باب 101- احتجاجات أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الزنديق المدعي للتناقض في القرآن و أمثاله

1-  ج، ]الإحتجاج[ جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين ع و قال لو لا ما في القرآن من الاختلاف و التناقض لدخلت في دينكم فقال له علي ع و ما هو قال قوله تعالى نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ و قوله فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا و قوله وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا و قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ و قوله وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و قوله تعالى يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً و قوله إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ و قوله لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ و قوله الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ و قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ و قوله وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى و قوله لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ الآيتين و قوله ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا   وَحْياً و قوله كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ و قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ و قوله بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ و قوله فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ و قوله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ و قوله وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها و قوله وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ و قوله فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ قال أمير المؤمنين ع فأما قوله تعالى نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ يعني إنما نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئا فصاروا منسيين من الخير و كذلك تفسير قوله عز و جل فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به و برسوله و خافوه بالغيب و أما قوله وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فإن ربنا تبارك و تعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى و لا يغفل بل هو الحفيظ العليم و قد يقول العرب قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي إنه لا يأمر لهم بخير و لا يذكرهم به قال ع و أما قوله عز و جل يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً و قوله عز و جل وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و قوله عز و جل يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً و قوله ع إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ و قوله لا تَخْتَصِمُوا   لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ و قوله الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة و المراد يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا و الكفر في هذه الآية البراءة يقول يتبرأ بعضهم من بعض و نظيرها في سورة إبراهيم ع قول الشيطان إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ و قول إبراهيم خليل الرحمن كَفَرْنا بِكُمْ يعني تبرأنا منكم ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيها فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لزالت جميع الخلق عن معايشهم و انصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله و لا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع و يفضوا إلى الدماء ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و هؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلم ينفعهم إيمانهم بالله مع مخالفتهم رسله و شكهم فيما أتوا به عن ربهم و نقضهم عهودهم في أوصيائهم و استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير فكذبهم الله بما انتحلوه من الإيمان بقوله انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ فيختم الله على أفواههم و تستنطق الأيدي و الأرجل و الجلود فيشهد بكل معصية كانت منهم ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر و عظم البلاء فذلك قول الله عز و جل يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ الآية

   ثم يجتمعون في موطن آخر و يستنطق فيه أولياء الله و أصفياؤه فلا يتكلم أحد إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا فتقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى أممهم فأخبروا أنهم قد أدوا ذلك إلى أممهم و يسأل الأمم فتجحد كما قال الله فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فيقولون ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فتستشهد الرسل رسول الله ص فيشهد بصدق الرسل و تكذيب من يجحدها من الأمم فيقول لكل أمة منهم بلى قد جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم و كذلك قال الله تعالى لنبيه فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم و أن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون و يشهد على منافقي قومه و أمته و كفارهم بإلحادهم و عنادهم و نقضهم عهده و تغييرهم سنته و اعتدائهم على أهل بيته و انقلابهم على أعقابهم و ارتدادهم على أدبارهم و احتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها فيقولون بأجمعهم رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَ كُنَّا قَوْماً ضالِّينَ ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد ص و هو المقام المحمود فيثني على الله عز و جل بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد ص ثم يثني على الأنبياء بما لم يثن عليهم أحد مثله ثم يثني على كل مؤمن و مؤمنة يبدأ بالصديقين و الشهداء ثم بالصالحين فتحمده أهل السماوات و أهل الأرضين فذلك قوله عز و جل عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً فطوبى لمن كان   له في ذلك المقام حظ و نصيب و ويل لمن لم يكن له في هذا المقام حظ و لا نصيب ثم يجتمعون في موطن آخر يلجمون فيه و يتبرأ بعضهم من بعض و هذا كله قبل الحساب فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه نسأل الله بركة ذلك اليوم قال علي ع و أما قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز و جل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى نهر الحيوان فيغتسلون منه و يشربون من آخر فتبيض وجوههم فيذهب عنهم كل أذى و قذى و وعث ثم يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم و منه يدخلون الجنة فذلك قوله عز و جل في تسليم الملائكة عليهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ فعند ذلك أثيبوا بدخول الجنة و النظر إلى ما وعدهم الله عز و جل فذلك قوله تعالى إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و الناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة أ لم تسمع إلى قوله تعالى فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ أي منتظرة بم يرجع المرسلون و أما قوله وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى يعني محمدا ص حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عز و جل و قوله في آخر الآية ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى رأى جبرئيل ع في صورته مرتين هذه المرة و مرة أخرى و ذلك أن خلق جبرئيل ع خلق عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم و لا صفتهم إلا رب العالمين قال علي ع و أما قوله تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً   أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ

كذلك قال الله تعالى قد كان الرسول يوحي إليه رسل السماء فتبلغ رسل السماء إلى رسل الأرض و قد كان الكلام بين رسل أهل الأرض و بينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء و قد قال رسول الله ص يا جبرئيل هل رأيت ربك عز و جل فقال جبرئيل ع إن ربي عز و جل لا يرى فقال رسول الله ص من أين تأخذ الوحي قال آخذه من إسرافيل قال و من أين يأخذه إسرافيل قال يأخذه من ملك من فوقه من الروحانيين قال فمن أين يأخذه ذلك الملك قال يقذف في قلبه قذفا فهذا وحي و هو كلام الله عز و جل و كلام الله عز و جل ليس بنحو واحد منه ما كلم الله عز و جل به الرسل و منه ما قذف في قلوبهم و منه رؤيا يراها الرسل و منه وحي و تنزيل يتلى و يقرأ فهو كلام الله عز و جل قال علي ع و أما قوله كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فإنما يعني به يوم القيامة عن ثواب ربهم لمحجوبون و قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يخبر محمدا ص عن المشركين و المنافقين الذين لم يستجيبوا لله و لرسوله فقال هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى فهذا خبر يخبر به النبي ص عنهم ثم قال يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الآية يعني لم تكن آمنت من قبل أن تجي‏ء هذه الآية و هذه الآية هي طلوع الشمس من مغربها و قال في آية أخرى فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا يعني أرسل عليهم عذابا و كذلك إتيانه بنيانهم حيث قال فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ   الْقَواعِدِ يعني أرسل عليهم العذاب قال علي ع و أما قوله عز و جل بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ و قوله الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ و قوله إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ و قوله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً يعني البعث فسماه الله لقاء و كذلك قوله مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ يعني من كان يؤمن أنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب و العقاب فاللقاء هاهنا ليس بالرؤية و اللقاء هو البعث و كذلك تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون و قال علي ع و أما قوله عز و جل وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها يعني تيقنوا أنهم داخلوها و كذلك قوله إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ و أما قوله عز و جل للمنافقين وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فهو ظن شك و ليس ظن يقين و الظن ظنان ظن شك و ظن يقين فما كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين و ما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك قال ع و أما قوله عز و جل وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فهو ميزان العدل تؤخذ به الخلائق يوم القيامة يديل الله تبارك و تعالى الخلائق بعضهم من بعض و يجزيهم بأعمالهم و يقتص للمظلوم من الظالم و معنى قوله فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فهو قلة الحساب

