باب 15- ما كان يتقرب به المأمون إلى الرضا ع في الاحتجاج على المخالفين

1-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن إسحاق بن حماد قال كان المأمون يعقد مجالس النظر و يجمع المخالفين لأهل البيت ع و يكلمهم في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و تفضيله على جميع الصحابة تقربا إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع و كان الرضا ع يقول لأصحابه الذين يثق بهم لا تغتروا بقوله فما يقتلني و الله غيره و لكنه لا بد لي من الصبر حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ

2-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أبي و ابن الوليد عن محمد العطار و أحمد بن إدريس معا عن الأشعري عن صالح بن أبي حماد الرازي عن إسحاق بن حاتم عن إسحاق بن حماد بن زيد قال سمعنا يحيى بن أكثم القاضي قال أمرني المأمون بإحضار جماعة من أهل الحديث و جماعة من أهل الكلام و النظر فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا ثم مضيت بهم فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لأعلمه بمكانهم ففعلوا فأعلمته فأمرني بإدخالهم ففعلت فدخلوا و سلموا فحدثهم ساعة و آنسهم ثم قال إني أريد أن أجعلكم بيني و بين الله تبارك و تعالى في يومي هذا حجة فمن كان حاقنا أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته و انبسطوا و سلوا أخفافكم و ضعوا أرديتكم ففعلوا ما أمروا به فقال يا أيها القوم إنما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله عز و جل فاتقوا الله و انظروا لأنفسكم و إمامكم و لا تمنعكم جلالتي و مكاني من قول الحق حيث كان و رد الباطل على من أتى به و أشفقوا على أنفسكم من النار و تقربوا إلى الله تعالى برضوانه و إيثار طاعته فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه الله عليه فناظروني بجميع عقولكم إني رجل أزعم أن عليا خير البشر بعد النبي ص فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي و إن كنت مخطئا فردوا علي و هلموا فإن شئتم سألتكم و إن شئتم سألتموني فقال له الذين يقولون بالحديث بل نسألك فقال هاتوا و قلدوا كلامكم رجلا منكم فإذا تكلم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد و إن أتى بخلل فسددوه فقال قائل منهم أما نحن فنزعم أن خير الناس بعد النبي ص أبو بكر من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول ص قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس فقال المأمون الروايات كثيرة و لا بد من أن يكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا و بعضها باطلا فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضا و لو كانت كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين و دروس الشريعة فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار و هو أن بعضها حق و بعضها باطل فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها ليعتقد و ينفى خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما أعتقده و آخذ به و روايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها و ذلك أن رسول الله ص أحكم الحكماء و أولى الخلق بالصدق و أبعد الناس من الأمر بالمحال و حمل الناس على التدين بالخلاف و ذلك أن هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين فإن كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد و الصفة و الصورة و الجسم و هذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة و إن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما و هذا تكليف ما لا يطاق لأنك إن اقتديت بواحد خالفت الآخر و الدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة و ردهم عمر أحرارا و أشار عمر على أبي بكر بعزل خالد و بقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه و حرم عمر المتعة و لم يفعل ذلك أبو بكر و وضع عمر ديوان العطية و لم يفعله أبو بكر و استخلف أبو بكر و لم يفعل ذلك عمر و لهذا نظائر كثيرة قال الصدوق رضي الله عنه في هذا فصل لم يذكره المأمون لخصمه و هو أنهم لم يرووا أن النبي ص قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر و عمر و إنما رووا أبو بكر و عمر و منهم من روى أبا بكر و عمر فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب اقتدوا بالذين من بعدي كتاب الله و العترة يا أبا بكر و عمر و معنى قوله بالرفع اقتدوا أيها الناس و أبو بكر و عمر بالذين من بعدي كتاب الله و العترة رجعنا إلى حديث المأمون فقال آخر من أصحاب الحديث فإن النبي ص قال لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فقال المأمون هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم أنه ص آخى بين أصحابه و أخر عليا فقال ع له في ذلك فقال ما أخرتك إلا لنفسي فأي الروايتين ثبتت بطلت الأخرى

