باب 2- كيفية شهادته ع و وصيته و غسله و الصلاة عليه و دفنه

1-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ قبض صلوات الله عليه قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضين من شهر رمضان على يدي عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله و قد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرباب و شبيب بن بجرة و الأشعث بن قيس و قطام بنت الأخضر فضربه سيفا على رأسه مسموما فبقي يومين إلى نحو الثلث من الليل و له يومئذ خمس و ستون سنة في قول الصادق ع و قالت العامة ثلاث و ستون سنة عاش مع النبي ص بمكة ثلاث عشرة سنة و بالمدينة عشر سنين و قد كان هاجر و هو ابن أربع و عشرين سنة و ضرب بالسيف بين يدي النبي ص و هو ابن ست عشرة سنة و قتل الأبطال و هو ابن تسع عشرة سنة و قلع باب خيبر و له ثمان و عشرون سنة و كانت مدة إمامته ثلاثون سنة منها أيام أبي بكر سنتان و أربعة أشهر و أيام عمر تسع سنين و أشهر و أيام و عن الفرياني عشر سنين و ثمانية أشهر و أيام عثمان اثنتا عشرة سنة ثم آتاه الله الحق خمس سنين و أشهرا و كان ع أمر بأن يخفى قبره لما عرف من بني أمية و عداوتهم فيه إلى أن أظهره الصادق ع ثم إن محمد بن زيد الحسني أمر بعمارة الحائر بكربلاء و البناء عليهما و بعد ذلك زيد فيه و بلغ عضد الدولة الغاية في تعظيمها و الأوقاف عليهما

2-  د، ]العدد القوية[ في كتاب الذخيرة جرح أمير المؤمنين ع لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان سنة أربعين و توفي في ليلة الثاني و العشرين منه

 و في كتاب عتيق ليلة الأحد لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين

 في مواليد الأئمة ليلة الأحد لتسع بقين من شهر رمضان

 في كتاب أسماء حجج الله قبض في إحدى و عشرين ليلة من رمضان في عام الأربعين

 و في تاريخ المفيد في ليلة إحدى و عشرين من رمضان سنة أربعين من الهجرة وفاة أمير المؤمنين ع و قيل يوم الإثنين لتسع عشرة من رمضان إحدى و أربعين دفن بالغري و عمره ثلاث و ستون سنة كان مقامه مع رسول الله ص بعد البعثة ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة مشاركا له في محنه كلها محتملا عنه أثقاله و عشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يكافح عنه المشركين و يجاهد دونه الكافرين و يقيه بنفسه فمضى ص و لأمير المؤمنين ثلاث و ثلاثون سنة و كانت إمامته ع ثلاثون سنة منها أربع و عشرون سنة ممنوع من التصرف للتقية و المداراة و منها خمس سنين و أشهر ممتحنا بجهاد المنافقين و قيل مدة ولايته أربع سنين و تسعة أشهر و قيل عمره أربع و ستون سنة و أربعة شهور و عشرون يوما و قيل قتل ع في شهر رمضان لتسع مضين منه و قيل لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة

  -3  كا، ]الكافي[ قتل ع في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة و هو ابن ثلاث و ستين سنة بقي بعد قبض النبي ص ثلاثين سنة

4-  د، ]العدد القوية[ اختلف في الليلة التي استشهد فيها أحدها آخر الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان صبيحة الجمعة بمسجد الكوفة قال ابن عباس الثاني ليلة إحدى و عشرين من رمضان فبقي الجمعة ثم يوم السبت و توفي ليلة الأحد قاله مجاهد و الثالث أنه قتل في الليلة السابعة و العشرين من شهر رمضان قاله الحسن البصري و هي ليلة القدر و فيها عرج بعيسى ابن مريم ع و فيها توفي يوشع بن نون و هذا أشهر

5-  يب، ]تهذيب الأحكام[ الشيخ عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال الغسل في سبعة عشر موطنا و ساق الحديث إلى أن قال و ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان و هي الليلة التي أصيب فيها سيد أوصياء الأنبياء و فيها رفع عيسى ابن مريم و قبض موسى ع الخبر

6-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي حمزة الثمالي عن حبيب بن عمرو قال دخلت على أمير المؤمنين ع في مرضه الذي قبض فيه فحل عن جراحته فقلت يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشي‏ء و ما بك من بأس فقال لي يا حبيب أنا و الله مفارقكم الساعة قال فبكيت عند ذلك و بكت أم كلثوم و كانت قاعدة عنده فقال لها ما يبكيك يا بنية فقالت ذكرت يا أبة أنك تفارقنا الساعة فبكيت فقال لها يا بنية لا تبكين فو الله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت قال حبيب فقلت له و ما الذي ترى يا أمير المؤمنين فقال يا حبيب أرى ملائكة السماء و النبيين بعضهم في أثر بعض وقوفا إلى أن يتلقوني و هذا أخي محمد رسول الله ص جالس عندي يقول أقدم فإن أمامك خير لك مما أنت فيه قال فما خرجت من عنده حتى توفي ع فلما كان من الغد و أصبح الحسن ع قام خطيبا على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس في هذه الليلة نزل القرآن و في هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم و في هذه الليلة قتل يوشع بن نون و في هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين ع و الله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة و لا من يكون بعده و إن كان رسول الله ص ليبعثه في السرية فيقال جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ما ترك صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله

7-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن عمر بن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن همام الإسكافي عن جعفر بن محمد بن مالك عن أحمد بن سلامة الغنوي عن محمد بن الحسن العامري عن معمر عن أبي بكر بن عياش عن الفجيع العقيلي قال حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب ع قال لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله ص و ابن عمه و صاحبه أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسوله و خيرته اختاره بعلمه و ارتضاه لخيرته و إن الله باعث من في القبور و سائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور ثم إني أوصيك يا حسن و كفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله ص فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك و ابك على خطيئتك و لا تكن الدنيا أكبر همك و أوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها و الزكاة في أهلها عند محلها و الصمت عند الشبهة و الاقتصاد و العدل في الرضا و الغضب و حسن الجوار و إكرام الضيف و رحمة المجهود و أصحاب البلاء و صلة الرحم و حب المساكين و مجالستهم و التواضع فإنه من أفضل العبادة و قصر الأمل و اذكر الموت و ازهد في الدنيا فإنك رهين موت و غرض بلاء و طريح سقم و أوصيك بخشية الله في سر أمرك و علانيتك و أنهاك عن التسرع بالقول و الفعل و إذا عرض شي‏ء من أمر الآخرة فابدأ به و إذا عرض شي‏ء من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه و إياك و مواطن التهمة و المجلس المظنون به السوء فإن قرين السوء يغر جليسه و كن لله يا بني عاملا و عن الخنى زجورا و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا و واخ الإخوان في الله و أحب الصالح لصلاحه و دار الفاسق عن دينك و أبغضه بقلبك و زايله بأعمالك لئلا تكون مثله و إياك و الجلوس في الطرقات و دع المماراة و مجاراة من لا عقل له و لا علم و اقتصد يا بني في معيشتك و اقتصد في عبادتك و عليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه و الزم الصمت تسلم و قدم لنفسك تغنم و تعلم الخير تعلم و كن لله ذاكرا على كل حال و ارحم من أهلك الصغير و وقر منهم الكبير و لا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله و عليك بالصوم فإنه زكاة البدن و جنة لأهله و جاهد نفسك و احذر جليسك و اجتنب عدوك و عليك بمجالس الذكر و أكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحا و هذا فراق بيني و بينك و أوصيك بأخيك محمد خيرا فإنه شقيقك و ابن أبيك و قد تعلم حبي له و أما أخوك الحسين فهو ابن أمك و لا أريد الوصاة بذلك و الله الخليفة عليكم و إياه أسأل أن يصلحكم و أن يكف الطغاة البغاة عنكم و الصبر الصبر حتى ينزل الله الأمر و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

 بيان و ارتضاه لخيرته أي لأن يكون مختاره من بين الخلق

8-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمر الجعابي عن ابن عقدة عن موسى بن يوسف القطان عن محمد بن سليمان المقري عن عبد الصمد بن علي النوفلي عن أبي إسحاق السبيعي عن الأصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع عدونا نفر من أصحابنا أنا و الحارث و سويد بن غفلة و جماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا فخرج إلينا الحسن بن علي ع فقال يقول لكم أمير المؤمنين ع انصرفوا إلى منازلكم فانصرف القوم غيري فاشتد البكاء من منزله فبكيت و خرج الحسن ع و قال أ لم أقل لكم انصرفوا فقلت لا و الله يا ابن رسول الله ص لا يتابعني نفسي و لا يحملني رجلي أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين ع قال فبكيت و دخل فلم يلبث أن خرج فقال لي ادخل فدخلت على أمير المؤمنين ع فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف و اصفر وجهه ما أدري وجهه أصفر أو العمامة فأكببت عليه فقبلته و بكيت فقال لي لا تبك يا أصبغ فإنها و الله الجنة فقلت له جعلت فداك إني أعلم و الله أنك تصير إلى الجنة و إنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله ص فإني أراك لا أسمع منك حديثا بعد يومي هذا أبدا قال نعم يا أصبغ دعاني رسول الله ص يوما فقال لي يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد منبري ثم تدعو الناس إليك فتحمد الله تعالى و تثني عليه و تصلي علي صلاة كثيرة ثم تقول أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم و هو يقول لكم إن لعنة الله و لعنة ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين و لعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره فأتيت مسجده ص و صعدت منبره فلما رأتني قريش و من كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله و أثنيت عليه و صليت على رسول الله ص صلاة كثيرة ثم قلت أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم و هو يقول لكم ألا إن لعنة الله و لعنة ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين و لعنتي إلى من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره قال فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب فإنه قال قد أبلغت يا أبا الحسن و لكنك جئت بكلام غير مفسر فقلت أبلغ ذلك رسول الله فرجعت إلى النبي ص فأخبرته الخبر فقال ارجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد الله و أثن عليه و صل علي ثم قل أيها الناس ما كنا لنجيئكم بشي‏ء إلا و عندنا تأويله و تفسيره ألا و إني أنا أبوكم ألا و إني أنا مولاكم ألا و إني أنا أجيركم

 توضيح نزف فلان دمه كعني سال حتى يفرط فهو منزوف و نزيف قوله ع ألا و إني أنا أبوكم يعني أمير المؤمنين صلوات الله عليه و إنما وصفه بكونه أجيرا لأن النبي و الإمام ع لما وجب لهما بإزاء تبليغهما رسالات ربهما إطاعتهما و مودتهما فكأنهما أجيران كما قال تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى و يحتمل أن يكون المعنى من يستحق الأجر من الله بسببكم

9-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسين ع قال لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط و أما ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة و هو ساجد على رأسه على الضربة التي كانت فخرج الحسن و الحسين ع و أخذا ابن ملجم و أوثقاه و احتمل أمير المؤمنين ع فأدخل داره فقعدت لبابة عند رأسه و جلست أم كلثوم عند رجليه ففتح عينيه فنظر إليهما فقال الرفيق الأعلى خير مستقرا و أحسن مقيلا ضربة بضربة أو العفو إن كان ذلك ثم عرق ثم أفاق فقال رأيت رسول الله ص يأمرني بالرواح إليه عشاء ثلاث مرات

 بيان لعل العرق كناية عن الفتور و الضعف و الغشي فإنها تلزمه غالبا و في بعض النسخ بالغين المعجمة فيكون المراد الإغماء أو النوم مجازا و قد يقال غرق في السكر إذا بلغ النهاية فيه

10-  ب، ]قرب الإسناد[ أبو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه ع أن علي بن أبي طالب ع خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أم رأسه فوقع على ركبتيه و أخذه فالتزمه حتى أخذه الناس و حمل علي حتى أفاق ثم قال للحسن و الحسين ع احبسوا هذا الأسير و أطعموه و اسقوه و أحسنوا إساره فإن عشت فأنا أولى بما صنع في إن شئت استقدت و إن شئت صالحت و إن مت فذلك إليكم فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به

11-  كا، ]الكافي[ الحسين بن الحسن الحسني رفعه و محمد بن الحسن عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال لما ضرب أمير المؤمنين ع حف به العواد و قيل له يا أمير المؤمنين أوص فقال اثنوا لي وسادة ثم قال الحمد لله حق قدره متبعين أمره أحمده كما أحب و لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر و الأجل مساق النفس إليه و الهرب منه موافاته كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه هيهات علم مكنون أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا و محمدا ص فلا تضيعوا سنته أقيموا هذين العمودين و أوقدوا هذين المصباحين و خلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ منكم مجهوده و خفف عن الجهلة رب رحيم و إمام عليم و دين قويم أنا بالأمس صاحبكم و اليوم عبرة لكم و غدا مفارقكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد و إن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان و ذرى رياح و تحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها و عفا في الأرض مخطها و إنما كنت جارا جاوركم بدني أياما و ستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حركة و كاظمة بعد نطق ليعظكم هدوي و خفوت إطراقي و سكون أطرافي فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ ودعتكم وداع مرصد للتلاقي غدا ترون أيامي و يكشف الله عز و جل عن سرائري و تعرفوني بعد خلو مكاني و قيام غيري مقامي إن أبق فأنا ولي دمي و إن أفن فالفناء ميعادي و إن أعف فالعفو لي قربة و لكم حسنة فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو يؤديه أيامه إلى شقوة جعلنا الله و إياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة أو تحل به بعد الموت نقمة فإنما نحن له و به ثم أقبل على الحسن ع فقال يا بني ضربة مكان ضربة و لا تأثم

 بيان قوله اثنوا لي وسادة يقال ثنى الشي‏ء كسمع ]كسعى[ رد بعضه على بعض و ثنيها إما للجلوس عليها ليرتفع و يظهر للسامعين أو للاتكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس قوله ع قدره أي حمدا يكون حسب قدره و كما هو أهله و قوله متبعين حال عن فاعل الحمد لأنه في قوة نحمد الله قوله كما انتسب أي كما نسب نفسه في سورة التوحيد قوله ع كل امرئ لاق في فراره أي من الأمور المقدرة الحتمية كالموت. قال الله تعالى قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ و إنما قال ع في فراره لأن كل أحد يفر دائما من الموت و إن كان تبعدا و المساق مصدر ميمي و ليست في نهج البلاغة كلمة إليه فيحتمل أن يكون المراد بالأجل منتهى العمر و المساق ما يساق إليه و أن يكون المراد به المدة فالمساق زمان السوق. و قوله ع و الهرب منه موافاته من حمل اللازم على الملزوم فإن الإنسان ما دام يهرب من موته بحركات و تصرفات يفني عمره فيها فكأن الهرب منه موافاته و المعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل ما يدبره الإنسان لرفع ما يهرب منه يصير سببا لحصوله إذ تأثير الأدوية و الأسباب بإذنه تعالى مع أنه عند حلول الأجل يصير أحذق الأطباء أجهلهم و يغفل عما ينفع المريض و هكذا في سائر الأمور. و قال الفيروزآبادي الطرد الإبعاد و ضم الإبل من نواحيها و طردتهم أتيتهم و جزتهم و اطرده أمر بطرده أو بإخراجه عن البلد و اطرد الأمر تبع بعضه بعضا و جرى انتهى و يحتمل أن يكون الإطراد بمعنى الطرد و الجمع أو الأمر به مجازا و يمكن أن يقرأ اطردت على صيغة الغائب بتشديد الطاء فالأيام فاعله قال أكثر شراح النهج كأنه ع جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم و إبعادهم عنه أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي و أي وقت يكون بعينه و في أي أرض يكون يوما يوما فإذا لم أجده في يوم طردته و استقبلت يوما آخر و هكذا حتى وقع المقدر قالوا و هذا الكلام يدل على أنه ع لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه و إن رسول الله ص أعلمه بذلك مجملا. و مكنون هذا الأمر أي المستور من خصوصيات هذا الأمر أو المستور هو هذا الأمر فالمشار إليه شي‏ء متعلق بوفاته و هيهات أي بعد الاطلاع عليه فإنه علم مكنون مخزون و من خواص المخزون ستره و المنع من أن يناله أحد و الأظهر عندي أن المراد أني جمعت مرارا حوادث الأيام و غرائبها التي وقعت علي في ذهني و بحثت عن السر الخفي في خفاء الحق و ظهور الباطل و غلبة أهله و قيل أي السر في قتله ع فظهر لي فأبى الله إلا إخفاءه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه إذ هي من غوامض مسائل القضاء و القدر. قوله و محمدا عطف على أن لا تشركوا و يمكن أن يقدر فيه فعل أي أذكركم محمدا أو هو نصب على الإغراء و في بعض النسخ بالرفع و في النهج و أما وصيتي فالله لا تشركوا به شيئا و محمدا ص فلا تضيعوا سنته و العمودان التوحيد و النبوة و إقامتهما كناية عن إحقاق حقوقهما و قيل المراد بهما الحسنان و قيل هما المراد بالمصباحين و يقال خلاك ذم أي أعذرت و سقط عنك الذم. قوله ع ما لم تشردوا أي تتفرقوا في الدين قوله حمل على التفعيل مجهولا أو معلوما و خفف أيضا إما على بناء المعلوم أو المجهول فيقدر مبتدأ لقوله رب رحيم أي ربكم أو خبر أي لكم و على الأول في إسناد الحمل و التخفيف إلى الدين و الإمام تجوز و المراد إمام كل زمان و ثبوت الوطأة كناية عن البرء من المرض و الذرى اسم لما ذرته الرياح شبه ما فيه الإنسان في الدنيا من الأمتعة بما ذرته الرياح في عدم الثبات و قلة الانتفاع بها و قيل المراد محال ذروها كما أن في النهج و مهب رياح. قوله متلفقها بكسر الفاء أي ما انضم و اجتمع من متفرقات الغمام و مخطها ما يحدث في الأرض من الخط الفاصل بين الظل و النور و في بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها فاعله و الحاصل أني إن مت فلا عجب فإني كنت في أمور فانية شبيهة بتلك الأمور أو لا أبالي فإني كنت في الدنيا غير متعلق بها

  كمن كان في تلك الأمور و كنت دائما مترصدا للانتقال و قيل استعار الأغصان للعناصر الأربعة و الأفياء لتركبها المعرض للزوال و الرياح للأرواح و ذراها للأبدان الفائزة هي عليها بالجود الإلهي و الغمامة للأسباب القوية من الحركات السماوية و التأثيرات الفلكية و الأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم و كنى باضمحلال متلفقها عن تفرق تلك الأسباب و زوالها و بعفاء مخطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان. جاوركم بدني إنما خص المجاورة بالبدن لأنها من خواص الأجسام أو لأن روحه ع كانت معلقة بالملإ الأعلى و هو بعد في هذه الدنيا

 كما قال ع في وصف إخوانه كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملإ الأعلى

و ستعقبون على بناء المفعول من الإعقاب و هو إعطاء شي‏ء و جثة الإنسان بالضم شخصه و جسده خلاء أي خالية من الروح و الخواص و في القاموس كظم غيظه رده و حبسه و الباب أغلقه و كظم كعني كظوما سكت و قوم كظم كركع ساكتون. و في النهج و صامتة بعد نطوق ليعظكم بكسر اللام و النصب كما هو المضبوط في النهج و يحتمل الجزم لكونه أمرا و فتح اللام و الرفع أيضا و الهدوء بالهمزة و قد يخفف و يشدد السكون و خفت الصوت خفوتا سكن و لهذا قيل للميت خفت إذا انقطع كلامه و سكت و إطراقي إما بكسر الهمزة كما هو المضبوط في النهج من أطرق إطراقا أي أرخى عينيه إلى الأرض كناية عن عدم تحريك الأجفان أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوة أو جمع طرق بالفتح و هو الضرب بالمطرقة و الأطراق بالتحريك هي الأعضاء كالبدن و الرجلين و وداع بالفتح اسم من قولهم ودعته توديعا و أما بالكسر فهو الاسم من قولك أودعته موادعة أي صالحته و تقول رصدته إذا قعدت له على طريقه تترقبه و أرصدت له العقوبة أي أعدتها له و مرصد في بعض نسخ النهج بالفتح فالفاعل هو الله تعالى أو نفسه ع كأنه أعد نفسه بالتوطين للتلاقي و في بعضها بالكسر فالمفعول نفسه أو ما ينبغي إعداده و تهيئته و يوم التلاقي يوم القيامة و يحتمل شموله للرجعة أيضا و قوله غدا ظرف الأفعال الآتية و يحتمل تلك الفقرات وجوها من التأويل. الأول أن يكون المعنى بعد أن أفارقكم يتولى بنو أمية و غيرهم أمركم ترون و تعرفون فضل أيام خلافتي و أني كنت على الحق و يكشف الله لكم عن سرائري أي أني ما أردت في حروبي و سائر ما أمرتكم به إلا الله تعالى أو ينكشف بعض حسناتي المروية إليكم و كنت أسترها عنكم و عن غيركم و تعرفون عدلي و قدري بعد قيام غيري مقامي بالخلافة. الثاني أن يكون المراد بقوله غدا أيام الرجعة و القيامة فإن فيهما تظهر شوكته و رفعته و نفاذ حكمه في عالم الملك و الملكوت فهو ع في الرجعة ولي الانتقام من المنافقين و الكفار و ممكن المتقين و الأخيار في الأصقاع و الأقطار و في القيامة إلى الحساب و قسيم الجنة و النار فالمراد بخلو مكانه خلو قبره عن جسده بحسب ما يظنه الناس في الرجعة و نزوله عن منبر الوسيلة و قيامه على شفير جهنم يقول للنار خذي هذا و اتركي هذا في القيامة. ثم اعلم أن في أكثر نسخ الكافي و قيامي غير مقامي و هو أنسب بهذا المعنى و على الأول يحتاج إلى تكلف كأن يكون المراد قيامه عند الله تعالى في السماوات و تحت العرش و في الجنان في الغرفات و في دار السلام كما دلت عليه الروايات و في نسخ النهج و بعض نسخ الكافي و قيام غيري مقامي فهو بالأول أنسب و على الأخير لا يستقيم إلا بتكلف كأن يكون المراد بالغير القائم ع فإنه إمام زمان في الرجعة و قيام الرسول ص مقامه للمخاصمة في القيامة كذا خطر بالبال و إن ذكر مجملا منه بعض المعاصرين في مؤلفاتهم.

