باب 14- سائر ما جرى بينه ع و بين المأمون و أمرائه

1-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء و الشرط من الرضا علي بن موسى ع إلى العمال في شأن الفضل بن سهل و أخيه و لم أرو ذلك عن أحد أما بعد فالحمد لله البدي‏ء البديع القادر القاهر الرقيب على عباده المقيت على خلقه الذي خضع كل شي‏ء لملكه و ذل كل شي‏ء لعزته و استسلم كل شي‏ء لقدرته و تواضع كل شي‏ء لسلطانه و عظمته و أحاط بكل شي‏ء علمه و أحصاه عدده فلا يئوده كبير و لا يعزب عنه صغير الذي لا تدركه أبصار الناظرين و لا تحيط به صفة الواصفين لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ و الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و الحمد لله الذي شرع الإسلام دينا ففضله و عظمه و شرفه و كرمه و جعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره و الصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه و لا يهتدي من صدف عنه و جعل فيه النور و البرهان و الشفاء و البيان و بعث به من اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله في الأمم الخالية و القرون الماضية حتى انتهت رسالته إلى محمد ص فختم به النبيين و قفى به على آثار المرسلين و بعثه رحمة للعالمين و بشيرا للمؤمنين المصدقين و نذيرا للكافرين المكذبين لتكون له الحجة البالغة و لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ و الحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة و استودعهم العلم و الحكمة و جعلهم معدن الإمامة و الخلافة و أوجب ولايتهم و شرف منزلتهم فأمر رسوله بمسألة أمته مودتهم إذ يقول قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى و ما وصفهم به من إذهاب الرجس عنهم و تطهيره إياهم في قوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ثم إن المأمون بر رسول الله ص في عترته و وصل أرحام أهل بيته فرد ألفتهم و جمع فرقتهم و رأب صدعهم و رتق فتقهم و أذهب الله به الضغائن و الإحن بينهم و أسكن التناصر و التواصل و المحبة و المودة قلوبهم فأصبحت بيمنه و حفظه و بركته و بره و صلته أيديهم واحدة و كلمتهم جامعة و أهواؤهم متفقة و رعى الحقوق لأهلها و وضع المواريث مواضعها و كافأ إحسان المحسنين و حفظ بلاء المبلين و قرب و باعد على الدين ثم اختص بالتفضيل و التقديم و التشريف من قدمته مساعيه فكان ذلك ذا الرئاستين الفضل بن سهل إذ رآه له مؤازرا و بحقه قائما و بحجته ناطقا و لنقبائه نقيبا و لخيوله قائدا و لحروبه مدبرا و لرعيته سائسا و إليه داعيا و لمن أجاب إلى طاعته مكافئا و لمن عند عنها مباينا و بنصرته منفردا و لمرض القلوب و النيات مداويا لم ينهه عن ذلك قلة مال و لا عوز رجال و لم يمل به طمع و لم يلفته عن نيته و بصيرته وجل بل عند ما يهوله المهولون و يرعد و يبرق به المبرقون المرعدون و كثرة المخالفين و المعاندين من المجاهدين و المخاتلين أثبت ما يكون عزيمة و أجرأ جنانا و أنفذ مكيدة و أحسن تدبيرا و أقوى تثبتا في حق المأمون و الدعاء إليه حتى قصم أنياب الضلالة و فل حدهم و قلم أظفارهم و حصد شوكتهم و صرعهم مصارع الملحدين في دينه الناكثين لعهده الوانين في أمره المستخفين بحقه الآمنين لما حذر من سطوته و بأسه مع آثار ذي الرئاستين في صنوف الأمم

 من المشركين و ما زاد الله به في حدود دار المسلمين مما قد وردت أنباؤه عليكم و قرئت به الكتب على منابركم و حملت أهل الآفاق عنكم إلى غيركم فانتهى شكر ذي الرئاستين بلاء أمير المؤمنين عنده و قيامه بحقه و ابتذاله مهجته و مهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة المحمود السياسة إلى غاية تجاوز فيها الماضين و فاق بها الفائزين و انتهت مكافاة أمير المؤمنين إياه إلى ما جعل له من الأموال و القطائع و الجواهر و إن كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه و لا مقام من مقاماته فتركه زهدا فيه و ارتفاعا من همته عنه و توفيرا له على المسلمين و إطراحا للدنيا و استصغارا لها و إيثارا للآخرة و منافسة فيها و سأل أمير المؤمنين ما لم يزل له سائلا و إليه راغبا من التخلي و التزهد فعظم ذلك عنده و عندنا لمعرفتنا بما جعل الله عز و جل في مكانه الذي هو به من العز للدين و السلطان و القوة على صلاح المسلمين و جهاد المشركين و ما أرى الله به من تصديق نيته و يمن نقيبته و صحة تدبيره و قوة رأيه و نجح طلبته و معاونته على الحق و الهدى و البر و التقوى فلما وثق أمير المؤمنين وثقنا منه بالنظر للدين و إيثار ما فيه صلاحه و أعطيناه سؤله الذي يشبه قدره و كتبنا له كتاب حباء و شرط قد نسخ في أسفل كتابي هذا و أشهدنا الله عليه و من حضرنا من أهل بيتنا و القواد و الصحابة و القضاة و الفقهاء و الخاصة و العامة و رأى أمير المؤمنين الكتاب به إلى الآفاق ليذيع و يشيع في أهلها و يقرأ على منابرها و يثبت عند ولاتها و قضاتها فسألني أن أكتب بذلك و أشرح معانيه و هي على ثلاثة أبواب ففي الباب الأول البيان عن كل آثاره التي أوجب الله بها حقه علينا و على المسلمين و الباب الثاني البيان عن مرتبته في إزاحة علته في كل ما دبر و دخل فيه و لا سبيل عليه فيما ترك و كره و ذلك ما ليس لخلق ممن في عنقه بيعة إلا له وحده و لأخيه و من إزاحة العلة تحكيمهما في كل من بغى عليهما و سعى بفساد علينا و عليهما و على أوليائنا لئلا يطمع طامع في خلاف عليهما و لا معصية لهما و لا احتيال في مدخل بيننا و بينهما و الباب الثالث البيان في إعطائنا إياه ما أحب من ملك التخلي و حلية الزهد و حجة التحقيق لما سعى فيه من ثواب الآخرة بما يتقرر في قلب من كان في ذلك منه و ما يلزمنا له من الكرامة و العز و الحباء الذي بذلناه له و لأخيه من منعهما ما نمنع منه أنفسنا و ذلك محيط بكل ما يحتاط فيه محتاط في أمر دين و دنيا و هذه نسخة الكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا كتاب و شرط من عبد الله المأمون أمير المؤمنين و ولي عهده علي بن موسى لذي الرئاستين الفضل بن سهل في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان من سنة إحدى و مائتين و هو اليوم الذي تمم الله فيه دولة أمير المؤمنين و عقد لولي عهده و ألبس الناس اللباس الأخضر و بلغ أمله في صلاح وليه و الظفر بعدوه إنا دعوناك إلى ما فيه بعض مكافاتك على ما قمت به من حق الله تبارك و تعالى و حق رسوله و حق أمير المؤمنين و ولي عهده علي بن موسى و حق هاشم التي بها يرجى صلاح الدين و سلامة ذات البين بين المسلمين إلى أن ثبتت النعمة علينا و على العامة بذلك و بما عاونت عليه أمير المؤمنين من إقامة الدين و السنة و إظهار الدعوة الثانية و إيثار الأولى مع قمع الشرك و كسر الأصنام و قتل العتاة و سائر آثارك الممثلة للأمصار في المخلوع و في المتسمى بالأصفر المكنى بأبي السرايا و في المتسمى بالمهدي محمد بن جعفر الطالبي و الترك الخزلجية و في طبرستان و ملوكها إلى بندار هرمز بن شروين و في الديلم و ملكها و في كابل و ملكها المهوزين ثم ملكها الأصفهبد و في ابن المبرم و جبال بداربنده و غرشستان و الغور و أصنافها و في خراسان خاقان و ملون صاحب جبل التبت و في كيمان و التغرغر و في أرمينية و الحجاز و صاحب السرير و صاحب

