باب 8- ما ظهر من فضله صلوات الله عليه في غزوة خيبر

1-  يف، ]الطرائف[ روى أحمد بن حنبل في مسنده من أكثر من ثلاثة عشر طريقا فمنها عن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي يقول حاضرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف و لم يفتح له ثم أخذها من الغد عمر فرجع و لم يفتح له ثم أخذها عثمان و لم يفتح له و أصاب الناس يومئذ شدة و جهد فقال رسول الله ص إني دافع الراية غدا إلى رجل يحبه الله و رسوله و يحب الله و رسوله لا يرجع حتى يفتح الله له و بتنا طيبة أنفسنا أن نفتح غدا ثم قام قائما و دعا باللواء و الناس على مصافهم و دعا عليا ع و هو أرمد فتفل في عينه و دفع إليه اللواء و فتح له

 و رواه البخاري في صحيحه في أواخر الجزء الثالث منه عن سلمة بن الأكوع   و رواه أيضا البخاري في الجزء المذكور عن سهل و رواه أيضا البخاري في الجزء الرابع في رابع كراس من النسخة المنقول منها و رواه أيضا في الجزء الرابع في ثلثه الأخير من صحيحه في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و رواه البخاري في الجزء الخامس من صحيحه في رابع كراس من أوله من النسخة المنقولة منها و رواه مسلم أيضا في صحيحه في أواخر كراس من الجزء المذكور من النسخة المشار إليها

 فمن رواية البخاري و مسلم في صحيحهما من بعض طرقهما أن رسول الله ص قال في يوم الخيبر لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول الله ص كلهم يرجون أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله ص في عينه و دعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي ع يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام فأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن تكون لك حمر النعم

 و رووه في الجمع بين الصحاح الستة من جزء الثالث في غزوة خيبر من صحيح الترمذي و رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند سهل بن سعد و في مسند سعد بن أبي وقاص و في مسند أبي هريرة و في مسند سلمة بن الأكوع و رواه الفقيه  الشافعي ابن المغازلي أيضا من طرق جماعة

 فمن روايات الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال بعث رسول الله ص أبا بكر إلى خيبر فلم يفتح له ثم بعث عمر فلم يفتح له فقال لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله فدعا علي بن أبي طالب ع و هو أرمد العين فتفل في عينيه ففتح عينيه كأنه لم يرمد قط فقال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك فخرج يهرول و أنا خلف أثره حتى ركز رايته في أصلهم تحت الحصن فأطلع رجل يهودي من رأس الحصن فقال من أنت قال علي بن أبي طالب فالتفت إلى أصحابه فقال غلبتم و الذي أنزل التوراة على موسى قال فما رجع حتى فتح الله عليه

 و رواه علماء التاريخ مثل محمد بن يحيى الأزدي و ابن جرير الطبري و الواقدي و محمد بن إسحاق و أبي بكر البيهقي في دلائل النبوة و أبي نعيم في كتاب حلية الأولياء و الأشنهي في الاعتقاد عن عبد الله بن عمر و سهل بن سعد و سلمة بن الأكوع و أبي سعيد الخدري و جابر الأنصاري أن النبي ص بعث أبا بكر برايته مع المهاجرين هي رايته البيضاء فعاد يؤنب قومه و يؤنبونه ثم بعث عمر من بعده فرجع يجبن أصحابه و يجبنونه حتى ساء ذلك النبي ص فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله و رسوله و يحب الله و رسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه فأعطاها عليا ففتح على يديه

