باب 11- أحكام الغسالات

1-  مجالس ابن الشيخ، عن محمد بن محمد بن مخلد عن محمد بن عمرو الرزاز عن حامد بن سهل عن أبي غسان عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن ميمونة زوجة رسول الله ص قال أجنبت أنا و رسول الله ص فاغتسلت من جفنة و فضلت فيها فضلة فجاء رسول الله ص فاغتسل منها فقلت يا رسول الله ص إنما فضلة مني أو قالت اغتسلت فقال ليس الماء جنابة

 بيان قد عرفت سابقا اختلاف الأصحاب في غسالة الخبث و استثنائهم ماء الاستنجاء و أن المشهور في غيره النجاسة و ادعى المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى الإجماع على أن غسالة الخبث و إن قيل بطهارتها لا يرتفع بها الحدث و ظاهر كلام الشهيد في الدروس أن بجواز رفع الحدث به قائلا. و الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر مطهر بلا خلاف و المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر إجماعا و في جواز رفع الحدث به ثانيا خلاف فذهب الصدوقان و الشيخان و جماعة إلى العدم و أكثر المتأخرين على الجواز و نقلوا الإجماع على جواز إزالة الخبث به و ربما يوهم كلام بعضهم الخلاف فيه أيضا. و أما المستعمل في الأغسال المندوبة فادعوا الإجماع على أنه باق على تطهيره و لو تقاطر الماء من رأسه أو جانبه الأيمن فأصاب المأخوذ منه قال   العلامة لم يجز استعماله في الباقي عند المانعين من المستعمل لأنه يصير بذلك مستعملا و قال في المعالم و نعم ما قال فيه نظر فإن الصدوق رحمه الله من جملة المانعين و قد قال في الفقيه و إن اغتسل الجنب فنزى الماء من الأرض فوقع في الإناء أو سال من بدنه في الإناء فلا بأس به و ما ذكره منصوص في عدة أخبار و قد ذكر الشيخ في التهذيب جملة منها و لم يتعرض لها بتأويل أو رد أو بيان معارض مع تصريحه فيه بالمنع من المستعمل و في ذلك إيذان بعدم صدق الاستعمال به عنده أيضا. ثم اعلم أن ما ذكر في هذا الخبر ليس من الغسالة في شي‏ء بل هو فضلة الغسل و قال المحقق في المعتبر لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة إذا لم يلاق نجاسة عينية و كذا الرجل لما ثبت من بقائه على التطهير انتهى و ليس يعرف فيه بين الأصحاب خلاف بل ادعى الشيخ في الخلاف عليه إجماع الفرقة و إنما خالف فيه بعض العامة فقال بكراهة فضل المرأة إذا خلت به. ثم قال الشيخ في الخلاف

 و روى ابن مسكان عن رجل عن أبي عبد الله ع قال قلت له أ يتوضأ الرجل بفضل المرأة قال نعم إذا كانت تعرف الوضوء و تغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء

و كأن الشيخ أخذها من كتاب ابن مسكان لأنها ليست في كتب الحديث المشهورة و العلامة سوى في هذا الحكم بين فضل الوضوء و الغسل و لم يتعرض الشيخ و لا المحقق لفضل الغسل. و قال الصدوق في المقنع و الفقيه و لا بأس أن تغتسل المرأة و زوجها من إناء واحد و لكن تغتسل بفضله و لا يغتسل بفضلها و قد وردت أخبار كثيرة في اشتراك الرجل و المرأة في الغسل و سيأتي بعضها و هذا الخبر يدل على جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة لكنه عامي

2-  العلل، عن أبيه عن سعد عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل   عن ابن بزيع عن يونس عن رجل من أهل المشرق عن العيزار عن الأحول قال دخلت على أبي عبد الله ع فقال سل عما شئت فارتجت على المسائل فقال لي سل عما بدا لك فقلت جعلت فداك الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به فقال لا بأس به فسكت فقال أ و تدري لم صار لا بأس به قلت لا و الله جعلت فداك فقال ع إن الماء أكثر من القذر

3-  قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن الرجل يغتسل فوق البيت فيكف فيصيب الثوب مما يقطر هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسل قال لا يصلي فيه حتى يغسله