  الثالث ما خطر بالبال أيضا و هو الجمع بين المعنيين بأن يكون ترون أيامي و يكشف الله عن سرائري في الرجعة و القيامة لاتصاله بقوله وداع مرصد للتلاقي و قوله و تعرفوني إلى آخره إشارة إلى المعنى الأول غير متعلقة بالفقرتين الأوليين و هو أسد و أفيد و أظهر لا سيما على النسخة الأخيرة إن أبق الشر في لا تنافي العلم بعدم وقوع المقدم و في تنزيل العالم منزلة الشاك نوع من المصلحة و في بعض النسخ العفو لي قربة و يحتمل أن يكون استحلالا من القوم على سبيل التواضع كما هو الشائع عند الموادعة و في أكثر النسخ و إن أعف فالعفو لي قربة أي إن أعف عن قاتلي فقوله ع و لكم حسنة أي فيما يجوز العفو فيه لا في تلك الواقعة أو عفوي عن قاتلي لكم حسنة لصبركم على ما يشق عليكم في ذلك فيا لها حسرة النداء للتعجب و المنادى محذوف و ضمير لها مبهم و حسرة تمييز للضمير المبهم نحو ربه رجلا أن يكون أي لأن يكون أو هو خبر مبتدإ محذوف و الشقوة بالكسر سوء العاقبة قوله ممن لا يقصر به الباء للتعدية و رغبة فاعل لم تقصر و ضمير به راجع إلى الموصول أي لا يجعله رغبة من رغبات النفس قاصرا عن طاعة الله و ضمير له و به راجعان إلى الله أو إلى الموت قوله ع و لا تأثم أي في الزيادة فالمراد بالإثم ترك الأولى مجازا و يمكن أن يقرأ على باب التفعل أي لا تزد فتكون عند الناس منسوبا إلى الإثم

12-  غط، ]الغيبة للشيخ الطوسي[ أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن عبيد الله بن زرارة عمن رواه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال هذه وصية أمير المؤمنين ع إلى الحسن ع و هي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان و قرأها عليه قال أبان و قرأتها على علي بن الحسين ع فقال صدق سليم رحمه الله قال سليم فشهدت وصية أمير المؤمنين ع حين أوصى إلى ابنه الحسن ع و أشهد على وصيته الحسين و محمدا و جميع ولده و رؤساء شيعته و أهل بيته و قال يا بني أمرني رسول الله ص أن أوصي إليك و أن أدفع إليك كتبي و سلاحي ثم أقبل عليه فقال يا بني أنت ولي الأمر و ولي الدم فإن عفوت فلك و إن قتلت فضربة مكان ضربة و لا تأثم ثم ذكر الوصية إلى آخرها فلما فرغ من وصيته قال حفظكم الله و حفظ فيكم نبيكم أستودعكم الله و أقرأ عليكم السلام و رحمة الله ثم لم يزل يقول لا إله إلا الله حتى قبض ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة و كان ضرب ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان

13-  غط، ]الغيبة للشيخ الطوسي[ أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال بعث إلي أبو الحسن موسى بن جعفر ع بهذه الوصية مع الأخرى

 و في رواية أخرى أنه قبض ليلة إحدى و عشرين و ضرب ليلة تسع عشرة و هي الأظهر

14-  حة، ]فرحة الغري[ محمد بن أحمد بن داود القمي عن محمد بن علي بن الفضل عن علي بن الحسين بن يعقوب عن جعفر بن أحمد بن يوسف عن علي بن بدرج الجاحظ عن عمرو بن اليسع قال جاءني سعد الإسكاف فقال يا بني تحمل الحديث قلت نعم فقال حدثني أبو عبد الله ع قال لما أصيب أمير المؤمنين ع قال للحسن و الحسين ع غسلاني و كفناني و حنطاني و احملاني على سريري و احملا مؤخره تكفيان مقدمه و في رواية الكليني عن علي بن محمد رفعه قال قال أبو عبد الله ع لما غسل أمير المؤمنين ع نودوا من جانب البيت إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره و إن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه رجعنا إلى تمام الحديث فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور و لحد ملحود و لبن محفوظ فالحداني و أشرجا علي اللبن و ارفعا لبنة مما عند رأسي فانظرا ما تسمعان فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس بالقبر شي‏ء و إذا هاتف يهتف أمير المؤمنين ع كان عبدا صالحا فألحقه الله عز و جل بنبيه ص و كذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن نبيا مات في الشرق و مات وصيه في الغرب ألحق الله الوصي بالنبي

15-  حة، ]فرحة الغري[ ذكر الفقيه محمد بن معد الموسوي قال رأيت في بعض الكتب الحديثية القديمة ما صورته حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز بن عامر بن الدهان قال حدثنا علي بن عبد الله الأنباري قال حدثني محمد بن أحمد بن عيسى ابن أخي الحسن بن يحيى قال حدثني محمد بن الحسن الجعفري قال وجدت في كتاب أبي و حدثتني أمي عن أمها أن جعفر بن محمد حدثها أن أمير المؤمنين ع أمر ابنه الحسن ع أن يحفر له أربع قبور في أربع مواضع في المسجد و في الرحبة و في الغري و في دار جعدة بن هبيرة و إنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره

  -16  حة، ]فرحة الغري[ ذكر جعفر بن مبشر في كتابه في نسخة عتيقة عندي ما صورته قال قال المدائني عن أبي زكريا عن أبي بكر الهمداني عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة و عبد الله بن محمد عن علي بن اليماني عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي و القاسم بن محمد المقري عن عبد الله بن زيد عن المعافى بن عبد السلام عن أبي عبد الله الجدلي قال استنفر علي بن أبي طالب ع الناس في قتال معاوية في الصيف و ذكر الحديث مطولا و قال في آخره أبو عبد الله الجدلي و قد حضره ع و هو يوصي الحسن فقال يا بني إني ميت من ليلتي هذه فإذا أنا مت فاغسلني و كفني و حنطني بحنوط جدك و ضعني على سريري و لا يقربن أحد منكم مقدم السرير فإنكم تكفونه فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر و ليتبع المؤخر المقدم حيث ذهب فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر ثم تقدم أي بني فصل علي فكبر سبعا فإنها لن تحل لأحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق فإذا صليت فخط حول سريري ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا و كذا ثم شق لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها لي أبي نوح و ضعني في الساجة ثم ضع علي سبع لبن كبار ثم ارقب هنيهة ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي

  -17  حة، ]فرحة الغري[ الصدوق عن الحسن بن محمد بن سعيد عن فرات بن إبراهيم عن علي بن حامد عن إسماعيل بن علي بن قدامة عن أحمد بن علي بن ناصح عن جعفر بن محمد الأرمني عن موسى بن سنان الجرجاني عن أحمد بن علي المقري عن أم كلثوم بنت علي ع قالت آخر عهد أبي إلى أخوي ع أن قال يا بني إذا أنا مت فغسلاني ثم نشفاني بالبردة التي نشفتم بها رسول الله ص و فاطمة ع ثم حنطاني و سجياني على سريري ثم انظرا حتى إذا ارتفع لكما مقدم السرير فاحملا مؤخره قال فخرجت أشيع جنازة أبي حتى إذا كنا بظهر الغري ركن المقدم فوضعنا المؤخر ثم برز الحسن ع بالبردة التي نشف بها رسول الله ص و فاطمة و أمير المؤمنين ع ثم أخذ المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها سطران بالسريانية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا قبر قبره نوح النبي لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة عام قالت أم كلثوم فانشق القبر فلا أدري أ نبش سيدي في الأرض أم أسري به إلى السماء إذ سمعت ناطقا لنا بالتعزية أحسن الله لكم العزاء في سيدكم و حجة الله على خلقه

 بيان ثم برز الحسن ع بالبردة أي مرتديا بها

18-  حة، ]فرحة الغري[ محمد بن أحمد بن داود عن سلامة عن محمد بن جعفر المؤدب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن زيد عن علي بن أسباط عن أحمد بن حباب قال نظر أمير المؤمنين ع إلى ظهر الكوفة فقال ما أحسن منظرك و أطيب ريحك قعرك اللهم اجعل قبري بها

19-  حة، ]فرحة الغري[ عمي علي بن طاوس عن محمد بن عبد الله بن زهرة عن محمد بن الحسن العلوي عن القطب الراوندي عن ذي الفقار بن معبد عن المفيد محمد بن النعمان قال رواه عباد بن يعقوب الرواجني قال حدثنا حسان بن علي القسري قال حدثنا مولى لعلي بن أبي طالب ع قال لما حضرت أمير المؤمنين ع الوفاة قال للحسن و الحسين ع إذا أنا مت فاحملاني على سرير ثم أخرجاني و احملا مؤخر السرير فإنكما تكفيان مقدمه ثم ائتيا بي الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفرا فيها فإنكما ستجدان فيها ساجة فادفناني فيها قال فلما مات أخرجناه و جعلنا نحمل مؤخر السرير و نكفي مقدمه و جعلنا نسمع دويا و حفيفا حتى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها ما ادخر نوح ع لعلي بن أبي طالب ع فدفناه فيها و انصرفنا و نحن مسرورون بإكرام الله تعالى لأمير المؤمنين ع فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه فأخبرناهم بما جرى و بإكرام الله تعالى أمير المؤمنين ع فقالوا نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم فقلنا لهم إن الموضع قد عفي أثره بوصية منه ع فمضوا و عادوا إلينا فقالوا إنهم احتفروا فلم يروا شيئا

  شا، ]الإرشاد[ عباد بن يعقوب الرواجني مثله

20-  حة، ]فرحة الغري[ خاتم العلماء نصير الدين عن والده عن السيد فضل الله الحسني الراوندي عن ذي الفقار بن معبد عن الطوسي و من خطه نقلت عن المفيد عن محمد بن أحمد بن داود عن محمد بن بكار عن الحسن بن محمد الفزاري عن الحسن بن علي النحاس عن جعفر الرماني عن يحيى الحماني عن محمد بن عبيد الطيالسي عن مختار التمار عن أبي مطر قال لما ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين ع قال له الحسن ع أقتله قال لا و لكن احبسه فإذا مت فاقتلوه فإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود و صالح

21-  حة، ]فرحة الغري[ بهذا الإسناد عن محمد بن أحمد بن داود عن محمد بن بكران عن علي بن يعقوب عن علي بن الحسن عن أخيه عن أحمد بن محمد عن عمر الجرجاني عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال سألت الحسن بن علي ع أين دفنتم أمير المؤمنين ع قال على شفير الجرف و مررنا به ليلا على مسجد الأشعث و قال ادفنوني في قبر أخي هود

22-  حة، ]فرحة الغري[ والدي عن محمد بن نما عن محمد بن إدريس عن عربي بن مسافر عن إلياس بن هشام عن أبي علي عن الطوسي عن المفيد عن محمد بن أحمد بن داود عن ابن الوليد عن سعد عن البرقي عن البطائني عن أبي بصير قال سألت أبا جعفر ع عن قبر أمير المؤمنين فإن الناس قد اختلفوا فيه قال إن أمير المؤمنين دفن مع أبيه نوح في قبره قلت جعلت فداك من تولى دفنه فقال رسول الله ص مع الكرام الكاتبين بالروح و الريحان

23-  حة، ]فرحة الغري[ بهذا الإسناد عن سعد عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن أبيه عن ابن أبي نجران عن علي بن أبي حمزة عن عبد الرحيم القصير قال سألت أبا جعفر ع عن قبر أمير المؤمنين ع فقال أمير المؤمنين مدفون في قبر نوح قال قلت و من نوح قال نوح النبي ع قلت كيف صار هكذا فقال إن أمير المؤمنين صديق هيأ الله له مضجعه في مضجع صديق يا عبد الرحيم إن رسول الله ص أخبرنا بموته و بموضع دفن فيه فأنزل الله عز و جل حنوطا من عنده مع حنوط أخيه رسول الله ص و أخبره أن الملائكة تنشر له قبره فلما قبض ع كان فيما أوصى به ابنيه الحسن و الحسين ع إذ قال لهما إذا مت فغسلاني و حنطاني و احملاني بالليلة سرا و احملا يا ابني مؤخر السرير و اتبعا مقدمه فإذا وضع فضعا و ادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه و ادفناني مع من يعينكما على دفني في الليل و سويا

24-  حة، ]فرحة الغري[ بهذا الإسناد عن أحمد بن ميثم عن محمد بن علي عن محمد بن هشام عن محمد بن سليمان عن داود بن النعمان عن عبد الرحيم القصير قال سألت أبا جعفر ع عن قبر أمير المؤمنين ع فإن الناس قد اختلفوا فيه فقال إن أمير المؤمنين ع دفن مع أبيه نوح ع

25-  حة، ]فرحة الغري[ نجيب الدين يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الله بن زهرة عن محمد بن الحسن الحسيني عن القطب الراوندي عن ذي الفقار بن معبد عن المفيد عن محمد بن أحمد بن زكريا عن أبيه عن ابن فضال عن عمرو بن إبراهيم عن خلف بن حماد عن عبد الله بن حنان عن الثمالي عن أبي جعفر ع قال كان في وصية أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم فاستقبلتكم ريح فادفنوني و هو أول طور سيناء ففعلوا ذلك

 توضيح تصوبت أي نزلت و رسبت في الأرض و في بعض السنخ تضببت بالضاد المعجمة أي لصقت

26-  حة، ]فرحة الغري[ أبو القاسم جعفر بن سعيد عن الحسن بن الدربي عن شاذان بن جبرئيل عن جعفر الدوريستي عن جده عن المفيد قال و روى محمد بن عمار عن أبيه عن جابر بن يزيد قال سمعت أبا جعفر ع أين دفن أمير المؤمنين قال دفن بناحية الغريين و دفن قبل طلوع الفجر و دخل قبره الحسن و الحسين و محمد بنو علي ع و عبد الله بن جعفر رضي الله عنه

 شا، ]الإرشاد[ محمد بن عمارة مثله

27-  حة، ]فرحة الغري[ وقفت في كتاب ما صورته قال إسحاق بن عبد الله بن أبي مروان سألت أبا جعفر محمد بن علي ع كم كانت سن علي بن أبي طالب ع يوم قتل قال ثلاثا و ستين سنة قلت ما كانت صفته قال كان رجلا آدم شديدا الأدمة ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع فقلت طويلا أو قصيرا قال هو إلى القصر أقرب قلت ما كانت كنيته قال أبو الحسن قلت أين دفن قال بالكوفة ليلا و قد عمي قبره

28-  حة، ]فرحة الغري[ والدي عن محمد بن أبي غالب عن محمد بن معد الموسوي و أخبرني عمي علي بن طاوس عن محمد بن معد عن أحمد بن أبي المظفر و أخبرني عبد الصمد بن أحمد عن أبي الفرج بن الجوزي و عبد الكريم بن علي السدي و أخبرني عبد الحميد بن فخار عن أحمد بن علي الغزنوي كلهم عن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب عن محمد بن عبد الملك بن خيرون عن الحسن بن الحسين بن العباس عن أحمد بن نصر بن عبد الله بن فتح عن حرب بن محمد المؤدب عن الحسن بن جمهور العمي عن أبيه عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع و أخبرنا أحمد بن نصر عن صدقة بن موسى عن أبيه عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر ع قالا مضى أمير المؤمنين ع و هو ابن خمس و ستين سنة سنة أربعين من الهجرة و نزل الوحي على رسول الله ص و لأمير المؤمنين ع اثنتا عشرة سنة فكان عمره بمكة مع رسول الله ص اثنتا عشرة سنة و أقام بها مع رسول الله ص ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها مع رسول الله ص عشر سنين ثم أقام بعد ما توفي رسول الله ص ثلاثين سنة و كان عمره خمسا و ستين سنة قبض في ليلة الجمعة و قبره بالغري و هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة الغرض من الحديث

29-  حة، ]فرحة الغري[ عمي عن الحسن بن الدربي عن محمد بن علي بن شهرآشوب عن جده عن الطوسي عن المفيد عن جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع أنه سمعه يقول لما قبض أمير المؤمنين ع أخرجه الحسن و الحسين ع و رجلان آخران حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم ثم أخذوا في الجبانة حتى مروا به إلى الغري و دفنوه و سووا قبره و انصرفوا

30-  حة، ]فرحة الغري[ عبد الرحمن بن أحمد الحربي عن عبد العزيز بن الأخضر عن أبي الفضل بن ناصر عن محمد بن علي بن ميمون عن محمد بن علي بن الحسين القسري عن محمد بن جعفر التميمي عن محمد بن علي بن شاذان عن حسن بن محمد بن عبد الواحد عن محمد بن أبي السري عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال قال أبو بكر بن عياش سألت أبا حصين و عاصم بن بهدلة و الأعمش و غيرهم فقلت أخبركم أحد أنه من صلى على علي و شهد دفنه فقالوا لي قد سألنا أباك محمد بن سائب الكلبي فقال أخرج به ليلا خرج به الحسن و الحسين ع و ابن الحنفية و عبد الله بن جعفر في عدة من أهل بيته و دفن ليلا في ذلك الظهر ظهر الكوفة قال قلت لأبيك لم فعل به ذلك قال مخافة الخوارج و غيرهم

31-  د، ]العدد القوية[ عن أبي مخنف قال جاء رجل من مراد إلى أمير المؤمنين ع يصلي في المسجد فقال احترس فإن أناسا من مراد يريدون قتلك فقال إن مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه و بينه و إن الأجل جنة حصينة و قال الشعبي أنشد أمير المؤمنين ع قبل أن يستشهد بأيام

تلكم قريش تمناني لتقتلني فلا و ربك ما فازوا و لا ظفروافإن بقيت فرهن ذمتي لهم و إن عدمت فلا يبقى لها أثرو سوف يورثهم فقدي على وجل ذل الحياة بما خانوا و ما غدروا

32-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن أبي حمزة عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن الحمق قال دخلت على علي ع حين ضرب ضربة بالكوفة فقلت ليس عليك بأس إنما هو خدش قال لعمري إني لمفارقكم ثم قال إلى السبعين بلاء قالها ثلاثا قلت فهل بعد البلاء رخاء فلم يجبني و أغمي عليه فبكت أم كلثوم فلما أفاق قال لا تؤذيني يا أم كلثوم فإنك لو ترين ما أرى لم تبكي إن الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض و النبيون يقولون انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه فقلت يا أمير المؤمنين إنك قلت إلى السبعين بلاء فهل بعد السبعين رخاء قال نعم و إن بعد البلاء رخاء يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ قال أبو حمزة قلت لأبي جعفر ع إن عليا قال إلى السبعين بلاء و كان يقول بعد السبعين رخاء و قد مضت السبعون و لم نر رخاء فقال أبو جعفر ع يا ثابت إن الله كان قد وقت هذا الأمر في السبعين فلما قتل الحسين ع غضب الله على أهل الأرض فأخره الله إلى الأربعين و مائة سنة فحدثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم القناع قناع السر فأخره الله و لم يجعل له بعد ذلك وقتا عند الله يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ قال أبو حمزة قد قلت لأبي عبد الله ع ذلك فقال قد كان ذلك

33-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ من معجزاته صلوات الله عليه أنه قال رأيت رسول الله ص و هو يمسح الغبار عن وجهي و هو يقول يا علي لا عليك لا عليك قد قضيت ما عليك فما مكث إلا ثلاثا حتى ضرب و قال للحسن و الحسين ع إذا مت فاحملاني إلى الغري من نجف الكوفة و احملا آخر سريري فالملائكة يحملون أوله و أمرهما أن يدفناه هناك و يعفيا قبره لما يعلمه من دولة بني أمية بعده و قال ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرا فوجدا ساجة مكتوبا عليها مما ادخرها نوح لعلي بن أبي طالب ع فدفناه فيه و عفيا أثره و لم يزل قبره مخفيا حتى دل عليه جعفر بن محمد ع في أيام الدولة العباسية و قد خرج هرون الرشيد يوما يصيد و أرسل الصقور و الكلاب على الظباء بجانب الغريين فجادلتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى الأكمة فرجع الكلاب و الصقور عنها فسقطت في ناحية ثم هبطت الظباء من الأكمة فهبطت الصقور و الكلاب ترجع إليها فتراجعت الظباء إلى الأكمة فانصرفت عنها الصقور و الكلاب ففعلن ذلك ثلاثا فتعجب هرون و سأل شيخا من بني أسد ما هذه الأكمة فقال لي الأمان قال نعم قال فيها قبر الإمام علي بن أبي طالب ع فتوضأ هرون و صلى و دعا ثم أظهر الصادق ع موضع قبره بتلك الأكمة

34-  شا، ]الإرشاد[ روى الفضل بن دكين عن حيان بن العباس عن عثمان بن مغيرة قال لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين ع يتعشى ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عند عبد الله بن العباس و كان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك فقال يأتيني أمر الله و أنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب ع آخر الليل

  -35  شا، ]الإرشاد[ روى إسماعيل بن زياد قال حدثتني أم موسى خادمة علي ع و هي حاضنة فاطمة ابنته ع قالت سمعت عليا ع يقول لابنته أم كلثوم يا بنية إني أراني قل ما أصحبكم قالت و كيف ذلك يا أبتاه قال إني رأيت رسول الله ص في منامي و هو يمسح الغبار عن وجهي و يقول يا علي لا عليك قضيت ما عليك قال فما مكثنا إلا ثلاثا حتى ضرب تلك الضربة فصاحت أم كلثوم فقال يا بنية لا تفعلي فإني أرى رسول الله ص يشير إلي بكفه و يقول يا علي هلم إلينا فإن ما عندنا هو خير لك

 كشف، ]كشف الغمة[ من مناقب الخوارزمي مثله

36-  شا، ]الإرشاد[ روى عمار الدهني عن أبي صالح الحنفي قال سمعت عليا ع يقول رأيت النبي ص في منامي فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود و اللدد و بكيت فقال لا تبك يا علي و التفت فالتفت و إذا رجلان مصفدان و إذا جلاميد ترضح بها رءوسهما قال أبو صالح فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو إليه كل يوم حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون قتل أمير المؤمنين

  -37  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع في سحرة اليوم الذي ضرب فيه ملكتني عيني و أنا جالس فسنح لي رسول الله ص فقلت يا رسول الله ما ذا لقيت من أمتك من الأود و اللدد فقال ادع عليهم فقلت أبدلني الله بهم خيرا منهم و أبدلهم بي شرا مني

 قال الرضي رضي الله عنه يعني بالأود الاعوجاج و باللدد الخصام و هذا من أفصح الكلام

38-  شا، ]الإرشاد[ روى عبد الله بن موسى عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري قال سهر أمير المؤمنين ع في الليلة التي قتل في صبيحتها و لم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته فقالت له ابنته أم كلثوم رحمة الله عليها ما هذا الذي قد أسهرك فقال إني مقتول لو قد أصبحت فأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة فمشى غير بعيد ثم رجع فقالت له أم كلثوم مر جعدة فليصل بالناس قال نعم مروا جعدة فليصل ثم قال لا مفر من الأجل فخرج إلى المسجد و إذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده فلما برد السحر نام فحركه أمير المؤمنين ع برجله فقال له الصلاة فقام إليه فضربه

 و في حديث آخر أن أمير المؤمنين ع قد سهر تلك الليلة فأكثر الخروج و النظر إلى السماء و هو يقول و الله ما كذبت و لا كذبت و إنها الليلة التي وعدت فيها ثم عاود مضجعه فلما طلع الفجر شد إزاره و خرج و هو يقول

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك‏و لا تجزع من الموت إذا حل بواديك

