقولهم بالحق و لو كان مرا فإن الحق به قامت السماوات و الأرض و لتكن سريرتك كعلانيتك و ليكن حكمك واحدا و طريقتك مستقيمة فإن البصرة مهبط الشيطان فلا تفتحن على يد أحد منهم بابا لا نطيق سده نحن و لا أنت و السلام

 و كتب ع إلى عبد الله بن العباس بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس أما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلاة المسلمين و فيئهم فاقسمه على من قبلك حتى تغنيهم و ابعث إلينا بما فضل نقسمه فيمن قبلنا و السلام

 و أيضا كتب ع إلى عبد الله بن عباس بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس أما بعد فإن الإنسان قد يسره درك ما لم يكن ليفوته و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه و إن جهد فليكن سرورك فيما قدمت من حكم أو منطق أو سيرة و ليكن أسفك على ما فرطت لله من ذلك و دع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر به حزنا و ما أصابك فيها فلا تبغ به سرورا و ليكن همك فيما بعد الموت و السلام

 أقول ثم ذكر كتابه ع إلى معاوية و جوابه كما سيأتي ثم قال و كتب إلى عمرو بن العاص أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها و صاحبها مقهور فيها لم يصب منها شيئا قط إلا فتحت له حرصا و أدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغه و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أجرك أبا عبد الله و لا تجارين معاوية في باطله فإن معاوية غمص الناس و سفه الحق فكتب إليه عمرو بن العاص من عمرو بن العاص إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا و ألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق و أن تجيب إلى ما تدعون إليه من شورى فصبر الرجل منا نفسه على الحق و عذره الناس بالمحاجزة و السلام فجاء الكتاب إلى علي ع قبل أن يرتحل من النخيلة

  قال نصر روى عمر بن سعد عن أبي روق قال قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بديل بن ورقاء إن يومنا و يومهم ليوم عصيب ما يصبر عليه إلا كل قوي القلب صادق النية رابط الجأش و ايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منا و منهم إلا رذالا قال عبد الله بن بديل و أنا و الله أظن ذلك فقال علي ع ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه و لا يسمعه منكم سامع إن الله كتب القتل على قوم و الموت على آخرين و كل آتية منيته كما كتب الله لكم فطوبى للمجاهدين في سبيل الله و المقتولين في طاعته فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله و أثنى عليه ثم قال سر بنا إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم و عملوا في عباد الله بغير رضا الله فأحلوا حرامه و حرموا حلاله و استهواهم الشيطان و وعدهم الأباطيل و مناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى و قصد بهم قصد الردى و حبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجازنا موعود ربنا و أنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله ص رحما و أفضل الناس سابقة و قدما و هم يا أمير المؤمنين يعلمون منك مثل الذي علمنا و لكن كتب عليهم الشقاء و مالت بهم الأهواء و كانوا ظالمين فأيدينا مبسوطة لك بالسمع و الطاعة و قلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة و أنفسنا بنورك جذلة على من خالفك و تولى الأمر دونك و الله ما أحب أن لي ما على الأرض مما أقلت و ما تحت السماء مما أظلت و إني واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك فقال علي ع اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك و المرافقة لنبيك ثم إن عليا صعد المنبر فخطب الناس و دعاهم إلى الجهاد فبدأ بحمد الله و الثناء عليه ثم قال إن الله قد أكرمكم بدينه و خلقكم لعبادته فانصبوا أنفسكم في أدائها و تنجزوا موعودة و اعلموا أن الله جعل أمراس الإسلام متينة و عراه وثيقة ثم جعل الطاعة حظ الأنفس و رضا الرب و غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة و قد حملت أمر أسودها و أحمرها و لا قوة إلا بالله و نحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه و تناول ما ليس له و ما لا يدركه معاوية و جنده الفئة الطاغية الباغية يقودهم إبليس و يبرق لهم بيارق تسويفه و يدليهم بغروره و أنتم أعلم الناس بالحلال و الحرام فاستغنوا بما علمتم و احذروا ما حذركم الله من الشيطان و ارغبوا فيما هيأ لكم عنده من الأجر و الكرامة و اعلموا أن المسلوب من سلب دينه و أمانته و المغرور من آثر الضلالة على الهدى فلا أعرفن أحدا منكم تقاعس عني و قال في غيري كفاية فإن الذود إلى الذود إبل من لا يذد عن حوضه يهدم ثم إني آمركم بالشدة في الأمر و الجهاد في سبيل الله و أن لا تغتابوا مسلما و انتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله ثم قام ابنه الحسن ع فقال الحمد لله لا إله غيره وحده لا شريك له ثم إن مما عظم الله عليكم من حقه و أسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره و لا يؤدى شكره و لا يبلغه قول و لا صفة و نحن إنما غضبنا لله و لكم فإنه من علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه و بلاءه و نعماءه قول يصعد إلى الله فيه الرضا و تنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا و نستوجب فيه المزيد من ربنا قولا يزيد و لا يبيد فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم و استحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية و جنوده فإنه قد حضر و لا تخاذلوا فإن الخذلان يقطع نياط القلوب و إن الإقدام على الأسنة نجدة و عصمة لأنه لم يمتنع قوم قط إلا دفع الله عنهم العلة و كفاهم جوائح الذلة و هداهم إلى معالم الملة ثم أنشد

و الصلح تأخذ منه ما رضيت به و الحرب بكفيك من أنفاسها جرع

ثم قام الحسين ع فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله و قال يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء و الشعار دون الدثار فجدوا في إحياء ما دثر بينكم و تسهيل ما توعر عليكم ألا إن الحرب شرها ذريع و طعمها فظيع و هي جرع مستحساة فمن أخذ لها أهبتها و استعد لها عدتها و لم يألم كلومها عند حلولها فذاك صاحبها و من عاجلها قبل أوان فرصتها و استبصار سعيه فيها فذاك قمن أن لا ينفع قومه و أن يهلك نفسه نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفئة ثم نزل

 قال نصر فأجاب عليا ع إلى المسير جل الناس إلا أن أصحاب عبد الله بن مسعود أتوه و فيهم عبيدة السلماني و أصحابه فقالوا له إنا نخرج معكم و لا ننزل عسكركم و نعسكر علا حدة حتى ننظر في أمركم و أمر أهل الشام فمن رأيناه أراد ما لا يحل له أو بدا لنا منه بغي كنا عليه فقال لهم علي ع مرحبا و أهلا هذا هو الفقه في الدين و العلم بالسنة من لم يرض فهو خائن جائر و أتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود فيهم ربيع بن خثيم و هم يومئذ أربعمائة رجل فقالوا يا أمير المؤمنين إنا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك و لا غناء بنا و لا بك و لا بالمسلمين عمن يقاتل العدو فولنا بعض هذه الثغور نكون به نقاتل عن أهله فوجهه علي ع إلى ثغر الري فكان أول لواء عقده بالكوفة لواء ربيع بن خثيم

372-  نصر عن عمر بن سعد عن ليث بن أبي سليم قال دعا علي ع باهلة فقال يا معشر باهلة أشهد الله أنكم تبغضوني و أبغضكم فخذوا عطاءكم و أخرجوا إلى الديلم و كانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه إلى صفين

