باب 15- جوامع مكارم أخلاقه و آدابه و سننه و عدله و حسن سياسته صلوات الله عليه

1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي نجران عن ابن حميد عن ابن قيس عن أبي جعفر ع أنه قال و الله أن كان علي ليأكل أكل العبد و يجلس جلسة العبد و أن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه و إذا جاز كعبه حذفه و لقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة و لا لبنة على لبنة و لا أقطع قطيعا و لا أورث بيضاء و لا حمراء و أن كان ليطعم الناس خبز البر و اللحم و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل و ما ورد عليه أمران كلاهما لله رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه و لقد أعتق ألف مملوك من كد يده تربت فيه يداه و عرق فيه وجهه و ما أطاق عمله أحد من الناس و أن كان ليصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة و أن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين ع و ما أطاق عمله أحد من الناس بعده

 بيان قال الفيروزآبادي قميص سنبلاني سابغ الطول أو منسوب إلى بلد بالروم

2-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن سعد عن ابن هاشم عن ابن مرار عن يونس عن عبد الله بن سنان عن الثمالي عن ابن نباتة أنه قال كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع إذا أتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين ثم جمع المستحقين ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة و يسرة و هو يقول يا صفراء يا بيضاء لا تغريني غري غيري

هذا جناي و خياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه

ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين و يؤتي كل ذي حق حقه ثم يأمر أن يكنس و يرش ثم يصلي فيه ركعتين ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم يا دنيا لا تتعرضين لي و لا تتشوقين إلي و لا تغريني فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك

3-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الطالقاني عن محمد بن جرير الطبري عن الحسن بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي عن محمد بن أبي يعفور عن موسى بن أبي أيوب التميمي عن موسى بن المغيرة عن الضحاك بن مزاحم قال ذكر علي ع عند ابن عباس بعد وفاته فقال وا أسفاه على أبي الحسن مضى و الله ما غير و لا بدل و لا قصر و لا جمع و لا منع و لا آثر إلا الله و الله لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله ليث في الوغى بحر في المجالس حكيم في الحكماء هيهات قد مضى إلى الدرجات العلى

4-  ب، ]قرب الإسناد[ أبو البختري عن جعفر عن أبيه ع قال كسا علي ع الناس بالكوفة و كان في الكسوة برنس خز فسأله إياه الحسن فأبى أن يعطيه إياه و أسهم عليه بين المسلمين فصار لفتى من همدان فانقلب به الهمداني فقيل له إن حسنا كان سأله أباه فمنعه إياه فأرسل به الهمداني إلى الحسن ع فقبله

5-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن سعد عن ابن هاشم عن ابن أبي نجران عن ابن أبي حميد عن ابن قيس عن أبي جعفر ع قال كان أمير المؤمنين علي ع كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا و معه الدرة على عاتقه و كان لها طرفان و كانت تسمى السيبة فيقف على سوق سوق فينادي يا معشر التجار قدموا الاستخارة و تبركوا بالسهولة و اقتربوا من المبتاعين و تزينوا بالحلم و تناهوا عن الكذب و اليمين و تجافوا عن الظلم و أنصفوا المظلومين و لا تقربوا الربا و أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول هذا ثم يقول

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام و يبقى الإثم و العارتبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار

 جا، ]المجالس للمفيد[ أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن ابن محبوب عن ابن أبي المقدام عن أبي جعفر ع مثله إلى قوله مُفْسِدِينَ قال فيطوف في جميع الأسواق أسواق الكوفة ثم يرجع فيقعد للناس قال فكانوا إذا نظروا إليه قد أقبل إليهم قال يا معشر الناس أمسكوا أيديهم و أصغوا إليه بآذانهم و رمقوه بأعينهم حتى يفرغ من كلامه فإذا فرغ قالوا السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين

 كا، ]الكافي[ العدة عن سهل و أحمد بن محمد و علي عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن ابن أبي المقدام عن جابر عنه ع مثله

6-  ل، ]الخصال[ ماجيلويه عن محمد العطار عن سهل عن ابن يزيد عن محمد بن إبراهيم النوفلي رفعه إلى جعفر بن محمد ع أنه ذكر عن آبائه ع أن أمير المؤمنين ع كتب إلى عماله أدقوا أقلامكم و قاربوا بين سطوركم و احذفوا عني فضولكم و اقصدوا قصد المعاني و إياكم و الإكثار فإن أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار

7-  ل، ]الخصال[ محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي عن أحمد بن الفضل الأهوازي عن بكر بن أحمد القصري عن زيد بن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي ع قال خرج أبو بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن بن عوف و غير واحد من الصحابة يطلبون النبي ص في بيت أم سملة فوجدوني على الباب جالسا فسألوني عنه فقلت يخرج الساعة فلم يلبث أن خرج و ضرب بيده على ظهري فقال كس يا ابن أبي طالب فإنك تخاصم الناس بعدي بست خصال فتخصمهم ليست في قريش منها شي‏ء إنك أولهم إيمانا بالله و أقومهم بأمر الله عز و جل و أوفاهم بعهد الله و أرأفهم بالرعية و أعلمهم بالقضية و أقسمهم بالسوية و أقضاهم عند الله عز و جل

 ل، ]الخصال[ بهذا الإسناد عن بكر بن أحمد قال حدثنا أبو أحمد جعفر بن محمد بن عبد الله بن موسى عن أبيه عن جده موسى عن أبيه عن آبائه ع مثله

8-  ل، ]الخصال[ القطان عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن عبد الرحمن بن الأسود عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن عمار بن ياسر و عن جابر بن عبد الله قالا قال رسول الله ص لعلي ع أحاجك يوم القيامة فأحاجك بالنبوة و تحاج قومك فتحاجهم بسبع خصال إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و العدل في الرعية و القسم بالسوية و الأخذ بأمر الله عز و جل أ ما علمت يا علي أن إبراهيم ع موافينا يوم القيامة فيدعى فيقام عن يمين العرش فيكسى من كسوة الجنة و يحلى من حليها و يسيل له ميزاب من ذهب من الجنة فيهب من الجنة ما هو أحلى من الشهد و أبيض من اللبن و أبرد من الثلج و أدعى أنا فأقام عن شمال العرش فيفعل بي مثل ذلك ثم تدعى أنت يا علي فيفعل بك مثل ذلك أ ما ترضى يا علي أن تدعى إذا دعيت أنا و تكسى إذا كسيت أنا و تحلى إذا حليت أنا إن الله عز و جل أمرني أن أدنيك فلا أقصيك و أعلمك و لا أجفوك و حقا عليك أن تعي و حقا علي أن أطيع ربي تبارك و تعالى

9-  ل، ]الخصال[ ابن موسى عن العلوي عن الفزاري عن محمد بن حميد عن عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن موسى بن طريف عن عباية بن ربعي قال قال علي بن أبي طالب ع أحاج الناس يوم القيامة بسبع إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و القسم بالسوية و العدل في الرعية و إقام الحدود

  -10  ل، ]الخصال[ الحسن بن محمد السكوني عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن خلف بن خالد عن بشر بن إبراهيم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال قال النبي ص لعلي ع أخاصمك بالنبوة و لا نبي بعدي و تخاصم الناس بسبع و لا يحاجك فيهن أحد من قريش لأنك أنت أولهم إيمانا و أوفاهم بعهد الله و أقومهم بأمر الله و أقسمهم بالسوية و أعدلهم في الرعية و أبصرهم في القضية و أعظمهم عند الله مزية

11-  ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ أبي عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن محمد بن معروف عن أخيه عمر عن جعفر بن عقبة عن أبي الحسن ع قال إن عليا ع لم يبت بمكة بعد إذ هاجر منها حتى قبضه الله عز و جل إليه قال قلت له و لم ذاك قال كان يكره أن يبيت بأرض قد هاجر منها رسول الله و كان يصلي العصر و يخرج منها و يبيت بغيرها

12-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ حمويه عن أبي الحسين عن أبي خليفة عن مسلم عن هلال بن مسلم الجحدري قال سمعت جدي حرة أو حوة قال شهدت علي بن أبي طالب ع أتي بمال عند المساء فقال اقسموا هذا المال فقالوا قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخره إلى غد فقال لهم تقبلون أن أعيش إلى غد فقالوا ما ذا بأيدينا قال فلا تؤخروه حتى تقسموه فأتي بشمع فقسموا ذلك المال من تحت ليلتهم

13-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن مخلد عن ابن سماك عن أبي غلابة الرقاشي عن عازم بن الفضل عن أبي يحيى صاحب السفط قال و قد ذكرته لحماد بن زيد فعرفه عن معمر بن زياد أن أبا مطر حدثه قال كنت بالكوفة فمر علي رجل فقالوا هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال فتبعته فوقف على خياط فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه فقال الحمد لله الذي ستر عورتي و كساني الرياش ثم قال هكذا كان رسول الله ص يقول إذا لبس قميصا

14-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي ع قال أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أصحاب القمص فساوم شيخا منهم فقال يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم فقال الشيخ حبا و كرامة فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين و أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم قال الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس و أؤدي فيه فريضتي و أستر به عورتي فقال له رجل يا أمير المؤمنين أ عنك نروي هذا أو شي‏ء سمعته من رسول الله ص قال بل شي‏ء سمعته من رسول الله سمعت رسول الله ص يقول ذلك عند الكسوة

15-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن علي بن بلال عن علي بن عبد الله الأصبهاني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن محمد بن عبد الله بن عثمان عن علي بن أبي سيف عن علي بن حباب عن ربيعة و عمارة أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع مشوا إليه عند تفرق الناس عنه و فرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا فقالوا يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم و من نخاف عيه من الناس فراره إلى معاوية فقال لهم أمير المؤمنين أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور لا و الله ما أفعل ما طلعت شمس و لاح في السماء نجم و الله لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم و كيف و إنما هو أموالهم قال ثم أتم أمير المؤمنين ع طويلا ساكتا ثم قال من كان له مال و مأواه فساد فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير و إسراف و هو إن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا فهو تضييعه عند الله عز و جل و لم يضع رجل ماله في غير حقه و عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم و كان لغيره ودهم فإن بقي معه من يوده و يظهر له الشكر فإنما هو ملق يكذب يريد التقرب به إليه لينال منه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل فإن زلت بصاحبه النعل فاحتاج إلى معونته أو مكافاته فشر خليل و ألأم خدين و من صنع المعروف فيما آتاه فليصل له القرابة و ليحسن فيه الضيافة و ليفك به العاني و ليعن به الغارم و ابن السبيل و الفقراء و المجاهدين في سبيل الله و ليصبر نفسه على النوائب و الحقوق فإن الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا و درك فضائل الآخرة

16-  ثو، ]ثواب الأعمال[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم رفعه قال قال علي صلوات الله عليه لو لا أن المكر و الخديعة في النار لكنت أمكر العرب

17-  ثو، ]ثواب الأعمال[ العطار عن سعد عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن حبيب بن سنان عن زاذان قال سمعت عليا ع يقول لو لا أني سمعت رسول الله ص يقول إن المكر و الخديعة و الخيانة في النار لكنت أمكر العرب