 و رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً و ذلك في فتح خيبر قال حاصر رسول الله ص أهل خيبر حتى  أصابتنا مخمصة شديدة و أن رسول الله ص أعطى اللواء عمر بن الخطاب و نهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر و أصحابه و رجعوا إلى رسول الله ص يجبنه أصحابه و يجبنهم و كان رسول الله ص قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأخذ أبو بكر راية رسول الله ص ثم نهض فقاتل ثم رجع فأخذها عمر فقاتل ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله ص فقال أنا و الله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يأخذها عنوة و ليس ثم علي فلما كان الغد تطاول إليها أبو بكر و عمر و رجال من قريش رجاء كل واحد منهم أن يكون هو صاحب ذلك فأرسل رسول الله ص سلمة بن الأكوع إلى علي ع فجاءه على بعير له حتى أناخ قريبا من رسول الله ص و هو أرمد قد عصب عينيه بشقة برد قطري قال سلمة فجئت به أقوده إلى رسول الله ص فقال رسول الله ص ما لك قال رمدت قال ادن مني فدنا منه فتفل في عينيه فما شكا وجعها بعد حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية فنهض بالراية

 ثم ذكر الثعلبي صورة حال الحرب بين علي و بين مرحب و كان على رأس مرحب مغفر مصفر و حجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ثم قال فاختلفا ضربتين فبدره علي ع بضربة فقد الحجر و المغفر و فلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس و أخذ المدينة و كان الفتح على يده

 قال السيد و رأيت في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في الموضع الذي تقدمت الإشارة إليه و هو في أواخر كراس من الجزء الرابع زيادة و هي أن عمر بن الخطاب قال ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فتشاوقت لها رجاء أن أدعى لها فدعا رسول الله ص علي بن أبي طالب ع فأعطاه الراية و قال امش و لا تلتفت حتى يفتح الله عليك قال فسار علي شيئا ثم وقف و لم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ما ذا أقاتل قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا  رسول الله فإن فعلوا فقد منعوا منك دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله

انتهى كلام السيد أقول و روى ابن الأثير في جامع الأصول من صحيح الترمذي عن البراء أن رسول الله ص بعث إلى اليمن جيشين و أمر على أحدهما عليا و على الآخر خالدا فقال إذا كان القتال فعلي قال ففتح علي حصنا فأخذ منه جارية قال فكتب معي خالد إلى رسول الله ص بخبره قال فلما قدمت على رسول الله ص و قرأ الكتاب رأيته يتغير لونه فقال ما ترى في رجل يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله فقلت أعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله و إنما أنا رسول فسكت

 و روي أيضا من الترمذي عن بريدة قال قال رسول الله ص إن الله تبارك و تعالى أمرني بحب أربعة و أخبرني أنه يحبهم قيل يا رسول الله سمهم لنا قال علي منهم يقول ذلك ثلاثا و أبو ذر و المقداد و سلمان أمرني بحبهم و أخبرني أنه يحبهم

 و روي من صحيحي مسلم و الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت النبي ص يقول يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله فتطاولنا فقال ادعوا لي عليا فأتي به أرمد فبصق في عينه و دفع الراية إليه ففتح الله عليه

 و روي من الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال كان علي ع قد تخلف عن النبي ص في خيبر و كان رمدا فقال أنا أتخلف عن رسول الله ص فخرج علي فلحق النبي ص فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله ص لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله و رسوله أو قال  يحب الله و رسوله يفتح الله على يديه فإذا نحن بعلي و ما نرجوه فقالوا هذا علي ففتح الله عليه

 و روي أيضا من الصحيحين عن سهل بن سعد أن رسول الله ص قال يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق في عينه و دعا له فبرأ حتى كان كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي ع يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام و أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز و جل فيه فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم

 و روي من الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ص قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله و رسوله يفتح الله على يديه قال عمر بن الخطاب ما أحببت الإمارة إلا يومئذ قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها قال فدعا رسول الله ص علي بن أبي طالب ع فأعطاه إياها و قال امش و لا تلتفت حتى يفتح الله عليك قال فسار علي شيئا ثم وقف و لم يلتفت فصرخ برسول الله ص على ما ذا أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله

 و روى ابن شيرويه في الفردوس عن سهل بن سعد قال قال النبي ص لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله لا يرجع حتى يفتح عليه يعني علي بن أبي طالب

