باب 25- الاحتجاج على المخالفين بما رووه في كتبهم

الأول

أنّه ولى أمور المسلمين من لا يصلح لذلك و لا يؤتمن عليه، و من ظهر منه الفسق و الفساد، و من لا علم له، مراعاة لحرمة القرابة، و عدولا عن مراعاة حرمة الدين و النظر للمسلمين، حتّى ظهر ذلك منه و تكرّر، و قد كان عمر حذّره من ذلك حيث وصفه بأنّه كلّف بأقاربه، و قال له إذا وليت هذا الأمر فلا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس فوقع منه ما حذّره إيّاه، و عوتب عليه فلم ينفع العتب، و ذلك نحو استعماله الوليد بن عقبة و تقليده إيّاه حتّى ظهر منه شرب الخمر، و استعماله سعيد بن العاص حتى ظهرت منه الأمور التي عندها أخرجه أهل الكوفة، و توليه عبد اللّه بن أبي سرح و عبد اللّه بن عامر بن كريز، حتى روي عنه في أمر ابن أبي صرح أنّه لما تظلّم منه أهل مصر و صرفه عنهم بمحمد ابن أبي بكر كاتبه بأن يستمر على ولاية و أبطن خلاف ما أظهر، و هذه طريقة من غرضه خلاف الدين. و روي أنّه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر و غيره ممّن يرد عليه، و ظفر بذلك الكتاب، و لذلك عظم التظلّم من بعد و كثر الجمع، و كان ذلك سبب الحصار و القتل، و حتى كان من أمر مروان و تسلّطه عليه و على أموره ما قتل بسببه و لا يمكن أن يقال إنّه لم يكن عالما بأحوال هؤلاء الفسقة، فإنّ الوليد كان في جميع أحواله من المجاهرين بالفجور و شرب الخمور، و كيف يخفى على عثمان، و هو قريبه و لصيقه و أخوه لأمّه، و لذا

 قال سعد بن أبي وقّاص في رواية الواقدي و قد دخل الكوفة يا أبا وهب أمير أم زائر. قال بل أمير. فقال سعد ما أدري أ حمقت بعدك أم كست بعدي. فقال ما حمقت بعدي و لا كست بعدك، و لكنّ القوم ملكوا فاستأثروا. فقال سعد ما أراك إلّا صادقا.

 و في رواية أبي مخنف لوط بن يحيى أنّ الوليد لّما دخل الكوفة مرّ على مسجد عمرو بن زرارة النخعي فوقف، فقال عمرو يا معشر بني أسد بئس ما استقبلنا به أخوكم ابن عفّان، أ من عدله أن ينزع عنّا ابن أبي وقّاص الهيّن الليّن السهل القريب و يبعث علينا بدله أخاه الوليد الأحمق الماجن الفاجر قديما و حديثا و استعظم الناس مقدمه، و عزل سعد به، و قالوا أراد عثمان كرامة أخيه بهوان أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و قال ابن عبد البرّ في الإستيعاب في ترجمة الوليد أمّه أروى بنت كريز ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أمّ عثمان بن عفّان، و الوليد بن عقبة أخو عثمان لأمّه يكنّى أبا وهب، أسلم يوم فتح مكة، و ولّاه عثمان بالكوفة و عزل عنها سعد بن أبي وقّاص، فلمّا قدم الوليد على سعد قال له سعد و اللّه ما أدري أ كست بعدنا أم حمقنا بعدك. فقال لا تجزعنّ أبا إسحاق، فإنّما هو الملك يتغدّاه قوم و يتعشّاه آخرون. فقال سعد أراكم و اللّه ستجعلونها ملكا. قال

 و روى جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، قال لمّا قدم الوليد بن عقبة أميرا على الكوفة أتاه ابن مسعود فقال ما جاء بك. قال جئت أميرا. فقال ابن مسعود ما أدري أ صلحت بعدنا أم فسد الناس.

و له أخبار فيها نكارة و شناعة تقطع على سوء حاله و قبح أفعاله غفر اللّه لنا و له، فلقد كان من رجال قريش ظرفا و حلما و شجاعة و أدبا، و كان من الشعراء المطبوعين، كان الأصمعي و أبو عبيدة و ابن الكلبي و غيرهم يقولون كان الوليد بن عقبة فاسقا شريب خمر، و كان شاعرا كريما أخباره في شرب الخمر و منادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة يسمج بنا ذكرها هاهنا، و نذكر منها طرفا.

 ذكر عمر بن شيبة بإسناده عن ابن شوذب، قال صلّى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم، فقال أزيدكم. فقال عبد اللّه بن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم.

 قال و حدّثنا محمد بن حميد، عن جرير، عن الأجلح، عن الشعبي في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه، فقال الحطيئة

شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه إنّ الوليد أحقّ بالعذرنادى و قد تمّت صلاتهم أ أزيدكم سكرا و ما يدري‏فأبوا أبا وهب و لو أذنوا لقرنت بين الشفع و الوتر

و ذكر أبياتا أخر في ذلك عنه، ثم قال و خبر صلاته بهم سكران.

و قوله لهم أزيدكم بعد أن صلّى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث و أهل الأخبار. ثم قال

 و لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أنّ قوله تعالى )إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا( نزلت في الوليد بن عقبة، و ذلك أنّه بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ إلى بني المصطلق مصدقا فأخبر عنهم أنّهم ارتدّوا و أبوا من أداء الصدقة، و ذلك أنّهم خرجوا إليه فهابهم و لم يعرف ما عندهم، فانصرف عنهم و أخبر بما ذكرنا، فبعث إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ خالد بن الوليد و أمره أن يتثبّت فيهم، فأخبروه أنّهم متمسّكون بالإسلام و نزلت... الآية.

و روى عن مجاهد و قتادة مثل ما ذكرنا.

 و عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى )إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ..( قال نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

 و من حديث الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام و الوليد بن عقبة )أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ(.

انتهى كلام ابن عبد البرّ.

 و قال المسعودي في مروج الذهب كان عمّاله على أعماله جماعة منهم الوليد بن عقبة على الكوفة، و هو ممّن أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ إنّه من أهل النار، و عبد اللّه بن أبي سرح على مصر، و معاوية بن أبي سفيان على الشام، و عبد اللّه بن عامر على البصرة، و صرف عن الكوفة الوليد و ولّاها سعيد بن العاص. و كان السبب في صرف الوليد على ما روي أنّه كان يشرب مع ندمائه و مغنّيه من أوّل الليل إلى الصباح، فلمّا أذّن المؤذّنون للصلاة خرج متفضّلا في غلائله، فتقدّم على المحراب في صلاة الصبح فصلّى بهم أربعا، و قال أ تريدون أن أزيدكم. و قيل إنّه قال في سجوده و قد أطال الشراب فاسقني، فقال له بعض من كان خلفه ما تزيد لا زادك اللّه بخير، و اللّه ما أعجب إلّا ممّن بعثك إلينا واليا، و علينا أميرا، و كان هذا القائل عتاب بن غيلان الثقفي و خطب الناس الوليد فحصبه الناس بحصى المدينة، و شاع بالكوفة فعله و ظهر فسقه و مداومته شرب الخمر، فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدي و أبو جندب بن زهير الأزدي و غيرهما فوجدوه سكرانا مضطجعا على سريره لا يعقل، فأيقظوه من رقدته فلم يستيقظ، ثم تقيّأ عليهم ما شرب من الخمر فانتزعوا خاتمه من يده و خرجوا من فورهم إلى المدينة، فأتوا عثمان بن عفّان فشهدوا عنده أنّ الوليد أنّه يشرب الخمر، فقال عثمان و ما يدريكم أن ما شرب خمر. فقالوا هو الخمرة التي كنّا نشرب في الجاهليّة، و أخرجا خاتمه فدفعاه إليه فزبرهما و دفع في صدورهما، و قال تنحّيا عنّي. فخرجا و أتيا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخبراه بالقصّة، فأتى عثمان و هو يقول دفعت الشهود و أبطلت الحدود. فقال له عثمان فما ترى. قال أرى أن تبعث إلى صاحبك، فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه و لم يدل بحجّة أقمت عليه الحدّ، فلمّا حضر الوليد دعاهما فأقاما الشهادة عليه و لم يدل بحجّة، فألقى عثمان السوط إلى عليّ عليه السلام، فقال

 عليّ لابنه الحسن عليهما السلام قم يا بني فأقم عليه ما أوجب اللّه عليه. فقال يكفينيه بعض من ترى، فلمّا نظر عليّ عليه السلام إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحدّ عليه توقّيا لغضب عثمان لقرابته منه أخذ عليّ السوط و دنا منه، فلمّا أقبل نحوه سبّه الوليد، و قال يا صاحب مكث. فقال عقيل بن أبي طالب و كان فيمن حضر إنّك لتتكلّم يا ابن أبي معيط كأنّك لا تدري من أنت و أنت علج من أهل صفورية.. كان ذكر أنّ أباه يهوديّ منها، فأقبل الوليد يروغ من عليّ عليه السلام فاجتذبه و ضرب به الأرض و علاه بالسوط، فقال له عثمان ليس لك أن تفعل به هذا. قال بلى و شرّ من هذا، إذا فسق و منع حقّ اللّه أن يؤخذ منه، فولّى سعيد بن العاص، فلمّا دخل سعيد الكوفة أبى أن يصعد المنبر إلّا أن يغسل و أمر بغسله، و قال إنّ الوليد كان نجسا رجيما، فلمّا اتّصلت أيّام سعيد بالكوفة ظهرت منه أمور أنكرت عليه و ابتزّ الأموال، و قال في بعض الأيّام أو أنّه كتب إلى عثمان إنّما هذه السواد قطين لقريش. فقال له الأشتر أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بسيوفنا و مراكز رماحنا بنيانا لك و لقومك ثم خرج إلى عثمان في سبعين راكبا فذكر سوء سيرة سعيد و سألوه عزله، و مكث الأشتر و أصحابه أيّاما لا يخرج إليهم من عثمان في سعيد شي‏ء، و اتّصلت أيّامهم بالمدينة.. إلى آخر القصّة.

 و روى ابن الأثير في الكامل 1-  قصّة شرب الوليد، و قال الصحيح أنّ الذي جلده هو عبد اللّه بن جعفر.

و روى ابن أبي الحديد في شرح النهج روايات عديدة في قصّة الوليد و شربه الخمر و نزول الآية فيه.. و غير ذلك حكاها عن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. و منها

 ما رواه أبو الفرج بإسناده، عن عليّ عليه السلام أنّ امرأة الوليد ابن عقبة جاءت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تشتكي إليه الوليد، و قالت إنّه يضربها، فقال لها ارجعي إليه و قولي له إنّ رسول اللّه... مدّ يده و قال اللّهمّ عليك بالوليد.. مرّتين أو ثلاثا

 و عن أبي عبيدة و هشام بن الكلبي و الأصمعي أنّ الوليد تقيّأ في المحراب لّما شرب الخمر بالكوفة، و صلّى الصبح أربعا، و قرأ بالمأمومين رافعا صوته

علّق القلب الربابا بعد ما شابت و شابا

فشخص بعض أهل الكوفة إلى عثمان.. إلى آخر القصّة

 و عن ابن الأعرابي أنّ أبا زبيد و هو أحد ندماء الوليد وفد على الوليد حين استعمله عثمان على الكوفة، فأنزله الوليد دار عقيل بن أبي طالب عند باب المسجد و استوهبها منه فوهبها له، و كان ذلك أوّل الطعن عليه من أهل الكوفة، لأنّ أبا زبيد كان يخرج من داره حتّى يشقّ المسجد إلى الوليد، فيسمر عنده و يشرب معه فيخرج و يشقّ المسجد و هو سكران.

  و روى في كتاب الإستيعاب بإسناده، عن أبي عثمان، قال رأيت الذي يلعب بين يدي الوليد بن عقبة فيري أنّه يقطع رأس رجل ثم يعيده، فقام إليه جندب بن كعب فضرب وسطه بالسيف، و قال قولوا له فليحيي نفسه الآن. قال فحبس الوليد جندبا و كتب إلى عثمان، فكتب عثمان أن خلّ سبيله، فتركه.

 و بإسناده عن إبراهيم، قال كان ساحر يلعب بين يدي الوليد يريهم أنّه يدخل في فم الحمار و يخرج من ذنبه أو من دبره، و يدخل في است الحمار و يخرج من فيه، و يريهم أنّه يضرب رأس نفسه فيرمي به ثم يشتدّ فيأخذه ثم يعيده مكانه، فانطلق جندب إلى الصيقل و سيفه عنده، فقال وجب أجرك فهاته. قال فأخذه و اشتمل عليه، ثم جاء إلى الساحر مع أصحابه و هو في بعض ما كان يصنع فضرب عنقه فتفرّق أصحاب الوليد و دخل هو البيت، و أخذ جندب و أصحابه فسجنوا، فقال لصاحب السجن قد عرفت السبب الذي سجنّا فيه، فخلّ سبيل أحدنا حتّى يأتي عثمان، فخلّى سبيل أحدهم، فبلغ ذلك الوليد فأخذ صاحب السجن فصلبه، قال و جاء كتاب عثمان أن خلّ سبيلهم و لا تعرض لهم، و وافى كتاب عثمان قبل قتل المصلوب فخلّى سبيله و قال المسعودي ضرب عنق السجّان و صلبه بالكناسة.

 و قال ابن عبد البرّ في ترجمة سعيد بن العاص كان سعيد هذا أحد أشراف قريش استعمله عثمان على الكوفة ثم عزله، و ولى الوليد بن عقبة فمكث مدّة ثم شكاه أهل الكوفة فعزله و ردّ سعيد فردّه أهل الكوفة و كتبوا إلى عثمان لا حاجة لنا في سعيدك و لا وليدك، و كان في سعيد تجبّر و غلظة و شدّة سلطان.

 و روى ابن أبي الحديد، عن الواقدي و المدائني و ابن الكلبي و غيرهم، قال و ذكره الطبري في تاريخه، و غيره من المؤرّخين أنّ عليّا عليه السلام لّما ردّ المصريّين رجعوا بعد ثلاثة أيّام فأخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص، و قالوا وجدنا غلام عثمان بالموضع المعروف بالبويب على بعير من إبل الصدقة، ففتّشنا متاعه لأنّا استربنا بأمره فوجدنا فيه هذه الصحيفة و مضمونها أمر عبد اللّه ابن سعد بن أبي سرح بجلد عبد الرحمن بن عديس و عمرو بن الحمق، و حلق رءوسهما و لحاهما و حبسهما، و صلب قوم آخرين من أهل مصر. و قيل إنّ الذي أخذت منه الصحيفة أبو الأعور السلمي... و جاء الناس إلى عليّ عليه السلام و سألوه أن يدخل إلى عثمان فيسأله عن هذه الحال، فقام فجاء إليه فسأله، فأقسم باللّه ما كتبت و لا أمرت، فقال محمد بن مسلمة صدق، هذا من عمل مروان. فقال لا أدري، و كان أهل مصر حضورا، فقالوا أ فيجترئ عليك و يبعث غلامك على جمل من إبل الصدقة، و ينقش على خاتمك، و يبعث إلى عاملك بهذه الأمور العظيمة و أنت لا تدري. قال نعم. قالوا إنّك إمّا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا و عقوبتنا بغير حقّ، و إن كنت صادقا فقد استحققت الخلع لضعفك عن هذا الأمر و غفلتك، و خبث بطانتك، و لا ينبغي لنا أن نترك هذا الأمر بيد من يقطع الأمور دونه لضعفه و غفلته، فاخلع نفسك منه.. إلى آخر الخبر.

 الثاني

أنّه لو لم يقدم عثمان على أحداث يوجب خلعه و البراءة منه لوجب على الصحابة أن ينكروا على من قصده من البلاد متظلّما، و قد عملنا أنّ بالمدينة قد كان كبار الصحابة من المهاجرين و الأنصار و لم ينكروا على القوم بل أسلموه و لم يدفعوا عنه، بل أعانوا قاتليه و لم يمنعوا من قتله، و حضروه و منعوا الماء عنه و تركوه بعد القتل ثلاثة أيّام لم يدفن، مع أنّهم متمكّنون من خلاف ذلك، و ذلك من أقوى الدلائل على ما ذكر، و لو لم يكن في أمره إلّا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال اللّه قتله و أنا معه. و إنّه كان في أصحابه من يصرّح بأنّه قتل عثمان و مع ذلك لا يقيّدهم و لا ينكر عليهم، و كان أهل الشام يصرّحون بأنّ مع أمير المؤمنين قتلة عثمان، و يجعلون ذلك من أوكد الشبه و لا ينكر ذلك عليهم، مع أنّا نعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لو أراد منعهم من قتله و الدفع عنه مع غيره لما قتل، فصار كفّه عن ذلك مع غيره من أدلّ الدلائل على أنّهم صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث، و أنّهم لم يقبلوا ما جعله عذرا، و لا يشكّ من نظر في أخبار الجانبين في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن كارها لما وقع في أمر عثمان. فقد

 روى السيّد رضي اللّه عنه في الشافي، عن الواقدي، عن الحكم بن الصلت، عن محمد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه، قال رأيت عليّا عليه السلام على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين قتل عثمان و هو يقول ما أحببت قتله و لا كرهته، و لا أمرت به و لا نهيت عنه.

و قد روى محمد بن سعد، عن عفّان، عن حرير بن بشير، عن أبي جلدة، أنّه سمع عليّا عليه السلام يقول و هو يخطب فذكر عثمان و قال و اللّه الّذي لا إله إلّا هو ما قتلته و لا مالأت على قتله، و لا ساءني.

  و رواه أبو بشير، عن عبيدة السلماني، قال سمعت عليّا عليه السلام يقول من كان سائلي عن دم عثمان فإنّ اللّه قتله و أنا معه.

 و قد روي هذا اللفظ من طرق كثيرة، و قد رواه شعبة، عن أبي حمزة الضبعي، قال قلت لابن عباس إنّ أبي أخبرني أنّه سمع عليّا عليه السلام يقول ألا من كان سائلي عن دم عثمان فإنّ اللّه قتله و أنا معه. قال صدق أبوك، هل تدري ما يعني بقوله إنّما عنى أنّ اللّه قتله و أنا مع اللّه.

قال السيّد رحمه اللّه فإن قيل كيف يصحّ الجمع بين معاني هذه الأخبار. قلنا لا تنافي بين الجميع، لأنّه تبرأ من مباشرة قتله و المؤازرة عليه، ثم قال ما أمرت بذلك و لا نهيت عنه.. يريد أنّ قاتليه لم يرجعوا إليّ و لم يكن منّي قول في ذلك بأمر و لا نهي، فأمّا قوله اللّه قتله و أنا معه، فيجوز أن يكون المراد اللّه حكم بقتله و أوجبه و أنا كذلك، لأنّ من المعلوم أنّ اللّه لم يقتله على الحقيقة، فإضافة القتل إلى اللّه لا يكون إلّا بمعنى الحكم و الرضا، و ليس يمتنع أن يكون ممّا حكم اللّه به ما لم يتولّه بنفسه، و لا آزر عليه، و لا شايع فيه. فإن قال هذا ينافي قوله عليه السلام ما أحببت قتله و لا كرهته.. و كيف يكون من حكم اللّه و حكمه أن يقتل و هو لا يحبّ قتله. قلنا يجوز أن يريد بقوله ما أحببت قتله و لا كرهته.. أنّ ذلك لم يكن منّي على سبيل التفصيل و لا خطر لي ببال، و إن كان على سبيل الجملة يحبّ قتل من غلب على أمور المسلمين، و طالبوه بأن يعتزل، لأنّه بغير حقّ مستول عليهم فامتنع من ذلك، و يكون فائدة هذا الكلام التبرّؤ من مباشرة قتله و الأمر به على سبيل التفصيل أو النهي، و يجوز أن يريد أنّني ما أحببت قتله إن كانوا تعمّدوا القتل و لم يقع على سبيل الممانعة و هو غير مقصود، و يريد بقوله ما كرهته.. إنّي لم أكرهه على كلّ حال و من كلّ وجه. انتهى. و أقول يمكن أن يكون المعنى إنّي ما أحببت قتله لتضمّنه الفتن العظيمة الّتي نشأت بعد قتله من ارتداد آلاف من المسلمين و قتلهم و عدم استقرار الخلافة عليه صلوات اللّه عليه، و لا كرهته لأنّه كان كافرا مستحقّا للقتل، فلا تنافي بين الأمرين.

و أمّا تركه غير مدفون ثلاثة أيّام

فقد رواه ابن عبد البرّ في الإستيعاب، قال لّما قتل عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة أيّام، فلمّا كان في الليل أتاه اثنا عشر رجلا فيهم حويطب بن عبد العزّى و حكيم بن حزام و عبد اللّه بن الزبير و محمد بن حاطب و مروان بن الحكم فلمّا ساروا إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن و اللّه لئن دفنتموه هاهنا لنخبرنّ الناس غدا، فاحتملوه و كان على باب و أنّ رأسه على الباب ليقول طق طق حتى ساروا به إلى حشّ كوكب فاحتفروا له، و كانت عائشة بنت عثمان معها مصباح في حقّ، فلمّا أخرجوه ليدفنوه صاحت، فقال لها ابن الزبير و اللّه لئن لم تسكتي لأضربنّ الذي فيه عيناك. قال فسكتت، فدفن.

 و روى ابن أبي الحديد، عن محمد بن جرير الطبري، قال بقي عثمان ثلاثة أيّام لا يدفن، ثم إنّ حكيم بن حزام و جبير بن مطعم كلّما عليّا عليه السلام في أن يأذن في دفنه ففعل، فلمّا سمع الناس بذلك قعد له قوم في الطريق بالحجارة، و خرج به ناس يسير من أهله، و معهم الحسن بن عليّ )ع( و ابن الزّبير و أبو جهم بن حذيفة بين المغرب و العشاء، فأتوا به حائطا من حيطان المدينة، يعرف ب حشّ كوكب، و هو خارج البقيع، فصلّوا عليه، و جاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه، فأرسل عليّ عليه السلام فمنع من رجم سريره، و كفّ الذين راموا منع الصلاة عليه، و دفن في حشّ كوكب، فلمّا ظهر معاوية على الإمرة أمر بذلك الحائط فهدم و أدخل في البقيع، و أمر الناس فدفنوا موتاهم حول قبره حتّى اتّصل بمقابر المسلمين بالبقيع. و قيل إنّ عثمان لم يغسّل، و إنّه كفّن في ثيابه التي قتل فيها.

  و قد روى ذلك ابن الأثير في الكامل و الأعثم الكوفي في الفتوح مطابقا لما حكاه ابن أبي الحديد، و زاد الأعثم إنّهم دفنوه بعد ما ذهب الكلاب بإحدى رجليه، و قال صلّى عليه حكيم بن حزام أو جبير بن مطعم.