فلما خرج إلى صحن داره استقبلته الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردونهن فقال دعوهن فإنهن نوائح ثم خرج فأصيب

39-  شا، ]الإرشاد[ كانت إمامة أمير المؤمنين ع بعد النبي ص ثلاثين سنة منها أربع و عشرون سنة و أشهر ممنوعا من التصرف في أحكامها مستعملا للتقية و المداراة و منها خمس سنين و ستة أشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين و القاسطين و المارقين و مضطهدا بفتن الضالين كما كان رسول الله ص ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا و محبوسا و هاربا و مطرودا لا يتمكن من جهاد الكافرين و لا يستطيع دفعا عن المؤمنين ثم هاجر و أقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه الله إليه و أسكنه جنات النعيم و كان وفاة أمير المؤمنين ع قبل الفجر ليلة الجمعة ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف قتله ابن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة و قد خرج ع يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان و قد كان ارتصده من أول الليل لذلك فلما مر به في المسجد و هو مستخف بأمره مماكر بإظهار النوم في جملة النيام قام إليه فضربه على أم رأسه بالسيف و كان مسموما فمكث يوم تسعة عشر و ليلة عشرين و يومها و ليلة إحدى و عشرين إلى نحو الثلث الأول من الليل ثم قضى نحبه ع شهيدا و لقي ربه تعالى مظلوما و قد كان يعلم ذلك قبل أوانه و يخبر به الناس قبل زمانه و تولى غسله و تكفينه و دفنه ابناه الحسن و الحسين ع بأمره و حملاه إلى الغري من نجف الكوفة فدفناه هناك و عفيا موضع قبره بوصية كانت منه إليهما في ذلك لما كان يعلمه ع من دولة بني أمية من بعده و اعتقادهم في عداوته و ما ينتهون إليه من سوء النيات فيه من قبح الفعال و المقال بما تمكنوا من ذلك فلم يزل قبره ع مخفيا حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمد ع في الدولة العباسية و زاره عند وروده إلى أبي جعفر و هو بالحيرة فعرفته الشيعة و استأنفوا إذ ذاك زيارته صلى الله عليه و على ذريته الطاهرين و كانت سنه يوم وفاته ثلاثا و ستين سنة

40-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن ابن يزيد أو غيره عن سليمان كاتب علي بن يقطين عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين ع و ابنته جعدة سمت الحسن ع و محمد ابنه شرك في دم الحسين ع

 41-  شا، ]الإرشاد[ من الأخبار الواردة بسبب قتله ع و كيف جرى الأمر في ذلك ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبو مخنف و إسماعيل بن راشد أبو هاشم الرفاعي و أبو عمرو الثقفي و غيرهم أن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة فتذاكروا الأمراء فعابوهم و عابوا أعمالهم و ذكروا أهل النهروان و ترحموا عليهم فقال بعضهم لبعض لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم و أرحنا منهم العباد و البلاد و ثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله أنا أكفيكم عليا و قال البرك بن عبيد الله التميمي أنا أكفيكم معاوية و قال عمرو بن بكر التميمي أنا أكفيكم عمرو بن العاص و تعاقدوا على ذلك و توافقوا على الوفاء و اتعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه ثم تفرقوا فأقبل ابن ملجم لعنه الله و كان عداده في كندة حتى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شي‏ء فهو في ذلك إذ زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيمية و كان أمير المؤمنين ع قتل أباها و أخاها بالنهروان و كانت من أجمل نساء أهل زمانها فلما رآها ابن ملجم شغف بها و اشتد إعجابه بها و سأل في نكاحها و خطبها فقالت له ما الذي تسمي لي من الصداق فقال لها احتكمي ما بدا لك فقالت له أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم و وصيفا و خادما و قتل علي بن أبي طالب فقال لها لك جميع ما سألت فأما قتل علي بن أبي طالب ع فأنى لي بذلك فقالت تلتمس غرته فإن أنت قتلته شفيت نفسي و هنأك العيش معي و إن أنت قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا فقال أما و الله ما أقدمني هذا المصر و قد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب فلك ما سألت قالت فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك و يقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر و سألته معونة ابن ملجم لعنه الله فتحمل ذلك لها و خرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال يا شبيب هل لك في شرف الدنيا و الآخرة قال و ما ذاك قال تساعدني على قتل علي بن أبي طالب و كان شبيب على رأي الخوارج فقال له يا ابن ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا و كيف تقدر على ذلك فقال له ابن ملجم نكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا و أدركنا ثارنا فلم يزل به حتى أجابه فأقبل معه حتى دخلا المسجد الأعظم على قطام و هي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة فقالا لها قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل فقالت لهما إذا أردتما ذلك فأتياني في هذا الموضع

  فانصرفا من عندها فلبثا أياما ثم أتياها و معهما الآخر ليلة الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم و تقلدوا أسيافهم و مضوا و جلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين ع إلى الصلاة و قد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين ع و واطأهم على ذلك و حضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه و كان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد فسمع الأشعث يقول يا ابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الأشعث فقال له قتلته يا أعور و خرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين ع ليخبره الخبر و يحذره من القوم و خالفه أمير المؤمنين ع من الطريق فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف و أقبل حجر و الناس يقولون قتل أمير المؤمنين ع. و ذكر عبد الله بن محمد الأزدي قال إني لأصلي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة و خرج علي بن أبي طالب ع لصلاة الفجر فأقبل ينادي الصلاة الصلاة فما أدري أ نادى أم رأيت بريق السيوف و سمعت قائلا يقول لله الحكم لا لك يا علي و لا لأصحابك و سمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل فإذا ع مضروب و قد ضربه شبيب بن بجرة فأخطأه و وقعت ضربته في الطاق و هرب القوم نحو أبواب المسجد و تبادر الناس لأخذهم فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل فصرعه و جلس على صدره و أخذ السيف ليقتله به فرأى الناس يقصدون نحوه فخشي أن يعجلوا عليه و لم يسمعوا منه فوثب عن صدره و خلاه و طرح السيف من يده و مضى شبيب هاربا حتى دخل منزله و دخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره فقال له ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين فأراد أن يقول لا قال نعم فمضى ابن عمه و اشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله و أما ابن ملجم فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في يده ثم صرعه و أخذ السيف من يده و جاء به إلى أمير المؤمنين ع و أفلت الثالث و انسل بين الناس. فلما دخل ابن ملجم على أمير المؤمنين ع نظر إليه ثم قال النفس بالنفس فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلني و إن أنا عشت رأيت فيه رأيي فقال ابن ملجم و الله لقد ابتعته بألف و سممته بألف فإن خانني فأبعده الله قال و نادته أم كلثوم يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين قال إنما قتلت أباك قالت يا عدو الله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس قال لها فأراك أنما تبكين علي إذا لقد و الله ضربته ضربة لو قسمت على أهل الأرض لأهلكتهم فأخرج من بين يديه ع و إن الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع و هم يقولون يا عدو الله ما فعلت أهلكت أمة محمد ص و قتلت خير الناس و إنه لصامت لم ينطق فذهب به إلى الحبس و جاء الناس إلى أمير المؤمنين ع فقالوا له يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك في عدو الله و الله لقد أهلك الأمة و أفسد الملة فقال لهم أمير المؤمنين ع إن عشت رأيت فيه رأيي و إن أهلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار. قال فلما قضى أمير المؤمنين ع نحبه و فرغ أهله من دفنه جلس الحسن ع و أمر أن يؤتى بابن ملجم فجي‏ء به فلما وقف بين يديه قال له يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين و أعظمت الفساد في الدين ثم أمر فضربت عنقه و استوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جثته منه لتتولى إحراقها فوهبها لها فأحرقتها بالنار و في أمر قطام و قتل أمير المؤمنين ع يقول

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام من فصيح و أعجمي‏ثلاثة آلاف و عبد و قينة و ضرب علي بالحسام المسمم‏و لا مهر أغلى من علي و إن غلا و لا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

. و أما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية و عمرو بن العاص فإن أحدهما ضرب معاوية و هو راكع فوقعت ضربته في أليته و نجا منها و أخذ و قتل من وقته و أما الآخر فإنه وافى عمرا في تلك الليلة و قد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري فضربه بسيفه و هو يظن أنه عمرو فأخذ و أتى به عمرو فقتله و مات خارجة في اليوم الثاني. كشف، ]كشف الغمة[ من مناقب الخوارزمي مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد مثله. بيان قال الجزري لأمك هبل أي ثكل و منه حديث علي ع هبلتهم الهبول أي ثكلتهم الثكول و هي بفتح الهاء من النساء التي لا يبقى لها ولد انتهى و الإد بالكسر العجب و الأمر الفظيع و الداهية و المنكر. أقول قال ابن أبي الحديد قال أبو الفرج قال أبو مخنف قال أبو زهير العبسي فأما صاحب معاوية فإنه قصده فلما وقعت عينه عليه ضربه فوقعت ضربته على أليته فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة فقال إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة و إما أن أسقيك دواء فتبرأ و ينقطع نسلك فقال أما النار فلا أطيقها و أما النسل ففي يزيد و عبد الله ما يقر عيني و حسبي بهما فسقاه الدواء فعوفي و لم يولد له بعد ذلك و قال البرك بن عبد الله إن لك عندي بشارة قال و ما هي فأخبره خبر صاحبه و قال إن عليا قتل في هذه الليلة فاحتبسني عندك فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري و إن لم يقتل أعطيتك العهود و المواثيق أن أمضي فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم في بما ترى فحبسه عنده فلما أتى الخبر أن عليا قتل في تلك الليلة خلى سبيله هذه رواية إسماعيل بن راشد و قال غيره بل قتله من وقته. و أما صاحب عمرو بن العاص فإنه وافاه في تلك الليلة و قد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حنيفة فخرج للصلاة فشد عمرو بن بكر فضربه بالسيف فأثبته فأخذ الرجل فأتى به عمرو بن العاص فقتله و دخل من غد إلى خارجة و هو يجود بنفسه فقال أما و الله يا أبا عبد الله ما أراد غيرك قال عمرو و لكن الله أراد خارجة.

 و قال قال أبو الفرج حدثني محمد بن الحسين بإسناد ذكره أن الأشعث بن قيس لعنه الله دخل على علي ع فكلمه فأغلظ علي له فعرض الأشعث أنه سيفتك به فقال له علي ع أ بالموت تخوفني أو تهددني فو الله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت علي.

  قال و قال أبو الفرج الأصفهاني روى أبو مخنف عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على علي ع و قد أتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه إذن فقال صعصعة للآذن قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا و ميتا فلقد كان الله في صدرك عظيما و لقد كنت بذات الله عليما فأبلغه الإذن إليه فقال قل له و أنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المئونة كثير المعونة قال أبو الفرج ثم جمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السلولي و كان مطببا صاحب الكرسي يعالج الجراحات و كان من الأربعين غلاما الذين كان ابن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم فلما نظر أثير إلى جرح أمير المؤمنين ع دعا برية شاة حارة فاستخرج منها عرقا ثم نفخه ثم استخرجه و إذا عليه بياض الدماغ فقال يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك

42-  شا، ]الإرشاد[ ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن رجاله قال قيل للحسين بن علي ع أين دفنتم أمير المؤمنين ع فقال خرجنا به ليلا على مسجد الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغريين فدفناه هناك

43-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن عليا ع دخل الحمام فسمع صوت الحسن و الحسين ع فخرج إليهما فقال ما لكما فقالا اتبعك هذا الفاجر ابن ملجم فظننا أنه يغتالك فقال لهما دعاه لا بأس

44-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال أوصى علي ع عند موته للحسن و الحسين ع و قال لهما إن أنا مت فإنكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنة و ثلاثة أكفان من إستبرق الجنة فغسلوني و حنطوني بالحنوط و كفنوني قال الحسن ع فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمامات من كافور الجنة و سدرا من سدر الجنة فلما فرغوا من غسله و تكفينه أتى البعير فحملوه على البعير بوصية منه و كان قال فسيأتي البعير إلى قبري فيقيم عنده فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر فو الله ما علم أحد من حفره فألحد فيه بعد ما صلي عليه و أظلت الناس غمامة بيضاء و طيور بيض فلما دفن ذهبت الغمامة و الطيور

 و عن منصور بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جده زيد بن علي عن أبيه عن جده الحسين بن علي ع في خبر طويل يذكر فيه أوصيكما وصية فلا تظهرا على أمري أحدا فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا و أن يكفناه فيما يجدان فإذا غسلاه وضعاه على ذلك اللوح و إذا وجدا السرير يشال مقدمه يشيلان مؤخره و أن يصلي الحسن مرة و الحسين مرة صلاة إمام ففعلا كما رسم فوجدا اللوح و عليه مكتوب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما ذخره نوح النبي صلى الله عليه لعلي بن أبي طالب ع و أصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره النهار

 و روي أنه قال الحسين ع وقت الغسل أ ما ترى إلى خفة أمير المؤمنين فقال الحسن ع يا أبا عبد الله إن معنا قوما يعينوننا فلما قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدم السرير و لم يزل نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري فأتينا إلى قبر على ما وصف أمير المؤمنين ع و نحن نسمع خفق أجنحة كثيرة و ضجة و جلبة فوضعنا السرير و صلينا على أمير المؤمنين ع كما وصف لنا و نزلنا قبره فأضجعناه في لحده و نضدنا عليه اللبن

 و في الخبر عن الصادق ع فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شي‏ء فإذا هاتف يهتف أمير المؤمنين ع كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه و كذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن نبيا مات بالمشرق و مات وصيه بالمغرب لألحق النبي بالوصي

 و في خبر عن أم كلثوم بنت علي ع فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها بالسريانية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا قبر حفره نوح لعلي بن أبي طالب وصي محمد ص قبل الطوفان بسبعمائة سنة فانشق القبر فلا ندري و سأل ابن مسكان الصادق ع عن القائم المائل في طريق الغري فقال نعم إنهم لما جاءوا بسرير أمير المؤمنين ع انحنى أسفا و حزنا على أمير المؤمنين ع

 و قال الغزالي ذهب الناس إلى أن عليا ع دفن على النجف و أنهم حملوه على الناقة فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره فبركت فجهدوا أن تنهض فلم تنهض فدفنوه فيه

45-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تفسير وكيع و السدي و السفيان و أبي صالح أن عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالى أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يوم قتل أمير المؤمنين ع و قال لقد كنت يا أمير المؤمنين الطرف الأكبر في العلم اليوم نقص علم الإسلام و مضى ركن الإيمان

 الزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن سمي عن أبي صالح قال لما قتل علي بن أبي طالب ع قال ابن عباس هذا اليوم نقص الفقه و العلم من أرض المدينة ثم قال إن نقصان الأرض نقصان علمائها و خيار أهلها إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال و لكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فيسألوا فيفتوا بغير علم فيضلوا و أضلوا

 سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً و قد كان قبر علي بن أبي طالب ع مع نوح في السفينة فلما خرج من السفينة ترك قبره خارج الكوفة فسأل نوح ربه المغفرة لعلي و فاطمة ع قوله وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثم قال وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ يعني الظلمة لأهل بيت محمد ص إِلَّا تَباراً

 و روي أنه نزل فيه وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

 أبو بكر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين ع و أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن أنه قال سعيد بن المسيب كان علي يقرأ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها قال فو الذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا و أشار بيده إلى لحيته و رأسه

 و روى الثعلبي و الواحدي بإسنادهما عن عمار و عن عثمان بن صهيب و عن الضحاك و روى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة و عن صهيب و عن عمار و عن ابن عدي و عن الضحاك و الخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة و روى الطبري و الموصلي عن عمار و روى أحمد بن حنبل عن الضحاك أنه قال النبي ص يا علي أشقى الأولين عاقر الناقة و أشقى الآخرين قاتلك و في رواية من يخضب هذه من هذا

 و كان عبد الرحمن بن ملجم عداده من مراد قال ابن عباس كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح و قصتهما واحدة لأن قدار عشق امرأة يقال لها رباب كما عشق ابن ملجم لقطام. سمع ابن ملجم و هو يقول لأضربن عليا بسيفي هذا فذهبوا به إليه فقال ما اسمك قال عبد الرحمن بن ملجم قال نشدتك بالله عن شي‏ء تخبرني قال نعم قال هل مر عليك شيخ يتوكأ على عصاه و أنت في الباب فمشقك بعصاه ثم قال بؤسا لك أشقى من عاقر ناقة ثمود قال نعم قال هل كان الصبيان يسمونك ابن راعية الكلاب و أنت تلعب معهم قال نعم قال هل أخبرتك أمك أنها حملت بك و هي طامث قال نعم قال فبايع فبايع ثم قال خلوا سبيله. الحسن البصري أنه ع سهر في تلك الليلة و لم يخرج لصلاة الليل على عادته فقالت أم كلثوم ما هذا السهر قال إني مقتول لو قد أصبحت فقالت مر جعدة فليصل بالناس قال نعم مروا جعدة ليصل ثم مر و قال لا مفر من الأجل و خرج قائلا

خلوا سبيل الجاهد المجاهد في الله ذي الكتب و ذي المجاهدفي الله لا يعبد غير الواحد و يوقظ الناس إلى المساجد

. و روي أنه ع سهر في تلك الليلة فأكثر الخروج و النظر إلى السماء و هو يقول و الله ما كذبت و إنها الليلة التي وعدت بها ثم يعاود مضجعه فلما طلع الفجر أتاه ابن النباح و نادى الصلاة فقام فاستقبله الإوز فصحن في وجهه فقال دعوهن فإنهن صوائح تتبعها نوائح و تعلقت حديدة على الباب في مئزره فشد إزاره و هو يقول

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك‏و لا تجزع من الموت إذا حل بواديك.

 فقد أعرف أقواما و إن كانوا صعاليك مساريع إلى الخير و للشر مناديك

. أبو مخنف الأزدي و ابن راشد و الرفاعي و الثقفي جميعا أنه اجتمع نفر من الخوارج بمكة فقالوا إنا شرينا أنفسنا لله و ساق الحديث نحوا مما مر إلى قوله و استعان ابن ملجم بشبيب بن بجرة و أعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص بخط فيه مائة ألف درهم فجعله مهرها فأطعمت لهما اللوزينج و الجوزيبق و سقتهما الخمر العكبري فنام شبيب و تمتع ابن ملجم معها ثم قامت فأيقظتهما و عصبت صدورهم بحرير و تقلدوا أسيافهم و كمنوا له مقابل السدة

 و قال محمد بن عبد الله الأزدي أقبل أمير المؤمنين ع ينادي الصلاة الصلاة فإذا هو مضروب و سمعت قائلا يقول الحكم لله يا علي لا لك و لا لأصحابك و سمعت عليا ع يقول فزت و رب الكعبة ثم قال ع لا يفوتنكم الرجل ثم ساق القصة إلى قوله و إن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي فسئل عن معناه فقال اقتلوه ثم حرقوه بالنار فقال ابن ملجم لقد ابتعته بألف و سممته بألف فإن خانني فأبعده الله و لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم

 و في محاسن الجوابات عن الدينوري أنه قال سألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال علي ع قد أجاب الله دعوتك يا حسن إذا مت فاقتله بسيفه

 و روي أنه ع قال أطعموه و اسقوه و أحسنوا إساره فإن أصح فأنا ولي دمي إن شئت أعفو و إن شئت استقدت و إن هلكت فاقتلوه ثم أوصى فقال يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي و نهى عن المثلة

 و روى أبو عثمان المازني أنه قال ع 

تلكم قريش تمناني لتقتلني فلا و ربك ما فازوا و ما ظفروافإن بقيت فرهن ذمتي لهم بذات ودقين لا يعفو لها أثرو إن هلكت فإني سوف أوترهم ذل الممات فقد خانوا و قد غدروا

و أمر الحسن ع أن يصلي الغداة بالناس و روي أنه دفع في ظهره جعدة فصلى بالناس الغداة

 الأصبغ في خبر أن عليا ع قال لقد ضربت في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون و لأقبض في الليلة التي رفع فيها عيسى ابن مريم

 الحسن بن علي ع في خبر و لقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا

 توضيح قال الجزري في قوله ع بذات ودقين أي حرب شديدة و هو من الودق و الوداق الحرص على طلب الفحل لأن الحرب توصف باللقاح و قيل من الودق المطر يقال للحرب الشديدة ذات ودقين تشبيها بسحاب ذات مطرتين شديدتين

 أقول في الديوان أنه ع قال حين خرج إلى المسجد

خلوا سبيل المؤمن المجاهد في الله لا يعبد غير الواحدو يوقظ الناس إلى المساجد

و فيه أنه ع قال بعد قوله إذا حل بواديكا

فإن الدرع و البيضة يوم الروع يكفيكاكما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيكا

إلى قوله

مساريع إلى النجدة للغي متاريكا

  الحسن بن علي ع

أين من كان لعلم المصطفى في الناس باباأين من كان إذا ما قحط الناس سحاباأين من كان إذا نودي للحرب أجاباأين من كان دعاه مستجابا و مجابا

 و له ع

خل العيون و ما أردن من البكاء على علي‏لا تقبلن من الخلي فليس قلبك بالخلي‏لله أنت إذا الرجال تضعضعت وسط الندي‏فرجت غمته و لم تركن إلى فشل و عي

 و له ع

خذل الله خاذليه و لا أغمد عن قاتليه سيف الفناء

 زيد بن علي قال الحسين ع لما قتل أمير المؤمنين ع سمعت جنية ترثيه بهذه الأبيات

لقد هد ركني أبو شبر فما ذاقت العين طيب الوسن‏و لا ذاقت العين طيب الكرى و ألقيت دهري رهين الحزن‏و أقلقني طول تذكاره حرارة ثكل الرقوب الشثن

 أنس بن مالك و سمعت صوت هاتف من الجن

يا من يؤم إلى المدينة قاصدا أد الرسالة غير ما متوان‏قتلت شرار بني أمية سيدا خير البرية ماجدا ذا شان

 رب المفضل في السماء و أرضها سيف النبي و هادم الأوثان‏بكت المشاعر و المساجد بعد ما بكت الأنام له بكل مكان

 و في شرف النبوة أنه سمع منهم

لقد مات خير الناس بعد محمد و أكرمهم فضلا و أوفاهم عهداو أضربهم بالسيف في مهج العدي و أصدقهم قيلا و أنجزهم وعدا

 صعصعة بن صوحان

إلى من لي بأنسك يا أخيا و من لي أن أبثك ما لدياطوتك خطوب دهر قد توالى لذاك خطوبه نشرا و طيافلو نشرت قواك لي المنايا شكوت إليك ما صنعت إليابكيتك يا علي لدر عيني فلم يغن البكاء عليك شياكفى حزنا بدفنك ثم إني نفضت تراب قبرك من يدياو كانت في حياتك لي عظات و أنت اليوم أوعظ منك حيافيا أسفي عليك و طول شوقي إلى لو أن ذلك رد شيا

