باب 15- آية النجوى و أنه لم يعمل بها غيره ع

 1-  كشف، ]كشف الغمة[ أورد الثعلبي و الواحدي و غيرهما من علماء التفسير أن الأغنياء أكثروا مناجاة النبي ص و غلبوا الفقراء على المجالس عنده حتى كره رسول الله ص ذلك و استطالة جلوسهم و كثرة مناجاتهم فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ فأمر بالصدقة أمام المناجاة و أما أهل العسرة فلم يجدوا و أما الأغنياء فبخلوا و خف ذلك على رسول الله ص و خف ذلك الزحام و غلبوا على حبه و الرغبة في مناجاته حب الحطام و اشتد على أصحابه فنزلت الآية التي بعدها راشقة لهم بسهام الملام ناسخة بحكمها حيث أحجم من كان دأبه الإقدام

 و قال علي ع إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي و لا يعمل أحد بها بعدي و هي آية المناجاة فإنها لما نزلت كان لي دينار فبعته بدراهم و كنت إذا ناجيت الرسول تصدقت حتى فنيت فنسخت بقوله أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية

  و نقل الثعلبي قال قال علي ع لما نزلت دعاني رسول الله فقال ما ترى ترى دينارا فقلت لا يطيقونه قال فكم قلت حبة أو شعيرة قال إنك لزهيد فنزلت أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا الزهيد القليل و كأنه يريد مقلل

إذا انسكبت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى

 و قال ابن عمر ثلاث كن لعلي ع لو أن لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه بفاطمة و إعطاؤه الراية يوم خيبر و آية النجوى

 يف، ]الطرائف[ من الجمع بين الصحاح الستة و مناقب ابن المغازلي و تفسير الثعلبي عن مجاهد إلى آخر الأخبار

 أقول روى الطبرسي مثل تلك الأخبار على هذا الترتيب ثم قال قال مجاهد و قتادة لما نهوا عن مناجاته حتى يتصدقوا لم يناجه إلا علي بن أبي طالب ع قدم دينارا فتصدق بها ثم نزلت الرخصة

 2-  كشف، ]كشف الغمة[ العز المحدث الحنبلي قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً نزلت في علي ع و روى مثله أبو بكر بن مردويه بعدة طرق

 أقول روى ابن بطريق في العمدة تلك الأخبار الماضية و الآتية بأسانيد كثيرة عن الثعلبي و ابن المغازلي و رزين العبدري و غيرهم و روي في المستدرك عن أبي نعيم بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ قال إن الله تعالى حرم كلام رسول الله ص فإذا أراد الرجل أن يكلمه تصدق بدرهم ثم كلمه بما يريد فكف الناس عن كلام رسول الله و بخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه قال و تصدق علي ع و لم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره

 و بإسناده عن مجاهد قال قال علي ع نزلت هذه الآية فما عمل بها أحد غيري ثم نسخت

 و بإسناده عن علي بن علقمة عن علي ع قال لما نزلت هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ قال قال لي رسول الله ص ما تقول في دينار قلت لا يطيقونه قال كم قلت شعيرة قال إنك لزهيد فنزلت أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية قال فبي خفف الله عن هذه الأمة فلم ينزل في أحد قبلي و لم ينزل في أحد بعدي

 يف، ]الطرائف[ ابن مردويه في المناقب بأربع طرق أحدها يرفعه إلى سالم بن أبي الجعد عن علي ع مثله

3-  فس، ]تفسير القمي[ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال إذا سألتم رسول الله حاجة فتصدقوا بين يدي حاجتكم ليكون أقضى لحوائجكم فلم يفعل ذلك أحد إلا أمير المؤمنين صلوات الله عليه فإنه تصدق بدينار و ناجى رسول الله بعشر نجوات

 حدثنا أحمد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال سألته عن قول الله إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال قدم علي بن أبي طالب ع بين يدي نجواه صدقة ثم نسخها قوله أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ

 و حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني عن الحسين بن سعيد عن محمد بن مروان عن عبيد بن خنيس عن صباح عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال قال علي صلوات الله عليه إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي و لا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى إنه كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فجعلت أقدم بين يدي كل نجوة أناجيها النبي درهما قال فنسختها قوله أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ إلى قوله وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