 قال آخر إن عليا ع قال على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر قال المأمون هذا مستحيل من قبل أن النبي ص لو علم أنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص و مرة أسامة بن زيد و مما يكذب هذه الرواية قول علي ع قبض النبي ص و أنا أولى بمجلسه مني بقميصي و لكني أشفقت أن يرجع الناس كفارا و قوله ع أنى يكونان خيرا مني و قد عبدت الله عز و جل قبلهما و عبدته بعدهما قال آخر فإن أبا بكر أغلق بابه و قال هل من مستقيل فأقيله فقال علي ع قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك فقال المأمون هذا باطل من قبل أن عليا ع قعد عن بيعة أبي بكر و رويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة ع و أنها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها و وجه آخر و هو أنه إن كان النبي ص استخلفه فكيف كان له أن يستقيل و هو يقول للأنصاري قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة و عمر قال آخر إن عمرو بن العاص قال يا نبي الله من أحب الناس إليك من النساء فقال عائشة فقال من الرجال فقال أبوها فقال المأمون هذا باطل من قبل أنكم رويتم أن النبي ص وضع بين يديه طائر مشوي فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فكان علي ع فأي روايتكم تقبل فقال آخر فإن عليا ع قال من فضلني على أبي بكر و عمر جلدته حد المفتري قال المأمون كيف يجوز أن يقول علي ع أجلد الحد من لا يجب الحد عليه فيكون متعديا لحدود الله عز و جل عاملا بخلاف أمره و ليس تفضيل من فضله عليهما فرية و قد رويتم عن إمامكم أنه قال وليتكم و لست بخيركم فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه أو علي ع على أبي بكر مع تناقض الحديث في نفسه و لا بد له في قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا فإن كان صادقا فأنى عرف ذلك أ بوحي فالوحي منقطع أو بالنظر فالنظر متحير و إن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين و يقوم بأحكامهم و يقيم حدودهم و هو كذاب قال آخر فقد جاء أن النبي ص قال أبو بكر و عمر سيدا كهول أهل الجنة قال المأمون هذا الحديث محال لأنه لا يكون في الجنة كهل و يروى أن أشجعية كانت عند النبي ص فقال لا يدخل الجنة عجوز فبكت فقال النبي ص إن الله عز و جل يقول إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً فإن زعمتم أن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة فقد رويتم أن النبي ص قال للحسن و الحسين إنهما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين و أبوهما خير منهما قال آخر قد جاء أن النبي ص قال لو لم أبعث فيكم لبعث عمر قال المأمون هذا محال لأن الله عز و جل يقول إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ و قال عز و جل وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوة مبعوثا و من أخذ ميثاقه على النبوة مؤخرا قال آخر إن النبي ص نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم و قال إن الله تعالى باهى بعباده عامة و بعمر خاصة فقال المأمون فهذا مستحيل من قبل أن الله تعالى لم يكن ليباهي بعمر و يدع نبيه ص فيكون عمر في الخاصة و النبي في العامة و ليست هذه الرواية بأعجب من روايتكم أن النبي ص قال دخلت الجنة فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر قد سبقني إلى الجنة و إنما قالت الشيعة علي خير من أبي بكر فقلتم عبد أبي بكر خير من رسول الله ص لأن السابق أفضل من المسبوق و كما رويتم أن الشيطان يفر من حس عمر و ألقى على لسان النبي ص أنهن الغرانيق العلى ففر من عمر و ألقى على لسان النبي ص بزعمكم الكفر قال آخر قد قال النبي ص لو نزل العذاب ما نجا إلا عمر بن الخطاب

 قال المأمون هذا خلاف الكتاب نصا لأن الله عز و جل يقول وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ فجعلتم عمر مثل الرسول قال آخر فقد شهد النبي ص لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة فقال لو كان هذا كما زعمت كان عمر لا يقول لحذيفة نشدتك بالله أ من المنافقين أنا فإن كان قد قال له النبي ص أنت من أهل الجنة و لم يصدقه حتى زكاه حذيفة و صدق حذيفة و لم يصدق النبي ص فهذا على غير الإسلام و إن كان قد صدق النبي ص فلم سأل حذيفة و هذان الخبران متناقضان في أنفسهما فقال آخر فقد قال النبي ص وضعت أمتي في كفة الميزان و وضعت في أخرى فرجحت بهم ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم ثم عمر فرجح ثم رفع الميزان فقال المأمون هذا محال من قبل أنه لا يخلو من أن يكون من أجسامهما أو أعمالهما فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنه محال لأنه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة و إن كانت أفعالهما فلم يكن بعد فكيف يرجح بما ليس و خبروني بما يتفاضل الناس فقال بعضهم بالأعمال الصالحة قال فأخبروني فمن فضل صاحبه على عهد النبي ص ثم إن المفضول عمل بعد وفاة النبي ص بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي ص أ يلحق به فإن قلتم نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهادا و حجا و صوما و صلاة و صدقة من أحدهم قالوا صدقت لا يلحق فاضل دهرنا فاضل عصر النبي ص قال المأمون فانظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل علي ع و قايسوا إليها ما رووا في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءا من أجزاء كثيرة فالقول قولكم و إن كانوا قد رووا في فضائل علي ع أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا و لا تعدوه قال فأطرق القوم جميعا فقال المأمون ما لكم سكتم قالوا قد استقصينا قال المأمون فإني أسألكم خبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيه ص قالوا السبق إلى الإسلام لأن الله تبارك و تعالى يقول السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ قال فهل علمتم أحدا أسبق من علي ع إلى الإسلام قالوا إنه سبق حدثا لم يجر عليه حكم و أبو بكر أسلم كهلا قد جرى عليه الحكم و بين هاتين الحالتين فرق قال المأمون فخبروني عن إسلام علي ع أ بإلهام من قبل الله عز و جل أم بدعاء النبي ص فإن قلتم بإلهام فقد فضلتموه على النبي ص لأن النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل ع عن الله عز و جل داعيا و معرفا و إن قلتم بدعاء النبي ص فهل دعاه من قبل نفسه أم بأمر الله عز و جل فإن قلتم من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله عز و جل نبيه ع في قوله تعالى وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ و في قوله عز و جل وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى و إن كان من قبل الله عز و جل فقد أمر الله سبحانه و تعالى نبيه ص بدعاء علي من بين صبيان الناس و إيثاره عليهم فدعاه ثقة به و علما بتأييد الله تعالى إياه و خلة أخرى خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلف خلقه ما لا يطيقون فإن قلتم نعم كفرتم و إن قلتم لا فكيف يجوز أن يأمر نبيه ص بدعاء من لم يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره و حداثة سنه و ضعفه عن القبول و خلة أخرى هل رأيتم النبي ص دعا أحدا من صبيان أهله و غيرهم فيكون أسوة علي ع فإن زعمتم أنه لم يدع غيره فهذه فضيلة لعلي ع على جميع صبيان الناس ثم قال أي الأعمال أفضل بعد السبق إلى الإيمان قالوا الجهاد في سبيل الله قال فهل تحدثون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعلي ع في جميع مواقف النبي ص من الأثر هذه بدر قتل من المشركين فيها نيف و ستون رجلا

