باب 24- أحوال عشائره و أهل زمانه صلوات الله عليه و ما جرى بينهم و بين يزيد من الاحتجاج و قد مضى أكثرها في الأبواب السابقة و سيأتي بعضها

1-  روي في بعض كتب المناقب القديمة عن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد البيهقي عن أحمد بن الحسين البيهقي عن أبي الحسين بن الفضل القطان عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان عن عبد الوهاب بن الضحاك عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ع أتى عبد الله بن الزبير فدعا ابن عباس إلى بيعته فامتنع ابن عباس و ظن يزيد بن معاوية عليه اللعنة أن امتناع ابن عباس تمسكا منه ببيعته فكتب إليه أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته و الدخول في طاعته لتكون له على الباطل ظهيرا و في المأثم شريكا و إنك اعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا و طاعة لله لما عرفك من حقنا فجزاك الله عن ذي رحم خير ما يجزي الواصلين بأرحامهم الموفين بعهودهم فما أنسى من الأشياء فلست بناس برك و تعجيل صلتك بالذي أنت له أهل من القرابة من الرسول فانظر من طلع عليك من الآفاق ممن سحرهم ابن الزبير بلسانه و زخرف قوله فأعلمهم برأيك فإنهم منك أسمع و لك أطوع للمحل للحرم المارق فكتب إليه ابن عباس أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر دعاء ابن الزبير إياي إلى بيعته و الدخول في طاعته فإن يكن ذلك كذلك فإني و الله ما أرجو بذلك برك و لا حمدك و لكن الله بالذي أنوي به عليم و زعمت أنك غير ناس بري و تعجيل صلتي فاحبس أيها الإنسان برك و تعجيل صلتك فإني حابس عنك ودي فلعمري ما تؤتينا مما لنا قبلك من حقنا إلا اليسير و إنك لتحبس عنا منه العريض الطويل و سألت أن أحث الناس إليك و أن أخذلهم من ابن الزبير فلا ولاء و لا سرورا و لا حباء إنك تسألني نصرتك و تحثني على ودك و قد قتلت حسينا و فتيان عبد المطلب مصابيح الهدى و نجوم الأعلام غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء لا مكفنين و لا موسدين تسفي عليهم الرياح و تنتابهم عرج الضباع حتى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم كفنوهم و أجنوهم و جلست مجلسك الذي جلست فما أنسى من الأشياء فلست بناس اطرادك حسينا من حرم رسول الله إلى حرم الله و تسييرك إليه الرجال لتقتله الحرم فما زلت في بذلك و على ذلك حتى أشخصته من مكة إلى العراق فخرج خائفا يترقب فزلزلت به خيلك عداوة منك لله و لرسوله و لأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا أولئك لا كآبائك الجلاف الجفاة أكباد الإبل و الحمير فطلب إليكم الموادعة و سألكم الرجعة فاغتنمتم قلة أنصاره و استئصال أهل بيته تعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك فلا شي‏ء أعجب عندي من طلبتك ودي و قد قتلت ولد أبي و سيفك يقطر من دمي و أنت أحد ثأري فإن شاء الله لا يبطل لديك دمي و لا تسبقني بثأري و إن سبقتني في الدنيا فقبل ذلك ما قتل النبيون و آل النبيين فيطلب الله بدمائهم فكفى بالله للمظلومين ناصرا و من الظالمين منتقما فلا يعجبك إن ظفرت بنا اليوم فلنظفرن بك يوما و ذكرت وفائي و ما عرفتني من حقك فإن يكن ذلك كذلك فقد و الله بايعتك و من قبلك و إنك لتعلم أني و ولد أبي أحق بهذا الأمر منك و لكنكم معشر قريش كابرتمونا حتى دفعتمونا عن حقنا و وليتم الأمر دوننا فبعدا لمن تحرى ظلمنا و استغوى السفهاء علينا كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ و قوم لوط و أصحاب مدين ألا و إن من أعجب الأعاجيب و ما عسى أن أعجب حملك بنات عبد المطلب و أطفالا صغارا من ولده إليك بالشام كالسبي المجلوبين ترى الناس أنك قهرتنا و أنت تمن علينا و بنا من الله عليك و لعمر الله فلئن كنت تصبح آمنا من جراحة يدي إني لأرجو أن يعظم الله جرحك من لساني و نقضي و إبرامي و الله ما أنا بآيس من بعد قتلك ولد رسول الله ص أن يأخذك أخذا أليما و يخرجك من الدنيا مَذْمُوماً مَدْحُوراً فعش لا أبا لك ما استطعت فقد و الله ازددت عند الله أضعافا و اقترفت مأثما وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى

 ذكر كتاب يزيد لعنه الله إلى محمد بن الحنفية و مصيره إليه و أخذ جائزته كتب يزيد لعنه الله إلى محمد بن علي بن الحنفية و هو يومئذ بالمدينة أما بعد فإني أسأل الله لنا و لك عملا صالحا يرضى به عنا فإني ما أعرف اليوم في بني هاشم رجلا هو أرجح منك حلما و علما و لا أحضر فهما و حكما و لا أبعد من كل سفه و دنس و طيش و ليس من يتخلق بالخير تخلقا و ينتحل الفضل تنحلا كمن جبله الله على الخير جبلا و قد عرفنا ذلك منك قديما و حديثا شاهدا و غائبا غير أني قد أحببت زيارتك و الأخذ بالحظ من رؤيتك فإذا نظرت في كتابي هذا فأقبل إلي آمنا مطمئنا أرشدك الله أمرك و غفر لك ذنبك و السلام عليك و رحمة الله و بركاته قال فلما ورد الكتاب على محمد بن علي و قرأه أقبل على ابنيه جعفر و عبد الله أبي هاشم فاستشارهما في ذلك فقال له ابنه عبد الله يا أبة اتق الله في نفسك و لا تصر إليه فإني خائف أن يلحقك بأخيك الحسين و لا يبالي فقال محمد يا بني و لكني لا أخاف ذلك منه فقال له ابنه جعفر يا أبة إنه قد ألطفك في كتابه إليك و لا أظنه يكتب إلى أحد من قريش بأن أرشدك الله أمرك و غفر لك ذنبك و أنا أرجو أن يكف الله شره عنك قال فقال محمد بن علي يا بني إني توكلت على الله الذي يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا قال ثم تجهز محمد بن علي و خرج من المدينة و سار حتى قدم على يزيد بن معاوية بالشام فلما استأذن أذن له و قربه و أدناه و أجلسه معه على سريره ثم أقبل عليه بوجهه فقال يا أبا القاسم آجرنا الله و إياك في أبي عبد الله الحسين بن علي فو الله لئن كان نقصك فقد نقصني و لئن كان أوجعك فقد أوجعني و لو كنت أنا المتولي لحربه لما قتلته و لدفعت عنه القتل و لو بحز أصابعي و ذهاب بصري و لفديته بجميع ما ملكت يدي و إن كان قد ظلمني و قطع رحمي و نازعني حقي و لكن عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك فعجل عليه بالقتل فقتله و لم يستدرك ما فات و بعد فإنه ليس يجب علينا أن نرضى بالدنية في حقنا و لم يكن يجب على أخيك أن ينازعنا في أمر خصنا الله به دون غيرنا و عزيز على ما ناله و السلام فهات الآن ما عندك يا أبا القاسم قال فتكلم محمد بن علي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إني قد سمعت كلامك فوصل الله رحمك و رحم حسينا و بارك له فيما صار إليه من ثواب ربه و الخلد الدائم الطويل في جوار الملك الجليل و قد علمنا أن ما نقصنا فقد نقصك و ما عراك فقد عرانا من فرح و ترح و كذا أظن أن لو شهدت ذلك بنفسك لاخترت أفضل الرأي و العمل و لجانبت أسوأ الفعل و الخطل و الآن فإن حاجتي إليك أن لا تسمعني فيه ما أكره فإنه أخي و شقيقي و ابن أبي و إن زعمت أنه قد كان ظلمك و كان عدوا لك كما تقول قال فقال له يزيد إنك لن تسمع مني إلا خيرا و لكن هلم فبايعني و اذكر ما عليك من الدين حتى أقضيه عنك قال فقال له محمد بن علي رضي الله عنه أما البيعة فقد بايعتك و أما ما ذكرت من أمر الدين فما علي دين و الحمد لله و إني من الله تبارك و تعالى في كل نعمة سابغة لا أقوم بشكرها قال فالتفت يزيد لعنه الله إلى ابنه خالد فقال يا بني إن ابن عمك هذا بعيد من الخب و اللؤم و الدنس و الكذب و لو كان غيره كبعض من عرفت لقال علي من الدين كذا و كذا ليستغنم أخذ أموالنا قال ثم أقبل عليه يزيد فقال بايعتني يا أبا القاسم