و لا يخفى على ذي مسكة من العقل دلالته على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان راضيا بكونه مطروحا ثلاثة أيّام على المزبلة، بل على أنّه لم يأذن في دفنه إلّا بعد الأيّام الثلاثة، فلو كان أمير المؤمنين عليه السلام معتقدا لصحّة إمامته، بل لو كان يراه كأحد من المسلمين و من عرض الناس لما رضي بذلك بل كان يعجّل في تجهيزه و دفنه، و يأمر بدفنه في مقابر المسلمين حتى لا يلتجئ المجهّزون له إلى دفنه في حشّ كوكب. و الحشّ هو المخرج، و كان ذلك الموضع بستانا كان الناس يقضون الحوائج فيه كما هو دأبهم في قضاء الحاجة في البساتين، و كوكب اسم رجل من الأنصار، كما ذكره في الإستيعاب. و الإمام الّذي رضي له أمير المؤمنين عليه السلام بمثل تلك الحال فحاله غير خفيّ على أولي الألباب، و لا ريب في أنّه لو لم يكن عليه السلام راضيا بقتله لجاهد قاتليه، فإنّه ليس في المنكرات أشنع و أقبح من قتل إمام فرض اللّه طاعته على العالمين و حكم الرسول صلّى اللّه عليه و آله بأنّ من مات و لم يعرفه كان ميتته ميتة جاهليّة، و قد صرّح عليه السلام في كثير من كلماته بأنّه لم ينه عن قتله و لم ينصره، و أنّه كان في عزلة عن أمره كما سيأتي، و هل يريب اللبيب في أنّه عليه السلام لو كان نصره أو أنكر قتله لبالغ في إظهار ذلك للناس و في مكاتباته إلى معاوية، فإنّه لم يكن لمعانديه عليه السلام شبهة أقوى من اتّهامه بقتل عثمان، و إنّما كان عليه السلام يقتصر على التبرّي من قتله لأنّه لم يكن من المباشرين، و ذلك ممّا لا يرتاب فيه من له معرفة بالسير و الآثار، و حينئذ فالكفّ عن نصرة عثمان و الذبّ عنه إمّا مطعن لا مخلص عنه فيمن يدور الحقّ معه حيثما داروا في أعيان الصحابة الكبار حيث لم يدفعوا شرذمة قليلة عن إمامتهم في دار عزّهم حتى قتلوه أهون قتلة، و طرحوه في المزابل، و لم يتمكّن رهطه و عشيرته من دفنه في مقابر المسلمين، أو هو قدح في ذلك الإمام حيث اختلس الخلافة و غصبها من أهلها، و لم يخلع نفسه منها. فلينظر الناصرون له في أمرهم بعين الإنصاف، و ليتحرّزوا عن اللجاج و الاعتساف.

الثالث

أنّه ردّ الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد امتنع أبو بكر من ردّه، فصار بذلك مخالفا للسنّة و لسيرة من تقدّمه، و قد شرط عليه في عقد البيعة اتّباع سيرتهما.

 قال السيّد رضي اللّه عنه في الشافي روى الواقدي من طرق مختلفة و غيره، أنّ الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح أخرجه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى الطائف، و قال لا يساكنني في بلد أبدا، فجاءه عثمان فكلّمه فأبى، ثم كان من أبي بكر مثل ذلك، ثم كان من عمر مثل ذلك، فلمّا قام عثمان أدخله و وصله و أكرمه، فمشى في ذلك عليّ عليه السلام و الزبير و طلحة و سعد و عبد الرحمن بن عوف و عمّار بن ياسر حتى دخلوا على عثمان، فقالوا له إنّك قد أدخلت هؤلاء القوم يعنون الحكم و من معه و قد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخرجهم و أبو بكر و عمر، و إنّا نذكّرك اللّه و الإسلام و معادك، فإنّ لك معادا و منقلبا، و قد أبت ذلك الولاة قبلك و لم يطمع أحد أن يكلّمهم فيهم، و هذا شي‏ء نخاف اللّه عليك فيه. فقال عثمان إنّ قرابتهم منّي حيث تعلمون، و قد كان رسول اللّه حيث كلمته أطمعني في أن يأذن لهم، و إنّما أخرجهم لكلمة بلغته عن الحكم، و لن يضرّكم مكانهم شيئا، و في الناس من هو شرّ منهم. فقال عليّ عليه السلام لا أجد شرّا منه و لا منهم، ثم قال عليّ عليه السلام هل تعلم عمر يقول و اللّه ليحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس، و و اللّه إن فعل ليقتلنّه. قال فقال عثمان ما كان أحد منكم يكون بينه و بينه من القرابة ما بيني و بينه و ينال من القدرة ما أنال إلّا أدخله، و في الناس من هو شرّ منه. قال فغضب عليّ عليه السلام، و قال و اللّه لتأتينا بشرّ من هذا إن سلمت، و سترى يا عثمان غبّ ما تفعل، ثم خرجوا من عنده.

و ما ادّعاه بعض المتعصّبين من أنّ عثمان اعتذر بأنّه استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك.. فليس في الكتب منه عين و لا أثر، و هذا الخبر ليس فيه إلّا أنّ الرسول أطمعه في ردّه، ثم صرّح بأنّ رعاية القرابة هي الموجبة لردّه و مخالفته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

 و قال السيّد و قد روي من طرق مختلفة أنّ عثمان لّما كلّم أبا بكر و عمر في ردّ الحكم أغلظا له و زبراه، و قال له عمر يخرجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تأمرني أن أدخله و اللّه لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غيّر عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و اللّه لئن أشقّ باثنتين كما تشقّ الأبلمة أحبّ إليّ من أن أخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرا، و إيّاك يا ابن عفّان أن تعاودني فيه بعد اليوم و ما رأينا عثمان قال في جواب هذا التعنيف و التوبيخ من أبي بكر و عمر، إنّ عندي عهدا من الرسول صلّى اللّه عليه و آله لا أستحقّ معه عتابا و لا تهجينا، و كيف تطيب نفس مسلم موقّر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معظم له بأن يأتي إلى عدوّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصرّح بعداوته و الوقيعة فيه حتى يبلغ به الأمر إلى أن كان يحكي مشية رسول اللّه )ص( فطرده و أبعده و لعنه حتى صار مشهورا بأنّه طريد رسول اللّه )ص(، فيكرمه و يردّه إلى حيث أخرج منه، و يصله بالمال العظيم إمّا من مال المسلمين أو من ماله، إنّ هذا لعظيم كبير.

 قال ابن عبد البرّ في الإستيعاب الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس.. عمّ عثمان و أبو مروان بن الحكم، كان من مسلّمة الفتح، و أخرجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ من المدينة و طرده عنها فنزل الطائف، و خرج معه ابنه مروان، و قيل إنّ مروان ولد بالطائف فلم يزل الحكم بالطائف إلى أن ولي عثمان فردّه إلى المدينة و بقي فيها، و توفي في آخر خلافة عثمان. و اختلف في السبب الموجب لنفي الرسول صلّى اللّه عليه ]و آله[ إيّاه، فقيل كان يتحيّل و يختفي و يتسمّع ما يسرّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ إلى كبائر أصحابه في مشركي قريش و سائر الكفّار و في المنافقين، فكان يغشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه، و كان يحكيه في مشيته و بعض حركاته.. إلى أمور غيرها كرهت ذكرها، ذكروا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ كان إذا يمشي يتكفّأ و كان الحكم يحكيه، فالتفت النبي صلّى اللّه عليه ]و آله[ يوما فرآه يفعل ذلك، فقال صلّى اللّه عليه ]و آله[ فكذلك فلتكن، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ..

ثم روى أخبارا في لعنه. و أمّا التمسّك بالاجتهاد في هذا الباب فهو أوهن و أهجن لأنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله إذا حظر شيئا أو أباحه لم يكن لأحد أن يجتهد في خلافه، و لو سوّغنا الاجتهاد في مقابل النصّ لم نأمن أن يؤدّي الاجتهاد إلى تحليل الخمر و إسقاط الصلاة، و إنّما يجوز الاجتهاد عندهم فيما لا نصّ فيه كما ذكره السيد رحمه اللّه. و قد ورد في أخبارنا إيواء عثمان المغيرة بن أبي العاص، و قد نهى الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك و لعن من يحمله و من يطعمه و من يسقيه و أهدر دمه.. و فعل جميع ذلك، و قتل رقيّة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و زنا بجاريتها، و قد مرّت في باب أحوالها عليها السلام.

الرابع

ما صنع بأبي ذرّ رضي اللّه عنه من الإهانة و الضرب و الاستخفاف و التسيير مع علوّ شأنه الذي لا يخفى على أحد.

 فقد روى السيد رحمه اللّه في الشافي و ابن أبي الحديد في شرح النهج و اللفظ للسيد إنّ عثمان لّما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه، و أعطى الحارث ابن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، و أعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول بشّر الكافرين بعذاب أليم، و يتلو قول اللّه عزّ و جلّ )وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ(، فرفع ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذرّ نائلا مولاه أن انته عمّا يبلغني عنك، فقال أ ينهاني عثمان عن قراءة كتاب اللّه، و عيب من ترك أمر اللّه، فو اللّه لأن أرضي اللّه بسخط عثمان أحبّ إليّ و خير لي من أن أرضي عثمان بسخط اللّه فأغضب عثمان ذلك، فأحفظه و تصابر، و قال عثمان يوما أ يجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضاه. فقال كعب الأخبار لا بأس بذلك، فقال أبو ذرّ يا ابن اليهوديّين، أ تعلّمنا ديننا. فقال عثمان قد كثر أذاك لي و تولّعك بأصحابي، الحق بالشام، فأخرجه إليها، فكان أبو ذرّ ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذرّ إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، و إن كانت صلة فلا حاجة لي فيها، و ردّها عليه. و بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذرّ يا معاوية إن كانت هذه من مال اللّه فهي الخيانة، و إن كانت من مالك فهو الإسراف، و كان أبو ذرّ رحمه اللّه تعالى يقول و اللّه لقد حدثت أعمال ما أعرفها، و اللّه ما هي في كتاب اللّه و لا في سنّة نبيّه )ص(، و اللّه إنّي لأرى حقّا يطفأ، و باطلا يحيى، و صادقا مكذّبا، و أثرة بغير تقى، و صالحا مستأثرا عليه. و قال حبيب بن مسلمة الفهريّ لمعاوية إنّ أبا ذرّ لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كانت لكم فيه حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية أمّا بعد، فاحمل جنيدبا إليّ على أغلظ مركب و أوعره، فوجّه به مع من سار به الليل و النهار، و حمله على شارف ليس عليها إلّا قتب، حتّى قدم به المدينة، و قد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلمّا قدم أبو ذرّ المدينة، بعث إليه عثمان أن الحق بأيّ أرض شئت، فقال بمكة. قال لا. قال فبيت المقدس. قال لا. قال فبأحد المصرين. قال لا، و لكنّي مسيّرك إلى الرّبذة.. فسيّره إليها، فلم يزل بها حتّى مات.

 و في رواية الواقدي أنّ أبا ذرّ لما دخل على عثمان قال له لا أنعم اللّه بك عينا يا جندب. فقال أبو ذرّ أنا جندب و سمّاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبد اللّه، فاخترت اسم رسول اللّه الذي سمّاني رسول اللّه به على اسمي. فقال له عثمان أنت الذي تزعم أنّا نقول إنّ يد اللّه مغلولة، و إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ. فقال أبو ذرّ لو كنتم لا تزعمون، لأنفقتم مال اللّه على عباده، و لكنّي أشهد لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال اللّه دولا، و عباد اللّه خولا، و دين اللّه دخلا، ثم يريح اللّه العباد منهم. فقال عثمان لمن حضره أ سمعتموها من نبيّ اللّه )ص(. فقالوا ما سمعناه، فقال عثمان ويلك يا أبا ذرّ أ تكذب على رسول اللّه. فقال أبو ذرّ لمن حضره أ ما تظنّون أنّي صدقت. فقالوا لا، و اللّه ما ندري. فقال عثمان ادعوا لي عليّا، فدعي، فلمّا جاء قال عثمان لأبي ذرّ اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص، فحدّثه، فقال عثمان لعليّ عليه السلام هل سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فقال عليه السلام لا، و صدق أبو ذرّ، فقال كيف عرفت صدقه. فقال لأنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، فقال من حضر من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميعا لقد صدق أبو ذرّ، فقال أبو ذرّ أحدّثكم أنّي سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم تتّهموني ما كنت أظنّ أنّي أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

 و روى الواقدي في خبر آخر بإسناده، عن صهبان مولى الأسلميّين، قال رأيت أبا ذرّ يوم دخل به على عثمان، فقال له أنت الذي فعلت.. و فعلت. فقال له أبو ذرّ قد نصحتك فاستغششتني و نصحت صاحبك فاستغشّني. فقال عثمان كذبت، و لكنّك تريد الفتنة و تحبّها، قد قلبت الشام علينا. فقال له أبو ذرّ اتّبع سنّة صاحبيك، لا يكون لأحد عليك كلام. فقال له عثمان ما لك و لذلك لا أمّ لك. فقال أبو ذرّ و اللّه ما وجدت لي عذرا إلّا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فغضب عثمان و قال أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله، فإنّه قد فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من الأرض، فتكلّم عليّ عليه السلام و كان حاضرا، فقال أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون )وَ إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(، فأجابه عثمان بجواب غليظ لم أحبّ أن أذكره، و أجابه عليّ عليه السلام بمثله. ثمّ إنّ عثمان حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذرّ و يكلّموه، فمكث كذلك أيّاما، ثم أمر أن يؤتى به، فلمّا أتي به و وقف بين يديه، قال ويحك يا عثمان أ ما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رأيت أبا بكر و عمر، هل رأيت هذا هديهم، إنّك لتبطش في بطش جبّار. فقال اخرج عنّا من بلادنا. فقال أبو ذرّ فما أبغض إليّ جوارك فإلى أين أخرج. قال حيث شئت. قال فأخرج إلى الشام أرض الجهاد. فقال إنّما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها، أ فأردّك إليها. قال إذن أخرج إلى العراق.. قال لا. قال و لم. قال تقدم على قوم أهل شبهة و طعن على الأئمّة. قال فأخرج إلى مصر. قال لا. قال فإلى أين أخرج. قال حيث شئت. فقال أبو ذرّ هو إذن التعرّب بعد الهجرة، أخرج إلى نجد. فقال عثمان الشرف الشرف الأبعد أقصى فأقصى. فقال أبو ذرّ قد أبيت ذلك عليّ. قال امض على وجهك هذا، و لا تعدونّ الرّبذة. فخرج إليها

أقول الجواب الغليظ الّذي لم يحبّ ذكره هو قوله لعنه اللّه بفيك التراب، و قوله عليه السلام بل بفيك التراب، كما رواه في تقريب المعارف ثم قال

 و روى الواقدي، عن مالك بن أبي الرجال، عن موسى بن ميسرة أنّ أبا الأسود الدؤليّ قال كنت أحبّ لقاء أبي ذرّ لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الرّبذة، فقلت له أ لا تخبرني خرجت من المدينة طائعا أو أخرجت. قال أما إنّي كنت في ثغر من الثغور أغني عنهم، فأخرجت إلى مدينة الرسول، فقلت دار هجرتي و أصحابي، فأخرجت منها إلى ما ترى، ثم قال بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مرّ بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال فضربني برجليه، فقال لا أراك نائما في المسجد. فقلت بأبي أنت و أمّي غلبتني عيني فنمت فيه. فقال كيف تصنع إذا أخرجوك منه. فقلت إذن ألحق بالشام، فإنّها أرض مقدّسة، و أرض تقيّة الإسلام، و أرض الجهاد. فقال كيف بك إذا أخرجوك منها. قال فقلت له أرجع إلى المسجد. قال كيف تصنع إذا أخرجوك منه. قلت آخذ سيفي فأضرب به. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أ لا أدلّك على خير من ذلك، استق معهم حيث ساقوك، و تسمع و تطيع، فسمعت و أطعت و أنا أسمع و أطيع، و اللّه ليلقينّ اللّه عثمان و هو آثم في جنبي. و كان يقول بالرّبذة ما ترك الحقّ لي صديقا. و كان يقول فيها ردّني عثمان بعد الهجرة أعرابيّا.

ثم قال السيد رضي اللّه عنه و الأخبار في هذا الباب أكثر من أن نحصرها و أوسع من أن نذكرها. أقول

 و روى المسعودي في مروج الذهب أبسط من ذلك.. إلى أن قال لّما ردّ عثمان أبا ذرّ رضي اللّه عنه إلى المدينة على بعير عليه قتب يابس، معه خمسمائة من الصقالبة يطردون به حتى أتوا به المدينة و قد تسلّخت بواطن أفخاذه و كاد يتلف، فقيل له إنّك تموت من ذلك. فقال هيهات لن أموت حتى أنفى.. و ذكر ما ينزل به من هؤلاء فيه.. و ساق الحديث إلى قوله فقال له عثمان وار وجهك عنّي. قال أسير إلى مكة. قال لا و اللّه. قال فإلى الشام. قال لا و اللّه. قال فإلى البصرة. قال لا و اللّه. فاختر غير هذه البلدان. قال لا و اللّه لا أختار غير ما ذكرت لك و لو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان، فسيّرني حيث شئت من البلاد. قال إنّي مسيّرك إلى الرّبذة. قال اللّه أكبر صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم قد أخبرني بكلّ ما أنا لاق. قال و ما قال لك. قال أخبرني أنّي أمنع من مكة و المدينة و أموت بالرّبذة، و يتولّى دفني نفر يردون من العراق إلى نحو الحجاز، و بعث أبو ذرّ إلى جمل فحمل عليه امرأته، و قيل ابنته، و أمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الرّبذة، و لما طلع عن المدينة و مروان يسيّره عنها طلع عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام و معه ابناه عليهما السلام و عقيل أخوه و عبد اللّه بن جعفر و عمّار بن ياسر، فاعترض مروان و قال يا عليّ إنّ أمير المؤمنين ينهى الناس أن يمنحوا أبا ذرّ أو يسقوه، فإن كنت لم تعلم بذلك فقد أعلمتك، فحمل عليه بالسوط، فضرب بين أذني ناقة مروان و قال تنحّ نحّاك اللّه إلى النار، و مضى مع أبي ذرّ فشيّعه ثم ودّعه و انصرف، فلمّا أراد عليّ )ع( الانصراف بكى أبو ذرّ و قال رحمكم اللّه أهل البيت إذا رأيتك يا أبا الحسن و ولدك ذكرت بكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم. فشكا مروان إلى عثمان ما فعل به عليّ عليه السلام، فقال عثمان يا معشر المسلمين من يعدوني من عليّ ردّ رسولي عمّا وجّهته له، و فعل و فعل، و اللّه لنعطيه حقّه، فلمّا رجع عليّ استقبله الناس و قالوا إنّ أمير المؤمنين عليك غضبان لتشييعك أبا ذرّ. فقال عليّ )ع( غضب الخيل على اللجم، فلمّا كان بالعشيّ و جاء عثمان قال ما حملك على ما صنعت بمروان و لم اجترأت عليّ و رددت رسولي و أمري. فقال أمّا مروان فاستقبلني بردّي فرددته عن ردّي، و أمّا أمرك لم أردّه. فقال عثمان أ لم يبلغك أنّي قد نهيت الناس عن أبي ذرّ و شيعه. فقال عليّ )ع( أ و كلّما أمرتنا به من شي‏ء نرى طاعة اللّه و الحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك، لعمر اللّه ما نفعل. فقال عثمان أقد مروان. قال و ممّ أقيده. قال ضربت بين أذني راحلته و شتمته فهو شاتمك و ضارب بين أذني راحلتك. قال عليّ )ع( أمّا راحلتي فهي تلك، فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فعل، و أمّا أنا فو اللّه لئن شتمني لأشتمنّك بمثله لا كذب فيه و لا أقول إلّا حقّا. قال عثمان و لم لا يشتمك إذا شتمته، فو اللّه ما أنت بأفضل عندي منه، فغضب عليّ عليه السلام و قال لي تقول هذا القول أ مروان يعدل بي فلا و اللّه أنا أفضل منك و أبي أفضل من أبيك، و أمّي أفضل من أمّك، و هذه نبلي قد نثلتها فانثل نبلك، فغضب عثمان و احمرّ وجهه و قام فدخل، و انصرف عليّ عليه السلام فاجتمع إليه أهل بيته و رجال المهاجرين و الأنصار، فلمّا كان من الغد و اجتمع الناس شكا إليهم عليّا )ع( و قال إنّه يغشّني و يظاهر من يغشّني يريد بذلك أبا ذرّ و عمّارا أو غيرهما، فدخل الناس بينهما حتى اصطلحا. و قال عليّ )ع( و اللّه ما أردت بتشييعي أبا ذرّ إلّا اللّه تعالى.

انتهى و قد مرّ في باب أحوال أبي ذرّ تلك القصّة و فضائله و مناقبه من طرق أهل البيت عليهم السلام

 و روى ابن الأثير في جامع الأصول برواية الترمذي، عن أنس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذرّ، أشبه عيسى في ورعه. قال عمر أ فنعرّف ذلك له يا رسول اللّه. قال نعم، فاعرفوا له.

 و عن بريدة، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ اللّه أمرني بحبّ أربعة و أخبرني أنّه يحبّهم. قيل يا رسول اللّه سمّهم لنا. قال عليّ منهم.. يقول ذلك ثلاثا، و أبو ذرّ، و المقداد، و سلمان، أمرني بحبّهم و أخبرني أنّه يحبّهم.

 و عن ابن عمرو بن العاص، قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ يقول ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذرّ. قال أخرجه الترمذي.

 و عن أبي ذرّ، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، شبيه عيسى ابن مريم. فقال عمر بن الخطاب كالحاسد يا رسول اللّه )ص( أ فنعرف ذلك له. قال نعم، فاعرفوه.

قال أخرجه الترمذي، و قال قد روى بعضهم هذا الحديث فقال أبو ذرّ يمشي في الأرض بزهد عيسى ابن مريم

 أقول و إذا كان أبو ذرّ رضوان اللّه عليه من الذي يحبّهم اللّه و أمر رسوله بحبّهم فإيذاؤه و الإهانة به في حكم المعاداة للّه و لرسوله، و إذا كان أصدق الناس لهجة فحال من شهد عليه بالكذب و الضلال معلوم، و ما اشتملت عليه القصّة من منازعته مع أمير المؤمنين عليه السلام و شتمه يكفي في القدح فيه و وجوب لعنه.

الخامس

أنّه ضرب عبد اللّه بن مسعود حتّى كسر بعض أضلاعه، و قد رووا في فضله في صحاحهم أخبارا كثيرة، و كان ابن مسعود يذمّه و يشهد بفسقه و ظلمه.

 قال السيد رضي اللّه عنه في الشافي قد روى كلّ من روى السيرة من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم أنّ ابن مسعود كان يقول ليتني و عثمان برمل عالج يحثو عليّ و أحثو عليه حتى يموت الأعجز منّي و منه.

 و رووا أنّه كان يطعن عليه فيقال له ألا خرجت إليه ليخرج معك. فيقول و اللّه لأن أزاول جبلا راسيا أحبّ إليّ من أن أزاول ملكا مؤجّلا. و كان يقول في كلّ يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا إنّ أصدق القول كتاب اللّه، و أحسن الهدي هدي محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و شرّ الأمور محدثاتها، و كلّ محدث بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار، و إنّما كان يقول ذلك معرضا بعثمان حتى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه و نهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهي، فكتب إلى عثمان فيه، فكتب عثمان يستقدمه عليه....

 و قد روي عنه من طرق لا تحصى كثرة أنّه كان يقول ما يزن عثمان عند اللّه جناح بعوضة.. و أوصى عند موته أن لا يصلّي عليه عثمان، و لما أتاه عثمان في مرضه و طلب منه الاستغفار قال أسأل اللّه أن يأخذ لي منك بحقّي... و روى الواقدي بإسناده، و غيره، أنّ عثمان لما استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعة، فلمّا علم عثمان بدخوله، قال أيّها الناس إنّه قد طرقكم الليلة دويبة من تمر على طعامه تقي‏ء و تسلح. فقال ابن مسعود لست كذلك، و لكنّي صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر، و صاحبه يوم أحد، و صاحبه يوم بيعة الرضوان، و صاحبه يوم الخندق، و صاحبه يوم حنين. قال و صاحت عائشة أيا عثمان أ تقول هذا لصاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال عثمان اسكتي. ثم قال لعبد اللّه بن زمعة بن الأسود أخرجه إخراجا عنيفا، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد، فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه. فقال ابن مسعود قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان. و في رواية أخرى أنّ ابن زمعة الذي فعل به ما فعله كان مولى لعثمان أسود، و كان مشذّبا طوالا. و في رواية أنّ فاعل ذلك يحموم مولى عثمان. و في رواية أنّه لّما احتمله ليخرجه من المسجد ناداه عبد اللّه أنشدك اللّه أن تخرجني من مسجد خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال الراوي فكأنّي أنظر إلى حموشة ساقي عبد اللّه بن مسعود و رجلاه يختلفان على عنق مولى عثمان حتى أخرج من المسجد، و هو الذي يقول فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لساقا ابن أمّ عبد أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل أحد.