18-  جا، ]المجالس للمفيد[ أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن ابن أبي عمير عن هشام رفعه إلى أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول للناس بالكوفة يا أهل الكوفة أ تروني لا أعلم ما يصلحكم بلى و لكني أكره أن أصلحكم بفساد نفسي

19-  شا، ]الإرشاد[ أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى عن جده عن أبي محمد الأنصاري عن محمد بن ميمون البزاز عن الحسين بن علوان عن أبي علي زياد بن رستم عن سعيد بن كلثوم قال كنت عند الصادق جعفر بن محمد ع فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فأطراه و مدحه بما هو أهله ثم قال و الله ما أكل علي بن أبي طالب ع من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله و ما عرض له أمران قط هما لله رضا إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه و ما نزلت برسول الله ص نازلة قط إلا دعاه ثقة به و ما أطاق عمل رسول الله ص من هذه الأمة غيره و أن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة و النار يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه و لقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله و النجاة من النار مما كد بيديه و رشح منه جبينه و أن كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة و ما كان لباسه إلا الكرابيس إذا فضل شي‏ء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه

20-  سر، ]السرائر[ أبان بن تغلب عن إسماعيل بن مهران عن عبيد الله بن أبي الحارث الهمداني قال جاء جماعة من قريش إلى أمير المؤمنين ع فقالوا له يا أمير المؤمنين لو فضلت الأشراف كان أجدر أن يناصحوك قال فغضب أمير المؤمنين ع فقال أيها الناس أ تأمروني أن أطلب العدل بالجور فيمن وليت عليه و الله لا يكون ما سمر السمير و ما رأيت في السماء نجما و الله لو كان ما لي دونهم لسويت بينهم كيف و إنما هو مالهم ثم قال أيها الناس ليس لواضع المعروف في غير أهله إلا محمدة اللئام و ثناء الجهال فإن زلت بصاحبه النعل فشر خدين و شر خليل

21-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ حمزة بن عطاء عن أبي جعفر ع في قوله هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ قال هو علي بن أبي طالب ع يأمر بالعدل وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و روى نحوا منه أبو المضا عن الرضا ع

 فضائل أحمد قال علي ع أحاج الناس يوم القيامة بتسع بإقام الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و العدل في الرعية و القسم بالسوية و الجهاد في سبيل الله و إقامة الحدود و أشباهه الفائق إنه بعث العباس بن عبد المطلب و ربيعة بن الحارث ابنيهما الفضل بن العباس و عبد المطلب بن ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات فقال علي و الله لا نستعمل منكم أحدا على الصدقة فقال ربيعة هذا أمرك نلت صهر رسول الله ص فلم نحسدك عليه فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه فقال أنا أبو الحسن القرم و الله لا أريم حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به قال ص إن هذه الصدقة أوساخ الناس و إنها لا تحل لمحمد و لا لآل محمد

 قال الزمخشري الحور الخيبة. بيان قال في النهاية في حديث علي ع أنا أبو حسن القرم أي المقدم في الرأي و القرم فحل الإبل أي أنا فيهم بمنزلة الفحل في الإبل قال الخطابي و أكثر الروايات القوم بالواو و لا معنى له و إنما هو بالراء أي المقدم في المعرفة و تجارب الأمور قوله ع لا أريم أي لا أبرح و لا أزول عن مكاني و قال أيضا في النهاية في حديث علي ع حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به أي بجواب ذلك يقال كلمته فما رد إلي حورا أي جوابا و قيل أراد به الخيبة

22-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ نزل بالحسن بن علي ع ضيف فاستقرض من قنبر رطلا من العسل الذي جاء به من اليمن فلما قعد علي ع ليقسمها قال يا قنبر قد حدث في هذا الزق حدث قال صدق فوك و أخبره الخبر فهم بضرب الحسن ع فقال ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة قال إن لنا فيه حقا فإذا أعطيتناه رددناه قال فداك أبوك و إن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم لو لا أني رأيت رسول الله ص يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا ثم دفع إلى قنبر درهما و قال اشتر به أجود عسل يقدر عليه قال الراوي فكأني أنظر إلى يدي علي ع على فم الزق و قنبر يقلب العسل فيه ثم شده و يقول اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعرف

 بيان هذا الخبر إنما رواه من طرق المخالفين و نحن لا نصححه و على تقدير صحته يحتمل أن يكون أخذه ع قبل القسمة مع كون حقه فيها مكروها

23-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ فضائل أحمد أم كلثوم يا با صالح لو رأيت أمير المؤمنين ع و أتي بأترج فذهب الحسن أو الحسين يتناول أترجة فنزعها من يده ثم أمر به فقسم بين الناس إن رجلا من خثعم رأى الحسن و الحسين ع يأكلان خبزا و بقلا و خلا فقلت لهما أ تأكلان من هذا و في الرحبة ما فيها فقالا ما أغفلك عن أمير المؤمنين ع

 عن زاذان أن قنبر قدم إلى أمير المؤمنين ع جامات من ذهب و فضة في الرحبة و قال إنك لا تترك شيئا إلا قسمته فخبأت لك هذا فسل سيفه و قال ويحك لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا ثم استعرضها بسيفه فضربها حتى انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة و ثلاثين و قال علي بالعرفاء فجاءوا فقال هذا بالحصص و هو يقول

هذا جناي و خياره فيه و كل جان يده إلى فيه

 جمل أنساب الأشراف أنه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة فأنكر دفاها فقال ما هذه قالت الخادمة هذه من قطف الصدقة قال أصردتمونا بقية ليلتنا و قدم عليه عقيل فقال للحسن اكس عمك فكساه قميصا من قمصه و رداء من أرديته فلما حضر العشاء فإذا هو خبز و ملح فقال عقيل ليس إلا ما أرى فقال أ و ليس هذا من نعمة الله و له الحمد كثيرا فقال أعطني ما أقضي به ديني و عجل سراحي حتى أرحل عنك قال فكم دينك يا أبا يزيد قال مائة ألف درهم قال لا و الله ما هي عندي و لا أملكها و لكن اصبر حتى يخرج عطائي فأواسيكه و لو لا أنه لا بد للعيال من شي‏ء لأعطيتك كله فقال عقيل بيت المال في يدك و أنت تسوفني إلى عطائك و كم عطاؤك و ما عساه يكون و لو أعطيتنيه كله فقال ما أنا و أنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين و كانا يتكلمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال له علي إن أبيت يا با يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله و خذ ما فيه فقال و ما في هذه الصناديق قال فيها أموال التجار قال أ تأمروني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا على الله و جعلوا فيها أموالهم فقال أمير المؤمنين ع أ تأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم و قد توكلوا على الله و أقفلوا عليها و إن شئت أخذت سيفك و أخذت سيفي و خرجنا جميعا إلى الحيرة فإن بها تجارا مياسير فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله فقال أ و سارقا جئت قال تسرق من واحد خير من أن تسرق عن المسلمين جميعا قال له أ فتأذن لي أن أخرج إلى معاوية فقال له قد أذنت لك قال فأعني على سفري هذا فقال يا حسن أعط عمك أربعمائة درهم فخرج عقيل و هو يقول

سيغنيني الذي أغناك عني و يقضي ديننا رب قريب

 و ذكر عمرو بن علاء أن عقيلا لما سأل عطاءه من بيت المال قال له أمير المؤمنين ع تقيم إلى يوم الجمعة فأقام فلما صلى أمير المؤمنين الجمعة قال لعقيل ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين قال بئس الرجل ذاك قال فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء و أعطيك و من خطبة له ع و لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعا و عاودني في عشر وسق من شعيركم يقضمه جياعه و كاد يطوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه و لقد رأيت أطفاله شعث الألوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم فلما عاودني في قوله و كرره أصغيت إليه سمعي فغره و ظنني أوتغ ديني و أتبع ما أسره أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسها و لا يصبر ثم أدنيتها من جسمه فضج من ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه و كاد يسبني سفها من كظمه و لحرقة في لظى أدني له من عدمه فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أ تئن من أذى و لا أئن من لظى

 و عن أم عثمان أم ولد علي قالت جئت عليا و بين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة فقلت يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة فقال هاك ذا و نفذ بيده إلي درهما فإنما هذا للمسلمين أولا فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك قلادة و سأله عبد الله بن زمعة مالا فقال إن هذا المال ليس لي و لا لك و إنما هو في‏ء للمسلمين و جلب أسيافهم فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم و إلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم و جاء إليه عاصم بن ميثم و هو يقسم مالا فقال يا أمير المؤمنين إني شيخ كبير مثقل قال و الله ما هو بكد يدي و لا بتراثي عن والدي و لكنها أمانة أوعيتها ثم قال رحم الله من أعان شيخا كبيرا مثقلا

 تاريخ الطبري و فضائل أمير المؤمنين ع عن ابن مردويه أنه لما أقبل من اليمن يعجل إلى النبي ص و استخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي ع فلما دنا جيشه خرج علي ع ليتلقاهم فإذا هم عليهم الحلل فقال ويلك ما هذا قال كسوتهم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس قال ويلك من قبل أن تنتهي إلى رسول الله ص قال فانتزع الحلل من الناس و ردها في البز و أظهر الجيش شكاية لما صنع بهم

 ثم روي عن الخدري أنه قال شكا الناس عليا فقام رسول الله خطيبا فقال يا أيها الناس لا تشكوا عليا فو الله إنه لخشن في ذات الله

 و سمعت مذاكرة أنه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة و هو في بيت المال فطفئ السراج و جلس في ضوء القمر و لم يستحل أن يجلس في الضوء بغير استحقاق و من كلام له فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان و الله لو وجدته قد تزوج به النساء و ملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق و من كلام له لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا يقوم لها القلوب و لا يثبت عليه العقول و إن الآفات قد أغامت و المحجة قد تنكرت و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم أصغ إلى قول القائل و عتب العاتب

 و في رواية عن أبي الهيثم بن التيهان و عبد الله بن أبي رافع أن طلحة و الزبير جاءا إلى أمير المؤمنين ع و قالا ليس كذلك كان يعطينا عمر قال فما كان يعطيكما رسول الله ص فسكتا قال أ ليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين قالا نعم قال فسنة رسول الله ص أولى بالاتباع عندكم أم سنة عمر قالا سنة رسول الله ص يا أمير المؤمنين لنا سابقة و عناء و قرابة قال سابقتكما أسبق أم سابقتي قالا سابقتك قال فقرابتكما أم قرابتي قالا قرابتك قال فعناؤكما أعظم من عنائي قالا عناؤك قال فو الله ما أنا و أجيري هذا إلا بمنزلة واحدة و أومأ بيده إلى الأجير

 كتاب ابن الحاشر بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان في خبر طويل أنه قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده فقال يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف و سأله بعض مواليه مالا فقال يخرج عطائي فأقاسمكه فقال لا أكتفي و خرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين يخبره بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك و هو سائر إلى أهل من بعدك فإنما لك ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على أحوج ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت و إما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له و ليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك و لا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله و ثق لمن بقي برزق الله

 بيان قال الفيروزآبادي أحين القوم حان لهم ما حاولوه و قال الكثب الجمع و الصب و قال أغامت السماء ظهر فيها الغيم و قال برد حقي وجب و لزم

