باب 1- طهورية الماء

الآيات البقرة إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ الأنفال وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ التوبة فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ الفرقان وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً

 تفسير الآية الأولى تدل على رجحان التطهر و أظهر أفراده التطهر بالماء و يؤيده ما

 رواه الصدوق رضي الله عنه في الفقيه قال كان الناس يستنجون بالأحجار فأكل رجل من الأنصار طعاما فلان بطنه فاستنجى بالماء فأنزل   الله سبحانه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فدعاه رسول الله ص فخشي أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه فلما دخل قال له رسول الله ص هل عملت في يومك هذا شيئا قال نعم يا رسول الله أكلت طعاما فلان بطني فاستنجيت بالماء فقال له أبشر فإن الله تعالى قد أنزل فيك الآية

و المشهور بين المفسرين أن المراد التواب من الذنوب و المتطهر منها مطلقا أو التواب من الكبائر و المتطهر من الصغائر أو التواب من الذنوب و المتطهر من الأقذار و سيأتي بعض القول فيها. و أما الآية الثانية فالمراد من السماء إما السحاب فإن كل ما علا يطلق عليه السماء لغة و لذا يسمون سقف البيت سماء و إما الفلك بمعنى أن ابتداء نزول المطر منه إلى السحاب و من السحاب إلى الأرض و لا التفات إلى ما زعمه الطبيعيون في سبب حدوث المطر فإنه مما لم يقم عليه دليل قاطع و ربما يقال إن المراد بإنزاله من السماء أنه حصل من أسباب سماوية و تصعد أجزاء رطبة من أعماق الأرض إلى الجو فينعقد سحابا ماطرا و قد مر القول فيه في كتاب السماء و العالم. ثم المشهور في سبب نزولها أنها نزلت في بدر بسبب أن الكفار سبقوا المسلمين إلى الماء فاضطر المسلمون و نزلوا إلى تل من رمل سيال لا تثبت فيه أقدامهم و أكثرهم خائفون لقلتهم و كثرة الكفار فباتوا تلك الليلة على   غير ماء فاحتلم أكثرهم فتمثل لهم إبليس و قال تزعمون أنكم على الحق و أنتم تصلون بالجنابة و على غير وضوء و قد اشتد عطشكم و لو كنتم على الحق ما سبقوكم إلى الماء و إذا أضعفكم العطش قتلوكم كيف شاءوا فأنزل الله عليهم المطر و زالت تلك العلل و قويت قلوبهم و نزلت الآية. فتدل ظاهرا على تطهير ماء المطر للحدث و الخبث و لعل المراد بتطهير الله إياهم توفيقهم للطهارة و قيل الحكم به بعد استعمال الماء على الوجه المعتبر و المراد بقوله لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ الطهارة من النجاسة الحكمية أعني الجنابة و الحدث الأصغر أو منها و من العينية أيضا كالمني. و يراد برجز الشيطان إما الجنابة فإنها من فعله و أما وسوسته لهم و الربط على القلوب يراد به تشجيعها و تقويتها و وثوقها بلطف الله بهم و قيل إن هذا المعنى هو المراد أيضا بتثبيت أقدامهم. و بالجملة الآية تدل على تطهير ماء المطر للحدث و الخبث في الجملة و أما الاستدلال بها على مطهرية الماء مطلقا فلا يخلو من إشكال. و أما الآية الثالثة فتدل في الجملة على مدح التطهر من الأقذار لا سيما بالماء و قد روي عن الباقر و الصادق ع أنها نزلت في أهل قباء لجمعهم في الاستنجاء عن الغائط بين الأحجار و الماء و روي لاستنجائهم بالماء و قيل ربما   دلت على استحباب المبالغة في الاجتناب من النجاسات و لا يبعد فهم استحباب النورة و أمثالها بل استحباب الكون على الطهارة و تأييد لدلائل الأغسال المستحبة و استحباب المبالغة في الاجتناب عن المحرمات و المكروهات و الاجتناب عن محال الشبهات و كل ما فيه نوع خسة و دناءة و الحرص على الطاعات و الحسنات فإنهن يذهبن السيئات فإن الطهارة إن كان لها شرعا حقيقة فهي رافع الحدث أو المبيح للصلاة و هنا ليست مستعملة فيه اتفاقا فلم يبق إلا معناها اللغوي العرفي أي النزاهة و النظافة و هي يعم الكل انتهى. و أكثر ما ذكر لا يخلو من مناقشة كما لا يخفى. و أما الآية الرابعة فاستدل بها على طهارة مطلق الماء و مطهريته و أورد عليه بأنه ليس في الكلام ما يدل على العموم و إنما يدل على أن الماء من السماء مطهر و بأن الطهور مبالغة في الطاهر و لا يدل على كونه مطهرا بوجه. و أجيب عن الأول بأن ذكره تعالى ماء مبهما غير معين و وصفه بالطهورية و الامتنان على العباد به لا يناسب حكمته تعالى و لا فائدة في هذا الإخبار و لا امتنان فيه فالمراد كل ماء يكون من السماء و قد دلت آيات أخر على أن كل المياه من السماء نحو قوله تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ و قوله سبحانه أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ   و عن الثاني بأن كثيرا من أهل اللغة فسر الطهور بالطاهر في نفسه المطهر لغيره و الشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب و يؤيده شيوع استعماله في هذا المعنى في كثير من الأخبار الخاصية و العامية كقول

