باب 1- أسئار الكفار و بيان نجاستهم و حكم ما لاقوه

الآيات المائدة وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ التوبة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا و قال تعالى فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ

 التفسير ربما يستدل بالآية الأولى على طهارة أهل الكتاب و حل ذبائحهم.   و روي عن الصادق ع أنه مخصوص بالحبوب و ما لا يحتاج فيه إلى التذكية و قيل المعنى أن طعامهم من حيث إنه طعامهم ليس حراما عليكم فلا ينافي تحريمه من جهة كونه مغصوبا أو نجسا أو غير مذكى و سيأتي تمام القول فيه. و أما الآية الثانية فأكثر علمائنا على أن المراد بالمشركين ما يعم عباد الأصنام و غيرهم من اليهود و النصارى فإنهم مشركون أيضا لقوله تعالى وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ إلى قوله سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ و النجس بالتحريك مصدر و وقوع المصدر خبرا عن ذي   جثة إما بتقدير مضاف أو بتأويله بالمشتق أو هو باق على المصدرية من غير إضمار طلبا للمبالغة و الحصر للمبالغة و القصر إضافي من قصر الموصوف على الصفة نحو إنما زيد شاعر و هو قصر قلب أي ليس المشركون طاهرين كما يعتقدون بل هم نجس. و اختلف المفسرون في المراد بالنجس هنا فالذي عليه علماؤنا هو أن المراد به النجاسة الشرعية و أن أعيانهم نجسة كالكلاب و الخنازير و هو المنقول عن ابن عباس و قيل المراد خبث باطنهم و سوء اعتقادهم و قيل نجاستهم لأنهم لا يتطهرون من الجنابة و لا يجتنبون النجاسات. و قد أطبق علماؤنا على نجاسة من عدا اليهود و النصارى من أصناف الكفار و قال أكثرهم بنجاسة هذين الصنفين أيضا و المخالف في ذلك ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في المسائل الغرية. و اختلف في المراد بقوله تعالى فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ فقيل المراد منعهم من الحج و قيل منعهم من دخول الحرم و قيل من دخول المسجد الحرام خاصة و أصحابنا على منعهم من دخوله و دخول كل مسجد و إن لم تتعد نجاستهم إليه و المراد بعامهم سنة تسع من الهجرة و هي السنة التي بعث النبي ص فيها أمير المؤمنين ع لأخذ سورة براءة من أبي بكر و قراءتها على أهل الموسم فقرأها عليهم. و في الثالثة فسر الرجس أيضا بالنجس و لعل النجاسة المعنوية هنا أظهر   الأخبار

1-  المحاسن، عن الوشاء عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لا بأس بكواميخ المجوس و لا بأس بصيدهم للسمك

 بيان الظاهر أن المراد بالكواميخ ما يعملونه من السمك و يمكن حمله على ما إذا علم إخراجهم له من الماء و لم يعلم ملاقاتهم و إن بعد

2-  و منه، عن أبيه و غيره عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله عز و جل وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ قال الحبوب و البقول

3-  و منه، عن أبيه عن محمد بن سنان عن مروان عن سماعة قال سألت أبا عبد الله ع عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه قال الحبوب

 و منه عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله ع مثله

4-  و منه، عن أبيه عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر و عبد الله بن   طلحة قالا قال أبو عبد الله ع لا تأكل من ذبيحة اليهودي و لا تأكل في آنيتهم

5-  و منه، عن اليقطيني عن صفوان عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي عبد الله ع في آنية المجوس قال إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء

6-  قرب الإسناد، عن ابن طريف عن ابن علوان عن الصادق عن أبيه ع أن عليا ع كان لا يرى بالصلاة بأسا في الثوب الذي يشترى من النصارى و المجوس و اليهودي قبل أن يغسل يعني الثياب التي تكون في أيديهم فيجتنبونها و ليست بثيابهم التي يلبسونها

 و منه بهذا الإسناد عن علي ع قال كلوا طعام المجوس كله ما خلا ذبائحهم فإنها لا تحل و إن ذكر اسم الله تعالى عليها

 و منه عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن الرجل يشتري ثوبا من السوق و لبيسا لا يدري لمن كان يصلح له الصلاة فيه قال إن كان اشتراه من مسلم فليصل فيه و إن كان اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله

    السرائر، من جامع البزنطي عن الرضا ع مثله بيان الظاهر أن يعني من كلام الحميري أول به الخبر و تجويز أكل طعام المجوس ظاهره يشتمل ما إذا علم ملاقاتهم له بالرطوبة كالآية و باب التأويل واسع و أما النهي عن لبس الثوب فمع علم ملاقاتهم بالرطوبة فالنهي على المشهور للحرمة و إلا فعلى الكراهة كما ذكره الشهيد في الذكرى و غيره لرواية.