 الخزر و في المغرب و حروبه و تفسير ذلك في ديوان السيرة و كان ما دعوناك إليه و هو معونة لك مائة ألف ألف درهم و غلة عشرة ألف ألف درهم جوهرا سوى ما أقطعك أمير المؤمنين قبل ذلك و قيمة مائة ألف ألف درهم جوهرا يسير عند ما أنت له مستحق فقد تركت مثل ذلك حين بذله لك المخلوع و آثرت الله و دينه و أنك شكرت أمير المؤمنين و ولي عهده و آثرت توفير ذلك كله على المسلمين و جدت لهم به و سألتنا أن تبلغك الخصلة التي لم تزل إليها تائقا من الزهد و التخلي ليصح عند من شك في سعيك للآخرة دون الدنيا تركك الدنيا و ما عن مثلك يستغنى في حال و لا مثلك رد عن طلبته و لو أخرجتنا طلبتك عن شطر النعم علينا فكيف بأمر رفعت فيه المئونة و أوجبت به الحجة على من كان يزعم أن دعاءك إلينا للدنيا لا للآخرة و قد أجبناك إلى ما سألت و جعلنا ذلك لك مؤكدا بعهد الله و ميثاقه الذي لا تبديل له و لا تغيير و فوضنا الأمر في وقت ذلك إليك فما أقمت فعزيز مزاح العلة مدفوع عنك الدخول فيما تكره من الأعمال كائنا ما كان نمنعك مما نمنع منه أنفسنا في الحالات كلها و أنا أردت التخلي فمكرم مزاح البدن و حق لبدنك الراحة و الكرامة ثم نعطيك ما تتناوله مما بذلناه لك في هذا الكتاب فتركته اليوم و جعلنا للحسن بن سهل مثل ما جعلناه لك و نصف ما بذلناه من العطية و أهل ذلك هو لك و بما بذل من نفسه في جهاد العتاة و فتح العراق مرتين و تفريق جموع الشيطان بيديه حتى قوي الدين و خاض نيران الحروب وفاء و شكرا بنفسه و أهل بيته و من ساس من أولياء الحق و أشهدنا الله و ملائكته و خيار خلقه و كل من أعطانا بيعته و صفقة يمينه في هذا اليوم و بعده على ما في هذا الكتاب و جعلنا الله علينا كفيلا و أوجبنا على أنفسنا الوفاء بما شرطنا من غير استثناء بشي‏ء ينقضه في سر و علانية و المؤمنون عند شروطهم و العهد فرض مسئول و أولى الناس بالوفاء من طلب من الناس الوفاء و كان موضعا للقدرة فإن الله تبارك و تعالى يقول وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ و كتب الحسن بن سهل توقيع المأمون فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قد أوجب أمير المؤمنين على نفسه جميع ما في هذا الكتاب و أشهد الله تبارك و تعالى و جعله عليه داعيا و كفيلا و كتب بخطه في صفر سنة اثنتين و مائتين تشريفا للحباء و توكيدا للشريطة توقيع الرضا ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قد ألزم علي بن موسى نفسه جميع ما في الكتاب على ما وكد فيه من يومه و غده ما دام حيا و جعل الله عليه راعيا و كفيلا وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً و كتب بخطه في هذا الشهر من هذه السنة وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلى الله على محمد و آله و سلم و حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ

 إيضاح رأبت الإناء أصلحته و منه قولهم اللهم ارأب بينهم أي أصلح و الإحن بكسر الهمزة و فتح الحاء جمع الإحنة بالكسر و هي الحقد قوله و حفظ بلاء المبلين البلاء النعمة و منه قول سيد الساجدين ع و أبلوا البلاء الحسن في نصره و العوز القلة و الفقر و يقال لفته عن رأيه أي صرفه و يقال أرعد الرجل و أبرق إذا تهدد و أوعد و القصم بالقاف و الفاء الكسر. و قال الجوهري قال أبو عبيد النقيبة النفس يقال فلان ميمون النقيبة إذا كان مبارك النفس قال ابن السكيت إذا كان ميمون المشورة قوله في إزاحة علته أي في إزالة موانعه في كل ما دبر و الغرض تمكينه التام قوله و ذلك ما ليس أي هذا التمكين التام مختص به من بين كل من في عنقه بيعة لا يشركه فيه أحد و في بعض النسخ لما أي ذلك التمكين لسوابق لم تحصل إلا له و لأخيه. قوله من ملك التخلي أي له أن يختار التخلي و يزهد فيما فيه من الإمارة و ذلك حجة يتحقق بها في قلوب الناس أنه إنما سعى في تمكين الخليفة للآخرة لا للدنيا و يزول شك من كان في ذلك شاكا و قوله ما يلزمنا معطوف على قوله و ذلك محيط أي منعهما ما نمنع به أنفسنا يشتمل على كل ما يحتاط فيه محتاط في دين أو دنيا فيدل على أنا نراعي فيهما كل ما نراعي في أنفسنا من الحفظ من شرور الدنيا و الآخرة. قوله و إظهار الدعوة الثانية لعلها إشارة إلى البيعة الثانية مع ولاية العهد قوله تائقا من تاقت نفسه إلى الشي‏ء أي اشتاقت

2-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن محمد بن يزيد المبرد قال حدثني الحافظ عن ثمامة بن أشرس قال عرض المأمون يوما للرضا ع بالامتنان عليه بأن ولاه العهد فقال له إن من أخذ برسول الله لخليق أن يعطى به

3-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ روي أنه قصد الفضل بن سهل مع هشام بن عمرو الرضا ع فقال له يا ابن رسول الله جئتك في سر فاخل لي المجلس فأخرج الفضل يمينا مكتوبة بالعتق و الطلاق و ما لا كفارة له و قالا له إنا جئناك لنقول كلمة حق و صدق و قد علمنا أن الإمرة إمرتكم و الحق حقكم يا ابن رسول الله و الذي نقول بألسنتنا عليه ضمائرنا و إلا نعتق ما نملك و النساء طوالق و علي ثلاثون حجة راجلا أنا على أن نقتل المأمون و نخلص لك الأمر حتى يرجع الحق إليك فلم يسمع منهما و شتمهما و لعنهما و قال لهما كفرتما النعمة فلا تكون لكما سلامة و لا لي إن رضيت بما قلتما فلما سمع الفضل ذلك منه مع هشام علما أنهما أخطئا فقصدا المأمون بعد أن قالا للرضا ع أردنا بما فعلنا أن نجربك فقال لهما الرضا ع كذبتما فإن قلوبكما على ما أخبرتماني إلا أنكما لم تجداني نحو ما أردتما فلما دخلا على المأمون قالا يا أمير المؤمنين إنا قصدنا الرضا و جربناه و أردنا أن نقف على ما يضمره لك فقلنا و قال فقال المأمون وفقتما فلما خرجا من عند المأمون قصده الرضا ع و أخليا المجلس و أعلمه ما قالا و أمره أن يحفظ نفسه منهما فلما سمع ذلك من الرضا ع علم أن الرضا ع هو الصادق

4-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الهمداني عن علي عن أبيه عن إبراهيم بن محمد الحسني قال بعث المأمون إلى أبي الحسن الرضا ع جارية فلما أدخلت إليه اشمأزت من الشيب فلما رأى كراهتها ردها إلى المأمون و كتب إليه بهذه الأبيات