24-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ حكيم بن أوس كان علي ع يبعث إلينا بزقاق العسل فيقسم فينا ثم يأمر أن يلعقوه و أتي إليه بأحمال فاكهة فأمر ببيعها و أن يطرح ثمنها في بيت المال

 سعيد بن المسيب رأيت عليا بنى للضوال مربدا فكان يعلفها علفا لا يسمنها و لا يهزلها من بيت المال فمن أقام عليها بينة أخذه و إلا أقرها على حالها

 بيان المربد كمنبر الموضع الذي يحبس فيه الإبل و الغنم

25-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عاصم بن ميثم أنه أهدي إلى علي ع سلال خبيص له خاصة فدعا بسفرة فنثره عليه ثم جلسوا حلقتين يأكلون

 أبو حرير إن المجوس أهدوا إليه يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر فقسم السكر بين أصحابه و حسبها من جزيتهم و بعث إليه دهقان بثوب منسوج بالذهب فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء

 الحلية و فضائل أحمد عاصم بن كليب عن أبيه أنه قال أتي علي بمال من أصفهان و كان أهل الكوفة أسباعا فقسمه سبعة أسباع فوجد فيه رغيفا فكسره بسبعة كسر ثم جعل على كل جزء كسرة ثم دعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم

 فضائل أحمد أنه رأى حبلا في بيت المال فقال أعطوه الناس فأخذه بعضهم

 مجالس ابن مهدي أنه تخاير غلامان في خطيهما إلى الحسن فقال انظر ما ذا تقول فإنه حكم و كان ع قوالا للحق قواما بالقسط إذا رضي لم يقل غير الصدق و إن سخط لم يتجاوز جانب الحق

26-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن نباتة قال بينما علي ع يخطب يوم جمعة على المنبر فجاء الأشعث بن قيس يتخطى رقاب الناس فقال يا أمير المؤمنين حالت الخملاء بيني و بين وجهك قال فقال علي ع ما لي و ما للضياطرة أطرد قوما غدوا أول النهار يطلبون رزق الله و آخر النهار ذكروا الله أ فأطردهم فأكون كالظالمين

 بيان قال الجزري في حديث علي ع من يعذرني من هؤلاء الضياطرة هم الضخام الذين لا غناء عندهم الواحد ضيطار و الياء زائدة

  -27  كشف، ]كشف الغمة[ عن الحافظ عبد العزيز عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال الحسين ع جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي ع يسعى بقوم فأمرني أن دعوت له قنبرا فقال له علي ع اخرج إلى هذا الساعي فقل له قد أسمعتنا ما كره الله تعالى فانصرف في غير حفظ الله تعالى

 و من كتاب ابن طلحة روي أن سودة بنت عمارة الهمدانية دخلت على معاوية بعد موت علي فجعل يؤنبها على تحريضها عليه أيام صفين و آل أمره إلى أن قال ما حاجتك قالت إن الله مسائلك عن أمرنا و ما افترض عليك من حقنا و لا يزال يتقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك و يبطش بقوة سلطانك فيحصدنا حصيد السنبل و يدوسنا دوس الحرمل يسومنا الخسف و يذيقنا الحتف هذا بسر بن أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا و أخذ أموالنا و لو لا الطاعة لكان فينا عز و منعة فإن عزلته عنا شكرناك و إلا كفرناك فقال معاوية إياي تهددين بقومك يا سودة لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس فأردك إليه فينفذ فيك حكمه فأطرقت سودة ساعة ثم قالت

صلى الإله على روح تضمنها قبر فأصبح فيه العدل مدفوناقد حالف الحق لا يبغي به بدلا فصار بالحق و الإيمان مقرونا

فقال معاوية من هذا يا سودة قالت هو و الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و الله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائما يصلي فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة و رفق و رأفة و تعطف و قال أ لك حاجة قلت نعم فأخبرته الخبر فبكى ثم قال اللهم أنت الشاهد علي و عليهم و أني لم آمرهم بظلم خلقك ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك و السلام ثم دفع الرقعة إلي فو الله ما ختمها بطين و لا خزنها فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا فقال معاوية اكتبوا لها كما تريد و اصرفوها إلى بلدها غير شاكية

 بيان قوله أشوس الشوس النظر بمؤخر العين تكبرا و غيظا و هو لا يناسب المقام و لعله تصحيف أشرس يقال رجل أشرس أي عسر شديد الخلاف و الشرس بالكسر ما صغر من الشوك قولها قد حالف الحق أي صار حليفه و حلف أن لا يفارقه

28-  إرشاد القلوب، دخل ضرار بن ضمرة الليثي على معاوية فقال له صف لي عليا فقال أ و تعفيني من ذلك فقال لا أعفيك فقال كان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا و زهرتها و يستأنس بالليل و وحشته كان و الله غريز العبرة طويل الفكرة يقلب كفيه و يخاطب نفسه و يناجي ربه يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما جشب كان و الله فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و كان مع دنوه منا و قربنا منه لا نكلمه لهيبته و لا نرفع عيننا لعظمته فإن تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين و يحب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الفقير من عدله فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه و هو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين فكأني الآن أسمعه و هو يقول يا دنيا دنية أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيها فعمرك قصير و خطرك يسير و أملك حقير آه آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق و عظم المورد فوكفت دموع معاوية على لحيته فنشفها بكمه و اختنق القوم بالبكاء ثم قال كان و الله أبو الحسن كذلك فكيف صبرك عنه يا ضرار قال صبر من ذبح واحدها على صدرها فهي لا ترقى عبرتها و لا تسكن حسرتها ثم قام و خرج و هو باك فقال معاوية أ ما إنكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني علي هذا الثناء فقال بعض من حضر الصاحب على قدر صاحبه

 توضيح قوله بعيد المدى المدى الغاية و هو كناية عن علو همته في تحصيل الكمالات أو عن رفعة محله في السعادات حيث لا يصل إليه أحد في شي‏ء من فضائله قوله و تنطق الحكمة من نواحيه أي لكثرة وفور حكمه كأن الحكمة ناطقة في جوانبه و نواحيه فيستفاد منه الحكمة من غير أن ينطق بها و في بعض النسخ بالفاء أي تتقاطر و تجري و لعله أبلغ

29-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن أحمد بن عمرو بن سليمان البجلي عن إسماعيل بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار عن إبراهيم بن إسحاق المدائني عن رجل عن أبي مخنف الأزدي قال أتى أمير المؤمنين ع رهط من الشيعة فقالوا يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء و الأشراف و فضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية و العدل في الرعية فقال أمير المؤمنين ع ويحكم أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام لا و الله لا يكون ذلك ما سمر السمير و ما رأيت في السماء نجما و الله لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم فكيف و إنما هي أموالهم قال ثم أرم ساكتا طويلا ثم رفع رأسه فقال من كان فيكم له مال فإياكم و الفساد فإن إعطاءه في غير حقه تبذير و إسراف و هو يرفع ذكر صاحبه في الناس و يضعه عند الله و لم يضع امرؤ ماله في غير حقه و عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم و كان لغيره ودهم فإن بقي معه منهم بقية ممن يظهر الشكر له و يريه النصح فإنما ذلك ملق منه و كذب فإن زلت بصاحبهم النعل ثم احتاج إلى معونتهم و مكافاتهم فألأم خليل و شر خدين و لم يضع امرؤ ماله في غير حقه و عند غير أهله إلا لم يكن له من الحظ فيما أتى إلا محمدة اللئام و ثناء الأشرار ما دام عليه منعما مفضلا و مقالة الجاهل ما أجوده و هو عند الله بخيل فأي حظ أبور و أخسر من هذا الحظ و أي فائدة معروف أقل من هذا المعروف فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة و ليحسن منه الضيافة و ليفك به العاني و الأسير و ابن السبيل فإن الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا و شرف الآخرة

 بيان أرم بتشديد الميم و الراء المهملة و المعجمة أي سكت و العاني الأسير و كل من ذل و استكان و خضع

30-  كا، ]الكافي[ محمد بن علي و غيره عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن رجل عن حبيب بن أبي ثابت قال جاء إلى أمير المؤمنين ع عسل و تين من همدان و حلوان فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رءوس الأزقاق يلعقونها و هو يقسمها للناس قدحا قدحا فقيل له يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها فقال إن الإمام أبو اليتامى و إنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء

31-  كا، ]الكافي[ بعض أصحابنا عن إبراهيم بن الإسحاق الأحمر عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن الأصبغ قال كان أمير المؤمنين ع إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول و الله لأنت أعجز من التارك الغسل يوم الجمعة و إنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى

32-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد و عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و غيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين على عاصم بن زياد حين لبس العباء و ترك الملاء و شكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين ع أنه قد غم أهله و أحزن ولده بذلك فقال أمير المؤمنين ع علي بعاصم بن زياد فجي‏ء به فلما رآه عبس في وجهه فقال له أ ما استحييت من أهلك أ ما رحمت ولدك أ ترى الله أحل لك الطيبات و هو يكره أخذك منها أنت أهون على الله من ذلك أ و ليس الله يقول وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ أ و ليس يقول مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ إلى قوله يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال و قد قال الله عز و جل وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ فقال عاصم يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة و في ملبسك على الخشونة فقال ويحك إن الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره فألقى عاصم بن زياد العباء و لبس الملاء

33-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ القاسم بن حماد الدلال معنعنا عن أبي جعفر ع قال لما نزلت خمس آيات أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً إلى قوله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و علي بن أبي طالب ع إلى جنب النبي ص فانتقض انتقاض العصفور قال فقال له رسول الله ص ما لك يا علي قال عجبت من جرأتهم على الله و حلم الله عنهم قال فمسحه رسول الله ص ثم قال أبشر يا علي فإنه لا يحبك منافق و لا يبغضك مؤمن و لو لا أنت لم يعرف حزب الله و حزب رسوله

34-  كا، ]الكافي[ العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن مرازم بن حكيم عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قلت لأبي عبد الله ع إن الناس يرون أن لك مالا كثيرا فقال ما يسوؤني ذاك إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه مر ذات يوم على ناس شتى من قريش و عليه قميص مخرق فقالوا أصبح علي لا مال له فسمعها أمير المؤمنين ع فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمرة و لا يبعث إلى إنسان شيئا و أن يوفره ثم قال له بعه الأول فالأول و اجعلها دراهم ثم اجعلها حيث تجعل التمر فاكبسه معه حيث ترى و قال للذي يقوم عليه إذا دعوت بالتمر فاصعد و انظر المال فاضربه برجلك كأنك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها ثم بعث إلى رجل منهم يدعوه ثم دعا بالتمر فلما صعد ينزل بالتمر ضرب برجله فانتثرت الدراهم فقالوا ما هذا يا أبا الحسن فقال هذا مال من لا مال له ثم أمر بذلك المال فقال انظروا أهل كل بيت كنت أبعثه إليهم فانظروا ماله و ابعثوا إليه

35-  كا، ]الكافي[ العدة عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن فضال جميعا عن يونس بن يعقوب عن أبي بصير قال بلغ أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن طلحة و الزبير يقولان ليس لعلي مال قال فشق ذلك عليه فأمر وكلاءه أن يجمعوا غلته حتى إذا حال الحول أتوه و قد جمعوا من ثمن الغلة مائة ألف درهم فنشرت بين يديه فأرسل إلى طلحة و الزبير فأتياه فقال لهما هذا المال و الله ليس لأحد فيه شي‏ء و كان عندهما مصدقا قال فخرجا من عنده و هما يقولان إن له مالا

