باب 16- الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال

1-  قال السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب الملهوف على أهل الطفوف و الشيخ ابن نما رحمه الله في مثير الأحزان و اللفظ للسيد إن عمر بن سعد بعث برأس الحسين عليه الصلاة و السلام في ذلك اليوم و هو يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد و أمر برءوس الباقين من أصحابه و أهل بيته فنظفت و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمرو بن الحجاج فأقبلوا بها حتى قدموا الكوفة و أقام بقية يومه و اليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين ع و حمل نساءه على أحلاس أقتاب بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الأعداء و هن ودائع خير الأنبياء و ساقوهن كما يساق سبي الترك و الروم في أسر المصائب و الهموم و لله در القائل

يصلى على المبعوث من آل هاشم و يغزى بنوه إن ذا لعجيب

قال و لما انفصل ابن سعد عن كربلاء خرج قوم من بني أسد فصلوا على تلك الحثث الطواهر المرملة بالدماء و دفنوها على ما هي الآن عليه

  و قال المفيد رحمه الله دفنوا الحسين صلوات الله عليه حيث قبره الآن و دفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجليه و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين ع و جمعوهم و دفنوهم جميعا معا و دفنوا العباس بن علي رضي الله عنه في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن

 و قال السيد رحمه الله و سار ابن سعد بالسبي المشار إليه فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن قال فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت من أي الأسارى أنتن فقلن نحن أسارى آل محمد فنزلت من سطحها و جمعت ملاء و أزرا و مقانع فأعطتهن فتغطين قال و كان مع النساء علي بن الحسين ع قد نهكته العلة و الحسن بن الحسن المثنى و كان قد واسى عمه و إمامه في الصبر على الرماح و إنما ارتث و قد أثخن بالجراح و كان معهم أيضا زيد و عمرو ولدا الحسن السبط ع فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون فقال علي بن الحسين ع أ تنوحون و تبكون من أجلنا فمن قتلنا قال بشير بن خزيم الأسدي و نظرت إلى زينب بنت علي ع يومئذ و لم أر و الله خفرة قط أنطق منها كأنما تفرع عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و قد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس و سكنت الأجراس ثم قالت الحمد لله و الصلاة على أبي محمد و آله الطيبين الأخيار أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل و الغدر أ تبكون فلا رقأت الدمعة و لا هدأت الرنة إنما مثلكم كمثل التي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ألا و هل فيكم إلا الصلف و النطف و ملق الإماء و غمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون أ تبكون و تنتحبون إي و الله فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها و شنآنها و لن ترحضوها بغسل بعدها أبدا و أنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء و سيد شباب أهل الجنة و ملاذ خيرتكم و مفزع نازلتكم و منار حجتكم و مدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون و بعدا لكم و سحقا فلقد خاب السعي و تبت الأيدي و خسرت الصفقة و بؤتم بغضب من الله و ضربت عليكم الذلة و المسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أي كبد لرسول الله فريتم و أي كريمة له أبرزتم و أي دم له سفكتم و أي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بهم صلعاء عنقاء سواء فقماء و في بعضها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض و ملاء السماء أ فعجبتم أن قطرت السماء دما و لعذاب الآخرة أخزى و أنتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا تحفزه البدار و لا يخاف فوت الثأر و إن ربكم لبالمرصاد قال فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون و قد وضعوا أيديهم في أفواههم و رأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته و هو يقول بأبي أنتم و أمي كهولكم خير الكهول و شبابكم خير الشباب و نساؤكم خير النساء و نسلكم خير نسل لا يخزى و لا يبزى

 و روى زيد بن موسى قال حدثني أبي عن جدي ع قال خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردت من كربلاء فقالت الحمد لله عدد الرمل و الحصى و زنة العرش إلى الثرى أحمده و أؤمن به و أتوكل عليه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله ص و أن ولده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل و لا ترات اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب و أن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب المسلوب حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله تعالى فيه معشر مسلمة بألسنتهم تعسا لرءوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته و لا عند مماته حتى قبضته إليك محمود النقيبة طيب العريكة معروف المناقب مشهور المذاهب لم يأخذه اللهم فيك لومة لائم و لا عذل عاذل هديته يا رب للإسلام صغيرا و حمدت مناقبه كبيرا و لم يزل ناصحا لك و لرسولك صلواتك عليه و آله حتى قبضته إليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك رضيته فاخترته و هديته إلى صراط مستقيم أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم و ابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا و جعل علمه عندنا و فهمه لدينا فنحن عيبة علمه و وعاء فهمه و حكمته و حجته في الأرض لبلاد و لعباده أكرمنا الله بكرامته و فضلنا بنبيه محمد ص على كثير ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا و كفرتمونا و رأيتم قتالنا حلالا و أموالنا نهبا كأنا أولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم قرت بذلك عيونكم و فرحت قلوبكم افتراء منكم على الله و مكرا مكرتم وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا و نالت أيديكم من أموالنا فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة و الرزايا العظيمة فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ تبا لكم فانتظروا اللعنة و العذاب و كان قد حل بكم و تواترت من السماء نقمات فَيُسْحِتَكُمْ بما كسبتم وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ويلكم أ تدرون أية يد طاعنتنا منكم و أية نفس نزعت إلى قتالنا أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا قست قلوبكم و غلظت أكبادكم و طبع على أفئدتكم و ختم على سمعكم و بصركم و سول لكم الشيطان و أملى لكم و جعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون تبا لكم يا أهل الكوفة أي ترات لرسول الله قبلكم و ذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب ع جدي و بنية عترة النبي الطاهرين الأخيار و افتخر بذلك مفتخر ]كم[ فقال

نحن قتلنا عليا و بني علي بسيوف هندية و رماح‏و سبينا نساءهم سبي ترك و نطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث و لك الأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله و طهرهم و أذهب عنهم الرجس فاكظم و أقع كما أقعى أبوك و إنما لكل امرئ ما قدمت يداه حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله عليكم

فما ذنبنا أن جاش دهرا بحورنا و بحرك ساج لا يواري الدعامصا

 ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ قال فارتفعت الأصوات بالبكاء و قالوا حسبك يا ابنة الطيبين فقد أحرقت قلوبنا و أنضجت نحورنا و أضرمت أجوافنا فسكتت عليها و على أبيها و جدتها السلام

 أقول ذكر في الإحتجاج هذه الخطبة بهذا الإسناد و لنرجع إلى كلام السيد رحمه الله

 قال و خطبت أم كلثوم بنت علي ع في ذلك اليوم من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و ورثتموه و سبيتم نساءه و نكبتموه فتبا لكم و سحقا ويلكم أ تدرون أي دواه دهتكم و أي وزر على ظهوركم حملتم و أي دماء سفكتموها و أي كريمة أصبتموها و أي صبية سلبتموها و أي أموال انتهبتموها قتلتم خير رجالات بعد النبي و نزعت الرحمة من قلوبكم ألا حزب الله هم الفائزون و حزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت

قتلتم أخي صبرا فويل لأمكم ستجزون نارا حرها يتوقدسفكتم دماء حرم الله سفكها و حرمها القرآن ثم محمدألا فأبشروا بالنار إنكم غدا لفي سقر حقا يقينا تخلدواو إني لأبكي في حياتي على أخي على خير من بعد النبي سيولدبدمع غزير مستهل مكفكف على الخد مني ذائبا ليس يجمد

قال فضج الناس بالبكاء و الحنين و النوح و نشر النساء شعورهن و وضعن التراب على رءوسهن و خمشن وجوههن و ضربن خدودهن و دعون بالويل و الثبور و بكى الرجال فلم ير باكية و باك أكثر من ذلك اليوم ثم إن زين العابدين ع أومأ إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا فقام قائما فحمد الله و أثنى عليه و ذكر النبي و صلى عليه ثم قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل و لا ترات أنا ابن من انتهك حريمه و سلب نعيمه و انتهب ماله و سبي عياله أنا ابن من قتل صبرا و كفى بذلك فخرا أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي و خدعتموه و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة و قاتلتموه و خذلتموه فتبا لما قدمتم لأنفسكم و سوءة لرأيكم بأية عين تنظرون إلى رسول الله ص إذ يقول لكم قتلتم عترتي و انتهكتم حرمتي فلستم من أمتي قال فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية و يقول بعضهم لبعض هلكتم و ما تعلمون فقال ع رحم الله امرأ قبل نصيحتي و حفظ وصيتي في الله و في رسوله و أهل بيته فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة فقالوا بأجمعهم نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك و لا راغبين عنك فمرنا بأمرك يرحمك الله فإنا حرب لحربك و سلم لسلمك لنأخذن يزيد و نبرأ ممن ظلمك و ظلمنا فقال ع هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم أ تريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل كلا و رب الراقصات فإن الجرح لما يندمل قتل أبي صلوات الله عليه بالأمس و أهل بيته معه و لم ينسني ثكل رسول الله و ثكل أبي و بني أبي و وجده بين لهاتي و مرارته بين حناجري و حلقي و غصصه يجري في فراش صدري و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لا علينا ثم قال

لا غرو إن قتل الحسين و شيخه قد كان خيرا من حسين و أكرمافلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي أصيب حسين كان ذلك أعظماقتيل بشط النهر و روحي فداؤه جزاء الذي أرداه نار جهنما

 أقول روي في الإحتجاج هكذا قال حذيم بن بشير خرج زين العابدين ع إلى الناس و أومأ إليهم أن اسكتوا فسكتوا إلى آخر الخبر

  قال السيد ثم قال ع رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا لا علينا

 أقول رأيت في بعض الكتب المعتبرة روي مرسلا عن مسلم الجصاص قال دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة فبينما أنا أجصص الأبواب و إذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة فأقبلت على خادم كان معنا فقلت ما لي أرى الكوفة تضج قال الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد فقلت من هذا الخارجي فقال الحسين بن علي ع قال فتركت الخادم حتى خرج و لطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن يذهب و غسلت يدي من الجص و خرجت من ظهر القصر و أتيت إلى الكناس فبينما أنا واقف و الناس يتوقعون وصول السبايا و الرءوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم و النساء و أولاد فاطمة ع و إذا بعلي بن الحسين ع على بعير بغير وطاء و أوداجه تشخب دما و هو مع ذلك يبكي و يقول

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم يا أمة لم تراع جدنا فينالو أننا و رسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولوناتسيرونا على الأقتاب عارية كأننا لم نشيد فيكم دينابني أمية ما هذا الوقوف على تلك المصائب لا تلبون داعيناتصفقون علينا كفكم فرحا و أنتم في فجاج الأرض تسبوناأ ليس جدي رسول الله ويلكم أهدى البرية من سبل المضلينايا وقعة الطف قد أورثتني حزنا و الله يهتك أستار المسيئينا

قال صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز فصاحت بهم أم كلثوم و قالت يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي به إلى الأرض قال كل ذلك و الناس يبكون على ما أصابهم ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل و قالت لهم صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم و تبكينا نساؤكم فالحاكم بيننا و بينكم الله يوم فصل القضاء فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت فإذا هم أتوا بالرءوس يقدمهم رأس الحسين ع و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله ص و لحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب و وجهه دارة قمر طالع و الرمح تلعب بها يمينا و شمالا فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و أومأت إليه بخرقة و جعلت تقول

يا هلالا لما استتم كمالا غاله خسفه فأبدا غروباما توهمت يا شقيق فؤادي كان هذا مقدرا مكتوبايا أخي فاطم الصغيرة كلمها فقد كاد قلبها أن يذوبايا أخي قلبك الشفيق علينا ما له قد قسى و صار صليبايا أخي لو ترى عليا لدى الأسر مع اليتم لا يطيق وجوباكلما أوجعوه بالضرب ناداك بذل يغيض دمعا سكوبايا أخي ضمه إليك و قربه و سكن فؤاده المرعوباما أذل اليتيم حين ينادي بأبيه و لا يراه مجيبا

 ثم قال السيد ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس و أذن إذنا عاما و جي‏ء برأس الحسين ع فوضع بين يديه و أدخل نساء الحسين و صبيانه إليه فجلست زينب بنت علي ع متنكرة فسأله عنها فقيل هذه زينب بنت علي فأقبل عليها فقالت الحمد لله الذي فضحكم و أكذب أحدوثتكم فقالت إنما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأخيك و أهل بيتك فقالت ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة قال فغضب و كأنه هم بها فقال له عمرو بن حريث إنها امرأة و المرأة لا تؤاخذ بشي‏ء من منطقها فقال له ابن زياد لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين و العصاة المردة من أهل بيتك فقالت لعمري لقد قتلت كهلي و قطعت فرعي و اجتثثت أصلي فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة و لعمري لقد كان أبوك سجاعا شاعرا فقالت يا ابن زياد ما للمرأة و السجاعة

 و قال ابن نما و إن لي عن السجاعة لشغلا و إني لأعجب ممن يشتفي بقتل أئمته و يعلم أنهم منتقمون منه في آخرته

 و قال المفيد رحمه الله فوضع الرأس بين يديه ينظر إليه و يتبسم و بيده قضيب يضرب به ثناياه و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ص و هو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله ص عليهما ما لا أحصيه يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك أ تبكي لفتح الله و الله لو لا أنك شيخ كبير قد خرقت و ذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه و صار إلى منزله

  و قال محمد بن أبي طالب ثم رفع زيد صوته يبكي و خرج و هو يقول ملك عبد حرا أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة و أمرتم ابن مرجانة حتى يقتل خياركم و يستعبد أشراركم رضيتم بالذل فبعدا لمن رضي

 و قال المفيد فأدخل عيال الحسين بن علي صلوات الله عليهما على ابن زياد فدخلت زينب أخت الحسين ع في جملتهم متنكرة و عليها أرذل ثيابها و مضت حتى جلست ناحية و حفت بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه التي انحازت فجلست ناحية و معها نساؤها فلم تجبه زينب فأعاد القول ثانية و ثالثة يسأل عنها فقالت له بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله ص فأقبل عليها ابن زياد و قال الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحدوثتكم فقالت زينب الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد ص و طهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق إلى آخر ما مر

 و قال السيد و ابن نما ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين فقال من هذا فقيل علي بن الحسين فقال أ ليس قد قتل الله علي بن الحسين فقال علي قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتله الناس فقال بل الله قتله فقال علي اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فقال ابن زياد و لك جرأة على جوابي اذهبوا به فاضربوا عنقه فسمعت عمته زينب فقالت يا ابن زياد إنك لم تبق منا أحدا فإن عزمت على قتله فاقتلني معه

 و قال المفيد و ابن نما فتعلقت به زينب عمته و قالت يا ابن زياد حسبك من دمائنا و اعتنقته و قالت و الله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليها و إليه ساعة ثم قال عجبا للرحم و الله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه دعوه فإني أراه لما به

 و قال السيد فقال علي لعمته اسكتي يا عمة حتى أكلمه ثم أقبل ع فقال أ بالقتل تهددني يا ابن زياد أ ما علمت أن القتل لنا عادة و كرامتنا الشهادة ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين ع و أهله فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت علي لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد أو مملوكة فإنهن سبين و قد سبينا

 و قال ابن نما رويت أن أنس بن مالك قال شهدت عبيد الله بن زياد و هو ينكت بقضيب على أسنان الحسين و يقول إنه كان حسن الثغر فقلت أم و الله لأسوأنك لقد رأيت رسول الله ص يقبل موضع قضيبك من فيه

 و عن سعيد بن معاذ و عمرو بن سهل أنهما حضرا عبيد الله يضرب بقضيبه أنف الحسين و عينيه و يطعن في فمه فقال زيد بن أرقم ارفع قضيبك إني رأيت رسول الله واضعا شفتيه على موضع قضيبك ثم انتحب باكيا فقال له أبكى الله عينيك عدو الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك فقال زيد لأحدثنك حديثا هو أغلظ عليك من هذا رأيت رسول الله ص أقعد حسنا على فخذه اليمنى و حسينا على فخذه اليسرى فوضع يده على يافوخ كل واحد منهما و قال اللهم إني أستودعك إياهما و صالح المؤمنين فكيف كان وديعتك لرسول الله ص

 و قال و لما اجتمع عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد بعد قتل الحسين ع قال عبيد الله لعمر ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في معنى قتل الحسين ع و مناجزته فقال ضاع فقال لتجيئنني به أ تراك معتذرا في عجائز قريش قال عمر و الله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو استشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله صدق و الله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة و أن حسينا لم يقتل قال عمر بن سعد و الله ما رجع أحد بشر مما رجعت أطعت عبيد الله و عصيت الله و قطعت الرحم

  و قال السيد ثم أمر ابن زياد برأس الحسين ع فطيف به في سكك الكوفة و يحق لي أن أتمثل هاهنا بأبيات لبعض ذوي العقول يرثي بها قتيلا من آل الرسول ص فقال

رأس ابن بنت محمد و وصيه للناظرين على قناة يرفع‏و المسلمون بمنظر و بمسمع لا منكر منهم و لا متفجع‏كحلت بمنظرك العيون عماية و أصم رزؤك كل أذن تسمع‏ما روضة إلا تمنت أنها لك حفرة و لخط قبرك مضجع‏أيقظت أجفانا و كنت لها كرى و أنمت عينا لم يكن بك تهجع

 قال ثم إن ابن زياد صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و قال في بعض كلامه الحمد لله الذي أظهر الحق و أهله و نصر أمير المؤمنين و أشياعه و قتل الكذاب بن الكذاب فما زاد على هذا الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي و كان من خيار الشيعة و زهادها و كانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل و الأخرى في يوم صفين و كان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه إلى الليل فقال يا ابن مرجانة إن الكذاب بن الكذاب أنت و أبوك و من استعملك و أبوه يا عدو الله أ تقتلون أبناء النبيين و تتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين قال فغضب ابن زياد ثم قال من هذا المتكلم فقال أنا المتكلم يا عدو الله تقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنهم الرجس و تزعم أنك على دين الإسلام وا غوثاه أين أولاد المهاجرين و الأنصار لا ينتقمون من طاغيتك اللعين بن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين قال فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه و قال علي به فبادر إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه فقامت الأشراف من الأزد من بني عمه فخلصوه من أيدي الجلاوزة و أخرجوه من باب المسجد و انطلقوا به إلى منزله فقال ابن زياد اذهبوا إلى هذا الأعمى أعمى الأزد أعمى الله قلبه كما أعمى عينه فأتوني به فانطلقوا فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا و اجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم قال و بلغ ذلك إلى ابن زياد فجمع قبائل مضر و ضمهم إلى محمد بن الأشعث و أمرهم بقتال القوم قال فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل بينهم جماعة من العرب قال و وصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب و اقتحموا عليه فصاحت ابنته أتاك القوم من حيث تحذر فقال لا عليك ناوليني سيفي فناولته إياه فجعل يذب عن نفسه و يقول

أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخي و ابن أم عامركم دارع من جمعكم و حاسر و بطل جدلته مغادر

