باب 23- في أن السلامة و الغنى في الدين و ما أخذ على المؤمن من الصبر على ما يلحقه في الدين

1-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن أيوب بن الحر عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا فقال أما لقد بسطوا عليه و قتلوه و لكن أ تدرون ما وقاه وقاه أن يفتنوه في دينه

    تبيان فَوَقاهُ اللَّهُ الضمير راجع إلى مؤمن آل فرعون حيث توكل على الله و فوض أمره إليه حين أراد فرعون قتله بعد أن أظهر إيمانه بموسى و وعظهم و دعاهم إلى الإيمان فقال وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا أي صرف الله عنه شدائد مكرهم قال بعض المفسرين إنه جاء مع موسى حتى عبر البحر معه و قيل إنهم هموا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلي و حوله الوحوش صفوفا فخافا فرجعا هاربين و الخبر يرد هذين القولين كما يرد قول من قال إن الضمير راجع إلى موسى ع و يدل على أنهم قتلوه لقد بسطوا عليه أي أيديهم في القاموس بسط يده مدها و الملائكة باسطوا أيديهم أي مسلطون عليهم كما يقال بسطت يده عليه أي سلط عليه و في بعض النسخ سطوا عليه في القاموس سطا عليه و به سطوا و سطوة صال أو قهر بالبطش انتهى و ما في قوله ما وقاه موصولة أو استفهامية و في القاموس الفتنة بالكسر الضلال و الإثم و الكفر و الفضيحة و الإضلال و فتنة يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه و أفتنه فهو مفتن و مفتون لازم متعد كافتتن فيهما

2-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي جميلة قال قال أبو عبد الله ع كان في وصية أمير المؤمنين ع أصحابه اعلموا أن القرآن هدى الليل و النهار و نور الليل المظلم على ما كان من جهد و فاقة فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم و إذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم فاعلموا أن الهالك من هلك دينه و الحريب من حرب دينه ألا و إنه لا فقر بعد الجنة ألا و إنه لا غنى بعد النار لا يفك أسيرها و لا يبرأ ضريرها

 تبيين هدى الليل و النهار إضافة للمصدر إلى ظرف الزمان و قيل يحتمل أن يكون الليل و النهار كناية عن الباطل و الحق كما قال تعالى وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ و نور الليل المظلم الظاهر أن الليل المظلم كناية عن زمان الشدة   و البلاء فقوله على ما كان متعلق بالمظلم أي كونه مظلما بناء على ما كان من جهد أي مشقة و فاقة فالمعنى أن القرآن في أحوال الشدة و الفاقة منور للقلب و مذهب للهم لما فيه من المواعظ و النصائح و لأنه يورث الزهد في الدنيا فلا يبالي بما وقع فيها و يحتمل أن يكون المعنى أنه نور في ظلم الجهالة و الضلالة و على أي حال كان من أحوال الدنيا من مشقة و فقر و غير ذلك أي ينبغي أن يرضى بالشدة و الفاقة مع نور الحق و الهداية و من في قوله من جهد للبيان أو التبعيض و التفريح في قوله فإذا حضرت بهذا ألصق و قال ابن ميثم أراد بالفاقة الحاجة إلى ما ينبغي من الهداية و الكمال النفساني و لا يخفى ما فيه. و المراد بالبلية ما يمكن دفعه بالمال و بالنازلة ما لا يمكن دفعه إلا ببذل النفس أو ببذل الدين أو البلية في أمور الدنيا و النازلة في أمور الآخرة و المراد بها ما لا تقيه فيه و إلا فالتقية واجبة من هلك دينه إما بذهابه بالمرة أو بنقصه بترك الفرائض و ارتكاب الكبائر أو الأعم و في المصباح حرب حربا من باب تعب أخذ جميع ماله فهو حريب و حرب على البناء للمفعول فهو محروب و في القاموس حربه حربا كطلبه طلبا أسلب ماله فهو محروب و حريب و الجمع حربى و حرباء و حريبته ماله الذي سلب أو ماله الذي يعيش به لا فقر بعد الجنة أي بعد فعل ما يوجبها و كذا قوله بعد النار أي بعد فعل ما يوجبها. ثم بين ع عدم الغناء مع استحقاق النار ببيان شدة عذابها من حيث إن أسيرها و المقيد فيها بالسلاسل و الأغلال لا يفك أبدا و لا يبرأ ضريرها أي من عمي عينه فيها أو من ابتلي فيها بالضر أو المراد عدم فك أسيرها في الدنيا من قيد الشهوات و عدم برء من عمي قلبه في الدنيا بالكفر و الأول أظهر و في القاموس الضرير الذاهب البصر و المريض المهزول و كل ما خالطه ضر