36-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن بريد بن معاوية قال سمعت أبا عبد الله ع يقول بعث أمير المؤمنين ع مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال يا عبد الله انطلق و عليك بتقوى الله وحده لا شريك له و لا تؤثرن دنياك على آخرتك و كن حافظا لما ائتمنتك عليه مراعيا لحق الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال لك قائل لا فلا تراجعه و إن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد الله أ تأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تبارك و تعالى في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه و إن استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشي‏ء منها ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل ناد إلينا نصيره حيث أمر الله عز و جل فإذا انحدر فيها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و بين فصيلها و لا يفرق بينهما و لا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها و لا يجهد بها ركوبا و ليعدل بينهن في ذلك و ليوردهن كل ماء يمر به و لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطريق في الساعة التي فيها تريح و تغبق و ليرفق بهن جهده حتى يأتينا بإذن الله سحاحا سمانا غير متعبات و لا مجهدات فنقسمهن بإذن الله على كتاب الله و سنة نبيه ص على أولياء الله فإن ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك ينظر الله إليها و إليك و إلى جهدك و نصيحتك لمن بعثك و بعثت في حاجته فإن رسول الله ص قال ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة و النصيحة له و لإمامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى قال ثم بكى أبو عبد الله ع ثم قال يا بريد لا و الله ما بقيت الله حرمة إلا انتهك و لا عمل بكتاب الله و لا سنة نبيه في هذا العالم و لا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين ع و لا عمل بشي‏ء من الحق إلى يوم الناس هذا ثم قال أما و الله لا تذهب الأيام و الليالي حتى يحيي الله الموتى و يميت الأحياء و يرد الله الحق إلى أهله و يقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه و نبيه ص فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فو الله ما الحق إلا في أيديكم

 بيان أوعز إليه تقدم و قال في النهاية في حديث علي ع و لا يمصرن لبنها فيضر ذلك بولدها المصر الحلب بثلاث أصابع يريد لا يكثر من أخذ لبنها. و قال ابن إدريس في السرائر سمعت من يقول و تغبق بالغين المعجمة و الباء يعتقد أنه من الغبوق و هو الشرب بالعشي و هذا تصحيف فاحش و خطاء قبيح و إنما هو تعنق بالعين غير المعجمة و النون من العنق و هو الضرب من سير الإبل و هو سير شديد قال الراجز يا

ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فتستريحا

. و المعنى لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعات التي فيها مشقة و لأجل هذا قال تريح من الراحة و لو كان من الرواح لقال تروح و ما كان يقول تريح و لأن الرواح عند العشي يكون و قريبا منه و الغبوق هو شرب العشي على ما ذكرناه فلم يبق له معنى و إنما المعنى ما بيناه و قال الجوهري سحت الشاة تسح بالكسر سحوحا و سحوحة أي سمنت و غنم سحاح أي سمان. أقول رواه في نهج البلاغة بتغيير و أوردته في كتاب الفتن

37-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن أحمد بن معمر قال أخبرني أبو الحسن العرني قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال استعملني علي بن أبي طالب ع على بانقيا و سواد من سواد الكوفة فقال لي و الناس حضور انظر خراجك فجد فيه و لا تترك منه درهما و إذا أردت أن تتوجه إلى عملك فمر بي فأتيته فقال لي إن الذي سمعت مني خدعة إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو

  بيان قال ابن إدريس في السرائر بانقيا هي القادسية و ما والاها من أعمالها و إنما سميت القادسية بدعوة إبراهيم ع فإنه قال كوني مقدسة أي مطهرة و إنما سمي بانقيا لأن إبراهيم اشتراها بمائة نعجة من غنمه لأن با مائة و نقيا شاة بلغة النبط و قد ذكر بانقيا أعشى قيس في شعر و فسره علماء اللغة و وافقوا كتب الكوفة من السير بما ذكرناه و قال الجزري فيه أمر الله نبيه ص أن يأخذ العفو من أخلاق الناس هو السهل المتيسر أي أمره أن يحتمل أخلاقهم و يقبل منها ما سهل و تيسر و لا يستقصي عليهم و قال الجوهري عفو المال ما يفضل عن النفقة

38-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن أبي الحسن العبدي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين ع ذات يوم و هو يخطب على المنبر بالكوفة يا أيها الناس لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ألا إن لكل غدرة فجرة و لكل فجرة كفرة ألا و إن الغدر و الفجور و الخيانة في النار

39-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال مر أمير المؤمنين ع على جارية قد اشترت لحما من قصاب و هي تقول زدني فقال له أمير المؤمنين ع زدها فإنه أعظم للبركة

40-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن الحسن الصيقل قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن ولي علي ع لا يأكل إلا الحلال لأن صاحبه كان كذلك و إن ولي عثمان لا يبالي أ حلالا أكل أو حراما لأن صاحبه كذلك قال ثم عاد إلى ذكر علي ع فقال أما و الذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قليلا و لا كثيرا حتى فارقها و لا عرض له أمران كلاهما لله طاعة إلا أخذ بأشدهما على بدنه و لا نزلت برسول الله ص شديدة قط إلا وجهه فيها ثقة به و لا أطاق أحد من هذه الأمة عمل رسول الله ص بعده غيره و لقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة و النار و لقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله كل ذلك تحفى فيه يداه و تعرق فيه جبينه التماس وجه الله عز و جل و الخلاص من النار و ما كان قوته إلا الخل و الزيت و حلواه التمر إذا وجده و ملبوسه الكرابيس فإذا فضل عن ثيابه شي‏ء دعا بالجلم فجزه

 بيان الحفا رقة القدم من المشي و الجلم بالتحريك المقراض

41-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله ع قال ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عز و جل إلى أن قبضه تواضعا لله عز و جل و ما رأى ركبتيه أمام جليسه في مجلس قط و لا صافح رسول الله ص رجلا قط فنزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده و لا كافى رسول الله ص بسيئة قط قال الله له ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ففعل و ما منع سائلا قط إن كان عنده أعطى و إلا قال يأتي الله به و لا أعطى على الله جل و عز شيئا قط إلا أجازه الله إن كان ليعطي الجنة فيجيز الله عز و جل له ذلك قال و كان أخوه من بعده و الذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قط حتى خرج منها و الله إن كان ليعرض له الأمران كلاهما لله عز و جل طاعة فيأخذ بأشدهما على بدنه و الله لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله عز و جل دبرت فيهم يداه و الله ما أطاق عمل رسول الله ص من بعده أحد غيره و الله ما نزلت برسول الله ص نازلة قط إلا قدمه فيها ثقة به منه و إن كان رسول الله ص ليبعثه برايته فيقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ثم ما يرجع حتى يفتح الله عز و جل له

 بيان دبرت بالكسر أي قرحت

42-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن زيد بن الحسن قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كان علي ع أشبه الناس طعمة و سيرة برسول الله ص كان يأكل الخبز و الزيت و يطعم الناس الخبز و اللحم قال و كان علي ع يستقي و يحطب و كانت فاطمة ع تطحن و تعجن و تخبز و ترقع و كانت من أحسن الناس وجها كان وجنتيها وردتان صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و ولدها الطاهرين

43-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال لما ولي علي ع صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إني و الله لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب فلتصدقكم أنفسكم أ فتروني مانعا نفسي و معطيكم قال فقام إليه عقيل كرم الله وجهه فقال له الله لتجعلني و أسود بالمدينة سواء فقال اجلس أ ما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك و ما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى

44-  ل، ]الخصال[ الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن محمد بن خليلان بن علي العباسي عن أبيه عن آبائه قال قال علي بن أبي طالب ع خصصنا بخمسة بفصاحة و صباحة و سماحة و نجدة و حظوة عند النساء

  -45  دعوات الراوندي، قيل لأمير المؤمنين ع ما شأنك جاورت المقبرة فقال إني أجدهم جيران صدق يكفون السيئة و يذكرون الآخرة و قال زين العابدين ع ما أصيب أمير المؤمنين ع بمصيبة إلا صلى في ذلك اليوم ألف ركعة و تصدق على ستين مسكينا و صام ثلاثة أيام

 أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة

 روى قيس بن الربيع عن يحيى بن هانئ المرادي عن رجل من قومه يقال له زياد بن فلان قال كنا في بيت مع علي ع و نحن و شيعته و خواصه فالتفت إلينا فلم ينكر منا أحدا فقال إن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم و يسملون أعينكم فقال رجل منا و أنت حي يا أمير المؤمنين فقال أعاذني الله من ذلك فالتفت فإذا واحد يبكي فقال له يا ابن الحمقاء أ تريد باللذات في الدنيا الدرجات في الآخرة إنما وعد الله الصابرين

 و روى زرارة بن أعين عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال كان علي ع إذا صلى الفجر لم يزل معقبا إلى أن تطلع الشمس فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء و المساكين و غيرهم من الناس فيعلمهم الفقه و القرآن و كان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك فقام يوما فمر برجل فرماه بكلمة هجر قال و لم يسمه محمد بن علي ع فرجع عوده على بدئه حتى صعد المنبر و أمر فنودي الصلاة جامعة فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه ليس شي‏ء أحب إلى الله و لا أعم نفعا من حلم إمام و فقهه و لا شي‏ء أبغض إلى الله و لا أعم ضررا من جهل إمام و خرقه ألا و إنه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ ألا و إنه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلا عزا ألا و إن الذل في طاعة الله أقرب إلى الله من التعزز في معصيته ثم قال أين المتكلم آنفا فلم يستطع الإنكار فقال ها أنا ذا يا أمير المؤمنين فقال أما إني لو أشاء لقلت فقال أو تعفو و تصفح فأنت أهل لذلك فقال عفوت و صفحت فقيل لمحمد بن علي ما أراد أن يقول قال أراد أن ينسبه

 و روى زرارة أيضا قال قيل لجعفر بن محمد ع إن قوما هاهنا ينتقصون عليا قال بم ينتقصونه لا أبا لهم و هل فيه موضع نقيصة و الله ما عرض لعلي ع أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما و أشقهما عليه و لقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة و النار ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له و ينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له و إن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال وجهت وجهي تغير لونه حتى يعرف ذلك في لونه و لقد أعتق ألف عبد من كد يده كلهم يعرق فيه جبينه و يحفى فيه كفه و قد بشر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال بشر الوارث ثم جعلها صدقة على الفقراء و المساكين و ابن السبيل إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ليصرف الله النار عن وجهه