 و قد روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرطي أنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطا في دفنه أبا ذرّ، و هذه قصّة أخرى، و ذلك أنّ أبا ذرّ لّما حضرته الوفاة بالرّبذة و ليس معه إلّا امرأته و غلامه أوصى إليهما أن غسّلاني ثم كفّناني ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأوّل ركب يمرّون بكم قولا لهم هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأعينونا على دفنه، فلمّا مات فعلا ذلك، و أقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين، فلم يرعهم إلّا الجنازة على قارعة الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فقام إليهم العبد، فقال هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأعينونا على دفنه، فأنهل ابن مسعود باكيا و قال صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال تمشي وحدك، و تموت وحدك، و تبعث وحدك، ثم نزل هو و أصحابه فواروه. هذا بعض ما رواه في الشافي آخذا من كتبهم المعتبرة.

 و قد رووا في أصولهم المشهورة كجامع الأصول و الإستيعاب و صحاحهم المتداولة مناقب جمّة لابن مسعود لم ينقلوا مثلها لعثمان تركناها مخافة الإطناب، فضربه و إخراجه و إهانته و إيذاؤه من أعظم الطعون على عثمان،...

 السادس

ما صنع بعمّار بن ياسر رضي اللّه عنه الذي أطبق المؤالف و المخالف على فضله و علوّ شأنه، و رووا أخبارا مستفيضة دالّة على كرامته و علوّ درجته. قال السيد رضي اللّه عنه في الشافي ضرب عمّار ممّا لم يختلف فيه الرواة و إنّما اختلفوا في سببه.

 فروى عباس بن هشام الكلبي، عن أبي مخنف في إسناده أنّه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ و جوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك و كلّموه فيه بكلّ كلام شديد حتى غضب فخطب، و قال لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي‏ء و إن رغمت أنوف أقوام. فقال له عليّ عليه السلام إذا تمنع من ذلك و يحال بينك و بينه. فقال عمّار أشهد اللّه أنّ أنفي أوّل راغم من ذلك. فقال عثمان أ عليّ يا ابن ياسر و سميّة تجتري خذوه.. فأخذوه، و دخل عثمان فدعا به و ضربه حتّى غشي عليه، ثم أخرج فحمل إلى منزل أمّ سلمة زوج النبيّ )ص( فلم يصلّ الظهر و العصر و المغرب، فلمّا أفاق توضّأ و صلّى. و قال الحمد للّه، ليس هذا أوّل يوم أوذينا فيه في اللّه تعالى. فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي و كان عمّار حليفا لبني مخزوم يا عثمان أمّا عليّ فاتّقيته، و أمّا نحن فاجترأت علينا و ضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف، أما و اللّه لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني أميّة عظيم الشأن. فقال عثمان و إنّك لهاهنا يا ابن القسرية. قال فإنّهما قسريّتان و كانت أمّه و جدّته قسريّتين من بجيلة، فشتمه عثمان و أمر به فأخرج، فأتي به أمّ سلمة فإذا هي قد غضبت لعمّار، و بلغ عائشة ما صنع بعمّار فغضبت و أخرجت شعرا من شعر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نعلا من نعاله و ثوبا من ثيابه، و قالت ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم، و هذا ثوبه و شعره و نعله لم يبل بعد.

 و روى آخرون أنّ السبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل عبد اللّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته إذا كان المتولّي للصلاة عليه و القيام بشأنه فعندها وطئ عثمان عمّارا حتى أصابه الفتق.

 و روى آخرون أنّ المقداد و طلحة و الزبير و عمّارا و عدّة من أصحاب رسول اللّه )ص( كتبوا كتابا عدّدوا فيه أحداث عثمان و خوّفوه ربّه، و أعلموه أنّه مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به فقرأ منه صدرا، فقال عثمان أ عليّ تقدم من بينهم. فقال لأنّي أنصحهم لك. فقال كذبت يا ابن سميّة. فقال أنا و اللّه ابن سميّة و أنا ابن ياسر، فأمر غلمانه فمدوا بيديه و رجليه ثم ضربه عثمان برجليه و هما في الخفّين على مذاكيره فأصابه الفتق، و كان ضعيفا كبيرا فغشي عليه.

ثم قال رحمه اللّه و قد روي من طرق مختلفة و بأسانيد كثيرة، أنّ عمارا كان يقول ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر و أنا الرابع، و أنا شرّ الأربعة )وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ( و أنا أشهد أنّه قد حكم بغير ما أنزل اللّه.

 و روي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة، أنّه قيل له بأيّ شي‏ء أكفرتم عثمان. فقال بثلاث، جعل المال دولة بين الأغنياء، و جعل المهاجرين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمنزلة من حارب اللّه و رسوله و عمل بغير كتاب اللّه..

ثم ساق السيّد الكلام.. إلى أن قال فلا عذر يسمع من إيقاع نهاية المكروه مّمن

 روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال فيه عمّار جلدة ما بين العين و الأنف و متى تنكى الجلدة تدم الأنف.

 و روي أنّه قال )ص( ما لهم و لعمّار يدعوهم إلى الجنّة و يدعونه إلى النار.

 و روي، عن خالد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من عادى عمّارا عاداه اللّه، و من أبغض عمّارا أبغضه اللّه.

و أيّ كلام غليظ سمعه عثمان من عمّار يستحقّ به ذلك المكروه العظيم الذي تجاوز مقدار ما فرضه اللّه تعالى في الحدود و إنّما كان عمّار و غيره ينثوا عليه أحداثه و معايبه أحيانا على ما يظهر من سيّئ أفعاله، و قد كان يجب عليه أحد أمرين إمّا أن ينزع عمّا يواقف عليه من تلك الأفعال، أو أن يبيّن عذره فيها و براءته منها ما يظهر و يشتهر و ينتشر، فإن أقام مقيم بعد ذلك على توبيخه و تفسيقه زجره عن ذلك بوعظ أو غيره، و لا يقدم على ما يفعله الجبابرة و الأكاسرة من شفاء الغيظ بغير ما أنزل اللّه تعالى و حكمه به. انتهى. و عندي أنّ السبب الحامل لعثمان على ما صنع بعمّار هو أنّ عمّارا كان من المجاهرين بحبّ عليّ عليه السلام، و أنّ من غلبه على الخلافة غاصب لها، فحملته عداوته لأمير المؤمنين عليه السلام و حبّه للرئاسة على إهانته و ضربه حتى حدث به الفتق و كسر ضلعا من أضلاعه، فإنّه

 قد ذكر ابن الأثير في الكامل و غيره في غيره في قصّة الشورى أنّ عمّارا كان يقول لابن عوف إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا )ع(، و عارضه في ذلك عبد اللّه بن أبي سرح و غيره و اشتدّ الأمر و شتم بعضهم بعضا.

 و روى المسعودي في مروج الذهب إنّ عمّارا حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان في دار عثمان عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان، و دخل داره و معه بنو أميّة، فقال أبو سفيان أ فيكم أحد من غيركم و قد كان عمي، قالوا لا. قال يا بني أميّة تلقّفوها تلقّف الكرة، و الذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم و لتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة، فانتهره عثمان و ساءه ما قال، و أنهى هذا القول إلى المهاجرين و الأنصار، فقام عمّار في المسجد، فقال يا معشر قريش أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم مرّة هاهنا و مرّة هاهنا فما أنا بآمن أن ينزعه اللّه منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهل هذا البيت بعد نبيّكم.

 و روى ابن أبي الحديد، عن أبي بكر الجوهري أنّ أبا سفيان قال لما بويع عثمان كان هذا الأمر في تيم، و أنّى لتيم هذا الأمر، ثم صار إلى عديّ فأبعد و أبعد، ثم رجعت إلى منازلها و استقرّ الأمر قراره، فتلقّفوها تلقّف الكرة.

 قال و قال أبو بكر و حدّثني مغيرة بن محمد المهلّبي، قال ذاكرت إسماعيل بن إسحاق القاضي بهذا الحديث، و إنّ أبا سفيان قال لعثمان بأبي أنت أنفق و لا تكن كأبي حجر، و تداولوها يا بني أميّة تداول الولدان الكرة، فو اللّه ما من جنّة و لا نار، و كان الزبير حاضرا، فقال عثمان لأبي سفيان اعزب فقال يا بنيّ هاهنا أحد. قال الزبير نعم و اللّه لا كتمتها عليك. قال فقال إسماعيل هذا باطل. قلت و كيف ذلك. قال ما أنكر هذا من أبي سفيان، و لكن أنكر أن يكون عثمان سمعه و لم يضرب عنقه.

انتهى. و إنّما أوردت هذا الخبر ليظهر لك حقيقة إسلام القوم. و لنرجع إلى بعض ما كنّا فيه

 روى ابن أبي الحديد نقلا من كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسناده، عن أبي كعب الحارثي، قال.. أتيت المدينة فأتيت عثمان ابن عفّان و هو الخليفة يومئذ، فسألته عن شي‏ء من أمر ديني، و قلت يا أمير المؤمنين إنّي رجل من أهل اليمن من بني الحارث بن كعب، و إنّي أريد أن أسألك عن أشياء فأمر حاجبك أن لا يحجبني. فقال يا وثاب إذا جاءك هذا الحارثي فأذن له. قال فكنت إذا جئت قرعت الباب، قال من ذا فقلت الحارثي، فيقول ادخل، فدخلت يوما فإذا عثمان جالس و حوله نفر سكوت لا يتكلّمون كأنّ على رءوسهم الطير، فسلّمت ثم جلست، فلم أسأله عن شي‏ء لما رأيت من حالهم و حاله، فبينا أنا كذلك إذا جاء نفر فقالوا إنّه أبى أن يجي‏ء. قال فغضب و قال أبى أن يجي‏ء اذهبوا فجيئوا به، فإن أبى فجرّوه جرّا، قال فمكثت قليلا فجاءوا و معهم رجل آدم طوال أصلع في مقدّم رأسه شعرات و في قفاه شعرات، فقلت من هذا. قالوا عمّار بن ياسر. فقال له عثمان أنت الّذي يأتيك رسلنا فتأبى أن تجي‏ء. قال فكلّمه بشي‏ء لم أدر ما هو، ثم خرج فما زالوا ينفضّون من عنده حتّى ما بقي غيري، فقام، فقلت و اللّه لا أسأل عن هذا الأمر أحدا، أقول حدّثني فلان حتّى أدري ما يصنع، فتبعته حتى دخل المسجد، فإذا عمّار جالس إلى سارية و حوله نفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم يبكون. فقال عثمان يا وثاب عليّ بالشرط، فجاءوا. فقال فرّقوا بين هؤلاء، ففرّقوا بينهم، ثم أقيمت الصلاة فتقدّم عثمان فصلّى بهم، فلمّا كبّر قالت امرأة من حجرتها يا أيّها الناس.. ثم تكلّمت فذكرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و ما بعثه اللّه به، ثم قالت تركتم أمر اللّه و خالفتم عهده.. و نحو هذا، ثم صمتت، و تكلّمت امرأة أخرى بمثل ذلك فإذا هما عائشة و حفصة، قال فسلّم عثمان و أقبل على الناس و قال لإنّ هاتين لفتّانتان يحلّ لي سبّهما و أنا بأصلهما عالم، فقال له سعد بن أبي وقّاص أ تقول هذا لحبائب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم. فقال و فيم أنت و ما هاهنا، ثم أقبل نحو سعد عامدا ليضربه فانسلّ سعد، فخرج من المسجد، فاتّبعه عثمان فلقي عليّا )ع( بباب المسجد، فقال له عليّ عليه السلام أين تريد. قال أريد هذا الذي.. كذا و كذا يعني سعد يشتمه، فقال له عليّ عليه السلام أيّها الرجل دع عنك هذا. قال فلم يزل بينهما كلام حتّى غضبا. فقال عثمان أ لست الذي خلّفك رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم يوم تبوك. فقال عليّ عليه السلام أ لست الفارّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم يوم أحد، قال ثم حجز الناس بينهما، قال ثم خرجت من المدينة حتى انتهيت إلى الكوفة فوجدت أهلها أيضا بينهم شرق نشبوا في الفتنة و ردّوا سعيد بن العاص فلم يدعوه يدخل إليهم، فلمّا رأيت ذلك رجعت حتى أتيت بلاد قومي.

و قد مرّ.. و سيأتي الأخبار في فضل عمّار، و هو أشهر من الشمس في رابعة النهار.

 و قد روى ابن عبد البرّ في الإستيعاب و غيره، عن عائشة، قالت ما من أحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أشاء أن أقول فيه إلّا قلت إلّا عمّار بن ياسر، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم يقول ملئ عمّار إيمانا حتى أخمص قدميه. و برواية أخرى حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا.

  و عن خالد بن الوليد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم قال من أبغض عمّارا أبغضه اللّه. قال خالد فما زلت أحبّه من يومئذ.

 و عن أنس عنه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أنّه قال اشتاقت الجنّة إلى عليّ و عمّار و سلمان و بلال.

 و عن عليّ عليه السلام قال جاء عمّار بن ياسر يستأذن على النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم يوما فعرف صوته، فقال مرحبا بالطيّب المطيّب، ائذنوا له.

 و روى في المشكاة، عن الترمذي، عن أبي هريرة في حديث قال عمّار هو الذي أجاره اللّه من الشيطان على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه ]و آله[.

 و عن أنس، عنه صلّى اللّه عليه و آله، قال قال إنّ الجنّة تشتاق إلى ثلاثة عليّ و عمّار و سلمان

  و عن عائشة، قالت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ ما خيّر عمّار بين أمرين إلّا اختار أشدّهما على بدنه.

 و عن أحمد بإسناده، عن خالد بن الوليد، قال كان بيني و بين عمّار بن ياسر كلام فأغلظت له في القول، فانطلق عمّار يشكوني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[، قال فجاء خالد و هو يشكوه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[، قال فجعل يغلظه له و لا يزيده إلّا غلظة و النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ ساكت لا يتكلّم، فبكى عمّار و قال أ لا تراه. فرفع النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ رأسه، و قال من عادى عمّارا عاداه اللّه، و من أبغض عمّارا أبغضه اللّه. قال خالد فخرجت فما كان شي‏ء أحبّ إليّ من رضى عمّار، فلقيته بما رضي فرضي.

 و روى في جامع الأصول، عن البخاري، عن عكرمة، عن أبي سعيد الخدري في ذكر بناء المسجد، قال كنّا نحمل لبنة لبنة و عمّار لبنتين لبنتين، فرآه النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ ينفض التراب عنه، و يقول ويح عمّار يدعوهم إلى الجنّة و يدعونه إلى النار. قال و يقول عمّار أعوذ باللّه من الفتن.

و روى من صحاحهم الأخبار السالفة بأسانيد. و لا يخفى على عاقل بعد ملاحظة الأخبار السابقة التي رووها في صحاحهم حال من ضرب و شتم و أهان و عادى رجلا

 قال فيه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ من عاداه فقد عادى اللّه و من أبغضه فقد أبغض اللّه، و إنّ الجنّة تشتاق إليه، و إنّه مملوّ إيمانا، و إنّ اللّه أجاره من الشيطان،.

 السابع

أنّه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصّة و أحرق المصاحف و أبطل ما لا شكّ أنّه منزل من القرآن، و أنّه مأخوذ من الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و لو كان ذلك حسنا لسبق إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،

 و سيأتي في كتاب القرآن أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جمع القرآن بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما أوصى به فجاء به إلى المهاجرين و الأنصار، فلمّا رأى أبو بكر و عمر اشتماله على فضائح القوم أعرضا عنه و أمرا زيد بن ثابت بجمع القرآن و إسقاط ما اشتمل منه على الفضائح، و لما استخلف عمر سأل عليّا عليه السلام أن يدفع إليه القرآن الّذي جمعه ليحرقه و يبطله، فأبى عليه السلام عن ذلك، و قال )لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ( من ولدي، و لا يظهر حتّى يقوم القائم من أهل البيت عليهم السلام فيحمل الناس عليه و يجري السنّة على ما يتضمّنه و يقتضيه.

و سيأتي الأخبار الكثيرة في ذلك من طرق الخاصّة و العامّة. و تفصيل القول في ذلك، أنّ الطعن فيه من وجهين الأول جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت إبطال للقرآن المنزل، و عدول عن الراجح إلى المرجوح في اختيار زيد بن ثابت من حملة قراءة القرآن، بل هو ردّ صريح لقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله على ما يدلّ عليه صحاح أخبارهم. و الثاني أنّ إحراق المصاحف الصحيحة استخفاف بالدين و محادّة للّه ربّ العالمين. أمّا الثاني، فلا يخفى على من له حظّ من العقل و الإيمان. و أمّا الأول، فلأنّ أخبارهم متضافرة في أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم ينه أحدا عن الاختلاف في قراءة القرآن بل قرّرهم عليه، و صرّح بجوازه، و أمر الناس بالتعلّم من ابن مسعود و غيره ممّن منع عثمان من قراءتهم، و ورد في فضلهم و علمهم بالقرآن ما لم يرد في زيد بن ثابت، فجمع الناس على قراءته و حظر ما سواه ليس إلّا ردّا لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إبطالا للصحيح الثابت من كتاب اللّه عزّ و جلّ. فأمّا ما يدلّ من رواياتهم على أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، و على تقرير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على الاختلاف في القراءة. فمنها

 ما رواه البخاري، عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قال أقرأني جبرئيل على حرف فراجعته فزادني، فلم أزل أستزيده و يزيدني حتّى انتهى على سبعة أحرف.

 و روى في جامع الأصول، عن البخاري و مسلم و مالك و أبو داود و النسائي بأسانيدهم، عن عمر بن الخطاب، قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤه على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم فكدت أساوره في الصلاة، فتربّصت حتّى سلّم فلببته بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها. قال أقرأنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم، فقلت كذبت، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[، فقلت إنّي سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أرسله، اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التّي سمعته يقرأ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم كذلك أنزلت، ثم قال اقرأ يا عمر. فقرأته القراءة التّي أقرأني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ. قال في جامع الأصول أخرجه الجماعة. و قال الترمذي هذا حديث صحيح.

 و روى مسلم و الترمذي و أبي داود و النسائي في صحاحهم و أورده في المشكاة و في جامع الأصول عن أبيّ بن كعب، قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي فقرأ قراءة أنكرتها، ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلمّا قضيت الصلاة دخلنا جميعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم، فقلت إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، فدخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم فقرءا فحسّن شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب و لا إذ كنت في الجاهليّة، فلمّا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم ما قد غشيني، ضرب في صدري ففضت عرقا، و كأنّما أنظر إلى اللّه فرقا. فقال لي يا أبيّ أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثانية اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثالثة اقرأه على سبعة أحرف، و لك بكلّ ردّة رددتكها مسألة تسألنيها، فقال اللّهمّ اغفر لأمّتي، اللّهمّ اغفر لأمّتي، و أخّرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم حتّى إبراهيم عليه السلام.

أقول و قد رووا روايات كثيرة بتلك المضامين لا نطيل الكلام بإيرادها،

 و في بعضها قال لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبرئيل، فقال يا جبرئيل إنّي بعثت إلى أمّة أمّيّين منهم العجوز و الشيخ الكبير و الغلام و الجارية و الرجل الذي لا يقرأ كتابا قطّ، فقال لي يا محمّد إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف.

فهذه الأخبار كما ترى صريحة في جواز القراءة على الوجوه المختلفة، و إنّ كلّا من الأحرف السبعة من كلام اللّه المنزل، و في بعض الروايات تصريح بأنّه صلّى اللّه عليه و آله كره المنع من القراءات المتعدّدة، فجمع الناس على قراءة واحدة، و المنع عمّا سواها ردّ صريح و مضادّة لنصّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و ما قيل من أنّ المراد بنزوله على سبعة أحرف اشتماله على سبعة معان، كالوعد و الوعيد و المحكم و المتشابه و الحلال و الحرام و القصص و الأمثال و الأمر و النهي.. و نحو ذلك فالأخبار تدفعه، لأنّها ناطقة بأنّ السبعة الأحرف ممّا يختلف به اللفظ و ليس الاختلاف فيها مقصورا على المعنى. و كذا ما يقال من أنّ هذه الأحرف السبعة ظهرت و استفاضت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ضبطتها عنه الأئمّة و أثبتها عثمان و الجماعة في المصحف و أخبروا بصحّتها، و إنّما حذفوا عنها ما لم يثبت متواترا، و إنّ هذه الأحرف تختلف معانيها تارة و ألفاظها أخرى فهو مردود بأنّ من راجع السير و كتب القراءة علم أنّ مصحف عثمان لم يكن إلّا حرفا واحد، و أنّه أبطل ما سوى ذلك الحرف، و لذلك نقم عليه ابن مسعود و غيره، و كان غرضه رفع الاختلاف و جمع الناس على أمر واحد و اختيار هؤلاء السبعة من بين القرّاء، و الاقتصار على قراءتهم، و رفض من سواهم من القرّاء على كثرتهم إنّما هو من فعل المتأخّرين، و قد تشعّبت القراءات و اختلفت كلمة القرّاء بعد ما جمع عثمان الناس على قراءة زيد بن ثابت، و كتب المصاحف السبعة على المشهور بين القرّاء فبعث بواحد منها إلى الكوفة و بواحد إلى البصرة و إلى كلّ من الشام و مكة و اليمن و البحرين بواحد و أمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له الإمام، ثم لّما كانت تلك المصاحف مجرّدة عن النقط و علامة الإعراب و نحو ذلك، و كانت الكلمات المشتملة على حرف الألف مرسومة فيها بغير ألف، اختلفت القراءات بحسب ما تحتمله صورة الكتابة، فقرأ كلّ بما ظنّه أولى من حيث المعنى أو من جهة قواعد العربية و اللغة إلّا في مواضع يسيرة لم يتّفقوا على صورة الكتابة، و الظاهر أنّها نشأت من كتّاب المصاحف السبعة، و اختلافها إمّا لأنّ كلّا منهم كتب الكلمة بلغة كانت عنده أصحّ كالصراط بالصاد و السين، أو للسهو و الغفلة، أو لاشتباه حصل في صورة الكتابة. و بالجملة، جميع القرّاء المتأخّرين عن عصر الصحابة السبعة و غيرهم يزعمون مطابقة قراءتهم لمصحف من مصاحف عثمان، بل للقراءة الواحدة التّي جمع عثمان الناس عليها و أمر بترك ما سواها، فهذه القراءات إنّما تشعّبت عن مصاحف عثمان، و لذلك اشتراط علماء القراءة في صحّة القراءة و وجوب اعتبارها ثلاثة شروط كونها منقولة عن الثقات، و كونها غير مخالفة للقواعد، و كونها مطابقة لرسم مصحف من تلك المصاحف بحيث تحتملها صورة الكتابة و إن كانت محتملة لغيرها، و ادّعوا انعقاد الإجماع على صحّة كلّ قراءة كانت كذلك، و لما كثر اختلاف القرّاء و تكثّرت القراءات الصحيحة عندهم جرى المتأخّرون منهم على سنّة عثمان في إبطال القراءات، فاقتصر طائفة منهم على السبعة، و زاد طائفة ثلاثة، و زاد بعضهم على العشرة، و طرح بعضهم الثلاثة من العشرة، و زاد عشرين رجلا، و زاد الطبري على السبعة نحو خمسة عشر رجلا، و قد فعلوا بالرواة عن السبعة أو العشرة أو فوقهما ما فعلوا بهؤلاء، فاعتبروا قوما من الرواة و طرحوا أكثرهم. و قد بسط الجزري في النشر الكلام في ذلك، قال بعد إيراد تشعّب القراءات و كثرتها ما هذا لفظه بلغنا عن بعض من لا علم له أنّ القراءات الصحيحة هي التّي عن هؤلاء السبعة، أو أنّ الأحرف السبعة التّي أشار إليها النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ هي قراءة هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من الجهّال أنّ القراءات الصحيحة هي التّي في الشاطبيّة و التيسير، و أنّها هي المشار إليها

 بقوله صلّى اللّه عليه ]و آله[ أنزل القرآن على سبعة أحرف

حتّى أنّ بعضهم يطلق على ما لم يكن في هذين الكتابين أنّه شاذّ. ثم قال و إنّما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا أنزل القرآن على سبعة أحرف، و سمعوا قراءات السبعة، فظنّوا أنّ هذه السبعة هي تلك المشار إليها، و لذلك كره كثير من الأئمّة المتقدّمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القرّاء و خطّئوه في ذلك، و قالوا أ لا أقتصر على دون هذا العدد أو زاده أو بين مراده ليخلّص من لا يعلم من هذه الشبهة.. ثم نقل مثل هذا الكلام عن إمامه أبي العباس المهدوي. أقول فظهر أنّ تعدّد تلك القراءات لا ينفع في القدح فيما فعله عثمان من المنع من غير قراءة زيد بن ثابت و جمع الناس عليها، ثم لو تنزّلنا عن هذا المقام و قلنا بجواز جمع الناس على قراءة واحدة فنقول اختيار زيد بن ثابت على مثل عبد اللّه بن مسعود و المنع من قراءته و تعلّم القرآن منه مخالفة صريحة لأمر الرسول صلى اللّه عليه و آله على ما تظافرت به أخبارهم الصحيحة عندهم. فقد

 روى ابن عبد البرّ في الإستيعاب في ترجمة ابن مسعود، عن النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أنّه قال استقرءوا القرآن من أربعة نفر فبدأ بابن أمّ عبد.