قال و جعلت ابنته تقول يا أبت ليتني كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة قال و جعل القوم يدورون عليه من كل جهة و هو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد و كلما جاءوا من جهة قالت يا أبة قد جاءوك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه و أحاطوا به فقالت بنته وا ذلاه يحاط بأبي و ليس له ناصر يستعين به فجعل يدير سيفه و يقول

أقسم لو يفسح لي عن بصري ضاق عليكم موردي و مصدري

قال فما زالوا به حتى أخذوه ثم حمل فأدخل على ابن زياد فلما رآه قال الحمد لله الذي أخزاك فقال له عبد الله بن عفيف يا عدو الله و بما ذا أخزاني الله

و الله لو فرج لي عن بصري ضاق عليك موردي و مصدري

فقال ابن زياد يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان فقال يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة و شتمه ما أنت و عثمان إن أساء أم أحسن و أصلح أم أفسد و الله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم و بين عثمان بالعدل و الحق و لكن سلني عن أبيك و عنك و عن يزيد و أبيه فقال ابن زياد و الله لا سألتك عن شي‏ء أو تذوق الموت فقال عبد الله بن عفيف الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمك و سألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه و أبغضهم إليه فلما كف بصري يئست من الشهادة و الآن الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها و عرفني الإجابة منه في قديم دعائي فقال ابن زياد اضربوا عنقه فضربت عنقه و صلب في السبخة

 و قال المفيد فلما أخذته الجلاوزة نادى شعار الأزد فاجتمع منهم سبعمائة فانتزعوه من الجلاوزة فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه و صلبه في السبخة رحمه الله

 و قال ابن نما ثم دعا جندب بن عبد الله الأزدي و كان شيخا فقال يا عدو الله أ لست صاحب أبي تراب قال بلى لا أعتذر منه قال ما أراني إلا متقربا إلى الله بدمك قال إذن لا يقربك الله منه بل يباعدك قال شيخ قد ذهب عقله و خلى سبيله

 ثم قال المفيد و لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين ع فدير به في سكك الكوفة و قبائلها فروي عن زيد بن أرقم أنه مر به علي و هو على رمح و أنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فقف و الله شعري علي و ناديت رأسك يا ابن رسول الله أعجب و أعجب

 و قال السيد و كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين و خبر أهل بيته و كتب أيضا إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك

 و قال المفيد و لما أنفذ إلى ابن زياد برأس الحسين ع إلى يزيد تقدم إلى عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشره بقتل الحسين ع قال عبد الملك فركبت راحلتي و سرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش فقال ما الخبر فقلت الخبر عند الأمير تسمعه  إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ قتل و الله الحسين فلما دخلت على عمرو بن سعيد قال ما وراك فقلت ما سر الأمير قتل الحسين بن علي فقال اخرج فناد بقتله فناديت فلم أسمع و الله واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله ثم دخلت على عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم إلي ضاحكا ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معديكرب

عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

ثم قال عمرو هذه واعية بواعية عثمان ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين ع و دعا ليزيد و نزل

 و قال صاحب المناقب قال في خطبته إنها لدمة بلدمة و صدمة بصدمة كم خطبة بعد خطبة و موعظة بعد موعظة حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ و الله لوددت أن رأسه في بدنه و روحه في جسده أحيانا كان يسبنا و نمدحه و يقطعنا و نصله كعادتنا و عادته و لم يكن من أمره ما كان و لكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا فقام عبد الله بن السائب فقال لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين لبكت عليه فجبهه عمرو بن سعيد و قال نحن أحق بفاطمة منك أبوها عمنا و زوجها أخونا و ابنها ابننا لو كانت فاطمة حية لبكت عينها و حرت كبدها و ما لامت من قتله و دفعه عن نفسه

 ثم قال المفيد فدخل موالي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فنعى إليه ابنيه فاسترجع فقال أبو السلاسل مولى عبد الله هذا ما لقينا من الحسين بن علي فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال يا ابن اللخناء أ للحسين تقول هذا و الله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه و الله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما و يعزي عن المصاب بهما إنهما أصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له صابرين معه ثم أقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز علي مصرع الحسين أن لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي فخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين ع حاسرة و معها أخواتها أم هانئ و أسماء و رملة و زينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف و هي تقول

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم ما ذا فعلتم و أنتم آخر الأمم‏بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى و قتلى ضرجوا بدم‏ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فلما كان الليل في ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين ع بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته و لا يرون شخصه

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل‏كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و مرسل و قبيل‏قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و صاحب الإنجيل

 و قال ابن نما و روي أن يزيد بن معاوية لعنهما الله بعث بمقتل الحسين ع إلى المدينة محرز بن حريث بن مسعود الكلبي من بني عدي بن حباب و رجلا من يهرا و كانا من أفاضل أهل الشام فلما قدما خرجت امرأة من بنات عبد المطلب قيل هي زينب بنت عقيل ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تتلقاهم و هي تبكي

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم

 إلى آخر الأبيات  و قال شهر بن حوشب بينما أنا عند أم سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ و قالت قتل الحسين قالت أم سلمة فعلوها ملأ الله قبورهم نارا

 و نقلت من تاريخ البلاذري أنه لما وافى رأس الحسين المدينة سمعت الواعية من كل جانب فقال مروان بن الحكم

ضربت دوسر فيهم ضربة أثبتت أوتاد ملك فاستقر

ثم أخذ ينكت وجهه بقضيب و يقول

يا حبذا بردك في اليدين و لونك الأحمر في الخدين‏كأنه بات بمجسدين شفيت منك النفس يا حسين

 و مما انفرد به النطنزي في الخصائص عن أبي ربيعة عن أبي قبيل قيل سمع في الهواء بالمدينة قائل

يا من يقول بفضل آل محمد بلغ رسالتنا بغير تواني‏قتلت شرار بني أمية سيدا خير البرية ماجدا ذا شأن‏ابن المفضل في السماء و أرضها سبط النبي و هادم الأوثان‏بكت المشارق و المغارب بعد ما بكت الأنام له بكل لسان

 ثم قال السيد رحمه الله و أما يزيد بن معاوية فإنه لما وصل كتاب عبيد الله و وقف عليه أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين ع و رءوس من قتل معه و حمل أثقاله و نسائه و عياله فاستدعى ابن زياد بمخفر بن ثعلبة العائذي فسلم إليه الرءوس و النساء فسار بهم إلى الشام كما يسار سبايا الكفار يتصفح وجوههن أهل الأقطار

 و قال المفيد رحمه الله دفع ابن زياد لعنه الله رأس الحسين صلوات الله عليه إلى زحر بن قيس و دفع إليه رءوس أصحابه و سرحه إلى يزيد بن معاوية و أنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي و طارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة حتى وردوا بها على يزيد بدمشق

 و قال صاحب المناقب روى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن ابن لهيعة عن ابن أبي قبيل قال لما قتل الحسين بن علي ع بعث برأسه إلى يزيد فنزلوا في أول مرحلة فجعلوا يشربون و يتبجحون بالرأس فيما بينهم فخرجت عليهم كف من الحائط معها قلم من حديد فكتبت أسطرا بدم

أ ترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب

 و قال صاحب الكامل و صاحب المناقب و ابن نما ذكر أبو مخنف أن عمر بن سعد لما دفع الرأس إلى خولي الأصبحي لعنهما الله ليحمله إلى ابن زياد عليه اللعنة أقبل به خولي ليلا فوجد باب القصر مغلقا فأتى به منزله و له امرأتان امرأة من بني أسد و أخرى حضرمية يقال لها النوار فأوى إلى فراشها فقالت له ما الخبر فقال جئتك بالذهب هذا رأس الحسين معك في الدار فقالت ويلك جاء الناس بالذهب و الفضة و جئت برأس ابن رسول الله ص و الله لا يجمع رأسي و رأسك وسادة أبدا قالت فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار و دعا الأسدية فأدخلها عليه فما زالت و الله أنظر إلى نور مثل العمود يسطع من الإجانة التي فيها رأس الحسين ع إلى السماء و رأيت طيورا بيضا ترفرف حولها و حول الرأس

 و قال صاحب المناقب و السيد و اللفظ لصاحب المناقب روى ابن لهيعة و غيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة قال كنت أطوف بالبيت فإذا أنا برجل يقول اللهم اغفر لي و ما أراك فاعلا فقلت له يا عبد الله اتق الله و لا تقل مثل هذا فإن ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار و ورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك فإنه غفور رحيم قال فقال لي تعال حتى أخبرك بقصتي فأتيته فقال اعلم أننا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين إلى الشام و كنا إذا أمسينا وضعنا الرأس في التابوت و شربنا الخمر حول التابوت فشرب أصحابي ليلة حتى سكروا و لم أشرب معهم فلما جن الليل سمعت رعدا و رأيت برقا فإذا أبواب السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبينا محمد ص و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمه إلى نفسه و قبله ثم كذلك فعل الأنبياء كلهم و بكى النبي ص على رأس الحسين فعزاه الأنبياء فقال له جبرئيل يا محمد إن الله تعالى أمرني أن أطيعك في أمتك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط فقال النبي ص لا يا جبرئيل فإن لهم معي موقفا بين يدي الله يوم القيامة قال ثم صلوا عليه ثم أتى قوم من الملائكة و قالوا إن الله تبارك و تعالى أمرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبي شأنكم بهم فجعلوا يضربون بالحربات ثم قصدني واحد منهم بحربته ليضربني فقلت الأمان الأمان يا رسول الله فقال اذهب فلا غفر الله لك فلما أصبحت رأيت أصحابي كلهم جاثمين رمادا

 ثم قال صاحب المناقب و بإسنادي إلى أبي عبد الله الحدادي عن أبي جعفر الهندواني بإسناده في هذا الحديث فيه زيادة عند قوله ليحمله إلى يزيد قال كل من قتله جفت يده و فيه إذ سمعت صوت برق لم أسمع مثله فقيل قد أقبل محمد ص فسمعت صهيل الخيل و قعقعة السلاح مع جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و الكروبيين و الروحانيين و المقربين ع و فيه فشكا النبي ص إلى الملائكة و النبيين و قال قتلوا ولدي و قرة عيني و كلهم قبل الرأس و ضمه إلى صدره و الباقي يقرب بعضها من بعض

 أقول و في بعض الكتب أنهم لما قربوا من بعلبك كتبوا إلى صاحبها فأمر بالرايات فنشرت و خرج الصبيان يتلقونهم على نحو من ستة أميال فقالت أم كلثوم أباد الله كثرتكم و سلط عليكم من يقتلكم ثم بكى علي بن الحسين ع و قال

و هو الزمان فلا تفنى عجائبه من الكرام و ما تهدى مصائبه‏فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا فنونه و ترانا لم نجاذبه‏يسري بنا فوق أقتاب بلا وطأ و سابق العيس يحمي عنه غاربه‏كأننا من أسارى الروم بينهم كأن ما قاله المختار كاذبةكفرتم برسول الله ويحكم فكنتم مثل من ضلت مذاهبه

 ثم قال السيد ره و سار القوم برأس الحسين ع و نسائه و الأسرى من رجاله فلما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر و كان في جملتهم فقالت لي إليك حاجة فقال ما حاجتك فقالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة و تقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرءوس من بين المحامل و ينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا و نحن في هذه الحال فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرءوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه و كفرا و سلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي

 و روى صاحب المناقب بإسناده عن زيد عن آبائه أن سهل بن سعد قال خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور و الحجب و الديباج و هم فرحون مستبشرون و عندهم نساء يلعبن بالدفوف و الطبول فقلت في نفسي لا نرى لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن فرأيت قوما يتحدثون فقلت يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن قالوا يا شيخ نراك أعرابيا فقلت أنا سهل بن سعد قد رأيت محمدا ص قالوا يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما و الأرض لا تنخسف بأهلها قلت و لم ذاك قالوا هذا رأس الحسين ع عترة محمد ص يهدى من أرض العراق فقلت وا عجباه يهدى رأس الحسين و الناس يفرحون قلت من أي باب يدخل فأشاروا إلى باب يقال له باب ساعات قال فبينا أنا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله ص فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من أولاهم فقلت يا جارية من أنت فقالت أنا سكينة بنت الحسين فقلت لها أ لك حاجة إلي فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك و سمعت حديثه قالت يا سعد قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول الله ص قال سهل فدنوت من صاحب الرأس فقلت له هل لك أن تقضي حاجتي و تأخذ مني أربعمائة دينار قال ما هي قلت تقدم الرأس أمام الحرم ففعل ذلك فدفعت إليه ما وعدته و وضع الرأس في حقة و دخلوا على يزيد فدخلت معهم و كان يزيد جالسا على السرير و على رأسه تاج مكلل بالدر و الياقوت و حوله كثير من مشايخ قريش فلما دخل صاحب الرأس و هو يقول

أوقر ركابي فضة و ذهبا أنا قتلت السيد المحجباقتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون النسبا

قال لو علمت أنه خير الناس لم قتلته قال رجوت الجائزة منك فأمر بضرب عنقه فجز رأسه و وضع رأس الحسين ع على طبق من ذهب و هو يقول كيف رأيت يا حسين

 ثم قال السيد فروي أن بعض فضلاء التابعين لما شهد برأس الحسين بالشام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك فقال أ لا ترون ما نزل بنا ثم أنشأ يقول 

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد قتلوا جهارا عامدين رسولاقتلوك عطشانا و لما يرقبوا في قتلك التأويل و التنزيلاو يكبرون بأن قتلت و إنما قتلوا بك التكبير و التهليلا

 قال و جاء شيخ فدنا من نساء الحسين و عياله و هم أقيموا على درج باب المسجد فقال الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم و أراح البلاد من رجالكم و أمكن أمير المؤمنين منكم فقال له علي بن الحسين يا شيخ هل قرأت القرآن قال نعم قال فهل عرفت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال الشيخ قد قرأت ذلك فقال له علي فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت هذه الآية وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى قال نعم قال علي فنحن القربى يا شيخ و هل قرأت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال الشيخ قد قرأت ذلك قال علي فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ قال فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به و قال بالله إنكم هم فقال علي بن الحسين تالله إنا لنحن هم من غير شك و حق جدنا رسول الله إنا لنحن هم فبكى الشيخ و رمى عمامته و رفع رأسه إلى السماء و قال اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن و إنس ثم قال هل لي من توبة فقال له نعم إن تبت تاب الله عليك و أنت معنا فقال أنا تائب فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل

 و قال المفيد و ابن نما روى عبد الله بن ربيعة الحميري قال إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه فقال له يزيد ويلك ما وراك و ما عندك قال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله و نصره ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر و يلوذون منا بالآكام و الحفر لواذا كما لاذ الحمام من الصقر فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة و ثيابهم مرملة و خدودهم معفرة تصهرهم الشمس و تسفي عليهم الريح زوارهم الرخم و العقبان فأطرق يزيد هنيئة ثم رفع رأسه و قال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو كنت صاحبه لعفوت عنه ثم إن عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين ع أمر فتيانه و صبيانه و نساءه فجهزوا و أمر بعلي بن الحسين فغل بغل في عنقه ثم سرح بهم في أثر الرءوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس و لم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا من القوم في الطريق كلمة واحدة حتى بلغوا فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع مخفر بن ثعلبة صوته فقال هذا مخفر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين بالفجرة اللئام فأجاب علي بن الحسين ما ولدت أم مخفر أشر و ألأم و زاد في المناقب و لكن قبح الله ابن مرجانة

 قال في المناقب و كان عبد الرحمن بن الحكم قاعدا في مجلس يزيد فقال

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل‏سمية أمسى نسلها عدد الحصا و بنت رسول الله ليست بذي نسل

 قال يزيد نعم فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم على مثل الحسين بن فاطمة لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلا أعطيته إياها و لدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت و لو بهلاك بعض ولدي و لكن قضى الله أمرا فلم يكن له مرد

 و في رواية أن يزيد أسر إلى عبد الرحمن و قال سبحان الله أ في هذا الموضع أ ما يسعك السكوت

 و قال المفيد و لما وضعت الرءوس بين يدي يزيد و فيها رأس الحسين ع قال يزيد

نفلق هاما من أناس أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما

فقال يحيى بن الحكم ما مر ذكره فضرب يزيد على صدر يحيى يده و قال اسكت ثم أقبل على أهل مجلسه فقال إن هذا كان يفخر علي و يقول أبي خير من أب يزيد و أمي خير من أمه و جدي خير من جده و أنا خير منه فهذا الذي قتله فأما قوله بأن أبي خير من أب يزيد فلقد حاج أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه و أما قوله بأن أمي خير من أم يزيد فلعمري لقد صدق إن فاطمة بنت رسول الله خير من أمي و أما قوله جدي خير من جده فليس لأحد يؤمن بالله و اليوم الآخر يقول بأنه خير من محمد و أما قوله بأنه خير مني فلعله لم يقرأ هذه الآية قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ

 و قال ابن نما نقلت من تاريخ دمشق عن ربيعة بن عمرو الجرشي قال أنا عند يزيد إذ سمعت صوت مخفر يقول هذا مخفر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة فأجابه يزيد ما ولدت أم مخفر أشر و ألأم

 و قال السيد ثم أدخل ثقل الحسين ع و نساؤه و من تخلف من أهله على يزيد و هم مقرنون في الحبال فلما وقفوا بين يديه و هم على تلك الحال قال له علي بن الحسين أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الحالة فأمر يزيد بالحبال فقطعت ثم وضع رأس الحسين ع بين يديه و أجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه فرآه علي بن الحسين فلم يأكل الرءوس بعد ذلك أبدا

 و قال ابن نما قال علي بن الحسين ع أدخلنا على يزيد و نحن اثنا عشر رجلا مغللون فلما وقفنا بين يديه قلت أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الحال و قالت فاطمة بنت الحسين يا يزيد بنات رسول الله سبايا فبكى الناس و بكى أهل داره حتى علت الأصوات فقال علي بن الحسين فقلت و أنا مغلول أ تأذن لي في الكلام فقال قل و لا تقل هجرا فقال لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر ما ظنك برسول الله لو رآني في الغل فقال لمن حوله حلوه

 حدث عبد الملك بن مروان لما أتي يزيد برأس الحسين ع قال لو كان بينك و بين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سألت ثم أنشد يزيد

نفلق هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلما

قال علي بن الحسين ع ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ثم قالوا و أما زينب فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين تفزع القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة و منى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى قال فأبكت و الله كل من كان في المجلس و يزيد ساكت ثم جعلت امرأة من بني هاشم في دار يزيد تندب على الحسين ع و تنادي وا حبيباه يا سيد أهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع الأرامل و اليتامى يا قتيل أولاد الأدعياء قال فأبكت كل من سمعها ثم دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين ع فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي و قال ويحك يا يزيد أ تنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما و لعنه و أعد له جهنم وَ ساءَتْ مَصِيراً قال فغضب يزيد و أمر بإخراجه فأخرج سحبا قال فجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعري شعر

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل‏فأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل

 أقول و زاد محمد بن أبي طالب

لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

 و في المناقب

لست من عتبة إن لم أنتقم

 قال السيد و غيره فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب ع فقالت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلى الله على رسوله و آله أجمعين صدق الله كذلك يقول ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ أ ظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا و بك عليه كرامة و أن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك و نظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الأمور متسقة و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا مهلا مهلا أ نسيت قول الله تعالى وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أ من العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك و سوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن و أبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد و يستشرفهن أهل المناهل و المناقل و يتصفح وجوههن القريب و البعيد و الدني و الشريف ليس معهن من رجالهن ولي و لا من حماتهن حمي و كيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء و نبت لحمه بدماء الشهداء و كيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن و الإحن و الأضغان ثم تقول غير متأثم و لا مستعظم

و أهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منتحيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك و كيف لا تقول ذلك و قد نكأت القرحة و استأصلت الشافة بإراقتك دماء ذرية محمد ص و نجوم الأرض من آل عبد المطلب و تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم و لتودن أنك شللت و بكمت و لم يكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت اللهم خذ بحقنا و انتقم من ظالمنا و أحلل غضبك بمن سفك دماءنا و قتل حماتنا فو الله ما فريت إلا جلدك و لا جززت إلا لحمك و لتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته و انتهكت من حرمته في عترته و لحمته حيث يجمع الله شملهم و يلم شعثهم و يأخذ بحقهم وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ حسبك بالله حاكما و بمحمد خصيما و بجبرئيل ظهيرا و سيعلم من سوى لك و مكنك من رقاب المسلمين بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا و أيكم شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك و أستعظم تقريعك و أستكبر توبيخك لكن العيون عبرى و الصدور حرى ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الأيدي تنطف من دمائنا و الأفواه تتحلب من لحومنا و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل و تعفوها أمهات الفراعل و لئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما قدمت وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فإلى الله المشتكى و عليه المعول فكد كيدك و اسع سعيك و ناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا و لا تميت وحينا و لا تدرك أمدنا و لا ترحض عنك عارها و هل رأيك إلا فند و أيامك إلا عدد و جمعك إلا بدد يوم يناد المناد أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة و لآخرنا بالشهادة و الرحمة و نسأل الله أن يكمل لهم الثواب و يوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود و حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فقال يزيد

يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون الموت على النوائح

قال ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم فقالوا لا تتخذ من كلب سوء جروا فقال له النعمان بن بشير انظر ما كان الرسول يصنعه بهم فاصنعه بهم

 و قال المفيد رحمه الله ثم قال لعلي بن الحسين يا ابن حسين أبوك قطع رحمي و جهل حقي و نازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت فقال علي بن الحسين ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فقال يزيد لابنه خالد اردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه فقال له يزيد قل ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ

 و قال صاحب المناقب بعد ذلك فقال علي بن الحسين يا ابن معاوية و هند و صخر لم تزل النبوة و الإمرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد و لقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر و أحد و الأحزاب في يده راية رسول الله ص و أبوك و جدك في أيديهما رايات الكفار ثم جعل علي بن الحسين ع يقول

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم ما ذا فعلتم و أنتم آخر الأمم‏بعترتي و بأهلي عند مفتقدي منهم أسارى و منهم ضرجوا بدم

ثم قال علي بن الحسين ويلك يا يزيد إنك لو تدري ما ذا صنعت و ما الذي ارتكبت من أبي و أهل بيتي و أخي و عمومتي إذا لهربت في الجبال و افترشت الرماد و دعوت بالويل و الثبور أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة و علي منصوبا على باب مدينتكم و هو وديعة رسول الله فيكم فأبشر بالخزي و الندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة

 و قال المفيد ثم دعا بالنساء و الصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم و بينه قرابة و رحم ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم على هذا فقالت فاطمة بنت الحسين و لما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية يعينني و كنت جارية وضيئة فأرعدت و ظننت أن ذلك جائز لهم فأخذت بثياب عمتي زينب و كانت تعلم أن ذلك لا يكون

 و في رواية السيد قلت أوتمت و أستخدم فقالت عمتي للشامي كذبت و الله و لو مت و الله ما ذلك لك و لا له فغضب يزيد و قال كذبت و الله إن ذلك لي و لو شئت أن أفعل لفعلت قالت كلا و الله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا و تدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا و قال إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك و أخوك قالت زينب بدين الله و دين أبي و دين أخي اهتديت أنت و أبوك و جدك إن كنت مسلما قال كذبت يا عدوة الله قالت له أنت أمير تشتم ظالما و تقهر لسلطانك فكأنه استحيا و سكت و عاد الشامي فقال هب لي هذه الجارية فقال له يزيد اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا

  و في بعض الكتب قالت أم كلثوم للشامي اسكت يا لكع الرجال قطع الله لسانك و أعمى عينيك و أيبس يديك و جعل النار مثواك إن أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء قال فو الله ما استتم كلامها حتى أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل فقالت الحمد لله الذي عجل لك العقوبة في الدنيا قبل الآخرة فهذا جزاء من يتعرض لحرم رسول الله ص

 و في رواية السيد رحمه الله فقال الشامي من هذه الجارية فقال يزيد هذه فاطمة بنت الحسين و تلك زينب بنت علي بن أبي طالب فقال الشامي الحسين بن فاطمة و علي بن أبي طالب قال نعم فقال الشامي لعنك الله يا يزيد تقتل عترة نبيك و تسبي ذريته و الله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم فقال يزيد و الله لألحقنك بهم ثم أمر به فضرب عنقه

 قال السيد و دعا يزيد الخاطب و أمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين و أباه صلوات الله عليهما فصعد و بالغ في ذم أمير المؤمنين و الحسين الشهيد صلوات الله عليهما و المدح لمعاوية و يزيد فصاح به علي بن الحسين ع ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار و لقد أحسن ابن سنان الخفاجي في وصف أمير المؤمنين ع بقوله

أعلى المنابر تعلنون بسبه و بسيفه نصبت لكم أعوادها

 و قال صاحب المناقب و غيره روي أن يزيد لعنه الله أمر بمنبر و خطيب ليخبر الناس بمساوي الحسين و علي ع و ما فعلا فصعد الخطيب المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم أكثر الوقيعة في علي و الحسين و أطنب في تقريظ معاوية و يزيد لعنهما الله فذكرهما بكل جميل قال فصاح به علي بن الحسين ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار ثم قال علي بن الحسين ع يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا و لهؤلاء الجلساء فيهن أجر و ثواب قال فأبى يزيد عليه ذلك فقال الناس يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا فقال إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان فقيل له يا أمير المؤمنين و ما قدر ما يحسن هذا فقال إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا قال فلم يزالوا به حتى أذن له فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم خطب خطبة أبكى منها العيون و أوجل منها القلوب ثم قال أيها الناس أعطينا ستا و فضلنا بسبع أعطينا العلم و الحلم و السماحة و الفصاحة و الشجاعة و المحبة في قلوب المؤمنين و فضلنا بأن منا النبي المختار محمدا و منا الصديق و منا الطيار و منا أسد الله و أسد رسوله و منا سبطا هذه الأمة من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي أيها الناس أنا ابن مكة و منى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من ائتزر و ارتدى أنا ابن خير من انتعل و احتفى أنا ابن خير من طاف و سعى أنا ابن خير من حج و لبى أنا ابن من حمل على البراق في الهواء أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى أنا ابن من دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أنا ابن من صلى بملائكة السماء أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علي المرتضى أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله سيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع البيعتين و قاتل ببدر و حنين و لم يكفر بالله طرفة عين أنا ابن صالح المؤمنين و وارث النبيين و قامع الملحدين و يعسوب المسلمين و نور المجاهدين و زين العابدين و تاج البكاءين و أصبر الصابرين و أفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين أنا ابن المؤيد بجبرئيل المنصور بميكائيل أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين و قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين و المجاهد أعداءه الناصبين و أفخر من مشى من قريش أجمعين و أول من أجاب و استجاب لله و لرسوله من المؤمنين و أول السابقين و قاصم المعتدين و مبيد المشركين و سهم من مرامي الله على المنافقين و لسان حكمة العابدين و ناصر دين الله و ولي أمر الله و بستان حكمة الله و عيبة علمه سمح سخي بهي بهلول زكي أبطحي رضي مقدام همام صابر صوام مهذب قوام قاطع الأصلاب و مفرق الأحزاب أربطهم عنانا و أثبتهم جنانا و أمضاهم عزيمة و أشدهم شكيمة أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة و قربت الأعنة طحن الرحى و يذروهم فيها ذرو الريح الهشيم ليث الحجاز و كبش العراق مكي مدني خيفي عقبي بدري أحدي شجري مهاجري من العرب سيدها و من الوغى ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدي علي بن أبي طالب ثم قال أنا ابن فاطمة الزهراء أنا ابن سيدة النساء فلم يزل يقول أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء و النحيب و خشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال علي لا شي‏ء أكبر من الله فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله قال علي بن الحسين شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي فلما قال المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت و إن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته قال و فرغ المؤذن من الأذان و الإقامة و تقدم يزيد فصلى صلاة الظهر

 قال و روي أنه كان في مجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود فقال من هذا الغلام يا أمير المؤمنين قال هو علي بن الحسين قال فمن الحسين قال ابن علي بن أبي طالب قال فمن أمه قال أمه فاطمة بنت محمد فقال الحبر يا سبحان الله فهذا بن بنت نبيكم قتلتموه في هذه السرعة بئسما خلفتموه في ذريته و الله لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظننا أنا كنا نعبده من دون ربنا و أنتم إنما فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه سوءة لكم من أمة قال فأمر به يزيد لعنه الله فوجئ في حلقه ثلاثا فقام الحبر و هو يقول إن شئتم فاضربوني و إن شئتم فاقتلوني أو فذروني فإني أجد في التوراة أن من قتل ذرية نبي لا يزال ملعونا أبدا ما بقي فإذا مات يصليه الله نار جهنم

 و روى الصدوق في الأمالي عن ماجيلويه عن عمه عن الكوفي عن نصر بن مزاحم عن لوط بن يحيى عن الحارث بن كعب عن فاطمة بنت علي ص قالت ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين فحبس مع علي بن الحسين ع في محبس لا يكنهم من حر و لا قر حتى تقشرت وجوههم و لم يرفع ببيت المقدس حجر على وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط و أبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة إلى أن خرج علي بن الحسين بالنسوة و رد رأس الحسين ع إلى كربلاء

 و قال ابن نما و رأت سكينة في منامها و هي بدمشق كان خمسة نجب من نور قد أقبلت و على كل نجيب شيخ و الملائكة محدقة بهم و معهم وصيف يمشي فمضى النجب و أقبل الوصيف إلي و قرب مني و قال يا سكينة إن جدك يسلم عليك فقلت و على رسول الله السلام يا رسول من أنت قال وصيف من وصائف الجنة فقلت من هؤلاء المشيخة الذين جاءوا على النجب قال الأول آدم صفوة الله و الثاني إبراهيم خليل الله و الثالث موسى كليم الله و الرابع عيسى روح الله فقلت من هذا القابض على لحيته يسقط مرة و يقوم أخرى فقال جدك رسول الله ص فقلت و أين هم قاصدون قال إلى أبيك الحسين فأقبلت أسعى في طلبه لأعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده فبينما أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور في كل هودج امرأة فقلت من هذه النسوة المقبلات قال الأولى حواء أم البشر الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم ابنة عمران و الرابعة خديجة بنت خويلد فقلت من الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة و تقوم أخرى فقال جدتك فاطمة بنت محمد أم أبيك فقلت و الله لأخبرنها ما صنع بنا فلحقتها و وقفت بين يديها أبكي و أقول يا أمتاه جحدوا و الله حقنا يا أمتاه بددوا و الله شملنا يا أمتاه استباحوا و الله حريمنا يا أمتاه قتلوا و الله الحسين أبانا فقالت كفي صوتك يا سكينة فقد أحرقت كبدي و قطعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتى ألقى الله به ثم انتبهت و أردت كتمان ذلك المنام و حدثت به أهلي فشاع بين الناس

 و قال السيد و قالت سكينة فلما كان اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام و ذكرت مناما طويلا تقول في آخر و رأيت امرأة راكبة في هودج و يدها موضوعة على رأسها فسألت عنها فقيل لي هذه فاطمة بنت محمد أم أبيك فقلت و الله لأنطلقن إليها و لأخبرنها بما صنع بنا فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها فوقفت بين يديها أبكي و أقول يا أمتاه جحدوا و الله حقنا يا أمتاه بددوا و الله شملنا يا أمتاه استباحوا و الله حريمنا يا أمتاه قتلوا و الله الحسين أبانا فقالت لي كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين ع لا يفارقني حتى ألقى الله

 و قال السيد و ابن نما و روى ابن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال لقيني رأس الجالوت فقال و الله إن بيني و بين داود لسبعين أبا و إن اليهود تلقاني فتعظمني و أنتم ليس بينكم و بين ابن نبيكم إلا أب واحد قتلتموه

 و روي عن زين العابدين ع أنه لما أتي برأس الحسين إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشراب و يأتي برأس الحسين و يضعه بين يديه و يشرب عليه فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم و كان من أشراف الروم و عظمائهم فقال يا ملك العرب هذا رأس من فقال له يزيد ما لك و لهذا الرأس فقال إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شي‏ء رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس و صاحبه حتى يشاركك في الفرح و السرور فقال له يزيد هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب فقال الرومي و من أمه فقال فاطمة بنت رسول الله فقال النصراني أف لك و لدينك لي دين أحسن من دينك إن أبي من حوافد داود ع و بيني و بينه آباء كثيرة و النصارى يعظموني و يأخذون من تراب قدمي تبركا بأبي من حوافد داود و أنتم تقتلون ابن بنت رسول الله و ما بينه و بين نبيكم إلا أم واحدة فأي دين دينكم ثم قال ليزيد هل سمعت حديث كنيسة الحافر فقال له قل حتى أسمع فقال بين عمان و الصين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها و منها يحمل الكافور و الياقوت أشجارهم العود و العنبر و هي في أيدي النصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم و في تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر يقولون إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسى و قد زينوا حول الحقة بالذهب و الديباج يقصدها في كل عام عالم من النصارى و يطوفون حولها و يقبلونها و يرفعون حوائجهم إلى الله تعالى هذا شأنهم و دأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم فلا بارك الله تعالى فيكم و لا في دينكم فقال يزيد اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده فلما أحس النصراني بذلك قال له تريد أن تقتلني قال نعم قال اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لي يا نصراني أنت من أهل الجنة فتعجبت من كلامه و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ص ثم وثب إلى رأس الحسين فضمه إلى صدره و جعل يقبله و يبكي حتى قتل

 و قال صاحب المناقب و ذكر أبو مخنف و غيره أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب الرأس على باب داره و أمر بأهل بيت الحسين ع أن يدخلوا داره فلما دخلت النسوة دار يزيد لم يبق من آل معاوية و لا أبي سفيان أحد إلا استقبلهن بالبكاء و الصراخ و النياحة على الحسين ع و ألقين ما عليهن من الثياب و الحلي و أقمن المأتم عليه ثلاثة أيام و خرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد و كانت قبل ذلك تحت الحسين ع حتى شقت الستر و هي حاسرة فوثبت إلى يزيد و هو في مجلس عام فقالت يا يزيد أ رأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي فوثب إليها يزيد فغطاها و قال نعم فاعولي عليه يا هند و أبكي على ابن بنت رسول الله و صريخة قريش عجل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله قتله الله ثم إن يزيد لعنه الله أنزلهم في داره الخاصة فما كان يتغدى و لا يتعشى حتى يحضر علي بن الحسين

 و قال السيد و غيره و خرج زين العابدين ع يوما يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو فقال له كيف أمسيت يا ابن رسول الله قال أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا عربي و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها و أمسينا معشر أهل بيته و نحن مغصوبون مقتولون مشردون ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مما أمسينا فيه يا منهال و لله در مهيار حيث قال

يعظمون له أعواد منبره و تحت أرجلهم أولاده وضعوابأي حكم بنوه يتبعونكم و فخركم أنكم صحب له تبع

قال و دعا يزيد يوما بعلي بن الحسين ع و عمرو بن الحسن ع و كان عمرو صغيرا يقال إن عمره إحدى عشرة سنة فقال له أ تصارع هذا يعني ابنه خالدا فقال له عمرو لا و لكن أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم أقاتله قال يزيد

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحية إلا الحية

 و قال لعلي بن الحسين اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن فقال الأولى أن تريني وجه سيدي و أبي و مولاي الحسين فأتزود منه و أنظر إليه و أودعه و الثانية أن ترد علينا ما أخذ منا و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن ص فقال أما وجه أبيك فلن تراه أبدا و أما قتلك فقد عفوت عنك و أما النساء فما يؤديهن إلى المدينة غيرك و أما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته فقال ع أما مالك فما نريده و هو موفر عليك و إنما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد ص و مقنعتها و قلادتها و قميصها فأمر برد ذلك و زاد عليه مائتي دينار فأخذها زين العابدين ع و فرقها في الفقراء و المساكين ثم أمر برد الأسارى و سبايا البتول إلى أوطانهم بمدينة الرسول

 قال ابن نما و أما الرأس الشريف اختلف الناس فيه فقال قوم إن عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة

 و عن منصور بن جمهور أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت وجد به جؤنة حمراء فقال لغلامه سليم احتفظ بهذه الجؤنة فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين ع و هو مخضوب بالسواد فقال لغلامه ائتني بثوب فأتاه به فلفه ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق

 و حدثني جماعة من أهل مصر أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد الكريم عليه من الذهب شي‏ء كثير يقصدونه في المواسم و يزورونه و يزعمون أنه مدفون هناك و الذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه

 و قال السيد فأما رأس الحسين فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه و كان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه

 و رويت آثار مختلفة كثيرة غير ما ذكرناه تركنا وضعها لئلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب

 و قال صاحب المناقب و ذكر الإمام أبو العلاء الحافظ بإسناده عن مشايخه أن يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين ع بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم و ضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين و من بقي من أهله معهم و جهزهم بكل شي‏ء و لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها و بعث برأس الحسين ع إلى عمرو بن سعيد بن العاص و هو إذ ذاك عامله على المدينة فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به إلي ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة ع

 و ذكر غيره أن سليمان بن عبد الملك بن مروان رأى النبي ص في المنام كأنه يبره و يلطفه فدعا الحسن البصري فسأله عن ذلك فقال لعلك اصطنعت إلى أهله معروفا فقال سليمان إني وجدت رأس الحسين ع في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة من الديباج و صليت عليه في جماعة من أصحابي و قبرته فقال الحسن إن النبي ص رضي منك بسبب ذلك و أحسن إلى الحسن و أمره بالجوائز

 و ذكر غيرهما أن رأسه ع صلب بدمشق ثلاثة أيام و مكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك فطلب فجي‏ء به و هو عظيم أبيض فجعله في سفط و طيبة و جعل عليه ثوبا و دفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى المكان يطلب منه الرأس فأخبر بخبره فسأل عن الموضع الذي دفن فيه فنبشه و أخذه و الله أعلم ما صنع به فالظاهر من دينه أنه بعث إلى كربلاء فدفن مع جسده ع