 قتل علي ع منهم نيفا و عشرين و أربعون لسائر الناس فقال قائل كان أبو بكر مع النبي ص في عريشه يدبرها فقال المأمون لقد جئت بها عجيبة أ كان يدبر دون النبي ص أو معه فيشركه أو لحاجة النبي ص إلى رأي أبي بكر أي الثلاث أحب إليك فقال أعوذ بالله من أن أزعم أنه يدبر دون النبي ص أو يشركه أو بافتقار من النبي ص إليه قال فما الفضيلة في العريش فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلفه عن الحرب فيجب أن يكون كل متخلف فاضلا أفضل من المجاهدين و الله عز و جل يقول لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً قال إسحاق بن حماد بن زيد ثم قال لي اقرأ هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ فقرأت حتى بلغت وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إلى قوله وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً فقال فيمن نزلت هذه الآيات قلت في علي ع قال فهل بلغك أن عليا ع قال حين أطعم المسكين و اليتيم و الأسير إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً على ما وصف الله عز و جل في كتابه فقلت لا قال فإن الله عز و جل عرف سريرة علي ع و نيته فأظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره فهل علمت أن الله عز و جل وصف في شي‏ء مما وصف في الجنة ما في هذه السورة قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قلت لا قال فهذه فضيلة أخرى فكيف يكون القوارير من فضة قلت لا أدري قال يريد كأنها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها و هذا مثل قوله ع يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير و عنى به النساء كأنهن القوارير رقة و قوله ع ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحرا أي كأنه بحر من كثرة جريه و عدوه و كقول الله عز و جل وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ أي كأنه ما يأتيه الموت و لو أتاه من مكان واحد لمات ثم قال يا إسحاق أ لست ممن يشهد أن العشرة في الجنة فقلت بلى قال أ رأيت لو أن رجلا قال ما أدري أ صحيح هذا الحديث أم لا أ كان عندك كافرا قلت لا قال أ فرأيت لو قال ما أدري أ هذه السورة قرآن أم لا أ كان عندك كافرا قلت بلى قال أرى فضل الرجل يتأكد خبرني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أ صحيح عندك قال بلى قال بان و الله عنادك لا يخلو هذا من أن يكون كما دعا النبي ص أو يكون مردودا أو عرف الله الفاضل من خلقه و كان المفضول أحب إليه أو تزعم أن الله لم يعرف الفاضل من المفضول فأي الثلاث أحب إليك أن تقول به قال إسحاق فأطرقت ساعة ثم قلت يا أمير المؤمنين إن الله عز و جل يقول في أبي بكر ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فنبه الله عز و جل إلى صحبة نبيه ص فقال سبحان الله ما أقل علمكم باللغة و الكتاب أ ما يكون الكافر صاحبا للمؤمن فأي فضيلة في هذه أ ما سمعت الله عز و جل يقول قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا فقد جعله له صاحبا و قال الهذلي

و لقد غدوت و صاحبي وحشية تحت الرداء بصيرة بالمشرق

و قال الأزدي

و لقد دعوت الوحش فيه و صاحبي محض القوائم من هجان هيكل

فصير فرسه صاحبه و أما قوله إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فإنه تبارك و تعالى مع البر و الفاجر أ ما سمعت قوله عز و جل ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا و أما قوله لا تَحْزَنْ فخبرني عن حزن أبي بكر أ كان طاعة أو معصية فإن زعمت أنه كان طاعة فقد جعلت النبي ص ينهى عن الطاعة و هذا خلاف صفة الحكيم و إن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي و خبرني عن قوله عز و جل فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ على من قال إسحاق فقلت على أبي بكر لأن النبي ص كان مستغنيا عن السكينة قال فخبرني عن قوله عز و جل وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أ تدري من المؤمنون الذين أراد الله عز و جل في هذا الموضع قال قلت لا قال إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي ص إلا سبعة من بني هاشم علي ع يضرب بسيفه و العباس أخذ بلجام بغلة النبي ص و الخمسة محدقون بالنبي ص خوفا من أن يناله سلاح الكفار حتى أعطى الله تبارك و تعالى رسوله ع الظفر عنى بالمؤمنين في هذا الموضع عليا ع و من حضر من بني هاشم فمن كان أفضل أ من كان مع النبي ص و نزلت السكينة على النبي ص و عليه أم من كان في الغار مع النبي ص و لم يكن أهلا لنزولها عليه يا إسحاق من أفضل من كان مع النبي ص في الغار أم من نام على مهاده و وقاه بنفسه حتى تم للنبي ص ما عزم عليه من الهجرة إن الله تبارك و تعالى أمر نبيه ص أن يأمر عليا ع بالنوم على فراشه و وقايته بنفسه فأمره بذلك فقال علي ع أ تسلم يا نبي الله قال نعم قال سمعا و طاعة ثم أتى مضجعه و تسجى بثوبه و أحدق المشركون به لا يشكون في أنه النبي ص و قد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من قريش رجل ضربة لئلا يطالب الهاشميون بدمه و علي ع يسمع ما القوم فيه من التدبير في تلف نفسه فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار و هو مع النبي ص و علي ع وحده فلم يزل صابرا محتسبا فبعث الله تعالى ملائكة تمنعه من مشركي قريش فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا أين محمد قال و ما علمي به قالوا فأنت غررتنا ثم لحق بالنبي ص فلم يزل علي أفضل لما بدا منه إلا ما يزيد خيرا حتى قبضه الله تعالى إليه و هو محمود مغفور له يا إسحاق أ ما تروي حديث الولاية فقلت نعم قال اروه فرويته فقال أ ما ترى أنه أوجب لعلي على أبي بكر و عمر من الحق ما لم يوجب لهما عليه قلت إن الناس يقولون إن هذا قاله بسبب زيد بن حارثة قال و أين قال النبي ص هذا قلت بغدير خم بعد منصرفه من حجة الوداع قال فمتى قتل زيد بن حارثة قلت بمؤته قال أ فليس قد كان قتل زيد بن حارثة قبل غدير خم قلت بلى قال فخبرني لو رأيت ابنا لك أتت عليه خمس عشرة سنة يقول مولاي مولى ابن عمي أيها الناس فاقبلوا أ كنت تكره ذلك فقلت بلى قال أ فتنزه ابنك عما لا تنزه النبي ص ويحكم أ جعلتم فقهاءكم أربابكم إن الله عز و جل يقول اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ و الله ما صاموا لهم و لا صلوا لهم و لكنهم أمروا لهم فأطيعوا ثم قال أ تروي قول النبي ص لعلي ع أنت مني بمنزلة هارون من موسى قلت نعم قال أ ما تعلم أن هارون أخو موسى لأبيه و أمه قلت بلى