373-  و عن عبد الله بن عوف قال إن عليا ع لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة قال و كان كتب علي ع إلى ابن عباس أما بعد فاشخص إلي بمن قبلك من المسلمين و المؤمنين و ذكرهم بلائي عندهم و عفوي عنهم و استبقائي لهم و رغبهم في الجهاد و أعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل و السلام قال فلما وصل كتابه إلى ابن عباس بالبصرة قام في الناس فقرأ عليهم الكتاب و حمد الله و أثنى عليه و قال يا أيها الناس استعدوا للشخوص إلى إمامكم و انفروا خفافا و ثقالا و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن و لا يعرفون حكم الكتاب و لا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين و ابن عم رسول الله ص الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر و الصادع بالحق و القيم بالهدى و الحاكم بحكم الكتاب الذي لا يرتشي في الحكم و لا يداهن الفجار و لا تأخذه في الله لومة لائم فقام إليه الأحنف بن قيس فقال نعم و الله لنجيبنك و لنخرجن معك على العسر و اليسر و الرضا و الكره نحتسب في ذلك الخير و نأمل به من الله العظيم من الأجر و قام إليه خالد بن معمر السدوسي فقال سمعنا و أطعنا فمتى استنفرتنا نفرنا و متى دعوتنا أجبنا و قام إليه عمرو بن مرحوم العبدي فقال وفق الله أمير المؤمنين و جمع له أمر المسلمين و لعن المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن نحن و الله عليهم حنقون و لهم في الله مفارقون فمتى أردتنا صحبك خيلنا و رجلنا إن شاء الله فأجاب الناس إلى المسير و نشطوا و خفوا و استعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدؤلي و خرج حتى قدم على علي ع بالنخيلة و أمر علي الأسباع من أهل الكوفة فأمر سعد بن مسعود الثقفي على قيس و عبد القيس و معقل بن قيس اليربوعي على تميم و ضبة و الرباب و قريش و كنانة و الأسد و مخنف بن سليم على الأزد و بجيلة و خثعم و الأنصار و خزاعة و حجر بن عدي الكندي على كندة و حضرموت و قضاعة و مهرة و زياد بن النضر على مذحج و الأشعريين و سعيد بن قيس بن مرة على همدان و من معهم من حمير و عدي بن حاتم على طي‏ء

 قال نصر و أمر علي ع الحارث الأعور أن ينادي في الناس اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة فنادى بذلك و استخلف عقبة بن عمرو الأنصاري على الكوفة ثم خرج و خرج الناس

بيان بقية الأحزاب أي أحزاب الشرك الذين تحزبوا على رسول الله ص و قوله ع الطريق مشترك أي طريق الحق مشترك بيني و بينكم يجب عليكم سلوكه كما يجب علي و الدبرة بالتحريك الهزيمة في القتال أي هم المنهزمون عن الحق و المدبرون عنه و إن ظفروا أو يلحقهم ضررها و عقابها. و طما البحر ارتفع بأمواجه و الهب الانتباه من النوم و نشاط كل سائر و سرعته و هب يفعل كذا طفق ذكرها الفيروزآبادي و قال رجل محل أي منتهك للحرام أو لا يرى للشهر الحرام حرمة. و أكثر لنا من لطف الجند أي ابعث الطلا إلينا كثيرا من جملة لطف الجند أي طعامهم قال في القاموس اللطف بالتحريك اليسير من الطعام و غيره و بهاء الهدية انتهى. و يمكن أن يقرأ لنأمن على الفعل من الأمن أي إذا علم الجند أن أرزاق أولادهم موفرة لا يخونوننا في لطفهم و عطفهم و هو لهم صالح أي الطلا صالح للذرية و الأطفال. غمص الناس أي احتقرهم و لم يرهم شيئا و سفه الحق أي جهله أو عده سفها و يوم عصيب و عصبصب شديد و فلان رابط الجأش شجاع و هو جذل بالذال أي فرح و بالرأي أي صاحب رأي جيد و شديد. و الأمراس الحبال إلى من سفه نفسه أي جعلها سفيهة استعمل استعمال المتعدي فهو في قوة سفه نفسا. و ما لا يدركه أي الخلافة الواقعية و برقت السماء لمعت أو جاءت تبرق و البارق سحاب ذو برق. و قال الجوهري الذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر و هي مؤنثة لا واحد لها من لفظها و الكثير أذواد و في المثل الذود إلى الذود إبل قولهم إلى بمعنى مع أي إذا جمعت القليل مع القليل صار كثيرا. و قال الزمخشري في المستقصى من لا يزد عن حوضه يهدم من قول زهير

و من لا يزد عن حوضه بسلاحه يهدم و من لا يظلم الناس يظلم

يضرب مثلا في تهضم غير المدافع عن نفسه انتهى. و قال أبو عبيد أي من لا يدفع الضيم عن نفسه يركب بالظلم

 أقول روى ابن أبي الحديد أكثر ما رويناه عن نصر فجمعنا بين الروايتين ثم قال نصر و ابن أبي الحديد و دعا علي ع زياد بن النضر و شريح بن هانئ و كانا على مذحج و الأشعريين فقال يا زياد اتق الله في كل ممسى و مصبح و خف على نفسك الدنيا الغرور و لا تأمنها على حال من البلاء و اعلم أنك إن لم تزعها عن كثير مما تحب مخافة مكروهه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر فكن لنفسك مانعا وازعا من البغي و الظلم و العدوان فإني قد وليتك هذا الجند فلا تستطيلن عليهم إن خيركم عند الله أتقاكم و تعلم من عالمهم و علم جاهلهم و احلم عن سفيههم فإنك إنما تدرك الخير بالحلم و كف الأذى و الجهل فقال زياد أوصيت يا أمير المؤمنين حافظا لوصيتك مؤدبا بأدبك يرى الرشد في نفاذ أمرك و الغي في تضييع عهدك فأمرهما أن يأخذا على طريق واحد و لا يختلفا و بعثهما في اثني عشر ألفا على مقدمته و كل منهما على جماعة من هذا الجيش فلما سارا اختلفا و كتب كل منهما إليه يشكو من صاحبه فكتب ع إليهما من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن النضر و شريح بن هانئ سلام عليكما فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني وليت زياد بن النضر مقدمتي و أمرته عليها و شريح على طائفة منها أمير فإن جمعكما بأس فزياد على الناس كلهم و إن افترقتما فكل واحد منكما أمير على الطائفة التي وليته عليها و اعلما أن مقدمة القوم عيونهم و عيون المقدمة طلائعهم و إذا أنتما خرجتما من بلادكما و دنوتما من بلاد عدوكما فلا تسأما من توجيه الطلائع و من نفض الشعاب و الشجر و الخمر في كل جانب كيلا يعتريكما عدو أو يكون لهم كمين و لا تسيرن الكتائب من لدن الصباح إلى المساء إلا على تعبئة فإن دهمكم دهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبئة فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم عدو فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون لكم ردءا و دونكم مردا و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين و اجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال و مناكب الهضاب لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن و إياكم و التفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا و إذا رحلتم فارحلوا جميعا و إذا غشيكم الليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح و الترسة و لتكن رماتكم من وراء ترستكم و رماحكم يلونهم و ما أقمتم فكذلكم فافعلوا كيلا تصاب لكم غفلة و لا تلفى لكم غرة فما من قوم يحفون عسكرهم برماحهم و ترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون و احرسا عسكركما بأنفسكما و إياكما أن تذوقا نوما حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة ثم ليكن ذلك شأنكما و رأيكما إلى أن تنتهيا إلى عدوكما و ليكن عندي كل يوم خبركما و رسول من قبلكما فإنني و لا شي‏ء إلا ما شاء الله حثيث السير في آثاركما و عليكما في حربكما بالتوأدة و إياكما و العجلة إلا أن يمكنكما فرصة بعد الإعذار و الحجة و إياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدءا أو يأتيكما أمري إن شاء الله