4-  عم، ]إعلام الورى[ عن مجاهد قال قال علي ع آية من القرآن لم يعمل أحد بها قبلي و لا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي النبي تصدقت بدرهم ثم نسخت بقوله فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

 و في رواية أخرى بي خفف الله عن هذه الأمة فلم ينزل في أحد بعدي

 و روى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال كان الناس يناجون رسول الله في الخلأ إذا كانت لأحدهم حاجة فشق ذلك على النبي ص ففرض الله على من ناجاه سرا أن يتصدق بصدقة فكفوا عنه و شق ذلك عليهم

5-  يف، ]الطرائف[ في الجمع بين الصحاح الستة قال أبو عبد الله البخاري قوله تعالى إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً نسختها آية فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قال أمير المؤمنين علي ع ما عمل بهذه الآية غيري و بي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية

 و وجدت في كتاب عتيق رواية أبي عمير الزاهد في تفسير كلام لعلي ع قال لما نزلت آية الصدقة مع النجوى دعا النبي ص عليا فقال ما تقدمون من الصدقة بين يدي النجوى قال يقدم أحدهم حبة من الحنطة فما فوق ذلك قال فقال له المصطفى ص إنك لزهيد أي فقير فقال ابن عباس فجاء علي في حاجة بعد ذلك الوقت و الناس قد اجتمعوا فوضع دينارا ثم تكلم و ما كان يملك غيره قال تخلى الناس ثم خفف عنهم برفع الصدقة

6-  كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ محمد بن العباس عن علي بن عقبة و محمد بن القاسم معا عن الحسين بن الحكم عن حسن بن حسين عن حنان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز و جل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال نزلت في علي ع خاصة كان له دينار فباعه بعشرة دراهم فكان كلما ناجاه قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات ثم نسخت فلم يعمل بها أحد قبله و لا بعده

7-  كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ محمد بن العباس عن علي بن عباس عن محمد بن مروان عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير عن أبيه عن السدي عن عبد خير عن علي ع قال كنت أول من ناجى رسول الله ص كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم و كلمت رسول الله عشر مرات كلما أردت أن أناجيه تصدقت بدرهم فشق ذلك على أصحاب رسول الله ص فقال المنافقون ما يألو ما ينجش لابن عمه حتى نسخها الله عز و جل فقال أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ إلى آخر الآية ثم قال ع فكنت أول من عمل بهذه الآية و آخر من عمل بها فلم يعمل بها أحد قبلي و لا بعدي

8-  كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ محمد بن العباس عن عبد العزيز بن يحيى عن محمد بن زكريا عن أيوب بن سليمان عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال إنه حرم كلام رسول الله ص ثم رخص لهم في كلامه بالصدقة فكان إذا أراد الرجل أن يكلمه تصدق بدرهم ثم كلمه بما يريد قال فكف الناس عن كلام رسول الله ص و بخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه فتصدق علي ع بدينار كان له فباعه بعشرة دراهم في عشر كلمات سألهن رسول الله و لم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره و بخل أهل الميسرة أن يفعلوا ذلك فقال المنافقون ما صنع علي بن أبي طالب الذي صنع من الصدقة إلا أنه أراد أن يروج لابن عمه فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ من إمساكها وَ أَطْهَرُ يقول و أزكى لكم من المعصية فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا الصدقة فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَ أَشْفَقْتُمْ يقول الحكيم أ أشفقتم يا أهل الميسرة أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ يقول قدام نجواكم يعني كلام رسول الله صدقة على الفقراء فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا يا أهل الميسرة وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يعني تجاوز عنكم إذ لم تفعلوا فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يقول أقيموا الصلوات الخمس وَ آتُوا الزَّكاةَ يعني أعطوا الزكاة يقول تصدقوا فنسخت ما أمروا به عند المناجاة بإتمام الصلاة و إيتاء الزكاة وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ بالصدقة في الفريضة و التطوع وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أي بما تنفقون خبير