3-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن حماد عن ربعي عن الفضيل عن أبي جعفر ع قال سلامة الدين و صحة البدن خير من المال و المال زينة من   زينة الدنيا حسنة

 كا، ]الكافي[ عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد عن ربعي عن الفضيل عن أبي جعفر ع مثله بيان سلامة الدين أي مما فيه شائبة الشرك من العقائد الباطلة و الأعمال القبيحة و صحة البدن من الأمراض البدنية خير من زوائد المال أما خيرية الأولى فظاهرة و أما الثانية فلأنه ينتفع بالصحة مع عدم المال و لا ينتفع بالمال مع فقد الصحة و المال أي المال الصالح و الحلال زينة حسنة لكن بشرط أن لا يضر بالدين

4-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب عن بعض أصحابه قال كان رجل يدخل على أبي عبد الله ع من أصحابه فصبر زمانا لا يحج فدخل عليه بعض معارفه فقال له فلان ما فعل قال فجعل يضجع الكلام فظن أنه إنما يعني الميسرة و الدنيا فقال أبو عبد الله ع كيف دينه فقال كما تحب فقال هو و الله الغنى

 سن، ]المحاسن[ عن ابن فضال مثله إلا أن فيه فصبر حينا إلى قوله بعض معارفه ممن كان يدخل عليه معه إلى قوله يظن أنه إنما عنى إلى قوله كيف حاله في دينه

بيان فصبر زمانا في بعض النسخ فغبر زمان أي مضى و في بعضها فغبر زمانا أي مكث في القاموس غبر غبورا مكث و ذهب ضد فلان ما فعل أي كيف حاله و لم تأخر عن الحج قال أي بعض الأصحاب الراوي فجعل أي شرع بعض المعارف يضجع الكلام أي يخفضه أو يقصر و لا يصرح بالمقصود و يشير إلى سوء حاله لئلا يغتم الإمام ع بذلك كما هو الشائع في مثل هذا المقام قال في القاموس أضجعت الشي‏ء أخفضته و ضجع في الأمر تضجيعا قصر فظن في   بعض النسخ يظن و هو أظهر أنما يعني أنما بفتح الهمزة و ما موصولة و هي اسم أن كقوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ أو ما كافة مثل قوله أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ و عند الزمخشري أنه يفيد الحصر كالمكسور فعلى الأول مفعول يعني و هو عائد ما محذوف و تقديره أن ما يعنيه و الميسرة خبر أن و على الثاني الميسرة مفعول يعني و على التقديرين المستتر في يعني راجع إلى الإمام ع كما تحب أي على أحسن الأحوال فقال هو و الله الغنى أقول تعريف الخبر باللام المفيد للحصر و تأكيده بالقسم للتنبيه على أن الغنى الحقيقي ليس إلا الغنى الأخروي الحاصل بسلامة الدين

 كما روي عن النبي ص أنه قال الفقر الموت الأحمر فقيل له الفقر من الدينار و الدرهم فقال لا و لكن من الدين

5-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله ع قال أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته و لا ينتصف من عدوه و ما من مؤمن يشفي نفسه إلا بفضيحتها لأن كل مؤمن ملجم