 قال فعلي ع كذلك قلت لا قال فهارون نبي و ليس علي كذلك فما المنزلة الثالثة إلا الخلافة و هذا كما قال المنافقون إنه استخلفه استثقالا له فأراد أن يطيب نفسه و هذا كما حكى الله عز و جل عن موسى حيث يقول لهارون اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فقلت إن موسى خلف هارون في قومه و هو حي ثم مضى إلى ميقات ربه عز و جل و إن النبي ص خلف عليا ع حين خرج إلى غزاته فقال أخبرني عن موسى حين خلف هارون أ كان معه حيث مضى إلى ميقات ربه عز و جل أحد من أصحابه فقلت نعم قال أ و ليس قد استخلفه على جميعهم قلت بلى قال فكذلك علي ع خلفه النبي ص حين خرج في غزاته في الضعفاء و النساء و الصبيان إذ كان أكثر قومه معه و إن كان قد جعله خليفته على جميعهم و الدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب و بعد موته قوله ع علي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و هو وزير النبي ص أيضا بهذا القول لأن موسى ع قد دعا الله عز و جل فقال فيما دعا وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي و إذا كان علي ع منه ص بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره كما كان هارون وزير موسى ع و هو خليفته كما كان هارون خليفة موسى ع ثم أقبل على أصحاب النظر و الكلام فقال أسألكم أو تسألوني قالوا بل نسألك فقال قولوا فقال قائل منهم أ ليست إمامة علي ع من قبل الله عز و جل نقل ذلك عن رسول الله من نقل الفرض مثل الظهر أربع ركعات و في مائتين درهم خمسة دراهم و الحج إلى مكة فقال بلى قال فما بالهم لم يختلفوا في جميع الفرض و اختلفوا في خلافة علي ع وحدها قال المأمون لأن جميع الفرض لا يقع فيه من التنافس و الرغبة ما يقع في الخلافة فقال آخر ما أنكرت أن يكون النبي ص أمرهم باختيار رجل يقوم مقامه رأفة بهم و رقة عليهم أن يستخلف هو بنفسه فيعصى خليفته فينزل العذاب فقال أنكرت ذلك من قبل أن الله عز و جل أرأف بخلقه من النبي ص و قد بعث نبيه ص و هو يعلم أن فيهم العاصي و المطيع فلم يمنعه ذلك من إرساله و علة أخرى لو أمرهم باختيار رجل منهم كان لا يخلو من أن يأمرهم كلهم أو بعضهم فلو أمر الكل من كان المختار و لو أمر بعضا دون بعض كان لا يخلو من أن يكون على هذا البعض علامة فإن قلت الفقهاء فلا بد من تحديد الفقيه و سمته قال آخر فقد روي أن النبي ص قال ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله عز و جل حسن و ما رأوه قبيحا فهو عند الله تبارك و تعالى قبيح فقال هذا القول لا بد من أن يريد كل المؤمنين أو البعض فإن أراد الكل فهو مفقود لأن الكل لا يمكن اجتماعهم و إن كان البعض فقد روى كل في صاحبه حسنا مثل رواية الشيعة في علي ع و رواية الحشوية في غيره فمتى يثبت ما يريدون من الإمامة قال آخر فيجوز أن يزعم أن أصحاب محمد ص أخطئوا قال كيف نزعم أنهم أخطئوا و اجتمعوا على ضلالة و هم لا يعلمون فرضا و لا سنة لأنك تزعم أن الإمامة لا فرض من الله عز و جل و لا سنة من الرسول ص فكيف يكون فيما ليس عندك بفرض و لا سنة خطأ قال آخر إن كنت تدعي لعلي ع من الإمامة دون غيره فهات بينتك على ما تدعي فقال ما أنا بمدع و لكني مقر و لا بينة على مقر و المدعي من يزعم أن إليه التولية و العزل و أن إليه الاختيار و البينة لا تعرى من أن يكون من شركائه فهم خصماء أو يكون من غيرهم و الغير معدوم فكيف يؤتى بالبينة على هذا

 قال آخر فما كان الواجب على علي ع بعد مضي رسول الله ص قال ما فعله قال أ فما وجب عليه أن يعلم الناس أنه إمام فقال إن الإمامة لا تكون بفعل منه في نفسه و لا بفعل من الناس فيه من اختيار أو تفضيل أو غير ذلك إنما يكون بفعل من الله عز و جل فيه كما قال لإبراهيم ع إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً و كما قال عز و جل لداود ع يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ و كما قال عز و جل للملائكة في آدم ع إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فالإمام إنما يكون إماما من قبل الله باختياره إياه في بدي‏ء الصنيعة و التشريف في النسب و الطهارة في المنشإ و العصمة في المستقبل و لو كانت بفعل منه في نفسه كان من فعل ذلك الفعل مستحقا للإمامة و إذا عمل خلافها اعتزل فيكون خليفة قبل أفعاله و قال آخر فلم أوجبت الإمامة لعلي ع بعد الرسول ص فقال لخروجه من الطفولية إلى الإيمان كخروج النبي ص من الطفولية إلى الإيمان و البراءة من ضلالة قومه عن الحجة و اجتنابه الشرك كبراءة النبي ص من الضلالة و اجتنابه الشرك لأن الشرك ظلم عظيم و لا يكون الظالم إماما و لا من عبد وثنا بإجماع و من أشرك فقد حل من الله عز و جل محل أعدائه فالحكم فيه الشهادة عليه بما اجتمعت عليه الأمة حتى يجي‏ء إجماع آخر مثله و لأن من حكم عليه مرة فلا يجوز أن يكون حاكما فيكون الحاكم محكوما عليه فلا يكون حينئذ فرق بين الحاكم و المحكوم عليه قال آخر فلم لم يقاتل علي ع أبا بكر و عمر و عثمان كما قاتل معاوية فقال المسألة محال لأن لم اقتضاء و لا يفعل نفي و النفي لا يكون له علة إنما العلة للإثبات و إنما يجب أن ينظر في أمر علي ع أ من قبل الله أم من قبل غيره فإن صح أنه من قبل الله عز و جل فالشك في تدبيره كفر لقوله عز و جل فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً

فأفعال الفاعل تبع لأصله فإن كان قيامه عن الله عز و جل فأفعاله عنه و على الناس الرضا و التسليم و قد ترك رسول الله ص القتال يوم الحديبية يوم صد المشركون هديه عن البيت فلما وجد الأعوان و قوي حارب كما قال عز و جل في الأول فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ثم قال عز و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ قال آخر إذا زعمت أن إمامة علي ع من قبل الله عز و جل و أنه مفترض الطاعة فلم لم يجز إلا التبليغ و الدعاء كما للأنبياء ع و جاز لعلي أن يترك ما أمر به من دعوة الناس إلى طاعته فقال من قبل أنا لم ندع أن عليا ع أمر بالتبليغ فيكون رسولا و لكنه ع وضع علما بين الله تعالى و بين خلقه فمن تبعه كان مطيعا و من خالفه كان عاصيا فإن وجد أعوانا يتقوى بهم جاهد و إن لم يجد أعوانا فاللوم عليهم لا عليه لأنهم أمروا بطاعته على كل حال و لم يؤمر هو بمجاهدتهم إلا بقوة و هو بمنزلة البيت على الناس الحج إليه فإذا حجوا أدوا ما عليهم و إذا لم يفعلوا كانت اللائمة عليهم لا على البيت و قال آخر إذا وجب أنه لا بد من إمام مفترض الطاعة بالاضطرار فكيف يجب بالاضطرار أنه علي ع دون غيره فقال من قبل أن الله عز و جل لا يفرض مجهولا و لا يكون المفروض ممتنعا إذ المجهول ممتنع و لا بد من دلالة الرسول على الفرض ليقطع العذر بين الله عز و جل و بين عباده أ رأيت لو فرض الله عز و جل على الناس صوم شهر و لم يعلم الناس أي شهر هو و لم يسم كان على الناس استخراج ذلك بعقولهم حتى يصيبوا ما أراد الله تبارك و تعالى فيكون الناس حينئذ مستغنين عن الرسول و المبين لهم و عن الإمام الناقل خبر الرسول إليهم و قال آخر من أين أوجبت أن عليا ع كان بالغا حين دعاه النبي ص فإن الناس يزعمون أنه كان صبيا حين دعا و لم يكن جاز عليه الحكم و لا بلغ مبلغ الرجال فقال من قبل أنه لا يعرى في ذلك الوقت من أن يكون ممن أرسل إليه النبي ص ليدعوه فإن كان كذلك فهو محتمل للتكليف قوي على أداء الفرائض و إن كان ممن لم يرسل إليه فقد لزم النبي ص قول الله عز و جل وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ و كان مع ذلك قد كلف النبي ص عباد الله ما لا يطيقون عن الله تبارك و تعالى و هذا من المحال الذي يمتنع كونه و لا يأمر به حكيم و لا يدل عليه الرسول تعالى الله عن أن يأمر بالمحال و جل الرسول عن أن يأمر بخلاف ما يمكن كونه في حكمة الحكيم فسكت القوم عند ذلك جميعا فقال المأمون قد سألتموني و نقضتم علي أ فأسألكم قالوا نعم قال أ ليس روت الأمة بإجماع منها أن النبي ص قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار قالوا بلى قال و رووا عنه ع أنه قال من عصى الله بمعصية صغرت أو كبرت ثم اتخذها دينا و مضى مصرا عليها فهو مخلد بين أطباق الجحيم قالوا بلى قال فخبروني عن رجل يختاره العامة فتنصبه خليفة هل يجوز أن يقال له خليفة رسول الله ص و من قبل الله عز و جل و لم يستخلفه الرسول فإن قلتم نعم كابرتم و إن قلتم لا وجب أن أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله ص و لا من قبل الله عز و جل و أنكم تكذبون على نبي الله ص و أنكم متعرضون لأن تكونوا ممن وسمه النبي ص بدخول النار و خبروني في أي قوليكم صدقتم أ في قولكم مضى ص و لم يستخلف أو في قولكم لأبي بكر يا خليفة رسول الله فإن كنتم صدقتم في القولين فهذا