و له

هل خبر القبر سائليه أم قر عينا بزائريه‏أم هل تراه أحاط علما بالجسد المستكن فيه‏لو علم القبر من يواري تاه على كل من يليه‏يا موت ما ذا أردت مني حققت ما كنت أتقيه‏يا موت لو تقبل افتداء لكنت بالروح أفتديه‏دهر رماني بفقد إلفي أذم دهري و أشتكيه

 أبو الأسود الدؤلي

ألا يا عين ويحك فاسعدينا ألا أبكي أمير المؤمنينارزئنا خير من ركب المطايا و حثحثها و من ركب السفينا

 و من لبس النعال و من حذاها و من قرأ المثاني و المئيناإذا استقبلت وجه أبي حسين رأيت البدر راق الناظرينايقيم الحد لا يرتاب فيه و يقضي بالفرائض مستبيناألا أبلغ معاوية بن حرب فلا قرت عيون الشامتيناأ في الشهر الحرام فجعتمونا بخير الناس طرا أجمعيناو من بعد النبي فخير نفس أبو حسن و خير الصالحيناكأن الناس إذ فقدوا عليا نعام جال في بلد سنيناو كنا قبل مهلكه بخير ترى فينا وصي المسلمينافلا و الله لا أنسى عليا و حسن صلاته في الراكعينالقد علمت قريش حيث كانت بأنك خيرهم حسبا و دينافلا تشمت معاوية بن حرب فإن بقية الخلفاء فينا

 لبعض الصحابة

دعوتك يا علي فلم تجبني و ردت دعوتي بأسا عليابموتك ماتت اللذات عني و كانت حية إذ كان حيافيا أسفا عليك و طول شوقي إليك لو أن ذلك رد ليا

 بيان قوله ع و لا تقبلن من الخلي أي لا تقبل ترك البكاء من الخلي الذي ينصحك في ذلك فإنك لست مثله و الندي على فعيل القوم المجتمعون و الخطاب في هذا البيت لأمير المؤمنين ع و قال الجوهري الرقوب المرأة التي لا يعيش لها ولد و يقال شثنت كفه أي غلظت و لعله تصحيف الشنن من شن الماء أي فرقه كناية عن كثرة البكاء قوله رب المفضل لعله بمعنى المربوب و الظاهر أن فيه تصحيفا و حثحث حرك و السفين جمع السفينة

46-  كشف، ]كشف الغمة[ قال محمد بن طلحة قد صح النقل أنه ضربه عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة لكن قيل لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان و قيل لتسع عشرة ليلة و قد نقله جماعة و قيل ليلة الحادي و العشرين من رمضان و قيل ليلة الثالث و العشرين منه و مات ليلة الأحد ثالث ليلة ضرب من سنة أربعين للهجرة فيكون عمره خمسا و ستين سنة و قيل بل كان ثلاثا و ستين و قيل بل ثمان و خمسين و قيل بل كان سبعا و خمسين سنة و أصح هذه الأقوال هو القول الأول فإنه عضده ما نقل عن معروف قال سمعت من أبي جعفر محمد بن علي الرضا سلام الله عليهما يقول قتل علي و له خمس و ستون سنة فهذه مدة عمره فلما مات ع غسله الحسن و الحسين ع و محمد يصب الماء ثم كفن و حنط و حمل و دفن في جوف الليل بالغري و قيل بين منزله و الجامع الأعظم و الله أعلم قال و إذا كانت مدة عمره ع خمسا و ستين سنة على ما ظهر فاعلم منحك الله ألطاف تأييده أنه ع كان بمكة مع رسول الله ص من أول عمره خمسا و عشرين سنة فمنها بعد البعث و النبوة ثلاث عشرة سنة و قبلها اثنتا عشرة سنة ثم هاجر و أقام مع النبي ص بالمدينة إلى أن توفي عشر سنين ثم بقي بعد رسول الله إلى أن قتل ثلاثين سنة فذلك خمس و ستون سنة

 و من مناقب الخوارزمي قال لما ضرب علي ع تحامل و صلى بالناس الغداة و قال علي بالرجل فأدخل عليه فقال أي عدوا الله أ لم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا قال شحذته أربعين صباحا و سألت الله أن يقتل به شر خلقه قال علي ع فلا أراك إلا مقتولا به و ما أراك إلا من شر خلق الله عز و جل قال و دعا علي حسنا و حسينا فقال أوصيكما بتقوى الله و لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما و لا تبكيا على شي‏ء زوي عنكما قولا بالحق و ارحما اليتيم و أعينا الضائع و اصنعا للأخرى و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصرا اعملا بما في الكتاب و لا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله و أوصيك بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك فلا توثق أمرا دونهما ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما و ابن أبيكما و قد علمتما أن أباكما كان يحبه و قال للحسن أوصيك يا بني بتقوى الله و إقام الصلاة لوقتها و إيتاء الزكاة عند محلها فإنه لا صلاة إلا بطهور و لا يقبل الصلاة ممن منع الزكاة و أوصيك بعفو الذنب و كظم الغيظ و صلة الرحم و الحلم عن الجاهل و التفقه في الدين و التثبت في الأمر و التعاهد للقرآن و حسن الجوار و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اجتناب الفواحش فلما حضرته الوفاة أوصى و كانت وصيته بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصى علي بن أبي طالب ع

 أقول و ساق الحديث إلى آخر ما سيأتي في رواية الكليني ثم قال و لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض ع في شهر رمضان سنة أربعين و غسله الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص و كبر عليه الحسن تسع تكبيرات و كان ع نهى عن المثلة فقال يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتل بي إلا قاتلي انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة و لا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله ص يقول إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور فلما قبض ع بعث الحسن ع إلى ابن ملجم فقتله و لفه الناس في البواري و أحرقوه و كان أنفذ إلى الحسن ع يقول إني و الله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به إني عاهدت الله أن أقتل عليا و معاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني و بينه و لك الله على أن أقتله و إن قتلته و بقيت لآتينك حتى أضع يدي في يدك فقال لا و الله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله

47-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن سهل عن محمد بن عبد الحميد عن الحسن بن الجهم قال قلت للرضا ع إن أمير المؤمنين ع قد عرف قاتله و الليلة التي يقتل فيها و الموضع الذي يقتل فيه و قوله لما سمع صياح الإوز في الدار صوائح تتبعها نوائح و قول أم كلثوم لو صليت الليلة داخل الدار و أمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها و كثر دخوله و خروجه تلك الليلة بلا سلاح و قد عرف ع أن ابن ملجم قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه فقال ذلك كان و لكنه خير تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز و جل

 بيان في بعض النسخ خير بالخاء أي خير بين البقاء و اللقاء فاختار اللقاء و في بعضها بالحاء المهملة أي أنسي ذلك الوقت و في بعضها بالحاء المهملة و النون أي كان موقتا معلوما متيقنا عنده فكان لا ينفعه الفرار و في بعض الاحتمالات اللام لام العاقبة في قوله لتمضي

48-  كا، ]الكافي[ العدة عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن عمرو بن شمر عن عبيد الله بن الوليد الجعفي عن رجل عن أبيه قال لما أصيب أمير المؤمنين ع نعى الحسن إلى الحسين ع و هو بالمدائن فلما قرأ الكتاب قال يا لها من مصيبة ما أعظمها مع أن رسول الله ص قال من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بي فإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها و صدق ص

49-  كا، ]الكافي[ العدة عن البرقي عن السندي بن محمد عن محمد بن الصلت عن أبي حمزة عن علي بن الحسين ع قال صلى أمير المؤمنين ع الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح و أقبل على الناس بوجهه فقال و الله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا و قياما يخالفون بين جباههم و ركبهم كأن زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر كأنما القوم ما باتوا غافلين قال ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض ع

50-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن جعفر بن محمد العلوي عن ابن نهيك عن ابن جبلة عن حميد بن شعيب الهمداني عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر ع قال لما احتضر أمير المؤمنين ع جمع بنيه حسنا و حسينا و ابن الحنفية و الأصاغر من ولده فوصاهم و كان في آخر وصيته يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم و إن فقدتم بكوا عليكم يا بني إن القلوب جنود مجندة تتلاحظ بالمودة و تتناجى بها و كذلك هي في البغض فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه و إذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه

51-  كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار و محمد بن إسماعيل عن الفضل عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال بعث إلي أبو الحسن موسى ع بوصية أمير المؤمنين ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ صلى الله عليه و آله ثم إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين ثم إني أوصيك يا حسن و جميع أهل بيتي و ولدي و من بلغه كتابي بتقوى الله ربكم وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا فإني سمعت رسول الله ص يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام و إن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين و لا قوة إلا بالله العلي العظيم انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب الله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم و لا تضيعوا بحضرتكم فقد سمعت رسول الله ص يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عز و جل له بذلك الجنة كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار الله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم الله الله في جيرانكم فإن النبي ص أوصى بهم و ما زال رسول الله ص يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم الله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا و أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف الله الله في الصلاة فإنها خير العمل و إنها عمود دينكم الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم الله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار الله الله في الفقراء و المساكين فشاركوهم في معايشكم الله الله في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم فإنما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه الله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بحضرتكم و بين ظهرانيكم و أنتم تقدرون على الدفع عنهم الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا و لم يؤووا محدثا فإن رسول الله ص أوصى بهم و لعن المحدث منهم و من غيرهم و المؤوي للمحدث الله الله في النساء و فيما ما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به نبيكم ص أن قال أوصيكم بالضعيفين النساء و ما ملكت أيمانكم الصلاة الصلاة الصلاة لا تخافوا في الله لومة لائم يكفيكم الله من آذاكم و من بغى عليكم قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز و جل و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن النكر فيولي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم و عليكم يا بني بالتواصل و التباذل و التبار و إياكم و التقاطع و التدابر و التفرق وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ حفظكم الله من أهل بيت و حفظ فيكم نبيكم أستودعكم الله و أقرأ عليكم السلام و رحمة الله ثم لم يزل يقول لا إله إلا الله حتى قبض صلوات الله عليه و رحمته في ثلاث ليال من العشر الأواخر ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة و كان ضرب ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان

52-  يه، ]من لا يحضر الفقيه[ روي عن سليم بن قيس الهلالي قال شهدت وصية علي بن أبي طالب ع حين أوصى إلى ابنه الحسن ع و أشهد على وصيته الحسين ع و محمدا و جميع ولده و جميع رؤساء أهل بيته و شيعته ع ثم دفع إليه الكتاب و السلاح ثم قال ع يا بني أمرني رسول الله ص أن أوصي إليك و أن أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصى إلي رسول الله ص و دفع إلي كتبه و سلاحه و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين ع ثم أقبل على ابنه الحسين ع فقال و أمرك رسول الله ص أن تدفعه إلى ابنك علي بن الحسين ثم أقبل على علي بن الحسين ع فقال و أمرك رسول الله ص أن تدفع وصيتك إلى ابنك محمد بن علي فأقرئه من رسول الله ص و مني السلام ثم أقبل على ابنه الحسن ع فقال يا بني أنت ولي الأمر بعدي و ولي الدم فإن عفوت فلك و إن قتلت فضربة مكان ضربة و لا تأثم ثم قال اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب ع ثم ساق الحديث إلى آخر ما رواه الكليني

  إيضاح قال الفيروزآبادي الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك و تستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر. و قال ابن أبي الحديد بعد إيراد تلك الوصية في شرح نهج البلاغة قوله فلا تغيروا أفواههم يحتمل تفسيرين أحدهما لا تجيعوهم فإن الجائع فمه تتغير نكهته و الثاني لا تحوجوهم إلى تكرار الطلب و السؤال فإن السائل ينضب ريقه و تنشف لهواته و تتغير ريح فمه انتهى. قوله ع لم تناظروا أي لم تمهلوا بل ينزل عليكم العذاب من غير مهلة و قال الجزري في حديث المدينة من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا الحدث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد و لا معروف في السنة و المحدث يروى بكسر الدال و فتحها على الفاعل و المفعول فمعنى الكسر من نصر جانيا و آواه و أجاره من خصمه و حال بينه و بين أن يقتص منه و بالفتح هو الأمر المبتدع نفسه و يكون معنى الإيواء فيه الرضى به و الصبر عليه فإنه إذا رضي بالبدعة و أقر فاعلها عليها و لم ينكرها فقد آواها انتهى. قوله ع و حفظ فيكم نبيكم أي جعل الناس بحيث يرعون فيكم حرمته ص أو حفظ سننه و أطواره ص فيكم أو يحفظكم لانتسابكم إليه ص و الأول أظهر

53-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد رفعه قال قال أبو عبد الله ع لما غسل أمير المؤمنين ع نودوا من جانب البيت إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره و إن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه

54-  نبه، ]تنبيه الخاطر[ محمد بن الحسن القضباني عن إبراهيم بن محمد بن مسلم الثقفي عن عبد الله بن بلح المنقري عن شريك عن جابر عن أبي حمزة اليشكري عن قدامة الأودي عن إسماعيل بن عبد الله الصلعي و كان له صحبة قال لما كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله ص و قتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة فاعتزمت على اعتزال الناس فتنحيت إلى ساحل البحر فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه الناس فخرجت من بيتي لبعض حوائجي و قد هدأ الليل و نام الناس فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربه و يتضرع إليه بصوت أشج و قلب حزين فأنست إليه من حيث لا يراني فسمعته يقول يا حسن الصحبة يا خليفة النبيين يا أرحم الراحمين البدي‏ء البديع الذي ليس مثلك شي‏ء و الدائم غير الغافل و الحي الذي لا يموت أنت كل يوم في شأن أنت خليفة محمد ص و ناصر محمد و مفضل محمد أسألك أن تنصر وصي محمد و خليفة محمد و القائم بالقسط بعد محمد اعطف عليه بنصر أو توفه برحمة قال ثم رفع رأسه و جلس بقدر التشهد ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه ثم مضى فمشى على الماء فناديته من خلفه كلمني يرحمك الله فلم يلتفت و قال الهادي خلفك فاسأله عن أمر دينك قال قلت من هو يرحمك الله قال وصي محمد ص من بعده فخرجت متوجها إلى الكوفة فأمسيت دونها فبت قريبا من الحيرة فلما جن لي الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية ثم صف قدميه فأطال المناجاة فكان فيما قال اللهم إني سرت فيهم بما أمرني رسولك و صفيك فظلموني و قتلت المنافقين كما أمرتني فجهلوني و قد مللتهم و ملوني و أبغضتهم و أبغضوني و لم تبق خلة أنتظرها إلا المرادي اللهم فعجل له الشقاء و تغمدني بالسعادة اللهم قد وعدني نبيك أن تتوفاني إليك إذا سألتك اللهم و قد رغبت إليك في ذلك ثم مضى فتبعته فدخل منزله فإذا هو علي بن أبي طالب ع قال فلم ألبث إذ نادى المنادي بالصلاة فخرج و تبعته حتى دخل المسجد فعمه ابن ملجم لعنه الله بالسيف

55-  نبه، ]تنبيه الخاطر[ لما احتضر أمير المؤمنين ع جمع بنيه حسنا و حسينا و محمد بن الحنفية و الأصاغر من ولده فوصاهم و كان في آخر وصيته يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم و إن فقدتم بكوا عليكم يا بني إن القلوب جند مجندة تتلاحظ بالمودة و تتناجى بها و كذلك هي في البغض فإذا أحسستم من أحد في قلبكم شيئا فاحذروه

56-  د، ]العدد القوية[ قال الواقدي آخر كلمة قالها أمير المؤمنين ع يا بني إذا مت فألحقوا بي ابن ملجم لعنه الله أخاصمه عند رب العالمين ثم قرأ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و لما توفي ع غسله ابناه الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و قيل محمد بن الحنفية و قيل إنه لم يغسل لأنه سيد الشهداء قيل كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص و لا عمامة و كان عنده من بقايا حنوط رسول الله ص فحنطوه بها و صلى عليه ولده الحسن ع و كبر عليه خمسا و قيل ستا و قيل سبعا

57-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع قبيل موته على سبيل الوصية وصيتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئا و محمد ص فلا تضيعوا سنته أقيموا هذين العمودين و خلاكم ذم أنا بالأمس صاحبكم و اليوم عبرة لكم و غدا مفارقكم إن أبق فأنا ولي دمي و إن أفن فالفناء ميعادي و إن أعف فالعفو لي قربة و هو لكم حسنة فاعفوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ و الله ما فجأني من الموت وارد كرهته و لا طالع أنكرته و ما كنت إلا كقارب ورد و طالب وجد وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ

 و قد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب إلا أن فيه هاهنا زيادة أوجبت تكراره

 و من وصية له ع بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة و يعطيني الأمنة منها و إنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف و ينفق منه في المعروف فإن حدث بحسن حدث و حسين حي قام بالأمر بعده و أصدر مصدره و إن لابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي و إني إنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله و قربة إلى رسول الله ص و تكريما لحرمته و تشريفا لوصلته و يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله و ينفق من ثمره حيث أمر به و هدي له و أن لا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراسا و من كان من إمائي اللاتي أطوف عليهن لها ولد أو هي حامل فتمسك على ولدها و هي حظه فإن مات ولدها و هي حية فهي عتيقة قد أفرج عنها الرق و حررها العتق

 قوله ع في هذه الوصية و أن لا يبيع من نخلها ودية الودية الفسيلة و جمعها ودي. و قوله ع حتى تشكل أرضها غراسا هو من أفصح الكلام و المراد به أن الأرض يكثر فيها غرائس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها فيشكل عليه أمرها و يحسبها غيرها. بيان قال الجزري في حديث علي ع خلاكم ذم ما لم تشردوا يقال افعل ذلك و خلاك ذم أي أعذرت و سقط عنك الذم. قال ابن أبي الحديد لقائل أن يقول إذا أوصاهم بالتوحيد و اتباع سنة النبي ص فقد دخل فيهما جميع ما يجب أن يفعل ففي أي شي‏ء يقول و خلاكم ذم و الجواب أن كثيرا من الصحابة و التابعين كانوا قد كلفوا أنفسهم أمورا شاقة جدا فمنهم من كان يقوم الليل كله و منهم من كان يصوم الدهر كله و منهم تارك النكاح و منهم تارك المطاعم و الملابس و كانوا يتفاخرون بذلك و يتنافسون فأراد ع أن المهم الأعظم القيام بالتوحيد و السنن المؤكدة المعلومة من دين محمد ص و لا عليكم بالإخلال بما عدا ذلك. و قال الخليل القارب طالب الماء ليلا قوله ع بالمعروف أي من غير إسراف و تقتير قوله في المعروف أي في وجوه البر و الضمير في قوله مصدره إما راجع إلى الأمر أو إلى الحسن ع قوله ع أن يترك المال على أصوله كناية عن عدم إخراجه ببيع أو هبة أو غيرهما من وجوه الإملاك و الودية النخلة الصغيرة

58-  نهج، ]نهج البلاغة[ من وصيته للحسن و الحسين ع لما ضربه ابن ملجم لعنه الله و أخزاه أوصيكما بتقوى الله و أن لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما و لا تأسفا على شي‏ء منها زوي عنكما و قولا بالحق و اعملا للآخرة و كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا أوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي بتقوى الله و نظم أمركم و صلاح ذات بينكم فإني سمعت جدكما ص يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم و لا يضيعوا بحضرتكم و الله الله في جيرانكم فإنه وصية نبيكم ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم و الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم و الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم و الله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا و الله الله في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل الله و عليكم بالتواصل و التباذل و إياكم و التدابر و التقاطع لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولى عليكم أشراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ثم قال يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة و لا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله ص يقول إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور

 بيان بغاه طلبه و زواه عنه قبضه و صرفه قوله ع الله الله أي اتقوا الله و اذكروا الله قوله ع فلا تغبوا أفواههم أي لا تجيعوهم بأن تطعموهم يوما و تتركوهم يوما و روي فلا تغيروا أفواههم و المعنى واحد فإن الجائع يتغير فمه قوله ع فإنه وصية نبيكم الحمل للمبالغة أي أوصاكم فيهم و ألفاه وجده. و قال الجزري يقال مثلت بالحيوان إذا قطعت أطرافه و شوهت به و مثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه و أذنه و مذاكيره أو شيئا من أطرافه فأما مثل بالتشديد للمبالغة. تذنيب سئل الشيخ المفيد قدس الله روحه في المسائل العكبرية الإمام عندنا مجمع على أنه يعلم ما يكون فما بال أمير المؤمنين ع خرج إلى المسجد و هو يعلم أنه مقتول و قد عرف قاتله و الوقت و الزمان و ما بال الحسين بن علي ع سار إلى الكوفة و قد علم أنهم يخذلونه و لا ينصرونه و أنه مقتول في سفرته تيك و لم لما حصروا و عرف أن الماء قد منع منه و أنه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء و لم يحفر و أعان على نفسه حتى تلف عطشا و الحسن ع وادع معاوية و هادنه و هو يعلم أنه ينكث و لا يفي شيعة أبيه ع فأجاب الشيخ رحمه الله عنها بقوله. و أما الجواب عن قوله إن الإمام يعلم ما يكون فإجماعنا أن الأمر على خلاف ما قال و ما أجمعت الشيعة على هذا القول و إنما إجماعهم ثابت على أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث و يكون على التفصيل و التمييز و هذا يسقط الأصل الذي بني عليه الأسولة بأجمعها و لسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث و يكون بإعلام الله تعالى له ذلك فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه و لا نصوب قائله لدعواه فيه من غير حجة و لا بيان و القول بأن أمير المؤمنين ع كان يعلم قاتله و الوقت الذي كان يقتل فيه فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول و جاء أيضا بأنه يعلم قاتله على التفصيل فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل و لو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالى بالصبر على الشهادة و الاستسلام للقتل ليبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به و لعلمه بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها و لا يكون بذلك أمير المؤمنين ع ملقيا بيده إلى التهلكة و لا معينا على نفسه معونة تستقبح في العقول. و أما علم الحسين ع بأن أهل الكوفة خاذلوه فلسنا نقطع على ذلك إذ لا حجة عليه من عقل و لا سمع و لو كان عالما بذلك لكان الجواب عنه ما قدمناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين ع بوقت قتله و معرفة قاتله كما ذكرناه و أما دعواه علينا أنا نقول إن الحسين ع كان عالما بموضع الماء قادرا عليه فلسنا نقول ذلك و لا جاء به خبر على أن طلب الماء و الاجتهاد فيه يقضي بخلاف ذلك و لو ثبت أنه كان عالما بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء من حيث كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين ع غير أن ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدمناه. و الكلام في علم الحسن ع بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدم و قد جاء الخبر بعلمه بذلك و كان شاهد الحال له يقضي به غير أنه دفع به عن تعجيل قتله و تسليم أصحابه له إلى معاوية و كان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيه و لطف لبقاء كثير من شيعته و أهله و ولده و دفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته و كان ع أعلم بما صنع لما ذكرناه و بينا الوجوه فيه انتهى كلامه رفع الله مقامه.