 و قال في موضع آخر روى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني عن فضيل بن الجعد قال آكد الأسباب كان في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين ع أمر المال فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف و لا عربيا على عجمي و لا يصانع الرؤساء و أمراء القبائل كما يصنع الملوك و لا يستميل أحدا إلى نفسه و كان معاوية بخلاف ذلك فترك الناس عليا و التحقوا بمعاوية فشكا علي ع إلى الأشتر تخاذل أصحابه و فرار بعضهم إلى معاوية فقال الأشتر يا أمير المؤمنين إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل الكوفة و أهل الشام بأهل البصرة و أهل الكوفة و رأي الناس واحد و قد اختلفوا بعد و تعادوا و ضعفت النية و قل العدد و أنت تأخذهم بالعدل و تعمل فيهم بالحق و تنصف الوضيع من الشريف فليس للشريف عندك فضل منزلة فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به و اغتموا من العدل إذ صاروا فيه و رأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء و الشرف فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا و قل من ليس للدنيا بصاحب و أكثرهم يجتوي الحق و يشتري الباطل و يؤثر الدنيا فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال و تصفو نصيحتهم و يستخلص ودهم صنع الله لك يا أمير المؤمنين و كبت أعداءك و فض جمعهم و أوهن كيدهم و شتت أمورهم إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فقال علي ع أما ما ذكرت من عملنا و سيرتنا بالعدل فإن الله عز و جل يقول مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ و أنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف و أما ما ذكرت من أن الحق ثقيل عليهم ففارقونا بذلك فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور و لا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل و لم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كان قد فارقوها و ليسألن يوم القيامة للدنيا أرادوا أم لله عملوا و أما ما ذكرت من بذل الأموال و اصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نوفي أحدا من الفي‏ء أكثر من حقه و قد قال الله سبحانه و قوله الحق  كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ و قد بعث الله محمدا ص وحده و كثرة بعد القلة و أعز فئته بعد الذلة و إن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه و يسهل لنا حزنه و أنا قابل من رأيك ما كان لله عز و جل رضا و أنت من آمن الناس عندي و أنصحهم لي و أوثقهم في نفسي إن شاء الله

 و ذكر الشعبي قال دخلت الرحبة بالكوفة و أنا غلام في غلمان فإذا أنا بعلي ع قائما على صرتين من ذهب و فضة و معه مخفقة و هو يطرد الناس بمخفقته ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس حتى لم يبق منه شي‏ء ثم انصرف و لم يحمل إلى بيته قليلا و لا كثيرا فرجعت إلى أبي فقلت لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس قال من هو يا بني قلت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رأيته يصنع كذا فقصصت عليه فبكى و قال يا بني بل رأيت خير الناس

 و روى محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن زاذان قال انطلقت مع قنبر غلام علي ع إليه فإذا هو يقول قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئا قال و ما هو ويحك قال قم معي فقام فانطلق به إلى بيته فإذا بغرارة مملوءة من جامات ذهبا و فضة فقال يا أمير المؤمنين رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته فادخرت لك هذا من بيت المال فقال علي ع ويحك يا قنبر لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة ثم سل سيفه و ضربها ضربات كثيرة فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه و آخر ثلثه و نحو ذلك ثم دعا بالناس فقال اقسموه بالحصص ثم قام إلى بيت المال فقسم ما وجد فيه ثم رأى في البيت أبزار سمل فقال و ليقسموا هذا فقالوا لا حاجة لنا فيه و قد كان ع يأخذ من كل عامل مما يعمل فضحك و قال لتأخذن شره مع خيره

 و روى عبد الرحمن بن عجلان قال كان علي ع يقسم بين الناس الأبزار و الخرق و الكمون و كذا و كذا

 و روى مجمع التيمي قال كان علي ع يكنس بيت المال كل جمعة و يصلي فيه ركعتين و يقول تشهدان يوم القيامة

 و روى بكر بن عيسى عن عاصم بن كليب الحربي عن أبيه قال شهدت عليا ع و قد جاءه مال من الجبل فقام و قمنا معه و جاء الناس يزدحمون فأخذ حبالا فوصلها بيده و عقد بعضها إلى بعض ثم أدارها حول المال و قال لا أحل لأحد أن يجاوز هذا الحبل قال فقعد الناس كلهم من وراء الحبل و دخل هو فقال أين رءوس الأسباع و كانت الكوفة يومئذ أسباعا فجعلوا يحملون هذا الجوالق إلى هذا و هذا إلى هذا حتى استوت القسمة سبعة أجزاء و وجد مع المتاع رغيف فقال اكسروه سبع كسر و ضعوا على كل جزء كسرة ثم قال

هذا جناي و خياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه

ثم أفرغ عليها و دفعها إلى رءوس الأسباع فجعل كل واحد منهم يدعو قومه فيحملون الجوالق

 و روى مجمع عن أبي رجاء قال أخرج علي ع سيفا إلى السوق فقال من يشتري مني هذا فو الذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن إزار ما بعته فقلت له أنا أبيعك إزارا و أنسئك ثمنه إلى عطائك فدفعت إليه إزارا إلى عطائه فلما قبض عطاءه دفع إلي ثمن الإزار

  و روى هارون بن سعد قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لعلي ع يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فو الله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي فقال لا و الله ما أجد لك شيئا إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك

 و روى بكر بن عيسى قال كان علي ع يقول يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي و رحلي و غلامي فلان فأنا خائن و كانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة بينبع و كان يطعم الناس الخبز و اللحم و يأكل هو الثريد بالزيت

 و روى أبو إسحاق الهمداني أن امرأتين أتتا عليا ع إحداهما من العرب و الأخرى من الموالي فسألتاه فدفع إليهما دراهم و طعاما بالسواء فقالت أحدهما إني امرأة من العرب و هذه من العجم فقال إني و الله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‏ء فضلا على بني إسحاق

 و روى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد ع قال ما اعتلج على علي ع أمران في ذات الله تعالى إلا أخذ بأشدهما و لقد علمتم أنه كان يأكل يا أهل الكوفة عندكم من ماله بالمدينة و إن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب و يختم عليه مخافة أن يزاد عليه من غيره و من كان أزهد في الدنيا من علي ع

 و روى النضر بن المنصور عن عقبة بن علقمة قال دخلت على علي ع فإذا بين يديه لبن حامض آذاني حموضته و كسر يابسة فقلت يا أمير المؤمنين أ تأكل مثل هذا فقال لي يا أبا الجنوب كان رسول الله يأكل أيبس من هذا و يلبس أخشن من هذا و أشار إلى ثيابه فإن أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به

  و روى عمران بن غفلة قال دخلت على علي ع بالكوفة فإذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته و في يده رغيف يرى قشار الشعير على وجهه و هو يكسره و يستعين أحيانا بركبتيه و إذا جاريته فضة قائمة على رأسه فقلت يا فضة أ ما تتقون الله في هذا الشيخ ألا نخلتم دقيقه فقالت إنا نكره أن تؤجر و نأثم نحن قد أخذ علينا أن لا ننخل له دقيقا فأصلحناه قال و علي ع لا يسمع ما تقول فالتفت إليها فقال ما تقول قالت سله فقال لي ما قلت لها قال فقلت إني قلت لها لو نخلتم دقيقه فبكى ثم قال بأبي و أمي من لم يشبع ثلاثا متوالية من خبز بر حتى فارق الدنيا و لم ينخل دقيقه قال يعني رسول الله ص

 و روى يوسف بن يعقوب عن صالح بياع الأكسية أن جدته لقيت عليا ع بالكوفة و معه تمر يحمله فسلمت عليه و قالت له أعطني يا أمير المؤمنين أحمل عنك إلى بيتك فقال أبو العيال أحق بحمله قالت ثم قال لي أ لا تأكلين منه فقلت لا أريده قالت فانطلق به إلى منزله ثم رجع مرتدئا بتلك الشملة و فيها قشور التمر فصلى بالناس فيها الجمعة

 و روى محمد بن فضيل بن عزوان قال قيل لعلي ع كم تتصدق كم تخرج مالك ألا تمسك قال إني و الله لو أعلم أن الله تعالى قبل مني فرضا واحدا لأمسكت و لكني و الله لا أدري أ قبل سبحانه مني شيئا أم لا

 و روى عنبسة العابد عن عبد الله بن الحسن بن الحسين قال أعتق علي ع في حياة رسول الله ص ألف مملوك مما مجلت يداه و عرق جبينه و لقد ولي الخلافة و أتته الأموال فما كان حلواه إلا التمر و لا ثيابه إلا الكرابيس

 و روى العوام بن حوشب عن أبي صادق قال تزوج علي ع ليلى بنت مسعود النهشلية فضربت له في داره حجلة فجاء فهتكها و قال حسب أهل علي ما هم فيه

 و روى حاتم بن إسماعيل المدائني عن جعفر بن محمد ع قال ابتاع علي ع في خلافته قميصا سملا بأربعة دراهم ثم دعا الخياط فمد كم القميص و أمره بقطع ما جاوز الأصابع

و قال في موضع آخر من شرح نهج البلاغة و أما فضائله فإنها قد بلغت من العظم و الانتشار مبلغا يسمج معه التعرض لذكرها و التصدي لتفصيلها فصارت كما قال أبو العيناء لعبد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل و المعتمد رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر و القمر الزاهر الذي لا يخفى على الناظر فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك و وكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك. و ما أقول في رجل أقر له أعداؤه و خصومه بالفضل و لم يمكنهم جهل مناقبه و لا كتمان فضائله فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض و غربها و اجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره و التحريف عليه و وضع المعايب و المثالب له و لعنوه على جميع المنابر و توعدوا مادحيه بل حبسوهم و قتلوهم و منعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه فما زاده ذلك إلا رفعة و سموا و كان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه و كلما كتم تضوع نشره و كالشمس لا تستر بالراح و كضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة أخرى و ما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة و تنتهي إليه كل فرقة فهو رئيس الفضائل و ينبوعها و أبو عذرها و سابق مضمارها و مجلي حلبتها كل من برع فيها بعده فمنه أخذ و له اقتفى و على مثاله احتذى. و قد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي لأن شرف العلم بشرف المعلوم و معروفه أشرف الموجودات فكان هو أشرف العلوم و من كلامه ع اقتبس و عنه نقل و إليه انتهى و منه ابتدئ فإن المعتزلة الذين هم أهل التوحيد و العدل و أرباب النظر و منهم تعلم الناس هذا الفن تلامذته و أصحابه لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية و أبو هاشم تلميذ أبيه و أبوه تلميذه ع و أما الأشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي بشير الأشعري و هو تلميذ أبي علي الجبائي و أبو علي أحد مشايخ المعتزلة فالأشعرية ينتهون بالأخرة إلى أستاد المعتزلة و معلمهم و هو علي بن أبي طالب ع و أما الإمامية و الزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر. و من العلوم علم الفقه و هو أصله و أساسه و كل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه و مستفيد من فقهه أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف و محمد و غيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة و أما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة و أبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد ع و جعفر قرأ على أبيه و ينتهي الأمر إلى علي ع و أما مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي و قرأ ربيعة على عكرمة و قرأ عكرمة على عبد الله بن عباس و قرأ عبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب ع و إن شئت رددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك فهؤلاء الفقهاء الأربعة و أما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر. و أيضا فإن فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب و عبد الله بن عباس و كلاهما أخذا عن علي ع أما ابن عباس فظاهر و أما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه و على غيره من الصحابة و قوله غير مرة لو لا علي لهلك عمر و قوله لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو حسن و قوله لا يفتين أحد في المسجد و علي حاضر فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه و قد روت العامة و الخاصة قوله ص أقضاكم علي و القضاء هو الفقه فهو إذن أفقههم. و روى الكل أيضا أنه قال له و قد بعثه إلى اليمن قاضيا اللهم اهد قلبه و ثبت لسانه قال فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين و هو ع الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر و هو الذي أفتى به في الحامل الزانية و هو الذي قال في المنبرية صار ثمنها تسعا و هذه المسألة لو أفكر الفرضي فيها فكرا طويلا لاستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب فما ظنك بمن قاله بديهة