 بيان على أن لا تصدق أي على الصبر على أن لا تصدق مقالته في دولة الباطل أو أهل الباطل مطلقا و الانتصاف الانتقام و في القاموس انتصف منه استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء كاستنصف منه يشفي نفسه يقال شفاه يشفيه من باب ضرب فاشتفى هو و هو من الشفاء بمعنى البرء من الأمراض و يستعمل في شفاء القلب من الأمراض النفسانية و المكاره القلبية كما يستعمل في   شفاء الجسم من الأمراض البدنية و كون شفاء نفسه من غيظ العدو موجبا لفضيحتها ظاهر لأن الانتقام من العدو مع عدم القدرة عليه يوجب الفضيحة و المذلة و مزيد الإهانة و الضمير في بفضيحتها راجع إلى النفس لأن كل مؤمن ملجم قيل يعني إذا أراد المؤمن أن يشفي غيظه بالانتقام من عدوه افتضح و ذلك لأنه ليس بمطلق العنان خليع العذار يقول ما يشاء و يفعل ما يريد إذ هو مأمور بالتقية و الكتمان و الخوف من العصيان و الخشية من الرحمن و لأن زمام أمره بيد الله سبحانه لأنه فوض أمره إليه فيفعل به ما يشاء مما فيه مصلحته و قيل أي ممنوع من الكلام الذي يصير سببا لحصول مطالبه الدنيوية في دولة الباطل. و أقول يحتمل أن يكون المعنى أنه ألجمه الله في الدنيا فلا يقدر على الانتقام في دول اللئام أو ينبغي أن يلجم نفسه و يمنعها عن الكلام أي الفعل الذي يخالف التقية كما مر و قال في النهاية فيه من سئل عما يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة الممسك عن الكلام ممثل بمن ألجم نفسه بلجام و منه الحديث يبلغ العرق منهم ما يلجمهم أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام

6-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل بن زياد و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أشدها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده أو منافق يقفو أثره أو شيطان يغويه أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا

    بيان على بلايا أربع قيل أي إحدى بلايا للعطف بأو و للحديث الرابع و أربع مجرور صفة للبلايا و أشدها خبر مبتدإ محذوف أي هي أشدها و الضمير المحذوف راجع إلى إحدى و الضمير المجرور راجع إلى البلايا و مؤمن مرفوع و هو بدل أشدها و إبدال النكرة من المعرفة جائز إذا كانت النكرة موصوفة نحو قوله تعالى بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ و أو منافق عطف على أشدها و في بعض النسخ أيسرها و قال بعضهم أيسرها صفة لبلايا أربع و فيه إشعار بأن للمؤمن بلايا أخر أشد منها قال و في بعض النسخ أشدها بدل أيسرها فيفيد أن هذه الأربع أشد بلاياه و قوله مؤمن خبر مبتدإ محذوف أي هو مؤمن و قيل إن أيسرها مبتدأ و مؤمن خبره و إن أشدها أولى من أيسرها لئلا ينافي قوله ع فيما بعد و مؤمن يحسده و هو أشدهن عليه و مؤمنا يحسده و هو أشدهم عليه و فيه أن أيسرها أو أشدها صفة لما تقدم فلا يتم ما ذكر و كون هذه الأربع أيسر من غيرها لا ينافي أن يكون بعضها أشد من بعض و لو جعل مبتدأ كما زعم لزم أن لا يكون المؤمن الحاسد أشد من المنافق و ما بعده و هو مناف لما سيأتي. و أقول يمكن أن يكون أو للجمع المطلق بمعنى الواو فلا نحتاج إلى تقدير إحدى و يكون أشدها مبتدأ و مؤمن خبره و عبر عن الأول بهذه العبارة لبيان الأشدية ثم عطف عليه ما بعده كأنه عطف على المعنى و لكل من الوجوه السابقة وجه و كون مؤمن بدل أشدها أوجه. يقول بقوله أي يعتقد مذهبه و يدعي التشيع لكنه ليس بمؤمن كامل   بل يغلبه الحسد أو منافق يقفو أثره أي يتبعه ظاهرا و إن كان منافقا أو يتتبع عيوبه فيذكرها للناس و هو أظهر أو شيطان أي شيطان الجن أو الأعم منه و من شيطان الإنس يغويه أي يريد إغواءه و إضلاله عن سبيل الحق بالوساوس الباطلة كما قال تعالى حاكيا عن الشيطان لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ الآية و قال سبحانه وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً و قال وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ و ربما يقرأ يغويه على بناء التفعيل أي ينسبه إلى الغواية و هو بعيد أو كافر يرى جهاده أي لازما فيضره بكل وجه يمكنه فما بقاء المؤمن بعد هذا استفهام إنكار أي كيف يبقى المؤمن على إيمانه بعد الذي ذكرنا و لذا قل عدد المؤمنين أو لا يبقى في الدنيا بعد هذه البلايا و الهموم و الغموم أو لا يبقى جنس المؤمن في الدنيا إلا قليل منهم