   و كثرته و الناس يومئذ على طبقات و منازل فمنهم من يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً و منهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب لأنهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا بشي‏ء و إنما الحساب هناك على من تلبس بها هاهنا و منهم من يحاسب على النقير و القطمير و يصير إلى عذاب السعير و منهم أئمة الكفر و قادة الضلالة فأولئك لا يقيم لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً و لا يعبأ بهم لأنهم لم يعبئوا بأمره و نهيه و يوم القيامة هم فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ و من سؤال هذا الزنديق أن قال أجد الله يقول قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ و ما أشبه ذلك فمرة يجعل الفعل لنفسه و مرة لملك الموت و مرة للملائكة و أجده يقول فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و يقول وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى أعلم في الآية الأولى أن الأعمال الصالحة لا تكفر و أعلم في الآية الثانية أن الإيمان و الأعمال الصالحة لا ينفع إلا بعد الاهتداء و أجده يقول وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا فكيف يسأل الحي الأموات قبل البعث و النشور و أجده يقول إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا فما هذه الأمانة و من هذا الإنسان و ليس من صفة العزيز الحكيم التلبيس على عباده و أجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى و بتكذيبه   نوحا لما قال إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي بقوله إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ و بوصفه إبراهيم بأنه عبد كوكبا مرة و مرة قمرا و مرة شمسا و بقوله في يوسف ع وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ و بتهجينه موسى حيث قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي الآية و ببعثه على داود ع جبرئيل و ميكائيل حيث تسورا المحراب إلى آخر القصة و بحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغاضبا مذنبا فأظهر خطأ الأنبياء و زللهم ثم وارى أسماء من اغتر و فتن خلقه و ضل و أضل و كنى عن أسمائهم في قوله يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء و أجده يقول وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا و هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ فمرة يجيئهم و مرة يجيئونه و أجده يخبر أنه يتلو نبيه شاهد منه و كان الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره و أجده يقول لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ فما هذه النعيم الذي يسأل العباد عنه و أجده يقول بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ما هذه البقية و أجده يقول يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ و فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ   و كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ و أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ما معنى الجنب و الوجه و اليمين و الشمال فإن الأمر في ذلك ملتبس جدا و أجده يقول الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى و يقول أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ و هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ و هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ الآية و أجده يقول وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و ليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء و لا كل النساء أيتام فما معنى ذلك و أجده يقول وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ و كيف يظلم الله و من هؤلاء الظلمة و أجده يقول قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ فما هذه الواحدة و أجده يقول وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ و قد أرى مخالفي الإسلام معتكفين على باطلهم غير مقلعين عنه و أرى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم يلعن بعضهم بعضا فأي موضع للرحمة العامة المشتملة عليهم و أجده قد بين فضل نبيه على سائر الأنبياء ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى

   عليه في الكتاب من الإزراء عليه و انخفاض محله و غير ذلك من تهجينه و تأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء مثل قوله وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ و قوله وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً و قوله وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ و قوله وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ و هو يقول ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ و كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام و هو وصي النبي فالنبي أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال فيها وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ و هذه كلها صفات مختلفة و أحوال مناقضة و أمور مشككة فإن يكن الرسول و الكتاب حقا فقد هلكت لشكي في ذلك و إن كانا باطلين فما علي من بأس فقال أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه سبوح قدوس رب الملائكة و الروح تبارك الله و تعالى هو الحي الدائم القائم عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ هات أيضا ما شككت فيه قال حسبي ما ذكرت يا أمير المؤمنين قال ع سأنبئك بتأويل ما سألت وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ و عليه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فأما قوله تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و قوله يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ و تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا و تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ و الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فهو تبارك و تعالى أجل و أعظم   من أن يتولى ذلك بنفسه و فعل رسله و ملائكته فعله لأنهم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه و هم الذين قال الله فيهم اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة و من كان من أهل المعصية تولى قبض روحه ملائكة النقمة و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و النقمة يصدرون عن أمره و فعلهم فعله و كل ما يأتونه منسوب إليه و إذا كان فعلهم فعل ملك الموت ففعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء و يعطي و يمنع و يثيب و يعاقب على يد من يشاء و إن فعل أمناؤه فعله كما قال وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و أما قوله وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ و قوله وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فإن ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء و ليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة و لو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد و إقرارها بالله و نجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه مع الكفر و قد بين الله ذلك بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ و بقوله الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و للإيمان حالات و منازل يطول شرحها و من ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين إيمان بالقلب و إيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله ص لما قهرهم السيف و شملهم الخوف فإنهم آمنوا بألسنتهم و لم تؤمن قلوبهم فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب و من سلم الأمور

   لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم و استكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام لم يرد بها غير زخرف الدنيا و التمكين من النظرة فكذلك لا تنفع الصلاة و الصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة و طرق الحق و قد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته و إرسال رسله لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ و لم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه و متعلم على سبيل نجاة أولئك هم الأقلون عددا و قد بين الله ذلك في أمم الأنبياء و جعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله في قوم نوح وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ و قوله فيمن آمن من أمة موسى وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ و قوله في حواري عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ يعني أنهم يسلمون لأهل الفضل فضلهم و لا يستكبرون عن أمر ربهم فما أجابه منهم إلا الحواريون و قد جعل الله للعلم أهلا و فرض على العباد طاعتهم بقوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و بقوله وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ و بقوله اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ و بقوله وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ و بقوله وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها و البيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء و أبوابها أوصياؤهم فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي أهل الاصطفاء و عهودهم و حدودهم   و شرائعهم و سننهم و معالم دينهم مردود غير مقبول و أهله بمحل كفر و إن شملتهم صفة الإيمان أ لم تسمع إلى قول الله تعالى وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه بالله مع دفعه حق أوليائه و حبط عمله وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ و كذلك قال الله سبحانه فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا و هذا كثير في كتاب الله عز و جل و الهداية هي الولاية كما قال الله عز و جل وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ و الَّذِينَ آمَنُوا في هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج و الأوصياء في عصر بعد عصر و ليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و يدفعون عهد رسول الله ص بما عهد به من دين الله و عزائمه و براهين نبوته إلى وصيه و يضمرون من الكراهة لذلك و النقض لما أبرمه منه عند إمكان الأمر لهم فيه فيما قد بينه الله لنبيه بقوله فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً و بقوله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ و مثل قوله لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء و هذا كثير في كتاب الله عز و جل و قد شق على النبي ص ما يئول إليه عاقبة أمرهم

   و اطلاع الله إياه على بوارهم فأوحى الله عز و جل فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ و فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ و أما قوله وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا فهذا من براهين نبينا ص التي آتاه الله إياها و أوجب به الحجة على سائر خلقه لأنه لما ختم به الأنبياء و جعله الله رسولا إلى جميع الأمم و سائر الملل خصه الله بالارتقاء إلى السماء عند المعراج و جمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما أرسلوا به و حملوه من عزائم الله و آياته و براهينه و أقروا أجمعين بفضله و فضل الأوصياء و الحجج في الأرض من بعده و فضل شيعة وصيه من المؤمنين و المؤمنات الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم و لم يستكبروا عن أمرهم و عرف من أطاعهم و عصاهم من أممهم و سائر من مضى و من غبر أو تقدم أو تأخر و أما هفوات الأنبياء ع و ما بينه الله في كتابه و وقوع الكناية عن أسماء من اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم فإن ذلك من أدل الدلائل على حكمة الله عز و جل الباهرة و قدرته القاهرة و عزته الظاهرة لأنه علم أن براهين الأنبياء تكبر في صدور أممهم و أن منهم من يتخذ بعضهم إلها كالذي كان من النصارى في ابن مريم فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرد به عز و جل أ لم تسمع إلى قوله في صفة عيسى ع حيث قال فيه و في أمه كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ يعني من أكل الطعام كان له ثفل و من كان له ثفل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم و لم يكن عن أسماء الأنبياء تجبرا و تعززا بل تعريفا لأهل الاستبصار أن الكناية عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى و أنها من فعل المغيرين و المبدلين الذين جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ و اعتاضوا الدنيا من الدين   و قد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا و بقوله وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ و بقوله إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود و النصارى بعد فقد موسى و عيسى ع من تغيير التوراة و الإنجيل و تحريف الكلم عن مواضعه و بقوله يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما يدل على ما أحدثوه فيه و حرفوا منه و بين عن إفكهم و تلبيسهم و كتمان ما علموه منه و لذلك قال لهم لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ و ضرب مثلهم بقوله فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل و يبطل و يتلاشى عند التحصيل و الذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ و القلوب تقبله و الأرض في هذا الموضع هي محل العلم و قراره و ليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين و لا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل و الكفر و الملل المنحرفة عن قبلتنا و إبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق و المخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم و الرضا بهم و لأن

   أهل الباطل في القديم و الحديث أكثر عددا من أهل الحق و لأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عز و جل لنبيه ص فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ و إيجابه مثل ذلك على أوليائه و أهل طاعته بقوله لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فحسبك من الجواب في هذا الموضع ما سمعت فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه و أما قوله وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا و قوله وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى و قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فذلك كله حق و ليست جيئته جل ذكره كجيئة خلقه فإنه رب كل شي‏ء و من كتاب الله عز و جل ما يكون تأويله على غير تنزيله و لا يشبه تأويله كلام البشر و لا فعل البشر و سأنبئك بمثال لذلك تكتفي به إن شاء الله و هو حكاية الله عز و جل عن إبراهيم ع حيث قال إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي فذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته و اجتهاده أ لا ترى أن تأويله غير تنزيله و قال أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ و قال وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ فإنزاله ذلك خلقه إياه و كذلك قوله إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أي الجاحدين فالتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره و معنى قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فإنما هي خاطب نبينا ص هل ينتظرون المنافقون و المشركون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ فيعاينوهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ   آياتِ رَبِّكَ يعني بذلك أمر ربك و الآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة و القرون الخالية و قال أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يعني بذلك ما يهلك من القرون فسماه إتيانا و قال قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أي لعنهم الله أنى يؤفكون فسمى اللعنة قتالا و كذلك قال قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ أي لعن الإنسان و قال فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى فسمى فعل النبي فعلا له أ لا ترى تأويله على غير تنزيله و مثل قوله بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ فسمى البعث لقاء و كذلك قوله الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي يوقنون أنهم مبعوثون و مثله قوله أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ أي أ ليس يوقنون أنهم مبعوثون و اللقاء عند المؤمن البعث و عند الكافر المعاينة و النظر و قد يكون بعض ظن الكافر يقينا و ذلك قوله وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي أيقنوا أنهم مواقعوها و أما قوله في المنافقين وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فليس ذلك بيقين و لكنه شك فاللفظ واحد في الظاهر و مخالف في الباطن و كذلك قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى يعني استوى تدبيره و علا أمره و قوله وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ و قوله هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و قوله

    ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه و أن فعلهم فعله فافهم عني ما أقول لك فإني إنما أزيدك في الشرح لأثلج في صدرك و صدر من لعله بعد اليوم يشك في مثل ما شككت فيه فلا يجد مجيبا عما يسأل عنه لعموم الطغيان و الافتتان و لاضطرار أهل العلم بتأويل الكتاب إلى الاكتتام و الاحتجاب خيفة من أهل الظلم و البغي أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستورا و الباطل ظاهرا مشهورا و ذلك إذا كان أولى الناس به أعداهم له و اقترب الوعد الحق و عظم الإلحاد و ظهر الفساد هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً و نحلهم الكفار أسماء الأشرار فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ثم يتيح الله الفرج لأوليائه فيظهر صاحب الأمر على أعدائه و أما قوله وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فذلك حجة الله أقامها على خلقه و عرفهم أنه لا يستحق مجلس النبي ص إلا من يقوم مقامه و لا يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله منزلة لئلا يتسع لمن ماسه رجس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق لمقام رسول الله و ليضيق العذر على من يعينه على إثمه و ظلمه إذ كان الله قد حظر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه و أوليائه بقوله لإبراهيم لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فلما علم إبراهيم ع أن عهد الله تبارك اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ و اعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين و الكفار على الأبرار فَقَدِ   افْتَرى على الله إِثْماً عَظِيماً إذا كان قد بين الله في كتابه الفرق بين المحق و المبطل و الطاهر و النجس و المؤمن و الكافر و أنه لا يتلو النبي ص عند فقده إلا من حل محله صدقا و عدلا و طهارة و فضلا و أما الأمانة التي ذكرتها فهي الأمانة التي لا تجب و لا يجوز أن تكون إلا في الأنبياء و أوصيائهم لأن الله تبارك و تعالى ائتمنهم على خلقه و جعلهم حججا في أرضه فبالسامري و من اجتمع معه و أعانه من الكفار على عبادة العجل عند غيبة موسى ما تم انتحال محل موسى ع من الطغام و الاحتمال لتلك الأمانة التي لا ينبغي إلا لطاهر من الرجس فاحتمل وزرها و وزر من سلك في سبيله من الظالمين و أعوانهم و لذلك قال النبي ص من استن سنة حق كان له أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة و من استن سنة باطل كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة و لهذا القول عن النبي ص شاهد من كتاب الله و هو قول الله عز و جل في قصة قابيل قاتل أخيه مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً و للإحياء في هذا الموضع تأويل في الباطن ليس كظاهره و هو من هداها لأن الهداية هي حياة الأبد و من سماه الله حيا لم يمت أبدا إنما ينقله من دار محنة إلى دار راحة و منحة و أما ما أراك من الخطاب بالانفراد مرة و بالجمع مرة من صفة البارئ جل ذكره فإن الله تبارك و تعالى على ما وصف به نفسه بالانفراد و الوحدانية هو النور الأزلي القديم الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ لا يتغير و يحكم ما يشاء وَ يَخْتارُ و لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ و لا راد لقضائه و لا ما خلق زاد في ملكه و عزه و لا

   نقص منه ما لم يخلقه و إنما أراد بالخلق إظهار قدرته و إبداء سلطانه و تبيين براهين حكمته فخلق ما شاء كما شاء و أجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه فكان فعلهم فعله و أمرهم أمره كما قال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ و جعل السماء و الأرض وعاء لمن شاء من خلقه ليميز الخبيث من الطيب مع سابق علمه بالفريقين من أهلها و ليجعل ذلك مثالا لأوليائه و أمنائه و عرف الخليقة فضل منزلة أوليائه و فرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرضه منه لنفسه و ألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده و توحده و بأن له أولياء تجري أفعالهم و أحكامهم مجرى فعله فهم العباد المكرمون الذين لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ هم الذين أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ و عرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ و هم النعيم الذي يسأل العباد عنه لأن الله تبارك و تعالى أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم قال السائل من هؤلاء الحجج قال ع هم رسول الله ص و من حل محله من أصفياء الله الذين قرنهم الله بنفسه و برسوله و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه و هم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قال فيهم وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قال السائل ما ذلك الأمر قال علي ع الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ من خلق و رزق و أجل و عمل و حياة و موت و علم غيب السماوات و الأرض و المعجزات التي لا تنبغي إلا لله و أصفيائه و السفرة بينه و بين خلقه و هم وجه الله الذي قال فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ   اللَّهِ

هم بقية الله يعني المهدي الذي يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا و من آياته الغيبة و الاكتتام عند عموم الطغيان و حلول الانتقام و لو كان هذا الأمر الذي عرفتك نبأه للنبي دون غيره لكان الخطاب يدل على فعل خاص غير دائم و لا مستقبل و لقال نزلت الملائكة و فرق كل أمر حكيم و لم يقل تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ و يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ و قد زاد جل ذكره في التبيان و إثبات الحجة بقوله في أصفيائه و أوليائه ع أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ تعريفا للخليقة قربهم أ لا ترى أنك تقول فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه و إنما جعل الله تبارك و تعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره و غير أنبيائه و حججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه و تلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم فأثبت فيه الرموز و أعمى قلوبهم و أبصارهم لما عليهم في تركها و ترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه و جعل أهل الكتاب المقيمين به و العالمين بظاهره و باطنه من شجرة أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت و جعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ و لو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها معما أسقطوا منه و لكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ أغشى أبصارهم و جعل   على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك فتركوه بحاله و حجبوا عن تأكيد الملبس بإبطاله فالسعداء يتثبتون عليه و الأشقياء يعمون عنه وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ثم إن الله جل ذكره بسعة رحمته و رأفته بخلقه و علمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه قسم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم و الجاهل و قسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه و لطف حسه و صح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام و قسما لا يعرفه إلا الله و أمناؤه الراسخون في العلم و إنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله ص من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم و ليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا و افتراء على الله عز و جل و اغترارا بكثرة من ظاهرهم و عاونهم و عاند الله جل اسمه و رسوله ص فأما ما علمه الجاهل و العالم من فضل رسول الله ص من كتاب الله و هو قول الله سبحانه مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ و قوله إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً و لهذه الآية ظاهر و باطن فالظاهر قوله صَلُّوا عَلَيْهِ و الباطن قوله وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً أي سلموا لمن وصاه و استخلفه عليكم فضله و ما عهد به إليه تسليما و هذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه و صفا ذهنه و صح تميزه و كذلك قوله سلام على آل ياسين لأن الله سمى النبي ص بهذا الاسم حيث قال يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لعلمه بأنهم يسقطون قول سلام على آل محمد كما أسقطوا غيره و ما زال رسول الله ص يتألفهم و يقربهم يجلسهم عن يمينه و شماله حتى أذن الله عز و جل له في إبعادهم