 بيان لعله محمول على الاستحباب أو على إزالة المني مع الغسل

4-  البصائر، للصفار عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن شهاب بن عبد ربه قال أتيت أبا عبد الله ع فقال سل و إن شئت أخبرتك قلت أخبرني قال جئت لتسألني عن الجنب يغتسل فيقطر الماء من جسمه في الإناء أو ينضح الماء من الأرض فيقع في الإناء قلت نعم جعلت فداك قال ليس بهذا بأس كله

5-  فقه الرضا ع، إن اغتسلت من ماء في وحدة و خشيت أن يرجع ما تصب عليك أخذت كفا فصببت على رأسك و على جانبيك كفا كفا ثم امسح بيدك و تدلك بدنك

6-  محاسن البرقي، عن ابن العزرمي عن حاتم بن إسماعيل عن أبي عبد الله ع عن أبيه ع عن علي ع أنه كان يشرب و هو قائم ثم شرب   من فضل وضوئه و هو قائم ثم قال رأيت رسول الله ص صنع هكذا

7-  الذكرى، و المعتبر، عن العيص بن القاسم قال سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال إن كان من بول و قذر فليغسل ما أصابه

8-  قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن الرجل يصيب الماء في الساقية مستنقعا فيتخوف أن يكون السباع قد شربت منه يغتسل منه للجنابة و يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق و كيف يصنع قال إذا كانت كفه نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة و لينضحه خلفه و كفا أمامه و كفا عن يمينه و كفا عن يساره فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده به فإن ذلك يجزيه إن شاء الله و إن كان للوضوء غسل وجهه و مسح يده على ذراعيه و رأسه و رجليه و إن كان الماء متفرقا يقدر على أن يجمعه جمعه و إلا اغتسل من هذا و هذا و إن كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه فإن ذلك يجزيه إن شاء الله

 بيان أقول روى الشيخ في التهذيب و الإستبصار هذا الخبر

 عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم البجلي و أبي قتادة عن علي بن جعفر عن أبي الحسن الأول ع قال سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أ يغتسل من الجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ   صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع و هو يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه فقال إذا كانت يده نظيفة إلى آخر ما مر

أقول هذا الحديث من متشابهات الأخبار و معضلات الآثار و هو يتضمن أسئلة أربعة الأول الخوف من أن تكون السباع شربت منه الثاني أنه لا يبلغ مدا للوضوء و صاعا للغسل و تفوت سنة الإسباغ الثالث أنه يخاف أن ترجع الغسالة إلى الماء في أثناء الغسل فيفسد بقية الغسل صحة أو كمالا الرابع أنه متفرق و لا يكفي كل واحد منها لغسله. فظهر الجواب عن الأول ضمنا بعدم البأس و عن الثاني أيضا بعدم البأس للضرورة و عن الرابع بأنه إن أمكن جمعها جمعها و إلا غسل رأسه مثلا من موضع و يمينه من موضع و يساره من موضع و لا بأس بهذه الفاصلة. و أما الجواب عن الثالث فيمكن أن يوجه بوجوه الأول أن يكون المراد رش الأرض التي يغتسل عليها ليكون تشربها للماء أسرع فينفذ الماء المنفصل عن أعضائه في أعماقها قبل وصوله إلى الماء الذي يغترف منه و أورد عليه بأن رش الأرض بالماء قبل الغسل يوجب سرعة جريان غسالته عليها لقلة تشربها حينئذ للغسالة فيحصل نقيض ما هو المطلوب. و أجيب بأن التجربة شاهدة بأنك إذا رششت أرضا منحدرة شديدة الجفاف ذات غبار بقطرات من الماء فإنك تجد كل قطرة تلبس غلافا ترابيا و تتحرك على سطح تلك الأرض على جهة انحدارها حركة ممتدة امتدادا يسيرا قبل أن تنفذ في أعماقها ثم تغوص فيها بخلاف ما إذا كان في الأرض نداوة قليلة فإن تلك القطرات تغوص في أعماقها و لا تتحرك على سطحها بقدر تحركها على سطح الجافة فظهر أن الرش محصل للمطلوب لا مناقض له. الثاني أن المراد ترطيب الجسد و بل جوانبه بالأكف الأربع قبل الغسل ليجري ماء الغسل عليه بسرعة و يكمل الغسل قبل وصول الغسالة إلى ذلك الماء. و اعترض عليه بأن سرعة جريان ماء الغسل على البدن مقتض لسرعة   تلاحق أجزاء الغسالة و تواصلها و هو يعين على سرعة الوصول إلى الماء. و أجيب بأن انحدار الماء من أعالي البدن إلى أسافله أسرع من انحداره على الأرض المائلة إلى الانخفاض لأنه طالب للمركز على أقرب الطرق فيكون انفصاله عن البدن أسرع من اتصاله بالماء الذي يغترف منه هذا إذا لم تكن المسافة بين مكان الغسل و بين الماء الذي يغترف منه قليلة جدا فلعله كان في كلام السائل ما يدل على ذلك كذا ذكره الشيخ البهائي قدس الله لطيفه. و الأظهر في جواب السؤال الأخير أن يقال مع يبوسة البدن تنفصل القطرات منه و تطفر و تصل إلى الماء بخط مستقيم يتخيل وتر الزاوية قائمة تحدث من قامت المغتسل و سطح الأرض إلى الماء و مع الرطوبة يميل الماء إلى جنسه و يجري على البدن حتى يصل إلى الأرض ثم يجري منه إلى أن يصل إلى الماء و ظاهر أن ضلعي المثلث أطول من ضلع واحد كما بين في العشرين من المقالة الأولى من الأصول. و يؤيد أحد هذين الوجهين ما رواه

 الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن ابن سنان عن ابن مسكان قال حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل أبا عبد الله ع عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق و يريد أن يغتسل و ليس معه إناء و الماء في وهدة فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه و كفا من خلفه و كفا عن يمينه و كفا عن شماله ثم يغتسل

و الغسل بكسر الغين و ضمها الماء الذي يغتسل به. الثالث أن يكون المنضوح أيضا البدن لكن لا لعدم عود الغسالة إلى الماء بل لترطيب البدن قبل الغسل لئلا ينفصل عنه ماء الغسل كثيرا فلا يفي بغسله لقلة الماء و هذا مجرب.   الرابع أن يكون المنضوح الأرض أيضا لعدم عود ماء الغسل لكن لا لعدم جواز استعمال الغسالة بل لتطهير الأرض مما يتوهم فيه من النجاسة. الخامس أن يكون المنضوح البدن للغسل لا لتمهيد الغسل فالمراد أنه إذا كان الماء قليلا يجوز أن يكتفى بأقل من صاع و بأربع أكف فإذا نضح كل كف على جانب من الجوانب الأربع يمكن أن يحصل أقل الجريان فيكون الأربع لغسل البدن فقط بدون الرأس و لا يخلو من بعد. السادس أن يكون المنضوح الأرض لكن لا لما ذكر سابقا بل لرفع ما يستقذر منه الطبع من الكثافات المجتمعة على وجه الماء بأن يأخذ من وجه الماء أربع أكف و ينضح على الأرض أو يأخذ مما يليه و ينضح على الجانب الآخر من الماء فيكون المنضوح الماء و يمكن أن يعد هذا وجها سابعا. و يؤيده على الوجهين ما رواه

 الشيخ و الكليني في الحسن عن الكاهلي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا أتيت ماء و فيه قلة فانضح عن يمينك و عن يسارك و بين يديك و توضأ

 و الشيخ في الموثق عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع إنا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة و يبول فيه الصبي و تبول فيه الدابة و تروث فقال إن عرض في قلبك منه شي‏ء فقل هكذا يعني أفرج الماء بيدك ثم توضأ فإن الدين ليس بمضيق فإن الله عز و جل يقول ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ

لكن حمل أكثر الأخبار على هذا المعنى لا يخلو من بعد. قوله ع غسل رأسه إنما حكم بغسل الرأس أي صب الماء عليه ثلاث مرات لأن ما يصب على الرأس يجري على البدن و ينفعه و قوله ع ثم مسح جلده يدل على إجزاء المسح من الغسل عند قلة الماء و هو مخالف   للمشهور. نعم ذهب ابن الجنيد إلى وجوب غسل الرأس ثلاثا و الاجتزاء بالدهن في بقية البدن و يمكن حمله على حصول مسمى الجريان لكن في الوضوء هذا الحمل أبعد و آخر الحديث يدل على أن الجنب إذا لم يجد من الماء إلا ما يكفيه لبعض أعضائه غسل ذلك البعض به و غسل البعض الآخر بغسالته و أنه لا يجوز له ذلك إلا مع قلة الماء كما يدل عليه مفهوم الشرط و إن أمكن حمله على الفضل و الكمال و لنذكر بعض ما ذكره الأصحاب في هذا الخبر. قال في المعالم قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه فإن اغتسل الرجل في وهدة و خشي أن يرجع ما ينصب عنه إلى الماء الذي يغتسل منه أخذ كفا و صبه أمامه و كفا عن يمينه و كفا عن يساره و كفا من خلفه و اغتسل منه و ذكر نحو ذلك في المقنع و قال أبوه في رسالته و إن اغتسلت من ماء في وهدة و خشيت أن يرجع ما ينصب عنك إلى المكان الذي تغتسل فيه أخذت له كفا و صببته عن يمينك و كفا عن يسارك و كفا خلفك و كفا أمامك و اغتسلت منه. و قال الشيخ في النهاية متى حصل الإنسان عند غدير أو قليب و لم يكن معه ما يغترف به الماء لوضوئه فليدخل يده فيه و يأخذ منه ما يحتاج إليه و ليس عليه شي‏ء و إن أراد الغسل للجنابة و خاف إن نزل إليها فساد الماء فليرش عن يمينه و يساره و أمامه و خلفه ثم ليأخذ كفا كفا من الماء فليغتسل به. و الأصل فيما ذكروه روايات وردت بذلك منها صحيحة علي بن جعفر و منها رواية ابن مسكان و ذكر الروايتين المتقدمتين.   ثم قال

 و نقل الفاضلان في المعتبر و المنتهى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه روى في جامعه عن عبد الكريم عن محمد بن ميسر عن أبي عبد الله قال سئل عن الجنب ينتهي إلى الماء القليل و الماء في وهدة فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه و كف خلفه و كف عن يمينه و كف عن شماله و يغتسل

و لا يخفى أن متعلق النضح المذكور في الأخبار و كلام الأصحاب هنا لا يخلو عن خفاء و كذا الحكمة فيه و قد حكى المحقق رحمه الله في ذلك قولين أحدهما أن المتعلق الأرض و الحكمة اجتماع أجزائها فتمنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن إلى الماء و الثاني أن متعلقه بدن المغتسل و الغرض منه بله ليتعجل الاغتسال قبل انحدار المنفصل عنه و عوده إلى الماء و عزى هذا القول إلى الصهر شتى و اختاره الشهيد في الذكرى إلا أنه جعل الحكمة فيه الاكتفاء بترديده عن إكثار معاودة الماء و رجح في البيان القول الأول. و العبارة المحكية عن رسالة ابن بابويه ظاهرة فيه أيضا حيث قال فيها أخذت له كفا إلخ و الضمير في قوله له عائد إلى المكان الذي يغتسل فيه لأنه المذكور قبله في العبارة و ليس المراد به محل الماء كما وقع في عبارة ابنه حيث صرح بالعود إلى الماء الذي يغتسل منه و كان تركه للتصريح بذلك اتكال على دلالة لفظ الرجوع إليه فالجار في قوله إلى المكان متعلق بينصب و صلة ترجع غير مذكورة لدلالة المقام عليها. و يحكى عن ابن إدريس إنكار القول الأول مبالغا فيه و محتجا بأن اشتداد الأرض برش الجهات المذكورة موجب لسرعة نزول ماء الغسل و له وجه غير أنه ليس يمتنع في بعض الأرضين أن يكون قبولها لابتلاع الماء مع الابتلال   أكثر ثم إنه يرد على القول الثاني أن خشية العود إلى الماء مع تعجل الاغتسال ربما كانت أكثر لأن الإعجال موجب لتلاحق الأجزاء المنفصلة عن البدن من الماء و ذلك أقرب إلى الجريان و العود و مع الإبطاء يكون تساقطها على سبيل التدريج فربما بعدت بذلك من الجريان كما لا يخفى و أما ما ذكره الشهيد من أن الفائدة هي الاكتفاء بترديده عن إكثار معاودة الماء ففيه إشعار بأنه جعل الغرض من ذلك التحرز من تقاطر ماء الغسل عن بعض الأعضاء المغسولة في الماء الذي يغتسل منه عند المعاودة و قد عرفت تصريح بعض المانعين من المستعمل بعدم تأثير مثله و دلالة الأخبار أيضا عليه فالظاهر أن محل البحث هنا هو رجوع المنفصل عن بدن المغتسل بأجمعه إلى الماء أو عن أكثره و على كل حال فالخطب في هذا عند من لا يرى المنع من المستعمل سهل لأن الأخبار الواردة بذلك محمولة على الاستحباب عنده كما ذكره العلامة في المنتهى مقربا له بما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي و ذكر ما مر. و وجه التقريب على ما يؤذن به سوق كلامه أن الاتفاق واقع على عدم المنع من المستعمل في الوضوء فالأمر بالنضح له في هذا الحديث محمول على الاستحباب عند الكل فلا بعد في كون الأوامر الواردة في تلك الأخبار كذلك و يمكن المناقشة فيه من حيث شيوع إطلاق الوضوء في الأخبار على الاستنجاء فلا يبعد إرادته هنا من الرواية و معه يفوت التقريب و لكن الحاجة ليست داعية إليه فإن حمل أخبار الباب على الاستحباب بعد القول بعدم المنع من المستعمل متعين. و يؤيده أن أصح ما في الأخبار رواية علي بن جعفر و آخرها صريح في