 و عن ابن عمر، قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم يقول خذوا القرآن من أربعة من ابن أمّ عبد فبدأ به و معاذ بن جبل، و أبيّ ابن كعب، و سالم مولى أبي حذيفة. قال و قال صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم من أحبّ أن يسمع القرآن غضّا فليسمعه من ابن أمّ عبد. و بعضهم يرويه من أراد أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد.

و عن عبد اللّه مثله.

 و عن أبي وائل، قال سمعت ابن مسعود يقول إنّي لأعلمهم بكتاب اللّه و ما أنا بخيرهم، و ما في كتاب اللّه سورة و لا آية إلّا و أنا أعلم فيما نزلت، و متى نزلت. قال أبو وائل فما سمعت أحدا أنكر عليه ذلك.

 و عن حذيفة قال لقد علم المحفوظون من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أنّ عبد اللّه كان من أقربهم وسيلة، و أعلمهم بكتاب اللّه عزّ و جلّ.

  و عن أبي ظبيان، قال قال لي عبد اللّه بن عباس أيّ القراءتين تقرأ. قلت القراءة الأولى، قراءة ابن أمّ عبد. فقال لي بل هي القراءة الأخيرة، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم كان يعرض القرآن على جبرئيل في كلّ عام مرّة، فلمّا كان العام الذي قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم عرضه عليه مرّتين، فحضر ذلك عبد اللّه فعلم ما نسخ من ذلك و ما بدّل.

 و عن علقمة، قال جاء رجل إلى عمر و هو بعرفات فقال جئتك من الكوفة و تركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب عمر غضبا شديدا و قال ويحك و من هو. قال عبد اللّه بن مسعود. قال فذهب عنه الغضب، و سكن و عاد إلى حاله، و قال و اللّه ما أعلم من الناس أحدا هو أحقّ بذلك منه.

 قال و سئل عليّ عليه السلام عن قوم من الصحابة منهم ابن مسعود، فقال أمّا ابن مسعود فقرأ القرآن و علم السنّة.. و كفى بذلك.

 و عن شقيق، عن أبي وائل، قال لمّا أمر عثمان في المصاحف بما أمر، قام عبد اللّه بن مسعود خطيبا، فقال تأمرونني أن أقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت و الذي نفسي بيده لقد أخذت من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم سبعين سورة، و إنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان، و اللّه ما نزل من القرآن شي‏ء إلّا و أنا أعلم في أيّ شي‏ء نزل، و ما أحد أعلم بكتاب اللّه منّي، و لو أعلم أحدا أعلم منّي بكتاب اللّه تبلغنيه الإبل لأتيته. قال ثم استحيا ممّا قال، فقال و ما أنا بخيركم. قال شقيق فقعدت في الحلق فيها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم فما سمعت أحدا أنكر عليه و لا ردّ ما قال.

 و روى في جامع الأصول، عن البخاري و مسلم و الترمذي، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، قال ذكر عنده عبد اللّه بن مسعود، فقال لا أزال أحبّه، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم يقول خذوا القرآن من أربعة، من عبد اللّه، و سالم، و معاذ، و أبيّ بن كعب. استقرءوا القرآن من أربعة، من ابن مسعود فبدأ به، و سالم مولى أبي حذيفة، و معاذ، و أبيّ.

 و في رواية الترمذي، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم خذوا القرآن من أربعة، من ابن مسعود، و أبي بن كعب، و معاذ بن جبل، و سالم مولى أبي حذيفة.

 و روي من الصحاح أكثر الأخبار السالفة بأسانيد، فهذا ما رووه في ابن مسعود و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر الناس بأخذ القرآن منه، و صرّح بأنّ قراءته مطابقة للقرآن المنزل، فالمنع من قراءته و إحراق مصحفه ردّ على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و محادّة للّه عزّ و جلّ، و مع التنزّل عن مخالفة النصّ أيضا نقول كان على عثمان أن يجمعهم على قراءة عبد اللّه دون زيد، إذ قد روي في فضل عبد اللّه ما سمعت و لم يذكروا لزيد بن ثابت فضلا يشابه ما روي في عبد اللّه سندا و لا متنا، و قد رووا ما يقدح فيه و لم يذكر أحد منهم قدحا في عبد اللّه، و الإطناب في ذلك يوجب الخروج عمّا هو المقصود من الكتاب، و من أراد ذلك فليرجع إلى الإستيعاب و غيره ليظهر له ما ذكرنا. و قال في الإستيعاب كان زيد عثمانيّا و لم يكن فيمن شهد شيئا من مشاهد عليّ عليه السلام مع الأنصار. فظهر أنّ السبب الحامل لهم على تفويض جمع القرآن إليه أوّلا، و جمع الناس على قراءته ثانيا تحريف الكلم عن مواضعه، و إسقاط بعض الآيات الدالّة على فضل أهل البيت عليهم السلام و النصّ عليهم، كما يظهر من الأخبار المأثورة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام، و لو فوّضوا إلى غيره لم يتيسّر لهم ما حاولوا. و من جملة القراءات التّي حظرها و أحرق المصحف المطابق لها قراءة أبيّ بن كعب و معاذ بن جبل، و قد عرفت في بعض الروايات السابقة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بالأخذ عنهما. هذا سوق الطعن على وجه الإلزام و بناء الكلام على الروايات العاميّة، و أمّا إذا بني الكلام على ما روي عن أهل البيت عليهم السلام فتوجّه الطعن أظهر و أبين، كما ستطّلع عليه في كتاب القرآن إن شاء اللّه.

توضيح قوله فسقط في نفسي.. يقال للنّادم المتحسرّ على فعل فعله سقط في يده و هو مسقوط في يده، قال اللّه تعالى )لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ( و لعلّه هنا أيضا بهذا المعنى. و قال بعض شرّاح الحديث من العامّة سقط ببناء مجهول.. أي ندمت و وقع في خاطري من تكذيب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما لم أقدر على وصفه، ففاعل سقط محذوف.. أي سقط في نفسي ما لم يسقط مثله في الإسلام و لا في الجاهليّة، لأنّه كان في الجاهليّة غافلا أو متشكّكا، و كان من أكابر الصحابة، و ما وقع له فهو من نزعة الشيطان و زال ببركة يد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و قال النووي في شرح صحيح مسلم أي وقع في نفسي من تصويب قراءة الرجلين أشدّ ممّا كنت في الجاهليّة، لأنّه كان إمّا جاهلا أو متشكّكا و وسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب. قوله ففضت بكسر الفاء، قوله عرقا، تمييز، كقولهم تصيّب الفرس عرقا. و قال الكرماني إسناد الفيضان إلى نفسه و إن كان مستدركا بالتميّز فإنّ فيه إشارة إلى أنّ العرق فاض منه حتّى كأنّ النفس فاضت معه، و مثله قولهم سالت عيني دمعا.

الثامن

أنّه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين، نحو ما روي أنّه دفع إلى أربعة من قريش زوّجهم بناته أربعمائة ألفي دينار، و أعطى مروان مائة ألف عند فتح إفريقية، و يروى خمس إفريقية.

 و روى السيد رضي اللّه عنه، عن الواقدي بإسناده، قال قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص.

 و روى أيضا أنّه ولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها له حين أتاه بها.

 و قد روى أبو مخنف و الواقدي جميعا أنّ الناس أنكروا على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف، فكلّمه عليّ عليه السلام و الزبير و طلحة و سعد و عبد الرحمن في ذلك، فقال إنّ لي قرابة و رحما. فقالوا أ ما كان لأبي بكر و عمر قرابة و ذو رحم. فقال إنّ أبا بكر و عمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما، و أنا أحتسب في إعطاء قرابتي، قالوا فهداهما و اللّه أحبّ إلينا من هداك.

 و قد روى أبو مخنف أنّه لمّا قدم على عثمان عبد اللّه بن خالد بن أسيد ابن أبي العاص من مكة و ناس معه أمر لعبد اللّه بثلاثمائة ألف و لكلّ واحد واحد من القوم بمائة ألف، و صكّ بذلك على عبد اللّه بن الأرقم و كان خازن بيت المال فاستكثره و برد الصكّ به، و يقال إنّه سأل عثمان أن يكتب عليه بذلك كتاب دين فأبى ذلك، و امتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم، فقال له عثمان إنّما أنت خازن لنا فما حملك على ما فعلت. فقال ابن الأرقم كنت أراني خازنا للمسلمين و إنّما خازنك غلامك، و اللّه لا ألي لك بيت المال أبدا، و جاء بالمفاتيح فعلّقها على المنبر، و يقال بل ألقاها إلى عثمان، فدفعها عثمان إلى نائل مولاه.

 و روى الواقدي أنّ عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت المال إلى عبد اللّه بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم، فلمّا دخل بها عليه قال له يا أبا محمد إنّ أمير المؤمنين أرسل إليك يقول لك إنّا قد شغلناك عن التجارة و لك ذو رحم أهل حاجة، ففرّق هذا المال فيهم، و استعن به على عيالك. فقال عبد اللّه بن الأرقم ما لي إليه حاجة و ما عملت لأن يثيبني عثمان و اللّه لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف درهم، و لئن كان من مال عثمان ما أحبّ أن أزرأ من ماله شيئا.

  و روى الواقدي، عن أسامة بن زيد، عن نافع مولى الزبير، عن عبد اللّه ابن الزبير، قال أغزانا عثمان سنة سبع و عشرين إفريقية فأصاب عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة، فأعطى عثمان مروان بن الحكم تلك الغنائم.

 و روى الواقدي، عن عبد اللّه بن جعفر، عن أمّ بكر بنت المسور، قالت لمّا بنى مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه و كان المسور ممّن دعاه فقال مروان و هو يحدّثهم و اللّه ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه. فقال المسور لو أكلت طعامك و سكتّ كان خيرا لك، لقد غزوت معنا إفريقية و أنّك لأقلّنا مالا و رقيقا و أعوانا و أخفّنا ثقلا، فأعطاك ابن عمك خمس إفريقية و عملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين.

 و روى الكلبي، عن أبيه، عن أبي مخنف أنّ مروان ابتاع خمس إفريقية بمائتي ألف درهم و مائة ألف دينار و كلّم عثمان فوهبها له، فأنكر الناس ذلك على عثمان..

هذا ما أورده السيّد رحمه اللّه من الأخبار. و روى المسعودي و غيره من مؤرّخي الخاصّة و العامّة أكثر من ذلك. و هذا عدول عن سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سيرة المتقدّمين عليه، و أصل الخروج عن العدول في القسمة و إن كان من بدع عمر إلّا أنّ عثمان ترك العدل رأسا بحيث لم يخف بطلانه و تضمّنه للجور العظيم و البدعة الفاحشة على العوام أيضا، و لما اعتاد الرؤساء في أيّامه بالتوثّب على الأموال و اقتناء الذخائر و نسوا سنّة الرسول في التسوية بين الوضيع و الشريف شقّ عليهم سيرة أمير المؤمنين عليه السلام فعدلوا عن طاعته و مال طائفة منهم إلى معاوية و خرج عليه طلحة و الزبير فقامت فتنة الجمل و غيرها، فهذه البدعة مع قطع النظر عن خطر التصرّف في أموال المسلمين كانت من موادّ الشرور و الفتن الحادثة بعدها إلى يوم النشور.

 التاسع

أنّه عطّل الحدود الواجبة كالحدّ في عبيد اللّه بن عمر، فإنّه قتل الهرمزان بعد إسلامه فلم يقد به، و قد كان أمير المؤمنين عليه السلام يطلبه.

 روى السيد رحمه اللّه في الشافي، عن زياد بن عبد اللّه، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أتى عثمان بعد ما استخلف، فكلّمه في عبيد اللّه و لم يكلّمه أحد غيره، فقال اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل امرأ مسلما. فقال عثمان قتلوا أباه بالأمس و أقتله اليوم، و إنّما هو رجل من أهل الأرض، فلمّا أبى عليه مر عبيد اللّه على عليّ عليه السلام، فقال له يا فاسق إيه أما و اللّه لئن ظفرت بك يوما من الدهر لأضربنّ عنقك، فلذلك خرج مع معاوية على أمير المؤمنين عليه السلام.

  و روى القباد، عن الحسن بن عيسى، عن زيد، عن أبيه أنّ المسلمين لّما قال عثمان إنّي قد عفوت عن عبيد اللّه بن عمر، قالوا ليس لك أن تعفو عنه. قال بلى، إنّه ليس لجفينة و الهرمزان قرابة من أهل الإسلام، و أنا أولى بهما لأنّي وليّ المسلمين فقد عفوت. فقال عليّ عليه السلام إنّه ليس كما تقول، إنّما أنت في أمرهما بمنزلة أقصى المسلمين، و إنّما قتلهما في إمرة غيرك، و قد حكم الوالي الذي قبلك الذي قتلا في إمارته بقتله، و لو كان قتلهما في إمارتك لم يكن لك العفو عنه، فاتّق اللّه فإنّ اللّه سائلك عن هذا. و لمّا رأى عثمان أنّ المسلمين قد أبوا إلّا قتل عبيد اللّه أمره فارتحل إلى الكوفة و أقطعه بها دارا و أرضا، و هي التي يقال لها كويفة ابن عمر، فعظم ذلك عند المسلمين و أكبروه و كثر كلامهم فيه.

 و روي عن عبد اللّه بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنّه قال ما أمسى عثمان يوم ولي حتّى نقموا عليه في أمر عبيد اللّه بن عمر، حيث لم يقتله بالهرمزان.

انتهى ما رواه السيّد رضي اللّه عنه.

 و روى الشيخ في مجالسه، عن أحمد بن محمد بن الصلت، عن ابن عقدة، عن جعفر بن عبد اللّه العلوي، عن عمّه القاسم بن جعفر العلوي، عن عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد أنّ الناس كلّموا عثمان في أمر عبيد اللّه بن عمر و قتله الهرمزان، فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال أيّها الناس قد أكثرتم في أمر عبيد اللّه بن عمر و الهرمزان و إنّما قتله عبيد اللّه تهمة بدم أبيه، و إنّ أولى الناس بدم الهرمزان اللّه ثم الخليفة، ألا و إنّي قد وهبت دمه لعبيد اللّه. فقام المقداد بن الأسود، فقال يا أمير المؤمنين ما كان للّه كان اللّه أملك به منك، و ليس لك أن تهب ما اللّه أملك به منك، فقال ننظر و تنظرون، فبلغ قول عثمان عليّا عليه السلام فقال و اللّه لئن ملكت لأقتل عبيد اللّه بالهرمزان، فبلغ ذلك عبيد اللّه فقال و اللّه لئن ملك لفعل.

 و قال ابن الأثير في الكامل و ابن عبد البرّ في الإستيعاب و صاحب روضة الأحباب و كثير من أرباب السير قتل عبيد اللّه بن عمر بأبيه ابنة أبي لؤلؤة و قتل جفيته و الهرمزان و أشار عليّ عليه السلام على عثمان بقتله بهم فأبى

ثم ذكر في الكامل رواية يتضمّن عفو ابن هرمزان عن عبيد اللّه، و أنّ عثمان مكّنه من قتله، ثم قال و الأول أصحّ، لأنّ عليّا عليه السلام لّما ولي الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشام، و لو كان إطلاقه بأمر وليّ الدم لم يتعرّض له عليّ عليه السلام. انتهى. و إذا تأمّلت فيما نقلنا لا يبقى لك ريب في بطلان ما أجاب به المتعصّبون من المتأخّرين، و كفى في طعنه معارضته أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يفارق الحقّ باتّفاقهم معه في ذلك، و اللّه العاصم عن الفتن و المهالك.

العاشر

أنّه حمى الحمى عن المسلمين، مع أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعلهم شرعا سواء في الماء و الكلإ. و أجاب قاضي القضاة و غيره بأنّه حماه لإبل الصدقة، و قد روى عنه هذا الكلام بعينه، و أنّه قال إنّما فعلت ذلك لإبل الصدقة، و قد أطلقته الآن، و أنا أستغفر اللّه. و ردّ عليهم السيد رضي اللّه عنه بأنّ المرويّ بخلاف ما ذكر، لأنّ الواقدي روى بإسناده، قال كان عثمان يحمي الربذة و السرف و النقيع فكان لا يدخل الحمى بعير له و لا فرس و لا لبني أميّة، حتّى كان آخر الزمان، فكان يحمي السرف لإبله، و كانت ألف بعير و لإبل الحكم بن أبي العاص، و يحمي الربذة لإبل الصدقة، و يحمي النقيع لخيل المسلمين و خيله و خيل بني أميّة. على أنّه لو كان إنّما حماه لإبل الصدقة لم يكن بذلك مصيبا، لأنّ اللّه تعالى و رسوله )ص( أباحا الكلأ و جعلاه مشتركا فليس لأحد أن يغيّر هذه الإباحة. و لو كان في هذا الفعل مصيبا، و إنّما حماه لمصلحة تعود على المسلمين لما جاز أن يستغفر اللّه منه و يعتذر، لأنّ الاعتذار إنّما يكون من الخطإ دون الصواب. انتهى. و قد

 روى البخاري في صحيحه، عن ابن عباس و الصعب بن جثامة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ قال لا حمى إلّا للّه و لرسوله. فجعل الحمى مختصّا بإبله و إبل الحكم و خيل بني أميّة مناقضة لنصّه صلّى اللّه عليه و آله.

 و قال ابن أبي الحديد في شرح الخطبة الشقشقيّة أنّ عثمان... حمى المراعي حول المدينة كلّها من مواشي المسلمين كلّهم إلّا عن بني أميّة.

الحادي عشر

أنّه أعطى من بيت المال الصدقة المقاتلة و غيرها، و ذلك ممّا لا يحلّ في الدين، و دفع الاعتراضات الواردة عليه مذكور في الشافي.

الثاني عشر

إتمامه الصلاة بمنى مع كونه مسافرا، و هو مخالف للسنّة و لسيرة من تقدّمه. فقد

 روى في جامع الأصول، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال صلّى بنا عثمان بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد اللّه بن مسعود. فقال صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم بمنى ركعتين، و مع أبي بكر ركعتين، و مع عمر ركعتين، ثم تفرّقت بكم الطرق، فيا ليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان.

قال أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود.

 و في أخرى لأبي داود زيادة و مع عثمان صدرا من إمارته، ثم أتمّها.. و ذكر الحديث.

 و في رواية النسائي، قال صلّى عثمان بمنى أربعا حتى بلغ ذلك عبد اللّه ابن مسعود، فقال لقد صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم ركعتين.

 و له في أخرى، قال صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم في السفر ركعتين، و مع أبي بكر ركعتين، و مع عمر ركعتين.

 و روى البخاري و مسلم و النسائي على ما أورده صاحب جامع الأصول، عن عبد اللّه بن عمر، قال صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم بمنى ركعتين و أبو بكر بعده، و عمر بعد أبي بكر، و عثمان صدرا من خلافته، ثم إنّ عثمان صلّى بعد أربعا، و كان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعا، و إذا صلّى وحده صلّى ركعتين.

قال أخرجه البخاري و مسلم من طرق أخرى، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم أنّه صلّى صلاة المسافر بمنى و غيره ركعتين، و أبو بكر و عمر و عثمان ركعتين صدرا من خلافته ثم أتمّها أربعا.

و أخرجه البخاري و لم يقل و غيره.

 و في رواية النسائي مختصر، قال صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم بمنى ركعتين، و مع أبي بكر ركعتين، و مع عمر ركعتين.

 و في جامع الأصول، عن عروة بن الزبير أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم صلّى الصلاة بمنى ركعتين، و أنّ أبا بكر صلّاها بمنى ركعتين، و أنّ عمر بن الخطاب صلّاها بمنى ركعتين، و أنّ عثمان صلّاها ركعتين شطر إمارته ثم أتّمها بعد.

قال أخرجه الموطأ. و عن أنس، قال صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم بمنى و مع أبي بكر و مع عمر ركعتين و مع عثمان صدرا من إمارته.

قال أخرجه النسائي. عن عمران بن حصين، قال و قد سئل عن صلاة المسافر، فقال حججت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم فصلّى ركعتين، و حججت مع أبي بكر فصلّى ركعتين، و مع عمر فصلّى ركعتين، و مع عثمان ستّ سنين من خلافته أو ثماني سنين فصلّى ركعتين.

قال أخرجه الترمذي. و عن موسى بن سلمة، قال سألت ابن عباس كيف أصلّي إذا كنت بمكة إذا لم أصلّ مع الإمام. قال ركعتين، سنّة أبي القاسم صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم.

 و في رواية النسائي، قال تفوتني الصلاة في جماعة و أنا بالبطحاء ما ترى أصلّي. قال ركعتين، سنّة أبي القاسم صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم.

 و عن حارثة بن وهب، قال صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و نحن أكثر ما كنّا و آمنه بمنى ركعتين.

أخرجه البخاري و مسلم و الترمذي.

 و في رواية أبي داود و النسائي، قال صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ بمنى و الناس أكثر ما كانوا، فصلّى بنا ركعتين في حجّة الوداع.

  و قال ابن الأثير في الكامل إنّ كثيرا من الأصحاب عابوا عليه ما صنع بمنى، قال و في سنة تسع و عشرين حجّ عثمان فضرب فسطاطه بمنى و كان أوّل فسطاط ضربه عثمان بمنى و أتّم الصلاة بها و بعرفة، و كان أوّل ما تكلّم به الناس في عثمان ظاهرا حين أتمّ الصلاة بمنى، فعاب ذلك غير واحد من الصحابة، و قال له عليّ )ع( ما حدث أمر و لا قدم عهد، و لقد عهدت النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و أبا بكر و عمر يصلّون ركعتين و أنت صدرا من خلافتك، فما أدري ما ترجع إليه أ لم تصلّ في هذا المكان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و أبي بكر و عمر و صلّيتهما أنت ركعتين. قال بلى و لكنّي أخبرت أن بعض من حجّ من اليمن و جفاة الناس قالوا إنّ الصلاة للمقيم ركعتان، و احتجّوا بصلاتي و قد اتّخذت بمكة أهلا و لي بالطائف مال، فقال عبد الرحمن ما في هذا عذر، أمّا قولك اتّخذت بها أهلا فإنّ زوجك بالمدينة تخرج بها إذا شئت و إنّها تسكن بسكناك، و أمّا مالك بالطائف، فبينك و بينه مسيرة ثلاث ليال، و أمّا قولك عن حاجّ اليمن و غيرهم فقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم ينزل عليه الوحي و الإسلام قليل ثم أبو بكر و عمر فصلّوا ركعتين، و قد ضرب الإسلام بجرانه. فقال أعمله بما أرى. فخرج من عنده فلاقى ابن مسعود، فقال و الخلاف شرّ، و قد صلّيت بأصحابي أربعا. فقال عبد الرحمن قد صلّيت بأصحابي ركعتين، و أمّا الآن فسوف أصلّي أربعا. قال و قيل كان ذلك سنة ثلاثين.