 عبد الله بن سنان عن الصادق ع أن سنانا أتاه سأله في الذمي يعيره الثوب و هو يعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير و يرده عليه أ يغسله قال ع صل فيه و لا تغسله فإنك أعرته و هو طاهر و لم تستيقن أنه تنجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسة و غيره من الأخبار

7-  قرب الإسناد بالإسناد المتقدمة عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن المسلم له أن يأكل مع المجوس في قصعة واحدة أو يقعد معه على فراش أو في المسجد أو يصاحبه قال لا قال و سألته عن ثياب اليهود و النصارى ينام عليها المسلم قال لا بأس

 بيان المناهي الأولة أكثرها محمولة على الكراهة و يشكل الاستدلال بها على النجاسة كما أن عدم البأس في الأخير لا يدل على الطهارة

8-  المحاسن، عن أبي القاسم عبد الرحمن بن حماد عن صفوان عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سألت أبا عبد الله ع عن قوم مسلمين حضرهم رجل مجوسي يدعونه إلى طعامهم قال أما أنا فلا أؤاكل المجوسي و أكره أن أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم

    بيان أي لا أجوز لكم ترك التقية في شي‏ء اتفق عليه أهل بلادكم من معاشرة أهل الكتاب و الحكم بطهارتهم و يظهر منه أن الأخبار الدالة على الطهارة محمولة على التقية و يمكن أن يكون محمولا على الكراهة بأن تكون المؤاكلة في شي‏ء لا يتعدى نجاستهم إليه

9-  المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن أسباط عن علي بن جعفر عن أبي إبراهيم ع قال سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة أو أرقد معه على فراش واحد أو في مجلس واحد أو أصافحه فقال لا

 و رواه أبو يوسف عن علي بن جعفر بيان قال الشيخ البهائي قدس سره أرقد بالنصب بإضمار أن لعطفه على المصدر أعني المؤاكلة

10-  المحاسن، عن إسماعيل بن مهران عن محمد بن زياد عن ابن خارجة قال قلت لأبي عبد الله ع إني أخالط المجوس فآكل من طعامهم قال لا

11-  و منه، عن أبيه عن صفوان عن العيص قال سألت أبا عبد الله ع عن مؤاكلة اليهود و النصارى و المجوس فقال إذا أكلوا من طعامك و توضئوا فلا بأس

 بيان المراد بالوضوء هنا غسل اليد و ظاهره طهارة أهل الكتاب و أن نجاستهم عارضية و هذا أيضا وجه جمع بين الأخبار و يمكن حمله على الأطعمة   الجامدة فيكون غسل اليد على الاستحباب. قال في المختلف قال الشيخ في النهاية يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه فإذا دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه إن شاء و قال المفيد لا يجوز مؤاكلة المجوس و قال ابن البراج لا يجوز الأكل و الشرب مع الكفار و قال ابن إدريس قول شيخنا في النهاية رواية شاذة أوردها شيخنا إيرادا لا اعتقادا و هذه الرواية مخالفة لأصول المذهب ثم قال و المعتمد ما اختاره ابن إدريس ثم أجاب عن الرواية بالحمل على ما إذا كان الطعام مما لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة و الثمار و الحبوب

12-  المحاسن، عن علي بن الحكم و معاوية بن وهب جميعا عن زكريا بن إبراهيم قال كنت نصرانيا فأسلمت فقلت لأبي عبد الله ع إن أهل بيتي على النصرانية فأكون معهم في بيت واحد فآكل في آنيتهم فقال لي يأكلون لحم الخنزير قلت لا قال لا بأس

13-  و منه، عن أبيه عن صفوان عن العيص قال سألت أبا عبد الله ع عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي فآكل من طعامهم قال لا

14-  و منه، عن عدة من أصحابه عن العلا عن محمد قال سألت أبا جعفر ع عن آنية أهل الذمة فقال لا تأكلوا فيها إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير

15-  و منه، عن ابن محبوب عن العلا عن محمد قال سألت أبا جعفر ع   عن آنية أهل الذمة و المجوس فقال لا تأكل في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا من آنيتهم التي يشربون فيها الخمر

16-  و منه، عن أبيه عن صفوان عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله ع في طعام أهل الكتاب فقال لا تأكله ثم سكت هنية ثم قال لا تأكله ثم سكت هنية ثم قال لا تأكله و لا تتركه تقول إنه حرام و لكن تتركه تنزها عنه إن في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير

 بيان قال في القاموس هنية مصغر هنة أصلها هنوة أي شي‏ء يسير و يروى هنيهة بإبدال الياء هاء. و قال الشيخ البهائي قدس سره ما تضمنه هذا الحديث من نهيه ع عن أكل طعامهم أولا ثم سكوته ثم نهيه ثم سكوته ثم أمره أخيرا بالتنزه عنه يوجب الطعن في متنه لإشعاره بتردده ع فيه و حاشاهم عن ذلك ثم قال لعل نهيه ع عن أكل طعامهم محمول على الكراهة إن أريد به الحبوب و نحوها و يمكن جعل قوله ع لا تأكله مرتين للإشعار بالتحريم كما هو ظاهر التأكيد و يكون قوله بعد ذلك لا تأكله و لا تتركه محمولا على التقية بعد حصول التنبيه و الإشعار بالتحريم هذا إن أريد بطعامهم اللحوم و الدسوم و ما مسوه برطوبة و يمكن تخصيص الطعام بما عدا اللحوم و نحوها يؤيده تعليله ع باشتمال آنيتهم على الخمر و لحم الخنزير. و قال الشهيد الثاني ره تعليل النهي فيها بمباشرتهم للنجاسات يدل على عدم نجاسة ذواتهم إذ لو كانت نجسة لم يحسن التعليل بالنجاسة العرضية التي قد تتفق و قد لا تتفق

    -17  كتاب المسائل، بالإسناد المتقدم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن أهل الذمة أ نأكل في إنائهم إذا كانوا يأكلون الميتة و الخنزير قال لا و لا في آنية الذهب و الفضة قال و سألته عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة قال لا إلا أن يضطر إليه و سألته عن النصراني و اليهودي يغتسل مع المسلمين في الحمام قال إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل و سألته عن اليهودي و النصراني يشرب مع الدورق أ يشرب منه المسلم قال لا بأس و سألته عن الصلاة على بواري النصارى و اليهود التي يقعدون عليها في بيوتهم أ يصلح قال لا يصلى عليها

 توضيح الجواب الأول على الطهارة أدل منه على النجاسة و كذا الجواب الثاني إلا أن يحمل الاضطرار على التقية أو لغير الطهارة كالشرب لكنه بعيد و ربما يحمل الوضوء على إزالة الوسخ و هو أبعد. و أما الثالث فقال الشيخ البهائي زاد الله في بهائه كان الكلام إنما هو في اغتسال النصراني مع المسلم من حوض الحمام الناقص عن الكر المنسد المادة لتنجسه بمباشرة النصراني له. و قوله ع اغتسل بغير ماء الحمام يراد به غير مائه الذي في ذلك   الحوض و الضمير في قوله ع إلا أن يغتسل وحده يجوز عوده إلى النصراني أي أن يكون قد اغتسل من ذلك الحوض قبل المسلم فيغسله المسلم بإجراء المادة إليه حتى يطهر ثم يغتسل منه و يمكن عوده إلى المسلم أي إلا أن يغتسل المسلم من ذلك الحوض بعد النصراني. و بعض الأصحاب علل منعه ع من اغتسال المسلم مع النصراني في هذا الحديث بأن الاغتسال معه يوجب وصول ما يتقاطر من بدنه إلى بدن المسلم و فيه أن هذا وحده لا يقتضي تعين الغسل بغير ماء الحمام و إنما يوجب تباعد المسلم عنه حال غسله انتهى. و الرابع ظاهره طهارتهم إلا أن يحمل على ما بعد الغسل و لا استبعاد كثيرا في مثل هذا السؤال إذ لا يبعد مرجوحية الشرب من إناء شربوا منه و إن كان بعد الغسل و الدورق الجرة ذات العروة ذكره الفيروزآبادي. و الخامس ظاهره نجاستهم مع ذلك إما محمول على العلم بملاقاتهم بالرطوبة مع السجود عليها أو بناء على تغليب الظاهر على الأصل و يمكن حمله على الاستحباب فلا يدل على نجاستهم

18-  دعائم الإسلام، سئل جعفر بن محمد ع عن ثياب المشركين يصلى فيها قال لا و رخصوا ع في الصلاة في الثياب التي تعملها المشركون ما لم يلبسوها أو تظهر فيها نجاسة

19-  الهداية، لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي و النصراني و ولد الزنا و المشرك و كل من خالف الإسلام

    -20  الخرائج، روي أن يهوديا قال لعلي ع إن محمدا ص قال إن في كل رمانة حبة من الجنة و أنا كسرت واحدة و أكلتها كلها فقال ع صدق رسول الله ص و ضرب يده على لحيته فوقعت حبة فتناولها ع و أكلها و قال لم يأكلها الكافر و الحمد لله

 بيان يدل بظاهره على طهارة أهل الكتاب أو طهارة ما لا تحله الحياة من الكفار و يمكن حمله على أنه ع أكلها بعد الغسل أو على أنها لم تلاق لحيته بالإعجاز و الحمل على عدم السراية بعيد