 أقول هذه أقوال المخالفين في ذلك و المشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده رده علي بن الحسين ع و قد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أمير المؤمنين ع و سيأتي بعضها و الله يعلم

 ثم قال المفيد و صاحب المناقب و اللفظ لصاحب المناقب و روي أن يزيد عرض عليهم المقام بدمشق فأبوا ذلك و قالوا بل ردنا إلى المدينة فإنه مهاجر جدنا ص فقال للنعمان بن بشير صاحب رسول الله ص جهز هؤلاء بما يصلحهم و ابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا و ابعث معهم خيلا و أعوانا ثم كساهم و حباهم و فرض لهم الأرزاق و الأنزال ثم دعا بعلي بن الحسين ع فقال له لعن الله ابن مرجانة أما و الله لو كنت صاحبه ما سألني خلة إلا أعطيتها إياه و لدفعت عنه الحتف بكل ما قدرت عليه و لو بهلاك بعض ولدي و لكن قضى الله ما رأيت فكاتبني و إنه إلى كل حاجة تكون لك ثم أوصى بهم الرسول فخرج بهم الرسول يسايرهم فيكون أمامهم فإذا نزلوا تنحى عنهم و تفرق هو و أصحابه كهيئة الحرس ثم ينزل بهم حيث أراد أحدهم الوضوء و يعرض عليهم حوائجهم و يلطفهم حتى دخلوا المدينة

 قال الحارث بن كعب قالت لي فاطمة بنت علي ع قلت لأختي زينب قد وجب علينا حق هذا لحسن صحبته لنا فهل لك أن تصله قالت فقالت و الله ما لنا ما نصله به إلا أن نعطيه حلينا فأخذت سواري و دملجي أو سوار أختي و دملجها فبعثنا بها إليه و اعتذرنا من قتلتها و قلنا هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا فقال لو كان الذي صنعته للدنيا كان في دون هذا رضاي و لكن و الله ما فعلته إلا لله و قرابتكم من رسول الله ص

 ثم قال السيد و لما رجعت نساء الحسين ع و عياله من الشام و بلغوا إلى العراق قالوا للدليل مر بنا على طريق كربلاء فوصلوا إلى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري و جماعة من بني هاشم و رجلا من آل رسول الله قد وردوا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد و تلاقوا بالبكاء و الحزن و اللطم و أقاموا المأتم المقرحة للأكباد و اجتمع إليهم نساء ذلك السواد و أقاموا على ذلك أياما

 فروي عن أبي حباب الكلبي قال حدثنا الجصاصون قالوا كنا نخرج إلى الجبانة في الليل عند مقتل الحسين ع فنسمع الجن ينوحون عليه فيقولون

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدودأبواه من عليا قريش و جده خير الجدود

قال ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة قال بشير بن حذلم فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين ع فحط رحله و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و قال يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شي‏ء منه قلت بلى يا ابن رسول الله إني لشاعر قال فادخل المدينة و انع أبا عبد الله قال بشير فركبت فرسي و ركزت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي ص رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت أقول

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فادمعي مدرارالجسم منه بكربلاء مضرج و الرأس منه على القناة يدار

قال ثم قلت هذا علي بن الحسين مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم و أنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن يدعون بالويل و الثبور فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و لا يوما أمر على المسلمين منه و سمعت جارية تنوح على الحسين فتقول

نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا و أمرضني ناع نعاه فأفجعافعيني جودا بالدموع و أسكبا و جودا بدمع بعد دمعكما معاعلى من دهى عرش الجليل فزعزعا فأصبح هذا المجد و الدين الجدعاعلي بن نبي الله و ابن وصيه و إن كان عنا شاحط الدار أشسعا

ثم قالت أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله و خدشت منا قروحا لما تندمل فمن أنت رحمك الله فقلت أنا بشير بن حذلم وجهني مولاي علي بن الحسين عليهما الصلاة و السلام و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبد الله و نسائه قال فتركوني مكاني و بادروا فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع فنزلت عن فرسي و تخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط و كان علي بن الحسين ع داخلا و معه خرقة يمسح بها دموعه و خلفه خادم معه كرسي فوضعه له و جلس عليه و هو لا يتمالك من العبرة و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء و حنين الجواري و النساء و الناس من كل ناحية يعزونه فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال ع الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى و قرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور و فجائع الدهور و ألم الفجائع و مضاضة اللواذع و جليل الرزء و عظيم المصائب الفاضعة الكاظة الفادحة الجائحة أيها الناس إن الله و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد الله و عترته و سبي نساؤه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان و هذه الرزية التي لا مثلها رزية أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أية عين منكم تحبس دمعها و تضن عن انهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها و السماوات بأركانها و الأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقربون و أهل السماوات أجمعون أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه و لا ثلمة في الإسلام ثلمناها ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ و الله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاءة بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ من مصيبة ما أعظمها و أوجعها و أفجعها و أكظها و أفظها و أمرها و أفدحها فعند الله نحتسب فيما أصابنا و ما بلغ بنا إنه عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ قال فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان و كان زمنا فاعتذر إليه صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجليه فأجابه بقبول معذرته و حسن الظن فيه و شكر له و ترحم على أبيه

 ثم قال السيد روي عن الصادق ع أنه قال إن زين العابدين ع بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه و شرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول قتل ابن رسول الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز و جل و حدث مولى له ع أنه برز يوما إلى الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت و أنا أسمع شهيقه و بكاءه و أحصيت عليه ألف مرة لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله تعبدا و رقا لا إله إلا الله إيمانا و صدقا ثم رفع رأسه من السجود و إن لحيته و وجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه فقلت يا سيدي أ ما آن لحزنك أن ينقضي و لبكائك أن تقل فقال لي ويحك إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ع كان نبيا ابن نبي كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن و احدودب ظهره من الغم و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا و أنا فقدت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي

 إيضاح قال الجوهري ارتث فلان هو افتعل على ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا و به رمق و قال الخفر بالتحريك شدة الحياء و جارية خفرة و متخفرة و قال فرعت في الجبل صعدته و فرعت في الجبل صعدت و يقال بئسما أفرعت به أي ابتدأت. أقول و في بعض النسخ تفرغ بالغين المعجمة من الإفراغ بمعنى السكب و هو أظهر و الختل الخدعة و في الإحتجاج الختر و هو أيضا بالتحريك الغدر. قولها ع كمثل التي إشارة إلى قوله تعالى وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ قال الطبرسي ره أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار و فتل للمغزل و هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاب النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن و لا تزال ذلك دأبها و قيل إنه مثل ضربه الله شبه فيه حال ناقض العهد بمن كان كذلك أنكاثا جمع نكث و هو الغزل من الصوف و الشعر يبرم ثم ينكث و ينقض ليغزل ثانية تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أي دغلا و خيانة و مكرا. و قال الخليل الصلف مجاوزة قدر الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا و النطف بالتحريك التلطخ بالعيب و في الإحتجاج بعد الصلف و العجب و الشنف و الكذب و الشنف بالتحريك البغض و التنكر و الدمنة بالكسر ما تدمنه الإبل و الغنم بأبوالها و أبعارها أي تلبده في مرابضها فربما نبت فيها النبات شبهتهم تارة بذلك النبات في دناءة أصلهم و عدم الانتفاع بهم مع حسن ظاهرهم و خبث باطنهم و أخرى بفضة تزين بها القبور في أنهم كالأموات زينوا أنفسهم بلباس الأحياء و لا ينتفع بهم الأحباء و لا يرجى منهم الكرم و الوفاء. قولها بعارها الضمير راجع إلى الأمة أو الأزمنة و في الإحتجاج أجل و الله فابكوا فإنكم و الله أحق بالبكاء فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا فقد بليتم بعارها و منيتم بشنارها و الشنار العيب و رحضه كمنعه غسله كأرحضه و المدرة بالكسر زعيم القوم و خطيبهم و المتكلم عنهم و الذي يرجعون إلى رأيه و تبت الأيدي أي خسرت أو هلكت و الأيدي إما مجاز للأنفس أو بمعناها. و الفري القطع و في بعض النسخ و الروايات فرثتم بالثاء المثلثة قال في النهاية في حديث أم كلثوم بنت علي ع لأهل الكوفة أ تدرون أي كبد فرثتم لرسول الله ص الفرث تفتيت الكبد بالغم و الأذى و الصلعاء الداهية القبيحة قال الجزري في حديث عائشة أنها قالت لمعاوية حين ادعى زيادا ركبت الصليعاء أي الداهية و الأمر الشديد أو السوءة الشنيعة البارزة المكشوفة انتهى. و العنقاء بالقاف الداهية و في بعض النسخ بالفاء من العنف و الفقماء من قولهم تفاقم الأمر أي عظم و الخرق ضد الرفق و الشوهاء القبيحة و الضمير في قولها جئتم بها راجع إلى الفعلة القبيحة و القضية الشنيعة التي أتوا بها و الكلام مبني على التجريد و طلاع الأرض بالكسر ملؤها و الحفز الحث و الإعجال. قولها لا يبزى أي لا يغلب و لا يقهر و الذحل الحقد و العداوة يقال طلب بذحله أي بثأره و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا و ترة. قولها ع في بيت متعلق بالمقتول لأن أمير المؤمنين ع قتل في المسجد و سائر الأوصاف بعد ذلك نعوت له و التعس الهلاك و الضيم الظلم و النقيبة النفس و العريكة الطبيعة و العذل الملامة و الجدل بالتحريك الفرح و سحته و أسحته أي استأصله و نزع إليه اشتاق و في بعض النسخ فزعت أي لجأت. و قال الجوهري الكثكث و الكثكث فتات الحجارة و التراب مثل الأثلب و الإثلب و يقال بفيه الكثكث و قال كظم غيظه كظما اجترعه و الكظوم السكوت و كظم البعير يكظم كظوما إذا أمسك عن الجرة و قال أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه و ناصبا يديه و قد جاء النهي عن الإقعاء في الصلاة و قال الشاعر

فأقع كما أقعى أبوك على استه رأى أن ريما فوقه لا يعادله

 و قال جاش الوادي زخر و امتد جدا و قال سجا يسجو سجوا سكن و دام و قوله تعالى وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى أي إذ دام و سكن و منه البحر الساجي قال الأعشى

فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم و بحرك ساج لا يواري الدعامصا

 و قال الدعموص دويبة تغوص في الماء و الجمع الدعاميص و الدعامص أيضا ثم ذكر بيت الأعشى و الكلة بالكسر الستر الرقيق و الصبية جمع الصبي. و قال الجزري فيه أنه نهى عن قتل شي‏ء من الدواب صبرا هو أن يمسك شي‏ء من ذوات الروح حيا ثم يرمى بشي‏ء حتى يموت و كل من قتل في غير معركة و لا حرب و لا خطاء فإنه مقتول صبرا قوله و لم ينسني كأنه على سبيل القلب و فيه لطف أو المعنى لم يتركني و اللهاة اللحمة في أقصى الفم و الفراش بالفتح ما يبس بعد الماء من الطين على الأرض و بالكسر ما يفرش و موقع اللسان في قعر الفم. قولها لا يطيق وجوبا أي لزوما بالأرض و سكونا أو عملا بواجب على هيئة الاختيار و يقال طعنه فجدله أي رماه بالأرض و رجل مغاور بضم الميم أي مقاتل و هو صفة لقوله بطل أو حال عنه بالإضافة إلى ياء المتكلم و ضرجه بدم أي لطخه و يقال قف شعري أي قام من الفزع و قال الجوهري اللدم صوت الحجر أو الشي‏ء يقع بالأرض و ليس بالصوت الشديد و في الحديث و الله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد ثم يسمى الضرب لدما و لدمت المرأة وجهها ضربته و التدام النساء ضربهن صدورهن في النياحة و اللدم بالتحريك الحرم في القرابات و القبيل الكفيل و العريف و الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى أي كل قبيل من قبائل الملائكة و الوزر بالتحريك الملجأ. قوله لعنه الله تصهرهم الشمس أي تذيبهم و المخصرة بكسر الميم كالسوط و كلما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا و نحوها و الأسل الرمح و شمخ الرجل بأنفه تكبر و عطفا الرجل بالكسر جانباه و النظر في العطف كناية عن الخيلاء و الجذل بالتحريك الفرح و قد جذل بالكسر يجذل فهو جذلان. و قولها ع يحدو بهن أي يسوقهن سوقا شديدا و استشرف الشي‏ء رفع بصره ينظر إليه و المنقل الطريق في الجبل و المنقلة المرحلة من مراحل السفر قولها و كيف يستبطئ في بغضنا أي لا يطلب منه الإبطاء و التأخير في البغض و الشنف بالتحريك البغض و التنكر و الإحن بكسر الهمزة و فتح الحاء جمع الإحنة بالكسر و هي الحقد و الانتحاء الاعتماد و الميل و انتحيت لفلان أي عرضت له و أنحيت على حلقه السكين أي عرضت و نكأت القرحة قشرتها. و قال الفيروزآبادي الشافة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب و إذا قطعت مات صاحبها و الأصل و استأصل الله شافته أذهبه كما تذهب تلك القرحة أو معناه أزاله من أصله انتهى و يقال خرج وشيكا أي سريعا و الفري القطع. قولها و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك يحتمل أن يكون مخاطبتك مرفوعا بالفاعلية أي إن أوقعت علي مخاطبتك البلايا فلا أبالي و لا أعظم قدرك أو يكون منصوبا بالمفعولية أي إن أوقعتني دواهي الزمان إلى حال احتجت إلى مخاطبتك فلست معظمه لقدرك. قولها تنطف بكسر الطاء و ضمها أي تقطر و قال الفيروزآبادي تحلب عينه و فوه أي سالا و العواسل الذئاب السريعة العدو قولها و تعفوها أمهات الفراعل من قولهم عفت الريح المنزل أي درسته أو من قولهم فلان تعفوه الأضياف أي تأتيه كثيرا و في بعض النسخ تعفرها أي تلطخها بالتراب عند الأكل و في بعضها بالقاف من العقر بمعنى الجرح و منه كلب عقور و الفرعل بالضم ولد الضبع و في رواية السيد أمهات الفراعل و هو أظهر و الفند بالتحريك الكذب و ضعف الرأي و البهلول من الرجال الضحاك و ربط العنان كناية عن ترك المحارم و ملازمة الشريعة في جميع الأمور و فلان شديد الشكيمة إذا كان شديد النفس أنفا أبيا و وجأته بالسكين ضربته. و النياط بالكسر عرق علق به القلب من الوتين فإذا قطع مات صاحبه و الشنشنة الخلق و الطبيعة و الشحط البعد و الشاسع البعيد و اللواذع المصائب المحرقة الموجعة و يقال كظني هذا الأمر أي جهدني من الكرب و الجائحة الشدة التي تستأصل المال و غيره و قال الجوهري عامل الرمح ما يلي السنان

  -2  قل، ]إقبال الأعمال[ رأيت في كتاب المصابيح بإسناده إلى جعفر بن محمد ع قال قال لي أبي محمد بن علي سألت أبي علي بن الحسين عن حمل يزيد له فقال حملني على بعير يطلع بغير وطاء و رأس الحسين ع على علم و نسوتنا خلفي على بغال فأكف و الفارطة خلفنا و حولنا بالرماح إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح حتى إذا دخلنا دمشق صاح صائح يا أهل الشام هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون

 بيان قوله فأكف أي أميل و أشرف على السقوط و الأظهر واكفة أي كانت البغال بإكاف أي برذعة من غير سرج و فرط سبق و في الأمر قصر به و ضيعه و عليه في القول أسرف و فرط القوم تقدمهم إلى الورد لإصلاح الحوض و الفرط بضمتين الظلم و الاعتداء و الأمر المجاوز فيه الحد و لعل فيه أيضا تصحيفا

3-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الطالقاني عن الجلودي عن الجوهري عن أحمد بن محمد بن يزيد عن أبي نعيم قال حدثني حاجب عبيد الله بن زياد أنه لما جي‏ء برأس الحسين ع أمر فوضع بين يديه في طست من ذهب و جعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه و يقول لقد أسرع الشيب إليك يا با عبد الله فقال رجل من القوم مه فإني رأيت رسول الله ص يلثم حيث تضع قضيبك فقال يوم بيوم بدر ثم أمر بعلي بن الحسين ع فغل و حمل مع النسوة و السبايا إلى السجن و كنت معهم فما مررنا بزقاق إلا وجدناه مل‏ء رجال و نساء يضربون وجوههم و يبكون فحبسوا في سجن و طبق عليهم ثم إن ابن زياد لعنه الله دعا بعلي بن الحسين و النسوة و أحضر رأس الحسين ع و كانت زينب ابنة علي ع فيهم فقال ابن زياد الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحاديثكم فقالت زينب الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد و طهرنا تطهيرا إنما يفضح الله الفاسق و يكذب الفاجر قال كيف رأيت صنيع الله بكم أهل البيت قال كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم فتتحاكمون عنده فغضب ابن زياد لعنه الله عليها و هم بها فسكن منه عمرو بن حريث فقالت زينب يا ابن زياد حسبك ما ارتكبت منا فلقد قتلت رجالنا و قطعت أصلنا و أبحت حريمنا و سبيت نساءنا و ذرارينا فإن كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت فأمر ابن زياد بردهم إلى السجن و بعث البشائر إلى النواحي بقتل الحسين ع ثم أمر بالسبايا و رأس الحسين فحملوا إلى الشام فلقد حدثني جماعة كانوا خرجوا في تلك الصحبة أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن على الحسين إلى الصباح و قالوا فلما دخلنا دمشق أدخل بالنساء و السبايا بالنهار مكشفات الوجوه فقال أهل الشام الجفاة ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم فقالت سكينة ابنة الحسين نحن سبايا آل محمد ص فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا و فيهم علي بن الحسين ع و هو يومئذ فتى شاب فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم و قطع قرن الفتنة فلم يأل عن شتمهم فلما انقضى كلامه قال له علي بن الحسين ع أ ما قرأت كتاب الله عز و جل قال نعم قال أ ما قرأت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال بلى قال فنحن أولئك ثم قال أ ما قرأت وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قال بلى قال فنحن هم فهل قرأت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال بلى قال فنحن هم فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال اللهم إني أتوب إليك ثلاث مرات اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد و من قتلة أهل بيت محمد لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم ثم أدخل نساء الحسين على يزيد بن معاوية فصحن نساء آل يزيد و بنات معاوية و أهله و ولولن و أقمن المأتم و وضع رأس الحسين ع بين يديه فقالت سكينة ما رأيت أقسى قلبا من يزيد و لا رأيت كافرا و لا مشركا شرا منه و لا أجفى منه و أقبل يقول و ينظر إلى الرأس

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

ثم أمر برأس الحسين فنصب على باب مسجد دمشق فروي عن فاطمة بنت علي ع أنها قالت لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا أول شي‏ء و ألطفنا ثم إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إليه فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية يعنيني و كنت جارية وضيئة فأرعبت و فرقت و ظننت أنه يفعل ذلك فأخذت بثياب أختي و هي أكبر مني و أعقل فقالت كذبت و الله و لعنت ما ذاك لك و لا له فغضب يزيد و قال بل كذبت و الله لو شئت لفعلته قالت لا و الله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا و تدين بغير ديننا فغضب يزيد ثم قال إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك و أخوك فقالت بدين الله و دين أبي و أخي و جدي اهتديت أنت و جدك و أبوك قال كذبت يا عدوة الله قالت أمير يشتم ظالما و يقهر بسلطانه قالت فكأنه لعنه الله استحيا فسكت فأعاد الشامي لعنه الله فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية فقال له اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا

 4-  أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعري أنه قالها لوصف يوم أحد

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل‏حين حطت بقباء بركها و استحر القتل في عبد الأشل

 ثم قال كثير من الناس يعتقدون أن هذا البيت ليزيد بن معاوية و قال من أكره التصريح باسمه هذا البيت ليزيد فقلت له إنما قاله يزيد متمثلا لما حمل إليه رأس الحسين ع و هو لابن الزبعري فلم تسكن نفسه إلى ذلك حتى أوضحته له فقلت أ لا تراه قال

جزع الخزرج من وقع الأسل

 و الحسين ع لم تحارب عنه الخزرج و كان يليق أن يقول جزع بني هاشم من وقع الأسل فقال بعض من كان حاضرا لعله قاله يوم الحرة فقلت المنقول أنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين ع و المنقول أنه شعر ابن الزبعري و لا يجوز أن يترك المنقول إلى ما ليس بمنقول

5-  ج، ]الإحتجاج[ روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم و غيره من الناس أنه لما دخل علي بن الحسين صلوات الله عليه و حرمه على يزيد لعنه الله جي‏ء برأس الحسين ع و وضع بين يديه في طست فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده و هو يقول

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل‏لأهلوا و استهلوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل‏فجزيناهم ببدر مثلها و أقمنا مثل بدر فاعتدل‏لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب و أمها فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين و قالت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلى الله على جدي سيد المرسلين صدق الله سبحانه كذلك يقول ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ أ ظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض و ضيقت علينا آفاق السماء فأصبحنا لك في إسار نساق إليك سوقا في قطار و أنت علينا ذو اقتدار إن بنا من هوانا و عليك منه كرامة و امتنانا و إن ذلك لعظم خطرك و جلالة قدرك فشمخت بأنفك و نظرت في عطف تضرب أصدريك فرحا و تنفض مدرويك مرحا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الأمور لديك متسقة و حين صفي لك ملكنا و خلص لك سلطاننا فمهلا مهلا لا تطش جهلا أ نسيت قول الله وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أ من العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و سوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن و أبديت وجوههن يحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد و يستشرفهن أهل المناقل و يبرزن لأهل المناهل و يتصفح وجوههن القريب و البعيد و الغائب و الشهيد و الشريف و الوضيع و الدني و الرفيع ليس معهن من رجالهن ولي و لا من حماتهن حميم عتوا منك على الله و جحودا لرسول الله و دفعا لما جاء به من عند الله و لا غرو منك و لا عجب من فعلك و أنى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء و نبت لحمه بدماء السعداء و نصب الحرب لسيد الأنبياء و جمع الأحزاب و شهر الحراب و هز السيوف في وجه رسول الله ص أشد العرب لله جحودا و أنكرهم له رسولا و أظهرهم له عدوانا و أعتاهم على الرب كفرا و طغيانا ألا إنها نتيجة خلال الكفر و ضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا و شنآنا و أحنا و ضغنا يظهر كفره برسوله و يفصح ذلك بلسانه و هو يقول فرحا بقتل ولده و سبي ذريته غير متحوب و لا مستعظم

لأهلوا و استهلوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل

منتحيا على ثنايا أبي عبد الله و كان مقتل رسول الله ص ينكتها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه لعمري لقد نكأت القرحة و استأصلت الشافة بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة و ابن يعسوب العرب و شمس آل عبد المطلب و هتفت بأشياخك و تقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ثم صرخت بندائك و لعمري قد ناديتهم لو شهدوك و وشيكا تشهدهم و يشهدوك و لتود يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها و أحببت أمك لم تحملك و أباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله و مخاصمك و مخاصم أبيك رسول الله ص اللهم خذ بحقنا و انتقم من ظالمنا و أحلل غضبك بمن سفك دماءنا و نقص ذمامنا و قتل حماتنا و هتك عنا سدولنا وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ و ما فريت إلا جلدك و ما جززت إلا لحمك و سترد على رسول الله بما تحملت من ذريته و انتهكت من حرمته و سفكت من دماء عترته و لحمته حيث يجمع به شملهم و يلم به شعثهم و ينتقم من ظالمهم و يأخذ لهم بحقهم من أعدائهم و لا يستفزنك الفرح بقتله وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ و حسبك بالله وليا و حاكما و برسول الله خصيما و بجبرئيل ظهيرا و سيعلم من بوأك و مكنك من رقاب المسلمين أن بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا و إنكم شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ سَبِيلًا و ما استصغاري قدرك و لا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى و صدورهم عند ذكره حرى فتلك قلوب قاسية و نفوس طاغية و أجسام محشوة بسخط الله و لعنة الرسول قد عشش فيه الشيطان و فرخ و من هناك مثلك ما درج و نهض فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء و أسباط الأنبياء و سليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة و نسل العهرة الفجرة تنطف أكفهم من دمائنا و تتحلب أفواههم من لحومنا و للجثث الزاكية على الجبوب الضاحية تنتابها العواسل و تعفرها الفراعل فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما قدمت يداك و ما الله بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ و إلى الله المشتكى و المعول و إليه الملجأ و المؤمل ثم كد كيدك و اجهد جهدك فو الذي شرفنا بالوحي و الكتاب و النبوة و الانتجاب لا تدرك أمدنا و لا تبلغ غايتنا و لا تمحو ذكرنا و لا ترحض عنك عارنا و هل رأيك إلا فند و أيامك إلا عدد و جمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي و الحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة و ختم لأوصيائه ببلوغ الإرادة نقلهم إلى الرحمة و الرأفة و الرضوان و المغفرة و لم يشق بهم غيرك و لا ابتلى بهم سواك و نسأله أن يكمل لهم الأجر و يجزل لهم الثواب و الذخر و نسأله حسن الخلافة و جميل الإنابة إنه رحيم ودود فقال يزيد مجيبا لها شعرا

يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون الموت على النوائح

ثم أمر بردهم بيان قال الجزري في حديث الحسن يضرب أسدريه أي عطفيه و منكبيه يضرب بيده عليهما و روي بالزاء و الصاد بدل السين بمعنى واحد و هذه الأحرف الثلاثة تتعاقب مع الدال و قال في باب الصاد في حديث الحسن يضرب أصدريه أي منكبيه و قال في باب الميم و الذال في حديث الحسن ما تشاء أن ترى أحدهم ينفض مذرويه المذروان جانبا الأليتين و لا واحد لهما و قيل هما طرفا كل شي‏ء و أراد بهما الحسن فرعا المنكبين يقال جاء فلان ينفض مذرويه إذا جاء باغيا يتهدد و كذلك إذا جاء فارغا في غير شغل و الميم زائدة. و قال الفيروزآبادي الأصدران عرقان تحت الصدغين و جاء يضرب أصدريه أي فارغا و قال في المذروين بكسر الميم نحوا مما مر. و يقال لا غرو أي ليس بعجب و الضب الحقد الكامن في الصدر و في بعض النسخ مكان شنفا و شنآنا سيفا و سنانا و فلان يتحوب من كذا أي يتأثم و التحوب أيضا التوجع و التحزن و السديل ما أسبل على الهودج و الجمع السدول. قولها رضي الله عنها فتلك إشارة إلى أعوانه و أنصاره و في بعض النسخ قبلك بكسر القاف و فتح الباء عندك أو بفتح القاف و سكون الباء إشارة إلى آبائه لعنهم الله. قولها ما درج كلمة ما زائدة كما في قوله تعالى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي بإعانة هؤلاء درجت و مشيت و قمت أو في حجور هؤلاء الأشقياء ربيت و منهم تفرعت و الجبوب بضم الجيم و الباء الأرض الغليظة و يقال وجه الأرض و في بعض النسخ بالنون فعلى الأول الضاحية من قولهم مكان ضاح أي بارز و على الثاني من قولهم ضحيت للشمس أي برزت و إنما أوردت بعض الروايات مكررا لكثرة اختلافها

6-  ج، ]الإحتجاج[ روى ثقات الرواة و عدولهم لما أدخل علي بن الحسين زين العابدين ع في جملة من حمل إلى الشام سبايا من أولاد الحسين بن علي ع و أهاليه على يزيد لعنه الله قال له يا علي الحمد لله الذي قتل أباك قال ع قتل أبي الناس قال يزيد الحمد لله الذي قتله فكفانيه قال ع على من قتل أبي لعنه الله أ فتراني لعنت الله عز و جل قال يزيد يا علي اصعد المنبر فأعلم الناس حال الفتنة و ما رزق الله أمير المؤمنين من الظفر فقال علي بن الحسين ما أعرفني بما تريد فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسول الله ص ثم قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا ابن مكة و منى أنا ابن المروة و الصفا أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن من لا يخفى أنا ابن علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى و كان من ربه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فضج أهل الشام بالبكاء حتى خشي يزيد أن يرحل من مقعده فقال للمؤذن أذن فلما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر جلس علي بن الحسين على المنبر فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله بكى علي بن الحسين ع ثم التفت إلى يزيد فقال يا يزيد هذا أبوك أم أبي قال بل أبوك فانزل فنزل فأخذ ناحية باب المسجد فلقيه مكحول صاحب رسول الله ص فقال له كيف أمسيت يا ابن رسول الله قال أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ فلما انصرف يزيد إلى منزله دعا بعلي بن الحسين ع و قال يا علي أ تصارع ابني خالدا قال ع ما تصنع بمصارعتي إياه أعطني سكينا و أعطه سكينا فليقتل أقوانا أضعفنا فضمه يزيد إلى صدره ثم قال لا تلد الحية إلا الحية أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب ثم قال له علي بن الحسين يا يزيد بلغني أنك تريد قتلي فإن كنت لا بد قاتلي فوجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم رسول الله ص فقال له يزيد لعنه الله لا يردهن غيرك لعن الله ابن مرجانة فو الله ما أمرته بقتل أبيك و لو كنت متوليا لقتاله ما قتلته ثم أحسن جائزته و حمله و النساء إلى المدينة

7-  ج، ]الإحتجاج[ عن حذيم بن شريك الأسدي قال لما أتى علي بن الحسين زين العابدين ع بالنسوة من كربلاء و كان مريضا و إذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب و الرجال معهن يبكون فقال زين العابدين بصوت ضئيل و قد نهكته العلة إن هؤلاء يبكون فمن قتلنا غيرهم فأومأت زينب بنت علي بن أبي طالب ع إلى الناس بالسكوت قال حذيم الأسدي فلم أر و الله خفرة أنطق منها كأنما تنطق و تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ع و قد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا فارتدت الأنفاس و سكنت الأجراس ثم قالت بعد حمد الله تعالى و الصلاة على رسوله أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختر و الغدر و الحدل ألا فلا رقأت العبرة و لا هدأت الزفرة إنما مثلكم مثل التي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ هل فيكم إلا الصلف و العجب و الشنف و الكذب و ملق الإماء و غمز الأعداء كمرعى على دمنة أو كقصة على ملحودة ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون أ تبكون على أخي أجل و الله فابكوا فإنكم و الله أحق بالبكاء فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا فقد بليتم بعارها و منيتم بشنارها و لن ترحضوها أبدا و أنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة و معدن الرسالة و سيد شباب أهل الجنة و ملاذ حربكم و معاذ حزبكم و مقر سلمكم و آسى كلمكم و مفزع نازلتكم و المرجع إليه عند مقالتكم و مدرة حججكم و منار محجتكم ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم و ساء ما تزرون ليوم بعثكم فتعسا تعسا و نكسا نكسا لقد خاب السعي و تبت الأيدي و خسرت الصفقة و بؤتم بغضب من الله و ضربت عليكم الذلة و المسكنة أ تدرون ويلكم أي كبد لمحمد ص فريتم و أي عهد نكثتم و أي كريمة له أبرزتم و أي حمة له هتكتم و أي دم له سفكتم لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا لقد جئتم بها شوهاء صلعاء عنقاء سواء فقماء خرقاء طلاع الأرض و مل‏ء السماء أ فعجبتم أن لم تمطر السماء دما وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ فلا يستخفنكم المهل فإنه عز و جل من لا يحفزه البدار و لا يخشى عليه فوت الثأر كلا إن ربك لنا و لهم بالمرصاد ثم أنشأت تقول

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم ما ذا صنعتم و أنتم آخر الأمم‏بأهل بيتي و أولادي و مكرمتي منهم أسارى و منهم ضرجوا بدم

 ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي‏إني لأخشى عليكم أن يحل بكم مثل العذاب الذي أودى على إرم

ثم ولت عنهم قال حذيم فرأيت الناس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم فالتفت إلى شيخ إلى جانبي يبكي و قد اخضلت لحيته بالبكاء و يده مرفوعة إلى السماء و هو يقول بأبي و أمي كهولهم خير الكهول و شبابهم خير شباب و نسلهم نسل كريم و فضلهم فضل عظيم ثم أنشد شعرا

كهولهم خير الكهول و نسلهم إذا عد نسل لا يبور و لا يخزى

فقال علي بن الحسين يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار و أنت بحمد الله عالمة غير معلمة فهمه غير مفهمة إن البكاء و الحنين لا يردان من قد أباده الدهر فسكتت ثم نزل ع و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و دخل الفسطاط

 بيان قولها و آسى كلمكم الآسي الطبيب و الكلم الجراحة و قال الجوهري النكس بالضم عود المرض بعد النقه و قد نكس الرجل نكسا يقال تعسا له و نكسا و قد يفتح هاهنا للازدواج أو لأنه لغة و في أكثر النسخ هنا من لا يحفزه بالحاء المهملة و الزاء المعجمة يقال حفزه أي دفعه من خلفه يحفزه بالكسر حفزا و الليل يحفز النهار أي يسوقه قولها أودى في أكثر النسخ بالدال المهملة يقال أودى أي هلك و أودى به الموت أي ذهب فكأن على هنا بمعنى الباء و في بعضها بالراء من أورى الزند إذا أخرج منه النار

8-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمران عن أحمد بن محمد الجوهري عن محمد بن مهران عن موسى بن عبد الرحمن عن عمر بن عبد الواحد عن إسماعيل بن راشد عن حذلم بن ستير قال قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى و ستين عند منصرف علي بن الحسين بالنسوة من كربلاء و معهم الأجناد يحيطون بهم و قد خرج الناس للنظر إليهم فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة يبكين و يندبن فسمعت علي بن الحسين ع و هو يقول بصوت ضئيل و قد نهكته العلة و في عنقه الجامعة و يده مغلولة إلى عنقه إن هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا قال و رأيت زينب بنت علي ع و لم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ع قال و قد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس و سكنت الأصوات فقالت الحمد لله و الصلاة على أبي رسول الله أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل و الخذل فلا رقأت العبرة و لا هدأت الرنة فإنما مثلكم كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ألا و هل فيكم إلا الصلف و السرف خوارون في اللقاء عاجزون عن الأعداء ناكثون للبيعة مضيعون للذمة فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون أ تبكون إي و الله فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا فلقد فزتم بعارها و شنارها و لن تغسلوا دنسها عنكم أبدا فسليل خاتم الرسالة و سيد شباب أهل الجنة و ملاذ خيرتكم و مفزع نازلتكم و أمارة محجتكم و مدرجة حجتكم خذلتم و له قتلتم ألا ساء ما تزرون فتعسا و نكسا و لقد خاب السعي و تبت الأيدي و خسرت الصفقة و بؤتم بغضب من الله و ضربت عليكم الذلة و المسكنة ويلكم أ تدرون أي كبد لمحمد فريتم و أي دم له سفكتم و أي كريمة له أصبتم لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا و لقد أتيتم بها خرماء شوهاء طلاع الأرض و السماء أ فعجبتم أن قطرت السماء دما وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يعجزه البدار و لا يخاف عليه فوت الثأر كلا إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ قال ثم سكتت فرأيت الناس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم و رأيت شيخا و قد بكى حتى اخضلت لحيته و هو يقول

كهولهم خير الكهول و نسلهم إذا عد نسل لا يخيب و لا يخزى

9-  ج، ]الإحتجاج[ و عن ديلم بن عمر قال كنت بالشام حتى أتي بسبايا آل محمد فأقيموا على باب المسجد حيث تقام السبايا و فيهم علي بن الحسين ع فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم و قطع قرن الفتنة و لم يأل عن شتمهم فلما انقضى كلامه قال له علي بن الحسين إني قد أنصت لك حتى فرغت من منطقك و أظهرت ما في نفسك من العداوة و البغضاء فأنصت لي كما أنصت لك فقال له هات قال علي ع أ ما قرأت كتاب الله عز و جل فقال نعم قال أ ما قرأت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال بلى فقال له علي ع فنحن أولئك فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون المسلمين فقال لا قال علي بن الحسين أ ما قرأت هذه الآية وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قال نعم قال علي ع فنحن أولئك الذين أمر الله عز و جل نبيه ص أن يؤتيهم حقهم فقال الشامي إنكم لأنتم هم فقال علي ع نعم فهل قرأت هذه الآية وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى فقال له الشامي بلى فقال علي فنحن ذوو القربى فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقا خاصة دون المسلمين فقال لا قال علي أ ما قرأت هذه الآية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال اللهم إني أتوب إليك ثلاث مرات اللهم إني أتوب إليك من عداوة آل محمد و من قتل أهل بيت محمد و لقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بها قبل اليوم

  -10  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمر عن ابن عقدة عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك عن إسماعيل بن عامر عن الحكم بن محمد بن القاسم قال حدثني أبي عن أبيه أنه حضر عبيد الله بن زياد حين أتي برأس الحسين ع فجعل ينكت بقضيب ثناياه و يقول إن كان لحسن الثغر فقال له زيد بن أرقم ارفع قضيبك فطال ما رأيت رسول الله يلثم موضعه قال إنك شيخ قد خرفت فقال زيد يجر ثيابه ثم عرضوا عليه فأمر بضرب عنق علي بن الحسين فقال له علي إن كان بينك و بين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن فقال تؤديهن أنت و كأنه استحيا و صرف الله عز و جل عن علي بن الحسين القتل قال أبو القاسم بن محمد ما رأيت منظرا قط أفظع من إلقاء رأس الحسين ع بين يديه و هو ينكته

11-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بالإسناد المتقدم عن الحكم بن محمد عن أبي إسحاق السبيعي أن زيد بن أرقم خرج من عنده يومئذ و هو يقول أما و الله لقد سمعت رسول الله ص يقول اللهم إني أستودعكه و صالح المؤمنين فكيف حفظكم لوديعة رسول الله

12-  فس، ]تفسير القمي[ ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ فهو رسول الله ص لما أخرجته قريش من مكة و هرب منهم إلى الغار و طلبوه ليقتلوه فعاقبهم الله يوم بدر و قتل عتبة و شيبة و الوليد و أبو جهل و حنظلة بن أبي سفيان و غيرهم فلما قبض رسول الله طلب بدمائهم فقتل الحسين و آل محمد بغيا و عدوانا و هو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر

ليت أشياخي ببدر شهدوا وقعة الخزرج من وقع الأسل‏لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل‏و كذاك الشيخ أوصاني به فاتبعت الشيخ فيما قد سأل‏قد قتلنا القرم من ساداتهم و عدلناه ببدر فاعتدل

 و قال الشاعر في مثل ذلك شعر

يقول و الرأس مطروح يقلبه يا ليت أشياخنا الماضين بالحضرحتى يقيسوا قياسا لا يقاس به أيام بدر و كان الوزن بالقدر

فقال الله و تبارك و تعالى وَ مَنْ عاقَبَ يعني رسول الله بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ يعني حين أرادوا أن يقتلوه ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ يعني بالقائم ع من ولده

13-  فس، ]تفسير القمي[ قال الصادق ع لما أدخل علي بن الحسين ع على يزيد لعنه الله نظر إليه ثم قال له يا علي بن الحسين وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فقال علي بن الحسين كلا ما هذه فينا نزلت و إنما نزلت فينا ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا و لا نفرح بما أوتينا

14-  فس، ]تفسير القمي[ قال الصادق ع لما أدخل رأس الحسين بن علي ع على يزيد لعنه الله و أدخل عليه علي بن الحسين ع و بنات أمير المؤمنين عليه و عليهن السلام كان علي بن الحسين ع مقيدا مغلولا فقال يزيد لعنه الله يا علي بن الحسين الحمد لله الذي قتل أباك فقال علي بن الحسين لعنة الله على من قتل أبي قال فغضب يزيد و أمر بضرب عنقه فقال علي بن الحسين فإذا قتلتني فبنات رسول الله من يردهم إلى منازلهم و ليس لهم محرم غيري فقال أنت تردهم إلى منازلهم ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده ثم قال له يا علي بن الحسين أ تدري ما الذي أريد بذلك قال بلى تريد أن لا يكون لأحد علي منة غيرك فقال يزيد هذا و الله ما أردت ثم قال يزيد يا علي بن الحسين ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فقال علي بن الحسين كلا ما هذه فينا نزلت إنما نزلت فينا ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا و لا نفرح بما آتانا منها

15-  ب، ]قرب الإسناد[ اليقطيني عن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال لما قدم على يزيد بذراري الحسين ع أدخل بهن نهارا مكشفات وجوههن فقال أهل الشام الجفاة ما رأينا سبيا أحسن من هؤلاء فمن أنتم فقالت سكينة بنت الحسين نحن سبايا آل محمد

16-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن مسعود عن جعفر بن أحمد عن حمدان بن سليمان عن منصور بن العباس عن إسماعيل بن سهل عن بعض أصحابنا قال كنت عند الرضا ع فدخل عليه علي بن أبي حمزة و ابن السراج و ابن المكاري فقال علي بعد كلام جرى بينهم و بينه ع في إمامته إنا روينا عن آبائك ع أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله فقال له أبو الحسن ع فأخبرني عن الحسين بن علي كان إماما أو غير إمام قال كان إماما قال فمن ولي أمره قال علي بن الحسين قال و أين كان علي بن الحسين كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد قال خرج و هم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف فقال له أبو الحسن إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد و يلي أمر أبيه

 أقول تمامه في باب الرد على الواقفية

17-  كا، ]الكافي[ الحسين بن أحمد قال حدثني أبو كريب و أبو سعيد الأشج قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه إدريس بن عبد الله الأودي قال لما قتل الحسين ع أراد القوم أن يوطئوه الخيل فقالت فضة لزينب يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر فخرج به إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله ص فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق و الأسد رابض في ناحية فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا قال فمضت إليه فقالت يا أبا الحارث فرفع رأسه ثم قالت أ تدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد الله ع يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره قال فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين ع فأقبلت الخيل فلما نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه الله فتنة لا تثيروها انصرفوا فانصرفوا

 بيان قولها إن سفينة كسر به إشارة إلى قصة سفينة مولى رسول الله ص و إن الأسد رده إلى الطريق و قد مر بأسانيد في أبواب معجزات الرسول و أبو الحارث من كنى الأسد

18-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن أحمد عن الحسين بن علي عن يونس عن مصقلة الطحان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لما قتل الحسين ع أقامت امرأته الكلبية عليه مأتما و بكت و بكين النساء و الخدم حتى جفت دموعهن و ذهبت فبينا هي كذلك إذا رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل فدعتها فقالت لها ما لك أنت من بيننا تسيل دموعك قالت إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق قال فأمرت بالطعام و الأسوقة فأكلت و شربت و أطعمت و سقت و قالت إنما نريد بذلك أن نتقوى على البكاء على الحسين ع و قال و أهدي إلى الكلبية جونا لتستعين بها على مأتم الحسين ع فلما رأت الجون قالت ما هذه قالوا هدية أهداها فلان لتستعيني بها على مأتم الحسين ع فقالت لسنا في عرس فما نصنع بها ثم أمرت بهن فأخرجن من الدار فلما أخرجن من الدار لم يحس لها حس كأنما طرن بين السماء و الأرض و لم ير لهن بعد خروجهن من الدار أثر

 بيان الجوني ضرب من القطا سود البطون و الأجنحة ذكره الجوهري و كأن الجون بالضم أو كصرد جمعه و إن لم يذكره اللغويون. قوله و أهدى أي رجل و الظاهر أهدي على بناء المجهول و رفع جون و لعل فقدهن على سبيل الإعجاز ذهب بهن إلى الجنة و يحتمل أن يكون الآتي بهن من الملائكة أيضا

19-  أقول روي في كتاب المناقب القديم عن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد البيهقي عن أبيه عن أبي عبد الله الحافظ عن يحيى بن محمد العلوي عن الحسين بن محمد العلوي عن أبي علي الطرسوسي عن الحسن بن علي الحلواني عن علي بن يعمر عن إسحاق بن عباد عن المفضل بن عمر الجعفي عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن علي بن الحسين ع قال لما قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه ثم تمرغ ثم طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علي ع و هي الصغرى فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاء شديدا و أنشأت تقول

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب‏قال الإمام فقلت من قال الموفق للصواب‏إن الحسين بكربلاء بين الأسنة و الضراب‏فابكي الحسين بعبرة ترجي الإله مع الثواب

 قلت الحسين فقال لي حقا لقد سكن التراب‏ثم استقل به الجناح فلم يطق رد الجواب‏فبكيت مما حل بي بعد الدعاء المستجاب

قال محمد بن علي فنعتته لأهل المدينة فقالوا قد جاءتنا بسحر عبد المطلب فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي ع

 بيان نعب الغراب أي صاح

20-  و قال في الكتاب المذكور روي أنه لما حمل رأسه إلى الشام جن عليهم الليل فنزلوا عند رجل من اليهود فلما شربوا و سكروا قالوا عندنا رأس الحسين ع فقال أروه لي فأروه و هو في الصندوق يسطع منه النور نحو السماء فتعجب منه اليهودي فاستودعه منهم و قال للرأس اشفع لي عند جدك فأنطق الله الرأس فقال إنما شفاعتي للمحمديين و لست بمحمدي فجمع اليهودي أقرباءه ثم أخذ الرأس و وضعه في طست و صب عليه ماء الورد و طرح فيه الكافور و المسك و العنبر ثم قال لأولاده و أقربائه هذا رأس ابن بنت محمد ع ثم قال يا لهفاه حيث لم أجد جدك محمدا ص فأسلم على يديه يا لهفاه حيث لم أجدك حيا فأسلم على يديك و أقاتل بين يديك فلو أسلمت الآن أ تشفع لي يوم القيامة فأنطق الله الرأس فقال بلسان فصيح إن أسلمت فأنا لك شفيع قاله ثلاث مرات و سكت فأسلم الرجل و أقرباؤه و لعل هذا اليهودي كان راهب قنسرين لأنه أسلم بسبب رأس الحسين ع و جاء ذكره في الأشعار و أورده الجوهري الجرجاني في مرثية الحسين ع

21-  مل، ]كامل الزيارات[ ابن الوليد عن الصفار عن العباس بن معروف عن عبد الله الأصم عن الحسين عن الحلبي قال قال أبو عبد الله ع لما قتل الحسين ع سمع أهلنا قائلا بالمدينة يقول اليوم نزل البلاء على هذه الأمة فلا يرون فرحا حتى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم و يقتل عدوكم و ينال بالوتر أوتارا ففزعوا منه و قالوا إن لهذا القول لحادثا قد حدث ما نعرفه فأتاهم بعد ذلك خبر الحسين و قتله فحسبوا ذلك فإذا هي تلك الليلة التي تكلم فيها المتكلم فقلت له جعلت فداك إلى متى أنتم و نحن في هذا القتل و الخوف و الشدة فقال حتى مات سبعون فرخا أخو أب و يدخل وقت السبعين فإذا دخل وقت السبعين أقبلت الآيات تترى كأنها نظام فمن أدرك ذلك قرت عينه إن الحسين لما قتل أتاهم آت و هم في المعسكر فصرخ فزبر فقال لهم و كيف لا أصرخ و رسول الله قائم ينظر إلى الأرض مرة و ينظر إلى حربكم مرة و أنا أخاف أن يدعو الله على أهل الأرض فأهلك فيهم فقال بعضهم لبعض هذا إنسان مجنون فقال التوابون تالله ما صنعنا بأنفسنا قتلنا لابن سمية سيد شباب أهل الجنة فخرجوا على عبيد الله بن زياد فكان من أمرهم الذي كان قال قلت له جعلت فداك من هذا الصارخ قال ما نراه إلا جبرئيل أما إنه لو أذن له فيهم لصاح بهم صيحة يخطف منها أرواحهم من أبدانهم إلى النار و لكن أمهل لهم لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ قلت جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارته و هو يقدر على ذلك قال إنه قد عق رسول الله و عقنا و استخف بأمر هو له و من زاره كان الله له من وراء حوائجه و كفى ما أهمه من أمر دنياه و إنه ليجلب الرزق على العبد و يخلف عليه ما أنفق و يغفر له ذنوب خمسين سنة و يرجع إلى أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة إلا و قد محيت من صحيفته فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته و فتح له باب إلى الجنة يدخل عليه روحها حتى ينشر و إن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه فجعل له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم و ذخر ذلك له فإذا حشر قيل له لك بكل درهم عشرة آلاف درهم و إن الله تبارك و تعالى نظر لك و ذخرها لك عنده

22-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ في كتاب الأحمر قال الأوزاعي لما أتي بعلي بن الحسين ع و رأس أبيه إلى يزيد بالشام قال لخطيب بليغ خذ بيد هذا الغلام فأت به المنبر و أخبر الناس بسوء رأي أبيه و جده و فراقهم الحق و بغيهم علينا قال فلم يدع شيئا من المساوي إلا ذكره فيهم فلما نزل قام علي بن الحسين فحمد الله بمحامد شريفة و صلى على النبي صلاة بليغة موجزة ثم قال معاشر الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرفه نفسي أنا ابن مكة و منى أنا ابن المروة و الصفا أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن من لا يخفى أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى و كان من ربه كقاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أنا ابن من صلى بملائكة السماء مثنى مثنى أنا ابن من أسري به مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أنا ابن علي المرتضى أنا ابن فاطمة الزهراء أنا ابن خديجة الكبرى أنا ابن المقتول ظلما أنا ابن المجزوز الرأس من القفا أنا ابن العطشان حتى قضى أنا ابن طريح كربلاء أنا ابن مسلوب العمامة و الرداء أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض و الطير في الهواء أنا ابن من رأسه على السنان يهدى أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى أيها الناس إن الله تعالى و له الحمد ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن حيث جعل راية الهدى و العدل و التقى فينا و جعل راية الضلالة و الردى في غيرنا فضلنا أهل البيت بست خصال فضلنا بالعلم و الحلم و الشجاعة و السماحة و المحبة و المحلة في قلوب المؤمنين و آتانا ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ من قبلنا فينا مختلف الملائكة و تنزيلا الكتب قال فلم يفرغ حتى قال المؤذن الله أكبر فقال علي الله أكبر كبيرا فقال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله فقال علي أشهد بما تشهد به فلما قال المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله قال علي يا يزيد هذا جدي أو جدك فإن قلت جدك فقد كذبت و إن قلت جدي فلم قتلت أبي و سبيت حرمه و سبيتني ثم قال معاشر الناس هل فيكم من أبوه و جده رسول الله فعلت الأصوات بالبكاء فقام إليه رجل من شيعته يقال له المنهال بن عمرو الطائي و في رواية مكحول صاحب رسول الله ص فقال له كيف أمسيت يا ابن رسول الله فقال ويحك كيف أمسيت أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم الآية و أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها و أمست قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها و أمسى آل محمد مقهورين مخذولين فإلى الله نشكو كثرة عدونا و تفرق ذات بيننا و تظاهر الأعداء علينا

 كتاب النسب، عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعلي بن الحسين وا عجبا لأبيك سمى عليا و عليا فقال ع إن أبي أحب أباه فسمى باسمه مرارا

 تاريخ الطبري و البلاذري أن يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين أ تصارع هذا يعني خالدا ابنه قال و ما تصنع بمصارعتي إياه أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم أقاتله فقال يزيد

شنشنة أعرفها من أخزم

هذا العصا جاءت من العصية هل تلد الحية إلا الحية

 و في كتاب الأحمر قال أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب

 و روي أنه قال لزينب تكلمي فقالت هو المتكلم فأنشد السجاد

لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم و أن نكف الأذى عنكم و تؤذوناو الله يعلم أنا لا نحبكم و لا نلومكم أن لا تحبونا

فقال صدقت يا غلام و لكن أراد أبوك و جدك أن يكونا أميرين و الحمد لله الذي قتلهما و سفك دماءهما فقال ع لم تزل النبوة و الإمرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد

 قال المدائني لما انتسب السجاد إلى النبي ص قال يزيد لجلوازه أدخله في هذا البستان و اقتله و ادفنه فيه فدخل به إلى البستان و جعل يحفر و السجاد يصلي فلما هم بقتله ضربته يد من الهواء فخر لوجهه و شهق و دهش فرآه خالد بن يزيد و ليس لوجهه بقية فانقلب إلى أبيه و قص عليه فأمر بدفن الجلواز في الحفرة و إطلاقه و موضع حبس زين العابدين ع هو اليوم مسجد

23-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل قال سمعت الرضا ع يقول لما حمل رأس الحسين إلى الشام أمر يزيد لعنه الله فوضع و نصب عليه مائدة فأقبل هو و أصحابه يأكلون و يشربون الفقاع فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره و بسط عليه رقعة الشطرنج و جلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطرنج و يذكر الحسين و أباه و جده صلوات الله عليهم و يستهزئ بذكرهم فمتى قمر صاحبه تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات ثم صب فضلته مما يلي الطست من الأرض فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع و اللعب بالشطرنج و من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين ع و ليلعن يزيد و آل زياد يمحو الله عز و جل بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم

24-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القريشي عن أبيه عن أحمد الأنصاري عن الهروي قال سمعت الرضا ع يقول أول من اتخذ له الفقاع في الإسلام بالشام يزيد بن معاوية لعنة الله عليه فأحضر و هو على المائدة و قد نصبها على رأس الحسين بن علي ع فجعل يشربه و يسقي أصحابه و يقول اشربوا فهذا شراب مبارك من بركته أنا أول تناولناه و رأس عدونا بين أيدينا و مائدتنا منصوبة عليه و نحن نأكل و نفوسنا ساكنة و قلوبنا مطمئنة فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع فإنه شراب أعدائنا الخبر

25-  ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد عن الأهوازي و البرقي عن النضر عن يحيى الحلبي عن عمران الحلبي عن محمد الحلبي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لما أتي بعلي بن الحسين ع يزيد بن معاوية عليهما لعائن الله و من معه جعلوه في بيت فقال بعضهم إنما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا فراطن الحرس فقالوا انظروا إلى هؤلاء يخافون أن تقع عليهم البيت و إنما يخرجون غدا فيقتلون قال علي بن الحسين لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري و الرطانة عند أهل المدينة الرومية

26-  ير، ]بصائر الدرجات[ محمد بن الحسين عن صفوان عن داود بن فرقد قال ذكر قتل الحسين و أمر علي بن الحسين لما أن حمل إلى الشام فدفعنا إلى السجن فقال أصحابي ما أحسن بنيان هذا الجدار فتراطن أهل الروم بينهم فقالوا ما في هؤلاء صاحب دم إن كان إلا ذلك يعنوني فمكثنا يومين ثم دعانا و أطلق عنا

 بيان قوله فدفعنا من كلام علي بن الحسين ع و قد حذف صدر الخبر قوله صاحب دم أي طالب دم المقتول أو من يريد يزيد قتله

27-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن علي بن فضال عن العباس بن عامر عن أبي عمارة عن عبد الله بن طلحة عن عبد الله بن سيابة عن أبي عبد الله ع قال لما قدم علي بن الحسين و قد قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهم استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله و قال يا علي بن الحسين من غلب و هو يغطي رأسه و هو في المحمل قال فقال له علي بن الحسين إذا أردت أن تعلم من غلب و دخل وقت الصلاة فأذن ثم أقم

  -28  مل، ]كامل الزيارات[ أبي و الكليني معا عن علي عن أبيه عن يحيى بن زكريا عن يزيد بن عمرو بن طلحة قال قال أبو عبد الله ع و هو بالحيرة أ ما تريد ما وعدتك قال قلت بلى يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين ع قال فركب و ركب إسماعيل معه و ركبت معهم حتى إذا جاز الثوية و كان بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض نزل و نزل إسماعيل و نزلت معهم فصلى و صلى إسماعيل و صليت فقال لإسماعيل قم فسلم على جدك الحسين بن علي فقلت جعلت فداك أ ليس الحسين بكربلاء فقال نعم و لكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات الله عليهما

29-  مل، ]كامل الزيارات[ محمد بن الحسن و محمد بن أحمد بن الحسين معا عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن علي بن أحمد بن أشيم عن يونس بن ظبيان أو عن رجل عن يونس عن أبي عبد الله ع قال إن الملعون عبيد الله بن زياد لعنه الله لما بعث برأس الحسين بن علي ع إلى الشام رد إلى الكوفة فقال أخرجوه عنها لا يفتتن به أهلها فصيره الله عند أمير المؤمنين فالرأس مع الجسد و الجسد مع الرأس

 بيان قوله فقال أي قال عبيد الله قوله فالرأس مع الجسد أي بعد ما دفن هناك ظاهرا ألحق بالجسد بكربلاء أو صعد به مع الجسد إلى السماء كما في بعض الأخبار أو أن بدن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كالجسد لذلك الرأس و هما من نور واحد. أقول قد روي غير ذلك من الأخبار في الكافي و التهذيب تدل على كون رأسه ع مدفونا عند قبر والده صلى الله عليهما و الله يعلم