 النبي ص جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا

و لو أراد الطاهر لم يثبت المرية و قوله ص و قد سئل عن الوضوء بماء البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته و لو لم يرد كونه مطهرا لم يستتم الجواب

 و قوله ص طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا

و قال بعضهم الطهور بالفتح من الأسماء المتعدية و هو المطهر غيره و أيده بعضهم بأنه يقال ماء طهور و لا يقال ثوب طهور و يؤيد كون الطهور في الآية بمعنى المطهر موافقتها للآية الثانية. و احتج عليه الشيخ بأنه لا خلاف بين أهل النحو في أن اسم فعول موضوع للمبالغة و تكرر الصفة أ لا ترى أنهم يقولون فلان ضارب ثم يقولون ضروب إذا تكرر ذلك منه و كثر قال و إذا كان كون الماء طاهرا ليس مما يتكرر و يتزايد فينبغي في إطلاق الطهور عليه غير ذلك و ليس بعد ذلك إلا أنه مطهر   و فيه ما لا يخفى و قيل الطهور هنا اسم آلة بمعنى ما يتطهر به كالوضوء لما يتوضأ به و الوقود لما يتوقد به بقرينة أن الامتنان بها أتم حينئذ. قال في الكشاف طهورا بليغا في طهارته و عن أحمد بن يحيى هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره فإن كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا و يعضده قوله تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ و إلا فليس فعول من التفعيل في شي‏ء و الطهور في العربية على وجهين صفة و اسم غير صفة فالصفة ماء طهور كقولك طاهر و الاسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوضوء و الوقود لما يتوضأ به و يتوقد به النار و قولهم تطهرت طهورا حسنا كقولك وضوءا حسنا ذكره سيبويه و منه قوله ص لا صلاة إلا بطهور أي بطهارة انتهى. و اعترضه النيشابوري بأنه حيث سلم أن الطهور في العربية على وجهين اندفع النزاع لأن كون الماء مما يتطهر به هو كونه مطهرا لغيره فكأنه سبحانه قال و أنزلنا من السماء ماء هو آلة الطهارة و يلزمه أن يكون طاهرا في نفسه قال و مما يؤكد هذا التفسير أنه تعالى ذكره في معرض الإنعام فوجب حمله على الوصف الأكمل و ظاهر أن المطهر أكمل من الطهارة انتهى. و الحق أن المناقشة في كون الطهور بمعنى المطهر و إن صحت نظرا إلى قياس اللغة لكن تتبع الروايات و استعمالات البلغاء يورث ظنا قويا بأن الطهور في إطلاقاتهم المراد به المطهر إما لكونه صفة بهذا المعنى أو اسما لما يتطهر به و على التقديرين يثبت المرام و سيأتي من الأخبار في هذا الكتاب ما ينبهك عليه   الأخبار