 و روى نحو ذلك صاحب روضة الأحباب، و قال أنكر الأصحاب عليه ضرب الفسطاط بمنى و إطعامه الناس، إذ كان ذلك من شعار أهل الجاهليّة و لم يقدم عليه أحد منذ بعث النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ إلى ذلك الزمان، و قد سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ لنضربنّ لك فسطاطا بمنى، فقال لا، منى مناخ من سبق.

 و روى في جامع الأصول، عن عائشة أنّها قالت قلت يا رسول اللّه أ لا نبني لك بمنى بيتا يظلّل من الشمس، فقال لا، إنّما هو مناخ لمن سبق إليه.

قال أخرجه الترمذي و أبو داود ثم إنّ الشافعي ذهب إلى أنّ قصر الصلاة رخصة ليس بعزيمة، لقوله تعالى )فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ(، و قال و القصر أفضل. و قال مالك و أبو حنيفة إنّه عزيمة، و يدلّ عليه من طرق الجمهور روايات كثيرة، و نفي الجناح لا ينافي كون القصر عزيمة، و سيأتي القول فيه في بابه، مع أنّ القول بالتخيّر لا ينفع في دفع الطعن عنه، إذ لو كان له سبيل إليه لما اعتذر بالأعذار الواهية كما عرفت، بل يظهر من إعراض المعترض و المعتذر عنه رأسا اتّفاق الأصحاب على بطلانه.

الثالث عشر

جرأته على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و مضادّته له، فقد حكى

 العلّامة رحمه اللّه في كتاب كشف الحقّ، عن الحميدي، قال قال السدّي في تفسير قوله تعالى )وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً( إنّه لّما توفي أبو سلمة و عبد اللّه ابن حذافة و تزوّج النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم امرأتيهما أمّ سلمة و حفصة، قال طلحة و عثمان أ ينكح محمد نساءنا إذا متنا و لا تنكح نساؤه إذا مات و اللّه لو قد مات لقد أجلبنا على نسائه بالسهام، و كان طلحة يريد عائشة، و عثمان يريد أمّ سلمة، فأنزل اللّه تعالى )وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً(، و أنزل )إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً(.

الرابع عشر

عدم إذعانه لقضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ، فقد

 روى العلّامة رحمه اللّه في كشفّ الحقّ، عن السدّي في تفسير قوله تعالى )وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ(، )وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ..( الآيات، و قال نزلت في عثمان بن عفّان لمّا فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بني النضير فغنم أموالهم، فقال عثمان لعليّ عليه السلام ائت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم فاسأله أرض.. كذا و كذا، فإن أعطاكها فأنا شريك فيها، و آتيه أنا فأسأله إيّاها فإن أعطانيها فأنت شريكي فيها، فسأله عثمان أولا فأعطاه إيّاها، فقال لي عليّ عليه السلام أشركني، فأبى عثمان، فقال بيني و بينك رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[، فأبى أن يخاصمه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[، فقيل له لم لا تنطلق معه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[، فقال هو ابن عمّه فأخاف أن يقضي له. فنزلت الآيات، فلمّا بلغ النبيّ )ص( ما أنزل اللّه فيه أقرّ لعليّ عليه السلام بالحقّ.

و قد مرّ هذا من تفسير عليّ بن إبراهيم، و أنّها نزلت فيه بوجه آخر.

الخامس عشر

أنّه زعم أنّ في المصحف لحنا، فقد

 حكى العلّامة رحمه اللّه في الكتاب المذكور، عن تفسير الثعلبي في قوله تعالى )إِنْ هذانِ لَساحِرانِ(، قال قال عثمان إنّ في المصحف لحنا. فقيل له أ لا تغيّره. فقال دعوه فلا يحلّل حراما و لا يحرّم حلالا، و رواه الرازي أيضا في تفسيره.

السادس عشر

تقديمه الخطبتين في العيدين، و كون الصلاة مقدّمة على الخطبتين قبل عثمان ممّا تضافرت به الأخبار العاميّة، فقد

 روى مسلم في صحيحه، عن عطا، قال سمعت ابن عباس يقول أشهد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ أنّه يصلّي قبل الخطبة.

 و عن عطاء، عن جابر بن عبد اللّه، قال سمعته يقول إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ قام يوم الفطر فصلّى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس.

 و عن نافع، عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه ]و آله[ و أبا بكر و عمر كانوا يصلّون العيدين قبل الخطبة.

و الأخبار في ذلك من طرق أهل البيت عليهم السلام مستفيضة. و قال العلّامة رحمه اللّه في المنتهى لا نعرف في ذلك خلافا إلّا من بني أميّة.

 و روى الكليني، عن عليّ بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال الخطبة في العيدين بعد الصلاة، و إنّما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان.

 و روى الشيخ في التهذيب بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام في صلاة العيدين، قال الصلاة قبل الخطبتين...، و كان أوّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث إحداثه، كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا، فلمّا رأى ذلك قدم الخطبتين و احتبس الناس للصلاة.

السابع عشر

إحداثه الأذان يوم الجمعة زائدا على ما سنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هو بدعة محرّمة، و يعبّر عنه تارة ب الأذان الثالث، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شرّع للصلاة أذانا و إقامة فالزيادة ثالث، أو مع صلاة الصبح، و تارة ب الأذان الثاني، و الوجه واضح، و هو ما يقع ثانيا بالزمان، أو ما لم يكن بين يدي الخطيب، لأنّه الثاني باعتبار الإحداث سواء وقع أولا بالزمان أو ثانيا. و قال ابن إدريس ما يفعل بعد نزول الإمام. و

 قد روى إحداث عثمان الأذان الثالث يوم الجمعة ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة ثلاثين من الهجرة، و رواه صاحب روضة الأحباب، و رواه من أصحاب صحاحهم البخاري و أبي داود و الترمذي و النسائي على ما رواه في جامع الأصول عنهم، عن زيد بن السائب في روايات عديدة منها أنّه كان الأذان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و أبي بكر و عمر إذا خرج الإمام أقيمت الصلاة، فلمّا كان عثمان نادى النداء الثالث على الزوراء.

 و روي، عن الشافعي أنّه قال ما صنعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر و عمر أحبّ إليّ.

 الثامن عشر

ما ذكره في روضة الأحباب أنّه لّما حجّ في سنة ست و عشرين من الهجرة أمر بتوسيع المسجد الحرام، فابتاع دار من رضي بالبيع من الساكنين في جوار المسجد، و من لم يرض به أخذ داره قهرا، ثم لّما اجتمعوا إليه و شكوا و تظلّموا أمر بحبسهم حتّى كلّمهم فيهم عبد اللّه بن خالد بن الوليد فشفّعه فيهم و أطلقهم. و لا ريب في أنّ غصب الدور و جعلها مسجدا حرام في الشريعة باتّفاق المسلمين.

التاسع عشر

إنّه لم يتمكّن من الإتيان بالخطبة، فقد

 روى في روضة الأحباب أنّه لما كان أوّل جمعة من خلافته صعد المنبر فعرضه العيّ فعجز عن أداء الخطبة و تركها، فقال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أيّها الناس سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً و بعد عيّ نطقا، و إنّكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوال، أقول قولي و استغفروا اللّه لي و لكم.. فنزل.

 قال و في رواية قال الحمد للّه.. و عجز عن الكلام.

 و في رواية أنّه قال أوّل كلّ مركب صعب، و إنّ أبا بكر و عمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا و أنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، و إن أعش فآتكم الخطبة على وجهها، و يعلم اللّه إن شاء اللّه تعالى.

 و قال ابن أبي الحديد في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام و إنّا لأمراء الكلام، و فينا تنشّبت عروقه، و علينا تهدلت غصونه.. إنّه روى أبو عثمان في كتاب البيان و التبيين، إنّ عثمان صعد المنبر فارتجّ عليه. فقال إنّ أبا بكر و عمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالا، و أنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب، و سآتيكم الخطبة على وجهها.. ثم نزل.

 قال و خطب مروان بن الحكم فحصر، فقال اللّهمّ إنّا نحمدك و نستعينك و نشرك بك. قال و خطب مصعب بن حيّان خطبة نكاح فحصر، فقال لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللّه، فقالت أمّ الجارية عجّل اللّه موتك، أ لهذا دعوتك.

انتهى. و الظاهر من هذه الروايات أنّ الخطبة كانت خطبة الجمعة الواجبة، و أنّ عثمان لما حصر و عرضه العيّ ترك الخطبة و لم يأمر أحدا بالقيام بها و إقامة الصلاة، و إلّا لرووه و لم يهملوا ذكره، فالأمر في ذلك ليس مقصورا على العجز و القصور بل فيه ارتكاب المحظور، فيكون أوضح في الطعن.

العشرون

جهله بالأحكام، فقد روى العلّامة قدّس اللّه روحه في كشف الحقّ، عن صحيح مسلم، و أورده صاحب روضة الأحباب أنّ امرأة دخلت على زوجها فولدت لستة أشهر فرفع ذلك إلى عثمان فأمر برجمها، فدخل عليه عليّ عليه السلام، فقال إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول )وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً(، و قال تعالى )وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ( فلم يصل رسوله إليهم إلّا بعد الفراغ من رجمها، فقتل المرأة لجهله بحكم اللّه عزّ و جلّ و قد قال اللّه عزّ و جلّ  )وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ(.

و من الشواهد على جهله أن مرويّاته في كتب الجمهور مع حرص أتباعه من بني أميّة و المتأخّرين عنهم على إظهار فضله لم يزد على مائة و ستة و أربعين. و قد رووا عن أبي هريرة الدوسي خمسة آلاف و ثلاثمائة و أربعة و سبعين حديثا، و ذلك إمّا لغلبة الغباوة حيث لم يأخذ في طول الصحبة إلّا نحوا ممّا ذكر، أو لقلّة الاعتناء برواية كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و كلاهما يمنعان عن استيهال الخلافة و الإمامة.

تذييل و تتميم

اعلم أنّ عبد الحميد ابن أبي الحديد بعد ما أورد مطاعن عثمان أجاب عنها إجمالا، فقال إنّا لا ننكر أنّ عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين، و لكنّا ندّعي مع ذلك أنّها لم تبلغ درجة الفسق، و لا أحبطت ثوابه، و أنّها من الصغائر المكفّرة، و ذلك لأنّا قد علمنا أنّه مغفور له، و أنّه من أهل الجنّة لثلاثة أوجه أحدها أنّه من أهل بدر، و قد

 قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ إنّ اللّه اطّلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

و عثمان و إن لم يشهد بدرا لكنّه تخلّف على رقيّة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[، و ضمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ لسهمه و أجره باتّفاق سائر الناس. و الثاني أنّه من أهل بيعة الرضوان الذين قال اللّه تعالى فيهم )لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ(، و هو و إن لم يشهد تلك البيعة و لكنّه

 كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ إلى أهل مكة، و لأجله كانت بيعة الرضوان، حيث أرجف بأنّ قريشا قتلت عثمان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إن كانوا قتلوه لأضرمنّها عليهم نارا، ثم جلس تحت الشجرة، و بايع الناس على الموت. ثم قال إن كان عثمان حيّا فأنا أبايع عنه، فمسح بشماله على يمينه، و قال شمالي خير من يمين عثمان، روى ذلك أهل السير متّفقا عليه.

و الثالث أنّه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنّهم من أهل الجنّة. و إذا كانت هذه الوجوه دالّة على أنّه مغفور له، و أنّ اللّه تعالى قد رضي عنه، و أنّه من أهل الجنّة، بطل أن يكون فاسقا، لأنّ الفاسق يخرج عندنا من الإيمان و ينحبط ثوابه، و يحكم له بالنار، و لا يغفر له، و لا يرضى عنه، و لا يرى الجنّة و لا يدخلها، فاقتضت هذه الوجوه أن يحكم بأنّ كلّ ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفّرة توفيقا بين الأدلّة. انتهى كلامه. و يرد على ما ذكره إجمالا أنّ المستند في جميع تلك الوجوه ليس إلّا ما تفرّد المخالفون بروايته، و لا يصحّ التمسّك به في مقام الاحتجاج كما مرّ مرارا، و الأصل في أكثرها

 ما رواه البخاري، عن عثمان بن عبد اللّه، قال قال رجل من أهل مصر لعبد اللّه بن عمر إنّي سائلك عن شي‏ء فحدّثني، هل تعلم أنّ عثمان فرّ يوم أحد. قال نعم. فقال تعلم أنّه تغيّب عن بدر و لم يشهد. قال نعم. قال تعلم أنّه تغيّب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها. قال نعم. قال اللّه أكبر. قال ابن عمر تعال أبيّن لك، أمّا فراره يوم أحد فأشهد أنّ اللّه تعالى عفا عنه و غفر له، و أمّا تغيّبه عن بدر فإنّه كانت تحته بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم و كانت مريضة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم إنّ لك أجر رجل ممّن شهد بدرا و سهمه، و أمّا تغيّبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم عثمان و كانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ و سلّم بيده اليمنى هذه يد عثمان، فضرب بها على يده. فقال هذه لعثمان، ثم قال له ابن عمر اذهب بها الآن معك.

و ابن عمر هو الذي قعد عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام و بايع رجل الحجّاج، و لا عبرة بقوله و روايته، مع قطع النظر عن سائر رواة الخبر، و حديث العشرة المبشّرة أيضا ممّا تفرّدوا بروايته، و سيأتي في قصّة الجمل تكذيب أمير المؤمنين عليه السلام هذه الرواية، و يؤيّد ضعفه أيضا أنّه ليس بمرويّ في صحاحهم إلّا عن رجلين عدّا أنفسهما من جملة العشرة، و هما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و عبد الرحمن بن عوف، و التهمة في روايتهما لتزكيتهما أنفسهما واضحة. و يؤكّده أيضا ما ذكره السيّد الأجل رضي اللّه عنه في الشافي من أنّه تعالى لا يجوز أن يعلم مكلّفا يجوز أن يقع منه القبيح و الحسن و ليس بمعصوم من الذنوب بأنّ عاقبته الجنّة، لأنّ ذلك يغريه بالقبيح، و لا خلاف في أنّ أكثر العشرة لم يكونوا معصومين من الذنوب، و قد أوقع بعضهم بالاتّفاق كبائر و إن ادّعى المخالفون أنّهم تابوا منها، قال و ممّا يبيّن بطلان هذا الخبر أنّ أبا بكر لم يحتجّ به لنفسه و لا احتجّ له به في مواطن وقع فيه الاحتياج إلى الاحتجاج كالسقيفة و غيرها، و كذلك عمر، و عثمان لما حصر و طولب بخلع نفسه و همّوا بقتله، و قد رأينا احتجّ بأشياء تجري مجرى الفضائل و المناقب، و ذكر القطع له بالجنّة أولى منها و أحرى بأن يعتمد عليه في الاحتجاج، و في عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه. انتهى. و يؤيّد بطلانه أيضا أنّ كثيرا من أعيان المهاجرين و الأنصار كانوا بين قاصد لقتل عثمان خارج عليه و بين راض بقتله، و تركوه بعد قتله منبوذا بالعراء غير مدفون حتى دفن في المزبلة بعد ثلاثة أيّام، و كيف يظنّ ذلك بأمثال هؤلاء مع علمهم بكونه من أهل الجنّة و كيف لم يحتجّ أنصاره من بني أميّة عليهم بهذا و هل يظنّ بأمير المؤمنين عليه السلام أن يتركه كذلك ثلاثة أيّام مع علمه بذلك و أيضا لو صحّ ذلك لزم كفر طلحة بكونه من المستحلّين بقتله، و لا ريب في أنّ استحلال قتل من شهد له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالجنّة لصغائر مكفّرة ليس بأدون من استحلال شرب جرعة من الخمر، و كذلك يلزم كفر كلّ من المتخاصمين يوم الجمل لكون كلّ منهما مستحلّين لقتل الآخر مع الشهادة لهما بالجنّة، و الأوّل باطل عند المخالفين، و الثاني عند الجميع، فإنّ من الخصمين أمير المؤمنين عليه السلام و قد استحلّ قتل طلحة و الزبير، و القول بعدم علمهم بهذه الشهادة ظاهر الفساد. و يؤكّد بطلانه أيضا ما

 روي من أنّ عمر بن الخطاب سأل حذيفة عن عدّ رسول اللّه )ص( إيّاه في جملة المنافقين، إذ لو كان ممّن قطع له بالجنّة لم يختلجه الشكّ في النفاق.

ثم لو قطعنا النظر عن تفرّد المخالفين بتلك الروايات و دلالة الشواهد و الأدلّة المعارضة لها على وضعها و بطلانها، نقول يرد على ما استند إليه من الرواية أنّها إمّا أن تحمل على ظاهرها الّذي فهمه ابن أبي الحديد من الرخصة العامّة و المغفرة الشاملة لما تقدّم من ذنبهم و ما تأخّر، أو يتطرّق التجوّز إليها و تخصيص عمومها، و على الأوّل يلزم سقوط التكليف عن البدريّين و الرخصة لهم في ارتكاب المحرّمات كبائرها و صغائرها، و لو كان الفعل ممّا يؤدّي إلى الكفر كالاستخفاف بالقرآن و نحو ذلك، و هذا لو لم يكن الاعتقاد مندرجا في العمل المشتمل عليه الرواية و إلّا فالأمر أوضح، و البدريّون على المشهور كانوا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا مع القوم الذين ضرب لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسهامهم و هم غائبون، و عدّتهم ثمانية. و سقوط التكليف عن هؤلاء القوم مخالف للإجماع و لضرورة الدين، و لم يدّع أحد العصمة في أهل البدر إلّا في عليّ عليه السلام، و لا ريب في أنّ الباقين كانوا يكتسبون الآثام و يقارفون الذنوب، و في إعلامهم بالمغفرة لهم في الذنوب التي يرتكبونها بعد ذلك إغراء ظاهر لهم بالقبيح، و هو قبيح. و على الثاني، فإمّا أن يخصّص الرخصة بالصغائر و يعمّم المغفرة بالذنوب السالفة و المستأنفة، و حينئذ يتوجّه مع مخالفة الضرورة و الإجماع أنّه لا يستلزم المدّعى، إذ الرخصة في الصغائر و غفرانها ممّا لا يوجب كون ما صدر منهم من الصغائر المكفّرة، و مع ذلك تعميم المغفرة المبتني عليه الوجهان مخالف للظاهر، و هو ظاهر. و إمّا أن يخصّص المغفرة بالذنوب السالفة و يكون المراد بلفظة اعملوا ما شئتم، المبالغة في حسن ما عملوا في بدر و إظهار الرضا الكامل لعملهم الصالح من غير رخصة لهم في الأيّام الآتية، و حينئذ فلا تعلّق للرواية بالمدّعى، هذا على تقدير تسليم المساواة التّي ادّعاها ابن أبي الحديد في عثمان للبدريّين. و مستند من رواه من أهل السير ليس إلّا قول ابن عمر كما عرفت. و أمّا ما تمسّك به ثانيا من أنّه في حكم من بايع بيعة الرضوان، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بايع عنه، فبعد تسليم صحّة الرواية يتوجّه عليه أنّه لا دلالة له على المدّعى بوجوه الأول أن دخول عثمان و أضرابه في المؤمنين ممنوع، و قد علّق اللّه الرضا في الآية على الإيمان و البيعة دون البيعة وحدها حتى يكون جميع من بايع تحت الشجرة مرضيّا، و قد ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما يدلّ على...

الثاني أنّ كون الألف و اللام للاستغراق ممنوع، كما أشار إليه السيد رضي اللّه عنه في الشافي حيث قال الظاهر عندنا أنّ آلة التعريف مشتركة متردّدة بين العموم و الخصوص، و إنّما يحمل على أحدهما بدلالة غير الظاهر، و قد دلّلنا على ذلك في مواضع كثيرة، و خاصّة في كلامنا المنفرد للوعيد من جملة مسائل أهل الموصل.

 قال عليّ عليه السلام إنّه تعالى قد وصف من رضي عنه ممّن بايع تحت الشجرة بأوصاف قد علمنا أنّها لم تحصل لجميع المبايعين، فيجب أن يختصّ الرضا بمن اختصّ بتلك الأوصاف، لأنّه تعالى قال )فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً(

و لا خلاف بين أهل النقل في أنّ الفتح الذي كان بعد بيعة الرضوان بلا فصل هو فتح خيبر، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعث أبا بكر و عمر فرجع كلّ واحد منهما منهزما ناكصا على عقبيه، فغضب

 النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله كرّار غير فرّار لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه. فدعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان أرمد فتفل في عينيه فزال ما كان يشتكي و أعطاه الراية و مضى متوجّها و كان الفتح على يديه

فيجب أن يكون هو المخصوص بحكم الآية، و من كان معه في ذلك الفتح من أهل البيعة تحت الشجرة لتكامل الشرائط فيهم، و يجب أن يخرج عنها من لم يجتمع له الشرائط، و ليس لأحد أن يقول إنّ الفتح كان لجميع المسلمين و إن تولاه بعضهم و جرى على يديه، فيجب أن يكون جميع أهل بيعة الرضوان ممّن رزق الفتح و أثيب به، و هذا يقتضي شمول الرضا للجميع، و ذلك لأنّ هذا عدول عن الظاهر، لأنّ من فعل الشي‏ء بنفسه هو الذي يضاف إليه على سبيل الحقيقة، و يقال إنّه أثيب به و رزق إيّاه، و لو جاز ذلك جاز أن يوصف من كان بخراسان من المسلمين بأنّه هزم جنود الروم و فتح حصونهم و إن وصفنا بذلك من يتولاهم و يجري على يديه. انتهى. و دخول عثمان في جملة من جرى الفتح على أيديهم ]مع أنّه[ ممّا لم يذكره أرباب السير، بل الظاهر عدمه كما خرج عنهم المتقدّمان عليه، فهو في محلّ المنع، كما أنّ دخوله فيمن أنزلت عليه السكينة ممنوع. الثالث أنّه بعد تسليم شمول الآية له لا دلالة للرضا عن المؤمنين حال البيعة، أو لها على أنّه لا يصدر عنهم كبيرة بعد ذلك حتى يكون أحداث عثمان من صغائر المكفّرة، و قد كان أهل بيعة الرضوان على ما ذكره أرباب السير ألفا و خمسمائة أو ثلاثمائة، و قد كان منهم من يرتكب أنواع المحرّمات، و هل يقول عاقل بعدم صدور كبيرة واحدة عن أحد من هؤلاء مع كثرتهم. و ما تمسّك به من حديث بشارة العشرة فبعد ما عرفت من أنّها من الروايات الّتي تفرّدوا بها و قامت الشواهد على ضعفها و بطلانها، يتوجّه عليه أنّ الرواية على تقدير صحّتها لا تدلّ على صلاحيّة الإمامة، إذ ليس جميع أهل الجنّة مستأهلين للإمامة، و ليس المانع عنه مقصورا على ارتكاب الكبيرة المخرجة عن الإسلام الموجبة لدخول النار على ما زعمه ابن أبي الحديد و أصحابه. و من جملة الموانع الضعف عن القيام بأمر الإمامة و عدم القدرة على دفع الأشرار و الجهل بالأحكام، و عدم استقرار الرأي لضعف العقل و نحو ذلك.

و من جملة مطاعنه الضعف عن منع الأشرار و الفسّاق من بني أميّة

و قد عزم غير مرّة على عزل كثير منهم لما رأى من ظلمهم و انحراف الناس عنه لأجلهم فحال مروان بينه و بين ما أراد حتى حصبوه على المنبر، و آل الحال إلى الحصر و القتل.