   بقوله وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا و بقوله فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ و كذلك قال الله عز و جل يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ و لم يسم بأسمائهم و أسماء آبائهم و أمهاتهم و أما قوله كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فإنما أنزلت كل شي‏ء هالك إلا دينه لأنه من المحال أن يهلك منه كل شي‏ء و يبقى الوجه هو أجل و أعظم و أكرم من ذلك إنما يهلك من ليس منه أ لا ترى أنه قال كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ففصل بين خلقه و وجهه و أما ظهورك على تناكر قوله وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و ليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء و لا كل النساء أيتاما فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن و بين القول في اليتامى و بين نكاح النساء من الخطاب و القصص أكثر من ثلث القرآن و هذا و ما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر و التأمل و وجد المعطلون و أهل الملل المخالفة مساغا إلى القدح في القرآن و لو شرحت لك كل ما أسقط و حرف و بدل مما يجري هذا المجرى لطال و ظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء و مثالب الأعداء و أما قوله وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فهو تبارك اسمه أجل و أعظم من أن يظلم و لكنه قرن أمناءه على خلقه بنفسه و عرف الخليقة جلالة قدرهم عنده و أن ظلمهم ظلمه بقوله وَ ما ظَلَمُونا ببغضهم أولياءنا و معونة أعدائهم عليهم وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ إذ حرموها الجنة و أوجبوا   عليها خلود النار و أما قوله إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ فإن الله جل ذكره أنزل عزائم الشرائع و آيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ و لو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق و لكنه جعل الأناة و المداراة مثالا لأمنائه و إيجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية و الربوبية و الشهادة بأن لا إله إلا الله فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه ص بالنبوة و الشهادة له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات و ما يجري مجراها من مال الفي‏ء فقال المنافقون هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضته علينا شي‏ء آخر يفترضه فتذكره لتسكن أنفسنا أنه لم يبق غيره فأنزل الله في ذلك قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ يعني الولاية فأنزل إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ و ليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد و هو راكع غير رجل واحد لو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما أسقط من ذكره و هذا و ما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب ليجهل معناه المحرفون فيبلغ إليك و إلى أمثالك و عند ذلك قال الله عز و جل الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً و أما قوله لنبيه ص وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فإنك ترى أهل الملل المخالفة للإيمان و من يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية و أنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا و نجوا من عذاب السعير فإن الله تبارك و تعالى اسمه إنما يعني بذلك أنه جعله سبيلا

   لإنظار أهل هذه الدار و لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض فكان النبي ص فيهم إذا صدع بأمر الله و أجابه قومه سلموا و سلم أهل دارهم من سائر الخليقة و إن خالفوه هلكوا و هلك أهل دارهم بالآفة التي كانت نبيهم يتوعدهم بها و يخوفهم حلولها و نزولها بساحتهم من خسف أو قذف أو زجر أو ريح أو زلزلة أو غير ذلك من أصناف العذاب التي هلكت بها الأمم الخالية و إن الله علم من نبينا و من الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح و أثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه من كنت مولاه فهذا مولاه و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و ليس من خليقة النبي و لا من شيمته أن يقول قولا لا معنى له فيلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوة و الأخوة موجودتين في خلقة هارون و معدومتين فيمن جعله النبي ص بمنزلته أنه قد استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون حيث قال اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي و لو قال لهم لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه و إلا نزل بكم العذاب لأتاهم العذاب الأليم و زال باب الإنظار و الإمهال و بما أمر بسد باب الجمع و ترك بابه ثم قال ما سددت و لا تركت و لكنني أمرت فأطعت فقالوا سددت بابنا و تركت لأحدثنا سنا فأما ما ذكروه من حداثة سنه فإن الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى أن يعهد بالوصية إليه و هو في سن ابن سبع سنين و لا استصغر يحيى و عيسى لما استودعهما عزائمه و براهين حكمته و إنما فعل ذلك جل ذكره لعلمه بعاقبة الأمور و أن وصيه لا يرجع بعده ضالا و لا كافرا و بأن عمد النبي ص إلى سورة براءة فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيه و أمره بقراءتها على أهل مكة فلما ولى من بين أيديهم أتبعه بوصيه و أمره بارتجاعها منه و النفوذ إلى مكة ليقرأها على أهلها و قال

   إن الله عز و جل أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا رجل مني دلالة منه على خيانة من علم أن الأمة يختاره على وصيه ثم شفع ذلك بضم الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه و من يوازره في تقدم المحل عند الأمة إلى علم النفاق عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل و ولاهما عمر و حرس عسكره و ختم أمرهما بأن ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد و أمرهما بطاعته و التصريف بين أمره و نهيه و كان آخر ما عهد به في أمر أمته قوله أنفذوا جيش أسامة يكرر ذلك على أسماعهم إيجابا للحجة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين و لو عددت كل ما كان من رسول الله ص في إظهار معايب المستولين على تراثه لطال و أن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الأمة و مستقيلا مما تقلده لقصور معرفته عن تأويل ما كان يسأل عنه و جهله بما يأتي و يذر ثم أقام على ظلمه و لم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمر من بعده لغيره فأتى التالي له بتسفيه رأيه و القدح و الطعن على أحكامه و رفع السيف عمن كان صاحبه وضعه عليه و رد النساء اللاتي كان سباهن على أزواجهن و بعضهن حوامل و قوله قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي إنك لحدب على أهل الكفر و كان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم و لم يزل يخطئه و يظهر الإزراء عليه و يقول على المنبر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه و كان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا أنه حسنة من حسناته و يود أنه كان شعرة في صدره و غير ذلك من القول المتناقض المؤكد بحجج الدافعين لدين الإسلام و أتى من أمر الشورى و تأكيده بها عقد الظلم و الإلحاد و البغي و الفساد حتى تقرر على إرادته ما لم يخف على ذي لب موقع ضرره و لم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل فعاجلته بالقتل و اتسع بما جنوه   من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم و كفرهم و نفاقهم محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله تبارك و تعالى لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ و يقترب الوعد الحق الذي بينه الله في كتابه بقوله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ و ذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه و من القرآن إلا رسمه و غاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له و عند ذلك يؤيده الله بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها و يظهر دين نبيه ص على يديه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و أما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي ص و الإزراء به و التأنيب له مع ما أظهره الله تبارك و تعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر الأنبياء فلأن الله عز و جل جعل لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا من المشركين كما قال في كتابه و بحسب جلالة منزلة نبينا ص عند ربه كذلك عظم محنته لعدوه و الذي عاد منه في حال شقاقه و نفاقه و كل أذى و مشقة لدفع نبوته و تكذيبه إياه و سعيه في مكارهه و قصده لنقض كل ما أبرمه و اجتهاده و من مالأه على كفره و فساده و نفاقه و إلحاده في إبطال دعواه و تغيير ملته و مخالفة سنته و لم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم من موالاة وصيه و إيحاشهم منه و صدهم عنه و إغرائهم بعداوته و القصد لتغيير الكتاب الذي جاء به و إسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل و كفر ذوي الكفر منه و ممن وافقه على ظلمه و بغيه و شركه و لقد علم الله ذلك منهم فقال إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا و قال يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ و لقد أحضروا الكتاب كملا