 أقول أورد ابن ميثم هذا المكتوب في شرحه و أورد السيد الرضي رضي الله عنه في النهج بعض هذا المكتوب على خلاف الترتيب و آخره و إذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفة و لا تذوقوا النوم إلا غرارا أو مضمضة. و قال ابن ميثم العين الجاسوس و طليعة الجيش الذي يبعث ليطلع على حال العدو و نفض الشعاب استقراؤها. أقول قال في النهاية فيه أنا أنفض لك ما حولك أي أحرسك و أطوف هل أرى طلبا يقال نفضت المكان و استنفضته و تنفضته إذا أظهرت نظرت جميع ما فيه و النفضة و النفيضة قوم يبعثون متجسسين هل يرون عدوا أو خوفا. و قال ابن ميثم الخمر ما واراك من شجر أو جبل و نحوهما و الكمين الواحد أو الجمع يستخفون في الحرب حيلة للإيقاع بالعدو و الكتيبة الجيش و تعبئته جمعه و إعداده و تكرير الاستثناء في عقيب النهي عن تسيير الكتائب للحصر أما الأولى فيفيد حصر التسيير في الوقت المشار إليه و أما الثانية فيفيد حصره في حال التعبئة. و دهمه الأمر كمنع و سمع غشيه و الدهم العدد الكثير و المعسكر بفتح الكاف موضع العسكر. و قال الجوهري الأشراف الأماكن العالية و قال القبل و القبل نقيض الدبر و الدبر يقال انزل بقبل هذا الجبل أي بسفحه و لي قبل فلان حق أي عنده و سفح الجبل أسفله حيث يسفح فيه الماء و الثني من الوادي و الجبل منعطفه ذكره الجوهري و الردء العون في المقاتلة قوله ع مردا أي حاجزا بينكم و بين العدو أي تكون تلك الأماكن حافظة لكم من ورائكم مانعة من العدو أن يأتيكم من تلك الجهة و بذلك كانت معينة لهم. ثم وصاهم بأن يكون مقاتلتهم من وجه واحد فإن لم يكن فمن وجهين حيث يحفظ بعضهم ظهر بعض و أما المقاتلة من وجوه كثيرة فتستلزم التفرق و الضعف. و الرقباء الحفظة و قال الفيروزآبادي في القاموس الرقيب الحافظ و المنتظر و الحارس و أصل الصياصي القرون ثم استعير للحصون لأنه يمتنع بها كما يمتنع ذو القرن بقرنه. و قال ابن ميثم صياصي الجبال أعاليها و أطرافها و مناكب الهضاب أعاليها. و قال الجوهري الهضبة الجبل المنبسط على وجه الأرض و الجمع هضب و هضاب. قوله ع كفة قال ابن أبي الحديد أي مستديرة حولكم و كل ما استدار فهو كفة بالكسر نحو كفة الميزان و كل ما استطال فهو كفة بالضم نحو كفة الثوب و هي حاشيته و كفة الرمل و هي ما كان منه كالحبل. و قال في النهاية غرار النوم قلته و قال في مادة مضمض نقلا عن الهروي في حديث علي لا تذوقوا النوم إلا غرارا أو مضمضة لما جعل النوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه إلا بألسنتهم و لا يسيغوه لشبهه بالمضمضة بالماء و إلقائه من الفم من غير ابتلاع انتهى. و الترسة جمع الترس و قوله ع و لا شي‏ء إلا ما شاء الله جملة معترضة بين اسم إن و خبره قوله ع إلا أن تبدءا على بناء المجهول أي يبدؤكم العدو بالقتال

374-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أميرين من أمراء جيشه و قد أمرت عليكما و على من في حيزكما مالك بن الحارث الأشتر فاسمعا له و أطيعاه و اجعلاه درعا و مجنا فإنه ممن لا يخاف وهنه و لا سقطته و لا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم و لا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل

 بيان قال ابن ميثم الأميران هما زياد بن النضر و شريح بن هانئ و ذلك أنه حين بعثهما مقدمة له في اثني عشر ألفا لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام فكتبا إليه يعلمانه بذلك فأرسل إلى الأشتر فقال له يا مالك إن زياد بن النضر و شريحا أرسلا إلي يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجا إلى أصحابك النجا فإذا أتيتهم فأنت عليهم و إياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن يبدءوك حتى تلقاهم و تسمع منهم. و لا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم و الإعذار إليهم مرة بعد مرة. و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا و قف من أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم إليك فإني حثيث السير إليك إن شاء الله. و كتب إليهما أما بعد فإني أمرت عليكما إلى آخر الكتاب. و الحيز الناحية و السقطة الزلة و الأمثل الأفضل

375-  و قال ابن أبي الحديد قال نصر بن مزاحم و كتب ع إلى أمراء الأجناد و كان قد قسم عسكره أسباعا فجعل على كل سبع أميرا أما بعد فإني أبرأ إليكم من معرة الجنود فاعزلوا الناس عن الظلم و العدوان و خذوا على أيدي سفهائكم و احرسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد بها علينا و عليكم دعاءنا فإنه تعالى يقول ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ و إن الله إذا أمقت قوما من السماء هلكوا في الأرض فلا تألوا أنفسكم خيرا و لا الجند حسن سيرة و لا الرعية معونة و لا دين الله قوة و أبلوه في سبيله ما استوجب عليكم فإن الله قد اصطنع عندنا و عندكم ما يجب علينا أن نشكره بجهدنا و أن ننصره ما بلغت قوتنا و لا حول و لا قوة إلا بالله

  -376  قال و كتب ع إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم و عليهم أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم و أحمركم و جعلكم من الوالي و جعل الوالي منكم بمنزلة الولد من الوالد و الوالد من الولد فجعل لكم عليه إنصافكم و التعديل بينكم و الكف عن فيئكم فإذا فعل معكم ذلك وجبت عليكم طاعته فيما وافق الحق و نصرته و الدفع عن سلطان الله فإنكم وزعة الله في الأرض فكونوا له أعوانا و لدينه أنصارا و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إن الله لا يحب المفسدين

377-  قال نصر و روي عن ابن نباتة قال قال علي ع ما يقول الناس في هذا القبر بالنخيلة و بالنخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله فقال الحسن بن علي ع يقولون هذا قبر هود لما عصاه قومه جاء فمات هاهنا فقال كذبوا لأنا أعلم به منهم هذا قبر يهود بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب ثم قال أ هاهنا أحد من مهرة فأتي بشيخ فقال أين منزلك قال على شاطئ البحر قال أين أنت من الجبل الأحمر قال أنا قريب منه قال فما يقول قومك فيه قال يقولون إن فيه قبر ساحر قال كذبوا ذاك قبر هود النبي ع و هذا قبر يهود بن يعقوب بكرة ثم قال يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفا على غرة الشمس يدخلون الجنة بلا حساب