  أقول و سأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي نور الله ضريحه عن مثل ذلك في أمير المؤمنين ع فأجاب بأنه يحتمل أن يكون ع أخبر بوقوع القتل في تلك الليلة و لم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل و إن تكليفه ع مغاير لتكليفنا فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالى كما يجب على المجاهد الثبات و إن كان ثباته يفضي إلى القتل. تذييل رأينا في بعض الكتب القديمة رواية في كيفية شهادته ع أوردنا منه شيئا مما يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار

 قال روى أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد البكري عن لوط بن يحيى عن أشياخه و أسلافه قالوا لما توفي عثمان و بايع الناس أمير المؤمنين ع كان رجل يقال له حبيب بن المنتجب واليا على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان فأقره علي ع على عمله و كتب إليه كتابا يقول فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى حبيب بن المنتجب سلام عليك أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو و أصلي على محمد عبده و رسوله و بعد فإني وليتك ما كنت عليه لمن كان من قبل فأمسك على عملك و إني أوصيك بالعدل في رعيتك و الإحسان إلى أهل مملكتك و اعلم أن من ولي على رقاب عشرة من المسلمين و لم يعدل بينهم حشره الله يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه لا يفكها إلا عدله في دار الدنيا فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقرأه على من قبلك من أهل اليمن و خذ لي البيعة على من حضرك من المسلمين فإذا بايع القوم مثل بيعة الرضوان فامكث في عملك و أنفذ إلي منهم عشرة يكونون من عقلائهم و فصحائهم و ثقاتهم ممن يكون أشدهم عونا من أهل الفهم و الشجاعة عارفين بالله عالمين بأديانهم و ما لهم و ما عليهم و أجودهم رأيا و عليك و عليهم السلام و طوى الكتاب و ختمه و أرسله مع أعرابي

فلما وصل إليه قبله و وضعه على عينيه و رأسه فلما قرأه صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد و آله ثم قال أيها الناس اعلموا أن عثمان قد قضى نحبه و قد بايع الناس من بعده العبد الصالح و الإمام الناصح أخا رسول الله ص و خليفته و هو أحق بالخلافة و هو أخو رسول الله ص و ابن عمه و كاشف الكرب عن وجهه و زوج ابنته و وصيه و أبو سبطيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فما تقولون في بيعته و الدخول في طاعته قال فضج الناس بالبكاء و النحيب و قالوا سمعا و طاعة و حبا و كرامة لله و لرسوله و لأخي رسوله فأخذ له البيعة عليهم عامة فلما بايعوا قال لهم أريد منكم عشرة من رؤسائكم و شجعانكم أنفذهم إليه كما أمرني به فقالوا سمعا و طاعة فاختار منهم مائة ثم من المائة سبعين ثم من السبعين ثلاثين ثم من الثلاثين عشرة فيهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله و خرجوا من ساعتهم فلما أتوه ع سلموا عليه و هنئوه بالخلافة فرد عليهم السلام و رحب بهم فتقدم ابن ملجم و قام بين يديه و قال السلام عليك أيها الإمام العادل و البدر التمام و الليث الهمام و البطل الضرغام و الفارس القمقام و من فضله الله على سائر الأنام صلى الله عليك و على آلك الكرام أشهد أنك أمير المؤمنين صدقا و حقا و أنك وصي رسول الله ص و الخليفة من بعده و وارث علمه لعن الله من جحد حقك و مقامك أصبحت أميرها و عميدها لقد اشتهر بين البرية عدلك و هطلت شآبيب فضلك و سحائب رحمتك و رأفتك عليهم و لقد أنهضنا الأمير إليك فسررنا بالقدوم عليك فبوركت بهذه الطلعة المرضية و هنئت بالخلافة في الرعية. ففتح أمير المؤمنين ع عينيه في وجهه و نظر إلى الوفد فقربهم و أدناهم فلما جلسوا دفعوا إليه الكتاب ففضه و قرأه و سر بما فيه فأمر لكل واحد منهم بحلة يمانية و رداء عدنية و فرس عربية و أمر أن يفتقدوا و يكرموا فلما نهضوا قام ابن ملجم و وقف بين يديه و أنشد

أنت المهيمن و المهذب ذو الندى و ابن الضراغم في الطراز الأول‏الله خصك يا وصي محمد و حباك فضلا في الكتاب المنزل‏و حباك بالزهراء بنت محمد حورية بنت النبي المرسل

. ثم قال يا أمير المؤمنين ارم بنا حيث شئت لترى منا ما يسرك فو الله ما فينا إلا كل بطل أهيس و حازم أكيس و شجاع أشوس ورثنا ذلك عن الآباء و الأجداد و كذلك نورثه صالح الأولاد قال فاستحسن أمير المؤمنين ع كلامه من بين الوفد فقال له ما اسمك يا غلام قال اسمي عبد الرحمن قال ابن من قال ابن ملجم المرادي قال له أ مرادي أنت قال نعم يا أمير المؤمنين فقال ع إنا لله و إنا إليه راجعون و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم قال و جعل أمير المؤمنين ع يكرر النظر إليه و يضرب إحدى يديه على الأخرى و يسترجع ثم قال ويحك أ مرادي أنت قال نعم فعندها تمثل ع يقول

أنا أنصحك مني بالوداد مكاشفة و أنت من الأعادي‏أريد حياته و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

. قال الأصبغ بن نباتة لما دخل الوفد إلى أمير المؤمنين ع بايعوه و بايعه ابن ملجم فلما أدبر عنه دعاه أمير المؤمنين ع ثانيا فتوثق منه بالعهود و المواثيق أن لا يغدر و لا ينكث ففعل ثم سار عنه ثم استدعاه ثالثا ثم توثق منه فقال ابن ملجم يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري فقال امض لشأنك فما أراك تفي بما بايعت عليه فقال له ابن ملجم كأنك تكره وفودي عليك لما سمعته من اسمي و إني و الله لأحب الإقامة معك و الجهاد بين يديك و إن قلبي محب لك و إني و الله أوالي وليك و أعادي عدوك قال فتبسم ع و قال له بالله يا أخا مراد إن سألتك عن شي‏ء تصدقني فيه قال إي و عيشك يا أمير المؤمنين فقال له هل كان لك داية يهودية فكانت إذا بكيت تضربك و تلطم جبينك و تقول لك اسكت فإنك أشقى من عاقر ناقة صالح و إنك ستجني في كبرك جناية عظيمة يغضب الله بها عليك و يكون مصيرك إلى النار فقال قد كان ذلك و لكنك و الله يا أمير المؤمنين أحب إلي من كل أحد فقال أمير المؤمنين ع و الله ما كذبت و لا كذبت و لقد نطقت حقا و قلت صدقا و أنت و الله قاتلي لا محالة و ستخضب هذه من هذه و أشار إلى لحيته و رأسه و لقد قرب وقتك و حان زمانك فقال ابن ملجم و الله يا أمير المؤمنين إنك أحب إلي من كل ما طلعت عليه الشمس و لكن إذا عرفت ذلك مني فسيرني إلى مكان تكون ديارك من دياري بعيدة فقال ع كن مع أصحابك حتى آذن لكم بالرجوع إلى بلادكم ثم أمرهم بالنزول في بني تميم فأقاموا ثلاثة أيام ثم أمرهم بالرجوع إلى اليمن فلما عزموا على الخروج مرض ابن ملجم مرضا شديدا فذهبوا و تركوه فلما برئ أتى أمير المؤمنين ع و كان لا يفارقه ليلا و لا نهارا و يسارع في قضاء حوائجه و كان ع يكرمه و يدعوه إلى منزله و يقربه و كان مع ذلك يقول له أنت قاتلي و يكرر عليه الشعر.

أريد حياته و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

. فيقول له يا أمير المؤمنين إذا عرفت ذلك مني فاقتلني فيقول إنه لا يحل ذلك أن أقتل رجلا قبل أن يفعل بي شيئا و في خبر آخر قال إذا قتلتك فمن يقتلني قال فسمعت الشيعة ذلك فوثب مالك الأشتر و الحارث بن الأعور و غيرهما من الشيعة فجردوا سيوفهم و قالوا يا أمير المؤمنين من هذا الكلب الذي تخاطبه بمثل هذا الخطاب مرارا و أنت إمامنا و ولينا و ابن عم نبينا فمرنا بقتله فقال لهم اغمدوا سيوفكم بارك الله فيكم و لا تشقوا عصا هذه الأمة أ ترون أني أقتل رجلا لم يصنع بي شيئا. فلما انصرف ع إلى منزله اجتمعت الشيعة و أخبر بعضهم بعضا بما سمعوا و قالوا إن أمير المؤمنين ع يغلس إلى الجامع و قد سمعتم خطابه لهذا المرادي و هو ما يقول إلا حقا و قد علمتم عدله و إشفاقه علينا و نخاف أن يغتاله هذا المرادي فتعالوا نفترع على أن تحوطه كل ليلة منا قبيلة فوقعت القرعة في الليلة الأولى و الثانية و الثالثة على أهل الكناس فتقلدوا سيوفهم و أقبلوا في ليلتهم إلى الجامع فلما خرج ع رآهم على تلك الحالة فقال ما شأنكم فأخبروه فدعا لهم و تبسم ضاحكا و قال جئتم تحفظوني من أهل السماء أم من أهل الأرض قالوا من أهل الأرض قال ما يكون شي‏ء في السماء إلا هو في الأرض و ما يكون شي‏ء في الأرض إلا هو في السماء ثم تلا قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا ثم أمرهم أن يأتوا منازلهم و لا يعودوا لمثلها ثم إنه صعد المأذنة و كان إذا تنحنح يقول السامع ما أشبهه بصوت رسول الله ص فتأهب الناس لصلاة الفجر و كان إذا أذن يصل صوته إلى نواحي الكوفة كلها ثم نزل فصلى و كانت هذه عادته. قال و أقام ابن ملجم بالكوفة إلى أن خرج أمير المؤمنين ع إلى غزاة النهروان فخرج ابن ملجم معه و قاتل بين يديه قتالا شديدا فلما رجع إلى الكوفة و قد فتح الله على يديه قال ابن ملجم لعنه الله يا أمير المؤمنين أ تأذن لي أن أتقدمك إلى المصر لأبشر أهله بما فتح الله عليك من النصر فقال له ما ترجو بذلك قال الثواب من الله و الشكر من الناس و أفرح الأولياء و أكمد الأعداء فقال له شأنك ثم أمر له بخلعة سنية و عمامتين و فرسين و سيفين و رمحين فسار ابن ملجم و دخل الكوفة و جعل يخترق أزقتها و شوارعها و هو يبشر الناس بما فتح الله على أمير المؤمنين ع و قد دخله العجب في نفسه فانتهى به الطريق إلى محلة بني تميم

  فمر على دار تعرف بالقبيلة و هي أعلى دار بها و كانت لقطام بنت سخينة بن عوف بن تيم اللات و كانت موصوفة بالحسن و الجمال و البهاء و الكمال فلما سمعت كلامه بعثت إليه و سألته النزول عندها ساعة لتسأله عن أهلها فلما قرب من منزلها و أراد النزول عن فرسه خرجت إليه ثم كشفت له عن وجهها و أظهرت له محاسنها فلما رآها أعجبته و هواها من وقته فنزل عن فرسه و دخل إليها و جلس في دهليز الدار و قد أخذت بمجامع قلبه فبسطت له بساطا و وضعت له متكأ و أمرت خادمها أن تنزع أخفافه و أمرت له بماء فغسل وجهه و يديه و قدمت إليه طعاما فأكل و شرب و أقبلت عليه تروحه من الحر فجعل لا يمل من النظر إليها و هي مع ذلك متبسمة في وجهه سافرة له عن نقابها بارزة له عن جميع محاسنها ما ظهر منه و ما بطن فقال لها أيتها الكريمة لقد فعلت اليوم بي ما وجب به بل ببعضه على مدحك و شكرك دهري كله فهل من حاجة أتشرف بها و أسعى في قضائها قال فسألته عن الحرب و من قتل فيه فجعل يخبرها و يقول فلان قتله الحسن و فلان قتله الحسين إلى أن بلغ قومها و عشيرتها و كانت قطام لعنها الله على رأي الخوارج و قد قتل أمير المؤمنين ع في هذا الحرب من قومها جماعة كثيرة منهم أبوها و أخوها و عمها فلما سمعت منه ذلك صرخت باكية ثم لطمت خدها و قامت من عنده و دخلت البيت و هي تندبهم طويلا قال فندم ابن ملجم فلما خرجت إليه قالت يعز علي فراقهم من لي بعدهم أ فلا ناصر ينصرني و يأخذ لي بثأري و يكشف عن عاري فكنت أهب له نفسي و أمكنه منها و من مالي و جمالي فرق لها ابن ملجم و قال لها غضي صوتك و ارفقي بنفسك فإنك تعطين مرادك قال فسكتت من بكائها و طمعت في قوله ثم أقبلت عليه بكلامها و هي كاشفة عن صدرها و مسبلة شعرها فلما تمكن هواها من قلبه مال إليها بكليته ثم جذبها إليه و قال لها كان أبوك صديقا لي و قد خطبتك منه فأنعم لي بذلك فسبق إليه الموت فزوجيني نفسك لآخذ لك بثأرك قال ففرحت بكلامه و قالت قد خطبني الأشراف من قومي و سادات عشيرتي فما أنعمت إلا لمن يأخذ لي بثأري و لما سمعت عنك أنك تقاوم الأقران و تقتل الشجعان فأحببت أن تكون لي بعلا و أكون لك أهلا فقال لها فأنا و الله كفو كريم فاقترحي علي ما شئت من مال و فعال فقالت له إن قدمت على العطية و الشرط فها أنا بين يديك فتحكم كيف شئت فقال لها و ما العطية و الشرط فقالت له أما العطية فثلاثة آلاف دينار و عبد و قينة فقال هذا أنا ملي به فما الشرط المذكور قالت نم على فراشك حتى أعود إليك. ثم إنها دخلت خدرها فلبست أفخر ثيابها و لبست قميصا رقيقا يرى صدرها و حليها و زادت في الحلي و الطيب و خرجت في معصفرها فجعلت تباشره بمحاسنها ليرى حسنها و جمالها و أرخت عشرة ذوائب من شعرها منظومة بالدر و الجوهر فلما وصلت إليه أرخت لثامها عن وجهها و رفعت معصفرها و كشفت عن صدرها و أعكانها و قالت إن قدمت على الشرط المشروط ظفرت بها جميعها و أنت مسرور مغبوط قال فمد ابن ملجم عينيه إليها فحار عقله و هوى لحينه مغشيا عليه ساعة فلما أفاق قال يا منية النفس ما شرطك فاذكريه لي فإني سأفعله و لو كان دونه قطع القفار و خوض البحار و قطع الرءوس و اختلاس النفوس قالت له الملعونة شرطي عليك أن تقتل علي بن أبي طالب ع بضربة واحدة بهذا السيف في مفرق رأسه يأخذ منه ما يأخذ و يبقى ما يبقى فلما سمع ابن ملجم كلامها استرجع و رجع إلى عقله و أغاظه و أقلقه ثم صاح بأعلى صوته ويحك ما هذا الذي واجهتني به بئس ما حدثتك به نفسك من المحال ثم طأطأ رأسه يسيل عرقا و هو متفكر في أمره ثم رفع رأسه إليها و قال لها ويلك من يقدر على قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المجاب الدعاء المنصور من السماء و الأرض

  ترجف من هيبته و الملائكة تسرع إلى خدمته يا ويلك و من يقدر على قتل علي بن أبي طالب و هو مؤيد من السماء و الملائكة تحوطه بكرة و عشية و لقد كان في أيام رسول الله ص إذا قاتل يكون جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و ملك الموت بين يديه فمن هو هكذا لا طاقة لأحد بقتله و لا سبيل لمخلوق على اغتياله و مع ذلك أنه قد أعزني و أكرمني و أحبني و رفعني و آثرني على غيري فلا يكون ذلك جزاؤه مني أبدا فإن كان غيره قتلته لك شر قتلة و لو كان أفرس أهل زمانه و أما أمير المؤمنين فلا سبيل لي عليه. قال فصبرت عنه حتى سكن غيظه و دخلت معه في الملاعبة و الملاطفة و علمت أنه قد نسي ذلك القول ثم قالت يا هذا ما يمنعك من قتل علي بن أبي طالب و ترغب في هذا المال و تتنعم بهذا الجمال و ما أنت بأعف و أزهد من الذين قاتلوه و قتلهم و كانوا من الصوامين و القوامين فلما نظروا إليه و قد قتل المسلمين ظلما و عدوانا اعتزلوه و حاربوه و مع ذلك فإنه قد قتل المسلمين و حكم بغير حكم الله و خلع نفسه من الخلافة و أمره المؤمنين فلما رأوه قومي على ذلك اعتزلوه فقتلهم بغير حجة له عليهم فقال لها ابن ملجم يا هذه كفي عني فقد أفسدت علي ديني و أدخلت الشك في قلبي و ما أدري ما أقول لك و قد عزمت على رأي ثم أنشد

ثلاثة آلاف و عبد و قينة و ضرب علي بالحسام المصمم‏فلا مهر أغلى من علي و إن غلا و لا فتك إلا دون فتك ابن ملجم‏فأقسمت بالبيت الحرام و من أتى إليه جهارا من محل و محرم‏لقد أفسدت عقلي قطام و إنني لمنها على شك عظيم مذمم‏لقتل علي خير من وطئ الثرى أخي العلم الهادي النبي المكرم

. ثم أمسك ساعة و قال 

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام من فصيح و أعجم‏ثلاثة آلاف و عبد و قينة و ضرب علي بالحسام المصمم‏فلا مهر أغلى من علي و إن غلا و لا فتك إلا دون فتك ابن ملجم‏فأقسم بالبيت الحرام و من أتى إليه جهارا من محل و محرم‏لقد خاب من يسعى بقتل إمامه و ويل له من حر نار جهنم

. إلى آخر ما أنشد من الأبيات ثم قال لها أجليني ليلتي هذه حتى أنظر في أمري و آتيك غدا بما يقوى عليه عزمي فلما هم بالخروج أقبلت عليه و ضمته إلى صدرها و قبلت ما بين عينيه و أمرته بالاستعجال في أمرها و سايرته إلى باب الدار و هي تشجعه و أنشدت له أبياتا فخرج الملعون من عندها و قد سلبت فؤاده و أذهبت رقاده و رشاده فبات ليلته قلقا متفكرا فمرة يعاتب نفسه و مرة يفكر في دنياه و آخرته فلما كان وقت السحر أتاه طارق فطرق الباب فلما فتحه إذا برجل من بني عمه على نجيب و إذا هو رسول من إخوته إليه يعزونه في أبيه و عمه و يعرفونه أنه خلف مالا جزيلا و أنهم دعوه سريعا ليحوز ذلك المال فلما سمع ذلك بقي متحيرا في أمره إذ جاءه ما يشغله عما عظم عليه من أمر قطام فلم يزل مفكرا في أمره حتى عزم على الخروج و كان له أخوان لأبيه و أمه و أمه كانت من زبيد يقال لها عدنية و هي ابنة أبي علي بن ماشوج و كان أبوه مراديا و كانوا يسكنون عجران صنعاء فلما وصل إلى النجف ذكر قطام و منزلتها في قلبه و رجع إليها فلما طرق الباب اطلعت عليه و قالت من الطارق فعرفته على حالة السفر فنزلت إليه و سلمت عليه و سألته عن حاله فأخبرها بخبره و وعدها بقضاء حاجتها إذا رجع من سفره و تملكها جميع ما يجي‏ء به من المال فعدلت عنه مغضبة فدنا منها و قبلها و ودعها و حلف لها أنه يبلغها مأمولها في جميع ما سألته فخرج و جاء إلى أمير المؤمنين ع و أخبره بما جاءوا إليه لأجله و سأله أن يكتب إلى ابن المنتجب كتابا ليعينه على استخلاص حقه فأمر كاتبه فكتب له ما أراد ثم أعطاه فرسا من جياد خيله فخرج و سار سيرا حثيثا حتى وصل إلى بعض أودية اليمن فأظلم عليه الليل فبات في بعضها فلما مضى من الليل نصفه و إذا هو بزعقة عظيمة من صدر الوادي و دخان يفور و نار مضرمة فانزعج لذلك و تغير لونه و نظر إلى صدر الوادي و إذا بالدخان قد أقبل كالجبل العظيم و هو واقع عليه و النار تخرج من جوانبه فخر مغشيا عليه فلما أفاق و إذا بهاتف يسمع صوته و لا يرى شخصه و هو يقول.

