باب 26- أحوال المختار بن أبي عبيد الثقفي و ما جرى على يديه و أيدي أوليائه

1-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن المظفر بن محمد البلخي عن محمد بن همام عن الحميري عن داود بن عمر النهدي عن ابن محبوب عن عبد الله بن يونس عن المنهال بن عمرو قال دخلت على علي بن الحسين منصرفي من مكة فقال لي يا منهال ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي فقلت تركته حيا بالكوفة قال فرفع يديه جميعا ثم قال ع اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار قال المنهال فقدمت الكوفة و قد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي و كان لي صديقا فكنت في منزلي أياما حتى انقطع الناس عني و ركبت إليه فلقيته خارجا من داره فقال يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه و لم تهنئنا بها و لم تشركنا فيها فأعلمته أني كنت بمكة و أني قد جئتك الآن و سايرته و نحن نتحدث حتى أتى الكناس فوقف وقوفا كأنه ينظر شيئا و قد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهل فوجه في طلبه فلم يلبث أن جاء قوم يركضون و قوم يشتدون حتى قالوا أيها الأمير البشارة قد أخذ حرملة بن كاهل فما لبثنا أن جي‏ء به فلما نظر إليه المختار قال لحرملة الحمد لله الذي مكنني منك ثم قال الجزار الجزار فأتي بجزار فقال له اقطع يديه فقطعتا ثم قال له اقطع رجليه فقطعتا ثم قال النار النار فأتي بنار و قصب فألقي عليه فاشتعل فيه النار فقلت سبحان الله فقال لي يا منهال إن التسبيح لحسن ففيم سبحت فقلت أيها الأمير دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين ع فقال لي يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي فقلت تركته حيا بالكوفة فرفع يديه جميعا فقال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار فقال لي المختار أ سمعت علي بن الحسين ع يقول هذا فقلت الله لقد سمعته يقول هذا قال فنزل عن دابته و صلى ركعتين فأطال السجود ثم قام فركب و قد احترق حرملة و ركبت معه و سرنا فحاذيت داري فقلت أيها الأمير إن رأيت أن تشرفني و تكرمني و تنزل عندي و تحرم بطعامي فقال يا منهال تعلمني أن علي بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي ثم تأمرني أن آكل هذا يوم صوم شكرا لله عز و جل على ما فعلته بتوفيقه و حرملة هو الذي حمل رأس الحسين ع

 بيان الحرمة ما لا يحل انتهاكه و منه قولهم تحرم بطعامه و ذلك لأن العرب إذا أكل رجل منهم من طعام غيره حصلت بينهما حرمة و ذمة يكون كل منهما آمنا من أذى صاحبه

2-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمران المرزباني عن محمد بن إبراهيم عن الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا المدائني عن رجاله أن المختار بن أبي عبيد الثقفي ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ست و ستين فبايعه الناس على كتاب الله و سنة رسول الله و الطلب بدم الحسين بن علي ع و دماء أهل بيته رحمة الله عليهم و الدفع عن الضعفاء فقال الشاعر في ذلك و لما دعا المختار جئنا لنصره على الخيل تردي من كميت و أشقرا دعا يا لثأرات الحسين فأقبلت تعادي بفرسان الصباح لتثأرا و نهض المختار إلى عبد الله بن مطيع و كان على الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه و أصحابه منها منهزمين و أقام بالكوفة إلى المحرم سنة سبع و ستين ثم عمد على إنفاذ الجيوش إلى ابن زياد و كان بأرض الجزيرة فصير على شرطه أبا عبد الله الجدلي و أبا عمارة كيسان مولى عربية و أمر إبراهيم بن الأشتر ره بالتأهب للمسير إلى ابن زياد لعنه الله و أمره على الأجناد فخرج إبراهيم يوم السبت لسبع خلون من المحرم سنة سبع و ستين في ألفين من مذحج و أسد و ألفين من تميم و همدان و ألف و خمسمائة من قبائل المدينة و ألف و خمسمائة من كندة و ربيعة و ألفين من الحمرا

 و قال بعضهم كان ابن الأشتر في أربعة آلاف من القبائل و ثمانية آلاف من الحمراء و شيخ المختار إبراهيم بن الأشتر ره ماشيا فقال له إبراهيم اركب رحمك الله فقال إني لأحتسب الأجر في خطاي معك و أحب أن تغبر قدماي في نصر آل محمد ع ثم ودعه و انصرف فسار ابن الأشتر حتى أتى المدائن ثم سار يريد ابن زياد فشخص المختار عن الكوفة لما أتاه أن ابن الأشتر قد ارتحل من المدائن و أقبل حتى نزل المدائن فلما نزل ابن الأشتر نهر الخازر بالموصل أقبل ابن زياد في الجموع فنزل على أربعة فراسخ من عسكر ابن الأشتر ثم التقوا فحض ابن الأشتر أصحابه و قال يا أهل الحق و أنصار الدين هذا ابن زياد قاتل حسين بن علي و أهل بيته قد أتاكم الله به و بحزبه حزب الشيطان فقاتلوهم بنية و صبر لعل الله يقتله بأيديكم و يشفي صدوركم و تزاحفوا و نادى أهل العراق يا آل ثأرات الحسين فجال أصحاب ابن الأشتر جولة فناداهم يا شرطة الله الصبر الصبر فتراجعوا فقال له عبد الله بن بشار بن أبي عقب الدؤلي حدثني خليلي أنا نلقى أهل الشام على نهر يقال له الخازر فيكشفونا حتى نقول هي هي ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم فأبشروا و اصبروا فإنكم لهم قاهرون ثم حمل ابن الأشتر ره يمينا فخالط القلب و كسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم فانجلت الغمة و قد قتل عبيد الله بن زياد و حصين بن نمير و شرحبيل بن ذي الكلاع و ابن حوشب و غالب الباهلي و عبد الله بن أياس السلمي و أبو الأشرس الذي كان على خراسان و أعيان أصحابه لعنهم الله فقال ابن الأشتر لأصحابه إني رأيت بعد ما انكشف الناس طائفة منهم قد صبرت تقاتل فأقدمت عليهم و أقبل رجل آخر في كبكبة كأنه بغل أقمر يغري الناس لا يدنو منه أحد إلا صرعه فدنا مني فضربت يده فأبنتها و سقط على شاطئ نهر فسرقت يداه و عربت رجلاه فقتلته و وجدت منه ريح المسك و أظنه ابن زياد فاطلبوه فجاء رجل فنزع خفيه و تأمله فإذا هو ابن زياد لعنه الله على وصف ابن الأشتر فاجتز رأسه و استوقدوا عامة الليل بجسده فنظر إليه مهران مولى زياد و كان يحبه حبا شديدا فحلف أن لا يأكل شحما أبدا فأصبح الناس فحووا ما في العسكر و هرب غلام لعبيد الله إلى الشام فقال له عبد الملك بن مروان متى عهدك بابن زياد فقال جال الناس فتقدم فقاتل و قال ايتني بجرة فيها ماء فأتيته فاحتملها فشرب منها و صب الماء بين درعه و جسده و صب على ناصية فرسه فصهل ثم اقتحمه فهذا آخر عهدي به

 قال و بعث ابن الأشتر برأس ابن زياد إلى المختار و أعيان من كان معه فقدم بالرءوس و المختار يتغدى فألقيت بين يديه فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وضع رأس الحسين بن علي ع بين يدي ابن زياد و هو يتغدى و أتيت برأس ابن زياد و أنا أتغدى قال و انسابت حية بيضاء تخلل الرءوس حتى دخلت في أنف ابن زياد و خرجت من أذنه و دخلت من أذنه و خرجت من أنفه فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمى بها إلى مولى له و قال اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر و خرج المختار إلى الكوفة و بعث برأس ابن زياد و رأس حصين بن نمير و رأس شرحبيل بن ذي الكلاع مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي و عبد الله بن شداد الجشمي و السائب بن مالك الأشعري إلى محمد بن الحنفية بمكة و علي بن الحسين ع يومئذ بمكة و كتب إليه معهم أما بعد فإني بعثت أنصارك و شيعتك إلى عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد فخرجوا محتسبين محنقين أسفين فلقوهم دون نصيبين فقتلهم رب العباد وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الذي طلب لكم الثأر و أدرك لكم رؤساء أعدائكم فقتلهم في كل فج و غرقهم في كل بحر فشفى بذلك صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ و أذهب غَيْظَ قُلُوبِهِمْ و قدموا بالكتاب و الرءوس إليه فبعث برأس ابن زياد إلى علي بن الحسين ع فأدخل عليه و هو يتغدى فقال علي بن الحسين ع أدخلت على ابن زياد لعنه الله و هو يتغدى و رأس أبي بين يديه فقلت اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد و أنا أتغدى فالحمد لله الذي أجاب دعوتي ثم أمر فرمي به فحمل إلى ابن الزبير فوضعه ابن الزبير على قصبة فحركتها الريح فسقط فخرجت حية من تحت الستار فأخذت بأنفه فأعادوا القصبة فحركتها الريح فسقط فخرجت الحية فأزمت بأنفه ففعل ذلك ثلاث مرات فأمر ابن الزبير فألقي في بعض شعاب مكة قال و كان المختار ره قد سئل في أمان عمر بن سعد بن أبي وقاص فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر قال فأتى عمر بن سعد رجل فقال إني سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلا و الله ما أحسبه غيرك قال فخرج عمر حتى أتى الحمام فقيل له أ ترى هذا يخفى على المختار فرجع ليلا فدخل داره فلما كان الغد غدوت فدخلت على المختار و جاء الهشيم بن الأسود فقعد فجاء حفص بن عمر بن سعد فقال للمختار يقول لك أبو حفص أين لنا بالذي كان بيننا و بينك قال اجلس فدعا المختار أبا عمرة فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فساره و دعا برجلين فقال اذهبا معه فذهب فو الله ما أحسبه بلغ دار

 عمر بن سعد حتى جاء برأسه فقال المختار لحفص أ تعرف هذا قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ قال يا أبا عمرة ألحقه به فقتله فقال المختار ره عمر بالحسين و حفص بعلي بن الحسين و لا سواء قال و اشتد أمر المختار بعد قتل ابن زياد و أخاف الوجوه و قال لا يسوغ لي طعام و لا شراب حتى أقتل قتلة الحسين بن علي ع و أهل بيته و ما من ديني أترك أحدا منهم حيا و قال أعلموني من شرك في دم الحسين و أهل بيته فلم يكن يأتونه برجل فيقولون إن هذا من قتلة الحسين أو ممن أعان عليه إلا قتله و بلغه أن شمر بن ذي الجوشن لعنه الله أصاب مع الحسين إبلا فأخذها فلما قدم الكوفة نحرها و قسم لحومها فقال المختار أحصوا لي كل دار دخل فيها شي‏ء من ذلك اللحم فأحصوها فأرسل إلى من كان أخذ منها شيئا فقتلهم و هدم دورا بالكوفة و أتي المختار بعبد الله بن أسيد الجهني و مالك بن الهيثم البداني من كندة و حمل بن مالك المحاربي فقال يا أعداء الله أين الحسين بن علي قالوا أكرهنا على الخروج إليه قال أ فلا مننتم عليه و سقيتموه من الماء و قال للبداني أنت صاحب برنسه لعنك الله قال لا قال بلى ثم قال اقطعوا يديه و رجليه و دعوه يضطرب حتى يموت فقطعوه و أمر بالآخرين فضربت أعناقهما و أتي بقراد بن مالك و عمر بن خالد و عبد الرحمن البجلي و عبد الله بن قيس الخولاني فقال لهم يا قتلة الصالحين أ لا ترون الله برئ منكم لقد جاءكم الورس بيوم نحس فأخرجهم إلى السوق فقتلهم و بعث المختار معاذ بن هانئ الكندي و أبا عمرة كيسان إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي و هو الذي حمل رأس الحسين ع إلى ابن زياد فأتوا داره فاستخفى في المخرج فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب على نفسه قوصرة فأخذوه و خرجوا يريدون المختار فتلقاهم في ركب فردوه إلى داره و قتله عندها و أحرقه و طلب المختار شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية فسعى به إلى أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراحة فأخذه أبو عمرة أسيرا و بعث به إلى المختار فضرب عنقه و أغلى له دهنا في قدر فقذفه فيها فتفسخ و وطئ مولى لآل حارثة بن مضرب وجهه و رأسه و لم يزل المختار يتبع قتلة الحسين و أهله حتى قتل منهم خلقا كثيرا و هرب الباقون فهدم دورهم و قتلت العبيد و مواليهم الذين قاتلوا الحسين ع و أتوا المختار فأعتقهم

 إيضاح ردي الفرس بالفتح يردي رديا إذا رجم الأرض رجما بين العدو و المشي الشديد قوله تعادي من العداوة أو من العدو و الأخير أظهر قوله لتثأر أي لتطلب الثأر بدم الحسين ع و قال الفيروزآبادي سرقت مفاصله كفرح ضعف و في بعض النسخ بالشين من الشرق بمعنى الشق أو من قولهم شرق الدم بجسده شرقا إذا ظهر و لم يسل و عرب كفرح ورم و تقيح و في بعض النسخ بالغين المعجمة من قولهم غرب كفرح أسود و قال الجوهري يقال أزم الرجل بصاحبه إذا لزمه عن أبي زيد و أزمه أيضا أي عضه و الحمام اسم موضع خارج الكوفة و قال الجوهري القوصرة بالتشديد هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري. أقول قد مضى ذم المختار في باب مصالحة الحسن ع

3-  ير، ]بصائر الدرجات[ أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن شعيب قال حدث أبو جعفر أن علي بن دراج حدثه أن المختار استعمله على بعض عمله و أن المختار أخذه فحبسه و طلب منه مالا حتى إذا كان يوما من الأيام دعاه هو و بشر بن غالب فهددهما بالقتل فقال له بشر بن غالب و كان رجلا متنكرا و الله ما تقدر على قتلنا قال لم و مم ذلك ثكلتك أمك و أنتما أسيران في يدي قال لأنه جاءنا في الحديث أنك تقتلنا حين تظهر على دمشق فتقتلنا على درجها قال له المختار صدقت قد جاء هذا قال فلما قتل المختار خرجا من محبسهما

  أقول تمامه في معجزات الباقر ع

4-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم عن الكوفي عن أبي عبد الله الخياط عن عبد الله بن القاسم عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله ع إن الله عز و جل إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه و إذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه و لقد انتصر ليحيى بن زكريا ببخت نصر

5-  سر، ]السرائر[ أبان بن تغلب عن جعفر بن إبراهيم عن زرعة عن سماعة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا كان يوم القيامة مر رسول الله بشفير النار و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين فيصيح صائح من النار يا رسول الله أغثني يا رسول الله ثلاثا قال فلا يجيبه قال فينادي يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين ثلاثا أغثني فلا يجيبه قال فينادي يا حسين يا حسين يا حسين أغثني أنا قاتل أعدائك قال فيقول له رسول الله قد احتج عليك قال فينقض عليه كأنه عقاب كاسر قال فيخرجه من النار قال فقلت لأبي عبد الله ع و من هذا جعلت فداك قال المختار قلت له و لم عذب بالنار و قد فعل ما فعل قال إنه قال كان في قلبه منهما شي‏ء و الذي بعث محمدا بالحق لو أن جبرئيل و ميكائيل كان في قلبيهما شي‏ء لأكبهما الله في النار على وجوههما

 بيان كان هذا الخبر وجه جمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب بأنه و إن لم يكن كاملا في الإيمان و اليقين و لا مأذونا فيما فعله صريحا من أئمة الدين لكن لما جرى على يديه الخيرات الكثيرة و شفي بها صدور قوم مؤمنين كانت عاقبة أمره آئلة إلى النجاة فدخل بذلك تحت قوله سبحانه وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ و أنا في شأنه من المتوقفين و إن كان الأشهر بين أصحابنا أنه من المشكورين