نعى نفسي إلى نفسي المشيب و عند الشيب يتعظ اللبيب‏فقد ولى الشباب إلى مداه فلست أرى مواضعه تئوب‏سأبكيه و أندبه طويلا و أدعوه إلي عسى يجيب‏و هيهات الذي قد فات منه تمنيني به النفس الكذوب‏وداع الغانيات بياض رأسي و من مد البقاء له يشيب‏أرى البيض الحسان يحدن عني و في هجرانهن لنا نصيب‏فإن يكن الشباب مضى حبيبا فإن الشيب أيضا لي حبيب‏سأصحبه بتقوى الله حتى يفرق بيننا الأجل القريب

 بيان قال الجوهري الغانية الجارية التي غنيت بزوجها و قد تكون التي غنيت بحسنها و جمالها

5-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ حمزة العلوي عن علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم قال كان الرضا ع إذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير و الكبير فيحدثهم و يأنس بهم و يؤنسهم و كان ع إذا جلس على المائدة لا يدع صغيرا و لا كبيرا حتى السائس و الحجام إلا أقعده معه على مائدته قال ياسر فبينا نحن عنده يوما إذ سمعنا وقع القفل الذي كان على باب المأمون إلى دار أبي الحسن ع فقال لنا الرضا أبو الحسن ع قوموا تفرقوا فقمنا عنه فجاء المأمون و معه كتاب طويل فأراد الرضا ع أن يقوم فأقسم عليه المأمون بحق رسول الله ص أن لا يقوم إليه ثم جاء حتى انكب على أبي الحسن ع و قبل وجهه و قعد بين يديه على وسادة فقرأ ذلك الكتاب عليه فإذا هو فتح لبعض قرى كابل فيه إنا فتحنا قرية كذا و كذا فلما فرغ قال له الرضا ع و سرك فتح قرية من قرى الشرك فقال له المأمون أ و ليس في ذلك سرور فقال يا أمير المؤمنين اتق الله في أمة محمد ص و ما ولاك الله من هذا الأمر و خصك به فإنك قد ضيعت أمور المسلمين و فوضت ذلك إلى غيرك يحكم فيهم بغير حكم الله عز و جل و قعدت في هذه البلاد و تركت بيت الهجرة و مهبط الوحي و إن المهاجرين و الأنصار يظلمون دونك و لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً و يأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه و يعجز عن نفقته فلا يجد من يشكو إليه حاله و لا يصل إليك فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين و ارجع إلى بيت النبوة و معدن المهاجرين و الأنصار أ ما علمت يا أمير المؤمنين أن والي المسلمين مثل العمود في وسط الفسطاط من أراده أخذه قال المأمون يا سيدي فما ترى قال أرى أن تخرج من هذه البلاد و تتحول إلى موضع آبائك و أجدادك و تنظر في أمور المسلمين و لا تكلهم إلى غيرك فإن الله عز و جل سائلك عما ولاك فقام المأمون فقال نعم ما قلت يا سيدي هذا هو الرأي و خرج و أمر أن تقدم النوائب و بلغ ذلك ذا الرئاستين فغمه غما شديدا و قد كان غلب على الأمر و لم يكن للمأمون عنده رأي فلم يجسر أن يكاشفه ثم قوي الرضا ع جدا فجاء ذو الرئاستين إلى المأمون فقال يا أمير المؤمنين ما هذا الرأي الذي أمرت به فقال أمرني سيدي أبو الحسن بذلك و هو الصواب

 فقال يا أمير المؤمنين ما هذا بصواب قتلت بالأمس أخاك و أزلت الخلافة عنه و بنو أبيك معادون لك و جميع أهل العراق و أهل بيتك و العرب ثم أحدثت هذا الحدث الثاني أنك جعلت ولاية العهد لأبي الحسن و أخرجتها من بني أبيك و العامة و العلماء و الفقهاء و آل عباس لا يرضون بذلك و قلوبهم متنافرة عنك و الرأي أن تقيم بخراسان حتى تسكن قلوب الناس على هذا و يتناسوا ما كان من أمر محمد أخيك و هاهنا يا أمير المؤمنين مشايخ قد خدموا الرشيد و عرفوا الأمر فاستشرهم في ذلك فإن أشاروا به فامضه فقال المأمون مثل من قال مثل علي بن أبي عمران و ابن مونس و الجلودي و هؤلاء هم الذين نقموا بيعة أبي الحسن ع و لم يرضوا به فحبسهم المأمون بهذا السبب فقال المأمون نعم فلما كان من الغد جاء أبو الحسن ع فدخل على المأمون فقال يا أمير المؤمنين ما صنعت فحكى له ما قال ذو الرئاستين و دعا المأمون بهؤلاء النفر فأخرجهم من الحبس فأول من دخل عليه علي بن أبي عمران فنظر إلى الرضا ع بجنب المأمون فقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم و خصكم به و تجعله في أيدي أعدائكم و من كان آباؤك يقتلونهم و يشردونهم في البلاد قال المأمون له يا ابن الزانية و أنت بعد على هذا قدمه يا حرسي و اضرب عنقه فضربت عنقه و أدخل ابن مونس فلما نظر إلى الرضا ع بجنب المأمون قال يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك و الله صنم يعبد دون الله قال له المأمون يا ابن الزانية و أنت بعد على هذا يا حرسي قدمه و اضرب عنقه فضرب عنقه ثم أدخل الجلودي و كان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة بعثه الرشيد و أمره إن ظفر به أن يضرب عنقه و أن يغير على دور آل أبي طالب و أن يسلب نساءهم و لا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا ففعل الجلودي ذلك و قد كان مضى أبو الحسن موسى ع فصار الجلودي إلى باب أبي الحسن الرضا ع فانهجم على داره مع خيله فلما نظر إليه الرضا ع جعل النساء كلهن في بيت و وقف على باب البيت فقال الجلودي لأبي الحسن ع لا بد من أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين فقال الرضا ع أنا أسلبهن لك و أحلف أني لا أدع عليهن شيئا إلا أخذته فلم يزل يطلب إليه و يحلف له حتى سكن فدخل أبو الحسن ع فلم يدع عليهن شيئا حتى أقراطهن و خلاخيلهن و إزارهن إلا أخذه منهن و جميع ما كان في الدار من قليل و كثير فلما كان في هذا اليوم و أدخل الجلودي على المأمون قال الرضا ع يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ فقال المأمون يا سيدي هذا الذي فعل ببنات رسول الله ص ما فعل من سلبهن فنظر الجلودي إلى الرضا ع و هو يكلم المأمون و يسأله عن أن يعفو عنه و يهبه له فظن أنه يعين عليه لما كان الجلودي فعله فقال يا أمير المؤمنين أسألك بالله و بخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في فقال المأمون يا أبا الحسن قد استعفى و نحن نبر قسمه ثم قال لا و الله لا أقبل فيك قوله ألحقوه بصاحبيه فقدم و ضرب عنقه و رجع ذو الرئاستين إلى أبيه سهل و قد كان المأمون أمر أن تقدم النوائب فردها ذو الرئاستين فلما قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرئاستين أنه قد عزم على الخروج فقال الرضا ع يا أمير المؤمنين ما صنعت بتقديم النوائب قال المأمون يا سيدي مرهم أنت بذلك فخرج أبو الحسن ع و صاح بالناس قدموا النوائب قال فكأنما وقعت فيهم النيران و أقبلت النوائب يتقدم و يخرج و قعد ذو الرئاستين منزله فبعث إليه المأمون فأتاه فقال له ما لك قعدت في بيتك فقال يا أمير المؤمنين إن ذنبي عظيم عند أهل بيتك و عند العامة و الناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع و بيعة الرضا ع و لا آمن السعاة و الحساد و أهل البغي أن يسعوا بي فدعني أخلفك بخراسان فقال له المأمون لا نستغني عنك فأما ما قلت إنه يسعى بك و يبغي لك الغوائل فليس أنت عندنا إلا الثقة المأمون الناصح