  -30  مل، ]كامل الزيارات[ عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال عن سعيد بن محمد عن محمد بن سلام الكوفي عن أحمد بن محمد الواسطي عن عيسى بن أبي شيبة القاضي عن نوح بن دراج عن قدامة بن زائدة عن أبيه قال قال علي بن الحسين ع بلغني يا زائدة إنك تزور قبر أبي عبد الله أحيانا فقلت إن ذلك لكما بلغك فقال لي فلما ذا تفعل ذلك و لك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبتنا و تفضيلنا و ذكر فضائلنا و الواجب على هذه الأمة من حقنا فقلت و الله ما أريد بذلك إلا الله و رسوله و لا أحفل بسخط من سخط و لا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه فقال و الله إن ذلك لكذلك فقلت و الله إن ذلك لكذلك يقولها ثلاثا و أقولها ثلاثا فقال أبشر ثم أبشر ثم أبشر فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزون إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا و قتل أبي ع و قتل من كان معه من ولده و إخوته و سائر أهله و حملت حرمه و نساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى و لم يواروا فيعظم ذلك في صدري و يشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج و تبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى فقالت ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي و أبي و إخوتي فقلت و كيف لا أجزع و أهلع و قد أرى سيدي و إخوتي و عمومتي و ولد عمي و أهلي مضرجين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون و لا يوارون و لا يعرج عليهم أحد و لا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم و الخزر فقالت لا يجزعنك ما ترى فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله إلى جدك و أبيك و عمك و لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذا الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض و هم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها و هذه الجسوم المضرجة و ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره و لا يعفو رسمه على كرور الليالي و الأيام و ليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا و أمره إلا علوا فقلت و ما هذا العهد و ما هذا الخبر فقالت حدثتني أم أيمن أن رسول الله ص زار منزل فاطمة ع في يوم من الأيام فعملت له حريرة صلى الله عليها و أتاه علي ع بطبق فيه تمر ثم قالت أم أيمن فأتيتهم بعس فيه لبن و زبد فأكل رسول الله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع من تلك الحريرة و شرب رسول الله ص و شربوا من ذلك اللبن ثم أكل و أكلوا من ذلك التمر بالزبد ثم غسل رسول الله يده و علي يصب عليه الماء فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين نظرا عرفنا فيه السرور في وجهه ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ثم وجه وجهه نحو القبلة و بسط يديه يدعو ثم خر ساجدا و هو ينشج فأطال النشوج و علا نحيبه و جرت دموعه ثم رفع رأسه و أطرق إلى الأرض و دموعه تقطر كأنها صوب المطر فحزنت فاطمة و علي و الحسن و الحسين و حزنت معهم لما رأينا من رسول الله و هبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي و قالت له فاطمة ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك و قد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك فقال يا أخي سررت بكم و قال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هاهنا فقال

 يا حبيبي إني سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط و إني لأنظر إليكم و أحمد الله على نعمته علي فيكم إذ هبط علي جبرئيل فقال يا محمد إن الله تبارك و تعالى اطلع على ما في نفسك و عرف سرورك بأخيك و ابنتك و سبطيك فأكمل لك النعمة و هنأك العطية بأن جعلهم و ذرياتهم و محبيهم و شيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك و بينهم يحيون كما تحيا و يعطون كما تعطى حتى ترضى و فوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا و مكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك و يزعمون أنهم من أمتك براء من الله و منك خبطا خبطا و قتلا قتلا شتى مصارعهم نائية قبورهم خيرة من الله لهم و لك فيهم فاحمد الله جل و عز على خيرته و ارض بقضائه فحمدت الله و رضيت بقضائه بما اختاره لكم ثم قال جبرئيل يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أمتك متعوب من أعدائك ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق و الخليقة و أشقى البرية نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته و هو مغرس شيعته و شيعة ولده و فيه على كل حال يكثر بلواهم و يعظم مصابهم و إن سبطك هذا و أومأ بيده إلى الحسين ع مقتول في عصابة من ذريتك و أهل بيتك و أخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض تدعى كربلاء من أجلها يكثر الكرب و البلاء على أعدائك و أعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه و لا تفنى حسرته و هي أطهر بقاع الأرض و أعظمها حرمة و إنها لمن بطحاء الجنة فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك و أهله و أحاطت بهم كتائب أهل الكفر و اللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها و مادت الجبال و كثر اضطرابها و اصطفقت البحار بأمواجها و ماجت السماوات بأهلها غضبا لك يا محمد و لذريتك و استعظاما لما ينتهك من حرمتك و لشر ما يتكافى به في ذريتك و عترتك و لا يبقى شي‏ء من ذلك إلا استأذن الله عز و جل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحي الله إلى السماوات و الأرض و الجبال و البحار و من فيهن أني أنا الله الله الملك القادر و الذي لا يفوته هارب و لا يعجزه ممتنع و أنا أقدر على الانتصار و الانتقام و عزتي و جلالي لأعذبن من وتر رسولي و صفيي و انتهك حرمته و قتل عترته و نبذ عهده و ظلم أهله عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فعند ذلك يضج كل شي‏ء في السماوات و الأرضين بلعن من ظلم عترتك و استحل حرمتك فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله جل و عز قبض أرواحها بيده و هبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت و الزمرد مملوءة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنة و طيب من طيب الجنة فغسلوا جثثهم بذلك الماء و ألبسوها الحلل و حنطوها بذلك الطيب و صلى الملائكة صفا صفا عليهم ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول و لا فعل و لا نية فيوارون أجسامهم و يقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق و سببا للمؤمنين إلى الفوز و تحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم و ليلة و يصلون عليه و يسبحون الله عنده و يستغفرون الله لزواره و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى الله و إليك بذلك و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الأنبياء فإذا كان يوم القيامة سطح في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدل عليهم و يعرفون به

 و كأني بك يا محمد بيني و بين ميكائيل و علي أمامنا و معنا من ملائكة الله ما لا يحصى عدده و نحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم و شدائده و ذلك حكم الله و عطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله جل و عز و سيجد أناس ممن حقت عليهم من الله اللعنة و السخط أن يعفوا رسم ذلك القبر و يمحوا أثره فلا يجعل الله تبارك و تعالى لهم إلى ذلك سبيلا ثم قال رسول الله ص فهذا أبكاني و أحزنني قالت زينب فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي ع و رأيت أثر الموت منه قلت له يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا و كذا و قد أحببت أن أسمعه منك فقال يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن و كأني بك و ببنات أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فصبرا صبرا فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم و غير محبيكم و شيعتكم و لقد قال لنا رسول الله حين أخبرنا بهذا الخبر إن إبليس في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الأرض كلها في شياطينه و عفاريته فيقول يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة و بلغنا في هلاكهم الغاية و أورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم و حملهم على عداوتهم و إغرائهم بهم و أوليائهم حتى تستحكم ضلالة الخلق و كفرهم و لا ينجو منهم ناج و لقد صدق عليهم إبليس و هو كذوب أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح و لا يضر مع محبتكم و موالاتكم ذنب غير الكبائر قال زائدة ثم قال علي بن الحسين بعد أن حدثني بهذا الحديث خذه إليك أما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا

  بيان العس القدح العظيم قولها رمق بطرفه أي نظر و نشج الباكي ينشج بالكسر نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب و خبطه يخبطه ضربه شديدا و البعير بيده الأرض وطئه شديدا و القوم بسيفه جلدهم و ضفة النهر بالكسر جانبه و التزعزع التحرك و كذلك الميد و الاصطفاق الاضطراب يقال الريح تصفق الأشجار فتصطفق و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا و ترة و ضرب آباط الإبل كناية عن الركض و الاستعجال فإن المستعجل يضرب رجليه بإبطي الإبل ليعدو أي لو سافرت سفرا سريعا في طلبه حولا

31-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ أبو الفرج سعيد بن أبي الرجا عن محمد بن عبد الله بن عمر الخاني عن أبي القاسم بكراد بن الطيب بن شمعون عن أبي بكر بن أحمد بن يعقوب عن أحمد بن عبد الرحمن عن سعد عن الحسن بن عمر عن سليمان بن مهران الأعمش قال بينما أنا في الطواف بالموسم إذا رأيت رجلا يدعو و هو يقول اللهم اغفر لي و أنا أعلم أنك لا تغفر قال فارتعدت لذلك و دنوت منه و قلت يا هذا أنت في حرم الله و حرم رسوله و هذا أيام حرم في شهر عظيم فلم تيأس من المغفرة قال يا هذا ذنبي عظيم قلت أعظم من جبل تهامة قال نعم قلت يوازن الجبال الرواسي قال نعم فإن شئت أخبرتك قلت أخبرني قال اخرج بنا عن الحرم فخرجنا منه فقال لي أنا أحد من كان في العسكر الميشوم عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى و كان الرأس معنا مركوزا على رمح و معه الأحراس فوضعنا الطعام و جلسنا لنأكل فإذا بكف في حائط الدير تكتب

أ ترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب

قال فجزعنا من ذلك جزعا شديدا و أهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ثم عاد أصحابي إلى الطعام فإذا الكف قد عادت تكتب

فلا و الله ليس لهم شفيع و هم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابنا إليها فغابت ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب

و قد قتلوا الحسين بحكم جور و خالف حكمهم حكم الكتاب

فامتنعت و ما هنأني أكله ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس فأشرف فرأى عسكرا فقال الراهب للحراس من أين جئتم قالوا من العراق حاربنا الحسين فقال الراهب ابن فاطمة بنت نبيكم و ابن ابن عم نبيكم قالوا نعم قال تبا لكم و الله لو كان لعيسى ابن مريم ابن لحملناه على أحداقنا و لكن لي إليكم حاجة قالوا و ما هي قال قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دراهم ورثتها من آبائي يأخذها مني و يعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل فإذا رحل رددته إليه فأخبروا عمر بن سعد بذلك فقال خذوا منه الدنانير و أعطوه إلى وقت الرحيل فجاءوا إلى الراهب فقالوا هات المال حتى نعطيك الرأس فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف درهم فدعا عمر بالناقد و الوزان فانتقدها و وزنها و دفعها إلى خازن له و أمر أن يعطى الرأس فأخذ الراهب الرأس فغسله و نظفه و حشاه بمسك و كافور كان عنده ثم جعله في حريرة و وضعه في حجره و لم يزل ينوح و يبكي حتى نادوه و طلبوا منه الرأس فقال يا رأس و الله لا أملك إلا نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله أسلمت على يديك و أنا مولاك و قال لهم إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة و أعطيه الرأس فدنا عمر بن سعد فقال سألتك بالله و بحق محمد أن لا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس و لا تخرج بهذا الرأس من هذا الصندوق فقال له أفعل فأعطاه الرأس و نزل من الدير يلحق ببعض الجبال يعبد الله و مضى عمر بن سعد ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول فلما دنا من دمشق قال لأصحابه انزلوا و طلب من الجارية الجرابين فأحضرت بين يديه فنظر إلى خاتمه ثم أمر أن يفتح فإذا الدنانير قد تحولت خزفية فنظروا في سكتها فإذا على جانبها مكتوب لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ و على الجانب الآخر مكتوب سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ خسرت الدنيا و الآخرة ثم قال لغلمانه اطرحوها في النهر فطرحت و رحل إلى دمشق من الغد و أدخل الرأس إلى يزيد و ابتدر قاتل الحسين إلى يزيد فقال

املأ ركابي فضة أو ذهبا إني قتلت الملك المحجباقتلت خير الناس أما و أبا

فأمر يزيد بقتله و قال إن علمت أن حسينا خير الناس أما و أبا فلم قتلته فجعل الرأس في طست و هو ينظر إلى أسنانه و يقول

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل‏فأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل‏و جزيناهم ببدر مثلها و بأحد يوم أحد فاعتدل‏لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

فدخل عليه زيد بن أرقم و رأى الرأس في الطست و هو يضرب بالقضيب على أسنانه فقال كف عن ثناياه فطالما رأيت النبي يقبلها فقال يزيد لو لا أنك شيخ كبير خرفت لقتلتك و دخل عليه رأس اليهود فقال ما هذا الرأس فقال رأس خارجي قال و من هو قال الحسين قال ابن من قال ابن علي قال و من أمه قال فاطمة قال و من فاطمة قال بنت محمد قال نبيكم قال نعم قال لا جزاكم الله خيرا بالأمس كان نبيكم و اليوم قتلتم ابن بنته ويحك إن بيني و بين داود النبي نيفا و ثلاثين أبا فإذا رأتني اليهود كفرت إلي ثم مال إلى الطست و قبل الرأس و قال أشهد أن لا إله إلا الله و أن جدك محمد رسول الله و خرج فأمر يزيد بقتله و أمر فأدخل الرأس القبة التي بإزاء القبة التي يشرب فيها و وكلنا بالرأس و كل ذلك كان في قلبي فلم يحملني النوم في تلك القبة فلما دخل الليل وكلنا أيضا بالرأس فلما مضى وهن من الليل سمعت دويا من السماء فإذا مناد ينادي يا آدم اهبط فهبط أبو البشر و معه كثير من الملائكة ثم سمعت مناديا ينادي يا إبراهيم اهبط فهبط و معه كثير من الملائكة ثم سمعت مناديا ينادي يا موسى اهبط فهبط و معه كثير من الملائكة ثم سمعت مناديا ينادي يا عيسى اهبط فهبط و معه كثير من الملائكة ثم سمعت دويا عظيما و مناد ينادي يا محمد اهبط فهبط و معه خلق كثير من الملائكة فاحدق الملائكة بالقبة ثم إن النبي دخل القبة و أخذ الرأس منها و في رواية أن محمدا قعد تحت الرأس فانحنى الرمح و وقع الرأس في حجر رسول الله فأخذه و جاء به إلى آدم فقال يا أبي آدم ما ترى ما فعلت أمتي بولدي من بعدي فاقشعر لذلك جلدي ثم قام جبرئيل فقال يا محمد أنا صاحب الزلازل فأمرني لأزلزل بهم الأرض و أصيح بهم صيحة واحدة يهلكون فيها فقال لا قال يا محمد دعني و هؤلاء الأربعين الموكلين بالرأس قال فدونك فجعل ينفخ بواحد واحد فدنا مني فقال تسمع و ترى فقال النبي دعوه دعوه لا يغفر الله له فتركني و أخذوا الرأس و ولوا فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر و لحق عمر بن سعد الري فما لحق بسلطانه و محق الله عمره فأهلك في الطريق فقال سليمان الأعمش قلت للرجل تنح عني لا تحرقني بنارك و وليت و لا أدري بعد ذلك ما خبره

 بيان التكفير أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين يضع يده على صدره و يتطأمن له و الوهن نحو من نصف الليل قوله تسمع و ترى كأنه كلام على سبيل التهديد أي وقفت هاهنا و تنظر و تسمع أو المعنى أنك كنت في العسكر و إن لم تفعل شيئا فكنت تسمع واعيتهم و ترى ما يفعل بهم

32-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ عن المنهال بن عمرو قال أنا و الله رأيت رأس الحسين حين حمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق فقال أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي

33-  سن، ]المحاسن[ الحسن بن ظريف عن أبيه عن الحسين بن زيد عن عمر بن علي بن الحسين قال لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه لبس نساء بني هاشم السواد و المسوح و كن لا يشتكين من حر و لا برد و كان علي بن الحسين يعمل لهن الطعام للمأتم

34-  جا، ]المجالس للمفيد[ المرزباني عن أحمد بن محمد عن الحسين بن عليل عن عبد الكريم بن محمد عن علي بن سلمة عن محمد بن فخار عن عبد الله بن عامر قال لما أتى نعي الحسين ع إلى المدينة خرجت أسماء بنت عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه في جماعة من نسائها حتى انتهت إلى قبر رسول الله ص فلاذت به و شهقت عنده ثم التفت إلى المهاجرين و الأنصار و هي تقول

ما ذا تقولون إن قال النبي لكم يوم الحساب و صدق القول مسموع‏خذلتم عترتي أو كنتم غيبا و الحق عند ولي الأمر مجموع‏أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما منكم له اليوم عند الله مشفوع‏ما كان عند غداة الطف إذ حضروا تلك المنايا و لا عنهن مدفوع

 قال فما رأينا باكيا و لا باكية أكثر مما رأينا ذلك اليوم

35-  يب، ]تهذيب الأحكام[ محمد بن يحيى عن الحسن بن علي بن عبد الله عن عبيس بن هشام عن سالم عن أبي جعفر ع قال جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين ع مسجد الأشعث و مسجد جرير و مسجد سماك و مسجد شبث بن ربعي

36-  أقول روي في بعض مؤلفات أصحابنا مرسلا أن نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد لعنه الله تعالى و قد حضر في مجلسه الذي أتي إليه فيه برأس الحسين فلما رأى النصراني رأس الحسين ع بكى و صاح و ناح حتى ابتلت لحيته بالدموع ثم قال اعلم يا يزيد إني دخلت المدينة تاجرا في أيام حياة النبي و قد أردت أن آتيه بهدية فسألت من أصحابه أي شي‏ء أحب إليه من الهدايا فقالوا الطيب أحب إليه من كل شي‏ء و إن له رغبة فيه قال فحملت من المسك فأرتين و قدرا من العنبر الأشهب و جئت بها إليه و هو يومئذ في بيت زوجته أم سلمة رضي الله عنها فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من لقائه نورا ساطعا و زادني منه سرور و قد تعلق قلبي بمحبته فسلمت عليه و وضعت العطر بين يديه فقال ما هذا قلت هدية محقرة أتيت بها إلى حضرتك فقال لي ما اسمك فقلت اسمي عبد الشمس فقال لي بدل اسمك فإني أسميك عبد الوهاب إن قبلت مني الإسلام قبلت منك الهدية قال فنظرته و تأملته فعلمت أنه نبي و هو النبي الذي أخبرنا عنه عيسى ع حيث قال إني مبشر لكم بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فاعتقدت ذلك و أسلمت على يده في تلك الساعة و رجعت إلى الروم و أنا أخفي الإسلام و لي مدة من السنين و أنا مسلم مع خمس من البنين و أربع من البنات و أنا اليوم وزير ملك الروم و ليس لأحد من النصارى اطلاع على حالنا و اعلم يا يزيد إني يوم كنت في حضرة النبي ص و هو في بيت أم سلمة رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك مهينا حقيرا قد دخل على جده من باب الحجرة و النبي فاتح باعه ليتناوله و هو يقول مرحبا بك يا حبيبي حتى أنه تناوله و أجلسه في حجره و جعل يقبل شفتيه و يرشف ثناياه و هو يقول بعد عن رحمة الله من قتلك لعن الله من قتلك يا حسين و أعان على قتلك و النبي ص مع ذلك يبكي فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبي في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن ع و قال يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر و إنما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الآخر فقال لهما النبي حبيبي يا مهجتي إن التصارع لا يليق بكما و لكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطه أحسن كذلك تكون قوته أكثر قال فمضيا و كتب كل واحد منهما سطرا و أتيا إلى جدهما النبي فأعطياه اللوح ليقضي بينهما فنظر النبي إليهما ساعة و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما فقال لهما يا حبيبي إني نبي أمي لا أعرف الخط اذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما و ينظر أيكما أحسن خطا قال فمضيا إليه و قام النبي أيضا معهما و دخلوا جميعا إلى منزل فاطمة ع فما كان إلا ساعة و إذا النبي مقبل و سلمان الفارسي معه و كان بيني و بين سلمان صداقة و مودة فسألته كيف حكم أبوهما و خط أيهما أحسن قال سلمان رضوان الله عليه إن النبي لم يجبهما بشي‏ء لأنه تأمل أمرهما و قال لو قلت خط الحسن أحسن كان يغتم الحسين و لو قلت خط الحسين أحسن كان يغتم الحسن فوجههما إلى أبيهما فقلت يا سلمان بحق الصداقة و الأخوة التي بيني و بينك و بحق دين الإسلام إلا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما فقال لما أتيا إلى أبيهما و تأمل حالهما رق لهما و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما قال لهما امضيا إلى أمكما فهي تحكم بينكما فأتيا إلى أمهما و عرضا عليها ما كتبا في اللوح و قالا يا أماه إن جدنا أمرنا أن نتكاتب فكل من كان خطه أحسن تكون قوته أكثر فتكاتبنا و جئنا