   مشتملا على التأويل و التنزيل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ لم يسقط منه حرف ألف و لا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق و الباطل و أن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه قالوا لا حاجة لنا فيه و نحن مستغنون عنه بما عندنا و لذلك قال فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه و تأليفه و تضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان عنده شي‏ء من القرآن فليأتنا به و وكلوا تأليفه و نظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم و ما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم و تقريبهم و تركوا منه ما قدروا أنه لهم و هو عليهم و زادوا تناكره و تنافره و علم الله أن ذلك يظهر و يبين فقال ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ و انكشف لأهل الاستبصار عوارهم و افتراؤهم و الذي بدا في الكتاب من الإزراء على النبي ص من فرية الملحدين و لذلك قال جل ذكره لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً فيذكر لنبيه ص من ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقه ما يعاينه من نفاق قومهم و عقوقهم و الانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلا ألقى الشيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه و القدح فيه و الطعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله و لا تصغي إليه غير قلوب المنافقين   و الجاهلين و يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ بأن يحمي أولياءه من الضلال و العدوان و مشايعة أهل الكفر و الطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا فافهم هذا و اعمل به و اعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر مما سألت و إني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم و قلة الراغبين في التماسه و في دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب قال السائل حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين شكر الله لك استنقاذي من عماية الشك و طخية الإفك و أجزل على ذلك مثوبتك إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و صلى الله أولا و آخرا على أنوار الهدايات و أعلام البرايات محمد و آله أصحاب الدلالات

2-  يد، ]التوحيد[ القطان عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن أحمد بن يعقوب بن مطر عن محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجنديسابوري قال وجدت في كتاب أبي بخطه حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد الله عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فقال يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل قال له علي ع ثكلتك أمك و كيف شككت في كتاب الله المنزل قال لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا فكيف لا أشك فيه فقال علي بن أبي طالب ع إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا و لا يكذب بعضه بعضا و لكنك لم ترزق عقلا تنتفع به فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز و جل قال له الرجل إني وجدت الله يقول فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا و قال أيضا نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ و قال وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا   فمرة يخبر أنه ينسى و مرة يخبر أنه لا ينسى فأنى ذلك يا أمير المؤمنين قال هات ما شككت فيه أيضا قال و أجد الله يقول يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً و قال و قد استنطقوا فقالوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و قال ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً و قال إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ و قال لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ و قال الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فمرة يخبر أنهم يتكلمون و مرة أنهم لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً و مرة يخبر أن الخلق لا ينطقون و يقول عن مقالتهم وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و مرة يخبر أنهم يختصمون فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات ويحك ما شككت فيه قال و أجد الله عز و جل يقول وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و يقول لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ و يقول وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى و يقول يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و من أدركته الأبصار فقد أحاط به العلم فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات أيضا ويحك ما شككت فيه قال و أجد الله تبارك و تعالى يقول وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا   وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ و قال وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً و قال وَ ناداهُما رَبُّهُما و قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ و قال يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات ويحك ما شككت فيه قال و أجد الله جل جلاله يقول هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا و قد يسمى الإنسان سميعا بصيرا و ملكا و ربا فمرة يخبر أن له أسامي كثيرة مشتركة و مرة يقول هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات ويحك ما شككت فيه قال و وجدت الله تبارك اسمه يقول وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ و يقول وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ و يقول كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ كيف ينظر إليهم من يحجب عنه فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات ويحك أيضا ما شككت فيه قال و أجد الله عز ذكره يقول أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ و قال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى و قال وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ و قال إنه هو الظَّاهِرُ   وَ الْباطِنُ

 وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و قال وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات أيضا ويحك ما شككت فيه قال و أجد الله جل ثناؤه يقول وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا و قال وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ و قال هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ و قال هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً فمرة يقول يَأْتِيَ رَبُّكَ و مرة يقول يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات ويحك ما شككت فيه قال و أجد الله جل جلاله يقول بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ و ذكر المؤمنين فقال الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ و قال تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ و قال مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ و قال فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً فمرة يخبر أنهم يلقونه و مرة يخبر أنه لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ و مرة يقول وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال هات ويحك ما شككت فيه قال و أجد الله تبارك و تعالى يقول وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ   مُواقِعُوها و قال يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ و قال وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فمرة يخبر أنهم يظنون و مرة يخبر أنهم يعلمون و الظن شك فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيما تسمع قال ويحك هات ما شككت فيه قال و أجد الله تعالى ذكره يقول قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ و قال اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و قال تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ و قال الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ و قال الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فأنى ذلك يا أمير المؤمنين و كيف لا أشك فيها تسمع و قد هلكت إن لم ترحمني و تشرح لي صدري فيما عسى أن يجري ذلك على يديك فإن كان الرب تبارك و تعالى حقا و الكتاب حقا و الرسل حقا فقد هلكت و خسرت و إن تكن الرسل باطلا فما علي بأس و قد نجوت فقال علي ع قدوس ربنا قدوس تبارك و تعالى علوا كبيرا نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول و لا نشك فيه و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ و أن الكتاب حق و الرسل حق و أن الثواب و العقاب حق فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله إن شاء رزقك و إن شاء حرمك ذلك و لكن سأعلمك ما شككت فيه و لا قوة إلا بالله فإن أراد الله بك خيرا أعلمك بعلمه و ثبتك و إن يكن شرا ضللت و هلكت أما قوله نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم

   يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا فصاروا منسيين من الخير و كذلك تفسير قوله عز و جل فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به و برسله و خافوه بالغيب و أما قوله وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فإن ربنا تبارك و تعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى و لا يغفل بل هو الحفيظ العليم و قد يقول العرب في باب النسيان قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لهم بخير و لا يذكرهم به فهل فهمت ما ذكر الله عز و جل قال نعم فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فعظم الله أجرك قال و أما قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً و قوله وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و قوله يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً و قوله إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ و قوله لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ و قوله الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يجمع الله عز و جل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون و يكلم بعضهم بعضا و يستغفر بعضهم لبعض أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا من الرؤساء و الأتباع و يلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء و تعاونوا على   الظلم و العدوان في دار الدنيا المستكبرين و المستضعفين يكفر بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا و الكفر في هذه الآية البراءة يقول فيبرأ بعضهم من بعض و نظيرها في سورة إبراهيم ع قول الشيطان إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ و قول إبراهيم خليل الرحمن كَفَرْنا بِكُمْ يعني تبرأنا منكم ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم و لتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله فلا يزالون يبكون الدم ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فيختم الله تبارك و تعالى على أفواههم و يستنطق الأيدي و الأرجل و الجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض فذلك قوله عز و جل يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ فيستنطقون ف لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن فذلك قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ثم يجتمعون في موطن آخر فيكون فيه مقام محمد ص و هو المقام المحمود فيثني على الله تبارك و تعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد ص ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد مثله ثم يثني على كل مؤمن و مؤمنة يبدأ بالصديقين و الشهداء ثم بالصالحين فيحمده أهل السماوات و أهل الأرض و ذلك قوله عز و جل عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ   رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً

فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ و نصيب و ويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ و لا نصيب ثم يجتمعون في موطن آخر و يدال بعضهم عن بعض و هذا كله قبل الحساب فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه نسأل الله بركة ذلك اليوم قال فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين و حللت عني عقدة فعظم الله أجرك فقال ع و أما قوله عز و جل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ و قوله وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى و قوله يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً فأما قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز و جل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه و يشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا فيذهب عنهم كل قذى و وعث ثم يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم و منه يدخلون الجنة فذلك قول الله عز و جل في تسليم الملائكة عليهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة و النظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و إنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك و تعالى و أما قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فهو كما قال لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و لا تحيط به الأوهام وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يعني يحيط بها وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ و ذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك و تعالى و تقدس علوا   كبيرا و قد سأل موسى ع و جرى على لسانه من حمد الله عز و جل رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فكانت مسألة تلك أمرا عظيما و سأل أمرا جسيما فعوقب فقال الله تبارك و تعالى لَنْ تَرانِي في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة و لكن إن أردت أن تراني في الدنيا ف انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فأبدى الله جل ثناؤه بعض آياته و تجلى ربنا تبارك للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً ثم أحياه الله و بعثه فقال سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك و أما قوله وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى يعني محمدا حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله و قوله في آخر الآية ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى رأى جبرئيل ع في صورته مرتين هذه المرة و مرة أخرى و ذلك أن خلق جبرئيل ع عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم و صفتهم إلا الله رب العالمين و أما قوله يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً لا تحيط الخلائق بالله عز و جل علما إذ هو تبارك و تعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء فلا فهم يناله بالكيف و لا قلب يثبته بالحدود فلا نصفه إلا كما وصف نفسه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الأول و الآخر و الظاهر و الباطن الخالق البارئ المصور خلق الأشياء فليس من الأشياء شي‏ء مثله تبارك و تعالى فقال فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين فقال ع و أما قوله وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ   وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ

و قوله وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً و قوله وَ ناداهُما رَبُّهُما و قوله يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فأما قوله ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا و ليس بكائن إلا من وراء حجاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ كذلك قال الله تبارك و تعالى علوا كبيرا قد كان الرسول يوحي إليه من رسل السماء فتبلغ رسل السماء رسل الأرض و قد كان الكلام بين رسل أهل الأرض و بينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء و قد قال رسول الله ص يا جبرئيل هل رأيت ربك فقال جبرئيل ع إن ربي لا يرى فقال رسول الله ص فمن أين تأخذ الوحي فقال آخذه من إسرافيل فقال و من أين يأخذه إسرافيل قال يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين قال فمن أين يأخذه ذلك الملك قال يقذف في قلبه قذفا فهذا وحي و هو كلام الله عز و جل و كلام الله ليس بنحو واحد منه ما كلم الله به الرسل و منه ما قذفه في قلوبهم و منه رؤيا يريها الرسل و منه وحي و تنزيل يتلى و يقرأ فهو كلام الله فاكتف بما وصفت لك من كلام الله فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد فإنه منه ما تبلغ منه رسل السماء رسل الأرض قال فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين فقال ع و أما قوله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فإن تأويله هل تعلم له أحدا اسمه الله غير الله تبارك و تعالى فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى   تفقهه عن العلماء فإنه رب تنزيل يشبه بكلام البشر و هو كلام الله و تأويله لا يشبه كلام البشر كما ليس شي‏ء من خلقه يشبهه كذلك لا يشبه فعله تعالى شيئا من أفعال البشر و لا يشبه شي‏ء من كلامه بكلام البشر فكلام الله تبارك و تعالى صفته و كلام البشر أفعالهم فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك و تضل قال فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين قال ع و أما قوله وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ كذلك ربنا لا يعزب عنه شي‏ء و كيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ و أما قوله لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يخبر أنه لا يصيبهم بخير و قد يقول العرب و الله ما ينظر إلينا فلان و إنما يعنون بذلك أنه لا يصيبنا منه بخير فذلك النظر هاهنا من الله تبارك و تعالى إلى خلقه فنظره إليهم رحمة لهم قال فرجت عني فرج الله عنك و حللت عني عقدة فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين فقال ع و أما قوله كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فإنما يعني بذلك يوم القيامة أنهم عن ثواب ربهم يومئذ لمحجوبون و قوله أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ و قوله وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ و قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى و قوله وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ و قوله وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فكذلك الله تبارك و تعالى سبوحا قدوسا أن يجري منه ما يجري من المخلوقين و هو اللطيف الخبير و أجل و أكبر أن ينزل به شي‏ء مما ينزل