1-  قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن ماء البحر أ يتوضأ منه قال لا بأس

2-  محاسن البرقي، عن بعض أصحابه رفعه عن ابن أخت الأوزاعي عن مسعدة بن اليسع عن أبي عبد الله ع قال قال علي ع الماء يطهر و لا يطهر و رواه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع عن آبائه ع عن النبي ص

3-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع عن النبي ص مثله

 بيان الماء يطهر أي كل شي‏ء حتى نفسه إذ حذف المفعول يدل على العموم و لا يطهر من شي‏ء إلا من نفسه لأن التعميم بالأول أنسب. و من المعاصرين من ذهب إلى ظاهر العموم في ظاهر الثاني و قال لا يطهر نفسه أيضا و قال إن الماء لا يتنجس من شي‏ء حتى يطهره الماء أو شي‏ء آخر بل عند التغيير النجس هو ذلك الجسم الذي ظهر في الماء فإذا استهلك عاد الماء إلى طهارته و في القول به إشكال و إن لم يبعد من ظواهر بعض الأخبار. و قال شيخنا البهائي قدس الله روحه ربما يشكل حكمه ع بأن الماء لا يطهر فإن القليل يطهر بالجاري و بالكثير من الراكد فلعله ع أراد أن الماء يطهر غيره و لا يطهره غيره.   فإن قلت هذا أيضا على إطلاقه غير مستقيم فإن البئر يطهر بالنزح و هو غير الماء. قلت مطهر ماء البئر في الحقيقة ليس هو النزح و إنما هو الماء النابع شيئا فشيئا وقت إخراج الماء المنزوح فالإطلاق مستقيم. فإن قلت الماء النجس يطهر بالاستحالة ملحا إذ ليس أدون من الكلب إذا استحال ملحا فقد طهر الماء غيره. قلت فقد عدم فلم يبق هناك ماء مطهر بغيره. فإن قلت الماء النجس إذا شربه حيوان مأكول اللحم و صار بولا فقد طهر الماء غيره من الأجسام من دون انعدام. قلت كون المطهر له جوف الحيوان ممنوع و إنما مطهره استحالته بولا على وتيرة ما تلوناه عليك في استحالته ملحا. فإن قلت الماء القليل النجس لو كمل كرا بمضاف لم يسلبه الإطلاق طهر عند جمع من الأصحاب فقد طهر الماء جسم مغاير له. قلت يمكن أن يقال بعد مماشاتهم في طهارته بالإتمام إن المطهر هنا هو مجموع الماء لا المضاف

4-  المعتبر، قال قال النبي ص خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‏ء ما إلا غير لونه أو طعمه أو ريحه

 السرائر، مثله و نقل أنه متفق على روايته

5-  دعائم الإسلام، عن علي ع قال من لم يطهره البحر فلا طهر له

6-  الهدية، للصدوق الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر

    -7  المقنعة، عن الباقر ع قال أفطر على الحلو فإن لم تجده فأفطر على الماء فإن الماء طهور

 بيان لعل المراد هنا الطهور من الذنوب كما سيأتي

8-  المعتبر، قال قال النبي ص و قد سئل عن ماء البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته

 بيان لعل المراد بالميتة ما لم ينحر و لم يذبح فإن السمك يحل بخروجه عن الماء من غير ذبح و نحر

9-  إرشاد القلوب، للديلمي عن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي أمير المؤمنين ع أنه ع قال في ذكر فضائل نبينا ص و أمته على الأنبياء ص و أمته على الأنبياء و أممهم إن الله سبحانه رفع نبينا ص إلى ساق العرش فأوحى إليه فيما أوحى كانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى نجس قرضوه من أجسادهم و قد جعلت الماء طهورا لأمتك من جميع الأنجاس و الصعيد في الأوقات

 بيان لعله لم يكن الدم نجسا في شرعهم أو كان هذا معفوا