 المشفق فاكتب لنفسك ما تثق به من الضمان و الأمان و أكد لنفسك ما تكون به مطمئنا فذهب و كتب لنفسه كتابا و جمع عليه العلماء و أتى به المأمون فقرأه و أعطاه المأمون كلما أحب و كتب له بخطه كتاب الحبوة إني قد حبوتك بكذا و كذا من الأموال و الضياع و السلطان و بسط له من الدنيا أمله فقال ذو الرئاستين يا أمير المؤمنين يجب أن يكون خط أبي الحسن في هذا الأمان يعطينا ما أعطيت فإنه ولي عهدك فقال المأمون قد علمت أن أبا الحسن ع قد شرط علينا أن لا يعمل من ذلك شيئا و لا يحدث حدثا فلا نسأله ما يكرهه فاسأله أنت فإنه لا يأبى عليك في هذا فجاء و استأذن على أبي الحسن ع قال ياسر فقال لنا الرضا ع قوموا فتنحوا فتنحينا فدخل فوقف بين يديه ساعة فرفع أبو الحسن ع رأسه إليه فقال له ما حاجتك يا فضل قال يا سيدي هذا ما كتبه لي أمير المؤمنين و أنت أولى أن تعطينا مثل ما أعطى أمير المؤمنين إذ كنت ولي عهد المسلمين فقال له الرضا ع اقرأه و كان كتابا في أكبر جلد فلم يزل قائما حتى قرأه فلما فرغ قال له أبو الحسن ع يا فضل لك علينا هذا ما اتقيت الله عز و جل قال ياسر فنقض عليه أمره في كلمة واحدة فخرج من عنده و خرج المأمون و خرجنا مع الرضا ع فلما كان بعد ذلك بأيام و نحن في بعض المنازل ورد على ذي الرئاستين كتاب من أخيه الحسن بن سهل أني نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم و وجدت فيه أنك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حر الحديد و حر النار و أرى أن تدخل أنت و الرضا و أمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم فتحتجم فيه و تصب الدم على بدنك ليزول نحسه عنك فبعث الفضل إلى المأمون و كتب إليه بذلك و سأله أن يدخل الحمام معه و يسأل أبا الحسن ع أيضا ذلك فكتب المأمون إلى الرضا ع رقعة في ذلك و سأله فكتب إليه أبو الحسن ع لست بداخل غدا الحمام و لا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غدا و لا أرى للفضل أن يدخل الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب إليه أبو الحسن ع لست بداخل غدا الحمام فإني رأيت رسول الله ص في النوم في هذه الليلة يقول لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فلا أرى لك يا أمير المؤمنين و لا للفضل أن تدخلا الحمام غدا فكتب إليه المأمون صدقت يا سيدي و صدق رسول الله لست بداخل غدا الحمام و الفضل فهو أعلم و ما يفعله قال ياسر فلما أمسينا و غابت الشمس فقال لنا الرضا ع قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فأقبلنا نقول كذلك فلما صلى الرضا ع الصبح قال لنا قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك فلما كان قريبا من طلوع الشمس قال الرضا ع اصعد السطح فاستمع هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الضجة و النحيب و كثر ذلك فإذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان إلى داره من دار أبي الحسن ع يقول يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل و كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه و أخذ من دخل عليه في الحمام و كانوا ثلاثة نفر أحدهم ابن خاله الفضل ذو القلمين قال و اجتمع القواد و الجند و من كان من رجال ذي الرئاستين على باب المأمون فقالوا اغتاله و قتله فلنطلبن بدمه فقال المأمون للرضا ع يا سيدي ترى أن تخرج إليهم و تفرقهم قال ياسر فركب الرضا ع و قال لي اركب فلما خرجنا من الباب نظر الرضا ع إليهم و قد اجتمعوا و جاءوا بالنيران ليحرقوا الباب فصاح بهم و أومأ إليهم بيده تفرقوا فتفرقوا قال ياسر فأقبل الناس و الله يقع بعضهم على بعض و ما أشار إلى أحد إلا ركض و مر و لم يقف له أحد

  -6  شا، ]الإرشاد[ ابن قولويه عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم قال لما عزم المأمون الخروج من خراسان إلى بغداد خرج و خرج معه الفضل بن سهل ذو الرئاستين و خرجنا مع أبي الحسن الرضا ع فورد على الفضل بن سهل كتاب من أخيه الحسن بن سهل و نحن في بعض المنازل في الطريق أني نظرت في تحويل السنة و ذكر مثل ما أوردنا إلى آخر الخبر

 بيان قوله ع يظلمون على البناء للمجهول دونك أي قبل أن يصلوا إليك و الإل بالكسر العهد و القرابة قوله مثل العمود أي في ظهوره للناس و عدم مانع عن الوصول إليه و كونه في وسط الممالك و يمكن أن يكون المراد بالنوائب العساكر المعدة للنوائب أو أسباب السفر المعدة لها أو العساكر الذين ينتابون في الخدمة أو الطبول المسماة في عرف العجم بالنوبة السلطانية

7-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الهمداني عن علي عن أبيه عن الهروي قال جئت إلى باب الدار التي حبس فيه الرضا ع بسرخس و قد قيد فاستأذنت عليه السجان فقال لا سبيل لكم إليه فقلت و لم قال لأنه ربما صلى في يومه و ليلته ألف ركعة و إنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار و قبل الزوال و عند اصفرار الشمس فهو في هذه الأوقات قاعد في مصلاه يناجي ربه قال فقلت له فاطلب لي في هذه الأوقات إذنا عليه فاستأذن لي عليه فدخلت عليه و هو قاعد في مصلاه متفكر قال أبو الصلت فقلت يا ابن رسول الله ما شي‏ء يحكيه عنكم الناس قال و ما هو قلت يقولون إنكم تدعون أن الناس لكم عبيد فقال اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ أنت شاهد بأني لم أقل ذلك قط و لا سمعت أحدا من آبائي ع قاله قط و أنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمة و أن هذه منها ثم أقبل علي فقال يا عبد السلام إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما حكوه عنا فممن نبيعهم فقلت يا ابن رسول الله صدقت ثم قال يا عبد السلام أ منكر أنت لما أوجب الله عز و جل لنا من الولاية كما ينكره غيرك قلت معاذ الله بل أنا مقر بولايتكم

8-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ البيهقي عن الصولي عن عون بن محمد عن محمد بن أبي عبادة قال لما كان من أمر الفضل بن سهل ما كان و قتل دخل المأمون إلى الرضا ع يبكي و قال له هذا وقت حاجتي إليك يا أبا الحسن فتنظر في الأمر و تعينني قال له عليك التدبير يا أمير المؤمنين و علينا الدعاء فلما خرج المأمون قلت للرضا ع لم أخرت أعزك الله ما قال لك أمير المؤمنين و أبيته فقال ويحك يا با حسن لست من هذا الأمر في شي‏ء قال فرآني قد اغتممت فقال و ما لك في هذا لو آل الأمر إلى ما تقول و أنت مني كما أنت ما كانت نفقتك إلا في كمك و كنت كواحد من الناس

 بيان قوله ع ما كانت نفقتك إلا في كمك كناية عن قلتها بحيث يقدر أن يحملها معه في كمه أو عن كونها حاضرة له يتعب في تحصيلها و الأول أظهر