  و اقتضبه ارتجالا. و من العلوم علم تفسير القرآن و عنه أخذ و منه فرع و إذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك لأن أكثره عنه و عن عبد الله بن عباس و قد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته و انقطاعه إليه و أنه تلميذه و خريجه و قيل له أين علمك من علم ابن عمك فقال كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط. و من العلوم علم الطريقة و الحقيقة و أحوال التصوف و قد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون و عنده يقفون و قد صرح بذلك الشبلي و الجنيد و السري و أبو يزيد البسطامي و أبو محفوظ معروف الكرخي و يكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم و كونهم يسندونها بإسناد متصل إليه ع. و من العلوم علم النحو و العربية و قد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه و أنشأه و أملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه و أصوله من جملتها الكلمة ثلاثة أشياء اسم و فعل و حرف و من جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة و نكرة و تقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع و النصب و الجر و الجزم و هذا يكاد يلحق بالمعجزات لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر و لا تنهض بهذا الاستنباط. و إن رجعت إلى الخصائص الخلقية و الفضائل النفسانية و الدينية وجدته ابن جلاها و طلاع ثناياها أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله و محا اسم من يأتي بعده و مقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة و هو الشجاع الذي ما فر قط و لا ارتاع من كتيبة و لا بارز أحدا إلا قتله و لا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى الثانية و في الحديث كانت ضرباته وترا و لما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما قال له عمرو لقد أنصفك فقال معاوية ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم أ تأمرني بمبارزة أبي حسن و أنت تعلم أنه الشجاع المطرق أراك طمعت في إمارة الشام بعدي و كانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه ع قتلهم أظهر و أكثر قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه

لو كان قاتل عمرو غير قاتله بكيته أبدا ما دمت في الأبدلكن قاتله من لا نظير له و كان يدعى أبوه بيضة البلد

. و انتبه معاوية يوما فرأى عبد الله بن زبير جالسا تحت رجليه على سريره فقال له عبد الله يداعبه يا أمير المؤمنين لو شئت أن أفتك بك لفعلت فقال لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر قال و ما الذي تنكره من شجاعتي و قد وقفت في الصف إزاء علي بن أبي طالب ع قال لا جرم أنه قتلك و أباك بيسرى يديه و بقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها و جملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتهي و باسمه ينادي في مشارق الأرض و مغاربها. و أما القوة و الأيد فبه يضرب المثل فيهما قال ابن قتيبة في المعارف ما صارع أحدا قط إلا صرعه و هو الذي قلع باب خيبر و اجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه و هو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبة و كان عظيما جدا فألقاه إلى الأرض و هو الذي اقتلع الصخرة العظيمة في أيام خلافته بعد عجز الجيش كله عنها فأنبط الماء من تحتها. و أما السخاء و الجود فحاله فيه ظاهرة كان يصوم و يطوي و يؤثر بزاده و فيه أنزل وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً و روى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية فأنزل فيه الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً و روي عنه أنه كان يستقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يده و يتصدق بالأجرة و يشد على بطنه حجرا و قال الشعبي و قد ذكره ع كان أسخى الناس كان على الخلق الذي يحب الله السخاء و الجود ما قال لا لسائل قط و قال عدوه و مبغضه الذي يجتهد في وصمه و عيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال جئتك من عند أبخل الناس ويحك كيف تقول إنه أبخل الناس و لو ملك بيتا من تبر و بيتا من تبن لأنفد تبره قبل تبنه و هو الذي كان يكنس بيوت الأموال و يصلي فيها و هو الذي قال يا صفراء و يا بيضاء غري غيري و هو الذي لم يخلف ميراثا و كانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام. و أما الحلم و الصفح فكان أحلم الناس من ذنب و أصفحهم عن مسي‏ء و قد ظهرت صحة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم و كان أعدى الناس له و أشدهم بغضا فصفح عنه و كان عبد الله بن الزبير يشتمه على رءوس

  الأشهاد و خطب يوم البصرة فقال قد أتاكم الوغب اللئيم علي بن أبي طالب و كان علي ع يقول ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب عبد الله فظفر به يوم الجمل فأخذه أسيرا فصفح عنه و قال اذهب فلا أرينك لم يزده على ذلك و ظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة و كان له عدوا فأعرض عنه و لم يقل له شيئا. و قد علمتم ما كان من عائشة في أمره فلما ظفر بها أكرمها و بعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم و قلدهن بالسيوف فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به و تأنفت و قالت هتك سري برجاله و جنده الذين وكلهم بي فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن و قلن لها إنما نحن نسوة و حاربه أهل البصرة و ضربوا وجهه و وجوه أولاده بالسيف و شتموه و لعنوه فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم و نادى مناديه في أقطار العسكر ألا لا يتبع مول و لا يجهز على جريح و لا يقتل مستأثر و من ألقى سلاحه فهو آمن و من تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن و لم يأخذ أثقالهم و لا سبى ذراريهم و لا غنم شيئا من أموالهم و لو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل و لكنه أبى إلا الصفح و العفو و تقبل سنة رسول الله ص يوم فتح مكة فإنه عفا و الأحقاد لم تبرد و الإساءة لم تنس و لما ملك عسكر معاوية عليه الماء و أحاطوا بشريعة الفرات و قالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا سألهم علي ع و أصحابه أن يسوغوا لهم شرب الماء فقالوا لا و الله و لا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفان فلما رأى ع أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه و حمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرءوس و الأيدي و ملكوا عليهم الماء و صار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم فقال له أصحابه و شيعته أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك و لا تسقهم منه قطرة و اقتلهم بسيوف العطش و خذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب فقال لا و الله لا أكافيهم بمثل فعلهم افسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلك فهذه إن نسبتها إلى الحلم و الصفح فناهيك بها جمالا و حسنا و إن نسبتها إلى الدين و الورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله ع. أما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه و عدوه أنه سيد المجاهدين و هل الجهاد لأحد من الناس إلا له و قد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله ص و أشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى قتل فيها سبعون من المشركين قتل علي ع نصفهم و قتل المسلمون و الملائكة النصف الآخر و إذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي و تاريخ الأشراف ليحيى بن جابر البلاذري و غيرهما علمت صحة ذلك دع من قتله في غيرها كأحد و الخندق و غيرهما و هذا الفصل لا معنى للإطناب فيه لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة و مصر و نحوهما. أما الفصاحة فهو ع إمام الفصحاء و سيد البلغاء و عن كلامه قيل دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوقين و منه تعلم الناس الخطابة و الكتابة و قال عبد الحميد بن يحيى حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت و قال نباتة حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سعة و كثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب ع و لما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية جئتك من عند أعيا الناس قال له ويحك كيف يكون أعيا الناس فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره و يكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجازى في الفصاحة و لا يبارى في البلاغة و حسبك أنه لم يدون لأحد من

  فصحاء الصحابة العشر و لا نصف العشر مما دون له و كفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان و التبيين و في غيره من كتبه. و أما سجاحة الأخلاق و بشر الوجه و طلاقة المحيا و التبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه و قال عمرو بن العاص لأهل الشام إنه ذو دعابة شديدة و قال علي ع في ذاك عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة و أني امرؤ تلعابة أعافس و أمارس و عمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر لقوله لما عزم على استخلافه لله أبوك لو لا دعابة فيك إلا أن عمر اقتصر عليها و عمرو زاد فيها و نسجها قال صعصعة بن صوحان و غيره من شيعته و أصحابه كان فينا كأحدنا لين جانب و شدة تواضع و سهولة قياد و كنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه و قال معاوية لقيس بن سعد رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة قال قيس نعم كان رسول الله ص يمزح و يبسم إلى أصحابه و أراك تسر حسوا في ارتغاء رفعه و تعيبه بذلك أما و الله لقد كان مع تلك الفكاهة و الطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى تلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام أهل الشام و قد بقي هذا الخلق متوارثا متناقلا في محبيه و أوليائه إلى الآن كما بقي الجفاء و الخشونة و الوعورة في الجانب الآخر و من له أدنى معرفة بأخلاق الناس و عوائدهم يعرف ذلك. و أما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد و بدل الأبدل و إليه يشد الرحال و عنده تنفض الأحلاس ما شبع من طعام قط و كان أخشن الناس مأكلا و ملبسا

 قال عبد الله بن أبي رافع دخلت إليه يوم عيد فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرصوصا فقدم فأكل فقلت يا أمير المؤمنين فكيف تختمه قال خفت هذين الولدين أن يلتاه بسمن أو زيت

و كان ثوبه مرقوعا بجلد تارة و بليف أخرى و نعلاه من ليف و كان يلبس الكرابيس الغليظ فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة فلم يخطه فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له و كان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح فإن ترقى عن ذلك فببعض نبات الأرض فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل و لا يأكل اللحم إلا قليلا و يقول لا تجعلوا قلوبكم مقابر الحيوان و كان مع ذلك أشد الناس قوة و أعظمهم أيدا لم ينقص الجوع قوته و لا يخور الإقلال منته و هو الذي طلق الدنيا و كانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام و كان يفرقها و يمزقها ثم يقول

هذا جناي و خياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه

. و أما العبادة فكان أعبد الناس و أكثرهم صلاة و صوما و منه تعلم الناس صلاة الليل و ملازمة الأوراد و قيام النافلة و ما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له قطع ما بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده و السهام نقع بين يديه تمر على صماخيه يمينا و شمالا فلا يرتاع لذلك و لا يقوم حتى يفرغ من وظيفته و ما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده و أنت إذا تأملت دعواته و مناجاته و وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه و إجلاله و ما يتضمنه من الخضوع لهيبته و الخشوع لعزته و الاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص و فهمت من أي قلب خرجت و على أي لسان جرت

 و قيل لعلي بن الحسين ع و كان الغاية في العبادة أين عبادتك من عبادة جدك قال عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله ص