اسمع و ع القول يا ابن ملجم إنك في أمر مهول معظم‏تضمر قتل الفارس المكرم أكرم من طاف و لبى و أحرم‏ذاك علي ذو التقاء الأقدم فارجع إلى الله لكيلا تندم

. فلما سمع توهم أنه من طوارق الجن و إذا بالهاتف يقول يا شقي بن الشقي أما ما أضمرت من قتل الزاهد العابد العادل الراكع الساجد إمام الهدى و علم التقى و العروة الوثقى فإنا علمنا بما تريد أن تفعله بأمير المؤمنين و نحن من الجن الذين أسلمنا على يديه و نحن نازلون بهذا الوادي فإنا لا ندعك تبيت فيه فإنك ميشوم على نفسك ثم جعلوا يرمونه بقطع الجنادل فصعد فوق شاهق فبات بقية ليله فلما أصبح سار ليلا و نهارا حتى وصل اليمن و أقام عندهم شهرين و قلبه على حر الجمر من أجل قطام ثم إنه أخذ الذي أصابه من المال و المتاع و الأثاث و الجواهر و خرج فبينا هو في بعض الطريق إذ خرجت عليه حرامية فسايرهم و سايروه فلما قربوا من الكوفة حاربوه و أخذوا جميع ما كان معه و نجا بنفسه و فرسه و قليل من الذهب على وسطه و ما كان تحته فهرب على وجهه حتى كاد أن يهلك عطشا و أقبل سائرا في الفلاة مهموما جائعا عطشانا فلاح له شبح فقصده فإذا بيوت من أبيات الحرب فقصد منها بيتا فنزل عندهم و استسقاهم شربة ماء فسقوه و طلب لبنا فأتوه به فنام ساعة فلما استيقظ أتاه رجلان و قدما إليه طعاما فأكل و أكلا معه و جعلا يسألانه عن الطريق فأخبرهما ثم قالا له ممن الرجل قال من بني مراد قالا أين تقصد قال الكوفة فقالا له كأنك من أصحاب أبي تراب قال نعم فاحمرت أعينهما غيظا و عزما على قتله ليلا و أسرا ذلك و نهضا فتبين له ما عزما عليه و ندم على كلامه فبينما هو متحير إذ أقبل كلبهم و نام قريبا منهم فأقبل اللعين يمسح بيده على الكلب و يشفق عليه و يقول مرحبا بكلب قوم أكرموني فاستحسنا ذلك و سألاه ما اسمك قال عبد الرحمن بن ملجم فقالا له ما أردت بصنعك هذا في كلبنا فقال أكرمته لأجلكم حيث أكرمتموني فوجب علي شكركم و كان هذا منه خديعة و مكرا فقالا الله أكبر الآن و الله وجب حقك علينا و نحن نكشف لك عما في ضمائرنا نحن قوم نرى رأي الخوارج و قد قتل أعمامنا و أخوالنا و أهالينا كما علمت فلما أخبرتنا أنك من أصحابه عزمنا على قتلك في هذه الليلة فلما رأينا صنعك هذا بكلبنا صفحنا عنك و نحن الآن نطلعك على ما قد عزمنا عليه فسألهما عن أسمائهما فقال أحدهما أنا البرك بن عبد الله التميمي و هذا عبد الله بن عثمان العنبري صهري و قد نظرنا إلى ما نحن عليه في مذهبنا فرأينا أن فساد الأرض و الأمة كلها من ثلاثة نفر أبو تراب و معاوية و عمرو بن العاص فأما أبو تراب فإنه قتل رجالنا كما رأيت و افتكرنا أيضا في الرجلين معاوية و ابن العاص و قد وليا علينا هذا الظالم الغشوم بشر بن أرطاة يطرقنا في كل وقت و يأخذ أموالنا و قد عزمنا على قتل هؤلاء الثلاثة فإذا قتلناهم توطأت الأرض و أقعد الناس لهم إماما يرضونه فلما سمع ابن ملجم كلامهما صفق بإحدى يديه على الأخرى و قال و الذي فلق الحبة و برأ النسمة و تردى بالعظمة إني لثالثكما و إني مرافقكما على رأيكما و إني أكفيكما أمر علي بن أبي طالب فنظرا إليه متعجبين من كلامه قال و الله ما أقول لكما إلا حقا ثم ذكر لهما قصته فلما سمعا كلامه عرفا صحته و قالا إن قطام من قومنا و أهلها كانوا من عشيرتنا فنحن نحمد الله على اتفاقنا فهذا لا يتم إلا بالأيمان المغلظة

  فنركب الآن مطايانا و نأتي الكعبة و نتعاقد عندها على الوفاء فلما أصبحوا و ركبوا حضر عندهم بعض قومهم فأشاروا عليهم و قالوا لا تفعلوا ذلك فما منكم أحد إلا و يندم ندامة عظيمة فلم يقبلوا و ساروا جميعا حتى أتوا البيت و تعاهدوا عنده فقال البرك أنا لعمرو بن العاص و قال العنبري أنا لمعاوية و قال ابن ملجم لعنه الله أنا لعلي فتحالفوا على ذلك بالأيمان المغلظة و دخلوا المدينة و حلفوا عند قبر النبي ص على ذلك ثم افترقوا و قد عينوا يوما معلوما يقتلون فيه الجميع ثم سار كل منهم على طريقه فأما البرك فأتى مصر و دخل الجامع و أقام فيه أياما فخرج عمرو بن العاص ذات يوم إلى الجامع و جلس فيه بعد صلاته فجاء البرك إليه و سلم عليه ثم حادثة في فنون الأخبار و طرف الكلام و الأشعار فشعف به عمرو بن العاص و قربه و أدناه و صار يأكل معه على مائدة واحدة فأقام إلى الليلة التي تواعدوا فيها فخرج إلى نيل مصر و جلس مفكرا فلما غربت الشمس أتى الجامع و جلس فيه فلما كان وقت الإفطار افتقده عمرو بن العاص فلم يره فقال لولده ما فعل صاحبنا و أين مضى فإني لا أراه فبعثه إليه يدعوه فقال قل له إن هذه الليلة ليس كالليالي و قد أحببت أن أقيم ليلتي هذه في الجامع رغبة فيما عند الله و أحب أن أشرك الأمير في ذلك فلما رجع إليه و أخبره بذلك سره سرورا عظيما و بعث إليه مائدة فأكل و بات ليلته ينتظر قدوم عمرو و كان هو الذي يصلي بهم فلما كان عند طلوع الفجر أقبل المؤذن إلى باب عمرو و أذن و قال الصلاة يرحمك الله الصلاة فانتبه فأتي بالماء و توضأ و تطيب و ذهب ليخرج إلى الصلاة فزلق فوقع على جنبه فاعتوره عرق النسا فأشغلته عن الخروج فقال قدموا خارجة بن تميم القاضي يصلي بالناس فأتى القاضي و دخل المحراب في غلس فجاء البرك فوقف خلفه و سيفه تحت ثيابه و هو لا يشك أنه عمرو فأمهله حتى سجد و جلس من سجوده فسل سيفه و نادى لا حكم إلا لله و لا طاعة لمن عصى الله ثم ضربه بالسيف على أم رأسه فقضى نحبه لوقته فبادر الناس و قبضوا عليه و أخذوا سيفه من يده و أوجعوه ضربا شديدا و قالوا له يا عدو الله قتلت رجلا مسلما ساجدا في محرابه فقال يا حمير أهل مصر إنه يستحق القتل قالوا بما ذا ويلك قال لسعيه في الفتنة لأنه الداهية الدهماء الذي أثار الفتنة و نبذها و قواها و زين لمعاوية محاربة علي فقالوا له يا ويلك من تعني قال الطاغي الباغي الكافر الزنديق عمرو بن العاص الذي شق عصا المسلمين و هتك حرمة الدين قالوا لقد خاب ظنك و طاش سهمك إن الذي قتلته ما هو إنما هو خارجة فقال يا قوم المعذرة إلى الله و إليكم فو الله ما أردت خارجة و إنما أردت قتل عمرو فأوثقوه كتافا و أتوا به إلى عمرو فلما رآه قال أ ليس هذا هو صاحبنا الحجازي قالوا له نعم قال ما باله قالوا إنه قد قتل خارجة فدهش عمرو لذلك و قال إنا لله و إنا إليه راجعون و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم التفت إليه و قال يا هذا لم فعلت ذلك فقال له و الله يا فاسق ما طلبت غيرك و لا أردت سواك قال و لم ذلك قال إنا ثلاثة تعاهدنا بمكة على قتلك و قتل علي بن أبي طالب و معاوية في هذه الليلة فإن صدقا صاحباي فقد قتل علي بالكوفة و معاوية بالشام و أما أنت فقد سلمت فقال عمرو يا غلام احبسه حتى نكتب إلى معاوية فحبسه حتى أمره معاوية بقتله فقتله. و أما عبد الله العنبري فقصد دمشق و استخبر عن معاوية فأرشد إليه فجعل يتردد إلى داره فلا يتمكن من الدخول إليه إلى أن أذن معاوية يوما للناس إذنا عاما فدخل إليه مع الناس و سلم عليه و حادثة ساعة و ذكر له ملوك بني قحطان و من له كلام مصيب حتى ذكر له بني عمه و هم أول ملوك قحطان و شيئا من أخبارهم فلما تفرقوا بقي عنده مع خواصه و كان فصيحا خبيرا بأنساب العرب و أشعارهم فأحبه معاوية حبا شديدا فقال قد أذنت لك في كل وقت نجلس فيه

  أن تدخل علينا من غير مانع و لا دافع فكان يتردد إليه إلى ليلة تسع عشرة و كان قد عرف المكان الذي يصلي فيه معاوية فلما أذن المؤذن للفجر و أتى معاوية المسجد و دخل محرابه ثار إليه بالسيف و ضربه فراغ عنه فأراد ضرب عنقه فانصاع عنه فوقع السيف في أليته و كانت ضربته ضربة جبان فقال معاوية لا يفوتنكم الرجل فاستخلف بعض أصحابه للصلاة و نهض إلى داره و أما العنبري فأخذه الناس و أوثقوه و أتوا به إلى معاوية و كان مغشيا عليه فلما أفاق قال له ويلك يا لكع لقد خاب ظني فيك ما الذي حملك على هذا فقال له دعني من كلامك اعلم أنا ثلاثة تحالفنا على قتلك و قتل عمرو بن العاص و علي بن أبي طالب فإن صدق صاحباي فقد قتل علي و عمرو و أما أنت فقد روغ أجلك كروغك الثعلب فقال له معاوية على رغم أنفك فأمر به إلى الحبس فأتاه الساعدي و كان طبيبا فلما نظر إليه قال له اختر إحدى الخصلتين إما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف و إما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد و تبرأ منها لأن ضربتك مسمومة فقال معاوية أما النار فلا صبر لي عليها و أما انقطاع الولد فإن في يزيد و عبد الله ما تقر به عيني فسقاه الشربة فبرأ و لم يولد له بعدها. و أما ابن ملجم لعنه الله فإنه سار حتى دخل الكوفة و اجتاز على الجامع و كان أمير المؤمنين ع جالسا على باب كندة فلم يدخله و لم يسلم عليه و كان إلى جانبه الحسن و الحسين ع و معه جماعة من أصحابه فلما نظروا إلى ابن ملجم و عبوره قالوا أ لا ترى إلى ابن ملجم عبر و لم يسلم عليك قال دعوه فإن له شأنا من الشأن و الله ليخضبن هذه من هذه و أشار إلى لحيته و هامته ثم قال

ما من الموت لإنسان نجاء كل امرئ لا بد يأتيه الفناءتبارك الله و سبحانه لكل شي‏ء مدة و انتهاء.

 يقدر الإنسان في نفسه أمرا و يأتيه عليه القضاءلا تأمنن الدهر في أهله لكل عيش آخر و انقضاءبينا ترى الإنسان في غبطة يمسي و قد حل عليه القضاء

. ثم جعل يطيل النظر إليه حتى غاب عن عينه و أطرق إلى الأرض يقول إنا لله و إنا إليه راجعون و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال و سار ابن ملجم حتى وصل إلى دار قطام و كان قد أيست من رجوعه إليها و عرضت نفسها على بني عمها و عشيرتها و شرطت عليهم قتل أمير المؤمنين ع فلم يقدم أحد على ذلك فلما طرق الباب قالت من الطارق قال أنا عبد الرحمن ففرحت قطام به و خرجت إليه و اعتنقته و أدخلته دارها و فرشت له فرش الديباج و أحضرت له الطعام و المدام فأكل و شرب حتى سكر و سألته عن حاله فحدثها بجميع ما جرى له في طريقه ثم أمرته بالاغتسال و تغيير ثيابه ففعل ذلك و أمرت جارية لها ففرشت الدار بأنواع الفرش و أحضرت له شرابا و جواري فشرب مع الجوار و هن يلعبن بالعيدان و المزامير و المعازف و الدفوف فلما أخذ الشراب منه أقبل عليها و قال ما بالك لا تجالسيني و لا تحادثيني يا قرة عيني و لا تمازحيني فقالت له بلى سمعا و طاعة ثم إنها نهضت و دخلت إلى خدرها و لبست أفخر ثيابها و تزينت و تطيبت و خرجت إليه و قد كشفت له عن رأسها و صدرها و نهودها و أبرزت له عن فخذيها و هي في طاق غلالة رومي يبين له منها جميع جسدها و هي تتبختر في مشيتها و الجوار حولها يلعبن فقام الملعون و اعتنقها و ترشفها و حملها حتى أجلسها مجلسها و قد بهت و تحير و استحوذ عليه الشيطان فضربت بيدها على زر قميصها فحلته و كان في حلقها عقد جوهر ليست له قيمة فلما أراد مجامعتها لم تمكنه من ذلك فقال لم تمانعيني عن نفسك و أنا و أنت على العهد الذي عاهدتك عليه من قتل علي و لو أحببت لقتلت معه شبليه الحسن و الحسين ثم ضرب يده على هميانه فحله من وسطه و رماه إليها و قال خذيه فإن فيه أكثر من ثلاثة آلاف دينار و عبد و قينة فقالت له و الله لا أمكنك من نفسي حتى تحلف لي بالأيمان المغلظة أنك تقتله فحملته القساوة على ذلك و باع آخرته بدنياه و تحكم الشيطان فيه بالأيمان المغلظة أنه يقتله و لو قطعوه إربا إربا فمالت إليه عند ذلك و قبلته و قبلها فأراد وطأها فمانعته و بات عندها تلك الليلة من غير نكاح فلما كان من الغد تزوج بها سرا و طاب قلبه فلما أفاق من سكرته ندم على ما كان منه و عاتب نفسه و لعنها فلم تزل تراوغه في كل ليلة و تعده بوصالها فلما دنت الليلة الموعودة مد يده إليها ليضاجعها و يجامعها فأبت عليه و قالت ما يكون ذلك إلا أن تفي بوعدك و كان الملعون اعتل علة شديدة فبرأ منها و كانت الملعونة لا تمكنه من نفسها مخافة أن تبرد ناره فيخل بقضاء حاجتها فقال لها يا قطام في هذه الليلة أقتل لك علي بن أبي طالب و أخذ سيفه و مضى به إلى الصيقل فأجاد صقاله و جاء به إليها فقالت إني أريد أن أعمل فيه سما قال و ما تصنع بالسم لو وقع على جبل لهده فقالت دعني أعمل فيه السم فإنك لو رأيت عليا لطاش عقلك و ارتعشت يداك و ربما ضربته ضربة لا تعمل فيه شيئا فإذا كان مسموما فإن لم تعمل الضربة عمل السم فقال لها يا ويلك أ تخوفيني من علي فو الله لا أرهب عليا و لا غيره فقالت له دعني من قولك هذا و إن عليا ليس كمن لاقيت من الشجعان فأطرت في مدحه و ذكرت شجاعته و كان غرضها أن يحمل الملعون على الغضب و يحرضه على الأمر فأخذت السيف و أنفذته إلى الصيقل فسقاه السم و رده إلى غمده و كان ابن ملجم قد خرج في ذلك اليوم يمشي في أزقة الكوفة فلقيه صديق له و هو عبد الله بن جابر الحارثي فسلم عليه و هنأه بزواج قطام ثم تحادثا ساعة فحدثه

  بحديثه من أوله إلى آخره فسر بذلك سرورا عظيما فقال له أنا أعاونك فقال ابن ملجم دعني من هذا الحديث فإن عليا أروغ من الثعلب و أشد من الأسد. ثم مضى ابن ملجم لعنه الله يدور في شوارع الكوفة فاجتاز على أمير المؤمنين ع و هو جالس عند ميثم التمار فخطف عنه كيلا يراه ففطن به فبعث خلفه رسولا فلما أتاه وقف بين يديه و سلم عليه و تضرع لديه فقال ع له ما تعمل هاهنا قال أطوف في أسواق الكوفة و أنظر إليها فقال ع عليك بالمساجد فإنها خير لك من البقاع كلها و شرها الأسواق ما لم يذكر اسم الله فيها ثم حادثه ساعة و انصرف فلما ولى جعل أمير المؤمنين ع يطيل النظر إليه و يقول يا لك من عدو لي من مراد ثم قال ع

أريد حياته و يريد قتلي و يأبى الله إلا أن يشاء

. ثم قال ع يا ميثم هذا و الله قاتلي لا محالة أخبرني به حبيبي رسول الله ص فقال ميثم يا أمير المؤمنين فلم لا تقتله أنت قبل ذلك فقال يا ميثم لا يحل القصاص قبل الفعل فقال ميثم يا مولاي إذا لم تقتله فاطرده فقال يا ميثم لو لا آية في كتاب الله يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ و أيضا أنه بعد ما جنى جناية فيؤخذ بها و لا يجوز أن يعاقب قبل الفعل فقال ميثم جعل الله يومنا قبل يومك و لا أرانا الله فيك سوءا أبدا و متى يكون ذلك يا أمير المؤمنين فقال ع إن الله تفرد بخمسة أشياء لا يطلع عليها نبي مرسل و لا ملك مقرب فقال عز من قائل إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية يا ميثم هذه خمسة لا يطلع عليها إلا الله تعالى و ما اطلع عليها نبي و لا وصي و لا ملك مقرب يا ميثم لا حذر من قدر يا ميثم إذا جاء القضاء فلا مفر فرجع ابن ملجم و دخل على قطام لعنهما الله و كانت تلك الليلة ليلة تسع عشرة من شهر رمضان. قالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدمت إليه عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير و قصعة فيها لبن و ملح جريش فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره فلما نظر إليه و تأمله حرك رأسه و بكى بكاء شديدا عاليا و قال يا بنية ما ظننت أن بنتا تسوء أباها كما قد أسأت أنت إلي قالت و ما ذا يا أباه قال يا بنية أ تقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد أ تريدين أن يطول وقوفي غدا بين يدي الله عز و جل يوم القيامة أنا أريد أن أتبع أخي و ابن عمي رسول الله ص ما قدم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله يا بنية ما من رجل طاب مطعمه و مشربه و ملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عز و جل يوم القيامة يا بنية إن الدنيا في حلالها حساب و في حرامها عقاب و قد أخبرني حبيبي رسول الله ص أن جبرئيل ع نزل إليه و معه مفاتيح كنوز الأرض و قال يا محمد السلام يقرئك السلام و يقول لك إن شئت صيرت معك جبال تهامة ذهبا و فضة و خذ هذه مفاتيح كنوز الأرض و لا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة قال يا جبرئيل و ما يكون بعد ذلك قال الموت فقال إذا لا حاجة لي في الدنيا دعني أجوع يوما و أشبع يوما فاليوم الذي أجوع فيه أتضرع إلى ربي و أسأله و اليوم الذي أشبع فيه أشكر ربي و أحمده فقال له جبرئيل وفقت لكل خير يا محمد. ثم قال ع يا بنية الدنيا دار غرور و دار هوان فمن قدم شيئا وجده يا بنية و الله لا آكل شيئا حتى ترفعين أحد الإدامين فلما رفعته تقدم إلى الطعام فأكل قرصا واحدا بالملح الجريش ثم حمد الله و أثنى عليه ثم قام إلى صلاته فصلى و لم يزل راكعا و ساجدا و مبتهلا و متضرعا إلى الله سبحانه و يكثر الدخول و الخروج و هو ينظر إلى السماء و هو قلق يتململ ثم قرأ سورة يس حتى ختمها

  ثم رقد هنيهة و انتبه مرعوبا و جعل يمسح وجهه بثوبه و نهض قائما على قدميه و هو يقول اللهم بارك لنا في لقائك و يكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم صلى حتى ذهب بعض الليل ثم جلس للتعقيب ثم نامت عيناه و هو جالس ثم انتبه من نومته مرعوبا. قالت أم كلثوم كأني به و قد جمع أولاده و أهله و قال لهم في هذا الشهر تفقدوني إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني و أريد أن أقصها عليكم قالوا و ما هي قال إني رأيت الساعة رسول الله ص في منامي و هو يقول لي يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب يجي‏ء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك و أنا و الله مشتاق إليك و إنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان فهلم إلينا فما عندنا خير لك و أبقى قال فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء و النحيب و أبدوا العويل فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا ثم أقبل يوصيهم و يأمرهم بالخير و ينهاهم عن الشر قالت أم كلثوم و لم يزل تلك الليلة قائما و قاعدا و راكعا و ساجدا ثم يخرج ساعة بعد ساعة يقلب طرفه في السماء و ينظر في الكواكب و هو يقول و الله ما كذبت و لا كذبت و إنها الليلة التي وعدت بها ثم يعود إلى مصلاه و يقول اللهم بارك لي في الموت و يكثر من قول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و يصلي على النبي و آله و يستغفر الله كثيرا. قالت أم كلثوم فلما رأيته في تلك الليلة قلقا متململا كثير الذكر و الاستغفار أرقت معه ليلتي و قلت يا أبتاه ما لي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد قال يا بنية إن أباك قتل الأبطال و خاض الأهوال و ما دخل الخوف له جوف و ما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة ثم قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقلت يا أباه ما لك تنعى نفسك منذ الليلة قال يا بنية قد قرب الأجل و انقطع الأمل قالت أم كلثوم فبكيت فقال لي يا بنية لا تبكين فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلي النبي ص ثم إنه نعس و طوى ساعة ثم استيقظ من نومه و قال يا بنية إذا قرب وقت الأذان فأعلميني ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة و الدعاء و التضرع إلى الله سبحانه و تعالى قالت أم كلثوم فجعلت أرقب وقت الأذان فلما لاح الوقت أتيته و معي إناء فيه ماء ثم أيقظته فأسبغ الوضوء و قام و لبس ثيابه و فتح بابه ثم نزل إلى الدار و كان في الدار إوز قد أهدي إلى أخي الحسين ع فلما نزل خرجن وراءه و رفرفن و صحن في وجهه و كان قبل تلك الليلة لم يصحن فقال ع لا إله إلا الله صوارخ تتبعها نوائح و في غداة غد يظهر القضاء فقلت له يا أباه هكذا تتطير فقال يا بنية ما منا أهل البيت من يتطير و لا يتطير به و لكن قول جرى على لساني ثم قال يا بنية بحقي عليك إلا ما أطلقتيه فقد حبست ما ليس له لسان و لا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش فأطعميه و اسقيه و إلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتى سقط فأخذه و شده و هو يقول

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكاو لا تجزع من الموت إذا حل بناديكاو لا تغتر بالدهر و إن كان يؤاتيكاكما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيكا

. ثم قال اللهم بارك لنا في الموت اللهم بارك لي في لقائك قالت أم كلثوم و كنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول ذلك قلت وا غوثاه يا أبتاه أراك تنعى نفسك منذ الليلة قال يا بنية ما هو بنعاء و لكنها دلالات و علامات للموت تتبع بعضها بعضا فأمسكي عن الجواب ثم فتح الباب و خرج. قالت أم كلثوم فجئت إلى أخي الحسن ع فقلت يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا و كذا و هو قد خرج في هذا الليل الغلس فالحقه فقام الحسن بن علي ع و تبعه فلحق به قبل أن يدخل الجامع فقال يا أباه ما أخرجك في هذه الساعة و قد بقي من الليل ثلثه فقال يا حبيبي و يا قرة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني و أزعجتني و أقلقتني فقال له خيرا رأيت و خيرا يكون فقصها علي فقال ع يا بني رأيت كأن جبرئيل ع قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين و مضى بهما إلى الكعبة و تركهما على ظهرها و ضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم ثم ذرهما في الريح فما بقي بمكة و لا بالمدينة بيت إلا و دخله من ذلك الرماد فقال له يا أبت و ما تأويلها فقال يا بني إن صدقت رؤياي فإن أباك مقتول و لا يبقى بمكة حينئذ و لا بالمدينة بيت إلا و يدخله من ذلك غم و مصيبة من أجلي فقال الحسن ع و هل تدري متى يكون ذلك يا أبت قال يا بني إن الله يقول وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ و لكن عهد إلي حبيبي رسول الله ص أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان يقتلني ابن ملجم المرادي فقلت له يا أبتاه إذا علمت منه ذلك فاقتله قال يا بني لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية و الجناية لم تحصل منه يا بني لو اجتمع الثقلان الإنس و الجن على أن يدفعوا ذلك لما قدروا يا بني ارجع إلى فراشك فقال الحسن ع يا أبتاه أريد أمضي معك إلى موضع صلاتك فقال له أقسمت بحقي عليك إلا ما رجعت إلى فراشك لئلا يتنغص عليك نومك و لا تعصني في ذلك قال فرجع الحسن ع فوجد أخته أم كلثوم قائمة خلف الباب تنتظره فدخل فأخبرها بذلك و جلسا يتحادثان و هما محزونان حتى غلب عليهما النعاس فقاما و دخلا إلى فراشهما و ناما. قال أبو مخنف و غيره و سار أمير المؤمنين ع حتى دخل المسجد و القناديل قد خمد ضوؤها فصلى في المسجد ورده و عقب ساعة ثم إنه قام و صلى ركعتين ثم علا المئذنة و وضع سبابتيه في أذنيه و تنحنح ثم أذن و كان ع إذا أذن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلا اخترقه صوته. قال الراوي و أما ابن ملجم فبات في تلك الليلة يفكر في نفسه و لا يدري ما يصنع فتارة يعاتب نفسه و يوبخها و يخاف من عقبى فعله فيهم أن يرجع عن ذلك و تارة يذكر قطام لعنها الله و حسنها و جمالها و كثرة مالها فتميل نفسه إليها فبقي عامة ليله يتقلب على فراشه و هو يترنم بشعره ذلك إذا أتته الملعونة و نامت معه في فراشه و قالت له يا هذا من يكون على هذا العزم يرقد فقال لها و الله إني أقتله لك الساعة فقالت اقتله و ارجع إلي قرير العين مسرورا و افعل ما تريد فإني منتظرة لك فقال لها بل أقتله و أرجع إليك سخين العين محزونا منحوسا محسورا فقالت أعوذ بالله من تطيرك الوحش قال فوثب الملعون كأنه الفحل من الإبل قال هلمي إلي بالسيف ثم إنه اتزر بمئزر و اتشح بإزار و جعل السيف تحت الإزار مع بطنه و قال افتحي لي الباب ففي هذه الساعة أقتل لك عليا فقامت فرحة مسرورة و قبلت صدره و بقي يقبلها و يترشفها ساعة ثم راودها عن نفسها فقالت له هذا علي أقبل إلى الجامع و أذن فقم إليه فاقتله ثم عد إلي فها أنا منتظرة رجوعك فخرج من الباب و هي خلفه تحرضه بهذه الأبيات أقول

إذا ما حية أعيت الرقا و كان ذعاف الموت منه شرابهارسسنا إليها في الظلام ابن ملجم همام إذا ما الحرب شب لها بهافخذها على فوق رأسك ضربة بكف سعيد سوف يلقى ثوابها

. قال الراوي فالتفت إليها و قال لها أفسدت و الله الشعر في هذا البيت الآخر قالت و لم ذاك قال لها هلا قلت

بكف شقي سوف يلقى عقابها.