و منها الجهل بكثير من الأحكام

كما عرفت، فبعد تسليم الرواية أيضا لا يتمّ الجواب. أقول و عدّ أبو الصلاح في تقريب المعارف من بدعه تقليد عبد اللّه ابن عامر بن كريز على البصرة للخئولة التّي بينهما، و عبد اللّه بن أبي سرح على مصر للرضاعة التي بينهما، و يعلى بن أميّة على اليمن، و أسيد بن الأخنس بن شريق على البحرين لكونه ابن عمّته، و عزل المأمونين من الصحابة على الدين المختارين الولاية المرضييّن السيرة. قال

و منها استخفافه بعليّ عليه السلام

حين أنكر عليه تكذيب أبي ذرّ. و منها عزل عبد اللّه بن الأرقم عن بيت المال لما أنكر عليه إطلاق الأموال لبني أميّة بغير حقّ.

و منها قوله لعبد الرحمن بن عوف

يا منافق، و هو الذي اختاره و عقد له.

و منها حرمانه عائشة و حفصة

ما كان أبو بكر و عمر يعطيانهما، و سبّه لعائشة و قوله و قد أنكرت عليه الأفاعيل القبيحة لئن لم تنته لأدخلنّ عليك الحجرة سودان الرجال و بيضانها.

و منها حماية الكلإ و تحريمه على المسلمين

و تخصّصه به و منع غلمانه الناس منه، و تنكيلهم بمن أراده.

و منها ضربه عبد اللّه بن حذيفة بن اليمان حتى مات

من ضربه، لإنكاره عليه ما يأتيه غلمانه إلى المسلمين في رعي الكلإ.

و منها أكله الصيد و هو محرم مستحلا

و صلاته بمنى أربعا، و إنكاره متعة الحجّ.

و منها ضربه عبد الرحمن بن حنبل الجمحي

و كان بدريّا مائة سوط، و حمله على جمل يطاف به في المدينة لإنكاره عليه الأحداث و إظهاره عيوبه في الشعر، و حبسه بعد ذلك موثقا بالحديد حتّى كتب إلى عليّ و عمّار من الحبس

أبلغ عليّا و عمّارا فإنّهما بمنزل الرشد إنّ الرشد مبتدرلا تتركا جاهلا حتّى توقّره دين الإله و إن هاجت به مررلم يبق لي منه إلّا السيف إذ علقت حبال الموت فينا الصادق البرريعلم بأنّي مظلوم إذا ذكرت وسط الندى حجاج القوم و الغدر

فلم يزل عليّ عليه السلام بعثمان يكلّمه حتّى خلّى سبيله على أن لا يساكنه بالمدينة، فسيّره إلى خيبر، فأنزله قلعة بها تسمّى القموص، فلم يزل بها حتى ناهض المسلمون عثمان و ساروا إليه من كلّ بلد، فقال في الشعر

لو لا عليّ فإنّ اللّه أنقذني على يديه من الأغلال و الصفدلما رجوت لدى شدّ بجامعة يمنى يديّ غياث الفوت من أحد

 نفسي فداء عليّ إذ يخلّصني من كافر بعد ما أغضى على صمد

و منها تسيير حذيفة بن اليمان إلى المدائن

حين أظهر ما سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه و أنكر أفعاله، فلم يزل يعرض بعثمان حتّى قتل.

و منها نفي الأشتر و وجوه أهل الكوفة عنها إلى الشام

حين أنكروا على سعيد بن العاص و نفيهم من دمشق إلى حمص.

 و منها معاهدته لعليّ عليه السلام و وجوه الصحابة على الندم

على ما فرط منه و العزم على ترك معاودته، و نقض ذلك و الرجوع عنه مرّة بعد مرّة، و إصراره على ما ندم منه و عاهد اللّه تعالى و أشهد القوم على تركه من الاستئثار بالفي‏ء و بطانة السوء و تقليد الفسقة أمور المسلمين.

و منها كتابه إلى ابن أبي سرح بقتل رؤساء المصريّين

و التنكيل بالأتباع و تخليدهم الحبس لإنكارهم ما يأتيه ابن أبي سرح إليهم و يسير به فيهم من الجور الذي اعترف به و عاهد على تغييره.

 و منها تعريضه نفسه و من معه من الأهل و الأتباع للقتل

و لم يعزل ولاة السوء.

و منها استمراره على الولاية مع إقامته على المنكرات الموجبة للفسخ

و تحريم التصرّف في أمر الأمّة، و ذلك تصرّف قبيح، لكونه غير مستحقّ عندهم مع ثبوت الفسق.

بيان

قوله مبتدر.. على بناء المفعول.. أي ينبغي أن يبتدر إليه. قوله حتى توقّره.. بصيغة الخطاب بقصد كلّ واحد، أو بصيغة الغيبة. فقوله دين الإله فاعله. و هيجان المرّة.. كناية عن السفاهة و الغضب في غير محلّه. قوله يعلم.. أي الصادق البرّ، أو على بناء المجهول. و قوله حجّاج القوم.. مفعول مكان فاعل ذكرت. و النّديّ بالتشديد و كسر الدال مجتمع القوم. قوله لما رجوت.. مفعول غداة الغوثة كما في بعض النسخ، و في بعضها غياث الفوت. قوله لديّ شدّ ظرفه.. أي لما رجوت عند شدّ يدي اليمني إلى عنقي بالجامعة. الغياث من الفوت أو غداة الغوث.. أي غداة يغيثني فيه غياث. قوله بعد ما أغضي.. أي أغمض عن حقّي. على صمد.. أي عمد.

ثم قال رحمه اللّه في التقريب و أمّا

النكير على عثمان

فظاهر مشهور من أهل الأمصار، و قطّان المدينة من الصحابة و التابعين، يغني بشهرة جملته عن تفصيله، و نحن نذكر من ذلك طرفا يستدلّ به على ما لم نذكره، فمن ذلك

نكير أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام

 ما رواه الثقفي من عدّة طرق، عن قيس بن أبي حازم، قال أتيت عليّا عليه السلام أستشفع به إلى عثمان، فقال إلى حمّال الخطايا.

 و روى الثقفي أنّ العباس كلّم عليّا في عثمان، فقال لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت، و لكن أبى أن يقيم كتاب اللّه.

 و روى الثقفي، عن عليّ عليه السلام، قال دعاني عثمان، فقال أغن عنّي نفسك و لك عير أوّلها بالمدينة و آخرها بالعراق. فقلت بخ بخ قد أكثرت لو كان من مالك. قال فمن مال من هو. قلت من مال قوم ضاربوا بأسيافهم. قال لي أ و هناك تذهب، ثم قام إليّ فضربني حتّى حجره عنّي الربو، و أنا أقول له أما إنّي لو شئت لانتصفت.

 و ذكر الواقدي في كتاب الدار، قال دخل سعد بن أبي وقّاص و عبد الرحمن ابن عوف و الزبير و طلحة و عليّ بن أبي طالب عليه السلام على عثمان فكلّموه في بعض ما رأوا منه، فكثر الكلام بينهم، و كان عليّ عليه السلام من أعظمهم عليه، فقام عليّ عليه السلام مغضبا فأخذ الزبير بثوبه، فقال اجلس، فأبى، فقال عثمان دعه فو اللّه ما علمت أنّه لما يكل، و اللّه لقد علم أنّها لا تكون فيه و لا في واحد من ولده.

 و روى الواقدي في كتابه، عن ابن عباس أنّ أوّل ما تكلّم الناس في عثمان ظاهرا أنّه صلّى بمنى أوّل ولايته ركعتين حتّى إذا كانت السنة السادسة أتمّها فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تكلّم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتّى جاءه عليّ في من جاءه، فقال و اللّه ما حدث أمر و لا قدم عهد، و لقد عهدت نبيّك صلّى اللّه عليه و آله صلّى ركعتين ثم أبا بكر و عمر و أنت صدرا من ولايتك، فما هذا قال عثمان رأي رأيته.

نكير أبيّ بن كعب

 و ذكر الثقفي في تاريخه بإسناده، قال جاء رجل إلى أبيّ بن كعب، فقال يا أبا المنذر إنّ عثمان قد كتب لرجل من آل أبي معيط بخمسين ألف درهم إلى بيت المال، فقال أبيّ لا يزال تأتوني بشي‏ء ما أدري ما هو فيه فبينا هو كذلك إذ مرّ به الصكّ، فقام فدخل على عثمان، فقال يا ابن الهاوية يا ابن النار الحامية أ تكتب لبعض آل أبي معيط إلى بيت مال المسلمين بصكّ بخمسين ألف درهم، فغضب عثمان و قال لو لا أنّي قد كفيتك لفعلت بك كذا و كذا.

 و ذكر الثقفي في تاريخه، قال فقام رجل إلى أبيّ بن كعب، فقال يا أبا المنذر أ لا تخبرني عن عثمان ما قولك فيه فأمسك عنه، فقال له الرجل جزاكم اللّه شرّا يا أصحاب محمّد شهدتم الوحي و عاينتموه ثم نسألكم التفقّه في الدين فلا تعلمونا. فقال أبيّ عند ذلك هلك أصحاب العقدة و ربّ الكعبة، أما و اللّه ما عليهم آسي و لكن آسي على و من أهلكوا. و اللّه لئن أبقاني اللّه إلى يوم الجمعة لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم، أ قتلت أو استحييت، فمات رحمه اللّه يوم الخميس.

نكير أبي ذر

 روى الثقفي في تاريخه بإسناده، عن ابن عباس، قال استأذن أبو ذرّ على عثمان فأبى أن يأذن له، فقال لي استأذن لي عليه. قال ابن عباس فرجعت إلى عثمان فاستأذنت له عليه، قال إنّه يؤذيني. قلت عسى أن لا يفعل، فأذن له من أجلي، فلمّا دخل عليه قال له اتّق اللّه يا عثمان، فجعل يقول اتّق اللّه.. و عثمان يتوعّده، قال أبو ذرّ إنّه قد حدّثني نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه يجاء بك و بأصحابك يوم القيامة فتبطحون على وجوهكم، فتمرّ عليكم البهائم فتطؤكم كلّ ما مرّت آخرها ردّت أوّلها، حتّى يفصل بين الناس. قال يحيى بن سلمة فحدّثني العرزمي أنّ في هذا الحديث ترفعوني حتّى إذا كنتم مع الثريّا ضرب بكم على وجوهكم فتطأكم البهائم.

 و ذكر الثقفي في تاريخه أنّ أبا ذرّ لمّا رأى أنّ عثمان قد أمر بتحريق المصاحف، فقال يا عثمان لا تكن أوّل من حرق كتاب اللّه فيكون دمك أوّل دم يهراق. و ذكر في تاريخه، عن ثعلبة بن حكيم، قال بينا أنا جالس عند عثمان و عنده أناس من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله من أهل بدر و غيرهم فجاء أبو ذرّ يتوكّأ على عصاه، فقال السلام عليكم. فقال اتّق اللّه يا عثمان إنّك تسمع.. كذا و كذا، و تصنع.. كذا و كذا.. و ذكر مساويه، فسكت عثمان حتى إذا انصرف، قال من يعذرني من هذا الذي لا يدع مساءة إلّا ذكرها. فسكت القوم فلم يجيبوه، فأرسل إلى عليّ عليه السلام، فجاء، فقام في مقام أبي الذرّ، فقال يا أبا الحسن ما ترى أبا الذرّ لا يدع لي مساءة إلّا ذكرها. فقال يا عثمان إنّي أنهاك عن أبي ذرّ، يا عثمان أنهاك عن أبي ذرّ.. ثلاث مرّات، اتركه كما قال اللّه تعالى لمؤمن آل فرعون )إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(. قال له عثمان بفيك التراب. قال له عليّ عليه السلام بل بفيك التراب، ثم انصرف.

 و روى الثقفي في تاريخه أنّ أبا ذرّ دخل على عثمان و عنده جماعة، فقال أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ليجاء بي يوم القيامة أو بك و بأصحابك حتى تكون بمنزلة الجوزاء من السماء، ثم يرمى بنا إلى الأرض فتوطأ علينا البهائم حتّى يفرغ من محاسبة العباد. فقال عثمان يا أبا هريرة هل سمعت هذا من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. فقال لا. قال أبو ذرّ أنشدك اللّه سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول ما أقلّت الغبراء و لا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ. قال أمّا هذا فقد سمعت، فرجع أبي ذرّ و هو يقول و اللّه ما كذبت.

 و ذكر الثقفي في تاريخه عن عبد اللّه شيدان السلمي أنّه قال لأبي ذرّ ما لكم و لعثمان، ما تهون عليه، فقال بلى و اللّه لو أمرني أن أخرج من داري لخرجت و لو حبوا، و لكنّه أبى أن يقيم كتاب اللّه.

  و ذكر الثقفي في تاريخه أنّ أبا ذرّ ألقي بين يدي عثمان، فقال يا كذّاب. فقال عليّ عليه السلام ما هو بكذّاب. قال بلى، و اللّه إنّه لكذّاب. قال عليّ عليه السلام ما هو بكذّاب. قال عثمان الترباء في فيك يا عليّ. قال عليّ عليه السلام بل الترباء في فيك يا عثمان. قال عليّ عليه السلام سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ. قال أما و اللّه على ذلك لأسيّرنّه. قال أبو ذرّ أما و اللّه لقد حدّثني خليلي عليه الصلاة و السلام أنّكم تخرجوني من جزيرة العرب.

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن سهل بن الساعدي، قال كان أبو ذرّ جالسا عند عثمان و كنت عنده جالسا إذ قال عثمان أ رأيتم من أدّى زكاة ماله هل في ماله حقّ غيره. قال كعب لا، فدفع أبو ذرّ بعصاه في صدر كعب، ثم قال يا ابن اليهوديّين أنت تفسّر كتاب اللّه برأيك )لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ...( إلى قوله )وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ(، ثم قال أ لا ترى أنّ على المصلّي بعد إيتاء الزكاة حقّا في ماله، ثم قال عثمان أ ترون بأسا أن نأخذ من بيت مال المسلمين مالا فنفرّقه فيما ينوبنا من أمرنا ثم نقضيه، ثم قال أناس منهم ليس بذلك بأس. و أبو ذرّ ساكت، فقال عثمان يا كعب ما تقول. فقال كعب لا بأس بذلك، فرفع أبو ذرّ عصاه فوجأ بها في صدره، ثم قال أنت يا ابن اليهوديّين تعلّمنا ديننا. فقال عثمان ما أكثر أذاك لي و أولعك بأصحابي الحق بمكينك و غيّب عنّي وجهك.

 و ذكر الثقفي، عن الحسين بن عيسى بن زيد، عن أبيه أنّ أبا ذرّ أظهر عيب عثمان و فراقه للدين، و أغلظ له حتى شتمه على رءوس الناس و برئ منه، فسيّره عثمان إلى الشام.

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن عبد الرحمن أنّ أبا ذرّ زار أبا الدرداء بحمص فمكث عنده ليالي فأمر بحماره فأوكف، فقال أبو الدرداء لا أراني اللّه مشيعك، و أمر بحماره فأسرج. فسارا جميعا على حماريهما، فلقيا رجلا شهد الجمعة عند معاوية بالجابية فعرفهما الرجل و لم يعرفاه فأخبرهما خبر الناس، ثم إنّ الرجل قال و خبر آخر كرهت أن أخبركم به الآن و أراكم تكرهانه، قال أبو الدرداء لعلّ أبا ذرّ قد نفي. قال نعم و اللّه، فاسترجع أبو الدرداء و صاحبه قريبا من عشر مرّات، ثم قال أبو الدرداء فارتقبهم و اصطبر كما قيل لأصحاب الناقة، اللّهمّ إن كانوا كذّبوا أبا ذرّ فإنّي لا أكذّبه و إن اتّهموه فإنّي لا أتّهمه و إن استغشوه فإنّي لا أستغشه إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحدا، و يسر إليه حيث لا يسرّ إلى أحد، أما و الذي نفس أبي الدرداء بيده لو أنّ أبا ذرّ قطع يميني ما أبغضته بعد ما سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ.

  و ذكر الثقفي في تاريخه بإسناده، قال قام معاوية خطيبا بالشام، فقال أيّها الناس إنّما أنا خازن فمن أعطيته فاللّه يعطيه و من حرمته فاللّه يحرمه، فقام إليه أبو ذرّ، فقال كذبت و اللّه يا معاوية، إنّك لتعطي من حرم اللّه و تمنع من أعطى اللّه.

 و ذكر الثقفي، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرّ، قال قلت لمعاوية أما أنا فأشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول إنّ أحدنا فرعون هذه الأمّة. فقال معاوية أمّا أنا فلا.

 و عنه، عن عبد الملك بن أخي أبي ذرّ، قال كتب معاوية إلى عثمان أنّ أبا ذرّ قد حرّف قلوب أهل الشام و بغّضك إليهم فما يستفتون غيره، و لا يقضي بينهم إلّا هو، فكتب عثمان إلى معاوية أن احمل أبا ذرّ على ناب صعبة و قتب، ثم ابعث معه من ينجش به نجشا عنيفا حتى يقدم به عليّ، قال فحمله معاوية على ناقة صعبة عليها قتب ما على القتب إلّا مسح، ثم بعث معه من يسيّره سيرا عنيفا، و خرجت معه فما لبث الشيخ إلّا قليلا حتّى سقط ما يلي القتب من لحم فخذيه و قرح، فكنّا إذا كان الليل أخذت ملائي فألقيتهما تحته، فإذا كان السحر نزعتها مخافة أن يروني فيمنعوني من ذلك، حتّى قدمنا المدينة و بلغنا عثمان ما لقي أبو ذرّ من الوجع و الجهد، فحجبه جمعة و جمعة حتّى مضت عشرون ليلة أو نحوها و أفاق أبو ذرّ، ثم أرسل إليه و هو معتمد على يدي فدخلنا عليه و هو متكئ فاستوى قاعدا، فلمّا دنا أبو ذرّ منه قال عثمان

لا أنعم اللّه بعمرو عينا تحيّة السخط إذا التقينا

فقال له أبو ذرّ لم، فو اللّه ما سمّاني اللّه عمروا و لا سمّاني أبواي عمروا، و إنّي على العهد الذي فارقت عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما غيّرت و لا بدّلت. فقال له عثمان كذبت لقد كذبت على نبيّنا و طعنت في ديننا، و فارقت رأينا، و ضغّنت قلوب المسلمين علينا، ثم قال لبعض غلمانه ادع لي قريشا، فانطلق رسوله فما لبثنا أن امتلأ البيت من رجال قريش. فقال لهم عثمان إنّا أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الكذّاب، الذي كذب على نبيّنا و طعن في ديننا، و ضغّن قلوب المسلمين علينا، و إنّي قد رأيت أن أقتله أو أصلبه أو أنفيه من الأرض. فقال بعضهم رأينا لرأيك تبع. و قال بعضهم لا تفعل، فإنّه صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حقّ، فما منهم أحد أدّى الذي عليه، فبينا هم كذلك إذ جاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام يتوكّأ على عصى سترا فسلّم عليه و نظر و لم يجد مقعدا فاعتمد على عصاه، فما أدري أ تخلف عهد أم يظنّ به غير ذلك، ثم قال عليّ عليه السلام فيما أرسلتم إلينا. قال عثمان أرسلنا إليكم في أمر قد فرّق لنا فيه الرأي فاجمع رأينا و رأي المسلمين فيه على أمر. قال عليّ عليه السلام و للّه الحمد، أما إنّكم لو استشرتمونا لم نألكم نصيحة. فقال عثمان إنّا أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الذي قد كذب على نبيّنا، و طعن في ديننا، و خالف رأينا، و ضغّن قلوب المسلمين علينا، و قد رأينا أن نقتله أو نصلبه أو ننفيه من الأرض. قال عليّ عليه السلام أ فلا أدلّكم على خير من ذلكم و أقرب رشدا تتركونه بمنزلة مؤمن آل فرعون إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ. قال له عثمان بفيك التراب. فقال له عليّ عليه السلام بل بفيك التراب، و سيكون به. فأمر بالناس فأخرجوا.

 و عنه في تاريخه بإسناده، عن عبد الرحمن بن معمر، عن أبيه، قال لما قدم بأبي ذرّ من الشام إلى عثمان كان ممّا أبنه به أن قال أيّها الناس إنّه يقول إنّه خير من أبي بكر و عمر. قال أبو ذرّ أجل أنا أقول، و اللّه لقد رأيتني رابع أربعة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أسلم غيرنا، و ما أسلم أبو بكر و لا عمر، و لقد وليا و ما وليت، و لقد ماتا و إنّي لحيّ. فقال عليّ عليه السلام و اللّه لقد رأيته و إنّه لربع الإسلام، فردّ عثمان ذلك على عليّ عليه السلام و كان بينهما كلام، فقال عثمان و اللّه لقد هممت بك، قال عليّ عليه السلام و أنا و اللّه لأهمّ بك، فقام عثمان و دخل بيته، و تفرّق الناس.

 و عنه في تاريخه، عن الأحنف بن قيس، قال بينما نحن جلوس مع أبي هريرة إذ جاء أبو ذرّ، فقال يا أبا هريرة هل افتقر اللّه منذ استغنى. فقال أبو هريرة سبحان اللّه بل اللّه الغنيّ الحميد، لا يفتقر أبدا و نحن الفقراء إليه. قال أبو ذرّ فما بال هذا المال يجمع بعضه إلى بعض. فقال مال اللّه قد منعوه أهله من اليتامى و المساكين، ثم انطلق. فقلت لأبي هريرة ما لكم لا تأبون مثل هذا. قال إنّ هذا رجل قد وطّن نفسه على أن يذبح في اللّه، أما إنّي أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى ابن مريم برّا و زهدا و نسكا فعليكم به.

 و عنه في تاريخه، عن المغرور بن سويد، قال كان عثمان يخطب فأخذ أبو ذرّ بحلقة الباب، فقال أنا أبو ذرّ من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا جندب، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول إنّما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه من تخلّف عنها هلك و من ركبها نجا. قال له عثمان كذبت. فقال له عليّ عليه السلام إنّما كان عليك أن تقول كما قال العبد الصالح )إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( فما أتمّ حتّى قال عثمان بفيك التراب. فقال عليّ عليه السلام بل بفيك التراب.

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن سعيد بن عطاء، عن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن جدّه، قال لّما صدّ الناس عن الحجّ في سنة ثلاثين أظهر أبو ذرّ بالشام عيب عثمان، فجعل كلّما دخل المسجد أو خرج شتم عثمان و ذكر منه خصالا كلّها قبيحة، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى عثمان كتابا يذكر له ما يصنع أبو ذرّ. و ذكر الواقدي ما تضمّنه الكتاب حذفناه اختصارا. فكتب إليه عثمان أمّا بعد، فقد جاءني كتابك و فهمت ما ذكرت من أبي ذرّ جنيدب فابعث إليّ به و احمله على أغلظ المراكب و أوعرها، و ابعث معه دليلا يسير به الليل و النهار حتّى لا ينزل عن مركبه فيغلبه النوم فينسيه ذكري و ذكرك. قال فلمّا ورد الكتاب على معاوية حمله على شارف ليس عليه إلّا قتب، و بعث معه دليلا، و أمر أن يغذّ به السير حتّى قدم به المدينة و قد سقط لحم فخذيه، قال فلقد أتانا آت و نحن في المسجد ضحوة مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقيل أبو ذرّ قد قدم المدينة، فخرجت أعدوا فكنت أوّل من سبق إليه، فإذا شيخ نحيف آدم طوال أبيض الرأس و اللحية يمشي مشيا متقاربا، فدنوت إليه، فقلت يا عمّ ما لي أراك لا تخطو إلّا خطوا قريبا. قال عمل ابن عفّان، حملني على مركب وعر و أمر بي أن أتعب، ثم قدم بي عليه ليرى فيّ رأيه. قال فدخل به على عثمان، فقال له عثمان لا أنعم اللّه لك عينا يا جنيدب.. و ساق الحديث كما مرّ برواية ابن أبي الحديد.