و أما قراءة القرآن و الاشتغال به فهو المنظور إليه في هذا الباب اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله ص و لم يكن غيره يحفظه ثم هو أول من جمعه نقلوا كلهم أنه تأخر عن بيعة أبي بكر فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنه تأخر مخالفة للبيعة بل يقولون تشاغل بجمع القرآن فهذا يدل على أنه أول من جمع القرآن لأنه لو كان مجموعا في حياة رسول الله ص لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته و إذا رجعت إلى كتب القراءة وجدت أئمة القراءة كلهم يرجعون إليه كأبي عمرو بن أبي العلاء و عاصم بن أبي النجود و غيرهما لأنهم يرجعون إلى عبد الرحمن السلمي الفارسي و أبو عبد الرحمن كان تلميذه و عنه أخذ القرآن فقد صار هذا الفن من الفنون التي تنتهي إليه أيضا مثل كثير مما سبق. و أما الرأي و التدبير فكان من أشد الناس رأيا و أصحهم تدبيرا و هو الذي أشار إلى عمر لما عزم على أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم و الفرس بما أشار و هو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها و لو قبلها لم يحدث عليه ما حدث و إنما قال أعداؤه لا رأي له لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها و لا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه و قد قال ع لو لا التقى لكنت أدهى العرب و غيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه و يستوفقه سواء كان مطابقا للشرع أو لم يكن و لا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده و لا يقف مع ضوابط و قيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه تكون أحواله الدنياوية إلى الانتظام أقرب و من كان بخلاف ذلك يكون أحواله الدنياوية إلى الانتشار أقرب. و أما السياسة فإنه كان شديد السياسة خشنا في ذات الله لم يراقب ابن عمه في عمل كان ولاه إياه و لا راقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به و أحرق قوما بالنار و نقض دار مصقلة بن هبيرة و دار جرير بن عبد الله البجلي و قطع جماعة و صلب آخرين و من جملة سياسته حروبه في أيام خلافته بالجمل و صفين و النهروان و في أقل القليل منها مقنع فإن كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه و بطشه و انتقامه مبلغ العشر مما فعل عليه السلام في هذه الحروب بيده و أعوانه فهذه هي خصائص البشر و مزاياهم قد أوضحنا أنه فيها الإمام المتبع فعله و الرئيس المقتفى أثره و ما أقول في رجل يحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة و تعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة و تصور ملوك الفرنج و الروم صورته في بيعها و بيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا لحربه و تصور ملوك الترك و الديلم صورته على أسيافها كان على سيف عضد الدولة بن بويه و سيف أبيه ركن الدولة و كان على سيف الأرسلان و ابنه ملكشاه صورته كأنهم يتفاءلون به النصر و الظفر و ما أقول في رجل أحب كل أحد أن يتكثر به و ود كل أحد يتجمل و يتحسن بالانتساب إليه حتى الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها أن لا تستحسن

  من نفسك ما تستقبحه من غيرك فإن أربابها نسبوا أنفسهم إليه و صنفوا في ذلك كتبا و جعلوا لذلك إسنادا أنهوه إليه و قصروه عليه و سموه سيد الفتيان و عضدوا مذاهبهم بالبيت المشهور المروي أنه سمع من السماء يوم أحد لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و ما أقول في رجل أبوه أبو طالب سيد البطحاء و شيخ قريش و رئيس مكة قالوا قل أن يسود فقير و ساد أبو طالب و هو فقير لا مال له و كانت قريش تسميه الشيخ و في حديث عفيف الكندي لما رأى النبي ص يصلي في مبدإ الدعوة و معه غلام و امرأة قال فقلت للعباس أي شي‏ء هذا قال هذا ابن أخي يزعم أنه رسول من الله إلى الناس و لم يتبعه على قوله إلا هذا الغلام و هو ابن أخي أيضا و هذه الامرأة و هي زوجته قال فقلت فما الذي تقولونه أنتم قال ننتظر ما يفعل الشيخ قال يعني أبا طالب و هو الذي كفل رسول الله ص صغيرا و حماه و حاطه كبيرا و منعه من مشركي قريش و لقي لأجله عناء عظيما و قاسى بلاء شديدا و صبر على نصره و القيام بأمره و جاء في الخبر أنه لما توفي أبو طالب أوحي إليه و قيل له اخرج منها فقد مات ناصرك و له مع شرف هذه الأبوة أن ابن عمه محمد ص سيد الأولين و الآخرين و أخاه جعفر ذو الجناحين الذي قال له رسول الله ص أشبهت خلقي و خلقي و زوجته سيدة نساء العالمين و ابنيه سيدا شباب أهل الجنة فآباؤه آباء رسول الله و أمهاته أمهات رسول الله ص و هو مسوط بلحمه و دمه لم يفارقه منذ خلق الله آدم إلى أن ماز عبد المطلب بين الأخوين عبد الله و أبي طالب و أمهما واحدة فكان منهما سيد الناس هذا الأول و هذا الثاني و هذا المنذر و هذا الهادي. و ما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى و آمن بالله و عبده و كل من في الأرض يعبد الحجر و يجحد الخالق لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلا السابق إلى كل خير محمد رسول الله ص ذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه أول الناس اتباعا لرسول الله و إيمانا به و لم يختلف في ذلك إلا الأقلون

 و قد قال هو ع أنا الصديق الأكبر و أنا الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام الناس و صليت قبل صلاتهم

و من وقف على كتب أصحاب الأحاديث تحقق و علمه واضحا و إليه ذهب الواقدي و ابن جرير الطبري و هو القول الذي رجحه و نصره صاحب كتاب الإستيعاب و بالله التوفيق

46-  نهج، ]نهج البلاغة[ من خطبة له ع خطبها بصفين أما بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم و لكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم فالحق أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه و لا يجري عليه إلا جرى له و لو كان لأحد أن يجري له و لا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده و لعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه و لكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه و توسعا بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى في وجوهها و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب بعضها إلا ببعض و أعظم ما افترض الله سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية و حق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل فجعلها نظاما لألفتهم و عزا لدينهم فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة و لا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه و أدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم و قامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل و جرت على إدلالها السنن فصلح بذلك الزمان و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء و إذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة و ظهرت معالم الجور و كثر الإدغال في الدين و تركت محاج السنن فعمل بالهوى و عطلت الأحكام و كثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل و لا لعظيم باطل فعل فهنالك تذل الأبرار و تعز الأشرار و تعظم تبعات الله سبحانه عند العباد فعليكم بالتناصح في ذلك و حسن التعاون عليه فليس أحد و إن اشتد على رضا الله حرصه و طال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما الله سبحانه أهله من الطاعة له و لكن من واجب حقوق الله سبحانه على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم و التعاون على إقامة الحق بينهم و ليس امرؤ و إن عظمت في الحق منزلته و تقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه و لا امرؤ و إن صغرته النفوس و اقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه فأجابه رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له فقال ع إن من حق من عظم جلال الله سبحانه في نفسه و جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه و إن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله سبحانه عليه و لطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما و إن من أسخف حالات الولاة عند صالحي الناس أن يظن بهم حب الفخر و يوضع أمرهم على الكبر و قد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء و استماع الثناء و لست بحمد الله كذلك و لو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله سبحانه و إليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة و لا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة و لا تخالطوني بالمصانعة و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي و لا التماس إعظام لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ و لا آمن ذاك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما أنا و أنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا و أخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى

 تبيين قوله ع أوسع الأشياء في التواصف أي كل أحد يصف الحق و العدل و يقول لو وليت لعدلت و لكن إذا تيسر له لم يعمل بقوله و لم ينصف الناس من نفسه و معالم الشي‏ء مظانه و ما يستدل به عليه و الأذلال المجاري و الطرق و اختلاف الكلمة اختلاف الآراء و الأهواء و قال الجزري أصل الدغل الشجر الملتف الذي يكون أهل الفساد فيه و أدغلت في هذا الأمر إذا أدخلت فيه ما يخالفه و المحاج جمع محجة و هي جادة الطريق و اقتحمته عيني احتقرته و الإطراء المبالغة في المدح قوله من البقية في أكثر النسخ بالباء الموحدة أي لا تثنوا علي لأجل ما ترون مني في طاعة الله فإنما هو إخراج لنفسي إلى الله من حقوقه الباقية علي لم أفرغ من أدائها و كذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها الله علي لكم من النصيحة و الهداية و الإرشاد و قيل المعنى لاعترافي بين يدي الله و بمحضر منكم أن علي حقوقا في رئاستي عليكم لم أقم بها بعد و أرجو من الله القيام بها و في بعض النسخ المصححة القديمة بالتاء المثناة الفوقانية أي من خوف الله في حقوق لم أفرغ من أدائها بعد قوله ع و لا تتحفظوا مني أي لا تمتنعوا من إظهار ما تريدون إظهاره لدي خوفا من سطوتي كما هو شأن الملوك و البادرة الحدة و ما يبدر عند الغضب و المصانعة المداراة و الرشوة. أقول سيأتي تمام الخطبة في باب خطبه ع

47-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع كلم به عبد الله بن زمعة و هو من شيعته و ذلك أنه قدم عليه في خلافته فطلب منه مالا فقال ع إن هذا المال ليس لي و لا لك و إنما هو في‏ء المسلمين و جلب أسيافهم فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم و إلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم

48-  نهج، ]نهج البلاغة[ روي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين ع اشترى على عهده دارا بثمانين دينارا فبلغه ذلك و استدعاه و قال له بلغني أنك ابتعت دارا بثمانين دينارا و كتبت كتابا و أشهدت فيه شهودا فقال له شريح قد كان ذلك يا أمير المؤمنين قال فنظر إليه نظر مغضب ثم قال يا شريح أما إنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك و لا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا و يسلمك إلى قبرك خالصا فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك أو نقدت الثمن من غير حلالك فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا و دار الآخرة أما إنك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتابا على هذه النسخة فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوقه و النسخة هذه هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت قد أزعج للرحيل اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين و خطة الهالكين و تجمع هذه الدار حدود أربعة الحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات و الحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات و الحد الثالث ينتهي إلى الهوى المردي و الحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي و فيه يشرع باب هذه الدار اشترى هذا المغتر بالأمل من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عز القناعة و الدخول في ذل الطلب و الضراعة فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى من درك فعلي مبلبل أجسام الملوك و سالب نفوس الجبابرة و مزيل ملك الفراعنة مثل كسرى و قيصر و تبع و حمير و من جمع المال على المال فأكثر و من بني و شيد و زخرف و نجد و ادخر و اعتقد و نظر بزعمه للولد إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض و الحساب و موضع الثواب و العقاب إذا وقع الأمر بفصل القضاء وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى و سلم من علائق الدنيا