6-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه كما أن بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا و بعضهم عصوا فعذبوا فكذلك تكونون أنتم فقالوا فمن العصاة يا أمير المؤمنين قال الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت و تعظيم حقوقنا فخانوا و خالفوا ذلك و جحدوا حقوقنا و استخفوا بها و قتلوا أولادنا أولاد رسول الله الذين أمروا بإكرامهم و محبتهم قالوا يا أمير المؤمنين إن ذلك لكائن قال بلى خبرا حقا و أمرا كائنا سيقتلون ولدي هذين الحسن و الحسين ثم قال أمير المؤمنين ع و سيصيب الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف بعض من يسلط الله تعالى عليهم للانتقام بِما كانُوا يَفْسُقُونَ كما أصاب بني إسرائيل الرجز قيل و من هو قال غلام من ثقيف يقال له المختار بن أبي عبيد و قال علي بن الحسين ع فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان و إن هذا الخبر اتصل بالحجاج بن يوسف لعنه الله من قول علي بن الحسين ع قال أما رسول الله ما قال هذا و أما علي بن أبي طالب فأنا أشك هل حكاه عن رسول الله و أما علي بن الحسين فصبي مغرور يقول الأباطيل و يغر بها متبعوه اطلبوا لي المختار فطلب فأخذ فقال قدموه إلى النطع فاضربوا عنقه فأتي بالنطع فبسط و أبرك عليه المختار ثم جعل الغلمان يجيئون و يذهبون لا يأتون بالسيف قال الحجاج ما لكم قالوا لسنا نجد مفتاح الخزانة و قد ضاع منا و السيف في الخزانة فقال المختار لن تقتلني و لن يكذب رسول الله و لئن قتلتني ليحييني الله حتى أقتل منكم ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألفا فقال الحجاج لبعض حجابه أعط السياف سيفك يقتله فأخذ السياف سيفه و جاء ليقتله به و الحجاج يحثه و يستعجله فبينا هو في تدبيره إذ عثر و السيف بيده فأصاب السيف بطنه فشقه فمات فجاء بسياف آخر و أعطاه السيف فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فسقط فمات فنظروا و إذا العقرب فقتلوه فقال المختار يا حجاج إنك لا تقدر على قتلي ويحك يا حجاج أ ما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان للسابورذي الأكتاف حين كان يقتل العرب و يصطلمهم فأمر نزار ولده فوضع في زبيل في طريقه فلما رآه قال له من أنت قال أنا رجل من العرب أريد أن أسألك لم تقتل هؤلاء العرب و لا ذنوب لهم إليك و قد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك و المفسدين قال لأني وجدت في الكتاب

 أنه يخرج منهم رجل يقال له محمد يدعي النبوة فيزيل دولة ملوك الأعاجم و يفنيها فاقتلهم حتى لا يكون منهم ذلك الرجل فقال نزار لئن كان ما وجدته في كتب الكذابين فما أولاك أن تقتل البراء غير المذنبين و إن كان ذلك من قول الصادقين فإن الله سيحفظ ذلك الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل و لن تقدر على إبطاله و يجري قضاءه و ينفذ أمره و لو لم يبق من جميع العرب إلا واحد فقال سابور صدقت هذا نزار يعني بالفارسية المهزول كفوا عن العرب فكفوا عنهم و لكن يا حجاج إن الله قد قضى أن أقتل منكم ثلاثمائة ألف و ثلاثة و ثمانين ألف رجل فإن شئت فتعاط قتلي و إن شئت فلا تتعاط فإن الله إما أن يمنعك عني و إما أن يحييني بعد قتلك فإن قول رسول الله حق لا مرية فيه فقال للسياف اضرب عنقه فقال المختار إن هذا لن يقدر على ذلك و كنت أحب أن تكون أنت المتولي لما تأمره فكان يسلط عليك أفعى كما سلط على هذا الأول عقربا فلما هم السياف أن يضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان قد دخل فصاح بالسياف كف عنه و معه كتاب من عبد الملك بن مروان فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد يا حجاج بن يوسف فإنه قد سقط إلينا طير عليه رقعة أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله تزعم أنه حكي عن رسول الله فيه أنه سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألف رجل فإذا أتاك كتابي هذا فخل عنه و لا تعرض له إلا بسبيل خير فإنه زوج ظئر ابني الوليد بن عبد الملك بن مروان و قد كلمني فيه الوليد و إن الذي حكى إن كان باطلا فلا معنى لقتل رجل مسلم بخبر باطل و إن كان حقا فإنك لا تقدر على تكذيب قول رسول الله فخلى عنه الحجاج فجعل المختار يقول سأفعل كذا و أخرج وقت كذا و أقتل من الناس كذا و هؤلاء صاغرون يعني بني أمية فبلغ ذلك الحجاج فأخذ و أنزل و أمر بضرب العنق فقال المختار إنك لا تقدر على ذلك فلا تتعاط ردا على الله و كان في ذلك إذ سقط عليه طائر آخر عليه كتاب من عبد الملك بن مروان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا حجاج لا تعرض للمختار فإنه زوج مرضعة ابني الوليد و لئن كان حقا فستمنع من قتله

 كما منع دانيال من قتل بخت‏نصر الذي كان قضى الله أن يقتل بني إسرائيل فتركه الحجاج و توعده إن عاد لمثل مقالته فعاد لمثل مقالته و اتصل بالحجاج الخبر فطلبه فاختفى مدة ثم ظفر به فلما هم بضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب عبد الملك فاحتبسه الحجاج و كتب إلى عبد الملك كيف تأخذ إليك عدوا مجاهرا يزعم أنه يقتل من أنصار بني أمية كذا و كذا ألفا فبعث إليه أنك رجل جاهل لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا و إن كان الخبر فيه حقا فإنه سنربيه ليسلط علينا كما ربي فرعون موسى ع حتى سلط عليه فبعث به الحجاج و كان من المختار ما كان و قتل من قتل و قال علي بن الحسين ع لأصحابه و قد قالوا له يا ابن رسول الله إن أمير المؤمنين ع ذكر من أمر المختار و لم يقل متى يكون قتله لمن يقتل فقال علي بن الحسين صدق أمير المؤمنين أ و لا أخبركم متى يكون قالوا بلى قال يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا و سيؤتى برأس عبيد الله بن زياد و شمر بن ذي الجوشن في يوم كذا و كذا و سنأكل و هما بين أيدينا ننظر إليهما قال فلما كان اليوم الذي أخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني أمية كان علي بن الحسين ع مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم معاشر إخواننا طيبوا أنفسكم فإنكم تأكلون و ظلمة بني أمية يحصدون قالوا أين قال في موضع كذا يقتلهم المختار و سيؤتى برأسين يوم كذا و كذا فلما كان في ذلك اليوم أتي بالرأسين لما أراد أن يقعد للأكل و قد فرغ من صلاته فلما رآهما سجد و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني فجعل يأكل و ينظر إليهما فلما كان في وقت الحلواء لم يأت بالحلواء لأنهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين فقال ندماؤه و لم يعمل اليوم الحلواء فقال علي بن الحسين ع لا نريد حلوا أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين ثم عاد إلى قول أمير المؤمنين ع قال و ما للكافرين و الفاسقين عند الله أعظم و أوفى

  توضيح قوله ع فكان ذلك بعد قوله هذا أي ولد المختار بعد قول أمير المؤمنين هذا بزمان

7-  كش، ]رجال الكشي[ حمدويه عن يعقوب عن ابن أبي عمير عن هشام بن المثنى عن سدير عن أبي جعفر ع قال لا تسبوا المختار فإنه قد قتل قتلتنا و طلب بثأرنا و زوج أراملنا و قسم فينا المال على العسرة

8-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن الحسن و عثمان بن حامد عن محمد بن يزداد الرازي عن ابن أبي الخطاب عن عبد الله المزخرف عن حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله ع قال كان المختار يكذب على علي بن الحسين ع

9-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن الحسن و عثمان بن حامد عن محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين عن موسى بن يسار عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن شريك قال دخلنا على أبي جعفر ع يوم النحر و هو متكئ و قال أرسل إلى الحلاق فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه ثم قال من أنت قال أنا أبو محمد الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي و كان متباعدا من أبي جعفر ع فمد يده إليه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده ثم قال أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي و قالوا و القول و الله قولك قال قال و أي شي‏ء يقولون قال يقولون كذاب و لا تأمرني بشي‏ء إلا قبلته فقال سبحان الله أخبرني أبي و الله إن مهر أمي كان مما بعث به المختار أ و لم يبن دورنا و قتل قاتلينا و طلب بدمائنا فرحمه الله و أخبرني و الله أبي أنه كان ليسمر عند فاطمة بنت علي يمهدها الفراش و يثني لها الوسائد و منها أصاب الحديث رحم الله أباك رحم الله أباك ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه قتل قتلتنا و طلب بدمائنا

 بيان ليسمر من السمر و هو الحديث بالليل و في بعض النسخ ليستمر فهو إما افتعال أيضا من السمر أو بتشديد الراء أي كان دائما عندها و في بعض النسخ لييتم و في بعضها ليتم و الأول كأنه أصوب

10-  كش، ]رجال الكشي[ جبرئيل بن أحمد عن العبيدي عن محمد بن عمرو عن يونس بن يعقوب عن أبي جعفر ع قال كتب المختار بن أبي عبيد إلى علي بن الحسين و بعث إليه بهدايا من العراق فلما وقفوا على باب علي دخل الآذن يستأذن لهم فخرج إليهم رسوله فقال أميطوا عن بابي فإني لا أقبل هدايا الكذابين و لا أقرأ كتبهم فمحوا العنوان و كتبوا للمهدي محمد بن علي فقال أبو جعفر ع و الله لقد كتب إليه بكتاب ما أعطاه فيه شيئا إنما كتب إليه يا ابن خير من طشى و مشى فقال أبو بصير فقلت لأبي جعفر ع أما المشي فأنا أعرفه فأي شي‏ء الطشي فقال أبو جعفر الحياة

 بيان لم أجد الطشي فيما عندنا من كتب اللغة

11-  كش، ]رجال الكشي[ جبرئيل عن العبيدي عن ابن أسباط عن عبد الرحمن بن حماد عن علي بن حزور عن الأصبغ قال رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين و هو يمسح رأسه و يقول يا كيس يا كيس

12-  كش، ]رجال الكشي[ إبراهيم بن محمد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن الحسن بن علي عن العباس بن عامر عن ابن عميرة عن جارود بن المنذر عن أبي عبد الله ع قال ما امتشطت فينا هاشمية و لا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برءوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه

13-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن مسعود عن علي بن أبي علي عن خالد بن يزيد عن الحسين بن زيد عن عمر بن علي بن الحسين أن علي بن الحسين ع لما أتي برأس عبيد الله بن زياد و رأس عمرو بن سعد خر ساجدا و قال الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي و جزى المختار خيرا

13-  كش، ]رجال الكشي[ بهذا الإسناد عن الحسين بن زيد عن عمر بن علي أن المختار أرسل إلى علي بن الحسين بعشرين ألف دينار فقبلها و بنى بها دار عقيل بن أبي طالب و دارهم التي هدمت قال ثم إنه بعث إليه بأربعين ألف دينار بعد ما أظهر الكلام الذي أظهره فردها و لم يقبلها و المختار هو الذي دعا الناس إلى محمد بن علي بن أبي طالب ع ابن الحنفية و سموا الكيسانية و هم المختارية و كان لقبه كيسان و لقب بكيسان لصاحب شرطه المكنى أبا عمرة و كان اسمه كيسان و قيل إنه سمي كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب و هو الذي حمله على الطلب بدم الحسين ع و دله على قتلته و كان صاحب سره و الغالب على أمره و كان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين أنه في دار أو في موضع إلا قصده و هدم الدار بأسرها و قتل كل من فيها من ذي روح و كل دار بالكوفة خراب فهي مما هدمها و أهل الكوفة يضربون بها المثل فإذا افتقر إنسان قالوا دخل أبو عمرة بيته حتى قال فيه الشاعر

إبليس بما فيه خير من أبي عمرة يغويك و يطغيك و لا يعطيك كسرة

14-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الربيع بن محمد المسلي عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله ع قال قال لي ما زال سرنا مكتوما حتى صار في يدي ولد كيسان فتحدثوا به في الطريق و قرى السواد

 بيان قال الفيروزآبادي كيسان لقب المختار بن أبي عبيد المنسوب إليه الكيسانية

15-  يب، ]تهذيب الأحكام[ محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن أحمد بن أبي قتادة عن أحمد بن هلال عن أمية بن علي القيسي عن بعض من رواه عن أبي عبد الله ع قال قال لي يجوز النبي الصراط يتلوه علي و يتلو عليا الحسن و يتلو الحسن الحسين فإذا توسطوه نادى المختار الحسين يا أبا عبد الله إني طلبت بثأرك فيقول النبي للحسين ع أجبه فينقض الحسين في النار كأنه عقاب كاسر فيخرج المختار حممة و لو شق عن قلبه لوجد حبهما في قلبه

 بيان انقض الطائر هوى في طيرانه و كسر الطائر أي ضم جناحيه حين ينقض و الحمم بضم الحاء و فتح الميم الرماد و الفحم و كل ما احترق من النار قوله ع حبهما أي حب الشيخين الملعونين و قيل حب الحسنين صلوات الله عليهما فيكون تعليلا لإخراجه كما أنه على الأول تعليل لدخوله و احتراقه و يدفعه ما مر من خبر سماعة و قيل المراد حب الرئاسة و المال و الأول هو الصواب

16-  و قال الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر قيل بعث المختار بن أبي عبيد إلى علي بن الحسين ع بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها منه و خاف أن يردها فتركها في بيت فلما قتل المختار كتب إلى عبد الملك يخبره بها فكتب إليه خذها طيبة هنيئة فكان علي يلعن المختار و يقول كذب على الله و علينا لأن المختار كان يزعم أنه يوحى إليه

 أقول و لنورد هنا رسالة شرح الثأر الذي ألفه الشيخ الفاضل البارع جعفر بن محمد بن نما فإنها مشتملة على جل أحوال المختار و من قتله من الأشرار على وجه الاختصار ليشفي به صدور المؤمنين الأخيار و ليظهر منها بعض أحوال المختار و هي هذه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا لثوابه و نجاة يوم الوعيد من عقابه و الصلاة على محمد الذي شرفت الأماكن بذكره و عطرت المساكن برباء نشره و على آله و أصحابه الذين عظم قدرهم بقدره و تابعوه في نهيه و أمره فإني لما صنفت كتاب المقتل الذي سميته مثير الأحزان و منير سبل الأشجان و جمعت فيه من طرائف الأخبار و لطائف الآثار ما يربى على الجوهر و النضار سألني جماعة من الأصحاب أن أضيف إليه عمل الثأر و أشرح قضية المختار فتارة أقدم و أخرى أحجم و مرة أجنح جنوح الشامس و آونة أنفر نفور العذراء من يد اللامس و أردهم عن عمله فرقا من التعرض لذكره و إظهار مخفي سره ثم كشفت قناع المراقبة في إجابة سؤالهم و الانقياد لمرامهم و أظهرت ما كان في ضميري و جعلت نشر فضيلته أنيسي و سميري لأنه به خبت نار وجد سيد المرسلين و قرة عين زين العابدين و ما زال السلف يتباعدون عن زيارته و يتقاعدون عن إظهار فضيلته تباعد الضب عن الماء و الفراقد من الحصباء و نسبوه إلى القول بإمامة محمد بن الحنفية و رفضوا قبره و جعلوا قربهم إلى الله هجرة مع قربه و إن قبته لكل من خرج من باب مسلم بن عقيل كالنجم اللامع و عدلوا من العلم إلى التقليد و نسوا ما فعل بأعداء المقتول الشهيد و إنه جاهد في الله حق الجهاد و بلغ من رضا زين العابدين غاية المراد و رفضوا منقبته التي رقت حواشيها و تفجرت ينابيع السعادة فيها. و كان محمد بن الحنفية أكبر من زين العابدين سنا و يرى تقديمه عليه فرضا و دينا و لا يتحرك حركة إلا بما يهواه و لا ينطق إلا عن رضاه و يتأمر له تأمر الرعية للوالي و يفضله تفضيل السيد على الخادم و الموالي و تقلد محمد ره أخذ الثأر إراحة لخاطره الشريف من تحمل الأثقال و الشد و الترحال و يدل على ذلك ما رويته عن أبي بجير عالم الأهواز و كان يقول بإمامة ابن الحنفية قال حججت فلقيت إمامي و كنت يوما عنده فمر به غلام شاب فسلم عليه فقام فتلقاه و قبل ما بين عينيه و خاطبه بالسيادة و مضى الغلام و عاد محمد إلى مكانه فقلت له عند الله أحتسب عناي فقال و كيف ذاك قلت لأنا نعتقد أنك الإمام المفترض الطاعة تقوم تتلقى هذا الغلام و تقول له يا سيدي فقال نعم هو و الله إمامي فقلت و من هذا قال علي بن أخي الحسين اعلم أني نازعته الإمامة و نازعني فقال لي أ ترضى بالحجر الأسود حكما بيني و بينك فقلت و كيف نحتكم إلى حجر جماد فقال إن إماما لا يكلمه الجماد فليس بإمام فاستحييت من ذلك فقلت بيني و بينك الحجر الأسود فقصدنا الحجر و صلى و صليت و تقدم إليه و قال أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلا أخبرتنا من الإمام منا فنطق و الله الحجر و قال يا محمد سلم الأمر إلى ابن أخيك فهو أحق به منك و هو إمامك و تحلحل حتى ظننته يسقط فأذعنت بإمامته و دنت له بفرض طاعته. قال أبو بجير فانصرفت من عنده و قد دنت بإمامة علي بن الحسين ع و تركت القول بالكيسانية.