 بيان قال في النهاية في حديث خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله و رسوله و يحب الله و رسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون تلك الليلة  أي يخوضون و يموجون فيمن يدفعها إليه يقال وقع الناس في دوكة و دوكة أي في خوض و اختلاط و قال القطري أي بالكسر ضرب من البرود فيه حمرة و لها أعلام فيها بعض الخشونة و قيل هي حلل جياد تحمل من قبل البحرين و قال الأزهري في أعراض البحرين قرية يقال لها قطر و أحسب الثياب القطرية نسبت إليها فكسروا القاف للنسبة و خففوا و كأن المراد بالمصفر المذهب و في القاموس اشتاف تطاول و نظر و تشوف إلى الخبر تطلع و من السطح تطاول و نظر و أشرف و بالراء معناه قريب من ذلك و الأظهر فتساورت قال في النهاية في الحديث فتساورت لها أي رفعت لها شخصي و التطاول أيضا قريب منه أي كل منهم يمد عنقه ليراه النبي ص رجاء أن يعطاها

2-  مد، ]العمدة[ بالإسناد إلى عبد الله بن أحمد عن أبيه عن وكيع عن ابن ليلى عن المنهال بن عمرو عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان أبي يسمر مع علي ع و كان علي ع يلبس ثياب الصيف في الشتاء و ثياب الشتاء في الصيف فقيل له لو سألته عن هذا فسأله عن هذا فقال صدق رسول الله ص بعث إلي و أنا أرمد يوم خيبر فقلت يا رسول الله إني أرمد فتفل في عيني و قال اللهم أذهب عنه الحر و القر فما وجدت حرا و لا بردا قال و قال لأبعثن رجلا يحبه الله و رسوله و يحب الله و رسوله ليس بفرار قال فتشوف لها الناس فبعث عليا ع

   أقول روى ابن بطريق ما مر من الأخبار من مسند أحمد بن حنبل باثني عشر طريقا آخر عن أبي سعيد الخدري و سعيد بن المسيب و بريدة و أبي هريرة و سهل بن سعد و أبي ليلى و سعد بن أبي وقاص و من صحيح مسلم بستة طرق عن سلمة بن الأكوع و سهل بن سعد و من صحيح مسلم بستة طرق عن عمر بن الخطاب و ابن عباس و أبي هريرة و سهل بن سعد و سلمة بن الأكوع و من مناقب ابن المغازلي باثني عشر طريقا عن سلمة و أبي موسى الأشعري و عمران بن حصين و أبي هريرة و أبي سعيد الخدري و سعد و بريدة و عامر بن سعد و من الجمع بين الصحاح الستة مما رواه من صحيح الترمذي بسندين عن سلمة و سعد و من تفسير الثعلبي مثل ما مر و ساق الحديث إلى أن قال ثم أعطاه الراية فنهض بالراية و عليه حلة أرجوانية حمراء قد أخرج كميها فأتى مدينة خيبر فخرج مرحب صاحب الحصن و عليه مغفر مصفر و حجر قد ثقبه مثل البيضة و وضعه على رأسه و هو يرتجز و يقول

قد علمت خيبر أني مرحب شاك السلاح بطل مجرب‏أطعن أحيانا و حينا أضرب إذ الحروب أقبلت تلهب‏كان حماي كالحمى لا تقرب

. فبرز إليه علي صلوات الله عليه فقال

أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات شديد القسورةأكيلكم بالسيف كيل السندرة

. فاختلفا ضربتين فبدره علي ع بضربة فقد الحجر و المغفر و فلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس و أخذ المدينة و كان الفتح على يديه ثم قال ابن بطريق قال أبو محمد عبد الله بن مسلم سألت بعض آل أبي طالب عن قوله

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

 فذكر أن أم علي ع كانت فاطمة بنت أسد ولدت عليا ع و  أبو طالب غائب فسمته أسدا باسم أبيها فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم الذي سمته به أمه و سماه عليا فلما رجز علي ع يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمته أمه فقال حيدرة اسم من أسماء الأسد و السندرة شجرة يعمل منها القسي و في الحديث يحتمل أن يكون مكيالا يتخذ من هذه الشجرة و يحتمل أن يكون السندرة أيضا امرأة تكيل كيلا وافيا. أقول قد مضت الأخبار المعتبرة في ذلك في أنواع ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الغزوة في باب قصة خيبر و إنما أوردنا هاهنا قليلا من الأخبار من طرق المخالفين إلزاما عليهم.