 لي، ]الأمالي للصدوق[ صالح بن عيسى العجلي عن محمد بن محمد بن علي عن محمد بن الفرج عن عبد الله بن محمد العجلي عن عبد العظيم الحسني عن أبيه عن أبان مولى زيد بن علي عن عاصم بن بهدلة عن شريح مثله مع زيادة سيأتي في أبواب مواعظه ع بيان يقال شخص بصره بالفتح فهو شاخص إذا فتح عينيه و صار لا يطرف و هو كناية عن الموت و يجوز أن يكون من شخص من البلد يعني ذهب و سار أو من شخص السهم إذا ارتفع عن الهدف و المراد يخرجك منها مرفوعا محمولا على أكتاف الرجال و سلمه إليه أعطاه فتناوله منه قوله ع خالصا أي من الدنيا و حطامها ليس معك شي‏ء منها قوله ع فإذا أنت في أكثر النسخ بالتنوين فهو جزاء شرط محذوف أي لو ابتعتها كذلك فقد خسرت الدارين و في بعضها بالألف غير منون فتكون إذا الفجائية كقول الله تعالى فَإِذا هُمْ خامِدُونَ و أزعجه أقلقه و قلعه عن مكانه و الخطة بالكسر هي الأرض يخطها الإنسان أي يعلم عليها علامة بالخط ليعمرها و منه خطط الكوفة و البصرة و لعل فيه إشعارا بأن ملكهم لها ليس ملكا تاما بل من قبيل العلامة التي يعلم الإنسان على أرض يريد التصرف فيها قوله ع و تجمع هذه الدار أي تحيط بها و يقال أرداه أي أهلكه قوله و فيه يشرع على البناء للمجهول أي يفتح و لعله كناية عن أن سبب شراء هذه الدار هو الشيطان و إغواؤه أو عن أن هذه الدار تفتح باب وساوس الشيطان على الإنسان قوله ع بالخروج الباء للعوض فالخروج هو الثمن قوله ع فما أدرك ما شرطية و أدرك بمعنى لحق و اسم الإشارة مفعوله و الدرك بالتحريك التبعة و البلبلة الاضطراب و الاختلاط و إفساد الشي‏ء بحيث يخرج عن حد الانتفاع به و المراد به الموت أو ملكه أو الرب تعالى شأنه و قوله إشخاص مبتدأ و على مبلبل خبره و يقال نجد أي فرش المنزل بالوسائد و التنجيد التزيين و يجوز أن يكون المراد به هنا الرفع من النجد و هو المرتفع من الأرض و يقال اعتقد ضيعة و مالا أي اقتناهما. ثم اعلم أنه يكفي لمناسبة ما يكتب في سجلات البيوع لفظ الدرك و لا يلزم مطابقته لما هو المعهود فيها من كون الدرك لكون المبيع أو الثمن معيبا أو مستحقا للغير فالمراد بالدرك التبعة و الإثم أي ما لحق هذا المشتري من وزر و حط مرتبة و نقص عن حظوظ الآخرة فسيجزى بها في القيامة. أقول و يحتمل أيضا عندي أن يكون المشتري هذا الشخص من حيث كونه تابعا للهوى و لذا وصفه تارة بالعبد الذليل أي الأسير في قيد الهوى و بين ذلك آخرا حيث عبر عنه بالمغتر بالأمل و البائع هذا الشخص أيضا حيث أعطاه الله العقل و نبه عقله و آذنه بالرحيل و أعلمه أنه ميت و لا بد من أن يموت و المدرك لتلك الأمور و المخاطب بها هو النفس من حيث اشتماله على العقل و لما كان هذا العقل شأنه تحصيل السعادات الدائمة و المثوبات الأخروية و الدار الباقية و هذا المأسور في قيد الهوى استعمله في تحصيل الدار الفانية المحفوفة بالآفات و البليات و أعطاه عوضا من كسبه الخروج من عز القناعة و الدخول في ذل الطلب فعلى البائع عليه دعوى الدرك في القيامة بأنك ضيعت كسبي و نقصت حظي و أبدلتني من سعيي ذلا و نقصا و هوانا فعند ذلك يخسر المبطلون فهذا ما خطر بالبال فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ

49-  كا، ]الكافي[ العدة عن البرقي عن أبيه عن بعض أصحابه عن أيوب بن الحر عن محمد بن علي الحلبي قال سألت أبا عبد الله ع عن الطعام فقال عليك بالخل و الزيت فإنه مري‏ء و إن عليا ع كان يكثر أكله و إني أكثر أكله و إنه مري‏ء

50-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن علي بن أسباط عن يعقوب بن سالم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كان أمير المؤمنين ع يأكل الخل و الزيت و يجعل نفقته تحت طنفسته

51-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن فاطمة بنت علي عن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع و أمها زينب بنت رسول الله ص قالت أتاني أمير المؤمنين ع في شهر رمضان فأتي بعشاء و تمر و كمأة فأكل ع و كان يحب الكمأة

52-  كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله ع قال إن عليا كان عندكم فأتى بني ديوان فاشترى ثلاثة أثواب بدينار القميص إلى فوق الكعب و الإزار إلى نصف الساق و الرداء من بين يديه إلى ثدييه و من خلفه إلى ألييه ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ثم قال هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه قال أبو عبد الله ع و لكن لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم و لو فعلنا لقالوا مجنون و لقالوا مراء و الله عز و جل يقول وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال و ثيابك ارفعها لا تجرها فإذا قام قائمنا كان هذا اللباس

53-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن جعفر بن محمد الأشعري عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع إذا لبس القميص مد يده فإذا طلع على أطراف الأصابع قطعه

54-  كا، ]الكافي[ العدة عن البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن الحسن الصيقل قال قال لي أبو عبد الله ع تريد أريك قميص علي الذي ضرب فيه و أريك دمه قال قلت نعم فدعا به و هو في سفط فأخرجه و نشره فإذا هو قميص كرابيس يشبه السنبلاني و إذا موضع الجيب إلى الأرض و إذا أثر دم أبيض شبه اللبن شبه شطيب السيف قال هذا قميص كرابيس على الذي ضرب فيه و هذا أثر دمه فشبرت بدنه فإذا هو ثلاثة أشبار و شبرت أسفله فإذا هو اثنا عشر شبرا

 بيان شطيب السيف طرائقه التي في متنه

55-  كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة بن أعين قال رأيت قميص علي ع الذي قتل فيه عند أبي جعفر ع فإذا أسفله اثنا عشر شبرا و بدنه ثلاثة أشبار و رأيت فيه نضج دم

56-  نهج، ]نهج البلاغة[ و الله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها و لقد قال لي قائل أ لا تنبذها عنك فقلت اعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى

 إيضاح السرى كالهدى السير عامة الليل و هذا مثل يضرب لمحتمل المشقة العاجلة للراحة الآجلة.

 و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح هذا الكلام جاء في أخبار علي ع التي ذكرها أبو عبد الله أحمد بن حنبل في كتاب فضائله و هو روايتي عن قريش بن السبيع بن المهنا العلوي عن أبي عبد الله أحمد بن علي بن المعمر عن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفي المعروف بابن الطيوري عن محمد بن علي بن محمد بن يوسف العلاف المزني عن أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أبي عبد الله أحمد قال قيل لعلي ع يا أمير المؤمنين لم ترقع قميصك قال يخشع القلب و يقتدي به المؤمنون

 و روى أحمد أن عليا ع كان يطوف الأسواق مؤتزرا بإزار مرتديا برداء و معه الدرة كأنه أعرابي بدوي فطاف مرة حتى بلغ سوق الكرابيس فقال لواحد يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم فلما جاء أبو الغلام أخبروه فأخذ درهما ثم جاء إلى علي ع ليدفعه إليه فقال ما هذا أو قال ما شأنه هذا فقال يا مولاي إن القميص الذي باعك ابني كان يساوي درهمين فلم يأخذ الدرهم و قال باعني برضاي و أخذ برضاه

 و روى أحمد عن أبي البوار بائع الخام بالكوفة قال جاء علي بن أبي طالب ع إلى السوق و معه غلام له و هو خليفة فاشترى مني قميصين و قال لغلامه اختر أيهما شئت فأخذ أحدهما و أخذ على الآخر قال ثم لبسه و مد يده فوجد كمه فاضلة فقال اقطع الفاضل فقطعته ثم كفه و ذهب

و روى أحمد عن الصمال بن عمير قال رأيت قميص علي ع الذي أصيب فيه و هو كرابيس سنبلاني و رأيت دمه قد سأل عليه كالدردي. و روى أحمد قال لما أرسل عثمان إلى علي وجدوه مدثرا بعباءة محتجزا و هو يذود بعيرا له و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما ذكرناه كفاية

57-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع و الله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا و أجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من أن ألقى الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد و غاصبا لشي‏ء من الحطام و كيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها و يطول في الثرى حلولها و الله لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعا و رأيت صبيانه شعث الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم و عاودني مؤكدا و كرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني و أتبع قياده مفارقا طريقتي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها و كاد أن يحترق من ميسمها فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أ تئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه و تجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه أ تئن من الأذى و لا أئن من لظى و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها و معجونة شنئتها كأنها عجنت بريق حية أو قيئها فقلت أ صلة أم زكاة أم صدقة فذلك كله محرم علينا أهل البيت فقال لا ذا و لا ذلك و لكنها هدية فقلت هبلتك الهبول أ عن دين الله أتيتني لتخدعني أ مختبط أم ذو جنة أم تهجر و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ما لعلي و نعيم يفنى و لذة لا تبقى نعوذ بالله من سبات العقل و قبح الزلل و به نستعين

 بيان السعدان نبت و هو أفضل مراعي الإبل و لهذا النبت شوك يقال له حسك السعدان و المسهد الممنوع من النوم و صفده يصفده شده و أوثقه و كذلك التصفيد و الحطام ما تكسر من اليبس شبه به متاع الدنيا لفنائه و القفول الرجوع من السفر و هو إما كناية عن الشيب فإن الشباب إقبال إلى الدنيا و الشيب إدبار عنها أو الموت فإن الآخرة هي الموطن الأصلي فبالموت يرجع إليها أو إلى ما كان قبل تعلق الروح به و الإسناد إلى النفس مجازي أو المراد بالنفس البدن و الأظهر عندي أن القفول جمع القفل استعيرت لأوصال البدن و مفاصلها و الإملاق الفقر قوله ع شعث الألوان أي مغبر الألوان و يوصف الجوع بالغبرة و العظلم بالكسر النيل و قيل هو الوسمة قوله ع ذي دنف أي ذي سقم مولم و الثكل فقدان المرأة ولدها قوله شنئتها أي أبغضتها و نفرت منها و لعل المراد بالصلة ما يتوصل به إلى تحصيل المطلوب من المصانعة و الرشوة و بالصدقة الزكاة المستحبة و لا يبعد حرمتها على الإمام و يحتمل أن يكون المراد بالحرمة ما يشمل الكراهة الشديدة و يقال هبلته أي ثكلته و الهبول بفتح الهاء من النساء التي لا يبقى لها ولد و المختبط المصروع و ذو الجنة من به مس من الشيطان و الذي يهجر هو الذي يهذي في مرض ليس بصرع كالمحموم و المبرسم و الجلب بالضم القشر و القضم الأكل بأطراف الأسنان و السبات بالضم النوم. أقول قد مضت الخطبة و شرحها و إنما كررت لما فيهما من الاختلاف

58-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن غياث بن مصعب عن محمد بن حماد عن حاتم الأصم عن شقيق البلخي عمن أخبره من أهل العلم قال قال جابر بن عبد الله الأنصاري لقيت علي بن أبي طالب ع ذات يوم صباحا فقلت كيف أصبحت يا أمير المؤمنين قال بنعمة من الله و فضل من رجل لم يزر أخا و لم يدخل على مؤمن سرورا قلت و ما ذلك قال يفرج عنه كربا أو يقضي عنه دينا أو يكشف عنه فاقته قال جابر و لقيت عليا يوما فقلت كيف أصبحت يا أمير المؤمنين قال أصبحنا و بنا من نعم الله و فضله ما لا نحصيه مع كثير ما نحصيه فما ندري أي نعمة نشكر أ جميل ما ينشر أم قبيح ما يستر قال و قال عبد الله بن جعفر دخلت على عمي علي ع صباحا و كان مريضا فقلت كيف أصبحت يا أمير المؤمنين قال يا بني كيف أصبح من يفنى ببقائه و يسقم بدوائه و يؤتى من مأمنه

 أقول سيأتي بعض أخبار مكارمه صلوات الله عليه في خطبة الحسن ع بعد وفاته و في أبواب خطبه و مواعظه و سائر أبواب هذا الكتاب و قد مر كثير منها في الأبواب السابقة