 أقول قال الشيخ شرف الدين بعد نقل هذه الأخبار اعلم أن محمد بن العباس رحمه الله ذكر في تفسيره سبعين حديثا من طريق الخاصة و العامة يتضمن أن المناجي للرسول هو أمير المؤمنين ع دون الناس أجمعين اخترنا منها هذه الثلاثة أحاديث ففيها غنية و نقلت من مؤلف شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله هذا الحديث

 ذكره أنه في جامع الترمذي و تفسير الثعلبي بإسناده عن علقمة الأنماري يرفعه إلى علي ع أنه قال بي خفف الله عن هذه الأمة لأن الله امتحن الصحابة بهذه الآية فتقاعسوا عن مناجاة الرسول و كان قد احتجب في منزله من مناجاة كل أحد إلا من تصدق بصدقة و كان معي دينار فتصدقت به فكنت أنا سبب التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالآية و لو لم يعمل بها أحد لنزل العذاب لامتناع الكل من العمل بها

بيان عمله صلوات الله عليه بآية النجوى دون غيره من الصحابة مما أجمع عليه المحدثون و المفسرون و سيأتي الأخبار الكثيرة في ذلك في باب سخائه ع

9-  و روى الحافظ أبو نعيم في كتاب ما نزل من القرآن في علي ع بسنده عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس و عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال لما نزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ الآية لم يكن أحد يقدر أن يناجي رسول الله ص حتى يتصدق قبل ذلك فكان أول من تصدق علي بن أبي طالب ع فصرف دينارا بعشرة دراهم و تصدق بها و ناجى رسول الله بعشرة كلمات

10-  و بإسناده عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال إن الله عز و جل حرم كلام الرسول فإذا أراد الرجل أن يكلمه تصدق بدرهم ثم تكلمه بما يريد فكف الناس عن كلام رسول الله و بخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه قال و تصدق علي ع و لم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره فقال المنافقون ما صنع على الذي صنع من الصدقة إلا أنه أراد أن يروج لابن عمه

11-  و بإسناده عن سالم بن أبي الجعد عن علي ع قال لما نزلت هذه الآية قال لي رسول الله ص ما تقول في دينار قلت لا يطيقونه قال كم قلت شعيرة قال إنه لزهيد فنزلت أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية قال فبي خفف الله عز و جل عن هذه الأمة فلم تنزل في أحد قبلي و لم ينزل في أحد بعدي

 قال و رواه إبراهيم بن أبي الليث عن الأشجعي و رواه القاسم الحرمي عن الثوري

12-  و روى إبراهيم بن محمد في فرائد السمطين بإسناده عن علي ع أنه ناجى رسول الله عشر مرات بعشر كلمات قدمها عشر صدقات فسأل في الأولى ما الوفاء قال التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله ثم قال و ما الفساد قال الكفر و الشرك بالله عز و جل قال و ما الحق قال الإسلام و القرآن و الولاية إذا انتهت إليك قال و ما الحيلة قال ترك الحيلة قال و ما علي قال طاعة الله و طاعة رسوله قال و كيف أدعو الله تعالى قال بالصدق و اليقين قال و ما أسأل الله تعالى قال العافية قال و ما ذا أصنع لنجاة نفسي قال كل حلالا و قل صدقا قال و ما السرور قال الجنة قال و ما الراحة قال لقاء الله تعالى فلما فرغ نسخ حكم الآية

 أقول ثم روى المضامين السابقة بأسانيد جمة. و قال البيضاوي و في هذا الأمر تعظيم الرسول و إنفاع الفقراء و النهي عن الإفراط في السؤال و الميز بين المؤمن المخلص و المنافق و محب الآخرة و محب الدنيا و اختلف في أنه للندب أو للوجوب لكنه منسوخ بقوله أَ أَشْفَقْتُمْ و هو و إن اتصل به تلاوة لم يتصل به نزولا