 ما لا يمكن كونه إذ كان متناقضا و إن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر فاتقوا الله و انظروا لأنفسكم و دعوا التقليد و تجنبوا الشبهات فو الله ما يقبل الله عز و جل إلا من عبد لا يأتي إلا بما يعقل و لا يدخل إلا فيما يعلم أنه حق و الريب شك و إدمان الشك كفر بالله عز و جل و صاحبه في النار و خبروني هل يجوز ابتياع أحدكم عبدا فإذا ابتاعه صار مولاه و صار المشتري عبده قالوا لا قال كيف جاز أن يكون من اجتمعتم عليه لهواكم و استخلفتموه صار خليفة عليكم و أنتم وليتموه إلا كنتم أنتم الخلفاء عليه بل تولون خليفة و تقولون إنه خليفة رسول الله ص ثم إذا سخطتم عليه قتلتموه كما فعل بعثمان بن عفان قال قائل منهم لأن الإمام وكيل المسلمين إذا رضوا عنه ولوه و إذا سخطوا عليه عزلوه قال فلمن المسلمون و العباد و البلاد قالوا الله عز و جل قال فالله أولى أن يوكل على عباده و بلاده من غيره لأن من إجماع الأمة أنه من أحدث في ملك غيره حدثا فهو ضامن و ليس له أن يحدث فإن فعل فآثم غارم ثم قال خبروني عن النبي ص هل استخلف حين مضى أم لا فقالوا لم يستخلف قال فتركه ذلك هدى أم ضلال قالوا هدى قال فعلى الناس أن يتبعوا الهدى و يتنكبوا الضلالة قالوا قد فعلوا ذلك قال فلم استخلف الناس بعده و قد تركه هو فترك فعله ضلال و محال أن يكون خلاف الهدى هدى و إذا كان ترك الاستخلاف هدى فلم استخلف أبو بكر و لم يفعله النبي ص و لم جعل عمر الأمر بعده شورى بين المسلمين خلافا على صاحبه زعمتم أن النبي ص لم يستخلف و أن أبا بكر استخلف و عمر لم يترك الاستخلاف كما تركه النبي ص بزعمكم و لم يستخلف كما فعل أبو بكر و جاء بمعنى ثالث فخبروني أي ذلك ترونه صوابا فإن رأيتم فعل النبي ص صوابا فقد خطأتم أبا بكر و كذلك القول في بقية الأقاويل و خبروني أيهما أفضل ما فعله النبي ص بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف و خبروني هل يجوز أن يكون تركه من الرسول ص هدى و فعله من غيره هدى فيكون هدى ضد هدى فأين الضلال حينئذ و خبروني هل ولي أحد بعد النبي ص باختيار الصحابة منذ قبض النبي ص إلى اليوم فإن قلتم لا فقد أوجبتم أن الناس كلهم عملوا ضلالة بعد النبي ص و إن قلتم نعم كذبتم الأمة و أبطل قولكم الوجود الذي لا يدفع و خبروني عن قول الله عز و جل قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ أ صدق هذا أم كذب قالوا صدق قال أ فليس ما سوى الله لله إذ كان محدثه و مالكه قالوا نعم قال ففي هذا بطلان ما أوجبتم من اختياركم خليفة تفترضون طاعته إذا اخترتموه و تسمونه خليفة رسول الله ص و أنتم استخلفتموه و هو معزول عنكم إذا غضبتم عليه و عمل بخلاف محبتكم و هو مقتول إذا أبى الاعتزال ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فتلقوا وبال ذلك غدا إذا قمتم بين يدي الله عز و جل و إذا وردتم على رسول الله ص و قد كذبتم عليه متعمدين و قد قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ثم استقبل القبلة و رفع يديه و قال اللهم إني قد نصحت لهم اللهم إني قد أرشدتهم اللهم إني قد أخرجت ما وجب علي إخراجه من عنقي اللهم إني لم أدعهم في ريب و لا في شك اللهم إني أدين بالتقرب إليك بتقديم علي ع على الخلق بعد نبيك ص كما أمرنا به رسولك صلواتك و سلامك عليه و آله قال ثم افترقنا فلن نجتمع بعد ذلك حتى قبض المأمون

 قال محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري و في حديث آخر قال فسكت القوم فقال لهم لم سكتم قالوا لا ندري ما نقول قال يكفيني هذه الحجة عليكم ثم أمر بإخراجهم قال فخرجنا متحيرين خجلين ثم نظر المأمون إلى الفضل بن سهل فقال هذا أقصى ما عند القوم فلا يظن ظان أن جلالتي منعتهم من النقض علي

 بيان قال الجوهري قولهم هم زهاء مائة أي قدر مائة قوله من كان المختار هذا مبني على أن المأمور بالاختيار يجب أن يكون مغايرا للمختار للزوم المغايرة بين الفاعل و المحل و فيه نظر قوله و البينة لا تعرى حاصله أنكم لما ادعيتم أن لكم الاختيار و العزل فالبينة عليكم و لا يمكنكم إقامة البينة إذ البينة إن كان ممن يوافقكم فهو مدع و لا يقبل قوله و إن كان من غيركم فالغير مفقود لدعواكم الإجماع أو لأن الغير لا يشهد لكم قوله و لا من عبد وثنا بإجماع حاصله أن الظالم و عابد الوثن لا يستحق الإمامة في تلك الحالة اتفاقا و الأصل استصحاب هذا الحكم بعد زوال تلك الحالة أيضا

3-  يف، ]الطرائف[ من الطرائف المشهورة ما بلغ إليه المأمون في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و مدح أهل بيته ع ذكره ابن مسكويه صاحب التأريخ المسمى بحوادث الإسلام في كتاب سماه نديم الفريد يقول فيه حيث ذكر كتابا كتبه بنو هاشم يسألون جوابهم ما هذا لفظه فقال المأمون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلى الله على محمد و آل محمد على رغم أنف الراغمين أما بعد عرف المأمون كتابكم و تدبير أمركم و مخض زبدتكم و أشرف على قلوب صغيركم و كبيركم و عرفكم مقبلين و مدبرين و ما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل و صرف وجوه الحق عن مواضعها و نبذكم كتاب الله تعالى و الآثار و كلما جاءكم به الصادق محمد ص حتى كأنكم من الأمم السالفة التي هلكت بالخسفة و الغرق و الريح و الصيحة و الصواعق و الرجم أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها و الذي هو أقرب إلى المأمون  مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ لو لا أن يقول قائل إن المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم من سوء أخلاقكم و قلة أخطاركم و ركاكة عقولكم و من سخافة ما تأوون إليه من آرائكم فليستمع مستمع فليبلغ شاهد غائبا أما بعد فإن الله تعالى بعث محمدا ص عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ و قريش في أنفسها و أموالها لا يرون أحدا يساميهم و لا يباريهم فكان نبينا ص أمينا من أوسطهم بيتا و أقلهم مالا و كان أول من آمنت به خديجة بنت خويلد فواسته بمالها ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سبع سنين لم يشرك بالله شيئا طرفة عين و لم يعبد وثنا و لم يأكل ربا و لم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم و كانت عمومة رسول الله ص إما مسلم مهين أو كافر معاند إلا حمزة فإنه لم يمتنع من الإسلام و لا يمتنع الإسلام منه فمضى لسبيله عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ و أما أبو طالب فإنه كفله و رباه و لم يزل مدافعا عنه و مانعا منه فلما قبض الله أبا طالب فهم القوم و أجمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فلم يقم مع رسول الله ص أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب ع فإنه آزره و وقاه بنفسه و نام في مضجعه ثم لم يزل بعد متمسكا بأطراف الثغور و ينازل الأبطال و لا ينكل عن قرن و لا يولي عن جيش منيع القلب يؤمر على الجميع و لا يؤمر عليه أحد أشد الناس وطأة على المشركين و أعظمهم جهادا في الله و أفقههم في دين الله و أقرؤهم لكتاب الله و أعرفهم بالحلال و الحرام و هو صاحب الولاية في حديث غدير خم و صاحب قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و صاحب يوم الطائف