 و روي عن أبي بصير أنه قال سمعت أبا جعفر الباقر ع يقول كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا و لا يشك أنه الإمام حتى أتاه يوما فقال له جعلت فداك إن لي حرمة و مودة فأسألك بحرمة رسول الله و أمير المؤمنين إلا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه قال يا أبا خالد لقد حلفتني بالعظيم الإمام علي ابن أخي علي و عليك و على كل مسلم فلما سمع أبو خالد قول محمد بن الحنفية جاء إلى علي بن الحسين فاستأذن و دخل فقال له مرحبا يا كنكر ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا فخر أبو خالد ساجدا شكرا لما سمع من زين العابدين ع و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي قال و كيف عرفت إمامك يا أبا خالد قال لأنك دعوتني باسمي الذي لا يعرفه سوى أمي و كنت في عمياء من أمري و لقد خدمت محمد بن الحنفية عمرا لا أشك أنه إمام حتى أقسمت عليه فأرشدني إليك فقال هو الإمام علي و عليك و على كل مسلم ثم انصرف و قد قال بإمامة زين العابدين ع. و قال قوم من الخوارج لمحمد بن الحنفية لم غر ربك في الحروب و لم يغرر بالحسن و الحسين قال لأنهما عيناه و أنا يمينه فهو يدفع بيمينه عن عينيه.

 و روى العباس بن بكار قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال لما كان يوم من أيام صفين دعا علي ع ابنه محمدا فقال شد على الميمنة فحمل مع أصحابه فكشف ميمنة عسكر معاوية ثم رجع و قد جرح فقال له العطش فقام إليه ع فسقاه جرعة من ماء ثم صب الماء بين درعه و جلده فرأيت علق الدم يخرج من حلق الدرع ثم أمهله ساعة ثم قال شد في الميسرة فحمل مع أصحابه على ميسرة معاوية فكشفهم ثم رجع و به جراحة و هو يقول الماء الماء فقام إليه ففعل مثل الأول ثم قال شد في القلب فكشفهم ثم رجع و قد أثقلته الجراحات و هو يبكي فقام إليه فقبل ما بين عينيه و قال فداك أبوك لقد سررتني و الله يا بني فما يبكيك أ فرح أم جزع فقال كيف لا أبكي و قد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله تعالى و كلما رجعت إليك لتمهلني فما أمهلتني و هذان أخواي الحسن و الحسين ما تأمرهما بشي‏ء فقبل ع رأسه و قال يا بني أنت ابني و هذان ابنا رسول الله ص أ فلا أصونهما قال بلى يا أباه جعلني الله فداك و فداهما. و إذا كان ذلك رأيه فكيف يخرج عن طاعته و يعدل عن الإسلام بمخالفته مع علم محمد بن الحنفية أن زين العابدين ولي الدم و صاحب الثأر و المطالب بدماء الأبرار فنهض المختار نهوض الملك المطاع و مد إلى أعداء الله يدا طويلة الباع فهشم عظاما تغذت بالفجور و قطع أعضاء نشأت على الخمور و حاز إلى فضيلة لم يرق إلى شعاف شرفها عربي و لا أعجمي و أحرز منقبة لم يسبقه إليها هاشمي و كان إبراهيم بن مالك الأشتر مشاركا له في هذه البلوى و مصدقا على الدعوى و لم يك إبراهيم شاكا في دينه و لا ضالا في اعتقاده و يقينه و الحكم فيهما واحد و أنا أشرح بوار الفجار على يد المختار معتمدا قانون الاختصار و سميته ذوب النضار في شرح الثأر و قد وضعته على أربع مراتب و الله الموفق للصواب المكافي يوم الحساب. المرتبة الأولى في ذكر نسبه و طرف من أخباره هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمير الثقفي و قال المرزباني ابن عمير بن عقدة بن عنزة كنيته أبو إسحاق و كان أبو عبيد والده يتنوق في طلب النساء فذكر له نساء قومه فأبى أن يتزوج منهن فأتاه آت في منامه فقال تزوج دومة الحسناء الحومة فما تسمع فيها للائم لومة فأخبر أهله فقالوا قد أمرت فتزوج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب فلما حملت بالمختار قالت رأيت في النوم قائلا يقول

أبشري بالولد أشبه شي‏ء بالأسدإذا الرجال في كبد تقاتلوا على بلدكان له الحظ الأشد

فلما وضعت أتاها ذلك الآتي فقال لها إنه قبل أن يترعرع و قبل أن يتشعشع قليل الهلع كثير التبع يدان بما صنع و ولدت لأبي عبيد المختار و جبرا و أبا جبر و أبا الحكم و أبا أمية و كان مولده في عام الهجرة و حضر مع أبيه وقعة قس الناطف و هو ابن ثلاث عشرة سنة و كان يتفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمه فنشأ مقداما شجاعا لا يتقي شيئا و تعاطى معالي الأمور و كان ذا عقل وافر و جواب حاضر و خلال مأثورة و نفس بالسخاء موفورة و فطرة تدرك الأشياء بفراستها و همة تعلو على الفراقد بنفاستها و حدس مصيب و كف في الحروب مجيب و مارس التجارب فحنكته و لابس الخطوب فهذبته.

 و روي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين ع و هو يمسح رأسه و يقول يا كيس يا كيس فسمي كيسان و إليه عزي الكيسانية كما عزي الواقفة إلى موسى بن جعفر ع و الإسماعيلية إلى أخيه إسماعيل و غيرهم من الفرق

 و عن أبي جعفر الباقر ع أنه قال لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا و طلب ثأرنا و زوج أراملنا و قسم فينا المال على العسرة

 و روي أنه دخل جماعة على أبي جعفر الباقر ع و فيهم عبد الله بن شريك قال فقعدت بين يديه إذ دخل عليهم شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه ثم قال من أنت قال أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي و كان متباعدا منه ع فمد يده فأدناه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده فقال أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي و القول و الله قولك قال و أي شي‏ء يقولون قال يقولون كذاب و لا تأمرني بشي‏ء إلا قبلته فقال سبحان الله أخبرني أبي أن مهر أمي مما بعث به المختار إليه أ و لم يبن دورنا و قتل قاتلنا و طلب بثأرنا فرحم الله أباك و كررها ثلاثا ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه

 و عن أبي حمزة الثمالي قال كنت أزور علي بن الحسين ع في كل سنة مرة في وقت الحج فأتيته سنة و إذا على فخذه صبي فقام الصبي فوقع على عتبة الباب فانشج فوثب إليه مهرولا فجعل ينشف دمه و يقول إني أعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة قلت بأبي أنت و أمي و أي كناسة قال كناسة الكوفة قلت و يكون ذلك قال إي و الذي بعث محمدا بالحق لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة و هو مقتول مدفون منبوش مسحوب مصلوب في الكناسة ثم ينزل فيحرق و يذري في البر فقلت جعلت فداك و ما اسم هذا الغلام فقال ابني زيد ثم دمعت عيناه و قال لأحدثنك بحديث ابني هذا بينا أنا ليلة ساجد و راكع ذهب بي النوم فرأيت كأني في الجنة و كان رسول الله و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قد زوجوني حوراء من حور العين فواقعتها و اغتسلت عند سدرة المنتهى و وليت هتف بي هاتف ليهنئك زيد فاستيقظت و تطهرت و صليت صلاة الفجر فدق الباب رجل فخرجت إليه فإذا معه جارية ملفوف كمها على يده مخمرة بخمار قلت حاجتك قال أريد علي بن الحسين قلت أنا هو قال أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي يقرئك السلام و يقول وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار و هذه ستمائة دينار فاستعن بها على دهرك و دفع إلي كتابا كتبت جوابه و قلت ما اسمك قالت حوراء فهيئوها لي و بت بها عروسا فعلقت بهذا الغلام فأسميته زيدا و سترى ما قلت لك قال أبو حمزة الثمالي فو الله لقد رأيت كل ما ذكره ع في زيد

و روي عن عمر بن علي ع أن المختار أرسل إلى علي بن الحسين عشرين ألف دينار فقبلها و بنى منها دار عقيل بن أبي طالب و دارهم التي هدمت و كان المختار ذا مقول مشحوذ الغرار مأمون العثار إن نثر سجع و إن نطق برع ثابت الجنان مقدم الشجعان ما حدس إلا أصاب و لا تفرس قط خاب و لو لم يكن كذلك لما قام بأدوات المفاخر و رأس على الأمراء و العساكر و ولى علي ع عمه على المدائن عاملا و المختار معه فلما ولي المغيرة بن شعبة الكوفة من قبل معاوية رحل المختار إلى المدينة و كان يجالس محمد بن الحنفية و يأخذ عنه الأحاديث فلما عاد إلى الكوفة ركب مع المغيرة يوما فمر بالسوق فقال المغيرة يا لها غارة و يا له جمعا إني لأعلم كلمة لو نعق لها ناعق و لا ناعق لها لاتبعوه و لا سيما الأعاجم الذين إذا ألقي إليهم الشي‏ء قبلوه فقال له المختار و ما هي يا عم قال يستأدون بآل محمد فأغضى عليها المختار و لم يزل ذلك في نفسه ثم جعل يتكلم بفضل آل محمد و ينشر مناقب علي و الحسن و الحسين ع و يسير ذلك و يقول إنهم أحق بالأمر من كل أحد بعد رسول الله و يتوجع لهم مما نزل بهم ففي بعض الأيام لقيه معبد بن خالد الجدلي جديلة قيس فقال له يا معبد إن أهل الكتب ذكروا أنهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبارين و ينصر المظلومين و يأخذ بثأر المستضعفين و وصفوا صفته فلم يذكروا صفة في الرجل إلا و هي في غير خصلتين أنه شاب و قد جاوزت الستين و أنه ردي البصر و أنا أبصر من عقاب فقال معبد أما السن فإن ابن ستين و سبعين عند أهل ذلك الزمان شاب و أما بصرك فما تدري ما يحدث الله فيه لعله يكل قال عسى فلم يزل على ذلك حتى مات معاوية و ولي يزيد و وجه الحسين ع مسلم بن عقيل إلى الكوفة فأسكنه المختار داره و بايعه فلما قتل مسلم رحمه الله سعى بالمختار إلى عبيد الله بن زياد فأحضره و قال له يا ابن عبيد أنت المبايع لأعدائنا فشهد له عمرو بن حريث أنه لم يفعل فقال عبيد الله لو لا شهادة عمرو لقتلتك و شتمه و ضربه بقضيب في يده فشتر عينه و حبسه و حبس أيضا عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب و كان في الحبس ميثم التمار رحمه الله فطلب عبد الله حديدة يزيل بها شعر بدنه و قال لا آمن ابن زياد يقتلني فأكون قد ألقيت ما علي من الشعر فقال المختار و الله لا يقتلك و لا يقتلني و لا يأتي عليك إلا قليل حتى تلي البصرة فقال ميثم للمختار و أنت تخرج ثائرا بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد قتلنا و تطأ بقدميك على وجنتيه و لم يزل ذلك يتردد في صدره حتى قتل الحسين ع كتب المختار إلى أخته صفية بنت أبي عبيد و كانت زوجة عبد الله بن عمر تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية فكتب إليه فقال يزيد نشفع أبا عبد الرحمن و كلمته هند بنت أبي سفيان في عبد الله بن الحارث و هي خالته فكتب إلى عبيد الله فأطلقهما بعد أن أجل المختار ثلاثة أيام ليخرج من الكوفة و إن تأخر عنها ضرب عنقه فخرج هاربا نحو الحجاز حتى إذا صار بواقصة لقي الصقعب بن زهير الأزدي فقال يا أبا إسحاق ما لي أرى عينك على هذه الحال قال فعل بي ذلك عبيد الله بن زياد قتلني الله إن لم أقتله و أقطع أعضاءه و لأقتلن بالحسين عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريا و هم سبعون ألفا ثم قال و الذي أنزل القرآن و بين الفرقان و شرع الأديان و كره العصيان لأقتلن العصاة من أزد عمان و مذحج و همدان و نهد و خولان

  و بكر و هزان و ثعل و نبهان و عبس و ذبيان و قبائل قيس عيلان غضبا لابن بنت نبي الرحمن نعم يا صقعب و حق السميع العليم العلي العظيم العدل الكريم العزيز الحكيم الرحمن الرحيم لأعركن عرك الأديم بني كندة و سليم و الأشراف من تميم ثم سار إلى مكة. قال ابن العرق رأيت المختار اشتر العين فسألته فقال شترها ابن زياد يا ابن العرق إن الفتنة أرعدت و أبرقت و كان قد أينعت و ألقت خطامها و خبطت و شمست و هي رافعة ذيلها و قائلة ويلها بدجلة و حولها. فلم يزل على ذلك حتى مات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث و ستين و قيل سنة أربع و عمره على الخلاف فيه ثمان و ثلاثون سنة و كان مدة خلافته سنتين و ثمانية أشهر و خلف أحد عشر ولدا منهم أبو ليلى معاوية و بويع له بالشام و خلع نفسه و قد ذكرت حديثه في المقتل و أخوه خالد أمه بنت هاشم بن عتبة بن عبد الشمس تزوجها مروان بن الحكم بعد يزيد و فيها قال الشاعر.

أسلمي أم خالد رب ساع لقاعد

 و في تلك السنة بويع لعبد الله بن الزبير بالحجاز و لمروان بن الحكم بالشام و لعبيد الله بن زياد بالبصرة. و أما أهل العراق فإنهم وقعوا في الحيرة و الأسف و الندم على تركهم نصرة الحسين ع و كان عبيد الله بن الحر بن المجمع بن حريم الجعفي من أشراف أهل الكوفة و كان قد مشى إلى الحسين و ندبه إلى الخروج معه فلم يفعل ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض فقال.