9-  كشف، ]كشف الغمة[ و مما تلقته الأسماع و نقلته الألسن في بقاع الأصقاع أن الخليفة المأمون وجد في يوم عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلا عن الخروج إلى الصلاة بالناس فقال لأبي الحسن علي الرضا ع يا أبا الحسن قم و صل بالناس فخرج الرضا ع و عليه قميص قصير أبيض و عمامة بيضاء نظيفة و هما من قطن و في يده قضيب فأقبل ماشيا يؤم المصلى و هو يقول السلام على أبوي آدم و نوح السلام على أبوي إبراهيم و إسماعيل السلام على أبوي محمد و علي السلام على عباد الله الصالحين فلما رآه الناس أهرعوا إليه و انثالوا عليه لتقبيل يديه فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة المأمون فقال يا أمير المؤمنين تدارك الناس و اخرج صل بهم و إلا خرجت الخلافة منك الآن فحمله على أن خرج بنفسه و جاء مسرعا و الرضا ع بعد من كثرة الزحام عليه لم يخلص إلى المصلى فتقدم المأمون و صلى بالناس

 و قال الآبي في نثر الدر علي بن موسى الرضا ع سأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون فقال يا أبا الحسن الخلق مجبرون فقال الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال الله أحكم من أن يهمل عبده و يكله إلى نفسه أتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية فلما رآه أسلم فغاظه ذلك و سأل الفقهاء فقالوا هدر الإسلام ما قبله فسأل الرضا ع فقال اقتله لأنه أسلم حين رأى البأس قال الله عز و جل فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إلى آخر السورة

 قال عمرو بن مسعدة بعثني المأمون إلى علي ع لأعلمه بما أمرني به من كتاب في تقريظه فأعلمته ذلك فأطرق مليا و قال يا عمرو إن من أخذ برسول الله لحقيق أن يعطى به

 بيان التقريظ مدح الإنسان و هو حي و حاصل الجواب أنه أخذ الخلافة بسبب الانتساب برسول الله ص فهو حقيق بأن يكرم أهل بيته ع

10-  كشف، ]كشف الغمة[ قال الآبي أدخل رجل إلى المأمون أراد ضرب رقبته و الرضا ع حاضر فقال المأمون ما تقول يا أبا الحسن فقال أقول إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا فعفا عنه و قال المأمون يا أبا الحسن أخبرني عن جدك علي بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة و النار فقال يا أمير المؤمنين أ لم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله ص يقول حب علي إيمان و بغضه كفر فقال بلى قال الرضا ع فقسم الجنة و النار فقال المأمون لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله

 قال أبو الصلت الهروي فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته فقلت يا ابن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين فقال يا أبا الصلت أنا كلمته من حيث هو و لقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي ع قال قال لي رسول الله يا علي أنت قسيم الجنة و النار يوم القيامة تقول للنار هذا لي و هذا لك

11-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ علي بن الحسين بن شاذويه و جعفر بن محمد بن مسرور عن الحميري عن أبيه عن الريان بن الصلت قال حضر الرضا ع مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان فقال المأمون أخبروني عن معنى هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فقالت العلماء أراد الله عز و جل بذلك الأمة كلها فقال المأمون ما تقول يا أبا الحسن فقال الرضا ع لا أقول كما قالوا و لكني أقول أراد الله عز و جل بذلك العترة الطاهرة ثم استدل ع بالآيات و الروايات إلى أن قال المأمون و العلماء جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن الأمة خيرا فما نجد الشرح و البيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم

12-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي عن الحسن بن محمد بن علي بن صدقة عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري قال حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي يقول لما قدم علي بن موسى الرضا ع على المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق و رأس الجالوت و رؤساء الصابئين و الهربذ الأكبر و أصحاب زردهشت و نسطاس الرومي و المتكلمين ليسمع كلامه و كلامهم فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال أدخلهم علي ففعل فرحب بهم المأمون ثم قال لهم إني إنما جمعتكم لخير و أحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي فإذا كان بكرة فاغدوا علي و لا يتخلف منكم أحد فقالوا السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله تعالى قال الحسن بن محمد النوفلي فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا ع إذ دخل علينا ياسر و كان يتولى أمر أبي الحسن ع فقال يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرئك السلام و يقول فداك أخوك إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات و أهل الأديان و المتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم و إن كرهت ذلك فلا تتجشم و إن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا فقال أبو الحسن ع أبلغه السلام و قل له قد علمت ما أردت و أنا صائر إليك بكرة إن شاء الله تعالى قال الحسن بن محمد النوفلي فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي يا نوفلي أنت عراقي و رقة العراقي غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات فقلت جعلت فداك يريد الامتحان و يحب أن يعرف ما عندك و لقد بنى على أساس غير وثيق البنيان و بئس و الله ما بنى فقال لي و ما بناؤه في هذا الباب قلت إن أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء و ذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر و أصحاب المقالات و المتكلمون و أهل الشرك أصحاب إنكار و مباهتة إن احتججت عليهم بأن الله تعالى واحد قالوا صحح وحدانيته و إن قلت إن محمدا رسول الله ص قالوا ثبت رسالته ثم يباهتون الرجل و هو يبطل عليهم بحجته و يغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك قال فتبسم ع ثم قال يا نوفلي أ فتخاف أن يقطعوني على حجتي قلت لا و الله ما خفت عليك قط و إني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله تعالى فقال لي يا نوفلي أ تحب أن تعلم متى يندم المأمون قلت نعم قال إذا سمع

 احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم و على أهل الإنجيل بإنجيلهم و على أهل الزبور بزبورهم و على الصابئين بعبرانيتهم و على أهل الهرابذة بفارسيتهم و على أهل الروم بروميتهم و على أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كل صنف و دحضت حجته و ترك مقالته و رجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له جعلت فداك ابن عمك ينتظرك و قد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه فقال له الرضا ع تقدمني و إني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله ثم توضأ ع وضوءه للصلاة و شرب شربة سويق و سقانا منه ثم خرج و خرجنا معه حتى دخلنا على المأمون فإذا المجلس غاص بأهله و محمد بن جعفر في جماعة الطالبيين و الهاشميين و القواد حضور فلما دخل الرضا ع قام المأمون و قام محمد بن جعفر و جميع بني هاشم فما زالوا وقوفا و الرضا ع جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة ثم التفت إلى الجاثليق فقال يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى بن جعفر و هو من ولد فاطمة بنت نبينا و ابن علي بن أبي طالب ع فأحب أن تكلمه و تحاجه و تنصفه فقال الجاثليق يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره و نبي لا أومن به فقال الرضا ع يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أ تقر به قال الجاثليق و هل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم و الله أقر به على رغم أنفي ثم قرأ الرضا ع عليه الإنجيل و أثبت عليه أن نبينا ص مذكور فيه ثم أخبره بعدد حواري عيسى ع و أحوالهم و احتج بحجج كثيرة أقر بها ثم قرأ عليه كتاب شعيا و غيره إلى أن قال الجاثليق ليسألك غيري فلا و حق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك فالتفت الرضا ع إلى رأس الجالوت و احتج عليه بالتوراة و الزبور و كتاب شعيا و حيقوق حتى أقحم و لم يحر جوابا ثم دعا ع بالهربذ الأكبر و احتج عليه حتى انقطع هربذ مكانه فقال الرضا ع يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم فقام إليه عمران الصابي و كان واحدا في المتكلمين فقال يا عالم الناس لو لا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل فلقد دخلت الكوفة و البصرة و الشام و الجزيرة و لقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته أ فتأذن أن أسألك قال الرضا ع إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو قال أنا هو قال سل يا عمران و عليك بالنصفة و إياك و الخطل و الجور فقال و الله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه قال سل عما بدا لك فازدحم الناس و انضم بعضهم إلى بعض فاحتج الرضا ع عليه و طال الكلام بينهما إلى الزوال فالتفت الرضا ع إلى المأمون فقال الصلاة قد حضرت فقال عمران يا سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي قال الرضا ع نصلي و نعود فنهض و نهض المأمون فصلى الرضا ع داخلا و صلى الناس خارجا خلف محمد بن جعفر ثم خرجا فعاد الرضا ع إلى مجلسه و دعا بعمران فقال سل يا عمران فسأله عن الصانع تعالى و صفاته و أجيب إلى أن قال أ فهمت يا عمران قال نعم يا سيدي قد فهمت و أشهد أن الله على ما وصفت و وحدت و أن محمدا عبده المبعوث بالهدى و دين الحق ثم خر ساجدا نحو القبلة و أسلم قال الحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي و كان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا ع أحد منهم و لم يسألوه عن شي‏ء و أمسينا فنهض المأمون و الرضا ع فدخلا و انصرف الناس و كنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد بن جعفر فأتيته فقال لي يا نوفلي