ثم قال أبو الصلاح رحمه اللّه

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن صهبان مولى الأسلميّين، قال رأيت أبا ذرّ يوم دخل به على عثمان عليه عباء مدرعا قد درع بها على شارف حتى أنيخ به على باب عثمان. فقال أنت الذي فعلت و فعلت. فقال أنا الذي نصحتك فاستغششتني، و نصحت صاحبك فاستغشّني.. و ساق الحديث كما رواه ابن أبي الحديد.. إلى قوله، قال امض على وجهك هذا و لا تعدونّ الربذة، فخرج أبو ذرّ إلى الزبذة، فلم يزل بها حتى توفي.

نكير عمّار بن ياسر

و ذكر الثقفي في تاريخه، عن سالم بن أبي الجعد، قال خطب عثمان الناس ثم قال فيها و اللّه لأوثرن بني أميّة، و لو كان بيدي مفاتيح الجنّة لأدخلنّهم إيّاها، و لكنّي سأعطيهم من هذا المال على رغم أنف من رغم. فقال عمّار بن ياسر أنفي و اللّه ترغم من ذلك. قال عثمان فأرغم اللّه أنفك. فقال عمّار و أنف أبي بكر و عمر ترغم. قال و إنّك لهناك يا ابن سميّة.. ثم نزل إليه فوطأه فاستخرج من تحته و قد غشي عليه و فتقه.

 و ذكر الثقفي، عن شقيق، قال كنت مع عمّار فقال ثلاث يشهدون على عثمان و أنا الرابع، و أنا أسوأ الأربعة )وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ( )وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( و )وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ( و أنا أشهد لقد حكم بغير ما أنزل اللّه.

 و عنه في تاريخه، قال قال رجل لعمّار يوم صفّين على ما تقاتلهم يا أبا اليقظان. قال على أنّهم زعموا أنّ عثمان مؤمن و نحن نزعم أنّه كافر.

 و عنه في تاريخه، عن مطرف بن عبد اللّه بن الشخير الحرشي، قال انتهيت إلى عمّار في مسجد البصرة و عليه برنس و الناس قد أطافوا به و هو يحدّثهم من أحداث عثمان و قتله، فقال رجل من القوم و هو يذكر عثمان رحم اللّه عثمان. فأخذ عمّار كفّا من حصى المسجد فضرب به وجهه، ثم قال استغفر اللّه يا كافر، استغفر اللّه يا عدوّ اللّه.. و أوعد الرجل فلم يزل القوم يسكّنون عمّارا عن الرجل حتى قام و انطلق و قعدت القوم حتّى فرغ عمّار من حديثه و سكن غضبه، ثم إنّي قمت معه فقلت له يا أبا اليقظان رحمك اللّه أ مؤمنا قتلتم عثمان بن عفّان أم كافرا. فقال لا، بل قتلناه كافرا.. بل قتلناه كافرا.

 و عنه، عن حكيم بن جبير، قال قال عمّار و اللّه ما أخذني أسى على شي‏ء تركته خلفي غير أنّي وددت أنّا كنّا أخرجنا عثمان من قبره فأضرمنا عليه نارا.

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن سعد بن أبي وقّاص، قال أتيت عمّار بن ياسر و عثمان محصور، فلمّا انتهيت إليه قام معي فكلّمته، فلمّا ابتدأت الكلام جلس ثم استلقى و وضع يده على وجهه، فقلت ويحك يا أبا اليقظان إنّك كنت فينا لمن أهل الخير و السابقة، و من عذّب في اللّه، فما الذي تبغي من سعيك في فساد المؤمنين و ما صنعت في أمير المؤمنين فأهوى إلى عمامته فنزعها عن رأسه، ثم قال خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه، يا أبا إسحاق إنّي أريد أن تكون خلافة كما كانت على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأمّا أن يعطي مروان خمس إفريقية، و معاوية على الشام، و الوليد بن عقبة شارب الخمر على الكوفة، و ابن عامر على البصرة. و الكافر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله على مصر، فلا و اللّه لا كان هذا أبدا حتّى يبعج في خاصرته بالحقّ.

نكير عبد اللّه بن مسعود

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن الأعمش، عن شقيق، قال قلنا لعبد اللّه فيم طعنتم على عثمان. قال أهلكه الشحّ و بطانة السوء.

 و عنه، عن قيس بن أبي حازم و شقيق بن سلمة، قال قال عبد اللّه بن مسعود لوددت أنّي و عثمان برمل عالج فنتحاثى التراب حتى يموت الأعجز.

  و عنه و عن جماعة من أصحاب عبد اللّه منهم علقمة بن قيس، و مسروق ابن الأخدع، و عبيدة السلماني، و شقيق بن سلمة و غيرهم عن عبد اللّه، قال لا يعدل عثمان عند اللّه جناح بعوضة. و في أخرى جناح ذباب.

 و عنه، عن عبيدة السلماني، قال سمعت عبد اللّه يلعن عثمان، فقلت له في ذلك، فقال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يشهد له بالنار.

 و عنه، عن خثيمة بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن مسعود، قال بينا نحن في بيت و نحن اثنا عشر رجلا نتذاكر أمر الدجّال و فتنته إذ دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال ما تتذاكرون من أمر الدجّال و الذي نفسي بيده إنّ في البيت لمن هو أشد على أمّتي من الدجّال، و قد مضى من كان في البيت يومئذ غيري و غير عثمان، و الذي نفسي بيده لوددت أنّي و عثمان برمل عالج نتحاثى التراب حتى يموت الأعجز.

 و عنه، عن علقمة، قال دخلت على عبد اللّه بن مسعود، فقال صلّى هؤلاء جمعتهم. قلت لا. قال إنّما هؤلاء حمر إنّما يصلّي مع هؤلاء المضطرّ، و من لا صلاة له، فقام بيننا فصلّى بغير أذان و لا إقامة.

 و عنه، عن أبي البختري، قال دخلوا على عبد اللّه حيث كتب عبد الرحمن يسيّره و عنده أصحابه، فجاء رسول الوليد، فقال إنّ الأمير أرسل إليك أنّ أمير المؤمنين يقول إمّا أن تدع هؤلاء الكلمات و إمّا أن تخرج من أرضك. قال ربّ كلمات لا أختار مصري عليهن. قيل ما هنّ. قال أفضل الكلام كتاب اللّه، و أحسن الهدي هدي محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و شرّ الأمور محدثاتها، و كلّ محدثة ضلالة. فقال ابن مسعود ليخرجنّ منها ابن أمّ عبد و لا أتركهنّ أبدا، و قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقولهنّ.

و قد ذكر ذلك أجمع و زيادة عليه الواقدي في كتاب الدار تركناه إيجازا.

نكير حذيفة بن اليمان

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن قيس بن أبي حازم، قال جاءت بنو عبس إلى حذيفة يستشفعون به على عثمان، فقال حذيفة لقد أتيتموني من عند رجل وددت أنّ كلّ سهم في كنانتي في بطنه.

 و عنه، عن حارث بن سويد، قال كنّا عند حذيفة فذكرنا عثمان، فقال عثمان و اللّه ما يعدو أن يكون فاجرا في دينه أو أحمق في معيشته.

 و عنه، عن حكيم بن جبير، عن يزيد مولى حذيفة، عن أبي شريحة الأنصاري أنّه سمع حذيفة يحدّث، قال طلبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في منزله فلم أجده و طلبته فوجدته في حائط نائما رأسه تحت نخلة، فانتظرته طويلا فلم يستيقظ فكسرت جريدة فاستيقظ، فقال ما شاء اللّه أن يقول، ثم جاء أبو بكر، فقال ائذن لي، ثم جاء عمر فأمرني أن آذن له، ثم جاء عليّ عليه السلام فأمرني أن آذن له و أبشّره بالجنّة، ثم قال يجيئكم الخامس لا يستأذن و لا يسلّم، و هو من أهل النار، فجاء عثمان حتى وثب من جانب الحائط، ثم قال يا رسول اللّه بنو فلان يقابل بعضهم بعضا.

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن أبي وائل، قال سمعت حذيفة بن اليمان يقول لقد دخل عثمان قبره بفجره.

 و عنه، عبد اللّه بن السائب، قال لما قتل عثمان أتى حذيفة و هو بالمدائن، فقيل يا أبا عبد اللّه لقيت رجلا آنفا على الجسر فحدّثني أنّ عثمان قتل، قال هل تعرف الرجل. قلت أظنّني أعرفه و ما أثبته. قال حذيفة إنّ ذلك عيثم الجنّي، و هو الذي يسير بالأخبار، فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم، فقيل لحذيفة ما تقول في قتل عثمان. فقال هل هو إلّا كافر قتل كافرا أو مسلم قتل كافرا. فقالوا أ ما جعلت له مخرجا. فقال اللّه لم يجعل له مخرجا.

 و عنه، عن حسين بن عبد الرحمن، قال قلت لأبي وابل حدّثنا، فقد أدركت ما لم ندرك. فقال اتّهموا القوم على دينكم فو اللّه ما ماتوا حتى خلطوا، لقد قال حذيفة في عثمان أنّه دخل حفرته و هو فاجر.

نكير المقداد

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن همام بن الحارث، قال دخلت مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون على عثمان و إذا رجل يمدحه، فوثب المقداد بن الأسود فأخذ كفّا من حصا أو تراب فأخذ يرميه به فرأيت عثمان يتّقيه بيده. و ذكر في تاريخه، عن سعيد بن المسيّب، قال لم يكن المقداد يصلّي مع عثمان و لا يسمّيه أمير المؤمنين. و ذكر، عن سعيد أيضا، قال لم يكن عمّار و لا المقداد بن الأسود يصلّيان خلف عثمان و لا يسمّيانه أمير المؤمنين.

نكير عبد الرحمن بن حنبل القرشي

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن الحسين بن عيسى بن زيد، عن أبيه، قال كان عبد الرحمن بن حنبل القرشي و هو من أهل بدر من أشدّ الناس على عثمان، و كان يذكره في الشعر و يذكر جوره و يطعن عليه و يبرأ منه و يصف صنائعه، فلمّا بلغ ذلك عثمان عنه ضربه مائة سوط و حمله على بعير و طاف به في المدينة، ثم حبسه موثقا في الحديد.

نكير طلحة بن عبيد اللّه

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن مالك بن النصر الأرجي أنّ طلحة قام إلى عثمان، فقال له إنّ الناس قد جمعوا لك و كرهوك للبدع التّي أحدثت و لم يكونوا يرونها و لا يعهدونها، فإن تستقم فهو خير لك و إن أبيت لم يكن أحد أضرّ بذلك منك في دنيا و لا آخرة.

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن سعيد بن المسيّب، قال انطلقت بأبي أقوده إلى المسجد، فلمّا دخلنا سمعنا لغط الناس و أصواتهم، فقال أبي يا بني ما هذا. فقلت الناس محدقون بدار عثمان. فقال من ترى من قريش. قلت طلحة. قال اذهب بي إليه فأدنني منه، فلمّا دنا منه، فقال يا أبا محمد ألا تنهى الناس من قتل هذا الرجل. قال يا أبا سعيد إنّ لك دارا فاذهب فاجلس في دارك، فإنّ نعثلا لم يكن يخاف هذا اليوم.

 و ذكر في تاريخه، عن الحسين بن عيسى، عن أبيه أنّ طلحة بن عبيد اللّه كان يومئذ في جماعة الناس عليه السلاح عند باب القصر يأمرهم بالدخول عليه.

 و ذكر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال انتهيت إلى المدينة أيّام حصر عثمان في الدار فإذا طلحة بن عبيد اللّه في مثل الخزّة السوداء من الرجال و السلاح، مطيف بدار عثمان حتّى قتل. و ذكر عنه، قال رأيت طلحة يرامي الدار و هو في خزّة سوداء عليه الدرع قد كفر عليها بقباء فهم يرامونه و يخرجونه من الدار ثم يخرج فيراميهم حتى دخل عليه من دار من قبل دار ابن حزم فقتل.

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن عبد اللّه بن مالك، عن أبيه، قال لّما أشخص الناس لعثمان لم يكن أحد أشدّ عليه من طلحة بن عبيد اللّه، قال مالك و اشترى منّي ثلاثة أدرع و خمسة أسياف، فرأيت تلك الدروع على أصحابه الذين كانوا يلزمونه قبل مقتل عثمان بيوم أو يومين.

 و ذكر الواقدي في تاريخه، قال ما كان أحد من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله أشدّ على عثمان من عبد الرحمن بن عوف حتّى مات، و من سعد بن أبي وقّاص حتّى مات عثمان و أعطى الناس الرضى، و من طلحة و كان أشدّهم، فإنّه لم يزل كهف المصريّين و غيرهم يأتونه بالليل يتحدّثونه عنده إلى أن جاهدوا فكان وليّ الحرب و القتال و عمل المفاتيح على بيت المال، و تولّى الصلاة بالناس و منعه و من معه من الماء، و ردّ شفاعة عليّ عليه السلام في حمل الماء إليهم، و قال له لا و اللّه و لا نعمت عين و لا بركت و لا يأكل و لا يشرب حتّى يعطي بنو أميّة الحقّ من أنفسها. و روى قوله لمالك بن أوس و قد شفع إليه في ترك التأليب على عثمان يا مالك إنّي نصحت عثمان فلم يقبل نصيحتي و أحدث أحداثا و فعل أمورا و لم نجد بدّا من أن تغيّرها، و اللّه لو وجدت من ذلك بدّا ما تكلّمت و لا ألّبت.

نكير الزبير بن العوّام

 و ذكر الواقدي في تاريخه، قال عتب عثمان على الزبير، فقال ما فعلت و لكنّك صنعت بنفسك أمرا قبيحا، تكلّمت على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأمر أعطيت الناس فيه الرضا، ثم لقيك مروان و صنعت ما لا يشبهك، حضر الناس يريدون منك ما أعطيتهم، فخرج مروان فآذى و شتم، فقال له عثمان فإنّي أستغفر اللّه.

 و ذكر في تاريخه أنّ عثمان أرسل سعيد بن العاص إلى الزبير فوجده بأحجار الزيت في جماعة، فقال له إنّ عثمان و من معه قد مات عطشا. فقال له الزبير )وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ(.

نكير عبد الرحمن بن عوف

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن الحسن بن عيسى بن زيد، عن أبيه، قال كثر الكلام بين عبد الرحمن بن عوف و بين عثمان، حتى قال عبد الرحمن أما و اللّه لئن بقيت لك لأخرجنّك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه، و ما غررتني إلّا باللّه.

 و ذكر الثقفي، عن الحكم قال كان بين عبد الرحمن بن عوف و بين عثمان كلام، فقال له عبد الرحمن و اللّه ما شهدت بدرا، و لا بايعت تحت الشجرة، و فررت يوم حنين. فقال له عثمان و أنت و اللّه دعوتني إلى اليهوديّة.

 و عنه، عن طارق بن شهاب، قال رأيت عبد الرحمن بن عوف يقول يا أيّها الناس إنّ عثمان أبى أن يقيم فيكم كتاب اللّه. فقيل له أنت أوّل من بايعه، و أوّل من عقد له. قال إنّه نقض و ليس لناقض عهد.

 و عنه، عن أبي إسحاق، قال ضجّ الناس يوما حين صلّوا الفجر في خلافة عثمان فنادوا بعبد الرحمن بن عوف فحوّل وجهه إليهم و استدبر القبلة، ثم خلع قميصه من جيبه، فقال يا معشر أصحاب محمّد يا معشر المسلمين أشهد اللّه و أشهدكم أنّي قد خلعت عثمان من الخلافة كما خلعت سربالي هذا. فأجابه مجيب. من الصفّ الأوّل )آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(. فنظروا من الرجل، فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

 و عنه، قال أوصى عبد الرحمن أن يدفن سرّا لئلّا يصلّي عليه عثمان.

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن عثمان بن السريد، قال دخلت على عبد الرحمن بن عوف في شكواه الذي مات فيه أعوده فذكر عنده عثمان، فقال عاجلوا طاغيتكم هذا قبل أن يتمادى في ملكه. قالوا فأنت ولّيته قال لا عهد لناقض.

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن بلال بن حارث، قال كنت مع عبد الرحمن جالسا فطلع عثمان حتّى صعد المنبر، فقال عبد الرحمن فقدت أكثرك شعرا.

 و ذكر فيه أنّ عثمان أنفذ المسور بن مخرمة إلى عبد الرحمن يسأله الكفّ عن التحريص عليه، فقال له عبد الرحمن أنا أقول هذا القول وحدي و لكنّ الناس يقولون جميعا، إنّه غيّر و بدّل. قال المسور قلت فإن كان الناس يقولون فدع أنت ما تقول فيه. فقال عبد الرحمن لا و اللّه ما أجده يسعني أن أسكت عنه. ثم قال له قل له يقول لك خالي اتّق اللّه وحده لا شريك له في أمّة محمّد و ما أعطيتني من العهد و الميثاق لتعملنّ بكتاب اللّه و سنّة صاحبك، فلم تف.

  و ذكر فيه أنّ ابن مسعود قال لعبد الرحمن في أحداث عثمان هذا ممّا عملت. فقال عبد الرحمن قد أخذت إليكم بالوثيقة فأمركم إليكم.

 و ذكر فيه قال قال عليّ عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف هذا عملك. فقال عبد الرحمن فإذا شئت فخذ سيفك و آخذ سيفي.

نكير عمرو بن العاص

 و ذكر الثقفي في تاريخه عن لوط بن يحيى الأزدي، قال جاء عمرو بن العاص فقال لعثمان إنّك ركبت من هذه الأمّة النهابير و ركبوها بك، فاتّق اللّه و تب إليه. فقال يا ابن النابغة قد تبت إلى اللّه و أنا أتوب إليه، أما إنّك من من يؤلّب علي و يسعى في الساعين، قد لعمري أضرمتها فأسعر و أضرم ما بدا لك، فخرج عمرو حتّى نزل في أداني الشام.

 و ذكر فيه، عن الزهري، قال إنّ عمرو بن العاص ذكر عثمان، فقال إنّه استأثر بالفي‏ء فأساء الأثرة و استعمل أقواما لم يكونوا بأهل العمل من قرابته و آثرهم على غيرهم، فكان في ذلك سفك دمه و انتهاك حرمته.

 و عنه فيه، قال قام عمرو إلى عثمان، فقال اتّق اللّه يا عثمان إمّا أن تعدل و إمّا أن تعتزل.. فلمّا أن نشب الناس في أمر عثمان تنحى عن المدينة و خلف ثلاثة غلمة له ليأتوه بالخبر، فجاء اثنان بحصر عثمان، فقال إنّي إذا نكأت قرحة أدميتها، و جاء الثالث بقتل عثمان و ولاية عليّ عليه السلام، فقال وا عثماناه و لحق بالشام.

 و ذكر الواقدي في تاريخه أنّ عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر و استعمل عليها عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، فقدم عمرو المدينة فجعل يأتي عليّا عليه السلام فيؤلّبه على عثمان، و يأتي الزبير و يأتي طلحة و يلقي الركبان يخبرهم بأحداث عثمان، فلمّا حصر عثمان الحصار الأول خرج إلى أرض فلسطين، فلم يزل بها حتّى جاءه خبر قتله، فقال أنا أبو عبد اللّه إنّي إذا أحلّ قرحة نكأتها، إنّي كنت لأحرص عليه حتّى إنّي لأحرص عليه ]من[ الراعي في غنمه. فلمّا بلغه بيعة الناس عليّا عليه السلام كره ذلك و تربّص حتى قتل طلحة و الزبير ثم لحق بمعاوية.

نكير محمد بن مسلمة الأنصاري

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن داود بن الحصين الأنصاري أنّ محمد بن مسلمة الأنصاري قال يوم قتل عثمان ما رأيت يوما قطّ أقرّ للعيون و لا أشبه بيوم بدر من هذا اليوم.

 و روى فيه، عن أبي سفيان مولى آل أحمد، قال أتيت محمد بن مسلمة الأنصاري فقلت قتلتم عثمان. فقال نعم و ايم اللّه ما وجدت رائحة هي أشبه برائحة يوم بدر منها.

 و قد ذكر الواقدي في تاريخه، عن محمد بن مسلمة مثل ما ذكره الثقفي.

نكير أبي موسى

 و ذكر الواقدي في تاريخه، قال لّما ولّى عثمان عبد اللّه بن عامر بن كريز البصرة قام أبو موسى الأشعري، خطيبا، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال قد أتاكم رجل كثير العمّات و الخالات في قريش، يبسط المال فيهم بسطا، و قد كنت قبضته عنكم.

نكير جبلة بن عمرو الساعدي

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن عامر بن سعد، قال أوّل من اجترأ على عثمان بالمنطق السيّئ جبلة بن عمرو الساعدي، مرّ به عثمان و هو جالس في نادي قومه و في يد جبلة بن عمرو بن جامعة فسلّم و ردّ القوم، فقال جبلة لم تردّون على رجل فعل كذا و كذا. قال ثم أقبل على عثمان، فقال و اللّه لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه، قال عثمان أيّ بطانة فو اللّه إنّي لأتخيّر الناس. فقال مروان تخيّرته و معاوية تخيّرته و عبد اللّه بن عامر بن كريز تخيّرته و عبد اللّه بن سعد تخيّرته منهم من نزل القرآن بذمّه و أباح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دمه. فانصرف عثمان، فما زال الناس مجترءون عليه.

 و ذكر فيه، عن عثمان بن السريد، قال مرّ عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي و هو على باب داره و معه جامعة، فقال يا نعثل و اللّه لأقتلنّك أو لأحملنّك على جرباء، و لأخرجنّك إلى حرّة النار، ثم جاءه مرّة أخرى و هو على المنبر فأنزله عنه.

 و ذكر فيه أنّ زيد بن ثابت مشى إلى جبلة و معه ابن عمّه أبو أسيد الساعدي فسألاه الكفّ عن عثمان. فقال و اللّه لا أقصر عنه أبدا، و لا ألقى اللّه فأقول )أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا(.

 نكير جهجاه بن عمرو الغفاري

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن عروة، قال خرج عثمان إلى المسجد و معه ناس من مواليه فنجد الناس ينتابونه يمينا و شمالا، فناداه بعضهم يا نعثل و بعضهم غير ذلك، فلم يكلّمهم حتى صعد المنبر فشتموه فسكت حتى سكتوا، ثم قال أيّها الناس اتّقوا و اسمعوا و أطيعوا، فإنّ السامع المطيع لا حجّة عليه، و السامع العاصي لا حجّة له.. فناداه بعضهم أنت.. أنت السامع العاصي. فقام إليه جهجاه بن عمرو الغفاري و كان ممّن بايع تحت الشجرة فقال هلمّ إلى ما ندعوك إليه. قال و ما هو. قال نحملك على شارف جرباء فتلحقك بجبل الدخان. قال عثمان لست هناك لا أمّ لك. و تناول ابن جهجاه الغفاري عصا في يد عثمان و هي عصا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكسرها على ركبته. و دخل عثمان داره فصلّى بالناس سهل بن حنيف.

 و ذكر فيه، عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة.. الحديث، و قال فيه إنّ عثمان قال له قبّحك اللّه و قبّح ما جئت به. قال أبو حبيبة و لم يكن ذلك إلّا عن ملإ من الناس، و قام إلى عثمان شيعته من بني أميّة فحملوه فأدخلوه الدار، و كان آخر يوم رأيته فيه.

 نكير عائشة

 و ذكر الطبري في تاريخه و الثقفي في تاريخه، قال جاءت عائشة إلى عثمان، فقالت أعطني ما كان يعطيني أبي و عمر، قال لا أجد له موضعا في الكتاب و لا في السنّة، و لكن كان أبوك و عمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما، و أنا لا أفعل. قالت فأعطني ميراثي من رسول اللّه )ص(. قال أ و لم تجئ فاطمة )ع( تطلب ميراثها من رسول اللّه )ص(، فشهدت أنت و مالك بن أوس البصري أنّ النبيّ )ص( لا يورث، و أبطلت حقّ فاطمة و جئت تطلبينه، لا أفعل. و زاد الطبري و كان عثمان متّكئا فاستوى جالسا، و قال ستعلم فاطمة أيّ ابن عمّ لها منّي اليوم أ لست و أعرابي يتوضّأ ببوله شهدت عند أبيك. قالا جميعا في تاريخهما فكان إذا خرج عثمان إلى الصلاة أخرجت قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تنادي أنّه قد خالف صاحب هذا القميص. و زاد الطبري يقول هذا قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم تبل و قد غيّر عثمان سنّته، اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا.