 فقال نعم يا أمير المؤمنين قال فإني قد أمرت لك بثلاثمائة ألف درهم فابعث من يقبضها فإذا أردت الانصراف عنا وصلناك إن شاء الله قال فقال له محمد بن علي لا حاجة لي في هذا المال و لا له جئت قال يزيد فلا عليك أن تقبضه و تفرقه فيمن أحببت من أهل بيتك قال فإني قد قبلت يا أمير المؤمنين قال فأنزله في بعض منازله و كان محمد بن علي يدخل عليه في كل يوم صباحا و مساء قال و إذا وفد أهل المدينة قد قدموا على يزيد و فيهم منذر بن الزبير و عبد الله بن عمرو بن حفص بن مغيرة المخزومي و عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري فأقاموا عند يزيد لعنه الله أياما فأجازهم يزيد لكل رجل منهم بخمسين ألف درهم و أجاز المنذر بن الزبير بمائة ألف درهم فلما أرادوا الانصراف إلى المدينة أقبل محمد بن علي حتى دخل على يزيد فاستأذنه في الانصراف معهم إلى المدينة فأذن له في ذلك و وصله بمائتي ألف درهم و أعطاه عروضا بمائة ألف درهم ثم قال يا أبا القاسم إني لا أعلم في أهل بيتك اليوم رجلا هو أعلم منك بالحلال و الحرام و قد كنت أحب أن لا تفارقني و تأمرني بما فيه حظي و رشدي فو الله ما أحب أن تنصرف عني و أنت ذام لشي‏ء من أخلاقي فقال له محمد بن علي رضي الله عنه أما ما كان منك إلى الحسين بن علي فذاك شي‏ء لا يستدرك و أما الآن فإني ما رأيت منك مذ قدمت عليك إلا خيرا و لو رأيت منك خصلة أكرهها لما وسعني السكوت دون أن أنهاك عنها و أخبرك بما يحق لله عليك منها للذي أخذ الله تبارك و تعالى على العلماء في علمهم أن يبينوه للناس و لا يكتموه و لست مؤديا عنك إلى من ورائي من الناس إلا خيرا غير أني أنهاك عن شرب هذا المسكر فإنه رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ و ليس من ولي أمور الأمة و دعي له بالخلافة على رءوس الأشهاد على المنابر كغيره من الناس فاتق الله في نفسك و تدارك ما سلف من ذنبك و السلام قال فسر يزيد بما سمع من محمد بن علي سرورا شديدا ثم قال فإني قابل منك ما أمرتني به و أنا أحب أن تكاتبني في كل حاجة تعرض لك من صلة أو تعاهد و لا تقصرن في ذلك فقال محمد بن علي أفعل ذلك إن شاء الله و لا أكون إلا عند ما تحب قال ثم ودعه محمد بن علي و رجع إلى المدينة ففرق ذلك المال كله في أهل بيته و سائر بني هاشم و قريش حتى لم يبق من بني هاشم و قريش من الرجال و النساء و الذرية و الموالي إلا صار إليه شي‏ء من ذلك المال ثم خرج محمد بن علي رضي الله عنه من المدينة إلى مكة فأقام بها مجاورا لا يعرف شيئا غير الصوم و الصلاة و صلى الله على محمد و آله و رضي عنهم و رزقنا شفاعتهم بحوله و منه و فضله و كرمه إن شاء الله تعالى

 أقول قال العلامة رحمه الله و روى البلاذري قال لما قتل الحسين ع كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية أما بعد فقد عظمت الرزية و جلت المصيبة و حدث في الإسلام حدث عظيم و لا يوم كيوم الحسين فكتب إليه يزيد أما بعد يا أحمق فإننا جئنا إلى بيوت منجدة و فرش ممهدة و وسائد منضدة فقاتلنا عنها فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا و إن كان الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا و ابتز و استأثر بالحق على أهله

 أقول قد سبق في كتاب الفتن خبر طويل أخرجناه من كتاب دلائل الإمامة بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه لما ورد نعي الحسين ع المدينة و قتل ثمانية عشر من أهل بيته و ثلاث و خمسين رجلا من شيعته و قتل علي ابنه بين يديه بنشابة و سبي ذراريه خرج عبد الله بن عمر إلى الشام منكرا لفعل يزيد و مستنفرا للناس عليه حتى أتى يزيد و أغلظ له القول فخلا به يزيد و أخرج إليه طومارا طويلا كتبه عمر إلى معاوية و أظهر فيه أنه على دين آبائه من عبادة الأوثان و أن محمدا كان ساحرا غلب على الناس بسحره و أوصاه بأن يكرم أهل بيته ظاهرا و يسعى في أن يجتثهم عن جديد الأرض و لا يدع أحدا منهم عليها في أشياء كثيرة قد مر ذكرها فلما قرأه ابن عمر رضي بذلك و رجع و أظهر للناس أنه محق فيما أتى به و معذور فيما فعله و لنعم ما قيل ما قتل الحسين إلا في يوم السقيفة فلعنة الله على من أسس أساس الظلم و الجور على أهل بيت النبي صلوات الله عليهم أجمعين