7-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن عيسى عن ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث و لربما اجتمعت الثلاثة عليه إما بعض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه أو جاره يؤذيه أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه و لو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله عز و جل إليه شيطانا يؤذيه و يجعل الله له من إيمانه أنسا لا يستوحش معه إلى أحد

 بيان ما أفلت المؤمن أي ما تخلص في المصباح أفلت الطائر و غيره إفلاتا تخلص و أفلته إذا أطلقته و خلصته يستعمل لازما و متعديا و الظاهر أن بعض مبتدأ و يؤذيه خبره و يحتمل أن يكون بعض خبر مبتدأ محذوف و يؤذيه صفة أو حالا و يغلق على بناء المجهول أو المعلوم و الأول أظهر فبابه نائب الفاعل و ضمير عليه راجع إلى ما يرجع إليه المستتر في يكون و جملة يغلق حال عن ضمير   يكون أي داخل في داره يكون معه فيها و المراد بالشيطان إما شيطان الجن لأن معارضته للمؤمن أكثر أو شيطان الإنس. و ذكروا لتسليط الشياطين و الكفرة على المؤمنين وجوها من الحكمة الأول أنه لكفارة ذنوبه الثاني أنه لاختبار صبره و إدراجه في الصابرين الثالث أنه لتزهيده في الدنيا لئلا يفتتن بها و يطمئن إليها فيشق عليه الخروج منها الرابع توسله إلى جناب الحق سبحانه في الضراء و سلوكه مسلك الدعاء لدفع ما يصيبه من البلاء فترتفع بذلك درجته الخامس وحشته عن المخلوقين و أنسه برب العالمين السادس إكرامه برفع الدرجة التي لا يبلغها الإنسان بكسبه لأنه ممنوع من إيلام نفسه شرعا و طبعا فإذا سلط عليه في ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة مثلا السابع تشديد عقوبة العدو في الآخرة فإنه يوجب سرور المؤمنين به و الغرض من هذا الحديث و أمثاله حث المؤمن على الاستعداد لتحمل النوائب و المصائب و أنواع البلاء بالصبر و الشكر و الرضا بالقضاء

8-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل بن زياد عن ابن أبي نصر عن داود بن سرحان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول أربع لا يخلو منهن المؤمن أو واحدة منهن مؤمن يحسده و هو أشدهن عليه و منافق يقفو أثره أو عدو يجاهده أو شيطان يغويه

 بيان أربع أي أربع خصال أو واحدة أي أو من واحدة يحسده أي حسد مؤمن و هو أشدهن عليه لأن صدور الشر من القريب المجانس أشد و أعظم من صدوره من البعيد المخالف لتوقع الخير من الأول دون الثاني أو عدو أي مجاهر بالعداوة يجاهده بلسانه و يده

9-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن محمد بن عجلان قال كنت عند أبي عبد الله ع فشكا إليه رجل الحاجة فقال اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا قال ثم سكت ساعة ثم أقبل على الرجل فقال أخبرني   عن سجن الكوفة كيف هو فقال أصلحك الله ضيق منتن و أهله بأسوإ حال قال فإنما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة أ ما علمت أن الدنيا سجن المؤمن