 378-  قال نصر فلما نزل على النخيلة متوجها إلى الشام و بلغ معاوية خبره و هو يومئذ بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان مختضبا بالدم و حول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله فخطبهم و حثهم على القتال فأعطوه الطاعة و انقادوا له و جمع إليه أطرافه و استعد للقاء علي ع بيان وجدت الحديث في كتاب صفين مثله. و قال في النهاية فيه اللهم إني أبرأ إليك من معرة الجيش هو أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زروعهم بغير علم. و قيل هو قتال الجيش بدون إذن الأمير و المعرة الأمر القبيح المكروه و الأذى انتهى. و التعميم أولى أي إني أبرأ إليكم من كل ما فعلتموه و فعل جنودكم من الظلم و العدوان فإني أنهاكم عنه و أعلمكم آداب السير و النزول فلا تألوا أنفسكم خيرا أي لا تقصروا في كسب الخير لأنفسكم و لا في أمر الجند بحسن السيرة و لا في إعانة الرعية و لا في تقوية الدين و أبلوه أي أعطوه. و في النهاية فيه أقيد من وزعة الله الوزعة جمع وازع و هو الذي يكف الناس و يحبس أولهم على آخرهم أراد أقيد من الذين يكفون الناس عن الإقدام على الشر و منه حديث الحسن لما ولي القضاء قال لا بد للناس من وزعة أي من يكف بعضهم عن بعض يعني السلطان و أصحابه

379-  و قال ابن أبي الحديد في شرح النهج، ]نهج البلاغة[ قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين و وجدته في أصل كتابه أيضا قال لما وضع علي ع رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين قال بسم الله فلما جلس على ظهرها قال سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في الأهل و المال و الولد و من الحيرة بعد اليقين اللهم أنت الصاحب في السفر و أنت الخليفة في الأهل و لا يجمعهما غيرك لأن المستخلف لا يكون مستصحبا و المستصحب لا يكون مستخلفا قال فخرج ع حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين

380-  و روي عن زيد بن علي عن آبائه ع أن عليا ع خرج و هو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه فقال أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم سفر ألا و من صحبنا فلا يصومن المفروض و الصلاة المفروضة ركعتان قال نصر ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى و هو من الكوفة على فرسخين فلما انصرف من الصلاة قال سبحان الله ذي الطول و النعم سبحان الله ذي القدرة و الإفضال أسأله الرضا بقضائه و العمل بطاعته و الإنابة إلى أمره إنه سميع الدعاء ثم خرج ع حتى نزل على شاطئ نرس بين مسجد حمام أبي بردة و حمام عمر فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال الحمد لله الذي يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و الحمد لله كلما وقب ليل و غسق و الحمد لله كلما لاح نجم و خفق ثم أقام حتى صلى الغداة ثم شخص حتى بلغ إلى بيعة إلى جانبها نخل طوال فلما رآها قال وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ فنزلها و مكث بها قدر الغذاء

381-  قال نصر و روي عن محمد بن مخنف أنه قال إني لأنظر إلى أبي و هو يساير عليا ع و هو يقول إن بابل أرض قد خسف بها فحرك دابته و حرك الناس دوابهم في أثره فلما جاز جسر الصراة نزل فصلى بالناس العصر

382-  قال و حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن عبد خير قال كنت مع علي ع أسير في أرض بابل قال و حضرت الصلاة صلاة العصر قال فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح من الآخر قال حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا و قد كادت الشمس أن تغيب قال و نزل علي ع و نزلت معه قال فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر قال فصلينا العصر ثم غابت الشمس ثم خرج حتى أتى دير كعب ثم خرج منه فبات بساباط فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل و الطعام فقال لا ليس ذلك لنا عليكم فلما أصبح و هو بمظلم ساباط قال أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ

383-  قال نصر و حدثنا منصور بن سلام عن حيان التيمي عن أبي عبيدة عن هرثمة بن سليم قال غزونا مع علي ع صفين فلما نزل بكربلاء صلى بنا فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال واها لك يا تربة ليحشرن معك قوم يدخلون الجنة بغير حساب قال فلما رجع هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء بنت سمير و كانت من شيعة علي ع حدثها هرثمة فيما حدث فقال لها أ لا أعجبك من صديقك أبي حسن قال لما نزلنا كربلاء و قد أخذ حفنة من تربتها فشمها و قال واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب و ما علمه بالغيب فقالت المرأة له دعنا منك أيها الرجل فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا قال فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين ع كنت في الخيل التي بعث إليهم فلما انتهيت إلى الحسين و أصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي و البقعة التي رفع من تربتها و القول الذي قاله فكرهت مسيري فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ع فسلمت عليه و حدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل فقال الحسين ع أ معنا أم علينا فقلت يا ابن رسول الله لا معك و لا عليك تركت ولدي و عيالي و أخاف عليهم من ابن زياد فقال ع اذهب حتى لا ترى مقتلنا فو الذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم أحد مقتلنا ثم لا يعيننا إلا دخل النار قال فأقبلت في الأرض اشتد هربا حتى خفي علي مقتلهم

384-  و روي أيضا عن سعيد بن وهب قال بعثني مخنف بن سليم إلى علي ع عند توجهه إلى صفين فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده و يقول هاهنا هاهنا فقال له رجل و ما ذاك يا أمير المؤمنين فقال ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم و ويل لكم منهم فقال له الرجل ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين قال ويل لهم منكم تقتلونهم و ويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم إلى النار

 قال نصر و قد روي هذا الكلام على وجه آخر قال فويل لكم منهم و ويل لكم عليهم فقال الرجل أما ويل لنا منهم فقد عرفناه فويل لنا عليهم ما معناه فقال ترونهم يقتلون و لا تستطيعون نصرتهم

385-  قال نصر و حدثنا سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا ع أتى كربلاء فوقف بها فقيل له يا أمير المؤمنين هذه كربلاء فقال نعم ذات كرب و بلاء ثم أومأ بيده إلى مكان آخر فقال هاهنا موضع رحالهم و مناخ ركابهم ثم أومى بيده إلى مكان آخر ثم قال هاهنا مراق دمائهم ثم مضى إلى ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهرسير

386-  نهج، ]نهج البلاغة[ من خطبة له ع عند المسير إلى الشام الحمد لله كلما وقب ليل و غسق و الحمد لله كلما لاح نجم و خفق و الحمد لله غير مفقود الإنعام و لا مكافإ الإفضال أما بعد فقد بعثت مقدمتي و أمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري و قد رأيت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين أكناف دجلة فأنهضهم معكم إلى عدوكم و أجعلكم من أمداد القوة لكم

 قال السيد رضي الله عنه يعني بالملطاط السمت الذي أمرهم بلزومه و هو شاطئ الفرات و يقال ذلك أيضا لشاطئ البحر و أصله ما استوى من الأرض و يعني بالنطفة ماء الفرات و هو من غريب العبارات و عجيبها. بيان قال ابن ميثم روي أنه ع خطب بها و هو بالنخيلة خارجا من الكوفة متوجها إلى صفين لخمس بقين من شوال سنة سبع و ثلاثين. و وقب الليل أي دخل و غسق أي أظلم و لاح أي ظهر و خفق النجم و أخفق إذا انحط في الغرب أو غاب و كافأته مكافاة و كفاء أي جازيته و كل شي‏ء ساوى شيئا فهو مكافئ له و الإفضال الإحسان و مقدمة الجيش بالكسر و قد يفتح أوله و متقدموه و النطفة بالضم الماء الصافي قل أو كثر و الشرذمة بالكسر القليل من الناس و الجار متعلق بمحذوف أي متوجها إليهم و أوطن المكان و وطنه و استوطنه اتخذه وطنا و المراد قوم من أهل المدائن روي أنهم كانوا ثمانمائة رجل و الكنف بالتحريك الجانب و الناحية و نهض كمنع قام و أنهضه غيره أقامه و الأمداد جمع مدد بالتحريك و هو المعين و الناصر

