الصحيفة الثانية و العشرون صحيفة الدنيا

 تفكروا في هذه الدنيا التي تفتن بزبرج زخاريفها و تخدع بحلاوة تصاريفها و لذاتها شبيهة بنور الورد المحفوف بالشوك الكثير فهو ما دام زاهرا يروق العيون و يسر النفوس و هو مع ذلك ممتنع بالشوك المقرح يد متناوله فإذا مضت ساعات قليلة انتثر الزهر و بقي الشوك كذلك الدنيا الخائنة الفانية فإن حياتها متعقب بالموت و شبابها صائر إلى الهرم و صحتها محفوفة بالمرض و غناها متبوع بالفقر و ملكها معرض للزوال و عزها مقرون بالذل و لذاتها مكدرة بالشوائب و شهواتها ممتزجة بمضض النوائب شرها محض و خيرها ممتزج من حبي منها بشي‏ء من شهواتها لم يخل من غصص مراراتها و خوف عقوباتها و خشية تبعاتها و ما يعرض في الحال من آفاتها هذه حال فاز من سعد بها فما تقول فيمن لم يحظ بطائل منها الصحيح فيها يخاف السقم و الغني يخشى الفقر و الشاب يتوقع الهرم و الحي ينتظر الموت من اعتمد عليها و استنام إليها كان مثل المستند إلى جبل شاهق من الثلج يعظم في العيون عرضه و طوله و سمكه فإذا أشرقت شمس الصيف عليه ذاب غفلة و سال و بقي المستند إليه و المستذري له بالعراء فكذلك مصير هذه الدنيا إلى زوال و اضمحلال و انتقال إلى دار غيرها لا يقبل فيها إلا الإيمان و لا ينفع فيها إلا العمل الصالح و لا يتخلص فيها إلا برحمة الله من هلك فيها هوى و من فاز فيها علا و هي مختلفة دائمة