 محص، ]التمحيص[ عن ابن عجلان مثله إلا أن فيه فقال أصلحك الله فيه أصحابه بأسوإ حال

بيان فإن الله سيجعل لك فرجا أي بتهيئة أسباب الرزق كما قال سبحانه سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً و قال وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أو بالموت فإن للمؤمن بعده السرور و الراحة و الحبور كما يومئ إليه ما بعده الدنيا سجن المؤمن هذا الحديث مع تتمة و جنة الكافر منقول من طرق الخاصة و العامة قال الراوندي ره في ضوء الشهاب بعد نقل هذه الرواية شبه رسول الله ص المؤمن بالمسجون من حيث هو ملجم بالأوامر و النواهي مضيق عليه في الدنيا مقبوض على يده فيها مخوف بسياط العقاب مبتلى بالشهوات ممتحن بالمصائب بخلاف الكافر الذي هو مخلوع العذار متمكن من شهوات البطن و الفرج بطيبة من قلبه و انشراح من صدره مخلى بينه و بين ما يريد على ما يسول له الشيطان لا ضيق عليه و لا منع فهو يغدو فيها و يروح على حسب مراده و شهوة فؤاده فالدنيا كأنها جنة له يتمتع بملاذها و يتمتع بنعيمها كما أنها كالسجن للمؤمن صارفا له عن لذاته مانعا من شهواته.

 و في الحديث أنه قال ص لفاطمة ع يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة

 و روي أن يهوديا تعرض للحسن بن علي ع و هو في شظف من حاله و كسوف من باله و الحسن ع راكب بغلة فارهة عليه ثياب حسنة   فقال جدك يقول إن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر فأنا في السجن و أنت في الجنة فقال ع لو علمت ما لك و ما يرقب لك من العذاب لعلمت أنك مع هذا الضر هاهنا في الجنة و لو نظرت إلى ما أعد لي في الآخرة لعلمت أني معذب في السجن هاهنا انتهى

و أقول فالكلام يحتمل وجهين أحدهما أن تكون المعنى أن المؤمن غالبا في الدنيا بسوء حال و تعب و خوف و الكافر غالبا في سعة و أمن و رفاهية فلا ينافي كون المؤمن نادرا بحال حسن و الكافر نادرا بمشقة و ثانيهما أن يكون المعنى أن المؤمن في الدنيا كأنه في سجن لأنه بالنظر إلى حاله في الآخرة و ما أعد الله له من النعيم كأنه في سجن و إن كان بأحسن الأحوال بالنظر إلى أهل الدنيا و الكافر بعكس ذلك لأن نعيمه منحصر في الدنيا و ليس له في الآخرة إلا أشد العذاب فالدنيا جنته و إن كان بأسوإ الأحوال و ظهر وجه آخر مما ذكرنا سابقا

10-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن سنان عن عمار بن مروان عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ع قال إن الله جعل وليه في الدنيا غرضا لعدوه

 بيان الغرض بالتحريك هدف يرمى فيه أي جعل محبه في الدنيا هدفا لسهام عداوة عدوه و حيله و شروره

11-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن محمد بن علي عن إبراهيم الحذاء عن محمد بن صغير عن جده شعيب قال سمعت أبا عبد الله ع يقول الدنيا سجن المؤمن فأي سجن جاء منه خير

 بيان فأي سجن استفهام للإنكار و المعنى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يتوقع الرفاهية في الدنيا

12-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن   أبي عبد الله ع قال ما من مؤمن إلا و قد وكل الله به أربعة شيطانا يغويه يريد أن يضله و كافرا يقاتله و مؤمنا يحسده و هو أشدهم عليه و منافقا يتبع عثراته

 بيان يريد أن يضله بيان ليغويه لئلا يتوهم أنه يقبل إغواءه و يؤثر فيه بل إنما ابتلاؤه به بسبب أنه يوسوسه و هو يشتغل بمعارضته و قد مر أن الشيطان يحتمل الجن و الإنس و الأعم و كافرا يقاتله و في بعض النسخ يغتاله و في المصباح غاله غولا من باب قال أهلكه و اغتاله قتله على غرة و الاسم الغيلة بالكسر يتبع كيعلم أو على بناء الافتعال أي يتفحص و يتطلب عثراته أي معاصيه التي تصدر عنه أحيانا على الغفلة و عيوبه