 و قال ابن الحديد و زاد أصحاب السير في هذه الخطبة و قد أمرت على المصر عقبة بن عمرو و لم آلكم و لا نفسي نصحا فإياكم و التخلف و التربص فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي و أمرته أن لا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله

 و روى نصر بن مزاحم عوض قوله إلى عدوكم إلى عدو الله

387-  أقول وجدت في كتاب صفين، زيادة و هي الحمد لله غير مفقود النعم و لا مكافإ الإفضال و أشهد أن لا إله إلا الله و نحن على ذلك من الشاهدين و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أما بعد

 و قال نصر فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال يا أمير المؤمنين و الله ما يتخلف عنك إلا ظنين و لا يتربص بك إلا منافق فمر مالك بن حبيب فيضرب أعناق المتخلفين فقال قد أمرته بأمري و ليس بمقصر إن شاء الله

 قال و قال مالك بن حبيب و هو آخذ بعنان دابته ع يا أمير المؤمنين أ تخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد و القتال و تخلفني في حشر الرجال فقال له علي ع إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه و أنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم قال سمعا و طاعة يا أمير المؤمنين

 قال نصر ثم سار ع حتى انتهى إلى مدينة بهرسير و إذا رجل من أصحابه يقال له جرير بن سهم ينظر إلى آثار كسرى و يتمثل بقول الأسود بن يعفر جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد فقال ع أ لا قلت كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم و كفر النعم لا تحل بكم النقم ثم قال أنزلوا بهذه الفجوة

388-  قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن مسلم الأعور عن حبة العرني قال أمر علي ع الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في الساعة فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم و انقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم الهالك أكثر ساكنيها لا معروف تأمرون به و لا منكر تنهون عنه قالوا يا أمير المؤمنين كنا ننتظر أمرك مرنا بما أحببت فسار و خلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة رجل منهم و خلف ابنه زيدا بعده فلحقه في أربعمائة رجل منهم و جاء علي ع حتى مر بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها

 قال نصر الكلمة فارسية أصلها خش أي الطيب و نوشك راض يعني بني الطيب الراضي بالفارسية

 قال فلما استقبلوه نزلوا عن خيولهم ثم جاءوا يشتدون معه و بين يديه و معهم براذين قد أوقفوها في طريقه فقال ما هذه الدواب التي معكم و ما أردتم بهذا الذي صنعتم قالوا أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء و أما هذه البراذين فهدية لك و قد صنعنا للمسلمين طعاما و هيأنا لدوابكم علفا كثيرا فقال ع أما هذا الذي زعمتم أنه فيكم خلق تعظمون به الأمراء فو الله ما ينفع ذلك الأمراء و إنكم لتشقون به على أنفسكم و أبدانكم فلا تعودوا له و أما دوابكم هذه فإن أحببتم أن آخذها منكم و أحسبها لكم من خراجكم أخذناها منكم و أما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم إلا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه قالوا يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي و معارف أ تمنعنا أن نهدي لهم أو تمنعهم أن تقبلوا منا فقال كل العرب لكم موال و ليس لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم و إن غصبكم أحد فأعلمونا قالوا يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا و كرامتنا قال ويحكم فنحن أغنى منكم فتركهم و سار

389-  قال نصر و حدثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي سعيد التيمي المعروف بعقيصا قال كنا مع علي ع في مسيره إلى الشام حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس و احتاجوا إلى الماء فانطلق بنا علي ع حتى أتى إلى صخرة مضرس في الأرض كأنها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا تحتها ماء فشرب الناس منه حتى ارتووا ثم أمرنا فأكفأناها عليه و سار الناس حتى إذا مضى قليلا قال ع أ منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه قالوا نعم يا أمير المؤمنين قال فانطلقوا إليه فانطلق منا رجال ركبانا و مشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه فطلبناه فلم نقدر على شي‏ء إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم قالوا ليس قربنا ماء فقلنا بلى إنا شربنا منه قالوا أنتم شربتم منه قلنا نعم فقال صاحب الدير و الله ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء و ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي

 قال ثم مضى ع حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بجزر فقال ع ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم و من شرابهم فاشرب قال نعم ثم سار حتى الرقة و جل أهلها عثمانية فروا من الكوفة إلى معاوية فأغلقوا أبوابها دونه فتحصنوا و كان رئيسهم سماك بن مخرمة الأسدي بالرقة في طاعة معاوية و قد كان فارق عليا في نحو من مائة رجل من بني أسد ثم كاتب معاوية و أقام بالرقة حتى لحق به منهم سبعمائة رجل

 قال نصر فروى حبة أن عليا ع لما نزل على الرقة نزل على موضع يقال له البليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي ع إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك قال نعم فقرأ الراهب الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى و سطر فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب و الحكمة و يدلهم على سبيل الله لا فظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق و لا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو و يصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر و في كل صعود و هبوط تذل ألسنتهم بالتكبير و التهليل و التسبيح و ينصره الله على من ناواه فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يقضي بالحق و لا يركس في الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن يخاف الله في السر و ينصح له في العلانية و لا يخاف في الله لومة لائم ثم فمن أدرك ذلك النبي ص من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوانه و الجنة و من أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة ثم قال أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك فبكى علي ع ثم قال الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار فمضى الراهب معه فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين ع و يتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال ع اطلبوه فلما وجده صلى عليه و دفنه و قال هذا منا أهل البيت و استغفر له مرارا

  روى هذا الخبر نصر في أواسط الجزء الثالث من كتاب صفين عن عمر بن سعد عن مسلم الأعور عن حبة العرني و رواه أيضا إبراهيم بن ديزيل الهمداني بهذا الإسناد عن حبة أيضا في كتاب صفين

390-  قال نصر و حدثني عمر بن سعد الأسدي عن عمير بن وعلة عن أبي الوداك أن عليا ع بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف و قال له خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فإني موافيها و سكن الناس و آمنهم و لا تقاتل إلا من قاتلك و سر البردين و غور بالناس أقم الليل و رفه في السير و لا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا أرح فيه نفسك و جندك و ظهرك فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر على بركة الله فسار معقل حتى أتى الحديثة و هي إذ ذاك منزل الناس إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا بكبشين ينتطحان و مع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة فأخذ يقول إيه إيه فقال معقل ما تقول فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا فانصرفا فقال الخثعمي لا تغلبون و لا تغلبون قال معقل من أين علمت قال أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا فلم يزل كل واحد من صاحبه منتصفا حتى أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به فقال معقل أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم ثم مضى معقل حتى وافى عليا ع بالرقة

 قال نصر و قالت طائفة من أصحاب علي ع له يا أمير المؤمنين اكتب إلى معاوية و من قبله من قومك فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظما فكتب ع إليهم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية و من قبله من قريش سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل و عرفوا التأويل و فقهوا في الدين و بين الله فضلهم في القرآن الحكيم و أنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول ص مكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه و قتلتموه حتى أراد الله تعالى إعزاز دينه و إظهار أمره فدخلت العرب في الدين أفواجا و أسلمت هذه الأمة طوعا و كرها فكنتم فيمن دخل هذا الدين إما رغبة و إما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم و فاز المهاجرون و الأنصار بفضلهم و لا ينبغي لمن ليست لهم مثل سوابقهم في الدين و لا فضائلهم في الإسلام أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله و أولى به فيحوب و يظلم و لا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره و لا يعدو طوره و يشقى نفسه بالتماس ما ليس بأهله فإن أولى الناس بأمر هذا الأمة قديما و حديثا أقربها من الرسول و أعلمها بالكتاب و أفقهها في الدين أولهم إسلاما و أفضلهم جهادا و أشدهم بما تحمله الرعية من أمر الله اضطلاعا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ و اعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون و أن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم فإن للعالم بعلمه فضلا و إن الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلا جهلا ألا و إني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه ص و حقن دماء هذه الأمة فإن قبلتم أصبتم رشدكم و اهتديتم لحظكم و إن أبيتم إلا الفرقة و شق عصا هذه الأمة لن تزدادوا من الله إلا بعدا و لن يزداد الرب عليكم إلا سخطا و السلام فكتب إليه معاوية جواب هذا الكتاب سطرا واحدا و هو أما بعد فإنه