 أ ما رأيت ما جاء به صديقك لا و الله ما ظننت أن علي بن موسى خاض في شي‏ء من هذا قط و لا عرفناه به أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام قلت قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم و ربما كلم من يأتيه يحاجه فقال محمد بن جعفر يا با محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء قلت إذا لا يقبل مني و ما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شي‏ء من علوم آبائه ع فقال لي قل له إن عمك قد كره هذا الباب و أحب أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى فلما انقلبت إلى منزل الرضا ع أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم ع ثم قال حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك يا غلام صر إلى عمران الصابي فأتني به فقلت جعلت فداك أنا أعرف موضعه و هو عند بعض إخواننا من الشيعة قال فلا بأس قربوا إليه دابة فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به و دعا بكسوة فخلعها عليه و حمله و دعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها فقلت جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين ع قال هكذا يجب ثم دعا ع بالعشاء فأجلسني عن يمينه و أجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران انصرف مصاحبا و بكر علينا نطعمك طعام المدينة فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه و وصله المأمون بعشرة آلاف درهم و أعطاه الفضل مالا و حمله و ولاه الرضا ع صدقات بلخ فأصاب الرغائب

13-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالإسناد المتقدم عن الحسن بن محمد النوفلي قال قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه و وصله ثم قال له إن ابن عمي علي بن موسى ع قدم علي من الحجاز و هو يحب الكلام و أصحابه فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته فقال سليمان يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني و لا يجوز الاستقصاء عليه قال المأمون إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك و ليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط فقال سليمان حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بينه و بيني و خلني و الذم فوجه المأمون إلى الرضا ع فقال إنه قد قدم علينا رجل من أهل مرو و هو واحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت فنهض ع للوضوء و قال لنا تقدموني و عمران الصابي معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر و خالد بيدي فأدخلاني على المأمون فلما سلمت قال أين أخي أبو الحسن أبقاه الله قلت خلفته يلبس ثيابه و أمرنا أن نتقدم ثم قلت يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي و هو بالباب فقال من عمران قلت الصابي الذي أسلم على يديك قال فليدخل فدخل فرحب به المأمون ثم قال له يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم قال الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان قال عمران يا أمير المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر و ينكر البداء قال فلم لا تناظره قال عمران ذاك إليه فدخل الرضا ع فقال في أي شي‏ء كنتم قال عمران يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي فقال سليمان أ ترضى بأبي الحسن و بقوله فيه فقال عمران قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر فاحتج ع عليه في البداء و الإرادة و غيرهما من مسائل التوحيد حتى انقطع سليمان و لم يحر جوابا فقال المأمون عند ذلك يا سليمان هذا أعلم هاشمي ثم تفرق القوم

  قال الصدوق رحمه الله كان المأمون يجلب على الرضا ع من متكلمي الفرق و أهل الأهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا ع عن الحجة مع واحد منهم و ذلك حسدا منه له و لمنزلته من العلم فكان لا يكلمه أحد إلا أقر له بالفضل و التزم الحجة له عليه لأن الله تعالى ذكره يأبى إلا أن يعلي كلمته و يتم نوره و ينصر حجته و هكذا وعد تبارك و تعالى في كتابه فقال إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعني بالذين آمنوا الأئمة الهداة ع و أتباعهم العارفين و الآخذين عنهم ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ما داموا في الدنيا و كذلك يفعل بهم في الآخرة و إن الله عز و جل لا يخلف وعده

14-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الهمداني و المكتب و الوراق جميعا عن علي بن إبراهيم عن القاسم بن محمد البرمكي عن الهروي قال لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا ع أهل المقالات من أهل الإسلام و الديانات من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلا و قد ألزمه حجته كأنه ألقم حجرا قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له يا ابن رسول الله أ تقول بعصمة الأنبياء قال نعم قال فما تعمل في قول الله عز و جل وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى إلى آخر ما قال فأجابه ع عن جميع ذلك حتى بكى علي بن محمد بن الجهم و قال يا ابن رسول الله أنا تائب إلى الله عز و جل من أن أنطق في أنبياء الله ع بعد يومي هذا إلا بما ذكرته

15-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن حمدان بن سليمان عن علي بن محمد بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى ع فسأله المأمون عن الأخبار الموهمة لعدم عصمة الأنبياء ع فأجاب ع عن كل منها فكان المأمون يقول أشهد أنك ابن رسول الله ص حقا و قد كان يقول لله درك يا ابن رسول الله و قد كان يقول بارك الله فيك يا أبا الحسن و قد كان يقول جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن فلما أجاب ع عن كل ما أراد أن يسأله قال المأمون لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله و أوضحت لي ما كان ملتبسا علي فجزاك الله عن أنبيائه و عن الإسلام خيرا قال علي بن محمد الجهم فقام المأمون إلى الصلاة و أخذ بيد محمد بن جعفر و كان حاضر المجلس و تبعتهما فقال له المأمون كيف رأيت ابن أخيك فقال عالم و لم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم فقال المأمون إن ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم النبي ص ألا إن أبرار عترتي و أطايب أرومتي أحلم الناس صغارا و أعلم الناس كبارا لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم لا يخرجونكم من باب هدى و لا يدخلونكم في باب ضلال و انصرف الرضا ع إلى منزله فلما كان من الغد غدوت عليه و أعلمته ما كان من قول المأمون و جواب عمه محمد بن جعفر له فضحك ع ثم قال يا ابن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه فإنه سيغتالني و الله ينتقم لي منه

 قال الصدوق رحمه الله هذا الحديث غريب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه و بغضه و عداوته لأهل البيت ع. أقول قد أوردت تلك الأخبار بتمامها في كتاب الاحتجاجات و كتاب النبوة و إنما أوردت منها هاهنا ما يناسب المقام