 و روى السيد المرتضى في كتاب الشافي عن أبي سعيد الخدري أن النبي ص أرسل عمر إلى خيبر فانهزم و من معه فقدم على رسول الله ص يجبن أصحابه و يجبنونه فبلغ ذلك من رسول الله ص كل مبلغ فبات ليلته مهموما فلما أصبح خرج إلى الناس و معه الراية فقال لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار فتعرض لها جميع المهاجرين و الأنصار فقال ص أين علي فقالوا يا رسول الله هو أرمد فبعث إليه أبا ذر و سلمان فجاءا به يقاد لا يقدر على فتح عينيه من الرمد فلما دنا من رسول الله ص تفل في عينيه و قال اللهم أذهب عنه الحر و البرد و انصره على عدوه فإنه عبدك يحبك و يحب رسولك غير فرار ثم دفع إليه الراية و استأذنه حسان بن ثابت أن يقول فيه شعرا فأذن فأنشأ يقول

و كان علي أرمد العين يبتغي دواء فلما لم يحس مداوياشفاه رسول الله منه بتفلة فبورك مرقيا و بورك راقيا

  و قال سأعطي الراية اليوم صارما كميا محبا للرسول مواليايحب إلهي و الإله يحبه به يفتح الله الحصون الأوابيافأصفى بها دون البرية كلها عليا و سماه الوزير المواخيا

. و يقال إن أمير المؤمنين ع لم يجد بعد ذلك أذى حر و برد.

 و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس هذا الخبر على وجه آخر قال بعث رسول الله ص أبا بكر إلى خيبر فرجع و قد انهزم و انهزم الناس معه ثم بعث من الغد عمر فرجع و قد جرح في رجليه و انهزم الناس معه فهو يجبن أصحابه و أصحابه يجبنونه فقال رسول الله ص لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله ليس بفرار و لا يرجع حتى يفتح الله عليه و قال ابن عباس فأصبحنا متشوقين نرائي وجوهنا رجاء أن يكون يدعى رجل منا فدعا رسول الله ص عليا ع و هو أرمد فتفل في عينيه و دفع إليه الراية ففتح بابه عليه