 و كان أحب الخلق إلى الله تعالى و إلى رسول الله ص و صاحب الباب فتح له و سد أبواب المسجد و هو صاحب الراية يوم خيبر و صاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة و أخو رسول الله ص حين آخى بين المسلمين و هو منيع جزيل و هو صاحب آية وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً و هو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين و سيدة نساء أهل الجنة و هو ختن خديجة ع و هو ابن عم رسول الله ص رباه و كفله و هو ابن أبي طالب ع في نصرته و جهاده و هو نفس رسول الله ص في يوم المباهلة و هو الذي لم يكن أبو بكر و عمر ينفذان حكما حتى يسألانه عنه فما رأى إنفاذه أنفذاه و ما لم يره رداه و هو دخل من بني هاشم في الشورى و لعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنه ع كما دفع العباس رضوان الله عليه و وجدوا إلى ذلك سبيلا لدفعوه فأما تقديمكم العباس عليه فإن الله تعالى يقول أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ و الله لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب و الفضائل و الآي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل واحد من رجالكم أو غيره لكان مستأهلا متأهلا للخلافة مقدما على أصحاب رسول الله بتلك الخلة ثم لم يزل الأمور تتراقى به إلى أن ولي أمور المسلمين فلم يعن بأحد من بني هاشم إلا بعبد الله بن عباس تعظيما لحقه و صلة لرحمه و ثقة به فكان من أمره الذي يغفر الله له ثم نحن و هم يد واحدة كما زعمتم حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا فأخفناهم و ضيقنا عليهم و قتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم ويحكم إن بني أمية إنما قتلوا منهم من سل سيفا و إنا معشر بني العباس قتلناهم جملا فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت و لتسألن نفوس ألقيت في دجلة و الفرات و نفوس دفنت ببغداد و الكوفة أحياء هيهات إنه من يعمل مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و أما ما وصفتم في أمر المخلوع و ما كان فيه من لبس فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم إذ هويتم عليه النكث و زينتم له الغدر و قلتم له ما عسى أن يكون من أمر أخيك و هو رجل مغرب و معك الأموال و الرجال نبعث إليه فيؤتى به فكذبتم و دبرتم و نسيتم قول الله تعالى وَ مَنْ... بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ و أما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا ع فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا و لا أظهر عفة و لا أورع ورعا و لا أزهد زهدا في الدنيا و لا أطلق نفسا و لا أرضى في الخاصة و العامة و لا أشد في ذات الله منه و إن البيعة له لموافقة رضا الرب عز و جل و لقد جهدت و ما أجد في الله لومة لائم و لعمري أن لو كانت بيعتي بيعة محاباة لكان العباس ابني و سائر ولدي أحب إلى قلبي و أجلى في عيني و لكن أردت أمرا و أراد الله أمرا فلم يسبق أمري أمر الله و أما ما ذكرتم مما مسكم من الجفاء في ولايتي فلعمري ما كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم عليه و ممايلتكم إياه فلما قتلته و تفرقتم عباديد فطورا أتباعا لابن أبي خالد و طورا أتباعا لأعرابي و طورا أتباعا لابن شكلة ثم لكل من سل سيفا علي و لو لا أن شيمتي العفو و طبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحدا فكلكم حلال الدم محل بنفسه و أما ما سألتم من البيعة للعباس ابني أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ويلكم إن العباس غلام حدث السن و لم يؤنس رشده و لم يمهل وحده و لم تحكمه التجارب تدبره النساء و تكفله الإماء ثم لم يتفقه في الدين و لم يعرف