16-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري عن أبيه عن جده ع أن الرضا علي بن موسى ع لما جعله المأمون ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون و المتعصبين على الرضا ع يقولون انظروا لما جاءنا علي بن موسى و صار ولي عهدنا فحبس الله تعالى عنا المطر و اتصل ذلك بالمأمون فاشتد عليه فقال للرضا ع قد احتبس المطر فلو دعوت الله عز و جل أن يمطر الناس قال الرضا ع نعم قال فمتى تفعل ذلك و كان ذلك يوم الجمعة قال يوم الاثنين فإن رسول الله ص أتاني البارحة في منامي و معه أمير المؤمنين ع و قال يا بني انتظر يوم الاثنين فابرز إلى الصحراء و استسق فإن الله عز و جل سيسقيهم و أخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون حاله ليزداد علمهم بفضلك و مكانك من ربك عز و جل فلما كان يوم الاثنين غدا إلى الصحراء و خرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال اللهم يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت فتوسلوا بنا كما أمرت و أملوا فضلك و رحمتك و توقعوا إحسانك و نعمتك فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث و لا ضائر و ليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم و مقارهم قال فو الله الذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم و أرعدت و أبرقت و تحرك الناس كأنهم يرون التنحي عن المطر فقال الرضا ع على رسلكم أيها الناس فليس هذا الغيم لكم إنما هو لأهل بلد كذا فمضت السحابة و عبرت ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد و برق فتحركوا فقال على رسلكم فما هذه لكم إنما هي لأهل بلد كذا فما زال حتى جاءت عشر سحابات و عبرت و يقول علي بن موسى الرضا ع في كل واحدة على رسلكم ليست هذه لكم إنما هي لأهل بلد كذا ثم أقبلت سحابة حادية عشر فقال أيها الناس هذه بعثها الله عز و جل لكم فاشكروا الله تعالى على تفضله عليكم و قوموا إلى منازلكم و مقاركم فإنها مسامتة لكم و لرءوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى و جلاله و نزل من المنبر فانصرف الناس فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية و الحياض و الغدران و الفلوات فجعل الناس يقولون هنيئا لولد رسول الله ص كرامات الله عز و جل

 ثم برز إليهم الرضا ع و حضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال أيها الناس اتقوا الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعته و شكره على نعمه و أياديه و اعلموا أنكم لا تشكرون الله عز و جل بشي‏ء بعد الإيمان بالله و بعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله أحب إليكم من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبرتهم إلى جنان ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله تبارك و تعالى و قد قال رسول الله ص في ذلك قولا ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله تعالى عليه أن تأمله و عمل عليه قيل يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت و كيت فقال رسول الله ص بل قد نجا و لا يختم الله تعالى عمله إلا بالحسنى و سيمحو الله عنه السيئات و يبدلها له حسنات إنه كان مرة يمر في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته و هو لا يشعر فسترها عليه و لم يخبره بها مخافة أن يخجل ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة فقال له أجزل الله لك الثواب و أكرم لك المآب و لا ناقشك الحساب فاستجاب الله له فيه فهذا العبد لا يختم له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن فاتصل قول رسول الله ص بهذا الرجل فتاب و أناب و أقبل على طاعة الله عز و جل فلم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة فوجه رسول الله ص في أثرهم جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم قال الإمام محمد بن علي بن موسى ع و أعظم الله تبارك و تعالى البركة في البلاد بدعاء الرضا ع و قد كان للمأمون من يريد أن يكون هو ولي عهده من دون الرضا ع و حساد كانوا بحضرة المأمون للرضا ع فقال للمأمون بعض أولئك يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم و الفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي و لقد أعنت على نفسك و أهلك جئت بهذا الساحر ولد السحرة و قد كان خاملا فأظهرته و متضعا فرفعته و منسيا فذكرت به و مستخفا فنوهت به قد ملأ الدنيا مخرقة و تشوقا بهذا المطر الوارد عند دعائه ما أخوفني أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد علي بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك و التوثب على مملكتك هل جنى أحد على نفسه و ملكه مثل جنايتك فقال المأمون قد كان هذا الرجل مستترا عنا يدعو إلى نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا و ليعرف بالملك و الخلافة لنا و ليعتقد فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعى في قليل و لا كثير و إن هذا الأمر لنا من دونه و قد خشينا إن تركناه على تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا نسده و يأتي علينا منه ما لا نطيقه و الآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا و أخطأنا في أمره بما أخطأنا و أشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا فليس يجوز التهاون في أمره و لكنا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصوره عند الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه قال الرجل يا أمير المؤمنين فولني مجادلته فإني أفحمه و أصحابه و أضع من قدره فلو لا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته و بينت للناس قصوره عما رشحته له قال المأمون ما شي‏ء أحب إلي من هذا قال فاجمع وجوه أهل مملكتك و القواد و القضاة و خيار الفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك قال فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم و أقعد الرضا ع بين يديه في مرتبته التي جعلها له فابتدأ هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا ع و قال له إن الناس قد أكثروا عنك الحكايات و أسرفوا في وصفك بما أرى أنك إن وقفت عليه برئت إليهم منه فأول ذلك أنك دعوت الله في المطر المعتاد مجيؤه فجاء فجعلوه آية لك معجزة أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا و هذا أمير المؤمنين أدام الله ملكه و بقاءه لا يوازن بأحد إلا رجح به و قد أحلك المحل الذي عرفت فليس من حقه عليك أن تسوغ الكاذبين لك و عليه ما يتكذبونه

 فقال الرضا ع ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي و إن كنت لا أبغي أشرا و لا بطرا و أما ذكرك صاحبك الذي أحلني فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق ع و كانت حالهما ما قد علمت فغضب الحاجب عند ذلك فقال يا ابن موسى لقد عدوت طورك و تجاوزت قدرك أن بعث الله تعالى بمطر مقدر وقته لا يتقدم و لا يتأخر جعلته آية تستطيل بها و صولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم ع لما أخذ رءوس الطير بيده و دعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعيا و تركبن على الرءوس و خفقن و طرن بإذن الله فإن كنت صادقا فيما توهم فأحي هذين و سلطهما علي فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة فأما المطر المعتاد مجيؤه فلست أحق بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت و كان الحاجب قد أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه و كانا متقابلين على المسند فغضب علي بن موسى الرضا ع و صاح بالصورتين دونكما الفاجر فافترساه و لا تبقيا له عينا و لا أثرا فوثبت الصورتان و قد عادتا أسدين فتناولا الحاجب و عضاه و رضاه و هشماه و أكلاه و لحسا دمه و القوم ينظرون متحيرين مما يبصرون فلما فرغا منه أقبلا على الرضا ع و قالا يا ولي الله في أرضه ما ذا تأمرنا نفعل بهذا أ نفعل به فعلنا بهذا يشيران إلى المأمون فغشي على المأمون مما سمع منهما فقال الرضا ع قفا فوقفا ثم قال الرضا ع صبوا عليه ماء ورد و طيبوه ففعل ذلك به و عاد الأسدان يقولان أ تأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه قال لا فإن لله عز و جل فيه تدبيرا هو ممضيه فقالا ما ذا تأمرنا فقال عودا إلى مقركما كما كنتما فعادا إلى المسند و صارا صورتين كما كانتا فقال المأمون الحمد لله الذي كفاني شر حميد بن مهران يعني الرجل المفترس ثم قال للرضا ع يا ابن رسول الله ص هذا الأمر لجدكم رسول الله ص ثم لكم فلو شئت لنزلت عنه لك فقال الرضا ع لو شئت لما ناظرتك و لم أسألك فإن الله عز و جل قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلا جهال بني آدم فإنهم و إن خسروا حظوظهم فلله عز و جل فيهم تدبير و قد أمرني بترك الاعتراض عليك و إظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف ع بالعمل من تحت يد فرعون مصر قال فما زال المأمون ضئيلا إلى أن قضى في علي بن موسى الرضا ع ما قضى