فيا لك حسرة ما دمت حيا تردد بين حلقي و التراقي‏حسين حين يطلب بذل نصري على أهل الضلالة و النفاق‏غداة يقول لي بالقصر قولا أ تتركنا و تزمع بالفراق‏و لو إني أواسيه بنفسي لنلت كرامة يوم التلاق

 مع ابن المصطفى نفسي فداه تولى ثم ودع بانطلاق‏فلو فلق التلهف قلب حي لهم اليوم قلبي بانقلاق‏فقد فاز الأولى نصروا حسينا و خاب الآخرون أولو النفاق

 و لم يكن في العراق من يصلح للقتال و النجدة و البأس إلا قبائل العرب بالكوفة فأول من نهض سليمان بن صرد الخزاعي و كانت له صحبة مع النبي ص و مع علي ع و المسيب بن نجبة الفزاري و هو من كبار الشيعة و له صحبة مع علي ع و عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي و رفاعة بن شداد البجلي و عبد الله بن وال التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة و اجتمعوا في دار سليمان و معهم أناس من الشيعة فبدأ سليمان بالكلام فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فقد ابتلينا بطول العمر و التعرض للفتن و نرغب إلى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ

 و قال علي ع العمر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون سنة

و ليس فينا إلا من قد بلغها و كنا مغرمين بتزكية أنفسنا و مدح شيعتنا حتى بلى الله خيارنا فوجدنا كذابين في نصر ابن بنت رسول الله ص و لا عذر دون أن تقتلوا قاتليه فعسى ربنا أن يعفو عنا. قال رفاعة بن شداد قد هداك الله لأصوب القول و دعوت إلى أرشد الأمور جهاد الفاسقين و إلى التوبة من الذنب فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك فإن رأيتم ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول الله سليمان بن صرد. فقال المسيب بن نجبة أصبتم و وفقتم و أنا أرى الذي رأيتم فاستعدوا للحرب. و كتب سليمان كتابا إلى من كان بالمدائن من الشيعة من أهل الكوفة و حمله مع عبد الله بن مالك الطائي إلى سعد بن حذيفة بن اليمان يدعوهم إلى أخذ الثأر فلما وقفوا على الكتاب قالوا رأينا مثل رأيهم و كتب سعد بن حذيفة الجواب بذلك. و كتب سليمان إلى المثنى بن مخرمة العبدي كتابا و بعثه مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد فكتب المثنى الجواب أما بعد فقد قرأت كتابك و أقرأته إخوانك فحمدوا رأيك و استجابوا لك فنحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت و السلام عليك و كتب في أسفل كتابه.

تبصر كأني قد أتيتك معلما على أبلغ الهادي أجش هزيم‏طويل القرا نهد أشق مقلص ملح على قارئ اللجام رءوم‏بكل فتى لا يملأ الدرع نحره محش لنار الحرب غير سؤم‏أخي ثقة يبغي الإله بسعيه ضروب بنصل السيف غير أثيم.

 و ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أن أول ما ابتدأ به الشيعة من أمرهم سنة إحدى و ستين و هي السنة التي قتل فيها الحسين فما زالوا في جمع آلة الحرب و الاستعداد للقتال و دعاء الشيعة بعضهم لبعض في السر للطلب بدم الحسين ع حتى مات يزيد بن معاوية و كان بين مقتل الحسين ع و هلاك يزيد ثلاث سنين و شهران و أربعة أيام و كان أمير العراق عبيد الله و خليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومي و كان عبد الله بن الزبير قبل موت يزيد يدعو الناس إلى طلب ثأر الحسين و أصحابه و يغريهم بيزيد و يوثبهم عليه فلما مات يزيد أعرض عن ذلك القول و بان أنه يطلب الملك لنفسه لا للثأر. و ذكر المدائني عن رجاله أن المختار لما قدم على عبد الله بن الزبير لم ير عنده ما يريد فقال.

ذو مخاريق و ذو مندوحة و ركابي حيث وجهت ذلل‏لا تبيتن منزلا تكرهه و إذا زلت بك النعل فزل

 فخرج المختار من مكة متوجها إلى الكوفة فلقيه هانئ بن أبي حية الوداعي فسأله عن أهلها فقال لو كان لهم رجل يجمعهم على شي‏ء واحد لأكل الأرض بهم فقال المختار أنا و الله أجمعهم على الحق و ألقي بهم ركبان الباطل و أقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء الله و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثم سأله المختار عن سليمان بن صرد هل توجه لقتال المحلين قال لا و لكنهم عازمون على ذلك ثم سار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة و هو يوم الجمعة فنزل و اغتسل و لبس ثيابه و تقلد سيفه و ركب فرسه و دخل الكوفة نهارا لا يمر على مسجد القبائل و مجالس القوم و مجتمع المحال إلا وقف و سلم و قال أبشروا بالفرج فقد جئتكم بما تحبون و أنا المسلط على الفاسقين و الطالب بدم أهل بيت نبي رب العالمين. ثم دخل الجامع و صلى فيه فرأى الناس ينظرون إليه و يقول بعضهم لبعض هذا المختار ما قدم إلا لأمر و نرجو به الفرج و خرج من الجامع و نزل داره و يعرف قديما بسالم بن المسيب ثم بعث إلى وجوه الشيعة و عرفهم أنه جاء من محمد بن الحنفية للطلب بدماء أهل البيت و هذا أمر لكم فيه الشفاء و قتل الأعداء فقالوا أنت موضع ذلك و أهله غير أن الناس قد بايعوا سليمان بن صرد الخزاعي فهو شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل في أمرك فسكت المختار و أقام ينتظر ما يكون من أمر سليمان و الشيعة حينئذ يريدون أمرهم سرا خوفا من عبد الملك بن مروان و من عبد الله بن الزبير و كان خوف الشيعة من أهل الكوفة أكثر لأن أكثرهم قتلة الحسين ع و صار المختار يفخذ الناس عن سليمان بن صرد و يدعوهم إلى نفسه فأول من بايعه و ضرب على يده عبيد بن عمر و إسماعيل بن كثير فقال عمر بن سعد و شبث بن ربعي لأهل الكوفة إن المختار أشد عليكم لأن سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم و المختار إنما يريد أن يثب عليكم فسيروا إليه و أوثقوه بالحديد و خلدوه السجن فما شعر حتى أحاطوا بداره و استخرجوه فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة لعبد الله بن يزيد أوثقه كتافا و مشه حافيا فقال له لم أفعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة و لا حربا إنما أخذناه على الظن فأتي ببغلة له دهماء فركبها و أدخلوه السجن قال يحيى بن أبي عيسى دخلت مع حميد بن مسلم الأزدي إلى المختار فسمعته يقول أما و رب البحار و النخل و الأشجار و المهامة القفار و الملائكة الأبرار و المصطفين الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار و مهند بتار في

  جموع من الأنصار ليسوا بميل و لا أغمار و لا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين و رأيت صدع المسلمين و أدركت ثأر النبيين لم يكبر على زوال الدنيا و لم أحفل بالموت إذ أتى. المرتبة الثانية في ذكر رجال سليمان بن صرد و خروجه و مقتله لما أراد النهوض بعسكره من النخيلة و هي العباسية مستهل شهر ربيع الآخر سنة خمس و ستين و هي السنة التي أمر مروان بن الحكم أهل الشام بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك و عبد العزيز و جعلهما وليي عهده و فيها مات مروان بدمشق مستهل شهر رمضان و كان عمره إحدى و ثمانين سنة و كانت خلافته تسعة أشهر و كان عبيد الله بالعراق فسار حتى نزل الجزيرة فأتاه الخبر بموت مروان و خرج سليمان بن صرد ليرحل فرأى عسكره فاستقله فبعث حكيم بن منقذ الكندي و الوليد بن حصين الكناني في جماعة و أمرهما بالنداء في الكوفة يا آل ثأرات الحسين ع. فسمع النداء رجل من كثير من الأزد و هو عبد الله بن حازم و عنده ابنته و امرأته سهلة بن سبرة و كانت من أجمل النساء و أحبهم إليه و لم يكن دخل في القوم فوثب إلى ثيابه فلبسها و إلى سلاحه و فرسه قالت له زوجته ويحك أ جننت قال لا و لكني سمعت داعي الله عز و جل فأنا مجيبة و طالب بدم هذا الرجل حتى أموت فقالت إلى من تودع بيتك هذا قال إلى الله اللهم إني أستودعك ولدي و أهلي اللهم احفظني فيهم و تب علي مما فرطت في نصرة ابن بنت نبيك. ثم نادوا يا آل ثأرات الحسين في الجامع و الناس يصلون العشاء الآخرة فخرج جمع كثير إلى سليمان و كان معه ستة عشر ألفا مثبتة في ديوانه فلم يصف منهم سوى أربعة آلاف و عزم على المسير إلى الشام لمحاربة عبيد الله بن زياد فقال له عبد الله بن سعد إن قتلة الحسين كلهم بالكوفة منهم عمر بن سعد و رءوس الأرباع و أشراف القبائل و ليس بالشام سوى عبيد الله بن زياد فلم يوافق إلا على المسير. فخرج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر كما ذكرنا فباتوا بدير الأعور ثم سار فنزل على أقساس بني مالك على شاطئ الفرات ثم أصبحوا عند قبر الحسين ع فأقاموا يوما و ليلة يصلون و يستغفرون ثم ضجوا ضجة واحدة بالبكاء و العويل فلم ير يوم أكثر بكاء فيه و ازدحموا عند الوداع على قبره كالزحام على الحجر الأسود و قام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكيا على القبر و أنشد أبيات عبيد الله بن الحر الجعفي.

تبيت النشاوى من أمية نوما و بالطف قتلى ما ينام حميمهاو ما ضيع الإسلام إلا قبيلة تأمر نوكاها و دام نعيمهاو أضحت قناة الدين في كف ظالم إذا اعوج منها جانب لا يقيمهافأقسمت لا تنفك نفسي حزينة و عيني تبكي لا يجف سجومهاحياتي أو تلقى أمية خزيه يذل لها حتى الممات قرومها.

 و كان مع الناس عبد الله بن عوف الأحمر على فرس كميت يتأكل تأكلا و هو يقول

خرجن يلمعن بنا أرسالا عوابسا قد تحمل الأبطالانريد أن نلقى بها الأقيالا الفاسقين الغدر الضلالاو قد رفضنا الأهل و الأموالا و الخفرات البيض و الحجالانرجو به التحفة و النوالا لنرضي المهيمن المفضالا

 فساروا حتى أتوا هيت ثم خرجوا حتى انتهوا إلى قرقيسا و بلغهم أن أهل الشام في عدد كثير فساروا سيرا مغذا حتى وردوا عين الوردة عن يوم و ليلة ثم قام سليمان بن صرد فوعظهم و ذكرهم الدار الآخرة و قال إن قتلت فأميركم المسيب بن نجبة فإن أصيب المسيب فالأمير عبد الله بن سعيد بن نفيل فإن أصيب فأخوه خالد بن سعد فإن قتل خالد فالأمير عبد الله بن وال فإن قتل ابن وال فأميركم رفاعة بن شداد. ثم بعث سليمان المسيب بن نجبة في أربعة آلاف فارس رائدا و أن يشن عليهم الغارة قال حميد بن مسلم كنت معهم فسرنا يومنا كله و ليلتنا حتى إذا كان السحر نزلنا و هومنا ثم ركبنا و قد صلينا الصبح ففرق العسكر و بقي معه مائة فارس فلقي أعرابيا فقال كم بيننا و بين أدنى القوم فقال ميل أقول و الميل أربعة آلاف ذراع و كل ثلاثة أميال فرسخ و هذا عسكر شراحيل بن ذي الكلاع من قبل عبيد الله معه أربعة آلاف و من ورائهم الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف و من ورائهم الصلت بن ناجية الغلابي في أربعة آلاف و جمهور العسكر مع عبيد الله بن زياد بالرقة. فساروا حتى أشرفوا على عسكر الشام فقال المسيب لأصحابه كروا عليهم فحمل عسكر العراق فانهزموا فقتل منهم خلق كثير و غنموا منهم غنيمة عظيمة و أمرهم المسيب بالعود فرجعوا إلى سليمان بن صرد و وصل الخبر إلى عبيد الله فسرح إليهم الحصين بن نمير و أتبعه بالعساكر حتى نزل في عشرين ألفا و عسكر العراق يومئذ ثلاثة آلاف و مائة لا غير. ثم تهيأ العساكر للحرب فكان على ميمنة أهل الشام عبد الله بن الضحاك بن قيس الفهري و على ميسرتهم مخارق بن ربيعة الغنوي و على الجناح شراحيل بن ذي الكلاع الحميري و في القلب الحصين بن نمير السكوني ثم جعل أهل العراق على ميمنتهم المسيب بن نجبة الفزاري و على ميسرتهم عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي و على الجناح رفاعة بن شداد البجلي و على القلب الأمير سليمان بن صرد الخزاعي و وقف العسكر فنادى أهل الشام ادخلوا في طاعة عبد الملك بن مروان و نادى أهل العراق سلموا إلينا عبيد الله بن زياد و أن يخرج الناس من طاعة عبد الملك و آل الزبير و يسلم الأمر إلى أهل بيت نبينا فأبى الفريقان و حمل بعضهم على بعض و جعل سليمان بن صرد يحرضهم على القتال و يبشرهم بكرامة الله ثم كسر جفن سيفه و تقدم نحو أهل الشام و هو يقول

إليك ربي تبت من ذنوبي و قد علاني في الورى مشيبي‏فارحم عبيدا عرما تكذيب و اغفر ذنوبي سيدي و حوبي

 قال حميد بن مسلم حملت ميمنتنا على ميسرتهم و حملت ميسرتنا على ميمنتهم و حمل سليمان في القلب فهزمناهم و ظفرنا بهم و حجز الليل بيننا و بينهم ثم قاتلناهم في الغد و بعده حتى مضت ثلاثة أيام ثم أمرهم الحصين بن نمير لأهل الشام برمي النبل فأتت السهام كالشرار المتطائر فقتل سليمان بن صرد ره فلقد بذل في أهل الثأر مهجته و أخلص لله توبته و قد قلت هذين البيتين حيث مات مبرأ من العتب و الشين.

قضى سليمان نحبه فغدا إلى جنان و رحمة البارئ‏مضى حميدا في بذل مهجته و أخذه للحسين بالثأر

 ثم أخذ الراية المسيب بن نجبة فقاتل قتالا خرت له الأذقان و أثر في ذلك الجيش الجم الطعان ثلاث مرات و كان من أعظم الشجعان قتالا و أكرهم على الأعداء نكالا و هو يقول

قد علمت ميالة الذوائب واضحة الخدين و الترائب‏إني غداة الروع و التغالب أشجع من ذي لبدة مواثب‏قصاع أقران مخوف الجانب.

 فلم يزل يكر عليهم فيفرون بين يديه حتى تكاثروا فقتلوه. ثم أخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل ثم حمل على القوم و طعن و هو يقول 

ارحم إلهي عبدك التوابا و لا تؤاخذه فقد أناباو فارق الأهلين و الأحبابا يرجو بذاك الفوز و الثوابا

 فلم يزل يقاتل حتى قتل. ثم تقدم أخوه خالد بن سعد بالراية و حرضهم على القتال و رغبهم في حميد المآل فقاتل أشد قتال و نكل بهم أي نكال حتى قتل. و تقدم عبد الله بن وال فأخذ الراية و قاتل حتى قطعت يده اليسرى ثم استند إلى الصحابة و يده تشخب دما ثم كر عليهم و هو يقول

نفسي فداكم اذكروا الميثاقا و صابروهم و احذروا النفاقالا كوفة نبغي و لا عراقا لا بل نريد الموت و العتاقا

 و قاتل حتى قتل فبينما هم كذلك إذ جاءتهم النجدة مع المثنى بن مخرمة العبدي من البصرة و من المدائن مع كثير بن عمرو الحنفي فاشتدت قلوب أهل العراق بهم و اجتمعوا و كبروا و اشتد القتال فتقدم رفاعة بن شداد نحو صفوف الشام و هو يرتجز و يقول

يا رب إني تائب إليكا قد اتكلت سيدي عليكاقدما أرجي الخير من يديكا فاجعل ثوابي أملي إليكا.