    عدم تأثير عود ما ينفصل من ماء الغسل و أنه مع قلة الماء بحيث لا يكفي للغسل يجزي ما يرجع منه إليه. إذا عرفت هذا فاعلم أن كلام الشيخ هنا على ما حكيناه عن النهاية لا يخلو عن إشكال فإن ظاهره كون المحذور في الفرض المذكور هو فساد الماء بنزول الجنب إليه و اغتساله فيه و لا ريب أن هذا يزول بالأخذ من الماء و الاغتسال خارجه و فرض إمكان الرش يقتضي إمكان الأخذ فلا يظهر لحكمه بالرش حينئذ وجه. و قد أوله المحقق في المعتبر فقال اعلم أن عبارة الشيخ لا تنطبق على الرش إلا أن يجعل في نزل ضمير ماء الغسل و يكون التقدير و خشي إن نزل ماء الغسل فساد الماء و إلا بتقدير أن يكون في نزل ضمير المريد لا ينتظم المعنى لأنه إن أمكنه الرش لا مع النزول أمكنه الاغتسال من غير نزول و هذا الكلام حسن و إن اقتضى كون المرجع غير مذكور صريحا فإن محذوره هين بالنظر إلى ما يلزم على التقدير الآخر خصوصا بعد ملاحظة كون الغرض بيان الحكم الذي وردت به النصوص فإنه لا ربط للعبارة به على ذلك التقدير. هذا و في بعض نسخ النهاية و خاف أن ينزل إليها فساد الماء على صيغة المضارع فالإشكال حينئذ مرتفع لأنه مبني على كون العبارة عن النزول بصيغة الماضي و جعل إن مكسورة الهمزة شرطية و فساد الماء مفعول خشي و فاعل نزل الضمير العائد إلى المريد و على النسخة التي ذكرناه يجعل أن مفتوحة الهمزة مصدرية و فساد الماء فاعل ينزل و المصدر المؤول من أن ينزل مفعول خشي و فاعله ضمير المريد. و حاصل المعنى أنه مع خشيته نزول فساد الماء المنفصل عن بدن المغتسل إلى المياه التي يريد الاغتسال منها و ذلك بعود الماء الذي اغتسل به إليها فإن المنع المتعلق به يتعدى إليها بعوده فيها و هو معنى نزول الفساد إليها فيجب الرش حينئذ حذرا من ذلك الفساد و هذا عين كلام باقي الجماعة و مدلول   الأخبار فلعل الوهم في النسخة التي وقع فيها لفظ الماضي فإن حصول الاشتباه في مثله وقت الكتابة ليس بمستبعد.   أقول إنما أطنبت الكلام في شرح هذا الخبر لتكرره في الأصول و دورانه على الألسن و اشتباهه على المتقدمين و المتأخرين و لا تكاد تجد في كتاب أجمع مما أوردنا إلا من أخذ منا و الله الموفق