ليس بيني و بين قيس عتاب غير طعن الكلى و ضرب الرقاب

فقال علي ع لما أتاه هذا الجواب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

391-  قال نصر أخبرني عمر بن سعد عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث أن عليا ع قال لأهل الرقة جسروا لي جسرا أعبر عليه من هذا المكان إلى الشام فأبوا و قد كانوا ضموا السفن إليهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج و خلف عليهم الأشتر فناداهم فقال يا أهل هذا الحصن إني أقسم بالله إن مضى أمير المؤمنين و لم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف فلأقتلن مقاتلتكم و لأخربن أرضكم و لآخذن أموالكم فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما يحلف عليه و إنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر فبعثوا إليه إنا ناصبون لك جسرا فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي ع فجاء و نصبوا له الجسر فعبروا الأثقال و الرجال و أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس أحد إلا عبر ثم عبر آخر الناس

 قال الحجاج و ازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين فنزل فأخذها فركب ثم سقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب فقال لصاحبه

فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا كما زعموا أقتل وشيكا و تقتل

 فقال عبد الله بن أبي الحصين ما شي‏ء أحب إلي مما ذكرت فقتلا معا يوم صفين قال نصر فلما قطع على الفرات دعا زياد بن النضر و شريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو معاوية في اثني عشر ألفا و قد كانا حين سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهما أخذ علي ع طريق الجزيرة و علما أن معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله فقالا و الله ما هذا برأي أن نسير و بيننا و بين أمير المؤمنين هذا البحر و ما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلة من العدد منقطعين عن المدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها و حبسوا عنهم السفن فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت و لحقوا عليا ع بقرية دون قرقيسياء فلما لحقوا عليا ع عجب و قال مقدمتي يأتي من ورائي فأخبره زياد و شريح بالرأي الذي رأيا فقال قد أصبتما رشدكما فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية فلما انتهيا إلى معاوية لقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من الشام و هو على مقدمة معاوية فدعواه إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين ع فأبى فبعثوا إلى علي ع أنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه و أصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبى علينا فمرنا بأمرك فأرسل علي ع إلى الأشتر فقال يا مالك إن زيادا و شريحا أرسلا إلي

 إلى آخر ما مر برواية ابن ميثم قال و كتب علي ع إليهما و كان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي أما بعد فإني قد أمرت عليكما مالكا فاستمعا له و أطيعا أمره فإنه من لا يخاف رهقه و لا سقاطه و لا بطؤه عما الإسراع عليه أحزم و لا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل و قد أمرته بمثل الذي أمرتكما أن لا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم و يدعوهم و يعذر إليهم فخرج الأشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي ع و كف عن القتال و لم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له و اضطربوا ساعة ثم إن أهل الشام انصرفوا ثم خرج إليهم هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عدتها و عددها فخرج إليهم أبو الأعور فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال و صبر بعضهم لبعض ثم انصرفوا و بكر عليهم الأشتر فقتل من أهل الشام عبد الله بن المنذر التنوخي قتله ظبيان بن عمارة التميمي و ما هو يومئذ إلا فتى حديث السن و إن كان الشامي لفارس أهل الشام و أخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة و جاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك فقال الأشتر أ و لو أمرتك بمبارزته فعلت قال نعم و الذي لا إله إلا هو تعالى لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي فعلته حتى أضربه بالسيف فقال يا ابن أخي أطال الله بقاءك قد و الله ازددت فيك رغبة لا ما أمرتك بمبارزته إنما أمرتك أن تدعوه لمبارزتي فإنه لا يبارز إن كان ذلك من شأنه إلا ذوي الأسنان و الكفاءة و الشرف و أنت بحمد الله من هل الكفاءة و الشرف و لكنك حديث السن و ليس يبارز الأحداث فاذهب فادعه إلى مبارزتي فأتاهم فقال أنا رسول فأمنوني فأمنوه فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور فقال له إن الأشتر يدعوك إلى المبارزة قال فسكت عني طويلا ثم قال إن خفة الأشتر و سوء رأيه هو الذي دعاه إلى إجلاء عمال عثمان و افترائه عليه يقبح محاسنه و يجهل حقه و يظهر عداوته و من خفة الأشتر أنه سار إلى عثمان في داره و قراره فقتله فيمن قتله و أصبح متبعا بدمه لا حاجة لي في مبارزته فقلت إنك قد تكلمت فاسمع حتى أجيبك فقال لا حاجة لي في جوابك و لا الاستماع منك اذهب عني و صاح بي أصحابه فانصرفت عنه و لو سمع لأسمعته عذر صاحبي و حجته فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة فقال لنفسه نظر قال فتواقفنا حتى حجز بيننا و بينهم الليل و بتنا متحارسين فلما أن أصبحنا نظرنا فإذا هم انصرفوا قال و صبحنا علي ع غدوة سائرا نحو معاوية فإذا أبو الأعور قد سبق إلى سهولة الأرض و سعة المنزل و شريعة الماء مكان أفيح و كان أبو الأعور على مقدمة معاوية و اسمه سفيان بن عمرو و كان وصول علي ع إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع و ثلاثين

 قال نصر فلما انصرف أبو الأعور عن الحرب راجعا سبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقناصرين إلى جانب صفين و ساق الأشتر يتبعه فوجده غالبا على الماء و كان في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق فصدموا أبا الأعور و أزالوه عن الماء فأقبل معاوية في جميع الفيلق بقضه و قضيضه فلما رآهم الأشتر انحاز إلى علي ع و غلب معاوية و أهل الشام على الماء و حالوا بين أهل العراق و بينه و أقبل علي ع في جموعه فطلب موضعا لعسكره و أمر الناس أن يضعوا أثقالهم و هم أكثر من مائة ألف فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي ع على خيولهم إلى جهة معاوية يطعنون و يرمون بالسهام و معاوية بعد لم ينزل فناوشهم أهل الشام القتال فاقتتلوا هويا

392-  قال نصر فحدثني عمر بن سعد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال فكتب معاوية إلى علي ع عافانا الله و إياك ما أحسن العدل و الإنصاف بمن عمل و أقبح الطيش ثم النفش في الرجل و كتب بعده

اربط حمارك لا تنزع سويته إذا يرد و قيد العير مكروب‏ليست ترى السيد زيدا في نفوسهم كما تراه بنو كوز و مرهوب‏إن تسألوا الحق يعط الحق سائله و الدرع محقبة و السيف مقروب‏أو تأنفون فإنا معشر أنف لا نطعم الضيم إن السم مشروب

فأمر علي ع أن يوزع الناس عن القتال حتى أخذ أهل الشام مصافهم ثم قال أيها الناس إن هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة و من فلج فيه فلج يوم القيامة ثم قال لما رأى نزل معاوية بصفين