ثم قال السيد فهذه الأخبار و جميع ما روي في هذه القصة و كيفية ما جرت عليه يدل على غاية التفضيل و التقديم لأنه لو لم يفد القول إلا المحبة التي هي حاصلة في الجماعة و موجودة فيهم لما قصدوا لدفع الراية و تشوقوا إلى دعائهم إليها و لا غبط أمير المؤمنين بها و لا مدحته الشعراء و لا افتخرت له بذلك المقام و في مجموع القصة و تفصيلها إذا تأملت ما يكاد يضطر إلى غاية التفضيل و نهاية التقديم. ثم ذكر عن بعض الأصحاب استدلالا وثيقا على أن ما ذكره النبي ص في شأنه بعد فرار أبي بكر و عمر و سخطه عليهما في ذلك يدل على أنهما لم يكونا متصفين بشي‏ء من تلك الصفات و قال إنهم لم يرجعوا في نفي الصفة عن غيره إلى مجرد  إثباتها له و إنما استدلوا بكيفية ما جرى في الحال على ذلك لأنه لا يجوز أن يغضب من فرار من فر و ينكره ثم يقول إني أدفع الراية إلى من عنده كذا و كذا و ذلك عند من تقدم أ لا ترى أن بعض الملوك لو أرسل رسولا إلى غيره ففرط في أداء رسالته و حرفها و لم يوردها على حقها فغضب لذلك و أنكر فعله و قال لأرسلن رسولا حسن القيام بأداء رسالتي مضطلعا بها لكنا نعلم أن الذي أثبته منفي عن الأول و قال كما انتفى عمن تقدم فتح الحصن على أيديهم و عدم فرارهم كذلك يجب أن ينتفي سائر ما أثبت له لأن الكل خرج مخرجا واحدا أورد على طريقة واحدة انتهى. أقول لا يخفى متانة هذا الكلام على من راجع وجدانه و جانب تعسفه و عدوانه فيلزم منه عدم كون الشخصين محبين لله و لرسوله و من لم يحبهما فقد أبغضهما و من أبغضهما فقد كفر و يلزم منه أن لا يحبهما الله و رسوله و لا ريب في أن من كان مؤمنا صالحا يحبه الله و رسوله بل يكفي الإيمان في ذلك و قد قال تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ و قال قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ و يلزم منه أن لا يقبل الله منهما شيئا من الطاعات لأن الله تعالى يقول إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فلو كان الله تعالى قبل منهما الجهاد لكان يحبهما و لو كان قبل منهما توبتهما عن الشرك لكان يحبهما و لو كانا متطهرين لكان يحبهما و يلزم أن لا يكونا من الصَّابِرِينَ  و لا من الْمُتَّقِينَ و لا من الْمُتَوَكِّلِينَ و لا من الْمُحْسِنِينَ و لا من الْمُقْسِطِينَ لأن الله بين حبه لهم في آيات كثيرة و أن الله إنما نسب عدم حبه إلى الْخائِنِينَ و الظَّالِمِينَ و الْكافِرِينَ و الْفَرِحِينَ و الْمُسْتَكْبِرِينَ و الْمُسْرِفِينَ و الْمُعْتَدِينَ و الْمُفْسِدِينَ و كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ و كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ و أمثالهم كما لا يخفى على من تدبر في الآيات الكريمة و من كان بهذه المثابة كيف يستحق الخلافة و الإمامة و التقدم على جميع الأمة لا سيما خيرهم و أفضلهم علي بن أبي طالب ع و أيضا يدل على أن قوله تعالى يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ نازل فيه صلوات الله عليه لا في أبي بكر كما زعمه إمامهم الرازي في تفسيره إذ لا يجوز أن ينفي الرسول عنه ما أثبته الله له.

 و مما ظهر من فضله صلوات الله عليه في ذلك اليوم ما رواه الشيخ الطبرسي في كتاب إعلام الورى من كتاب المعرفة لإبراهيم بن سعيد الثقفي عن الحسن بن الحسين العرني و كان صالحا عن كادح بن جعفر البجلي و كان من الأبدال عن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد عن مسلم بن يسار عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال لما قدم علي ع على رسول الله ص بفتح خيبر قال له رسول الله ص لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملإ إلا أخذوا من تراب رجليك و من فضل طهورك يستشفون به و لكن حسبك أن تكون مني و أنا منك ترثني و أرثك و أنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و أنك تبرئ ذمتي و تقاتل على سنتي و أنك في الآخرة أقرب الناس مني و أنك غدا علي الحوض خليفتي و أنك أول من يرد علي الحوض غدا و أنك أول من يكسى معي و أنك أول من يدخل الجنة من أمتي و أن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم و يكونون في الجنة جيراني و أن حربك حربي و أن سلمك سلمي و  أن سرك سري و أن علانيتك علانيتي و أن سريرة صدرك كسريرة صدري و أن ولدك ولدي و أنك تنجز عداتي و أن الحق معك و أن الحق على لسانك و في قلبك و بين عينيك و أن الإيمان مخالط لحمك و دمك كما خالط لحمي و دمي و أنه لا يرد علي الحوض مبغض لك و لن يغيب عنه محب لك غدا حتى يرد و الحوض معك فخر علي ع ساجدا ثم قال الحمد لله الذي من علي بالإسلام و علمني القرآن و حببني إلى خير البرية خاتم النبيين و سيد المرسلين إحسانا منه إلي و فضلا منه علي فقال له النبي ص عند ذلك لو لا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي

 لي، ]الأمالي للصدوق[ الحافظ عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن ثواب عن إسحاق بن منصور عن كادح البجلي عن عبد الله بن لهيعة مثله