 بيان قوله غير رائث قال الجزري في حديث الاستسقاء عجلا غير رائث أي غير بطي‏ء متأخر انتهى. قوله و لا ضائر أي ضار و الرسل بالكسر التأني و الوابل المطر الشديد قوله في مهواه أي مسيره من قولهم هوى يهوي إذا أسرع في السير و المهواة المطمئن من الأرض قوله أن تكون تاريخ الخلفاء كناية عن عظم تلك الواقعة و فظاعتها بزعمه فإن الناس يؤرخون الأمور بالوقائع و الدواهي. و المخرقة بالقاف الشعبدة و السحر كما يظهر من استعمالاتهم و إن لم نجد في اللغة و لعلها من الخرق بمعنى السفه و الكذب أو من المخراق الذي يضرب به و في بعض النسخ بالفاء من الخرافات و التشوق التزين و التطلع و في بعض النسخ التسوق بالسين المهملة و القاف و لعله مأخوذ من السوق أي أعمال أهل السوق من الأداني و في القاموس ساوقه فاخره في السوق و يقال فلان يرشح للوزارة أي يربى و يؤهل لها و لحس القصعة أكل بقية ما فيه باللسان و الضئيل كأمير الصغير الدقيق الحقير و النحيف

17-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ البيهقي عن الصولي قال حدثنا الغلابي عن أحمد بن عيسى بن زيد أن المأمون أمرني بقتل رجل فقال استبقني فإن لي شكرا فقال و من أنت و ما شكرك فقال علي بن موسى ع يا أمير المؤمنين أنشدك الله أن تترفع عن شكر أحد و إن قل فإن الله عز و جل أمر عباده بشكره فشكروه فعفا عنهم

18-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ السناني عن الأسدي عن محمد بن خلف عن هرثمة بن أعين قال دخلت على سيدي و مولاي يعني الرضا ع في دار المأمون و كان قد ظهر في دار المأمون أن الرضا ع قد توفي و لم يصح هذا القول فدخلت أريد الإذن عليه قال و كان في بعض ثقات خدم المأمون غلام يقال له صبيح الديلمي و كان يتولى سيدي حق ولايته و إذا صبيح قد خرج فلما رآني قال لي يا هرثمة أ لست تعلم أني ثقة المأمون على سره و علانيته قلت بلى قال اعلم يا هرثمة أن المأمون دعاني و ثلاثين غلاما من ثقاته على سره و علانيته في الثلث الأول من الليل فدخلت عليه و قد صار ليله نهارا من كثرة الشموع و بين يديه سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة فدعا بنا غلاما غلاما و أخذ علينا العهد و الميثاق بلسانه و ليس بحضرتنا أحد من خلق الله غيرنا فقال لنا هذا العهد لازم لكم أنكم تفعلون ما أمرتكم به و لا تخالفوا منه شيئا قال فحلفنا له فقال يأخذ كل واحد منكم سيفا بيده و امضوا حتى تدخلوا على علي بن موسى الرضا في حجرته فإن وجدتموه قائما أو قاعدا أو نائما فلا تكلموه و ضعوا أسيافكم عليه و اخلطوا لحمه و دمه و شعره و عظمه و مخه ثم اقلبوا عليه بساطه و امسحوا أسيافكم به و صيروا إلي و قد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل و كتمانه عشر بدر دراهم و عشر ضياع منتجبة و الحظوظ عندي ما حييت و بقيت قال فأخذنا الأسياف بأيدينا و دخلنا عليه في حجرته فوجدناه مضطجعا يقلب طرف يديه و يتكلم بكلام لا نعرفه قال فبادر الغلمان إليه بالسيوف و وضعت سيفي و أنا قائم أنظر إليه و كأنه قد كان علم بمصيرنا إليه فلبس على بدنه ما لا تعمل فيه السيوف فطووا عليه بساطه و خرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال ما صنعتم قالوا فعلنا ما أمرتنا به يا أمير المؤمنين قال لا تعيدوا شيئا مما كان فلما كان عند تبلج الفجر خرج المأمون فجلس مجلسه مكشوف الرأس محلل الأزرار و أظهر وفاته و قعد للتعزية ثم قام حافيا فمشى لينظر إليه و أنا بين يديه فلما دخل عليه حجرته سمع همهمة فأرعد ثم قال من عنده قلت لا علم لنا يا أمير المؤمنين فقال أسرعوا و انظروا قال صبيح فأسرعنا إلى البيت فإذا سيدي ع جالس في محرابه يصلي و يسبح فقلت يا أمير المؤمنين هو ذا نرى شخصا في محرابه يصلي و يسبح فانتفض المأمون و ارتعد ثم قال غررتموني لعنكم الله ثم التفت إلي من بين الجماعة فقال لي يا صبيح أنت تعرفه فانظر من المصلي عنده قال صبيح فدخلت و تولى المأمون راجعا فلما صرت عند عتبة الباب قال لي يا صبيح قلت لبيك يا مولاي و قد سقطت لوجهي فقال قم يرحمك الله يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ قال فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم فقال لي يا صبيح ما وراك قلت له يا أمير المؤمنين هو و الله جالس في حجرته و قد ناداني و قال لي كيت و كيت قال فشد أزراره و أمر برد أثوابه و قال قولوا إنه كان غشي عليه و إنه قد أفاق قال هرثمة فأكثرت لله عز و جل شكرا و حمدا ثم دخلت على سيدي الرضا ع فلما رآني قال يا هرثمة لا تحدث بما حدثك به صبيح أحدا إلا من امتحن الله قلبه للإيمان بمحبتنا و ولايتنا فقلت نعم يا سيدي ثم قال لي ع يا هرثمة و الله لا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب أجله

19-  أقول روى السيد المرتضى في كتاب العيون و المحاسن عن الشيخ المفيد رضي الله عنهما قال روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان و كان معه الرضا علي بن موسى ع فبينا هما يسيران إذ قال له المأمون يا أبا الحسن إني فكرت في شي‏ء فنتج لي الفكر الصواب فيه فكرت في أمرنا و أمركم و نسبنا و نسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة و رأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى و العصبية فقال له أبو الحسن الرضا ع إن لهذا الكلام جوابا إن شئت ذكرته لك و إن شئت أمسكت فقال له المأمون إني لم أقله إلا لأعلم ما عندك فيه قال له الرضا ع أنشدك الله يا أمير المؤمنين لو أن الله تعالى بعث نبيه محمدا ص فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك كنت مزوجه إياها فقال يا سبحان الله و هل أحد يرغب عن رسول الله ص فقال له الرضا ع أ فتراه كان يحل له أن يخطب إلي قال فسكت المأمون هنيئة ثم قال أنتم و الله أمس برسول الله ص رحما

20-  و عن الكتاب المذكور قال قال المأمون يوما للرضا ع أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين يدل عليها القرآن قال فقال له الرضا ع فضيلة في المباهلة قال الله جل جلاله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ الآية فدعا رسول الله ص الحسن و الحسين ع فكانا ابنيه و دعا فاطمة ع فكانت في هذا الموضع نساءه و دعا أمير المؤمنين ع فكان نفسه بحكم الله عز و جل فثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله ص و أفضل فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله ص بحكم الله عز و جل قال فقال له المأمون أ ليس قد ذكر الله تعالى الأبناء بلفظ الجمع و إنما دعا رسول الله ص ابنيه خاصة و ذكر النساء بلفظ الجمع و إنما دعا رسول الله ص ابنته وحدها فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه و يكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين ع ما ذكرت من الفضل قال فقال له الرضا ع ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين و ذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره كما أن الآمر آمر لغيره و لا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة و إذا لم يدع رسول الله ص رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين ع فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه و جعل له حكمه ذلك في تنزيله قال فقال المأمون إذا ورد الجواب سقط السؤال