 قال عبد الله بن عوف الأزدي و اشتد القتال حتى بان في أهل العراق الضعف و القلة و تحدثوا في ترك القتال فبعضهم يوافق و بعضهم يقول إن ولينا ركبنا السيف فلا نمشي فرسخا حتى لا يبقى منا واحد و إنما نقاتل حتى يأتي الليل و نمضي ثم تقدم عبد الله بن عوف إلى الراية فرفعها و اقتتلوا أشد قتال فقتل جماعة من أهل العراق و انفلت الجموع و افترق الناس و عاد العسكر حتى وصلوا قرقيسا من جانب البر و جاء سعد بن حذيفة إلى هيت فلقيه الأعراب فأخبروه بما لقي الناس ثم عاد أهل المدائن و أهل البصرة و أهل الكوفة إلى بلادهم و المختار محبوس و كان يقول لأصحابه عدوا لغارتكم هذا أكثر من عشر و دون الشهر ثم يجيئكم نبأ هتر من طعن بتر و ضرب هبر و قتل جم و أمر هم فمن لها أنا لها لا تكذبن أنا لها و كان المختار يأخذ أفعاله بالرجز و الفراسة و الخدع و حسن السياسة. قال المرزباني في كتاب الشعراء كان له غلام اسمه جبرئيل و كان يقول قال لي جبرئيل و قلت لجبرئيل فيتوهم الأعراب و أهل البوادي أنه جبرئيل ع فاستحوذ عليهم بذلك حتى انتظمت له الأمور و قام بإعزاز الدين و نصره و كسر الباطل و قصره. و لما قدم أصحاب سليمان بن صرد من الشام كتب إليهم المختار من الحبس أما بعد فإن الله أعظم لكم الأجر و حط عنكم الوزر بمفارقة القاسطين و جهاد المحلين إنكم لن تنفقوا نفقة و لم تقطعوا عقبة و لم تخطوا خطوة إلا رفع الله لكم بها درجة و كتب لكم حسنة فأبشروا فإني لو خرجت إليكم جردت فيما بين المشرق و المغرب من عدوكم بالسيف بإذن الله فجعلتهم ركاما و قتلتهم فذا و توأما فرحب الله لمن قارب و اهتدى و لا يبعد الله إلا من عصى و أبى و السلام يا أهل الهدى. فلما جاء كتابه وقف عليه جماعة من رؤساء القبائل و أعادوا الجواب قرأنا كتابك و نحن حيث يسرك فإن شئت أن نأتيك حتى نخرجك من الحبس فعلنا فأخبره الرسول فسر باجتماع الشيعة له و قال لا تفعلوا هذا فإني أخرج في أيامي هذه و كان المختار قد بعث إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب أما بعد فإني حبست مظلوما و ظن بي الولاة ظنونا كاذبة فاكتب في رحمك الله إلى هذين الظالمين و هما عبد الله بن يزيد و إبراهيم بن محمد كتابا عسى الله أن يخلصني من أيديهما بلطفك و منك و السلام عليك. فكتب إليهما ابن عمر أما بعد فقد علمتما الذي بيني و بين المختار من الصهر و الذي بيني و بينكما من الود فأقسمت عليكما لما خليتما سبيله حين تنظران في كتابي هذا و السلام عليكما و رحمة الله و بركاته فلما قرأ الكتاب طلبا من المختار كفلاء فأتاه جماعة من أشراف الكوفة فاختارا منهم عشرة ضمنوه و حلفاه أن

  لا يخرج عليهما فإن هو خرج فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة و مماليكه كلهم أحرار فخرج و جاء داره. قال حميد بن مسلم سمعت المختار يقول قاتلهم الله ما أجهلهم و أحمقهم حيث يرون أني أفي لهم بأيمانهم هذه أما حلفي بالله فإنه ينبغي إذا حلفت يمينا و رأيت ما هو أولى منها أن أتركها و أعمل الأولى و أكفر عن يميني و خروجي خير من كفي عنهم و أما هدي ألف بدنة فهو أهون علي من بصقة و ما يهولني ثمن ألف بدنة و أما عتق مماليكي فو الله لوددت أنه استتب لي أمري من أخذ الثأر ثم لم أملك مملوكا أبدا. و لما استقر في داره اختلفت الشيعة إليه و اجتمعت عليه و اتفقوا على الرضا به و كان قد بويع له و هو في السجن و لم يزل يكثرون و أمرهم يقوى و يشتد حتى عزل عبد الله بن الزبير الواليين من قبله و هما عبد الله بن زيد و إبراهيم بن محمد بن طلحة المذكورين و بعث عبد الله بن مطيع واليا على الكوفة و الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على البصرة فدخل ابن مطيع إليها و بعث المختار إلى أصحابه فجمعهم في الدور حوله و أراد أن يثب على أهل الكوفة. فجاء رجل من أصحابه من شبام عظيم الشرف و هو عبد الرحمن بن شريح فلقي جماعة منهم سعد بن منقذ و سعر بن أبي سعر الحنفي و الأسود الكندي و قدامة بن مالك الجشمي و قد اجتمعوا فقالوا له إن المختار يريد الخروج بنا للأخذ بالثأر و قد بايعناه و لا نعلم أرسله إلينا محمد بن الحنفية أم لا فانهضوا بنا إليه نخبره بما قدم به علينا فإن رخص لنا ابتعناه و إن نهانا تركناه فخرجوا و جاءوا إلى ابن الحنفية فسألهم عن الناس فخبروه و قالوا لنا إليك حاجة قال سر أم علانية قلنا بل سر قال رويدا إذن ثم مكث قليلا و تنحى و دعانا فبدأ عبد الرحمن بن شريح بحمد الله و الثناء و قال أما بعد فإنكم أهل بيت خصكم الله بالفضيلة و شرفكم بالنبوة و عظم حقكم على هذه الأمة و قد أصبتم بحسين مصيبة عمت المسلمين و قد قدم المختار يزعم أنه جاء من قبلكم و قد دعانا

  إلى كتاب الله و سنة نبيه و الطلب بدماء أهل البيت فبايعناه على ذلك فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه و إن نهيتنا اجتنبناه. فلما سمع كلامه و كلام غيره حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و قال أما ما ذكرتم مما خصنا الله فإن الفضل لله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ و أما مصيبتنا بالحسين فذلك في الذكر الحكيم و أما الطلب بدمائنا. قال جعفر بن نما مصنف هذا الكتاب فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه أنه قال لهم قوموا بنا إلى إمامي و إمامكم علي بن الحسين فلما دخل و دخلوا عليه أخبر خبرهم الذي جاءوا لأجله قال يا عم لو أن عبدا زنجيا تعصب لنا أهل البيت لوجب على الناس موازرته و قد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت فخرجوا و قد سمعوا كلامه و هم يقولون أذن لنا زين العابدين ع و محمد بن الحنفية. و كان المختار علم بخروجهم إلى محمد بن الحنفية و كان يريد النهوض بجماعة الشيعة قبل قدومهم فلما تهيأ ذلك له و كان يقول إن نفيرا منكم تحيروا و ارتابوا فإن هم أصابوا أقبلوا و أنابوا و إن هم كبوا و هابوا و اعترضوا و انجابوا فقد خسروا و خابوا فدخل القادمون من عند محمد بن الحنفية فقال ما وراءكم فقد فتنتم و ارتبتم فقالوا قد أمرنا بنصرتك فقال أنا أبو إسحاق اجمعوا إلي الشيعة فجمع من كان قريبا فقال يا معشر الشيعة إن نفرا أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به فخرجوا إلى إمام الهدى و النجيب المرتضى و ابن المصطفى المجتبى يعني زين العابدين ع فعرفهم أني ظهيره و رسوله و أمركم باتباعي و طاعتي و قال كلاما يرغبهم إلى الطاعة و الاستنفار معه و أن يعلم الحاضر الغائب. و عرفه قوم أن جماعة من أشراف الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع و متى جاء معنا إبراهيم بن الأشتر رجونا بإذن الله تعالى القوة على عدونا فله عشيرة فقال القوة و عرفوا الإذن لنا في الطلب بدم الحسين و أهل بيته فعرفوه فقال قد أجبتكم على أن تولوني الأمر فقالوا له أنت أهل و لكن ليس إليه سبيل هذا المختار قد جاءنا من قبل إمام الهدى و من نائبه محمد بن الحنفية و هو المأذون له في القتال فلم يجب فانصرفوا و عرفوه المختار. فبقي ثلاثا ثم إنه دعاء جماعة من وجوه أصحابه قال عامر الشعبي و أنا و أبي فيهم فسار المختار و هو أمامنا يقد بنا بيوت الكوفة لا يدري أين يريد حتى وقف على باب إبراهيم فأذن له و ألقيت الوسائد فجلسنا عليها و جلس المختار معه على فراشه و قال هذا كتاب محمد بن أمير المؤمنين ع يأمرك أن تنصرنا فإن فعلت اغتبطت و إن امتنعت فهذا الكتاب حجة عليك و سيغني الله محمدا و أهل بيته عنك و كان المختار قد سلم الكتاب إلى الشعبي فلما تم كلامه قال ارفع الكتاب إليه ففض ختمه و هو كتاب طويل فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد المهدي إلى إبراهيم بن الأشتر سلام عليك قد بعثت إليك المختار و من ارتضيته لنفسي و قد أمرته بقتال عدوي و الطلب بدماء أهل بيتي فامض معه بنفسك و عشيرتك و تمام الكتاب بما يرغب إبراهيم في ذلك. فلما قرأ الكتاب قال ما زال يكتب إلي اسمه و اسم أبيه فما باله و يقول في هذا الكتاب المهدي قال المختار ذاك زمان قال إبراهيم من يعلم أن هذا كتاب ابن الحنفية إلي قال يزيد بن أنس و أحمر بن سقيط و عبد الله بن كامل و غيرهم نحن نعلم و نشهد أنه كتاب محمد إليك قال الشعبي إلا أنا و أبي لا نعلم فعند ذلك تأخر إبراهيم عن صدر الفراش و أجلس المختار عليه و قال ابسط يدك فبسط يده فبايعه و دعا بفاكهة و شراب من عسل فأصبنا منه فأخرجنا معنا إبراهيم إلى أن دخل المختار داره. فلما رجع أخذ بيدي و قال يا شعبي علمت أنك لا تشهد و لا أبوك أ فترى هؤلاء شهدوا على حق قلت شهدوا على ما رأيت و فيهم سادة القراء و مشيخة المصر و فرسان العرب و ما يقول مثل هؤلاء إلا حقا. و كان إبراهيم رحمه الله ظاهر الشجاعة واري زناد الشهامة نافذ حد الصرامة

  مشمرا في محبة أهل البيت عن ساقيه متلقيا راية النصح لهم بكلتا يديه فجمع عشيرته و إخوانه و أهل مودته و أعوانه و كان يتردد بهم إلى المختار عامة الليل و معه حميد بن مسلم الأزدي حتى تصوب النجوم و تنقض الرجوم و أجمع رأيهم أن يخرجوا يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ست و ستين و كان أياس بن مضارب صاحب شرطة عبد الله بن مطيع أمير الكوفة فقال له إن المختار خارج عليك لا محالة فخذ حذرك ثم خرج أياس مع الحرس و بعث ولده راشدا إلى الكناسة و جاء هو إلى السوق و أنفذ ابن مطيع إلى الجبانات من شحنها بالرجال يحرسها من أهل الريبة و خرج إبراهيم بعد المغرب إلى المختار و معه جماعة عليهم الدروع و فوقها الأقبية و قد أحاط الشرط بالسوق و القصر لقي أياس بن مضارب أصحاب إبراهيم و هم متسلحون فقال ما هذا الجمع إن أمرك لمريب و لا أتركك حتى آتي بك إلى الأمير فامتنع إبراهيم و وقع التشاجر بينهم و مع أياس رجل من همدان اسمه أبا قطن قال له إبراهيم ادن مني لأنه صديقه فظن أنه يريد أن يجعله شفيعه في تخلية القوم و بيد أبي قطن رمح طويل فأخذه إبراهيم منه و طعن أياس بن مضارب في نحره فصرعه و أمرهم فاجتزوا رأسه و انهزم أصحابه و أقبل إبراهيم إلى المختار و عرفه ذلك فاستبشر و تفاءل بالنصر و الظفر ثم أمر بإشعال النار في هرادي القصب و بالنداء يا آل ثأرات الحسين و لبس درعه و سلاحه و هو يقول

قد علمت بيضاء حسناء الطلل. واضحة الخدين عجزاء الكفل‏إني غداة الروع مقدام بطل لا عاجز فيها و لا وغد فشل

 فأقبل الناس من كل ناحية و جاء عبيد الله بن الحر الجعفي في قومه و تقاتلوا قتالا عظيما و شرد الناس و من كان في الطرق و الجبانات من أصحاب السلاح و استشعروا الحذر و تفرقوا في الأزقة خوفا من إبراهيم و أشار شبث بن ربعي على الأمير ابن مطيع بالقتال فعلم المختار فخرج في أصحابه حتى نزل دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة ثم جاء أبو عثمان النهدي في جماعة أصحابه إلى الكوفة و نادوا يا آل ثأرات الحسين يا منصور أمت و هذه علامة بينهم يا أيها الحي المهتدون ألا إن أمين آل محمد قد خرج فنزل دير هند و بعثني إليكم داعيا و مبشرا فأخرجوا إليه رحمكم الله فخرجوا من الدور يتداعون و في هذا المعنى قلت هذه الأبيات متأسفا على ما فات كيف لم أكن من أصحاب الحسين ع في نصرته و لا من أصحاب المختار و جماعته.

و لما دعا المختار للثأر أقبلت كتائب من أشياع آل محمدو قد لبسوا فوق الدروع قلوبهم و خاضوا بحار الموت في كل مشهدهم نصروا سبط النبي و رهطه و دانوا بأخذ الثأر من كل ملحدففازوا بجنات النعيم و طيبها و ذلك خير من لجين و عسجدو لو أنني يوم الهياج لدى الوغى لأعملت حد المشرفي المهندفوا أسفا إذ لم أكن من حماته فأقتل فيهم كل باغ و معتد.