 قال مصنف هذا الكتاب قدس روحه هذا الخبر غير صحيح بل إنا كتبناه كما وجدناه و الرواية الصحيحة أنه بات في المسجد و معه رجلان أحدهما شبيب بن بحيرة و الآخر وردان بن مجالد يساعدانه على قتل علي ع فلما أذن ع و نزل من المئذنة و جعل يسبح الله و يقدسه و يكبره و يكثر من الصلاة على النبي ص قال الراوي و كان من كرم أخلاقه ع أنه يتفقد النائمين في المسجد و يقول للنائم الصلاة يرحمك الله الصلاة قم إلى الصلاة المكتوبة عليك ثم يتلو ع إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النائمين في المسجد حتى إذا بلغ إلى الملعون فرآه نائما على وجهه قال له يا هذا قم من نومك هذا فإنها نومة يمقتها الله و هي نومة الشيطان و نومة أهل النار بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء أو على يسارك فإنها نومة الحكماء و لا تنم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء. قال فتحرك الملعون كأنه يريد أن يقوم و هو من مكانه لا يبرح فقال له أمير المؤمنين ع لقد هممت بشي‏ء تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا و لو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك ثم تركه و عدل عنه إلى محرابه و قام قائما يصلي و كان ع يطيل الركوع و السجود في الصلاة كعادته في الفرائض و النوافل حاضرا قلبه فلما أحس به فنهض الملعون مسرعا و أقبل يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام ع يصلي عليها فأمهله حتى صلى الركعة الأولى و ركع و سجد السجدة الأولى منها و رفع رأسه فعند ذلك أخذ السيف و هزه ثم ضربه على رأسه المكرم الشريف فوقعت الضربة على الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري ثم أخذت الضربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السجود فلما أحس الإمام بالضرب لم يتأوه و صبر و احتسب و وقع على وجهه و ليس عنده أحد قائلا بسم الله و بالله و على ملة رسول الله ثم صاح و قال قتلني ابن ملجم قتلني اللعين ابن اليهودية و رب الكعبة أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم و سار السم في رأسه و بدنه و ثار جميع من في المسجد في طلب الملعون و ماجوا بالسلاح فما كنت أرى إلا صفق الأيدي على الهامات و علو الصرخات و كان ابن ملجم ضربه ضربة خائفا مرعوبا ثم ولى هاربا و خرج من المسجد و أحاط الناس بأمير المؤمنين ع و هو في محرابه يشد الضربة و يأخذ التراب و يضعه عليها ثم تلا قوله تعالى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ثم قال ع جاء أمر الله و صدق رسول الله ص ثم إنه لما ضربه الملعون ارتجت الأرض و ماجت البحار و السماوات و اصطفقت أبواب الجامع قال و ضربه اللعين شبيب بن بجرة فأخطأه و وقعت الضربة في الطاق. قال الراوي فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كل من كان في المسجد و صاروا يدورون و لا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة و الدهشة ثم أحاطوا بأمير المؤمنين ع و هو يشد رأسه بمئزره و الدم يجري على وجهه و لحيته و قد خضبت بدمائه و هو يقول هذا ما وعد اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ. قال الراوي فاصطفقت أبواب الجامع و ضجت الملائكة في السماء بالدعاء و هبت ريح عاصف سوداء مظلمة و نادى جبرئيل ع بين السماء و الأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ تهدمت و الله أركان الهدى و انطمست و الله نجوم السماء و أعلام التقى و انفصمت و الله العروة الوثقى قتل ابن عم محمد المصطفى قتل الوصي المجتبى قتل علي المرتضى قتل و الله سيد الأوصياء قتله أشقى الأشقياء قال فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرئيل فلطمت على وجهها و خدها و شقت جيبها و صاحت وا أبتاه وا علياه وا محمداه وا سيداه ثم أقبلت إلى أخويها الحسن و الحسين فأيقظتهما و قالت لهما لقد قتل أبوكما فقاما يبكيان فقال لها الحسن ع يا أختاه كفي عن البكاء حتى نعرف صحة الخبر كيلا تشمت الأعداء فخرجا فإذا الناس ينوحون و ينادون وا إماماه وا أمير المؤمنيناه قتل و الله إمام عابد مجاهد

  لم يسجد لصنم كان أشبه الناس برسول الله ص فلما سمع الحسن و الحسين ع صرخات الناس ناديا وا أبتاه وا علياه ليت الموت أعدمنا الحياة فلما وصلا الجامع و دخلا وجدا أبا جعدة بن هبيرة و معه جماعة من الناس و هم يجتهدون أن يقيموا الإمام في المحراب ليصلي بالناس فلم يطق على النهوض و تأخر عن الصف و تقدم الحسن ع فصلى بالناس و أمير المؤمنين ع يصلي إيماء من جلوس و هو يمسح الدم عن وجهه و كريمه الشريف يميل تارة و يسكن أخرى و الحسن ع ينادي وا انقطاع ظهراه يعز و الله علي أن أراك هكذا ففتح عينه و قال يا بني لا جزع على أبيك بعد اليوم هذا جدك محمد المصطفى و جدتك خديجة الكبرى و أمك فاطمة الزهراء و الحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك فطب نفسا و قر عينا و كف عن البكاء فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء. قال ثم إن الخبر شاع في جوانب الكوفة و انحشر الناس حتى المخدرات خرجن من خدرهن إلى الجامع ينظرن إلى علي بن أبي طالب ع فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن و رأس أبيه في حجره و قد غسل الدم عنه و شد الضربة و هي بعدها تشخب دما و وجهه قد زاد بياضا بصفرة و هو يرمق السماء بطرفه و لسانه يسبح الله و يوحده و هو يقول أسألك يا رب الرفيع الأعلى فأخذ الحسن ع رأسه في حجره فوجده مغشيا عليه فعندها بكى بكاء شديدا و جعل يقبل وجه أبيه و ما بين عينيه و موضع سجوده فسقط من دموعه قطرات على وجه أمير المؤمنين ع ففتح عينيه فرآه باكيا فقال له يا بني يا حسن ما هذا البكاء يا بني لا روع على أبيك بعد اليوم هذا جدك محمد المصطفى و خديجة و فاطمة و الحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك فطب نفسا و قر عينا و اكفف عن البكاء فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء يا بني أ تجزع على أبيك و غدا تقتل بعدي مسموما مظلوما و يقتل أخوك بالسيف هكذا و تلحقان بجدكما و أبيكما و أمكما فقال له الحسن ع يا أبتاه ما تعرفنا من قتلك و من فعل بك هذا قال قتلني ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم المرادي فقال يا أباه من أي طريق مضى قال لا يمضي أحد في طلبه فإنه سيطلع عليكم من هذا الباب و أشار بيده الشريفة إلى باب كندة قال و لم يزل السم يسري في رأسه و بدنه ثم أغمي عليه ساعة و الناس ينتظرون قدوم الملعون من باب كندة فاشتغل الناس بالنظر إلى الباب و يرتقبون قدوم الملعون و قد غص المسجد بالعالم ما بين باك و محزون فما كان إلا ساعة و إذا بالصيحة قد ارتفعت و زمرة من الناس و قد جاءوا بعدو الله ابن ملجم مكتوفا و هذا يلعنه و هذا يضربه قال فوقع الناس بعضهم على بعض ينظرون إليه فأقبلوا باللعين مكتوفا و هذا يلعنه و هذا يضربه و هم ينهشون لحمه بأسنانهم و يقولون له يا عدو الله ما فعلت أهلكت أمة محمد و قتلت خير الناس و إنه لصامت و بين يديه رجل يقال له حذيفة النخعي بيده سيف مشهور و هو يرد الناس عن قتله و هو يقول هذا قاتل الإمام علي ع حتى أدخلوه المسجد. قال الشعبي كأني أنظر إليه و عيناه قد طارتا في أم رأسه كأنهما قطعتا علق و قد وقعت في وجهه ضربة قد هشمت وجهه و أنفه و الدم يسيل على لحيته و على صدره و هو ينظر يمينا و شمالا و عيناه قد طارتا في أم رأسه و هو أسمر اللون حسن الوجه و في وجهه أثر السجود و كان على رأسه شعر أسود منشورا على وجهه كأنه الشيطان الرجيم فلما حاذاني سمعته يترنم بهذه الأبيات أقول

لنفسي بعد ما كنت أنهاها و قد كنت أسناها و كنت أكيدهاأيا نفس كفي عن طلابك و اصبري و لا تطلبي هما عليك يبيدهافما قبلت نصحي و قد كنت ناصحا كنصح ولود غاب عنها وليدهافما طلبت إلا عنائي و شقوتي فيا طول مكثي في الجحيم بعيدها

. فلما جاءوا به أوقفوه بين يدي أمير المؤمنين ع فلما نظر إليه الحسن ع قال له يا ويلك يا لعين يا عدو الله أنت قاتل أمير المؤمنين و مثكلنا إمام المسلمين هذا جزاؤه منك حيث آواك و قربك و أدناك و آثرك على غيرك و هل كان بئس الإمام لك حتى جازيته هذا الجزاء يا شقي قال فلم يتكلم بل دمعت عيناه فانكب الحسن ع على أبيه يقبله و قال له هذا قاتلك يا أباه قد أمكن الله منه فلم يجبه و كان نائما فكره أن يوقظه من نومه ثم التفت إلى ابن ملجم و قال له يا عدو الله هذا كان جزاؤه منك بوأك و أدناك و قربك و حباك و فضلك على غيرك هل كان بئس الإمام لك حتى جازيته بهذا الجزاء يا شقي الأشقياء فقال له الملعون يا أبا محمد أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ فعند ذلك ضجت الناس بالبكاء و النحيب فأمرهم الحسن ع بالسكوت ثم التفت الحسن ع إلى الذي جاء به حذيفة رضي الله عنه فقال له كيف ظفرت بعدو الله و أين لقيته فقال يا مولاي إن حديثي معه لعجيب و ذلك أني كنت البارحة نائما في داري و زوجتي إلى جانبي و هي من غطفان و أنا راقد و هي مستيقظة إذ سمعت هي الزعقة و ناعيا ينعى أمير المؤمنين ع و هو يقول تهدمت و الله أركان الهدى و انطمست و الله أعلام التقى قتل ابن عم محمد المصطفى قتل علي المرتضى قتله أشقى الأشقياء فأيقظتني و قالت لي أنت نائم و قد قتل إمامك علي بن أبي طالب فانتبهت من كلامها فزعا مرعوبا و قلت لها يا ويلك ما هذا الكلام رض الله فاك لعل الشيطان قد ألقى في سمعك هذا أو حلم ألقي عليك يا ويلك إن أمير المؤمنين ليس لأحد من خلق الله تعالى قبله تبعة و لا ظلامة و إنه لليتيم كالأب الرحيم و للأرملة كالزوج العطوف و بعد ذلك فمن ذا الذي يقدر على قتل أمير المؤمنين و هو الأسد الضرغام و البطل الهمام و الفارس القمقام فأكثرت علي و قالت إني سمعت ما لم تسمع و علمت ما لم تعلم فقلت لها و ما سمعت فأخبرتني بالصوت فقالت لي سمعت ناعيا ينادي بأعلى صوته تهدمت و الله أركان الهدى و انطمست و الله أعلام التقى قتل ابن عم محمد المصطفى قتل علي المرتضى قتله أشقى الأشقياء ثم قالت ما أظن بيتا في الكوفة إلا و قد دخله هذا الصوت قال فبينما أنا و هي في مراجعة الكلام و إذا بصيحة عظيمة و جلبة و ضجة عظيمة و قائل يقول قتل أمير المؤمنين فحس قلبي بالشر فمددت يدي إلى سيفي و سللته من غمده و أخذته و نزلت مسرعا و فتحت باب داري و خرجت فلما صرت في وسط الجادة فنظرت يمينا و شمالا و إذا بعدو الله يجول فيها يطلب مهربا فلم يجد و إذا قد انسدت الطرقات في وجهه فلما نظرت إليه و هو كذلك رابني أمره فناديته يا ويلك من أنت و ما تريد لا أم لك في وسط هذا الدرب تمر و تجي‏ء فتسمى بغير اسمه و انتمى إلى غير كنيته فقلت له من أين أقبلت قال من منزلي قلت و إلى أين تريد تمضي في هذا الوقت قال إلى الحيرة فقلت و لم لا تقعد حتى تصلي مع أمير المؤمنين ع صلاة الغداة و تمضي في حاجتك فقال أخشى أن أقعد للصلاة فتفوتني حاجتي فقلت يا ويلك إني سمعت صيحة و قائلا يقول قتل أمير المؤمنين ع فهل عندك من ذلك خبر قال لا علم لي بذلك فقلت له و لم لا تمضي معي حتى تحقق الخبر و تمضي في حاجتك فقال أنا ماض في حاجتي و هي أهم من ذلك فلما قال لي مثل ذلك القول قلت يا لكع الرجال حاجتك أحب إليك من التجسس لأمير المؤمنين ع و إمام المسلمين و إذا و الله يا لكع ما لك عند الله من خلاق و حملت عليه بسيفي و هممت أن أعلو به فراغ عني فبينما أنا أخاطبه و هو يخاطبني إذ هبت ريح فكشفت إزاره و إذا بسيفه يلمع تحت الإزار كأنه مرآة مصقولة فلما رأيت بريقه تحت ثيابه قلت يا ويلك ما هذا السيف المشهور تحت ثيابك

  لعلك أنت قاتل أمير المؤمنين فأراد أن يقول لا فأنطق الله لسانه بالحق فقال نعم فرفعت سيفي و ضربته فرفع هو سيفه و هم أن يعلوني به فانحرفت عنه فضربته على ساقيه فأوقفته و وقع لحينه و وقعت عليه و صرخت صرخة شديدة و أردت آخذ سيفه فمانعني عنه فخرج أهل الحيرة فأعانوني عليه حتى أوثقته كتافا و جئتك به فها هو بين يديك جعلني الله فداك فاصنع ما شئت.

 فقال الحسن ع الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه ثم انكب الحسن ع على أبيه يقبله و قال له يا أباه هذا عدو الله و عدوك قد أمكن الله منه فلم يجبه و كان نائما فكره أن يوقظه من نومه فرقد ساعة ثم فتح ع عينيه و هو يقول ارفقوا بي يا ملائكة ربي فقال له الحسن ع هذا عدو الله و عدوك ابن ملجم قد أمكن الله منه و قد حضر بين يديك قال ففتح أمير المؤمنين ع عينيه و نظر إليه و هو مكتوف و سيفه معلق في عنقه فقال له بضعف و انكسار صوت و رأفة و رحمة يا هذا لقد جئت عظيما و ارتكبت أمرا عظيما و خطبا جسيما أ بئس الإمام كنت لك حتى جازيتني بهذا الجزاء أ لم أكن شفيقا عليك و آثرتك على غيرك و أحسنت إليك و زدت في إعطائك أ لم يكن يقال لي فيك كذا و كذا فخليت لك السبيل و منحتك عطائي و قد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة و لكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك يا لكع و عل أن ترجع عن غيك فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا شقي الأشقياء قال فدمعت عينا ابن ملجم لعنه الله تعالى و قال يا أمير المؤمنين أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ قال له صدقت ثم التفت ع إلى ولده الحسن ع و قال له ارفق يا ولدي بأسيرك و ارحمه و أحسن إليه و أشفق عليه أ لا ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه و قلبه يرجف خوفا و رعبا و فزعا فقال له الحسن ع يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر و أفجعنا فيك و أنت تأمرنا بالرفق به فقال له نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا كرما و عفوا و الرحمة و الشفقة من شيمتنا لا من شيمته بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله و اسقه مما تشرب و لا تقيد له قدما و لا تغل له يدا فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله و تضربه ضربة واحدة و تحرقه بالنار و لا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله ص يقول إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور و إن أنا عشت فأنا أولى بالعفو عنه و أنا أعلم بما أفعل به فإن عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا عفوا و كرما

قال مخنف بن حنيف إني و الله ليلة تسع عشرة في الجامع في رجال نصلي قريبا من السدة التي يدخل منها أمير المؤمنين ع فبينا نحن نصلي إذ دخل أمير المؤمنين ع من السدة و هو ينادي الصلاة ثم صعد المئذنة فأذن ثم نزل فعبر على قوم نيام في المسجد فناداهم الصلاة ثم قصد المحراب فما أدري دخل في الصلاة أم لا إذ سمعت قائلا يقول الحكم لله لا لك يا علي قال فسمعت عند ذلك أمير المؤمنين ع يقول لا يفوتنكم الرجل قال فشد الناس عليه و أنا معهم و إذا هو وردان بن مجالد و أما ابن ملجم لعنه الله فإنه هرب من ساعته و دخل الكوفة و رأينا أمير المؤمنين ع مجروحا في رأسه. قال محمد بن الحنفية ثم إن أبي ع قال احملوني إلى موضع مصلاي في منزلي قال فحملناه إليه و هو مدنف و الناس حوله و هم في أمر عظيم باكين محزونين قد أشرفوا على الهلاك من شدة البكاء و النحيب ثم التفت إليه الحسين ع و هو يبكي فقال له يا أبتاه من لنا بعدك لا كيومك إلا يوم رسول الله ص من أجلك تعلمت البكاء يعز و الله علي أن أراك هكذا فناداه ع فقال يا حسين يا أبا عبد الله ادن مني فدنا منه و قد قرحت أجفان عينيه من البكاء فمسح الدموع من عينيه و وضع يده على قلبه و قال له يا بني ربط الله قلبك بالصبر و أجزل لك و لإخوتك عظيم الأجر فسكن روعتك و اهدأ من بكائك فإن الله قد آجرك على عظيم مصابك ثم أدخل ع إلى حجرته و جلس في محرابه. قال الراوي و أقبلت زينب و أم كلثوم حتى جلستا معه على فراشه و أقبلتا تندبانه و تقولان يا أبتاه من للصغير حتى يكبر و من للكبير بين الملأ يا أبتاه حزننا عليك طويل و عبرتنا لا ترقأ قال فضج الناس من وراء الحجرة بالبكاء و النحيب و فاضت دموع أمير المؤمنين ع عند ذلك و جعل يقلب طرفه و ينظر إلى أهل بيته و أولاده ثم دعا الحسن و الحسين ع و جعل يحضنهما و يقبلهما ثم أغمي عليه ساعة طويلة و أفاق و كذلك كان رسول الله ص يغمى عليه ساعة طويلة و يفيق أخرى لأنه ع كان مسموما فلما أفاق ناوله الحسن ع قعبا من لبن فشرب منه قليلا ثم نحاه عن فيه و قال احملوه إلى أسيركم ثم قال للحسن ع بحقي عليك يا بني إلا ما طيبتم مطعمه و مشربه و ارفقوا به إلى حين موتي و تطعمه مما تأكل و تسقيه مما تشرب حتى تكون أكرم منه فعند ذلك حملوا إليه اللبن و أخبروه بما قال أمير المؤمنين ع في حقه فأخذ اللعين و شربه. قال و لما حمل أمير المؤمنين ع إلى منزله جاءوا باللعين مكتوفا إلى بيت من بيوت القصر فحبسوه فيه فقالت له أم كلثوم و هي تبكي يا ويلك أما أبي فإنه لا بأس عليه و إن الله مخزيك في الدنيا و الآخرة و إن مصيرك إلى النار خالدا فيها فقال لها ابن ملجم لعنه الله ابكي إن كنت باكية فو الله لقد اشتريت سيفي هذا بألف و سممته بألف و لو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة ما نجا منهم أحد و في ذلك يقول الفرزدق شعر.

فلا غرو للأشراف إن ظفرت بها ذئاب الأعادي من فصيح و أعجمي.