   بخلقه شاهد لكل نجوى و هو الوكيل على كل شي‏ء و المنير لكل شي‏ء و المدبر للأشياء كلها تعالى الله عن أن يكون على عرشه علوا كبيرا و أما قوله وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا و قوله وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ و قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ و قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فإن ذلك حق كما قال الله عز و جل و ليس له جيئة كجيئة الخلق و قد أعلمتك أن رب شي‏ء من كتاب الله تأويله على غير تنزيله و لا يشبه كلام البشر و سأنبئك بطرف منه فتكتفي إن شاء الله من ذلك قول إبراهيم ع إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة و اجتهادا و قربة إلى الله جل و عز أ لا ترى أن تأويله غير تنزيله و قال وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ يعني السلاح و غير ذلك و قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ يخبر محمدا ص عن المشركين و المنافقين الذين لم يستجيبوا لله و لرسوله فقال هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ حيث لم يستجيبوا لله و لرسوله أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني بذلك العذاب في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى فهذا خبر يخبر به النبي ص عنهم ثم قال يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً يعني من قبل أن تجي‏ء هذه الآية و هذه الآية طلوع الشمس من مغربها و إنما يكتفي أولو الألباب و الحجى و أولو النهى   أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رَأَوْا ما يُوعَدُونَ و قال في آية أخرى فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا يعني أرسل عليهم عذابا و كذلك إتيانه بنيانهم و قال الله عز و جل فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فإتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب و كذلك ما وصف من أمر الآخرة تبارك اسمه و تعالى علوا كبيرا و تجري أموره في ذلك اليوم الذي كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ كما تجري أموره في الدنيا لا يلعب و لا يأفل مع الآفلين فاكتف بما وصفت لك من ذلك مما جال في صدرك مما وصف الله عز و جل في كتابه و لا تجعل كلامه ككلام البشر هو أعظم و أجل و أكرم و أعز و تبارك و تعالى من أن يصفه الواصفون إلا بما وصف نفسه في قوله عز و جل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قال فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك و حللت عني عقدة فقال ع و أما قوله بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ و ذكره المؤمنين الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ و قوله لغيرهم إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ و قوله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً فأما قوله بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ يعني البعث فسماه الله عز و جل لقاءه و كذلك ذكره المؤمنين الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ يعني يوقنون أنهم يبعثون و يحشرون و يحاسبون و يجزون بالثواب و العقاب و الظن هاهنا اليقين و كذلك قوله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً و قوله مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ يعني فمن كان يؤمن بأنه مبعوث فإن وعد الله لآت من الثواب و العقاب فاللقاء هاهنا ليس بالرؤية و اللقاء هو البعث فافهم جميع ما في كتاب الله من لقاء فإنه يعني بذلك البعث

   و كذلك قوله تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ يعني أنه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون قال فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك فقد حللت عني عقدة فقال ع و أما قوله وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها يعني أيقنوا أنهم داخلوها و أما قوله إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ و قوله يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ و قوله للمنافقين وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فإن قوله إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يقول إني ظننت أني أبعث فأحاسب لقوله مُلاقٍ حِسابِيَهْ و قوله للمنافقين تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فهذا الظن ظن شك فليس الظن ظن يقين و الظن ظنان ظن شك و ظن يقين فما كان من أمر معاد من الظن فهو ظن يقين و ما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك فافهم ما فسرت لك قال فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك فقال ع و أما قوله تبارك و تعالى وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلائق يوم القيامة يدين الله تبارك و تعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين و في غير هذا الحديث الموازين هم الأنبياء و الأوصياء ع و قوله عز و جل فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فإن ذلك خاصة و أما قوله فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ فإن رسول الله ص قال قال الله عز و جل لقد حقت كرامتي أو قال مودتي لمن يراقبني و يتحاب بجلالي إن وجوههم يوم القيامة من نور على منابر من نور   عليهم ثياب خضر قيل من هم يا رسول الله قال قوم ليسوا بأنبياء و لا شهداء و لكنهم تحابوا بجلال الله و يدخلون الجنة بغير حساب نسأل الله أن يجعلنا منهم برحمته و أما قوله فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فإنما يعني الحساب بوزن الحسنات و السيئات و الحسنات ثقل الميزان و السيئات خفة الميزان و أما قوله قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و قوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و قوله تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ و قوله الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ و قوله الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ فإن الله تبارك و تعالى يدبر الأمور كيف يشاء و يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء أما ملك الموت فإن الله عز و جل يوكله بخاصة من يشاء من خلقه و يوكل رسله من الملائكة خاصة بما يشاء من خلقه تبارك و تعالى و الملائكة الذين سماهم الله عز و جل وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه تبارك و تعالى يدبر الأمور كيف يشاء و ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس لأن منهم القوي و الضعيف و لأن منه ما يطاق حمله و منه ما لا يطاق حمله إلا أن يسهل الله له حمله و أعانه عليه من خاصة أوليائه و إنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت و أنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته و غيرهم قال فرجت عني يا أمير المؤمنين أنفع الله المسلمين بك فقال علي ع للرجل لئن كنت قد شرح الله صدرك بما قد بينت لك   فأنت و الذي فلق الحبة و برأ النسمة من المؤمنين حقا فقال الرجل يا أمير المؤمنين كيف لي بأن أعلم أني من المؤمنين حقا قال لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله على لسان نبيه ص و شهد له رسول الله ص بالجنة أو شرح الله صدره ليعلم ما في الكتب التي أنزلها الله عز و جل على رسله و أنبيائه قال يا أمير المؤمنين و من يطيق ذلك قال من شرح الله صدره و وفقه له فعليك بالعمل لله في سر أمرك و علانيتك فلا شي‏ء يعدل العمل