 المرتبة الثالثة في وصف الوقعة مع ابن مطيع قال الوالبي و حميد بن مسلم و النعمان بن أبي الجعد خرجنا مع المختار فو الله ما انفجر الفجر حتى فرغ من تعبئة عسكره فلما أصبح تقدم و صلى بنا الغداة فقرأ و النازعات و عبس فو الله ما سمعنا إماما أفصح لهجة منه و نادى ابن مطيع في أصحابه فلما جاءوا بعث شبث بن ربعي في ثلاثة آلاف و راشد بن أياس في أربعة آلاف و حجار بن أبجر العجلي في ثلاثة آلاف و عكرمة بن ربعي و شداد بن أبجر و عبد الرحمن بن سويد في ثلاثة آلاف و تتابعت العساكر نحوا من عشرين ألفا فسمع المختار أصواتا مرتفعة و ضجة ما بين بني سليم و سكة البريد فأمر باستعلام ذلك فإذا هو شبث بن ربعي و معه خيل عظيمة و أتاه في الحال سعر بن أبي سعر الحنفي و ممن بايع المختار يركض من قبل مراد فلقي راشد بن أياس فأخبر المختار فأرسل إبراهيم بن الأشتر في تسعمائة فارس و ستمائة راجل و نعيم بن هبيرة في ثلاثمائة فارس و ستمائة راجل و قدم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث في تسعمائة فقاتلوهم حتى أدخلوهم البيوت و قتل من الفريقين جمع و قتل نعيم بن هبيرة و جاء إبراهيم فلقي راشد بن أياس و معه أربعة آلاف فارس فقال إبراهيم لأصحابه لا يهولنكم كثرتهم فلرب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة و الله مع الصابرين. فاشتد قتالهم و بصر خزيمة بن نصر العبسي براشد و حمل عليه فطعنه فقتله ثم نادى خزيمة قتلت راشدا و رب الكعبة فانهزم القوم و انكسروا و أجفلوا إجفال النعام و أطلوا عليهم كقطع الغمام و استبشر أصحاب المختار و حملوا على خيل الكوفة فجعلوا صفو حياتهم كدرا و ساقوهم حتى أوصلوهم إلى الموت زمرا حتى أوصلوهم السكك و أدخلوهم الجامع و حصروا الأمير ابن مطيع ثلاثا في القصر و نزل المختار بعد هذه الوقعة جانب السوق و ولى حصار القصر إبراهيم بن الأشتر. فلما ضاق عليه و على أصحابه الحصار و علموا أنه لا تعويل لهم على مكر و لا سبيل إلى مفر أشاروا عليه أن يخرج ليلا في زي امرأة و يستتر في بعض دور الكوفة ففعل و خرج حتى صار إلى دار أبي موسى الأشعري فآووه و أما هم فإنهم طلبوا الأمان فآمنهم و خرجوا و بايعوه و صار يمنيهم و يستجر مودتهم و يحسن السيرة فيهم. و لما خرج أصحاب ابن مطيع من القصر سكنه المختار ثم خرج إلى الجامع و أمر بالنداء الصلاة جامعة فاجتمع الناس و رقى المنبر ثم قال الحمد لله الذي وعد وليه النصر و عدوه الخسر وعدا مأتيا و أمرا مفعولا وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى أيها الناس مدت لنا غاية و رفعت لنا راية فقيل في الراية ارفعوها و لا تضيعوها و في الغاية خذوها و لا تدعوها فسمعنا دعوة الداعي و قبلنا قول الراعي فكم من باغ و باغية و قتلى في الراعية ألا فبعدا لمن طغى و بغى و جحد و لغى و كذب و تولى ألا فهلموا عباد الله إلى بيعة الهدى و مجاهدة الأعداء و الذب عن الضعفاء من آل محمد المصطفى و أنا المسلط على المحلين المطالب بدم ابن نبي رب العالمين أما

  و منشئ السحاب الشديد العقاب لأنبشن قبر ابن شهاب المفتري الكذاب المجرم المرتاب و لأنفين الأحزاب إلى بلاد الأعراب ثم و رب العالمين لأقتلن أعوان الظالمين و بقايا القاسطين. ثم قعد على المنبر و وثب قائما و قال أما و الذي جعلني بصيرا و نور قلبي تنويرا لأحرقن بالمصر دورا و لأنبشن بها قبورا و لأشفين بها صدورا و لأقتلن بها جبارا كفورا ملعونا غدورا و عن قليل و رب الحرم و البيت المحرم و حق النون و القلم ليرفعن لي علم من الكوفة إلى إضم إلى أكناف ذي سلم من العرب و العجم ثم لأتخذن من بني تميم أكثر الخدم. ثم نزل و دخل قصر الإمارة و انعكف عليه الناس للبيعة فلم يزل باسطا يده حتى بايعه خلق من العرب و السادات و الموالي و وجد في بيت المال بالكوفة تسعة آلاف ألف فأعطى كل واحد من أصحابه الذين قاتل بهم في حصر ابن مطيع و هم ثلاث آلاف و ثمانمائة رجل كل واحد منهم خمسمائة درهم و ستة آلاف رجل من الذين أتوه من بعد حصار القصر مائتين مائتين. و لما علم أن ابن مطيع في دار أبي موسى الأشعري دعا عبد الله بن كامل الشاكري و دفع إليه عشرة آلاف درهم و أمره بحملها إليه و أن يقول له استعن بها على سفرك فإني أعلم أنه ما منعك إلا ضيق يدك. فأخذها و مضى إلى البصرة و لم يمش إلى عبد الله بن الزبير حياء مما جرى عليه من المختار و استعمل على شرطته عبد الله بن كامل و على حرسه كيسان أبا عمر مولى عرينة و عقد لعبد الله بن الحارث أخي الأشتر لأمه على أرمينية و لمحمد بن عطارد على آذربيجان و لعبد الرحمن بن سعد بن قيس على الموصل و لسعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان و لعمر بن السائب على الري و همدان و فرق العمال بالجبال و البلاد و كان يحكم بين الخصوم حتى إذا شغلته أموره فولى شريحا قاضيا فلما سمع المختار أن عليا ع عزله أراد عزله فتمارض هو فعزله و ولاه عبد الله بن عتبة بن مسعود فمرض فجعل مكانه عبد الله بن مالك

  الطائي قاضيا. و كان مروان بن الحكم لما استقامت له الشام بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز و الآخر إلى العراق مع عبيد الله بن زياد لينهب الكوفة إذا ظفر بها ثلاثة أيام فاجتاز بالجزيرة عرض له أمر منعه من السير و عاملها من قبل ابن الزبير قيس عيلان فلم يزل عبيد الله مشغولا بذلك عن العراق ثم قدم الموصل و عامل المختار عليها عبد الرحمن بن سعيد بن قيس فوجه عبيد الله إليه خيله و رجله فانحاز عبد الرحمن إلى تكريت و كتب إلى المختار يعرفه ذلك فكتب الجواب يصوب رأيه و يحمد مشورته و أن لا يفارق مكانه حتى يأتيه أمره إن شاء الله. ثم دعا المختار يزيد بن أنس و عرفه جلية الحال و رغبة في النهوض بالخيل و الرجال و حكمه في تخيير من شاء من الأبطال فتخير ثلاثة آلاف فارس ثم خرج من الكوفة و شيعه المختار إلى دير أبي موسى و أوصاه بشي‏ء من أدوات الحرب و إن احتاج إلى مدد عرفه فقال أريد لا تمدني إلا بدعائك كفى به مددا ثم كتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس أما بعد فخل بين يزيد و بين البلاد إن شاء الله و السلام عليك. فسار حتى بلغ أرض الموصل فنزل بموضع يقال له بافكى و بلغ خبره إلى عبيد الله بن زياد و عرف عدتهم فقال أرسل إلى كل ألف ألفين و بعث ستة آلاف فارس فجاءوا و يزيد بن أنس مريض مدنف فأركبوه حمارا مصريا و الرجالة يمسكونه يمينا و شمالا فيقف على الأرباع و يحثهم على القتال و يرغبهم في حميد المال و قال إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي و وقع القتال بينهم في ذي الحجة يوم عرفة سنة ست و ستين قبل شروق الشمس فلا يرتفع الضحى حتى هزمهم عسكر العراق و أزالهم عن مآزق الحرب زوال السراب و قشعوهم انقشاع الضباب و أتوا يزيد بثلاثمائة أسير و قد أشفى على الموت فأشار بيده أن اضربوا رقابهم فقتلوا جميعا ثم مات يزيد بن أنس فصلى عليه ورقاء بن عازب الأسدي و دفنه و اغتم عسكر العراق لموته فعزاهم ورقاء فيه و عرفهم أن عبيد الله بن زياد في جمع كثير و لا طاقة لكم به فقالوا الرأي أن ننصرف في جوف الليل. قال محمد بن جرير الطبري في تاريخه كان مع عبيد الله ثمانون ألفا من أهل الشام ثم اتصل بالمختار و أهل الكوفة إرجاف الناس بيزيد بن أنس فظنوا أنه قتل و لم يعلموا كيف هلك و استطلع المختار ذلك من عامله على المدائن فأخبره بموته و أن العسكر انصرف من غير هزيمة و لا كسرة فطاب قلب المختار ثم ندب الناس. قال المرزباني و أمر إبراهيم بن الأشتر بالمسير إلى عبيد الله فخرج في ألفين من مذحج و أسد و ألفين من تميم و همدان و ألف و خمسمائة من قبائل المدينة و ألف و أربعمائة من الكندة و ربيعة و ألفين من الحمراء و قيل خرج في اثني عشر ألفا أربعة آلاف من القبائل و ثمانية آلاف من الحمراء و شيع إبراهيم ماشيا فقال اركب رحمك الله فقال المختار إني لأحتسب الأجر في خطاي معك و أحب أن تتغبر قدماي في نصر آل محمد و الطلب بدم الحسين ع ثم ودعه و انصرف و بات إبراهيم بموضع يقال له حمام أعين ثم رحل حتى وافى ساباط المدائن فحينئذ توسم أهل الكوفة في المختار القلة و الضعف فخرج أهل الكوفة عليه و جاهروه بالعداوة و لم يبق أحد ممن شرك في قتل الحسين و كان مختفيا إلا و ظهر و نقضوا بيعته و سلوا عليه سيفا واحدا و اجتمعت القبائل عليه من بجيلة و الأزد و كندة و شمر بن ذي الجوشن فبعث المختار من ساعته رسولا إلى إبراهيم و هو بساباط لا تضع كتابي حتى تعود بجميع من معك إلي فلما جاءهم كتابه نادى بالرجوع فوصلوا السير بالسرى و أرخوا الأعنة و جذبوا البري‏ء و المختار

  يشغل أهل الكوفة بالتسويف و الملاطفة حتى يرجع إبراهيم بعسكره فيكف عاديتهم و يقمع شرتهم و يحصد شوكتهم و كان مع المختار أربعة آلاف فبغى عليه أهل الكوفة و بدءوه بالحرب فحاربه يومهم أجمع و باتوا على ذلك فوافاهم إبراهيم في اليوم الثاني بخيله و رجله و معه أهل النجدة و القوة فلما علموا قدومه افترقوا فرقتين ربيعة و مضر علا حده و اليمن علا حده فخير المختار إبراهيم إلى أي الفرقتين تسير فقال إلى أيهما أحببت و كان المختار ذا عقل وافر و رأي حاضر فأمره بالسير إلى مضر بالكناسة و سار هو إلى اليمن إلى الجبانة السبيع فبدأ بالقتال رفاعة بن شداد فقاتل قتال الشديد البأس القوي المراس حتى قتل. و قاتل حميد بن مسلم و هو يقول

لأضربن عن أبي حكيم مفارق الأعبد و الحميم.

 ثم انكسروا كسرة هائلة و جاء البشير إلى المختار أنهم ولوا مدبرين فمنهم من اختفى في بيته و منهم من لحق بمصعب بن الزبير و منهم من خرج إلى البادية ثم وضعت الحرب أوزارها و حلت أزرارها و محص القتل شرارها فأحصوا القتلى منهم فكانوا ستمائة و أربعين رجلا ثم استخرج من دور الوادعيين خمسمائة أسير كما ذكر الطبري و غيره فجاءوا بهم إلى المختار فعرضوهم عليه فقال كل من حضر منهم قتل الحسين فأعلموني به فلا يؤتى بمن حضر قتله إلا قيل هذا فيضرب عنقه حتى قتل منهم مائتين و ثمانية و أربعين رجلا و قتل أصحاب المختار جمعا كثيرا بغير علمه و أطلق الباقين ثم علم المختار أن شمر بن ذي الجوشن خرج هاربا و معه نفر ممن شرك في قتل الحسين ع فأمر عبدا له أسود يقال له رزين و قيل زربي و معه عشرة و كان شجاعا يتبعه فيأتيه برأسه قال مسلم بن عبد الله الضبابي كنت مع شمر حين هزمنا المختار فدنا منا العبد قال شمر اركضوا و تباعدوا لعل العبد يطمع في فأمعنا في التباعد عنه حتى لحقه العبد فحمل عليه فقتله و مشى فنزل في جانب قرية اسمها الكلتانية على شاطئ نهر إلى جانب تل ثم أخذ من القرية علجا فضربه و دفع إليه كتابا و قال عجل به إلى مصعب بن الزبير و كان عنوانه للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن فمشى العلج حتى دخل قرية فيها أبو عمرة بعثه المختار إليها في أمر و معه خمسمائة فارس قرأ الكتاب رجل من أصحابه و قرأ عنوانه فسأل عن شمر و أين هو فأخبره أن بينهم و بينه ثلاثة فراسخ. قال مسلم بن عبد الله قلت لشمر لو ارتحلت من هذا المكان فإنا نتخوف عليك فقال ويلكم أ كل هذا الجزع من الكذاب و الله لا برحت فيه ثلاثة أيام فبينما نحن في أول النوم أشرفت علينا الخيل من التل و أحاطوا بنا و هو عريان مؤتزرا بمنديل فانهزمنا و تركناه فأخذ سيفه و دنا منهم و هو يقول

نبهتموا ليثا هزبرا باسلا جهما محياه يدق الكاهلالم يك يوما من عدو ناكلا إلا كذا مقاتلا أو قاتلا

 فلم يك بأسرع أن سمعنا قتل الخبيث قتله أبو عمرة و قتل أصحابه ثم جي‏ء بالرءوس إلى المختار خر ساجدا و نصبت الرءوس في رحبة الحذاءين حذاء الجامع. و أنا الآن أذكر من قتله المختار من قتلة الحسين ع. ذكر الطبري في تاريخه أن المختار تجرد لقتلة الحسين و أهل بيته و قال اطلبوهم فإنه لا يسوغ لي الطعام و الشراب حتى أطهر الأرض منهم قال موسى بن عامر فأول من بدأ به الذين وطئوا الحسين بخيلهم و أنامهم على ظهورهم و ضرب سكك الحديد في أيديهم و أرجلهم و أجرى الخيل عليهم حتى قطعتهم و حرقهم بالنار ثم أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب و في سلبه كانا في الجبانة فضرب أعناقهما ثم أحرقهما بالنار ثم أحضر مالك بن بشير فقتله في السوق و بعث أبا عمرة فأحاط بدار خولي بن يزيد الأصبحي و هو حامل رأس الحسين ع إلى عبيد الله فخرجت امرأته إليهم و هي النوار ابنة مالك كما ذكر الطبري في تاريخه و قيل اسمها العيوف و كانت محبة لأهل البيت قالت لا أدري أين هو و أشارت بيدها إلى بيت الخلاء فوجدوه و على رأسه قوصرة فأخذوه و قتلوه ثم أمر بحرقه. و بعث عبد الله بن كامل إلى حكيم بن الطفيل السنبسي و كان قد أخذ سلب العباس و رماه بسهم فأخذوه قبل وصوله إلى المختار و نصبوه هدفا و رموه بالسهام و بعث إلى قاتل علي بن الحسين و هو مرة بن منقذ العبدي و كان شيخا فأحاطوا بداره فخرج و بيده الرمح و هو على فرس جواد فطعن عبيد الله بن ناجية الشبامي فصرعه و لم تضره الطعنة و ضربه ابن كامل بالسيف فاتقاها بيده اليسرى فأشرع فيها السيف و تمطرت به الفرس فأفلت و لحق بمصعب و شلت يده بعد ذلك و أحضر زيد بن رقاد فرماه بالنبل و الحجارة و أحرقه و هرب سنان بن أنس إلى البصرة فهدم داره ثم خرج من البصرة نحو القادسية و كان عليه عيون فأخبروا المختار فأخذه بين العذيب و القادسية فقطع أنامله ثم يديه و رجليه و أغلى زيتا في قدر و رماه فيها. و هرب عبد الله بن عقبة الغنوي إلى الجزيرة فهدم داره و فيه و في حرملة بن الكاهل قتل واحدا من أصحاب الحسين ع قال الشاعر