 إليه فوجهنا إلى أبينا فلم يحكم بيننا و وجهنا إليك فتفكرت فاطمة بأن جدهما و أباهما ما أرادا كسر خاطرهما أنا ما ذا أصنع و كيف أحكم بينهما فقالت لهما يا قرتي عيني إني أقطع قلادتي على رأسكما فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطه أحسن و تكون قوته أكثر قال و كان في قلادتها سبع لؤلؤات ثم إنها قامت فقطعت قلادتها على رأسهما فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات و التقط الحسين ثلاث لؤلؤات و بقيت الأخرى فأراد كل منهما تناولها فأمر الله تعالى جبرئيل بنزوله إلى الأرض و أن يضرب بجناحه تلك اللؤلؤة و يقدها نصفين فأخذ كل منهما نصفا فانظر يا يزيد كيف رسول الله ص لم يدخل على أحدهما ألم ترجيح الكتابة و لم يرد كسر قلبهما و كذلك أمير المؤمنين و فاطمة ع و كذلك رب العزة لم يرد كسر قلب أحدهما بل أمر من قسم اللؤلؤة بينهما لجبر قلبهما و أنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله أف لك و لدينك يا يزيد ثم إن النصراني نهض إلى رأس الحسين ع و احتضنه و جعل يقبله و هو يبكي و يقول يا حسين اشهد لي عند جدك محمد المصطفى و عند أبيك علي المرتضى و عند أمك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين

 قال و روي من طريق أهل البيت ع أنه لما استشهد الحسين ع بقي في كربلاء صريعا و دمه على الأرض مسفوحا و إذا بطائر أبيض قد أتى و تمسح بدمه و جاء و الدم يقطر منه فرأى طيورا تحت الظلال على الغصون و الأشجار و كل منهم يذكر الحب و العلف و الماء فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم يا ويلكم أ تشتغلون بالملاهي و ذكر الدنيا و المناهي و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحر ملقى على الرمضاء ظامئ مذبوح و دمه مسفوح فعادت الطيور كل منهم قاصدا كربلاء فرأوا سيدنا الحسين ع ملقى في الأرض جثة بلا رأس و لا غسل و لا كفن قد سفت عليه السوافي و بدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها زواره وحوش القفار و ندبته جن السهول و الأوعار قد أضاء التراب من أنواره و أزهر الجو من أزهاره فلما رأته الطيور تصايحن و أعلن بالبكاء و الثبور و تواقعن على دمه يتمرغن فيه و طار كل واحد منهم إلى ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين ع فمن القضاء و القدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول و جاء يرفرف و الدم يتقاطر من أجنحته و دار حول قبر سيدنا رسول الله يعلن بالنداء ألا قتل الحسين بكربلاء ألا ذبح الحسين بكربلاء فاجتمعت الطيور عليه و هم يبكون عليه و ينوحون فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح و شاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدة من الزمان و جاء خبر مقتل الحسين علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول و قرة عين الرسول و قد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة كان في المدينة رجل يهودي و له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة و الجذام قد أحاط ببدنها فجاء ذلك الطائر و الدم يتقاطر منه و وقع على شجرة يبكي طول ليلته و كان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان و تركها في البستان الذي جاء الطير و وقع فيه فمن القضاء و القدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة و البنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها لأن أباها كان يحدثها و يسليها حتى تنام فسمعت عند السحر بكاء الطير و حنينه فبقيت تتقلب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدم فوقعت على عينها ففتحت ثم قطرة أخرى على عينها الأخرى فبرأت ثم قطرة على يديها فعوفيت ثم على رجليها فبرأت و عادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين ع

 فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان فرأى بنتا تدور و لم يعلم أنها ابنته فسألها أنه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك فقالت ابنته و الله أنا ابنتك فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه فلما أفاق قام على قدميه فأتت به إلى ذلك الطير فرآها واكرا على الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رأى مما فعل بالحسين ع فقال له اليهودي أقسمت عليك بالذي خلقك أيها الطير أن تكلمني بقدرة الله تعالى فنطق الطير مستعبرا ثم قال إني كنت واكرا على بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة و إذا بطير ساقط علينا و هو يقول أيها الطيور تأكلون و تتنعمون و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحر على الرمضاء طريحا ظامئا و النحر دام و رأسه مقطوع على الرمح مرفوع و نساؤه سبايا حفاة عرايا فلما سمعن بذلك تطايرن إلى كربلاء فرأيناه في ذلك الوادي طريحا الغسل من دمه و الكفن الرمل السافي عليه فوقعنا كلنا عليه ننوح و نتمرغ بدمه الشريف و كان كل منا طار إلى ناحية فوقعت أنا في هذا المكان فلما سمع اليهودي ذلك تعجب و قال لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كل داء ثم أسلم اليهودي و أسلمت البنت و أسلم خمسمائة من قومه و قال حكي عن رجل أسدي قال كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر عسكر بني أمية فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلا بعضها منها أنه إذا هبت الرياح تمر علي نفحات كنفحات المسك و العنبر إذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض و يرقى من الأرض إلى السماء مثلها و أنا منفرد مع عيالي و لا أرى أحدا أسأله عن ذلك و عند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة فأولي عنه إلى منزلي فإذا أصبح و طلعت الشمس و ذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهبا فقلت في نفسي إن هؤلاء خوارج قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم و أرى منهم ما لم أره من سائر القتلى فو الله هذه الليلة لا بد من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا فلما صار عند غروب الشمس و إذا به أقبل فحققته و إذا هو هائل المنظر فارتعدت منه و خطر ببالي إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني و أنا أحاكي نفسي بهذا فمثلته و هو يتخطى القتلى حتى وقف على جسد كأنه الشمس إذا طلعت فبرك عليه فقلت يأكل منه و إذا به يمرغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم فقلت الله أكبر ما هذه إلا أعجوبة فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام و إذا بشموع معلقة ملأت الأرض و إذا ببكاء و نحيب و لطم مفجع فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض ففهمت من ناع فيهم يقول وا حسيناه وا إماماه فاقشعر جلدي فقربت من الباكي و أقسمت عليه بالله و برسوله من تكون فقال إنا نساء من الجن فقلت و ما شأنكن فقلن في كل يوم و ليلة هذا عزاؤنا على الحسين الذبيح العطشان فقلت هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد قلن نعم أ تعرف هذا الأسد قلت لا قلن هذا أبوه علي بن أبي طالب فرجعت و دموعي تجر على خدي قال و نقل أن سكينة بنت الحسين ع قالت يا يزيد رأيت البارحة رؤيا إن سمعتها مني قصصتها عليك فقال يزيد هاتي ما رأيتي قالت بينما أنا ساهرة و قد كللت من البكاء بعد أن صليت و دعوت الله بدعوات فلما رقدت عيني رأيت أبواب السماء قد تفتحت و إذا أنا بنور ساطع من السماء إلى الأرض و إذا

 أنا بوصائف من وصائف الجنة و إذا أنا بروضة خضراء و في تلك الروضة قصر و إذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلى ذلك القصر و عندهم وصيف فقلت يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر فقال هذا لأبيك الحسين أعطاه الله تعالى ثوابا لصبره فقلت و من هذه المشايخ فقال أما الأول فآدم أبو البشر و أما الثاني فنوح نبي الله و أما الثالث فإبراهيم خليل الرحمن و أما الرابع فموسى الكليم فقلت له و من الخامس الذي أراه قابضا على لحيته باكيا حزينا من بينهم فقال لي يا سكينة أ ما تعرفه فقلت لا فقال هذا جدك رسول الله فقلت له إلى أين يريدون فقال إلى أبيك الحسين فقلت و الله لألحقن جدي و أخبرنه بما جرى علينا فسبقني و لم ألحقه فبينما أنا متفكرة و إذا بجدي علي بن أبي طالب و بيده سيفه و هو واقف فناديته يا جداه قتل و الله ابنك من بعدك فبكى و ضمني إلى صدره و قال يا بنية صبرا و الله المستعان ثم إنه مضى و لم أعلم إلى أين فبقيت متعجبة كيف لم أعلم به فبينما أنا كذلك إذا بباب قد فتح من السماء و إذا بالملائكة يصعدون و ينزلون على رأس أبي قال فلما سمع يزيد ذلك لطم على وجهه و بكى و قال ما لي و لقتل الحسين و في رواية أخرى أن سكينة قالت ثم أقبل على رجل دري اللون قمري الوجه حزين القلب فقلت للوصيف من هذا فقال جدك رسول الله ص فدنوت منه و قلت له يا جداه قتلت و الله رجالنا و سفكت و الله دماؤنا و هتكت و الله حريمنا و حملنا على الأقتاب من غير وطاء نساق إلى يزيد فأخذني إليه و ضمني إلى صدره ثم أقبل على آدم و نوح و إبراهيم و موسى ثم قال لهم ما ترون إلى ما صنعت أمتي بولدي من بعدي ثم قال الوصيف يا سكينة اخفضي صوتك فقد أبكيتي رسول الله ص ثم أخذ الوصيف بيدي فأدخلني القصر و إذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن و زاد في نورهن و بينهن امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها و عليها ثياب سود و بيدها قميص مضمخ بالدم و إذا قامت يقمن معها و إذا جلست يجلسن معها فقلت للوصيف ما هؤلاء النسوة اللاتي قد عظم الله خلقتهن فقال يا سكينة هذه حواء أم البشر و هذه مريم ابنة عمران و هذه خديجة بنت خويلد و هذه هاجر و هذه سارة و هذه التي بيدها القميص المضمخ و إذا قامت يقمن معها و إذا جلست يجلسن معها هي جدتك فاطمة الزهراء فدنوت منها و قلت لها يا جدتاه قتل و الله أبي و أوتمت على صغر سني فضمتني إلى صدرها و بكت شديدا و بكين النساء كلهن و قلن لها يا فاطمة يحكم الله بينك و بين يزيد يوم فصل القضاء ثم إن يزيد تركها و لم يعبأ بقولها قال و نقل عن هند زوجة يزيد قالت كنت أخذت مضجعي فرأيت بابا من السماء و قد فتحت و الملائكة ينزلون كتائب كتائب إلى رأس الحسين و هم يقولون السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يا ابن رسول الله فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء و فيها رجال كثيرون و فيهم رجل دري اللون قمري الوجه فأقبل يسعى حتى انكب على ثنايا الحسين يقبلهما و هو يقول يا ولدي قتلوك أ تراهم ما عرفوك و من شرب الماء منعوك يا ولدي أنا جدك رسول الله و هذا أبوك علي المرتضى و هذا أخوك الحسن و هذا عمك جعفر و هذا عقيل و هذان حمزة و العباس ثم جعل يعدد أهل بيته واحدا بعد واحد قالت هند فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة و إذا بنور قد انتشر على رأس الحسين فجعلت أطلب يزيد و هو قد دخل إلى بيت مظلم و قد دار وجهه إلى الحائط و هو يقول ما لي و للحسين و قد وقعت عليه الهمومات فقصصت عليه المنام و هو منكس الرأس قال فلما أصبح استدعى بحرم رسول الله ص فقال لهن أيما أحب إليكن المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة و لكم الجائزة السنية قالوا نحب أولا أن ننوح على الحسين قال افعلوا ما بدا لكم ثم أخليت لهن الحجر و البيوت في دمشق و لم تبق هاشمية و لا قرشية إلا و لبست السواد على الحسين و ندبوه على ما نقل سبعة أيام فلما كان اليوم الثامن دعاهن يزيد و عرض عليهن المقام

 فأبين و أرادوا الرجوع إلى المدينة فأحضر لهم المحامل و زينها و أمر بالأنطاع الإبريسم و صب عليها الأموال و قال يا أم كلثوم خذوا هذا المال عوض ما أصابكم فقالت أم كلثوم يا يزيد ما أقل حياءك و أصلب وجهك تقتل أخي و أهل بيتي و تعطيني عوضهم ثم قال و أما أم كلثوم فحين توجهت إلى المدينة جعلت تبكي و تقول

مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الأحزان جئناألا فأخبر رسول الله عنا بأنا قد فجعنا في أبيناو أن رجالنا بالطف صرعى بلا رءوس و قد ذبحوا البنيناو أخبر جدنا أنا أسرنا و بعد الأسر يا جدا سبيناو رهطك يا رسول الله أضحوا عرايا بالطفوف مسلبيناو قد ذبحوا الحسين و لم يراعوا جنابك يا رسول الله فينافلو نظرت عيونك للأسارى على أقتاب الجمال محملينارسول الله بعد الصون صارت عيون الناس ناظرة إليناو كنت تحوطنا حتى تولت عيونك ثارت الأعدا عليناأ فاطم لو نظرت إلى السبايا بناتك في البلاد مشتتيناأ فاطم لو نظرت إلى الحيارى و لو أبصرت زين العابديناأ فاطم لو رأيتينا سهارى و من سهر الليالي قد عميناأ فاطم ما لقيتي من عداكي و لا قيراط مما قد لقينافلو دامت حياتك لم تزالي إلى يوم القيامة تندبيناو عرج بالبقيع و قف و ناد أيا ابن حبيب رب العالميناو قل يا عم يا حسن المزكى عيال أخيك أضحوا ضائعيناأيا عماه إن أخاك أضحى بعيدا عنك بالرمضا رهينابلا رأس تنوح عليه جهرا طيور و الوحوش الموحشيناو لو عاينت يا مولاي ساقوا حريما لا يجدن لهم معينا

 على متن النياق بلا وطاء و شاهدت العيال مكشفينامدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الأحزان جئناخرجنا منك بالأهلين جمعا رجعنا لا رجال و لا بنيناو كنا في الخروج بجمع شمل رجعنا حاسرين مسلبيناو كنا في أمان الله جهرا رجعنا بالقطيعة خائفيناو مولانا الحسين لنا أنيس رجعنا و الحسين به رهينافنحن الضائعات بلا كفيل و نحن النائحات على أخيناو نحن السائرات على المطايا نشال على جمال المبغضيناو نحن بنات يس و طه و نحن الباكيات على أبيناو نحن الطاهرات بلا خفاء و نحن المخلصون المصطفوناو نحن الصابرات على البلايا و نحن الصادقون الناصحوناألا يا جدنا قتلوا حسينا و لم يرعوا جناب الله فيناألا يا جدنا بلغت عدانا مناها و اشتفى الأعداء فينالقد هتكوا النساء و حملوها على الأقتاب قهرا أجمعيناو زينب أخرجوها من خباها و فاطم واله تبدي الأنيناسكينة تشتكي من حر وجد تنادي الغوث رب العالميناو زين العابدين بقيد ذل و راموا قتله أهل الخؤونافبعدهم على الدنيا تراب فكأس الموت فيها قد سقيناو هذي قصتي مع شرح حالي ألا يا سامعون ابكوا علينا

قال الراوي و أما زينب فأخذت بعضادتي باب المسجد و نادت يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين و هي مع ذلك لا تجف لها عبرة و لا تفتر من البكاء و النحيب و كلما نظرت إلى علي بن الحسين تجدد حزنها و زاد وجدها

38-  يف، ]الطرائف[ من مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى سهل قال قالت أم سلمة زوجة النبي ص حين جاءها نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق و قالت قتلوه قتلهم الله غروه و أذلوه لعنهم الله فإني رأيت رسول الله ص و قد جاءته فاطمة ع عشية ببرمة قد صنعت فيها عصيدة تحملها في طبق حتى وضعتها بين يديه فقال لها أين ابن عمك قالت هو في البيت قال اذهبي فادعيه و ائتيني بابنيه قالت و جاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد و علي ع يمشي بأثرها حتى دخلوا على رسول الله ص فأجلسهما في حجره و جلس علي ع عن يمينه و جلست فاطمة ع عن يساره قالت أم سلمة فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا فلفه رسول الله ص و أخذ طرفي الكساء و ألوى بيده اليمنى إلى ربه عز و جل و قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا قلت يا رسول الله أ لست من أهلك قال بلى قالت فأدخلني في الكساء بعد ما قضى دعاءه لابن عمه علي و ابنته فاطمة و ابنيهما

39-  أقول روى شارح ديوان أمير المؤمنين ع عن هشام الكلبي بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام أنه لما قتل الحسين ع سمعوا صوت هاتف من السماء يقول

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل‏كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و مرسل و قتيل‏قد لعنتم على لسان بن داود و موسى و صاحب الإنجيل

40-  و وجدت بخط بعض الأفاضل نقلا من خط الشهيد قدس سره قال لما جي‏ء برءوس الشهيد و السبايا من آل محمد ع أنشد يزيد لعنه الله

لما بدت تلك الرءوس و أشرقت تلك الشموس على ربي جيرون‏صاح الغراب فقلت صح أو لا تصح فلقد قضيت من النبي ديوني

  -41  دعوات الراوندي، و روي أنه لما حمل علي بن الحسين ع إلى يزيد لعنه الله هم بضرب عنقه فوقفه بين يديه و هو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله و علي ع يجيبه حسب ما يكلمه و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلم فقال له يزيد أكلمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك فكيف يجوز ذلك فقال حدثني أبي عن جدي أنه كان إذا صلى الغداة و انفتل لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه فيقول اللهم إني أصبحت أسبحك و أمجدك و أحمدك و أهللك بعدد ما أدير به سبحتي و يأخذ السبحة و يديرها و هو يتكلم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح و ذكر أن ذلك محتسب له و هو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه فإذا أوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ففعلت هذا اقتداء بجدي فقال له يزيد لست أكلم أحدا منكم إلا و يجيبني بما يعوذ به و عفا عنه و وصله و أمر بإطلاقه

42-  نوادر علي بن أسباط، عن غير واحد من أصحابه قال إن مصعب بن الزبير لما توجه إلى عبد الملك بن مروان يقاتله و بلغ الحير دخل فوقف على قبر أبي عبد الله ع ثم قال يا أبا عبد الله أما و الله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك ثم انصرف و هو يقول شعر

و إن الأولى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا

 و منه عن غير واحد قال لما بلغ أهل البلدان ما كان من أبي عبد الله ع قدمت لزيارته مائة ألف امرأة ممن كانت لا تلد فولدن كلهن