 فحربة وحشي سقت حمزة الردى و حتف علي من حسام ابن ملجم

. قال محمد بن الحنفية رضي الله عنه و بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي و قد نزل السم إلى قدميه و كان يصلي تلك الليلة من جلوس و لم يزل يوصينا بوصاياه و يعزينا عن نفسه و يخبرنا بأمره و تبيانه إلى حين طلوع الفجر فلما أصبح استأذن الناس عليه فأذن لهم بالدخول فدخلوا عليه و أقبلوا يسلمون عليه و هو يرد عليهم السلام ثم قال أيها الناس اسألوني قبل أن تفقدوني و خففوا سؤالكم لمصيبة إمامكم قال فبكى الناس عند ذلك بكاء شديدا و أشفقوا أن يسألوه تخفيفا عنه فقام إليه حجر بن عدي الطائي و قال

فيا أسفي على المولى التقي أبو الأطهار حيدرة الزكي‏قتله كافر حنث زنيم لعين فاسق نغل شقي‏فيلعن ربنا من حاد عنكم و يبرأ منكم لعنا وبي‏لأنكم بيوم الحشر ذخري و أنتم عترة الهادي النبي

. فلما بصر به و سمع شعره قال له كيف لي بك إذا دعيت إلى البراءة مني فما عساك أن تقول فقال و الله يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف إربا إربا و أضرم لي النار و ألقيت فيها لأثرت ذلك على البراءة منك فقال وفقت لكل خير يا حجر جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيك ثم قال هل من شربة من لبن فأتوه بلبن في قعب فأخذه و شربه كله فذكر الملعون ابن ملجم و أنه لم يخلف له شيئا فقال ع وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً اعلموا أني شربت الجميع و لم أبق لأسيركم شيئا من هذا ألا و إنه آخر رزقي من الدنيا فبالله عليك يا بني إلا ما أسقيته مثل ما شربت فحمل إليه ذلك فشربه. قال محمد بن الحنفية رضي الله عنه لما كانت ليلة إحدى و عشرين و أظلم الليل و هي الليلة الثانية من الكائنة جمع أبي أولاده و أهل بيته و ودعهم ثم قال لهم الله خليفتي عليكم و هو حسبي وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ و أوصاهم الجميع منهم بلزوم الإيمان و الأديان و الأحكام التي أوصاه بها رسول الله ص فمن ذلك ما نقل عنه ع أنه أوصى به الحسن و الحسين ع لما ضربه الملعون ابن ملجم و هي هذه أوصيكما بتقوى الله و ساقها إلى آخر ما مر برواية السيد الرضي قال ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف حتى نظرنا إلى قدميه و قد احمرتا جميعا فكبر ذلك علينا و أيسنا منه ثم أصبح ثقيلا فدخل الناس عليه فأمرهم و نهاهم و أوصاهم ثم عرضنا عليه المأكول و المشروب فأبى أن يشرب فنظرنا إلى شفتيه و هما يختلجان بذكر الله تعالى و جعل جبينه يرشح عرقا و هو يمسحه بيده قلت يا أبت أراك تمسح جبينك فقال يا بني إني سمعت جدك رسول الله ص يقول إن المؤمن إذا نزل به الموت و دنت وفاته عرق جبينه و صار كاللؤلؤ الرطب و سكن أنينه ثم قال يا أبا عبد الله و يا عون ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم صغيرا و كبيرا واحدا بعد واحد و جعل يودعهم و يقول الله خليفتي عليكم أستودعكم الله و هم يبكون فقال له الحسن ع يا أبة ما دعاك إلى هذا فقال له يا بني إني رأيت جدك رسول الله ص في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل و الأذى من هذه الأمة فقال لي ادع عليهم فقلت اللهم أبدلهم بي شرا مني و أبدلني بهم خيرا منهم فقال لي قد استجاب الله دعاك سينقلك إلينا بعد ثلاث و قد مضت الثلاث يا أبا محمد أوصيك و يا أبا عبد الله خيرا فأنتما مني و أنا منكما ثم التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة ع و أوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن و الحسين ع. ثم قال أحسن الله لكم العزاء ألا و إني منصرف عنكم و راحل في ليلتي هذه و لاحق بحبيبي محمد ص كما وعدني فإذا أنا مت يا أبا محمد فغسلني و كفني و حنطني ببقية حنوط جدك رسول الله ص فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل ع إليه ثم ضعني على سريري و لا يتقدم أحد منكم مقدم السرير و احملوا مؤخره و اتبعوا مقدمه فأي موضع وضع المقدم فضعوا المؤخر فحيث قام

  سريري فهو موضع قبري ثم تقدم يا أبا محمد و صل علي يا بني يا حسن و كبر علي سبعا و اعلم أنه لا يحل ذلك على أحد غيري إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي و من ولد أخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق فإذا أنت صليت علي يا حسن فنح السرير عن موضعه ثم اكشف التراب عنه فترى قبرا محفورا و لحدا مثقوبا و ساجة منقوبة فأضجعني فيها فإذا أردت الخروج من قبري فافتقدني فإنك لا تجدني و إني لاحق بجدك رسول الله ص و اعلم يا بني ما من نبي يموت و إن كان مدفونا بالمشرق و يموت وصيه بالمغرب إلا و يجمع الله عز و جل بين روحيهما و جسديهما ثم يفترقان فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره و إلى موضعه الذي حط فيه ثم أشرج اللحد باللبن و أهل التراب علي ثم غيب قبري و كان غرضه ع بذلك لئلا يعلم بموضع قبره أحد من بني أمية فإنهم لو علموا بموضع قبره لحفروه و أخرجوه و أحرقوه كما فعلوا بزيد بن علي بن الحسين ع ثم يا بني بعد ذلك إذا أصبح الصباح أخرجوا تابوتا إلى ظهر الكوفة على ناقة و أمر بمن يسيرها بما عليها كأنها تريد المدينة بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه و كأني بكم و قد خرجت عليكم الفتن من هاهنا و هاهنا فعليكم بالصبر فهو محمود العاقبة. ثم قال يا أبا محمد و يا أبا عبد الله كأني بكما و قد خرجت عليكما من بعدي الفتن من هاهنا فاصبرا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ثم قال يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمة فعليك بتقوى الله و الصبر على بلائه ثم أغمي عليه ساعة و أفاق و قال هذا رسول الله ص و عمي حمزة و أخي جعفر و أصحاب رسول الله ص و كلهم يقولون عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون ثم أدار عينيه في أهل بيته كلهم و قال أستودعكم الله جميعا سددكم الله جميعا حفظكم الله جميعا خليفتي عليكم الله و كفى بالله خليفة ثم قال و عليكم السلام يا رسل ربي ثم قال لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ و عرق جبينه و هو يذكر الله كثيرا و ما زال يذكر الله كثيرا و يتشهد الشهادتين ثم استقبل القبلة و غمض عينيه و مد رجليه و يديه و قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ثم قضى نحبه ع و كانت وفاته في ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان و كانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة. قال فعند ذلك صرخت زينب بنت علي ع و أم كلثوم و جميع نسائه و قد شقوا الجيوب و لطموا الخدود و ارتفعت الصيحة في القصر فعلم أهل الكوفة أن أمير المؤمنين ع قد قبض فأقبل النساء و الرجال يهرعون أفواجا أفواجا و صاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة بأهلها و كثر البكاء و النحيب و كثر الضجيج بالكوفة و قبائلها و دورها و جميع أقطارها فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله ص فلما أظلم الليل تغير أفق السماء و ارتجت الأرض و جميع من عليها بكوه و كنا نسمع جلبة و تسبيحا في الهواء فعلمنا أنها من أصوات الملائكة فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر ثم ارتفعت الأصوات و سمعنا هاتفا بصوت يسمعه الحاضرون و لا يرون شخصه يقول

بنفسي و مالي ثم أهلي و أسرتي فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم‏علي رقي فوق الخلائق في الوغى فهدت به أركان بيت المحرم‏علي أمير المؤمنين و من بكت لمقتله البطحاء و أكناف زمزم‏يكاد الصفا و المشعران كلاهما يهدا و بان النقص في ماء زمزم‏و أصبحت الشمس المنير ضياؤها لقتل علي لونها لون دلهم.

 و ظل له أفق السماء كآبةكشقة ثوب لونها لون عندم‏و ناحت عليه الجن إذ فجعت به‏حنينا كثكلى نوحها بترنم‏و أضحى إليها الجود و النبل مقتماو كان التقى في قبره المتهدم‏و أضحى التقى و الخير و الحلم و النهى‏و بات العلي في قبره المتهدم‏يكاد الصفا و المستجار كلاهمايهدا و بان النقص في ماء زمزم‏لفقد علي خير من وطئ الحصى‏أخا العالم الهادي النبي المعظم

. فالمعنى عند ذلك أن السماوات و الأرض و الملائكة و الجن و الإنس قد بكت و رثته في تلك الليلة و سمعنا في الهواء جلبة عظيمة و تسبيحا و تقديسا فعلمنا أنها أصوات الملائكة فلم تزل كذلك حتى بدا الصباح فارتفعت الأصوات فخرجنا و إذا بصائح في الهواء و هو يقول

يا للرجال لعظم هول مصيبة قدحت فليس مصابها بالهازل‏و الشمس كاسفة لفقد إمامنا خير الخلائق و الإمام العادل‏يا خير من ركب المطي و من مشى فوق الثرى من حافي أو ناعل‏يا سيدي و لقد هددت قواءنا و الحق أصبح خاضعا للباطل

. قال محمد بن الحنفية ثم أخذنا في جهازه ليلا و كان الحسن ع يغسله و الحسين ع يصب الماء عليه و كان ع لا يحتاج إلى من يقلبه بل كان يتقلب كما يريد الغاسل يمينا و شمالا و كانت رائحته أطيب من رائحة المسك و العنبر ثم نادى الحسن ع بأخته زينب و أم كلثوم و قال يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله ص فبادرت زينب مسرعة حتى أتته به قال الراوي فلما فتحته فاحت الدار و جميع الكوفة و شوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب ثم لفوه بخمسة أثواب كما أمر ع ثم وضعوه على السرير و تقدم الحسن و الحسين ع إلى السرير من مؤخره و إذا مقدمه قد ارتفع و لا يرى حامله و كان حاملاه من مقدمه جبرئيل و ميكائيل فما مر بشي‏ء على وجه الأرض إلا انحنى له ساجدا و خرج السرير من مايل باب كندة فحملا مؤخره و سارا يتبعان مقدمه. قال ابن الحنفية رضي الله عنه و الله لقد نظرت إلى السرير و إنه ليمر بالحيطان و النخل فتنحني له خشوعا و مضى مستقيما إلى النجف إلى موضع قبره الآن قال و ضجت الكوفة بالبكاء و النحيب و خرجن النساء يتبعنه لاطمات حاسرات فمنعهم الحسن ع و نهاهم عن البكاء و العويل و ردهن إلى أماكنهن و الحسين ع يقول لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ يا أباه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمت البكاء إلى الله المشتكى. فلما انتهيا إلى قبره و إذا مقدم السرير قد وضع فوضع الحسن ع مؤخره ثم قام الحسن ع و صلى عليه و الجماعة خلفه فكبر سبعا كما أمره به أبوه ع ثم زحزحنا سريره و كشفنا التراب و إذا نحن بقبر محفور و لحد مشقوق و ساجة منقورة مكتوب عليها هذا ما ادخره له جده نوح النبي للعبد الصالح الطاهر المطهر فلما أرادوا نزوله سمعوا هاتفا يقول أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب فدهش الناس عند ذلك و تحيروا و ألحد أمير المؤمنين ع قبل طلوع الفجر. قال الراوي لما ألحد أمير المؤمنين ع وقف صعصعة بن صوحان العبدي رضي الله عنه على القبر و وضع إحدى يديه على فؤاده و الأخرى قد أخذ بها التراب و يضرب به رأسه ثم قال بأبي أنت و أمي يا أمير المؤمنين ثم قال هنيئا لك يا أبا الحسن فلقد طاب مولدك و قوي صبرك و عظم جهادك و ظفرت برأيك و ربحت تجارتك و قدمت على خالقك فتلقاك الله ببشارته و حفتك ملائكته و استقررت في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره و لحقت بدرجة أخيك المصطفى و شربت بكأسه الأوفى فأسأل الله أن يمن علينا باقتفائنا أثرك و العمل بسيرتك و الموالاة لأوليائك و المعاداة لأعدائك و أن يحشرنا في زمرة

  أوليائك فقد نلت ما لم ينله أحد و أدركت ما لم يدركه أحد و جاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده و قمت بدين الله حق القيام حتى أقمت السنن و أبرت الفتن و استقام الإسلام و انتظم الإيمان فعليك مني أفضل الصلاة و السلام بك اشتد ظهر المؤمنين و اتضحت أعلام السبل و أقيمت السنن و ما جمع لأحد مناقبك و خصالك سبقت إلى إجابة النبي ص مقدما مؤثرا و سارعت إلى نصرته و وقيته بنفسك و رميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف و الحذر قصم الله بك كل جبار عنيد و ذل بك كل ذي بأس شديد و هدم بك حصون أهل الشرك و الكفر و العدوان و الردى و قتل بك أهل الضلال من العدى فهنيئا لك يا أمير المؤمنين كنت أقرب الناس من رسول الله ص قربا و أولهم سلما و أكثرهم علما و فهما فهنيئا لك يا أبا الحسن لقد شرف الله مقامك و كنت أقرب الناس إلى رسول الله ص نسبا و أولهم إسلاما و أوفاهم يقينا و أشدهم قلبا و أبذلهم لنفسه مجاهدا و أعظمهم في الخير نصيبا فلا حرمنا الله أجرك و لا أذلنا بعدك فو الله لقد كانت حياتك مفاتح للخير و مغالق للشر و إن يومك هذا مفتاح كل شر و مغلاق كل خير و لو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم و لكنهم آثروا الدنيا على الآخرة. ثم بكى بكاء شديدا و أبكى كل من كان معه و عدلوا إلى الحسن و الحسين و محمد و جعفر و العباس و يحيى و عون و عبد الله ع فعزوهم في أبيهم صلوات الله عليه و انصرف الناس و رجع أولاد أمير المؤمنين ع و شيعتهم إلى الكوفة و لم يشعر بهم أحد من الناس فلما طلع الصباح و بزغت الشمس أخرجوا تابوتا من دار أمير المؤمنين ع و أتوا به إلى المصلى بظاهر الكوفة ثم تقدم الحسن ع و صلى عليه و رفعه على ناقة و سيرها مع بعض العبيد. قال الراوي فلما كان الغداة اجتمعوا لأجل قتل الملعون قال أبو مخنف فلما رجع الحسن ع دخلت عليه أم كلثوم و أقسمت عليه أن لا يترك الملعون في الحياة ساعة واحدة و كان قد عزم على تأخيره ثلاثة أيام فأجابها إلى ذلك و خرج لوقته و ساعته و جمع أهل بيته و أهل البصائر من أصحاب أمير المؤمنين ع الذين كانوا على عهد رسول الله ص كصعصعة و الأحنف و ما أشبههما رضي الله عنهم و تشاوروا في قتل ابن ملجم لعنه الله تعالى فكل أشار بقتله في ذلك اليوم و اجتمع رأيهم على قتله في المكان الذي ضرب فيه الإمام علي بن أبي طالب ع. قال الراوي ثم إنه لما رجع أولاد أمير المؤمنين ع و أصحابه إلى الكوفة و اجتمعوا لقتل اللعين عدو الله ابن ملجم فقال عبد الله بن جعفر اقطعوا يديه و رجليه و لسانه و اقتلوه بعد ذلك و قال ابن الحنفية رضي الله عنه اجعلوه غرضا للنشاب و أحرقوه بالنار و قال آخر اصلبوه حيا حتى يموت فقال الحسن ع أنا ممتثل فيه ما أمرني به أمير المؤمنين ع أضربه ضربة بالسيف حتى يموت فيها و أحرقه بالنار بعد ذلك قال فأمر الحسن ع أن يأتوه به فجاءوا به مكتوفا حتى أدخلوه إلى الموضع الذي ضرب فيه الإمام علي بن أبي طالب ع و الناس يلعنونه و يوبخونه و هو ساكت لا يتكلم فقال الحسن ع يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين ع و إمام المسلمين و أعظمت الفساد في الدين فقال لهما يا حسن و يا حسين عليكما السلام ما تريدان تصنعان بي قالا له نريد قتلك كما قتلت سيدنا و مولانا فقال لهما اصنعا ما شئتما أن تصنعا و لا تعنفا من استزله الشيطان فصده عن السبيل و لقد زجرت نفسي فلم تنزجر و نهيتها فلم تنته فدعها تذوق وبال أمرها و لها عذاب شديد ثم بكى فقال له يا ويلك ما هذه الرقة أين كانت حين وضعت قدمك و ركبت خطيئتك فقال ابن ملجم لعنه الله اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ و لقد انقضى التوبيخ و المعايرة و إنما قتلت أباك و حصلت بين يديك

  فاصنع ما شئت و خذ بحقك مني كيف شئت ثم برك على ركبتيه و قال يا ابن رسول الله الحمد لله الذي أجرى قتلي على يديك فرق له الحسن ع لأن قلبه كان رحيما صلى الله عليه فقام الحسن ع و أخذ السيف بيده و جرده من غمده فهز به حتى لاح الموت في حده ثم ضربه ضربة أدار بها عنقه فاشتد زحام الناس عليه و علت أصواتهم فلم يتمكن من فتح باعه فارتفع السيف إلى باعه فأبرأه فانقلب عدو الله على قفاه يحور في دمه فقام الحسين ع إلى أخيه و قال يا أخي أ ليس الأب واحدا و الأم واحدة و لي نصيب في هذه الضربة و لي في قتله حق فدعني أضربه ضربة أشفي بها بعض ما أجده فناوله الحسن ع السيف فأخذه و هزه و ضربه على الضربة التي ضربه الحسن ع فبلغ إلى طرف أنفه و قطع جانبه الآخر و ابتدره الناس بعد ذلك بأسيافهم فقطعوه إربا إربا و عجل الله بروحه إلى النار و بئس القرار ثم جمعوا جثته و أخرجوه من المسجد و جمعوا له حطبا و أحرقوه بالنار و قيل طرحوه في حفرة و طموه بالتراب و هو يعوي كعوي الكلاب في حفرته إلى يوم القيامة و أقبلوا إلى قطام الملعونة الفاسقة الفاجرة فقطعوها بالسيف إربا إربا و نهبوا دارها ثم أخذوها و أخرجوها إلى ظاهر الكوفة فأحرقوها بالنار و عجل الله بروحها إلى النار و غضب الجبار و أما الرجلان اللذان تحالفا معه فأحدهما قتله معاوية بن أبي سفيان بالشام و الآخر قتله عمرو بن العاص بمصر لا رضي الله عنهما و أما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم بالجامع يساعدانه على قتل علي ع فقتلا من ليلتهما لعنهما الله و حشرهما محشر المنافقين الظالمين في جهنم خالدين مع السالفين. قال أبو مخنف فلما فرغوا من إهلاكهم و قتلهم أقبل الحسن و الحسين ع إلى المنزل فالتفت بهم أم كلثوم و أنشدت تقول هذه الأبيات لما سمعت بقتله و قيل إنها لأم الهيثم بنت العربان الخثعمية و قيل للأسود الدؤلي شعرا يقول

ألا يا عين جودي و أسعدينا ألا فابكي أمير المؤمنيناو تبكي أم كلثوم عليه بعبرتها و قد رأت اليقيناألا قل للخوارج حيث كانوا فلا قرت عيون الحاسديناو أبكي خير من ركب المطايا و حث بها و أقرى الظاعنيناو أبكي خير من ركب المطايا و فارسها و من ركب السفيناو من لبس النعال و من حفاها و من قرأ المثاني و المئيناو من صام الهجير و قام ليلا و ناجى الله خير الخالقيناإمام صادق بر تقي فقيه قد حوى علما و ديناشجاع أشوس بطل همام و مقدام الأساود في العريناكمي باسل قرم هزبر حمي أروع ليث بطينافعمرو قاده في الأسر لما طغا و سقى ابن ود منه حيناو مرحب قده بالسيف قدا و عفر ذا الخمار على الجبيناو بات على الفراش يقي أخاه و لم يعبأ بكيد الكافريناو يدعو للجماعة من عصاه و يقضي بالفرائض مستبيناو كل مناقب الخيرات فيه و حب رسول رب العالمينامضى بعد النبي فدته نفسي أبو حسن و خير الصالحيناإذا استقبلت وجه أبي حسين رأيت البدر فاق الناظريناو كنا قبل مقتله بخير نرى مولى رسول الله فينا.

 يقيم الحق لا يرتاب فيه و ينهك قطع أيدي السارقيناو ليس بكاتم علما لديه و لم يخلق من المتجبريناأ في الشهر الحرام فجعتمونا بخير الخلق طرا أجمعيناو من بعد النبي فخير نفس أبو حسن و خير الصالحينافلو أنا سئلنا المال فيه بذلنا المال فيه و البنيناكأن الناس إذ فقدوا عليا نعام جال في بلد سنينافلا و الله لا أنسى عليا و حسن صلاته في الراكعينالقد علمت قريش حيث كانت بأنك خيرها حسبا و ديناألا فابلغ معاوية بن حرب فلا قرت عيون الشامتيناو قل للشامتين بنا رويدا سيلقى الشامتون كما لقيناقتلتم خير من ركب المطايا و ذللها و من ركب السفيناألا فابلغ معاوية بن حرب بأن بقية الخلفاء فينا

. قال فلم يبق أحد في المسجد إلا انتحب و بكى لبكائها و كل من كان حاضرا من عدو و صديق و لم أر باكية و لا باكيا أكثر من ذلك اليوم. أقول روى البرسي في مشارق الأنوار عن محدثي أهل الكوفة أن أمير المؤمنين ع لما حمله الحسن و الحسين ع على سريره إلى مكان البئر المختلف فيه إلى نجف الكوفة وجدوا فارسا يتضوع منه رائحة المسك فسلم عليهما ثم قال للحسن ع أنت الحسن بن علي رضيع الوحي و التنزيل و فطيم العلم و الشرف الجليل خليفة أمير المؤمنين و سيد الوصيين قال نعم قال و هذا الحسين بن أمير المؤمنين و سيد الوصيين سبط الرحمة و رضيع العصمة و ربيب الحكمة و والد الأئمة قال نعم قال سلماه إلي و امضيا في دعة الله فقال له الحسن ع إنه أوصى إلينا أن لا نسلم إلا إلى أحد رجلين جبرئيل أو الخضر فمن أنت منهما فكشف النقاب فإذا هو أمير المؤمنين ع ثم قال للحسن ع يا أبا محمد إنه لا تموت نفس إلا و يشهدها أ فما يشهد جسده. قال و روي عن الحسن بن علي ع أن أمير المؤمنين قال للحسن و الحسين ع إذا وضعتماني في الضريح فصليا ركعتين قبل أن تهيلا علي التراب و انظرا ما يكون فلما وضعاه في الضريح المقدس فعلا ما أمرا به و نظرا و إذا الضريح مغطى بثوب من سندس فكشف الحسن ع مما يلي وجه أمير المؤمنين فوجد رسول الله ص و آدم و إبراهيم يتحدثون مع أمير المؤمنين ع و كشف الحسين مما يلي رجليه فوجد الزهراء و حواء و مريم و آسية عليهن السلام ينحن على أمير المؤمنين ع و يندبنه. بيان لم أر هذين الخبرين إلا من طريق البرسي و لا أعتمد على ما يتفرد بنقله و لا أردهما لورود الأخبار الكثيرة الدالة على ظهورهم بعد موتهم في أجسادهم المثالية و قد مرت في كتاب المعاد و كتاب الإمامة