و عند غني قطرة من دمائنا و في أسد أخرى تعد و تذكر

 حدث المنهال بن عمر و قال دخلت على زين العابدين ع أودعه و أنا أريد الانصراف من مكة فقال يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل و كان معي بشر بن غالب الأسدي فقال ذلك من بني الحريش أحد بني موقد النار و هو حي بالكوفة فرفع يديه و قال اللهم أذقه حر النار اللهم أذقه حر الحديد قال المنهال و قدمت الكوفة و المختار بها فركبت إليه فلقيته خارجا من داره فقال يا منهال لم تشركنا في ولايتنا هذه فعرفته أني كنت بمكة فمشى حتى أتى الكناس و وقف كأنه ينتظر شيئا فلم يلبث أن جاء قوم قالوا أبشر أيها الأمير فقد أخذ حرملة فجي‏ء به فقال لعنك الله الحمد لله الذي أمكنني منك الجزار الجزار فأتي بجزار فأمره بقطع يديه و رجليه ثم قال النار النار فأتي بنار و قصب فأحرق. فقلت سبحان الله سبحان الله فقال إن التسبيح لحسن لم سبحت فأخبرته دعاء زين العابدين ع فنزل عن دابته و صلى ركعتين و أطال السجود و ركب و سار فحاذى داري فعزمت عليه بالنزول و التحرم بطعامي فقال إن علي بن الحسين دعا بدعوات فأجابها الله على يدي ثم تدعوني إلى الطعام هذا يوم صوم شكرا لله تعالى فقلت أحسن الله توفيقك. و انهزم عبد الله بن عروة الخثعمي إلى مصعب فهدم داره و طلب عمرو بن صبيح الصيداوي فأتوه و هو على سطحه بعد ما هدأت العيون و سيفه تحت رأسه فأخذوه و سيفه فقال قبحك الله من سيف ما أبعدك على قربك فجي‏ء به إلى المختار فلما كان من الغداة طعنوه بالرماح حتى مات و أنفذ إلى محمد بن الأشعث بن قيس و قد انهزم إلى قصر له في قرية إلى جنب القادسية فقال انطلق فإنك تجده لاهيا متصديا أو قائما متبلدا أو خائفا متلددا أو كامنا متعمدا فأتني برأسه فأحاطوا بالقصر و له بابان فخرج و مشى إلى مصعب فهدم القصر و داره و أخذ ما كان فيها قال المرزباني و أتوه بعبد الله بن أسيد الجهني و مالك بن الهشيم البدائي و حمل بن مالك المحاربي من القادسية فقال يا أعداء الله أين الحسين بن علي قالوا أكرهنا على الخروج قال فألا مننتم عليه و سقيتموه من الماء و قال للبدائي أنت آخذ برنسه قال لا قال بلى و أمر بقطع يديه و رجليه و الآخران ضرب أعناقهما. و أتوه ببجدل بن سليم الكلبي و عرفوا أنه أخذ خاتمه و قطع إصبعه فأمر بقطع يديه و رجليه فلم يزل ينزف حتى مات و أتوه برقاد بن مالك و عمر بن خالد و عبد الرحمن البجلي و عبد الله بن قيس الخولاني فقال يا قتلة الحسين لقد أخذتم الورس في يوم نحس و كان في رحل الحسين ورس فاقتسموه وقت نهب رحله فأخرجهم إلى السوق. و كان أسماء بن خارجة الفزاري ممن سعى في قتل مسلم بن عقيل رحمه الله فقال المختار أما و رب السماء و رب الضياء و الظلماء لتنزلن نار من السماء دهماء حمراء سحماء تحرق دار أسماء فبلغ كلامه إليه فقال سجع أبو إسحاق و ليس هاهنا مقام بعد هذا و خرج من داره هاربا إلى البادية فهدم داره و دور بني عمه. و كان الشمر بن ذي الجوشن قد أخذ من الإبل التي كانت تحت رحل الحسين ع فنحرها و قسم لحمها على قوم من أهل الكوفة فأمر المختار فأحصوا كل دار دخلها ذلك اللحم فقتل أهلها و هدمها و لم يزل المختار يتبع قتلة الحسين ع حتى قتل خلقا كثيرا و هزم الباقين فهدم دورهم و أنزلهم من المعاقل و الحصون إلى المفاوز و الصحون قال و قتلت العبيد مواليها و جاءوا إلى المختار فعتقهم و كان العبد يسعى بمولاه فيقتله المختار حتى أن العبد يقول لسيده احملني على عنقك فيحمله و يدلي رجليه على صدره إهانة له و لخوفه من سعايته به إلى المختار. فيا لها منقبة حازها و مثوبة أحرزها فقد سر النبي بفعله و إدخاله الفرح على عترته و أهله و قد قلت هذه الأبيات مع كلال الخاطر و قذى الناظر

سر النبي بأخذ الثأر من عصب باءوا بقتل الحسين الطاهر الشيم‏قوم غذوا بلبان البغض ويحهم للمرتضى و بنيه سادة الأمم‏حاز الفخار الفتى المختار إذ قعدت عن نصره سائر الأعراب و العجم‏جادته من رحمة الجبار سارية تهمي على قبره منهلة الديم

 المرتبة الرابعة في ذكر مقتل عمر بن سعد و عبيد الله بن زياد و من تابعه و كيفية قتالهم و النصر عليهم فلما خلا خاطره و انجلى ناظره اهتم بعمر بن سعد و ابنه حفص حدث عمر بن الهيثم قال كنت جالسا عن يمين المختار و الهيثم بن الأسود عن يساره فقال و الله لأقتلن رجلا عظيم القدمين غائر العينين مشرف الحاجبين يهمر برجله الأرض يرضي قتله أهل السماء و الأرض فسمع الهيثم قوله و وقع في نفسه أنه أراد عمر بن سعد فبعث ولده العريان فعرفه قول المختار و كان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أعز الناس على المختار قد أخذ لعمر أمانا حيث اختفى فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا أمان المختار بن أبي عبيد الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص إنك آمن بأمان الله على نفسك و أهلك و مالك و ولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت و أطعت و لزمت منزلك إلا أن تحدث حدثا فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله و شيعة آل محمد ع فلا يعرض له إلا بسبيل خير و السلام ثم شهد فيه جماعة.

 قال الباقر ع إنما قصد المختار أن يحدث حدثا هو أن يدخل بيت الخلاء و يحدث فظهر عمر إلى المختار فكان يدنيه و يكرمه و يجلسه معه على سريره

و علم أن قول المختار عنه فعزم على الخروج من الكوفة فأحضر رجلا من بني تيم اللات اسمه مالك و كان شجاعا و أعطاه أربعمائة دينار و قال هذه معك لحوائجنا و خرجا فلما كان عند حمام عمر أو نهر عبد الرحمن وقف و قال أ تدري لم خرجت قال لا قال خفت المختار فقال ابن دومة يعني المختار أضيق استا من أن يقتلك و إن هربت هدم دارك و انتهب عيالك و مالك و خرب ضياعك و أنت أعز العرب فاغتر بكلامه فرجعا على الروحاء فدخلا الكوفة مع الغداة. هذا قول المرزباني و قال غيره إن المختار علم خروجه من الكوفة فقال وفينا له و غدر و في عنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق ما استطاع فنام عمر على الناقة فرجعت و هو لا يدري حتى ردته إلى الكوفة فأرسل عمر ابنه إلى المختار قال له أين أبوك قال في المنزل و لم يكونا يجتمعان عند المختار و إذا حضر أحدهما غاب الآخر خوفا أن يجتمعا فيقتلهما فقال حفص أبي يقول أ تفي لنا بالأمان قال اجلس و طلب المختار أبا عمرة و هو كيسان التمار فأسر إليه أن أقتل عمر بن سعد و إذا دخلت و رأيته يقول يا غلام علي بطيلساني فإنه يريد السيف فبادره و اقتله فلم يلبث أن جاء و معه رأسه فقال حفص إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقال له أ تعرف هذا الرأس قال نعم و لا خير في العيش بعده فقال إنك لا تعيش بعده فقال و أمر بقتله و قال المختار عمر بالحسين و حفص بعلي بن الحسين و لا سواء و الله لأقتلن سبعين ألفا كما قتل بيحيى بن زكريا ع و قيل إنه قال لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين ع. و كان محمد بن الحنفية يعتب على المختار لمجالسة عمر بن سعد و تأخير قتله فحمل الرأسين إلى مكة مع مسافر بن سعد الهمداني و ظبيان بن عمارة التميمي فبينا محمد بن الحنفية جالسا في نفر من الشيعة و هو يعتب على المختار فما تم كلامه إلا و الراسان عنده فخر ساجدا و بسط كفيه و قال اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار و أجزه عن أهل بيت نبيك محمد خير الجزاء فو الله ما على المختار بعد هذا من عتب. فلما قضى المختار من أعداء الله وطره و حاجته و بلغ فيهم أمنيته قال لم يبق علي أعظم من عبيد الله بن زياد فأحضر إبراهيم بن الأشتر و أمره بالمسير إلى عبيد الله فقال إني خارج و لكني أكره خروج عبيد الله بن الحر معي و أخاف أن يغدر بي وقت الحاجة فقال له أحسن إليه و املأ عينه بالمال و أخاف إن أمرته بالقعود عنك فلا يطيب له فخرج إبراهيم من الكوفة و معه عشرة آلاف فارس و خرج المختار في تشييعه و قال اللهم انصر من صبر و اخذل من كفر و من عصى و فجر و بايع و غدر و علا و تجبر فصار إلى سقر لا تبقى و لا تذر ليذوق العذاب الأكبر ثم رجع و مضى إبراهيم و هو يرتجز و يقول

أنا و حق المرسلات عرفا حقا و حق العاصفات عصفالنعسفن من بغانا عسفا حتى يسوم القوم منا خسفازحفا إليهم لا نمل الرجفا حتى نلاقي بعد صف صفاو بعد ألف قاسطين ألفا نكشفهم لدى الهياج كشفا

 فسار إلى المدائن فأقام بها ثلاثا و سار إلى تكريت فنزلها و أمر بجباية خراجها ففرقه و بعث إلى عبيد الله بن الحر بخمسة آلاف درهم فغضب فقال أنت أخذت لنفسك عشرة آلاف درهم و ما كان الحر دون مالك فحلف إبراهيم إني ما أخذت زيادة عليك ثم حمل إليه ما أخذه لنفسه فلم يرض و خرج على المختار و نقض عهده و أغار على سواد الكوفة فنهب القرى و قتل العمال و أخذ الأموال و مضى إلى البصرة إلى مصعب بن الزبير. فلما علم المختار أرسل عبد الله بن كامل إلى داره فهدمها و إلى زوجته سلمى بنت خالد الجعفية حبسها ثم ورد كتاب المختار إلى إبراهيم يحثه على تعجيل القتال فطوى المراحل حتى نزل على نهر الخازر على أربعة فراسخ من الموصل و عبيد الله بن زياد بها قال عبد الله بن أبي عقب الديلمي حدثني خليلي أنا نلقى أهل الشام على نهر يقال له الخازر فيكشفونا حتى نقول هي هي ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم فأبشروا و اصبروا فإنكم لهم قاهرون فعلم عبيد الله بقدوم إبراهيم فرحل في ثلاثة و ثمانين ألفا حتى نزل قريبا من عسكر العراق و طلبهم أشد طلب و جاءهم في جحفل لجب و كان مع ابن الأشتر أقل من عشرين ألفا و كان في عسكر الشام من أشراف بني سليم عمير بن الحباب فراسله إبراهيم و وعده بالحباء و الإكرام فجاء و معه ألف فارس من بني عمه و أقاربه فصار مع عسكر العراق فأشار عليهم بتعجيل القتال و ترك المطاولة فلما كان في السحر صلوا بغلس و عبأ إبراهيم أصحابه فجعل على ميمنته سفيان بن يزيد الأزدي و على ميسرته علي بن مالك الجشمي و على الخيل الطفيل بن لقيط النخعي و على الرجالة مزاحم بن مالك السكوني ثم زحفوا حتى أشرفوا على أهل الشام و لم يظنوا أنهم يقدمون عليهم لكثرتهم فبادروا إلى تعبئة عسكرهم فجعل عبيد الله على ميمنته شراحيل بن ذي الكلاع و على ميسرته ربيعة بن مخارق الغنوي و على جناح ميسرته جميل بن عبد الله بن الغنمي و في القلب الحصين بن نمير و وقف العسكران و التقى الجمعان فخرج ابن ضبعان الكلبي و نادى يا شيعة المختار الكذاب يا شيعة ابن الأشتر المرتاب 

أنا ابن ضبعان الكريم المفضل من عصبة يبرون من دين علي‏كذاك كانوا في الزمان الأول.

 فخرج إليه الأحوص بن شداد الهمداني و هو يقول

أنا ابن شداد على دين علي لست لعثمان بن أروى بولي‏لأصلين القوم فيمن يصطلي بحر نار الحرب حتى تنجلي

 فقال للشامي ما اسمك قال منازل الأبطال قال له الأحوص و أنا مقرب الآجال ثم حمل عليه و ضربه فسقط قتيلا ثم نادى هل من مبارز فخرج إليه داود الدمشقي و هو يقول

أنا ابن من قاتل في صفينا قتال قرن لم يكن غبينابل كان فيها بطلا جرونا مجربا لدى الوغى كمينا

 فأجابه الأحوص يقول

يا ابن الذي قاتل في صفينا و لم يكن في دينه غبيناكذبت قد كان بها مغبونا مذبذبا في أمره مفتونالا يعرف الحق و لا اليقينا بؤسا له لقد مضى ملعونا.

 ثم التقيا فضربه الأحوص فقتله ثم عاد إلى صفه و خرج الحصين بن نمير السكوني و هو يقول

يا قادة الكوفة أهل المنكر و شيعة المختار و ابن الأشترهل فيكم قوم كريم العنصر مهذب في قومه بمفخريبرز نحوي قاصدا لا يمتري

 فخرج إليه شريك بن خزيم التغلبي و هو يقول

يا قاتل الشيخ الكريم الأزهر بكربلاء يوم التقاء العسكرأعني حسينا ذا الثنا و المخفر و ابن النبي الطاهر المطهر

 و ابن علي البطل المظفر هذا فخذها من هزبر قسورضربة قوم ربعي مضري.

 فالتقيا بضربتين فجدله التغلبي صريعا فدخل على أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم. ثم تقدم إبراهيم و نادى ألا يا شرط الله ألا يا شيعة الحق ألا يا أنصار الدين قاتلوا المحلين و أولاد القاسطين لا تطلبوا أثرا بعد عين هذا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ثم حمل على أهل الشام و ضرب فيهم بسيفه و هو يقول

قد علمت مذحج علما لا خطل أني إذا القرن لقيني لا وكل‏و لا جزوع عندها و لا نكل أروع مقداما إذا النكس فشل‏أضرب في القوم إذا جاء الأجل و اعتلى رأس الطرماح البطل‏بالذكر البتار حتى ينجدل.