13-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول إذا مات المؤمن خلى على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة و مضر كانوا مشتغلين به

 بيان خلى على جيرانه على بناء المعلوم و الإسناد مجازي لأن موته صار سببا لاشتغال شياطينه بجيرانه أو هو على بناء المجهول و التعدية بعلى لتضمين معنى الاستيلاء أي ترك على جيرانه أو خلي بين الشياطين المشتغلين به أيام حياته و بين جيرانه و الحاصل أن الشياطين كانوا مشغولين بإضلاله و وسوسته لأن إضلاله كان أهم عندهم أو بإيذائه و حث الناس عليه فإذا مات تفرقوا على جيرانه لإضلالهم أو إيذائهم و قيل الباء للسببية و ضمير كانوا إما راجع إلى الشياطين أو الجيران أي كان الشياطين ممنوعين عن إضلال الجيران بسببه لأنه كان يعظهم و يهديهم أو كان الجيران ممنوعين عن المعاصي بسببه و كأنه دعاه إلى ذلك قال الجوهري يقال شغلت بكذا على ما لم يسم فاعله و اشتغلت و لا يخفى ما فيه و ربيعة كقبيلة و مضر كصرد قبيلتان عظيمتان من العرب يضرب بهما المثل في الكثرة و هما في النسب ابنا نزار بن معد بن عدنان و مضر الجد السابع   عشر للنبي ص

14-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال ما كان و لا يكون و ليس بكائن مؤمن إلا و له جار يؤذيه و لو أن مؤمنا في جزيرة من جزائر البحر لانبعث له من يؤذيه

 محص، ]التمحيص[ عن إسحاق مثله بيان كأن المراد بالجار هنا أعم من جار الدار و الرفيق و المعامل و المصاحب و في الحديث الجار إلى أربعين دارا لانبعث له أي من الشيطان و في بعض النسخ لابتعث الله له كما في التمحيص فالإسناد على المجاز يقال بعثه كمنعه أرسله كابتعثه فانبعث

15-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أبي عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال ما كان فيما مضى و لا فيما بقي و لا فيما أنتم فيه مؤمن إلا و له جار يؤذيه

 بيان و لا فيما بقي أي فيما يأتي و لا فيما أنتم فيه أي و ليس فيما أنتم فيه

16-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول ما كان و لا يكون إلى أن يقوم الساعة مؤمن إلا و له جار يؤذيه

17-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي خالد الكابلي قال قال علي بن الحسين ع لوددت أنه أذن لي فكلمت الناس ثلاثا ثم صنع الله بي ما أحب قال بيده على صدره ثم قال و لكنها عزمة من الله أن نصبر ثم تلا هذه الآية وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ   مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ و أقبل يرفع يده و يضعها على صدره

 بيان الغرض أن الله تعالى لم يؤذن لنا في دولة الباطل أن نظهر الحق علانية و نخرج ما في صدورنا من علوم لا يحتملها الناس و لو كنا مأذونين لأظهرناها و لم نبال بما أصابنا منهم و لكن الله عزم علينا بالصبر و التقية في دول الظالمين و لذا أشار ع بيده إلى صدره فإن العلم مكتوم فيه كما قال أمير المؤمنين ع إن هاهنا لعلما جما لو وجدت له حملة

18-  ل، ]الخصال[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن محمد بن سنان يرفعه إلى أبي عبد الله ع قال أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا يقبل قوله و لا يصدق حديثه و لا ينتصف من عدوه و لا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه لأن كل مؤمن ملجم

19-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط عن مالك عن مسمع بن مالك عن سماعة عن أبي عبد الله ع أنه قال يا سماعة لا ينفك المؤمن من خصال أربع من جار يؤذيه و شيطان يغويه و منافق يقفو أثره و مؤمن يحسده ثم قال يا سماعة أما إنه أشدهم عليه قلت كيف ذاك قال إنه يقول فيه القول فيصدق عليه