 حلالا من حرام إلا معرفة لا تأتي به رعية و لا تقوم به حجة و لو كان مستأهلا قد أحكمته التجارب و تفقه في الدين و بلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا و صرف النفس عنها ما كان له عندي في الخلافة إلا ما كان لرجل من عك و حمير فلا تكثروا في هذا المقال فإن لساني لم يزل مخزونا عن أمور و أنباء كراهية أن تخنث النفوس عند ما تنكشف علما بأن الله بالغ أمره و مظهر قضاه يوما فإذا أبيتم إلا كشف الغطاء و قشر العظاء فالرشيد أخبرني عن آبائه و عما وجد في كتاب الدولة و غيرها أن السابع من ولد العباس لا تقوم لبني العباس بعده قائمة و لا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته فإذا أودعت فودعها فإذا أودع فودعاها و إذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلا و هيهات ما لكم إلا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر فيحصدكم حصدا أو السفياني المرغم و القائم المهدي يحقن دماءكم إلا بحقها و أما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق منه لها في نفسه و اختيار مني له فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم و الذائد عنكم باستدامة المودة بيننا و بينهم و هي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب و مواساتهم في الفي‏ء بيسير ما يصيبهم منه و إن تزعموا أني أردت أن يئول إليهم عاقبة و منفعة فإني في تدبيركم و النظر لكم و لعقبكم و أبنائكم من بعدكم و أنتم ساهون لاهون تائهون في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم و ما أظللتم عليه من النقمة و ابتزاز النعمة همة أحدكم أن يمسي مركوبا و يصبح مخمورا تباهون بالمعاصي و تبتهجون بها و آلهتكم البرابط مخنثون مؤنثون لا يتفكر متفكر منكم في إصلاح معيشة و لا استدامة نعمة و لا اصطناع مكرمة و لا كسب حسنة يمد بها عنقه يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أضعتم الصلاة و اتبعتم الشهوات و أكببتم على اللذات عن النغمات فسوف تلقون غيا و ايم الله لربما أفكر في أمركم فلا أجد أمة من الأمم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلة من الخلال إلا أصيب تلك الخلة بعينها فيكم مع خلال كثيرة لم أكن أظن أن إبليس اهتدى إليها و لا أمر بالعمل عليها و قد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح أنه كان فيهم تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ فأيكم ليس معه تسعة و تسعون من المفسدين في الأرض قد اتخذتموهم شعارا و دثارا استخفافا بالمعاد و قلة يقين بالحساب و أيكم له رأي يتبع أو روية تنفر فشاهت الوجوه و عفرت الخدود و أما ما ذكرتم من العثرة كانت في أبي الحسن ع نور الله وجهه فلعمري إنها عندي للنهضة و الاستقلال الذي أرجو به قطع الصراط و الأمن و النجاة من الخوف يوم الفزع الأكبر و لا أظن عملت عملا هو عندي أفضل من ذلك إلا أن أعود بمثلها إلى مثله و أين لي بذلك و أنى لكم بتلك السعادة

 و أما قولكم إني سفهت آراء آبائكم و أحلام أسلافكم فكذلك قال مشركو قريش إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ويلكم إن الدين لا يؤخذ إلا من الأنبياء فافقهوا و ما أراكم تعقلون و أما تعييركم إياي بسياسة المجوس إياكم فما أذهبكم الأنفة من ذلك و لو ساستكم القردة و الخنازير ما أردتم إلا أمير المؤمنين و لعمري لقد كانوا مجوسا فأسلموا كآبائنا و أمهاتنا في القديم فهم المجوس الذين أسلموا و أنتم المسلمون الذين ارتدوا فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد فهم يتناهون عن المنكر و يأمرون بالمعروف و يتقربون من الخير و يتباعدون من الشر و يذبون عن حرم المسلمين يتباهجون بما نال الشرك و أهله من النكر و يتباشرون بما نال الإسلام و أهله من الخير منهم مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا و ليس منكم إلا لاعب بنفسه مأفون في عقله و تدبيره إما مغن أو ضارب دف أو زامر و الله لو أن بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا فقيل لهم لا تأنفوا في معايب تنالونهم بها لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعارا و دثارا و صناعة و أخلاقا ليس فيكم إلا من إذا مسه الشر جزع و إذا مسه الخير منع و لا تأنفون و لا ترجعون إلا خشية و كيف يأنف من يبيت مركوبا و يصبح بإثمه معجبا كأنه قد اكتسب حمدا غايته بطنه و فرجه لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل أو ملك مقرب أحب الناس إليه من زين له معصية أو أعانه في فاحشة تنظفه المخمورة و تربده المطمورة فشتت الأحوال فإن ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات و الفضائح و ما تهذرون به من عذاب ألسنتكم و إلا فدونكم تعلوا بالحديد و لا قوة إلا بالله و عليه توكلي و هو حسبي

 بيان المخض تحريك السقاء حتى يخرج منه الزبد و هو كناية عن مكرهم و سعيهم في استعلام ما في بطن المأمون و يقال فلان يراوض فلانا على أمر كذا أي يداريه ليداخله فيه و ساماه فاخره و باراه و المباراة المجاراة و المسابقة و فلان يباري فلانا أي يعارضه و يفعل مثل فعله قوله فلتسئلن إشارة إلى قوله تعالى وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ و أعظم الهاشمية أي عظام الفرقة الهاشمية بعد ما نشرت و المغرب بتشديد الراء المفتوحة و المكسورة البعيد و الضمير في قتلته راجع إلى المخلوع و العباديد الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه قوله محل بنفسه أي يحل للناس قتل نفسه أحكمت العقدة قويتها و شددتها قوله من عل هو بالفتح القراد المهزول و في أكثر النسخ بالكاف و العكة الإناء الذي يجعل فيه السمن و الحمير في بعض النسخ بالخاء المعجمة و هو الخبز البائت و الذي يجعل في العجين. قوله إن تخنث خنث كفرح تكسر و تثنى أي كراهية انكسار بعض النفوس و حزنها و في بعض النسخ بالحاء المهملة من الحنث بالكسر و هو الإثم و الخلف في اليمين و الميل من حق إلى باطل أي كراهية أن ينقض بعضهم عهدنا و بيعتنا و العظاء بالكسر و المد جمع العظاية و هي دويبة كسام أبرص قوله فإذا أودعت على بناء المجهول و الضمير راجع إلى الحياة أي إذا أودع السابع الحياة و فارقها فودع النعمة و الخطاب عام لكل منهم و قوله فإذا أودع أول كلام المأمون أي فأنا السابع و أمضي عن قريب فودعوا العافية. و الثائر من لا يبقى على شي‏ء حتى يدرك ثأره و البائر الهالك لأنه يقتل و يحتمل الباتر أي السيف القاطع و الأفن بالتحريك ضعف الرأي و قد أفن الرجل بالكسر و أفن فهو مأفون و أفين ذكره الجوهري و قال ربد بالمكان أقام به قال ابن الأعرابي ربده حبسه و المطمورة حفرة يطمر فيها الطعام أي يخبأ. أقول كان هذا الخبر في بعض نسخ الطرائف و لم يكن في أكثرها و كانت النسخ سقيمة