 و ذكر الثقفي في تاريخه، عن موسى الثعلبي، عن عمّه، قال دخلت مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون، و إذا كفّ مرتفعة و صاحب الكفّ يقول يا أيّها الناس العهد حديث، هاتان نعلا رسول اللّه و قميصه إنّ فيكم فرعون أو مثله، فإذا هي عائشة تعني عثمان، و هو يقول اسكتي إنّما هذه امرأة رأيها رأي المرأة.

 و ذكر في تاريخه، عن الحسن بن سعيد، قال رفعت عائشة ورقات من ورق المصحف بين عودين من وراء حجابها و عثمان على المنبر، فقالت يا عثمان أقم ما في كتاب اللّه إن تصاحب تصاحب غادرا، و إن تفارق تفارق عن قلى. فقال عثمان أما و اللّه لتنتهين أو لأدخلنّ عليك حمران الرجال و سودانها. قالت عائشة أما و اللّه إن فعلت لقد لعنك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم ما استغفر لك حتّى مات.

 و ذكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال أخرجت عائشة قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال لها عثمان لئن لم تسكتي لأملأنّها عليك حبشانا. قالت يا غادر يا فاجر أخربت أمانتك و مزّقت كتاب اللّه. ثم قالت و اللّه ما ائتمنه رجل قطّ إلّا خانه، و لا صحبه رجل قطّ إلّا فارقه عن قلى.

 و ذكر فيه، قال نظرت عائشة إلى عثمان، فقالت )يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ(.

 و ذكر فيه، عن عكرمة أنّ عثمان صعد المنبر فاطّلعت عائشة و معها قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قالت يا عثمان أشهد أنّك بري‏ء من صاحب هذا القميص. فقال عثمان )ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا...( الآية.

 و ذكر فيه، عن أبي عامر مولى ثابت، قال كنت في المسجد فمرّ عثمان فنادته عائشة يا غادر يا فاجر أخربت أمانتك و ضيّعت رعيّتك، و لو لا الصلوات الخمس لمشى إليك رجال حتّى يذبحوك ذبح الشاة، فقال لها عثمان )امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ...( الآية.

 و ذكر فيه، أنّ عثمان صعد، فنادت عائشة و رفعت القميص، فقالت لقد خالفت صاحب هذا. فقال عثمان إنّ هذه الزعراء عدوّة اللّه، ضرب اللّه مثلها و مثل صاحبتها حفصة في الكتاب )امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ...( الآية. فقالت له يا نعثل يا عدوّ اللّه إنّما سمّاك رسول اللّه باسم نعثل اليهودي الذي باليمن.. و لاعنته و لاعنها.

 و ذكر فيه، عن القاسم بن مصعب العبدي، قال قام عثمان ذات يوم خطيبا، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال نسوة يكبن في الآفاق لتنكث بيعتي و يهراق دمي، و اللّه لو شئت أن أملأ عليهنّ حجراتهنّ رجالا سودا و بيضا لفعلت، أ لست ختن رسول اللّه على ابنتيه. أ لست جهّزت جيش العسرة، أ لم أك رسول رسول اللّه إلى أهل مكة. قال إذ تكلّمت امرأة من وراء الحجاب، قال فجعل تبدو لنا خمارها أحيانا، فقالت صدقت، لقد كنت ختن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ابنتيه، فكان منك فيهما ما قد علمت، و جهّزت جيش العسرة و قد قال اللّه تعالى )فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً( و كنت رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أهل مكة غيبك عن بيعة الرضوان لأنّك لم تكن لها أهلا، قال فانتهرها عثمان، فقالت أما أنا فأشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال إنّ لكلّ أمّة فرعون، و إنّك فرعون هذه الأمّة.

 و ذكر فيه من عدّة طرق، قال لما اشتدّ الحصار على عثمان تجهّزت عائشة للحجّ، فجاءها مروان و عبد الرحمن بن عتاب بن الأسيد فسألاها الإقامة و الدفع عنه، فقالت قد عزيت غرائري، و أدنيت ركابي، و فرضت على نفسي الحجّ فلست بالتي أقيم، فنهضا و مروان يتمثّل

فحرق قيس على البلاد حتّى إذا اشتعلت أجذما

فقالت أيّها المتمثّل بالشعر ارجع، فرجع، فقالت لعلّك ترى أنّي إنّما قلت هذا الذي قلته شكّا في صاحبك، فو اللّه لوددت أنّ عثمان مخيط عليه في بعض غرائري حتى أكون أقذفه في اليمّ، ثم ارتحلت حتى نزلت بعض الطريق فلحقها ابن عباس أميرا على الحجّ، فقالت له يا ابن عباس إنّ اللّه قد أعطاك لسانا و علما فأنشدك اللّه أن تخذل عن قتل هذا الطاغية غدا، ثم انطلقت فلمّا قضت نسكها بلغها أنّ عثمان قتل، فقالت أبعده اللّه بما قدّمت يداه، الحمد للّه الذي قتله، و بلغها أنّ طلحة ولي بعده، فقالت أيهن ذا الإصبع، فلمّا بلغها أنّ عليّا عليه السلام بويع، قالت وددت أنّ هذه وقعت على هذه

 و ذكر الواقدي في تاريخه كثيرا ممّا ذكره الثقفي، و زاد في حديث مروان و مجيئه إلى عائشة أنّ زيد بن ثابت كان معه و أنّها قالت وددت و اللّه أنّك و صاحبك هذا الذي يعينك أمره في رجل كلّ واحد منكما رحى، و أنّه في البحر، و أمّا أنت يا زيد فما أقلّ و اللّه من له مثل مالك من عضدان العجوة.

 و ذكر من طريق آخر أنّ المكلّم لها في الإقامة مع مروان عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، قالت لا و اللّه و لا ساعة، إنّ عثمان غيّر فغيّر اللّه به أثركم و اللّه و ترك أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله. و زاد في خطابها لابن عباس عتاب إنّك قد أعطيت لسانا و جدلا و عقلا و بيانا، و قد رأيت ما صنع ابن عفّان، اتّخذ عباد اللّه خولا، فقال يا أمه دعيه و ما هو فيه لا ينفرجون عنه حتى يقتلوه. قالت بعّده اللّه. و من طريق آخر إيّاك أن تردّ الناس عن هذه الطاغية، فإنّ المصريّين قاتلوه.

 و روى عن ابن عباس، قال دخلت عليها بالبصرة فذكّرتها هذا الحديث، فقالت ذلك المنطق الذي تكلّمت به يومئذ هو الذي أخرجني، لم أر بي توبة إلّا الطلب بدم عثمان و رأيت أنّه قتل مظلوما. قال فقلت لها فأنت قتلتيه بلسانك، فأين تخرجين توبي و أنت في بيتك، أو أرضي ولاة دم عثمان ولده. قالت دعنا من جدالك فلسنا من الباطل في شي‏ء.

 و ذكر الواقدي، عن عائشة بنت قدامة، قالت سمعت عائشة زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول ]كذا[ و عثمان محصور قد حيل بينه و بين الماء أحسن أبو محمد حين حال بينه و بين الماء. فقالت لها يا أمه على عثمان. فقالت إنّ عثمان غيّر سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سنّة الخليفتين من قبله فحلّ دمه.

 و ذكر الواقدي في تاريخه، عن كريمة بنت المقداد، قالت دخلت على عائشة، فقالت إنّ عثمان أرسل إليّ أن أرسل إلى طلحة فأبيت، و أرسل إليّ أن أقيمي و لا تخرجي إلى مكة، فقلت قد جبلت ظهري و غريت غرائري، و إنّي خارجة غدا إن شاء اللّه، لا و اللّه ما أراني أرجع حتّى يقتل، قالت قلت بما قدّمت يداه، كان أبي تعني المقداد ينصح له فيأبى إلّا تقريب مروان و سعيد ابن عامر، قالت عائشة حبّهم و اللّه صنع ما ترين، حمل إلى سعيد بن العاص مائة ألف، و إلى عبد اللّه بن خالد بن أسيد ثلاثمائة ألف، و إلى حارث بن الحكم مائة ألف، و أعطى مروان خمس إفريقية لا يدري كم هو، فلم يكن اللّه ليدع عثمان.

 و ذكر في تاريخه، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أبيه، عن عائشة أنّها كانت أشدّ الناس على عثمان تحرض الناس عليه و تؤلّب حتى قتل فلمّا قتل و بويع عليّ عليه السلام طلبت بدمه.

 .. و أمثال هذه الأقوال و أضعافها المتضمّنة للنكير على عثمان من الصحابة أو التابعين منقولة في جميع التواريخ، و إنّما اقتصرنا على تاريخي الثقفي و الواقدي لأنّ لنا إليهما طريقا، و لأن لا يطول الكتاب، و فيما ذكرناه كفاية، و من أراد العلم بمطابقة التواريخ لما أوردناه في هذين التاريخين فليتأمّلها يجدها موافقة. ثم أطبق أهل الأمصار و قطان المدينة من المهاجرين و الأنصار إلّا النفر الذي اختصّهم عثمان لنفسه و آثرهم بالأموال كزيد بن ثابت و حسّان و سعيد بن العاص و عبد اللّه بن الزبير و مروان و عبد اللّه بن عمر على حصره في الدار و مطالبته بخلع نفسه من الخلافة أو قتله إلى أن قتلوه على الإصرار إلى ما أنكروا عليه و من ظفروا به في الحال من أعوانه، و أقام ثلاثا لا يتجاسر أحد من ذويه أن يصلّي عليه و لا يدفنه خوفا من المسلمين إلى أن شفعوا إلى عليّ عليه السلام في دفنه، فأذن في ذلك على شرط أن لا يدفنوه في مقابر المسلمين، فحمل إلى حشّ كوكب مقبرة اليهود، و لما أراد النفر الذين حملوه الصلاة عليه منعهم من ذلك المسلمون و رجموهم بالأحجار، فدفن بغير صلاة، و لم يزل قبره منفردا من مقابر المسلمين إلى أن ولي معاوية فأمر بأن يدفن الناس من حوله حتى اتّصل المدفن بمقابر المسلمين، و لم يسأل عنه أحد من بعد القتل من وجوه المهاجرين و الأنصار كعليّ عليه السلام و عمّار و محمد بن أبي بكر و غيرهم و أماثل التابعين إلّا قال قتلناه كافرا. و هذا الذي ذكرناه من نكير الصحابة و التابعين على عثمان موجود في جميع التواريخ و كتب الأخبار، و لا يختلف في صحّته مخالط الأهل و السير و الآثار، و إنّ أحسن الناس كان فيه رأيا من أمسك عن نصرته و معونة المطالبين له بالخلع، و كفّ عن النكير عنه و عنهم كما ذكرناه من مواليه و بني أميّة، و من عداهم بين قاتل و معاون بلسانه أو بيده أو بهما، و معلوم تخصّص قاتليه بولاية عليّ عليه السلام و كونهم بطانة له و خواصّا كمحمد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر و الأشتر و غيرهم من المهاجرين و الأنصار و أهل الأمصار، و تولّي الكافة لهم تولّي الصالحين و المنع منهم بالأنفس و الأموال و إراقة الدماء في نصرتهم و الذبّ عنهم و رضاهم بعليّ عليه السلام مع علمهم برأيه في عثمان و التأليب عليه و تولّي الصلاة و هو محصور بغير أمره، و اتّخاذه مفاتح لبيوت الأموال، و اتّخاذ قتلته أولياء خاصّة أصفياء، و إطباقهم على اختياره و قتالهم معه و الدفاع عنه و عنهم، و استفراغ الوسع في ذلك، و عدم نكير من أحد من الصحابة أو التابعين يعتدّ بنكيره، ثم اشتهر التديّن بتكفير عثمان بعد قتله و كفر من تولّاه من عليّ عليه السلام و ذريّته و شيعته و وجوه الصحابة و التابعين إلى يومنا هذا، و حفظ عنهم التصريح بذلك بحيث لا يحتاج إلى ذكره، غير أنّ في ذكره إيناسا للبعيد عن سماع العلم، و تنبيها للغافل من سنّة الجهل. فمن ذلك

 ما رووه من طرقهم، أنّ عليّا عليه السلام خطب الناس بعد قتل عثمان فذكر أشياء قد مضى بيانها، من جملتها قوله عليه السلام سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همّته بطنه و فرجه، ويله لو قصّ جناحاه و قطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنّة و النار أمامه.

 و رووا عن علي بن خرور، عن الأصبغ بن نباتة، قال سأل رجل عليّا عليه السلام عن عثمان، فقال و ما سؤالك عن عثمان إنّ لعثمان ثلاث كفرات، و ثلاث غدرات، و محلّ ثلاث لعنات، و صاحب بليّات، لم يكن بقديم الإيمان و لا ثابت الهجرة، و ما زال النفاق في قلبه، و هو الذي صدّ الناس يوم أحد.. الحديث

طويل. و ذكر الثقفي في تاريخه، عن عبد المؤمن عن رجل من عبد القيس، قال أتيت عليّا عليه السلام في الرحبة، فقلت يا أمير المؤمنين حدّثنا عن عثمان. قال أدن. فدنوت، قال ارفع صوتك. فرفعت صوتي، قال كان ذا ثلاث كفرات، و ثلاث غدرات، و فعل ثلاث لعنات، و صاحب بليّات، ما كان بقديم الإيمان و لا حديث النفاق، يجزى بالحسنة السيّئة.. في حديث طويل.

  و ذكر في تاريخه، عن حكيم بن جبير، عن أبيه، عن أبي إسحاق و كان قد أدرك عليّا عليه السلام، قال ما يزن عثمان عند اللّه ذبابا. فقال ذبابا. فقال و لا جناح ذباب، ثم قال )فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً(.

 و ذكر فيه، عن أبي سعيد التيمي، قال سمعت عليّا عليه السلام يقول أنا يعسوب المؤمنين و عثمان يعسوب الكافرين. و عن أبي الطفيل و عثمان يعسوب المنافقين.

 و ذكر فيه، عن هبيرة ابن مريم، قال كنّا جلوسا عند عليّ عليه السلام، فدعا ابنه عثمان، فقال له يا عثمان ثم قال إنّي لم أسمّه باسم عثمان...، إنّما سمّيته باسم عثمان بن مظعون.

 و ذكر في تاريخه، من عدّة طرق، أنّ عليّا عليه السلام كان يستنفر الناس و يقول انفروا إلى أئمّة الكفر و بقيّة الأحزاب و أولياء الشيطان، انفروا إلى من يقول كذب اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا، و اللّه إنّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شي‏ء.

 و ذكر فيه، عن عمر بن هند، عن عليّ عليه السلام، أنّه قال لا يجتمع حبّي و حبّ عثمان في قلب رجل إلّا اقتلع أحدهما صاحبه.

 و روى فيه من طرق أنّ جيفة عثمان بقيت ثلاثة أيّام لا يدفن، فسأل عليّا عليه السلام رجال من قريش في دفنه فأذن لهم على أن لا يدفن مع المسلمين في مقابرهم و لا يصلّى عليه، فلمّا علم الناس بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، فخرجوا به يريدون به حشّ كوكب مقبرة اليهود، فلمّا انتهوا به إليهم رجموا سريره..

 و روى فيه من طرق، عن عليّ عليه السلام، أنّه قال من كان سائلا عن دم عثمان فإنّ اللّه قتله و أنا معه.

 و روى فيه عن مالك بن خالد الأسدي، عن الحسن بن إبراهيم، عن آبائه، قال كان الحسن بن عليّ عليهما السلام يقول معشر الشيعة علّموا أولادكم بغض عثمان، فإنّه من كان في قلبه حبّ لعثمان فأدرك الدجّال آمن به، فإن لم يدركه آمن به في قبره.

 و رووا فيه عن بكر بن أيمن، عن الحسين بن عليّ عليهما السلام، قال إنّا و بني أميّة تعادينا في اللّه فنحن و هم كذلك إلى يوم القيامة، فجاء جبرئيل عليه السلام براية الحقّ فركزها بين أظهرنا و جاء إبليس براية الباطل فركزها بين أظهرهم، و إنّ أوّل قطرة سقطت على وجه الأرض من دم المنافقين دم عثمان بن عفّان.

 و روى فيه عن الحسين عليه السلام أنّ عثمان جيفة على الصراط من أقام عليها أقام على أهل النار، و من جاوزه جاوز إلى الجنّة.

 و روى فيه عن حكيم بن جبير، يرفعه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ عثمان جيفة على الصراط يعطف عليه من أحبّه و يجاوزه عدوّه.

 و روى فيه عن محمد بن بشر، قال سمعت محمد بن الحنفيّة يلعن عثمان و يقول كانت أبواب الضلالة مغلقة حتى فتحها عثمان.

  و روى فيه عن عبد اللّه بن شريك، عن أبي جعفر محمد بن عليّ عليهما السلام، أنّه قال لا تكون حرب سالمة حتى يبعث قائمنا ثلاثة أراكيب في الأرض ركب يعتقون مماليك أهل الذمّة، و ركب يردّون المظالم، و ركب يلعنون عثمان في جزيرة العرب.

 و روى قتيبة عن أبي سعد التيمي، قال سمعت عمّار بن ياسر يقول ثلاث يشهدن على عثمان بالكفر و أنا الرابع.. و قد ذكرنا هذا الحديث و شهادة عمّار عليه بالكفر في مقام بعد مقام.

 و روى فيه عن يحيى بن جعدة، قال قلت لزيد بن أرقم بأيّ شي‏ء كفّرتم عثمان. قال بثلاث، جعل المال دولة بين الأغنياء، و جعل المهاجرين بمنزلة من حارب اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و عمل بغير كتاب اللّه.

 و من طريق آخر، قال كفّرناه بثلاث فرّق كتاب اللّه و نبذه في الحشوش، و إنزال المهاجرين بمنزلة من حارب اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و جعل المال دولة بين الأغنياء، فمن ثم أكفرناه و قتلناه.

 و روى فيه عن أنس بن عمرو، قال قلت لزبيد الإمامي أنّ أبا صادق، قال و اللّه ما يسرّني أن في قلبي مثقال حبّة خردل حبّا لعثمان و لو أنّ لي أحدا ذهبا، و هو شرّ عندي من حمار مجدّع لطحان. فقال زبيد صدق أبو صادق.

 و روى فيه عن الحكم بن عيينة، قال حضرنا في موضع، فقال طلحة بن مصرف الإمامي يأبى قلبي إلّا حبّ عثمان، فحكيت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال لعن اللّه قلبه.

 و رووا عن إبراهيم أنّه قال إنّ عثمان عندي شرّ من قرون.

 و رووا فيه عن سفيان، عن الحسن البصري، قال سألته فقلت أيّهما أفضل، عثمان أم عمر بن عبد العزيز. قال و لا سواء من جاء إلى أمر فاسد فأصلحه خيرا و من جاء إلى أمر صالح فأفسده.

 و رووا فيه عن جويبر، عن الضحّاك، قال قال لي يا جويبر اعلم أنّ شرّ هذه الأمّة الأشياخ الثلاثة، قلت من هم. قال عثمان و طلحة و الزبير.

 و رووا فيه عن الوليد بن زرود الرقّي، عن أبي جارود العبدي، قال أمّا عجل هذه الأمّة فعثمان، و فرعونها معاوية، و سامريها أبو موسى الأشعري، و ذو الثدية و أصحاب النهر ملعونون، و إمام المتّقين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

 و روي عن أبي الأرقم، قال سمعت الأعمش يقول و اللّه لوددت أنّي كنت وجأت عثمان بخنجر في بطنه فقتلته.

 و رووا عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، قال يرفع عثمان و أصحابه يوم القيامة حتّى يبلغ بهم الثريّا، ثم يطرحون على وجوههم.

 و روى فيه عن أبي عبيدة الذهلي، قال و اللّه لا يكون الأرض سلما سلما حتّى يلعن عثمان ما بين المشرق و المغرب لا ينكر ذلك أحد.

 و روى فيه أنّ عبد الرحمن بن حنبل الجمحي و كان بدريّا قال

ذق يا أبا عمرو بسوء الفعل و ذق صنع كافر ذي جهل‏لما سددت باب كلّ عدل و رمت نقص حقنا بالبطل

 غدا عليك أهل كلّ فضل بالمشرفيّات القضاب الفصل‏فذقت قتلا لك أيّ قتل كذاك نجزي كلّ عات و غلّ

.. في أمثال هذه الأقوال المحفوظة عن الصحابة و التابعين ذكر جميعها يخرج عن الغرض، و في بعض ما ذكرناه كفاية في المقصود، و المنّة للّه. و قال رحمه اللّه في موضع آخر تناصر الخبر من طريقي الشيعة و أصحاب الحديث بأنّ عثمان و طلحة و الزبير و سعدا و عبد الرحمن من جملة أصحاب العقبة الذين نفّروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ عثمان و طلحة القائلان أ ينكح محمد نساءنا و لا ننكح نساءه. و اللّه لو قد مات لأجلبنا على نسائه بالسهام، و قوله طلحة لأتزوجنّ أمّ سلمة، فأنزل اللّه سبحانه )وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً(. و قول عثمان يوم أحد لألحقنّ بالشام، فإنّ لي بها صديقا يهوديّا. و قول طلحة لألحقنّ بالشام فإنّ لي بها صديقا نصرانيّا، فأنزل اللّه تعالى )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ(. و قول عثمان لطلحة و قد تنازعا و اللّه إنّك أوّل أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله تزوّج بيهوديّة، فقال طلحة و أنت و اللّه لقد قلت ما ينجينا هاهنا إلّا أن نلحق بقومنا.

بيان

الرّبو بالفتح النّفس العالي. و أسي على مصيبته بالكسر يأسي أسا.. أي حزن، و قد أسيت لفلان.. أي حزنت له. قوله إنّ في هذا الحديث.. أي روى الغزرمي مكان فتبطحون على وجوهكم هكذا ترفعون.. أي يرفعكم الملائكة إلى مكان الثريّا من السماء ثم يضربونكم على الأرض على وجوهكم فتطؤكم البهائم، و هذا أشدّ في التعذيب. و قوله ليجاء بي.. لعلّ هذا الترديد و التبهيم للتقيّة و المصلحة مع وضوح المقصود. قوله لعنه اللّه الترباء في فيك يا عليّ.. الترباء بالفتح أو بضم التاء و فتح الراء لغتان في التّراب، انظر هذا الذي خانت أمّه أباه كيف شتم و عقّ مولاه، لعنة اللّه عليه و على من والاه. و قال الجوهري النّاب المسنّة من النّوق. و قال مرّ فلان ينجش نجشا.. أي يسرع. و الشّارف من النّوق المسنّة الهرمة. و أغذّ السّير و فيه أسرع. و بعج بطنه بالسّكّين كمنع شقّه. و النّهابير المهالك. و التنجيد العدو. و قال في النهاية كان أعداء عثمان يسمّونه نعثلا تشبيها برجل من مصر كان طويل اللّحية اسمه نعثل، و قيل النّعثل الشّيخ الأحمق، و ذكر الضباع. انتهى. و يقال زعر الشّعر و الرّيش قلّ، و الزّعارّة سوء الخلق. و الغرارة بالكسر الجوالق. قولها إنّ هذه.. أي السماء، وقعت على هذه.. أي الأرض. و قال الفيروزآبادي العضد و العضيد الطّريقة من النّخل، و الجمع كغربان، و المعنى أنّ ذلك أموالا كثيرة تحميه لبقائها أو حصلتها ببركته. و قال في القاموس الرّكب ركبان الإبل اسم جمع أو جمع و هم العشرة فصاعدا، و قد يكون للخيل.. و الأركوب بالضّمّ أكثر من الرّكب.