 و حمل أهل العراق معه و اختلطوا و تقدمت رايتهم و شبت فيهم نار الحرب و دهمهم العسكر بجناحيه و القلب إلى أن صلوا بالإيماء و التكبير صلاة الظهر و اشتغلوا بالقتال إلى أن تحلى صدر الدجى بالأنجم الأزهر و زحف عليهم عسكر العراق فرحا بالمصاع و حرصا على القراع و وثوقا بما وعدهم الله به من النصر و حسن الدفاع و انقضوا عليهم انقضاض العقبان على الرخم و جالوا فيهم جولان السرحان على الغنم و عركوهم عرك الأديم و دحوا بهم إلى عذاب الجحيم و أذاقوهم أسنة الرماح النازعة للمهج و الأرواح فلم تزل الحرب قائمة و السيوف لأجسادهم منتهبة فولى عسكر الشام مكسورا عليه ذلة الخائب الخجل و ارتياع الخائف الوجل و عسكر العراق منصورا و على وجههم مسحة المسرور الثمل و تبعوهم إلى متون النجاد و بطون الوهاد و النبل ينزل عليهم كصيب العهاد. ثم انجلت الحرب و قد قتل أعيان أهل الشام مثل الحصين بن نمير و شراحبيل بن ذي الكلاع و ابن حوشب و غالب الباهلي و أبي أشرس بن عبد الله الذي كان على خراسان و حاز إبراهيم ره فضيلة هذا الفتح و عاقبة هذا المنح الذي انتشر في الأقطار و دام دوام الأعصار و لقد أحسن عبد الله بن الزبير الأسدي يمدح إبراهيم الأشتر فقال

الله أعطاك المهابة و التقى و أحل بيتك في العديد الأكثرو أقر عينك يوم وقعة خازر و الخيل تعثر في القنا المتكسرمن ظالمين كفتهم أيامهم تركوا لحاجلة و طير أعثرما كان أجرأهم جزاهم ربهم يوم الحساب على ارتكاب المنكر

 قال الرواة رأينا إبراهيم بعد ما انكسر العسكر و انكسف العثير قوما منهم ثبتوا و صبروا و قاتلوا فلقطهم من صهوات الخيل و قذفهم في لهوات الليل حتى صبغت الأرض من دمائهم ثيابا حمرا و ملأ الفجاج ببأسه ذعرا و تساقطت النسور على النسور و أهوت العقبان على أجسادهم و هي كالعقيق المنثور و اصطلح على أكل لحمهم الذئب و السبع و السيد و الضبع. قال إبراهيم و أقبل رجل أحمر في كبكبة يغري الناس كأنه بغل أقمر لا يدنو منه فارس إلا صرعه و لا كمي إلا قطعه فدنا مني فضربت يده فأبنتها و سقط على شاطئ الخازر فشرقت يداه و غربت رجلاه فقتلته و وجدت رائحة المسك تفوح منه و جاء رجل نزع خفيه و ظنوا أنه ابن زياد من غير تحقيق فطلبوه فإذا هو على ما وصف إبراهيم فاجتزوا رأسه و احتفظوا طول الليل بجسده فلما أصبحوا عرفه مهران مولى زياد فلما رآه إبراهيم قال الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي و قتل في صفر و قال قوم من أصحاب الحدث يوم عاشوراء و عمره دون الأربعين و قيل تسع و ثلاثون سنة و أصبح الناس فحووا ما كان و غنموا غنيمة عظيمة و لقد أجاد أبو السفاح الزبيدي بمدحته إبراهيم و هجائه ابن زياد فقال

أتاكم غلام من عرانين مذحج جري‏ء على الأعداء غير نكول‏أتاه عبيد الله في شر عصبة من الشام لما أرضيوا بقليل‏فلما التقى الجمعان في حومة الوغى و للموت فيهم ثم جر ذيول‏فأصبحت قد ودعت هندا و أصبحت مولهة ما وجدها بقليل‏و أخلق بهند أن تساق سبية لها من أبي إسحاق سر حليل

 تولى عبيد الله خوفا من الردى و خشية ماضي الشفرتين صقيل‏جزى الله خيرا شرطة الله إنهم شفوا بعبيد الله كل غليل

 يعني بقوله هند بنت أسماء بن خارجة زوجة عبيد الله لما قتل حملها عتبة أخوها إلى الكوفة و بقوله أبي إسحاق هو المختار. و هرب غلام لعبيد الله إلى الشام فسأله عبد الملك بن مروان عنه قال لما جال الناس تقدم فقاتل ثم قال ايتني بجرة فيها ماء فأتيته فشرب و صب الماء بين درعه و جسده و صب على ناصية فرسه ثم حمل فهذا آخر عهدي به. قال يزيد بن مفرغ يهجو ابن زياد

إن المنايا إذا حاولن طاغية هتكن عنه ستورا بعد أبواب‏إن الذي عاش غدارا بذمته و مات هزلا قتيل الله بالراب‏ما شق جيب و لا ناحتك ناحية و لا بكتك جياد عند أسلاب‏هلا جموع نزار إذ لقيتهم كنت امرأ من نزار غير مرتاب‏أو حمير كنت قيلا من ذوي يمن أن المقاويل في ملك و أحباب

 و كان المختار قد سار من الكوفة يتطلع أحوال إبراهيم و استخلف في الكوفة السائب بن مالك فنزل ساباط ثم دخل المدائن و رقى المنبر فحمد الله و أثنى عليه و أمر الناس بالجد في النهوض إلى إبراهيم قال الشعبي كنت معه فأتته البشرى بقتل عبيد الله و أصحابه فكاد يطير فرحا و رجع إلى الكوفة في الحال مسرورا بالظفر. و ذكر أبو السائب عن أحمد بن بشير عن مجالد عن عامر أنه قال الشيعة يتهموني ببغض علي ع و لقد رأيت في النوم بعد مقتل الحسين ع كان رجالا نزلوا من السماء عليهم ثياب خضر معهم حراب يتبعون قتلة الحسين ع فلما لبثت أن خرج المختار فقتلهم. و ذكر عمر بن شبة قال حدثني أبو أحمد الزبيري عن عمه قال قال أبو عمر البزاز كنت مع إبراهيم بن الأشتر لما لقي عبيد الله بن زياد بالخازر فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم قيل كانوا سبعين ألفا قال و صلبه إبراهيم منكسا فكأني أنظر إلى خصييه كأنهما جعلان و عن الشعبي أنه لم يقتل قط من أهل الشام بعد صفين مثل هذه الوقعة بالخازر و قال الشعبي كانت يوم عاشوراء سنة سبع و ستين و بعث إبراهيم برأس عبيد الله بن زياد و رءوس الرؤساء من أهل الشام و في آذانهم رقاع أسمائهم فقدموا عليه و هو يتغدى فحمد الله تعالى على الظفر فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمي بها إلى غلامي و قال اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر. و عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني قال وضعت الرءوس عند السدة بالكوفة عليها ثوب أبيض فكشفنا عنها الثوب و حية تتغلغل في رأس عبيد الله و نصبت الرءوس في الرحبة قال عامر و رأيت الحية تدخل في منافذ رأسه و هو مصلوب مرارا. ثم حمل المختار رأسه و رءوس القواد إلى مكة مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي و عبد الرحمن بن شداد الجشمي و أنس بن مالك الأشعري و قيل السائب بن مالك و معها ثلاثون ألف دينار إلى محمد بن الحنفية و كتب معهم أني بعثت أنصاركم و شيعتكم إلى عدوكم فخرجوا محتسبين أسفين فقتلوهم فالحمد لله الذي أدرك لكم الثأر و أهلكهم في كل فج عميق و غرقهم في كل بحر و شفى الله صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فقدموا بالكتاب و الرءوس عليه فلما رآها خر ساجدا و دعا للمختار و قال جزاه الله خيرا الجزاء فقد أدرك لنا ثأرنا و وجب حقه على كل من ولده عبد المطلب بن هاشم اللهم و احفظ لإبراهيم الأشتر و انصره على الأعداء و وفقه لما تحب و ترضى و اغفر له في الآخرة و الأولى. فبعث رأس عبيد الله إلى علي بن الحسين ع فأدخل عليه و هو يتغدى فسجد شكرا لله تعالى و قال الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوي و جزى الله المختار خيرا أدخلت على عبيد الله بن زياد و هو يتغدى و رأس أبي بين يديه فقلت اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد و قسم محمد المال في أهله و شيعته بمكة و مدينة على أولاد المهاجرين و الأنصار.

 و روى المرزباني بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق ع أنه قال ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد الله بن زياد

و عن عبد الله بن محمد بن أبي سعيد عن أبي العيناء عن يحيى بن راشد قال قالت فاطمة بنت علي ما تحنأت امرأة منا و لا أجالت في عينها مرودا و لا امتشطت حتى بعث المختار رأس عبيد الله بن زياد. و روي أنه قتل ثمانية عشر ألفا ممن شرك في قتل الحسين ع أيام ولايته و كانت ثمانية عشر شهرا أولها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست و ستين و آخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع و ستين و عمره سبع و ستون سنة. قال جعفر بن نما مصنف هذا الثأر اعلم أن كثيرا من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الألفاظ و لا روية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ و لو تدبروا أقوال الأئمة في مدح المختار لعلموا أنه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم الله تعالى جل جلاله في كتابه المبين و دعاء زين العابدين ع للمختار دليل واضح و برهان لائح على أنه عنده من المصطفين الأخيار و لو كان على غير طريقه المشكورة و يعلم أنه مخالف له في اعتقاده لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب و يقول فيه قولا لا يستطاب و كان دعاؤه ع له عبثا و الإمام منزه عن ذلك و قد أسلفنا من أقوال الأئمة في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له و نهيهم عن ذمه ما فيه غنية لذوي الأبصار و بغية لذوي الاعتبار و إنما أعداؤه عملوا له مثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة كما عمل أعداء أمير المؤمنين ع له مساوي و هلك بها كثير ممن حاد عن محبته و حال عن طاعته فالولي له ع لم تغيره الأوهام و لا باحته تلك الأحلام بل كشفت له عن فضله المكنون و علمه المصون فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمة الأطهار و قد وفيت بما وعدت من الاختصار و أتيت بالمعاني التي تضمنت حديث الثأر من غير حشو و لا إطالة و لا سأم و لا ملالة و أقسمت على قارئيه و مستمعيه و على كل ناظر فيه أن لا يخليني من إهداء الدعوات إلي و الإكثار من الترحم علي و أسأل الله أن يجعلني و إياهم ممن خلصت سريرته من وساوس الأوهام و صفت طويته من كدر الآثام و أن يباعدنا من الحسد المحبط للأعمال المؤدي إلى أقبح المآل و أن يحسن لي الخلافة على الأهل و الآل و يذهب الغل من القلوب و يوفق لمراضي علام الغيوب فإنه أسمع سميع و أكرم مجيب وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلاته على سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين. بيان الشعاف رءوس الجبال و تنوق في الأمر بالغ و تجود قوله قبل أن يتزعزع كذا فيما عندنا من الكتاب بالزاءين المعجمتين يقال تزعزع أي تحرك و الزعازع الشدائد من الدهر و لعل الأظهر أنه بالمهملتين من قولهم ترعرع الصبي إذا تحرك و نشأ و يقال تشعشع الشهر إذا بقي منه قليل و هو أيضا يحتمل أن يكون بالمهملتين يقال تسعسع الشهر أي ذهب أكثره و تسعسع حاله انحطت و تقول حنكت الفرس إذا جعلت في فيه الرسن و حنكت الصبي و حنكته إذا مضغت تمرا أو غيره ثم دلكته بحنكه و يقال حنكته السن و أحنكته إذا أحكمته التجارب و الأمور ذكره الجوهري و قال رجل مقول أي لسن كثير القول و المقول اللسان انتهى. و الغرار بالكسر حد السيف و غيره و تقول استأديت الأمير على فلان

  فأداني عليه بمعنى استعديته فأعداني عليه و آديته أعنته و يقال عركه أي دلكه و حكه حتى عفاه و أرعد تهدد و توعد كأبرق و شمس الفرس منع ظهره و المغرم بضم الميم و فتح الراء المولع بالشي‏ء و الهوادي أول رعيل من الخيل و يقال جششت الشي‏ء أي دققته و كسرته و فرس أجش الصوت غليظة و الهزيم بمعنى الهازم و هزيم الرعد صوته و القرا الظهر و فرس نهد أي جسيم مشرف و فرس أشق طويل و فرس مقلص بكسر اللام أي مشرف مشمر طويل القوائم و قوله قارئ اللجام لعل معناه جاذبه و مانعه عن الجري إلى العدو و الرؤم المحب و المعنى محب الحرب الحريص عليه قوله بكل فتى أي أتيتك مع كل فتى و قوله لا يملأ الدرع نحره لعله كناية عن عدم احتياجه إلى لبس الدرع لشجاعته و يقال حششت النار أي أوقدتها و المحش بكسر الميم ما تحرك به النار من حديد و منه قيل للرجل الشجاع نعم محش الكتيبة و المخراق الرجل الحسن الجسم و المتصرف في الأمور و المنديل يلف ليضرب به و هو مخراق حرب أي صاحب حروب. قوله يفخذ الناس أي يدعوهم إلى نفسه فخذا فخذا و قبيلة قبيلة مخذلا عن سليمان و اللدن اللين من كل شي‏ء و خطر الرجل بسيفه و رمحه رفعه مرة و وضعه أخرى و الرمح اهتز فهو خطار و هند السيف شحذه و البتر القطع و الميل جمع أميل و هو الكسل الذي لا يحسن الركوب و الفروسية و الأغمار جمع غمر بالضم و هو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور و العزل بالضم جمع الأعزل و هو الذي لا سلاح معه و يقال رأب الصدع إذا شعبه و رأب الشي‏ء إذا جمعه و شده برفق و سجم الدمع سجوما سال و عين سجوم و القرم السيد و لمع بالشي‏ء ذهب و الرسل محركة القطيع من كل شي‏ء و الجمع أرسال و الأقيال جمع قيل و هو أحد ملوك حمير دون الملك الأعظم و الخفرة بكسر الفاء الكثيرة الحياء و أغذ في السير أسرع و التهويم و التهوم هز الرأس من النعاس و قصعت الرجل قصعا صغرته و حقرته و قصعت هامته إذا ضربتها ببسط كفك و الهتر بالكسر العجب و الداهية و ضرب هبر أي قاطع و يقال حيا الله طللك أي شخصك و الوغد الدني الذي يخدم بطعام بطنه. و قال الجزري فيه كان شعارنا يا منصور أمت أمر بالموت و المراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل انتهى و اللجين مصغرا الفضة و العسجد الذهب و أجفل القوم هربوا مسرعين و أطل عليه أشرف و إضم كعنب جبل و الوادي الذي فيه مدينة الرسول ص عند المدينة يسمى القناة و من أعلى منها عند السد الشظاة ثم ما كان أسفل من ذلك يسمى إضما و المأزق المضيق و منه سمي موضع الحرب مأزقا و البري بالضم جمع برة و هي حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير و المراس بالكسر الشدة و الممارسة و المعالجة و القوصرة بالتشديد و قد يخفف وعاء للتمر و تمطرت الطير أسرعت في هويها و الخيل جاءت يسبق بعضها بعضا. و الجحفل الجيش و يقال جيش لجب أي ذو جلبة و كثرة و المطاولة المماطلة و الغبين الضعيف الرأي و جرن جرونا تعود الأمر و مرن و الكمين كأمير القوم يكمنونه في الحرب و الهزبر الأسد و كذا القسور و الخطل الفاسد المضطرب و الوكل بالتحريك العاجز و النكل الجبان و الأروع من الرجال الذي يعجبك حسنه و النكس بالكسر الرجل الضعيف و الطرماح كسنمار العالي النسب المشهور و الذكر أيبس الحديد و أجوده و المصاع المجالدة و المضاربة و الثمل السكران و الصيب السحاب و الانصباب و العهاد بالكسر جمع العهد و هو المطر بعد المطر و الخازر نهر بين الموصل و إربل و الحاجلة الإبل التي ضربت سوقها فمشت على بعض قوائمها و حجل الطائر إذا نزا في مشيته كذلك و الأعثر الأغبر و طائر طويل العنق و العثير بكسر العين و سكون الثاء الغبار و الصهوة موضع اللبد من ظهر الفرس. قوله على النسور أي الذين كانوا في الحرب كالنسور و يحتمل أن يكون بالثاء المثلثة من النثر بمعنى التفرق و السيد بالكسر الأسد و الذئب و يقال

  قرى البعير العلف في شدقه أي جمعه و قرى البلاد تتبعها يخرج من أرض إلى أرض و القمرة لون إلى الخضرة و الكمي كغني الشجاع أو لابس السلاح و يقال باحته الود أي خالصة