لقد أتانا كاشرا عن نابه يهمط الناس على اعتزابه‏فليأتنا الدهر بما أتى به

 قال نصر و كتب علي إلى معاوية جواب كتابه أما بعد

فإن للحرب عراما شررا إن عليها قائدا عشنزراينصف من أحجر أو تنمرا على نواحيها مزجا زمجراإذا ونين ساعة تغشمرا

 و كتب بعده

أ لم تر قومي إذ دعاهم أخوهم أجابوا و إن يغضب على القوم يغضبواهم حفظوا غيبي كما كنت حافظا لقومي أخرى مثلها إذ تغيبوابنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم و آباؤهم آباء صدق فأنجبوا

قال فتراجع الناس كل من الفريقين إلى معسكره و ذهب شباب من الناس إلى الماء ليستقوا فمنعهم أهل الشام

 قال ابن أبي الحديد قلت في هذه الألفاظ ما ينبغي أن يشرح قوله فاقتتلوا هويا بفتح الهاء أي قطعة من الزمان و ذهب هوي من الليل أي هزيع منه و النفش كثرة الكلام و الدعاوي و أصله من نفش الصوف و السوية كساء محشو بثمام و نحوه كالبرزعة و كربت القيد إذا ضيقته على المقيد و قيد مكروب أي ضيق يقول لا تنزع برزعة حمارك عنه و اربطه و قيده و إلا أعيد إليك و قيده ضيق. و هذا مثل ضربه لعلي ع يأمره فيه بأن يردع جيشه عن التسرع و العجلة عند الحرب. و زيد المذكور في الشعر هو زيد بن حصين بن ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من بني ضبة و هو المعروف بزيد الخيل و كان فارسهم. و بنو السيد من ضبة أيضا و هم بنو السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة إلى آخر النسب و بنو السيد بنو عم زيد الفوارس لأنه من بني ذهل بن مالك و هؤلاء بنو السيد بن مالك و بينهم عداوة النسب يقول إن بني السيد لا يرون زيدا في نفوسهم كما يراه أهله الأدنون منه نسبا و هم بنو كوز و بنو مرهوب يقول نحن لا نعظم زيدا و لا نعتقد فيه من الفضيلة ما يعتقده أهله و بنو عمه الأدنون. و المثل لعلي ع أي نحن لا نرى في علي ما يراه أهل العراق من تعظيمه و تبجيله. و الدرع محقبة أي بحالها في حقابها و هو ما يشد به في غلافها و السيف بحاله في قرابه و هو جفنه يقال حقبت الدرع و قربت السيف كلاهما ثلاثيان يقول إن سألتم الحق أعطيناكموه من غير حاجة إلى الحرب بل نجيبكم إليه و الدروع بحالها لم تلبس و السيوف في أجفانها لم تشهر. و أما إثبات النون في تأنفون فللشعر يقول و إن أنفتم و أبيتم إلا الحرب فإنا نأنف مثلكم أيضا لا نطعم الضيم و لا نقبله ثم قال إن السم مشروب أي إن السم قد نشربه و لا نشرب الضيم أي نختار الموت على الذلة. و الشعر لعبد الله بن غنم الضبي من بني السيد. فأما قوله ع هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة

  أي من تلطخ فيه بعيب من فرار أو نكول عن العدو يقال نطف فلان بالكسر إذا تدنس بعيب و نطف أيضا إذا أفسد يقول من فسدت حاله اليوم في هذا الجهاد فسدت حاله غدا عند الله قوله من فلج فيه بفتح اللام أي من ظهر و فاز يقال فلج على خصمه كنصر أي ظهرت حجته عليه. قوله ع يهمط الناس أي يقهرهم و يخبطهم و أصله الأخذ بغير تقدير. و قوله ع على اعتزابه أي على بعده عن الإمارة و الولاية على الناس. و العرام بالضم الشراسة و الهوج و العشنزر الشديد القوي ينصف من يظلم الناس و أحجر ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا حجرهم أي بيوتهم و تنمر أي تنكر حتى صار كالنمر يقول هذا القائد الشديد القوي ينصف من يظلم الناس و يتنكر لهم أي ينصف منه فحذف حرف الجر كقوله تعالى وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أي من قومه. و المزج بكسر الميم السريع النفوذ و أصله الرمح القصير كالمزراق و رجل زمجر أي مانع حوزته و الميم زائدة و من رواها زمخرا بالخاء عنى به المرتفع العالي الشأن و جعل الميم زائدة أيضا من زخر الوادي أي علا و ارتفع و غشمر السيل أقبل و الغشمرة إتيان الأمر بغير تثبت يقول إذا أبطأن ساقهن سوقا عنيفا. و الأبيات البائية لربيع بن مسروم الضبي. و روى نصر عن عبد الله بن عوف قال لما قدمنا على معاوية و أهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واحدا و أخذوا الشريعة فهي أيديهم و قد صف أبو الأعور عليها الخيل و الرجالة و قدم المرامية و معهم أصحاب الرماح و الدرق و على رءوسهم البيض و قد أجمعوا أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين ع فأخبرناه بذلك. فدعا صعصعة بن صوحان فقال ائت معاوية فقل له إنا سرنا إليك مسيرنا هذا و أنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم و إنك قدمت خيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدأتنا بالحرب و نحن من رأينا الكف حتى ندعوك و نحتج عليك و هذه أخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس و بين الماء فخل بينهم و بينه حتى ننظر فيما بيننا و بينكم و فيما قدمنا له و قدمتم له و إن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له و ندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه ما ترون فقال الوليد بن عقبة امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء و لين الطعام اقتلهم عطشا قتلهم الله. و قال عمرو بن العاص خل بين القوم و بين الماء فإنهم لن يعطشوا و أنت ريان و لكن لغير الماء فانظر فيما بينك و بينهم فأعاد الوليد مقالته. و قال عبد الله بن سعيد بن أبي سرح و كان أخا عثمان من الرضاعة امنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا و كان رجوعهم هزيمتهم امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة. فقال صعصعة إنما يمنع الماء يوم القيامة الفجرة الكفرة شربة الخمر ضربك و ضرب هذا الفاسق يعني الوليد فتواثبوا إليه يشتمونه و يتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنما هو رسول. قال عبد الله بن عوف إن صعصعة لما رجع إلينا حدثنا بما قال معاوية و ما كان منه و ما رده علينا و قال لما أردت الانصراف من عنده قلت ما ترد علي قال سيأتيكم رأيي قال فو الله ما راعنا إلا تسوية الرجال و الصفوف و الخيل فأرسل إلى أبي الأعور امنعهم الماء فازدلفنا و الله إليهم فارتمينا و أطعنا بالرماح و اضطر بنا بالسيوف فطال ذلك بيننا و بينهم حتى صار الماء في أيدينا فقلنا لا و الله لا نسقيهم فأرسل علي ع أن خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا معسكركم و خلوا بينهم و بين الماء فإن الله قد نصركم عليهم ببغيهم و ظلمهم. و قال نصر قال عمرو بن العاص خل بينهم و بين الماء فإن عليا لم يكن ليظمأ و أنت ريان و في يده أعنة الخيل و هو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت و أنت تعلم أنه الشجاع المطرق و قد سمعته أنا مرارا و هو يقول لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني بيت فاطمة لو استمكنت من أربعين رجلا يعني في الأمر الأول. قال و لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة و قال معاوية يا