 و عن علي ع إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم

و هو على القول بالوجوب لا يقدح في غيره فلعله لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدة بقائه إذ روي أنه لم يبق إلا عشرا و قيل إلا ساعة انتهى. أقول لا يخفى أن اختصاصه بتلك الفضيلة الدالة على غاية حبه للرسول و زهده في الدنيا و إيثاره الآخرة عليها و مسارعته في الخيرات و الطاعات يدل على فضله على سائر الصحابة المستلزم لأحقيته للإمامة و قبح تقديم غيره عليه و يدل على نقص عظيم و جرم جسيم لمن تقدم عليه في الخلافة لتقصيرهم في هذا الأمر الحقير الذي كان يتأتى بأقل من درهم فاختاروا بذلك مفارقة الرسول ص و تركوا صحبته الشريفة و تقصيرهم في ذلك يدل على تقصيرهم في الطاعات الجليلة و الأمور العظيمة بطريق أولى فكم بين من يبذل نفسه لرسول الله لتحصيل رضاه و بين من يبخل بدرهم لإدراك سعادة نجواه بل يدل ترك إنفاقهم على نفاقهم كما اعترف به البيضاوي في أول الأمر و ما اعتذر به أخيرا فلا يخفى بعده و مخالفته لما يدعون من بذلهم الأموال الجزيلة في سبيل الله و كيف لا يقدر من يبذل مثل تلك الأموال الجزيلة على إنفاق بعض درهم بل شق تمرة في عشرة أيام كما ذكره أكثر مفسريهم كالزمخشري و ابن المرتضى و غيرهما و أعجب من ذلك ما اعتذر به القاضي عبد الجبار بتجويز عدم اتساع الوقت لذلك فإنه مع استحالته في نفسه عند الأكثر ينافيه أكثر الروايات الواردة في هذا الباب فإن أكثرها دلت على أنه ناجاه عشر مرات قبل النسخ مع قطع النظر عن رواية عشرة أيام و أيضا ذكر التوبة بعد ذلك يدل على تقصيرهم. و أفحش من ذلك ما ذكره الرازي الناصبي حيث قال سلمنا أن الوقت قد وسع إلا أن الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير الذي لا يجد شيئا و ينفر الرجل الغني فلم يكن في تركه معرة لأن الذي يكون سبب الألفة أولى عما يكون سببا للوحشة و أيضا الصدقة عند المناجاة واجبة و أما المناجاة فليست بواجبة و لا مندوبة بل الأولى ترك المناجاة كما بينا من أنها لو كانت كانت سببا لسأمة النبي ص انتهى.

  أقول لا أظن عاقلا يفهم من كلامه هذا سوى التعصب و العناد أو يحتاج إلى بيان لخطائه لظهور الفساد و لعل النصب أعمى عينه عن سياق الآية و ما عاتب الله تعالى تاركي ذلك بقوله أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ و قوله فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ و عن افتخار أمير المؤمنين ع بذلك إذ على ما زعمه هذا الشقي كان اللازم عليه صلوات الله عليه الاعتذار لا الافتخار و عن تمني ابن صنمه الذي سبق في الأخبار و عن أنه و إن فرض أنه يضيق قلب فقير لا يقدر على الإنفاق فهو يوسع قلب فقير آخر يصل إليه هذا المال و يسره و عن أن الأنس برسول ربه يجبر وحشة هذا الغني المطبوع على قلبه لو سلم أن فيها مفسدة و لم يتفطن أن ذلك اعتراض على الله في بعث هذا الحكم و الخطاب و بعد أن يسقط بزعمه عن صنميه و مناتيه اللوم و العتاب لا يبالي بنسبة الخطأ إلى رب الأرباب إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ و لوضوح تعصبه في هذا الباب تعرض النيسابوري أيضا للجواب و قال هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما و من أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي ع في كل خصلة و لم لا يجوز أن تحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة ثم ذكر رواية ابن عمر و تمنيه ثبوت هذه الفضيلة له ثم قال و هل يجوز منصف أن مناجاة النبي منقصة على أنه لم يرد في الآية النهي عن المناجاة و إنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة فمن عمل بالآية حصلت له الفضيلة من جهتين من جهة سد خلة بعض الفقراء و من جهة محبة نجوى الرسول ص ففيها القربة منه و حل المسائل العويصة و إظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال انتهى