  أهل الشام هذا و الله أول الظفر لا سقاني الله و لا أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه و تباشر أهل الشام. فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني ناسك يقال له المعري بن الأقبل فقال يا معاوية سبحان الله الآن سبقتم القوم إلى الفرات تمنعونهم الماء أما و الله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أ ليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعونهم فرضة من الفرات فينزلون على فرضة أخرى فيجازونكم بما صنعتم. أ ما تعلمون أن فيهم العبد و الأمة و الأجير و الضعيف و من لا ذنب له هذا و الله أول الجهل فأغلظ له معاوية. قال نصر ثم سار الرجل الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي ع و مكث أصحاب علي ع بغير ماء و اغتم ع بما فيه أهل العراق من العطش فأتى الأشعث عليا فقال يا أمير المؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات و أنت فينا و السيوف في أيدينا خل عنا و عن القوم فو الله لا نرجع حتى نرده أو نموت و مر الأشتر يعلو بخيله و يقف حيث تأمر فقال علي ع ذاك إليكم. فنادى الأشعث في الناس من كان يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا فإني ناهض فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة و أفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم فشد عليه سلاحه و نهض بهم حتى كاد أن يخالط أهل الشام و جعل يلقي رمحه و يقول لأصحابه بأبي و أمي و أنتم تقدموا إليهم قاب رمحي هذا فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم و حسر عن رأسه و نادى أنا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء فنادى أبو الأعور أما و الله حتى لا تأخذنا و إياكم السيوف فلا فقال الأشعث قد و الله أظنها دنت منا و منكم. و كان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي ع فبعث إليه الأشعث أقحم الخيل فأقحمها حتى وضعت بسنابكها في الفرات و أخذت أهل الشام السيوف فولوا مدبرين

393-  قال و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر و زيد بن الحسن قالا فنادى الأشعث عمرو بن العاص فقال ويحك يا ابن العاص خل بيننا و بين الماء فو الله لئن لم تفعل لتأخذنا و إياكم السيوف فقال عمرو و الله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف و إياكم فيعلم ربنا سبحانه أينا أصبر اليوم فترجل الأشعث و الأشتر و ذوو البصائر من أصحاب علي ع و ترجل معهما اثنا عشر ألفا فحملوا على عمرو و أبي الأعور و من معهما من أهل الشام فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي ع سنابكها في الماء

 قال نصر فروى لنا عمر بن سعد أن عليا ع قال ذاك اليوم هذا يوم نصرتم فيه بالحمية

 قال نصر فحدثنا عمرو عن جابر قال خطب علي ع يوم الماء فقال أما بعد فإن القوم قد بدءوكم بالظلم و فاتحوكم بالبغي و استقبلوكم بالعدوان و قد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء فأقروا على مذلة و تأخير محله أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين و الحياة في موتكم قاهرين ألا و إن معاوية قاد لمة من الغواة و عمس عليهم الخبر حتى جعل نحورهم أغراض المنية

  قال نصر و دعا الأشتر بالحارث بن همام النخعي فأعطاه لواءه ثم صاح الأشتر في أصحابه فدتكم نفسي شدوا شدة المحرج الراجي للفرج فإذا نالتكم الرماح التووا فيها فإذا عضتكم السيوف فليعض الرجل على ناجذه فإنه أشد لشئون الرأس ثم استقبلوا القوم بهامكم

 قال و كان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب و قتل بيده من أهل الشام من فرسانهم و صناديدهم سبعة صالح بن فيروز العكي و مالك بن أدهم السلماني و رياح بن عتيك الغساني و الأجلح بن منصور الكندي و كان فارس أهل الشام و إبراهيم بن وضاح الجمحي و زامل بن عتيك الجذامي و محمد بن روضة الجمحي و سمع أمير المؤمنين مرثية بعض نساء القتلى فقال أما إنهم أضروا بنسائهم فتركوهن أيامى حزانى بائسات قاتل الله معاوية اللهم حمله آثامهم و أوزارا و أثقالا مع أثقاله اللهم لا تعف عنه و عن صعصعة قال أقبل الأشتر يوم الماء فضرب بسيفه جمهور أهل الشام حتى كشفهم عن الماء و حمل أبو الأعور و حمل الأشتر عليه فلم ينتصف أحدهما صاحبه

 قال و قال عمرو بن العاص لمعاوية لما ملك أهل العراق الماء ما ظنك يا معاوية بالقوم إن منعوك الماء كما منعتهم أمس أ تراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه ما أغنى عنك أن تكشف لهم السوءة فقال له معاوية دع عنك ما مضى فما ظنك بعلي بن أبي طالب قال ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه و أن الذي جاء له غير الماء

 قال نصر فقال أصحاب علي ع له امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك فقال لا خلوا بينهم و بينه لا أفعل ما فعله الجاهلون فسنعرض عليهم كتاب الله و ندعوهم إلى الهدى فإن أجابوا و إلا ففي حد السيف ما يغني إن شاء الله قال فو الله ما أمسى الناس حتى رأوا سقاتهم و سقاه أهل الشام و رواياهم و روايا أهل الشام يزدحمون على الماء ما يؤذي إنسان إنسانا

  أقول رجعنا إلى أصل كتاب نصر فوجدناه مطابقا لما رواه ابن أبي الحديد عنه. توضيح قال الفيروزآبادي منبج كمجلس موضع و قال زجر الطائر تفأل به و الزجر العيافة و التكهن و قال الرهق محركة السفه و النوك و الخفة و ركوب الشر و الظلم و غشيان المحارم و قال السقاط الوقعة الشديدة و العثرة و قال بحر أفيح واسع و الفيحاء الواسعة من الدور و قال الفيلق كصيقل الجيش و قال جاءوا قضهم بفتح الضاد و بضمها و فتح القاف و كسرها بقضيضهم و جاءوا قضهم و قضيضهم أي جميعهم أو القض الحصى الصغار و القضيض الكبار أي جاءوا بالكبير و الصغير أو القض بمعنى القاض و القضيض بمعنى المقضوض قوله لو استمكنت لو للتمني أو الجزاء محذوف و الأمر الأول بيعة أبي بكر و قاب رمحي أي قدر رمحي قوله قد استطعموكم. أقول روى السيد في المختار من النهج من هذا الموضع إلى آخر الكلام أي طلبوا منكم القتال كأنهم اضطروكم إليه إذ لا طاقة لكم على العطش فجعلوه مرغوبا لكم كما يرغب الإنسان إلى الطعام الذي به قوام بدنه فأقروا على مذلة أي اعترفوا بها و إنه لا قدرة لكم على دفعهم و اصبروا عليها أو اسكنوا أنفسكم في مكان الذل و المقهورية و تأخير المحلة دناءة المرتبة أو رووا السيوف أي اجعلوها ريا ضد عطشى و قاد الفرس ضد ساقه فالقود من أمام و السوق من خلف و اللمة بالضم و التخفيف الجماعة و قيل المثل في السن و الترب و عمس بالمهملتين و تشديد الميم أي أبهم و أخفى و يظهر من ابن الأثير أنه بالتخفيف. و يروى بالغين المعجمة و هو موجود في بعض نسخ النهج لكن بالتشديد و غمسه في الماء أي مقله و غمس النجم أي غاب و الغميس الليل المظلم و الظلمة و الشي‏ء الذي لم يظهر للناس و لم يعرف بعد و في بعض النسخ و رمس عليهم بالتشديد و الرمس كتمان الخبر و المراد بالخبر خزي الدنيا أو عذاب الآخرة أو الأعم و الغرض الهدف الذي يرمى فيه و المنية الموت و قال الجوهري الحلك السواد يقال أسود مثل حلك الغراب و هو سواده