باب 4- نجاسة الخمر و سائر المسكرات و الصلاة في ثوب أصابته

الآيات المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

 تفسير المشهور أن الخمر موضوع للمسكر المأخوذ من عصير العنب بحسب اللغة. و روي عن ابن عباس المراد به جميع الأشربة المسكرة و يدل عليه كثير من أخبار أهل البيت ع. و الميسر القمار و الأنصاب أحجار أصنام كانوا ينصبونها للعبادة و يذبحون عندها و الأزلام هي القداح التي كانوا يستقسمون بها و سيأتي تفاصيل تلك الأمور في محالها و قال في القاموس الرجس بالكسر القذر و المأثم و كل ما استقذر من العمل و العمل المؤدي إلى العذاب مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ لأنه نشأ من تسويله و تزيينه و هو صفة أو خبر آخر فَاجْتَنِبُوهُ أي ما ذكر أو تعاطيها أو الرجس   أو عمل الشيطان أو كل واحد منها لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بسبب الاجتناب. ثم اعلم أن المشهور بين الأصحاب نجاسة الخمر و سائر المسكرات المائعة بل نسب إلى أكثر أهل العلم حتى حكي عن المرتضى رضي الله عنه أنه قال لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم و عن الشيخ رحمه الله أنه قال الخمر نجسة بلا خلاف و قال في المختلف الخمر و كل مسكر و الفقاع و العصير إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس ذهب إليه أكثر علمائنا كالشيخ المفيد و الشيخ أبي جعفر و السيد المرتضى و سلار و ابن إدريس. و قال ابن أبي عقيل من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لأن الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان و قال الصدوق في المقنع و الفقيه لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر لأن الله تعالى حرم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب أصابته و عزي في الذكرى إلى الجعفي وفاق الصدوق و ابن أبي عقيل. و استدل القائلون بالنجاسة بعد الإجماع بالآية بوجهين أحدهما أن الوصف بالرجاسة وصف بالنجاسة لترادفهما في الدلالة و الثاني أنه أمر بالاجتناب و هو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب بجميع الأنواع   لأن معنى اجتنابها كونه في جانب غير جانبها فيستلزم المنع من أكله و ملاقاته و تطهير المحل بإزالته و لا معنى للنجس إلا ذلك ذكرهما المحقق و العلامة. و رد الأول بأن الرجس لا نسلم أنه مرادف للنجس و قول الشيخ في التهذيب الرجس هو النجس بلا خلاف لا حجة فيه لأن أهل اللغة لم يذكروا النجس في معناه بل ذكروا له معاني أخرى لا تقرب منه أيضا سوى ما ذكروا من القذر و الظاهر أنه ليس النجس المصطلح بل هو ما يستقذره الطبع مع أن في الآية الكريمة وقع خبرا عن الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام جميعا في الظاهر. فلا يخلو إما أن يقدر مضاف محذوف ليصح حمله على الجميع مثل التعاطي و نحوه و على هذا ظاهر أنه لا يصح جعله بمعنى النجس بل لا بد من حمله على معنى آخر مثل المأثم لأنه من بعض معانيه أو العمل المستقذر أو القذر الذي يعاف منه العقول كما يوجد في كلام جماعة من المفسرين أو يقال إن المراد أن كل واحد رجس و حينئذ لا يصح الحمل على النجس و إلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيين بل الحقيقي و المجازي أو يجعل الرجس المذكور خبرا عن الخمر فقط و يقدر لكل من الأمور الأخر خبر آخر و على هذا أيضا لا يصح حمل الرجس على النجس لأن القرينة على التقدير دلالة المذكور عليه و لو حمل الرجس على النجس يلزم أن يكون المقدر كذلك و لو فرض جواز الاكتفاء في الدلالة بمجرد الاشتراك في اللفظ و إن لم يكن المعنى في الجميع واحدا فلا ريب أنه المرجوع بالنسبة إلى الاحتمالات السابقة و لا أقل من التساوي و على هذا كيف يستقيم الاستدلال.   و الثاني بأن المتبادر من الاجتناب من كل شي‏ء الاجتناب عما يتعارف في الاقتراب منه مثلا المتعارف من اقتراب الخمر الشرب منه و في اقتراب الميسر اللعب به و في اقتراب الأنصاب عبادتها فعلى هذا يكون الأمر بالاجتناب عن الخمر المتبادر منه الاجتناب عن شربه لا الاجتناب من جميع الوجوه كما يقولون إن حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ لا إجمال فيه إذ المتبادر تحريم أكلها

1-  قرب الإسناد، عن أحمد و عبد الله ابني محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب قال سألت أبا عبد الله ع عن الخمر و النبيذ و المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه قال صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر إن الله تبارك و تعالى إنما حرم شربها

2-  علل الصدوق، عن أبيه عن سعد عن محمد بن الحسين و علي بن إسماعيل و يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز قال قال بكير عن أبي جعفر ع و أبو الصباح و أبو سعيد و الحسن النبال عن أبي عبد الله ع قالوا قلنا لهما إنا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ نصلي فيها قبل أن نغسلها قال نعم لا بأس بها إنما حرم الله أكله و شربه و لم يحرم لبسه و مسه و الصلاة فيه

 بيان الودك بالتحريك دسم اللحم و دهنه الذي يستخرج منه

3-  قرب الإسناد، عن محمد بن الوليد عن ابن بكير قال سأل رجل أبا عبد الله ع و أنا عنده عن المسكر و النبيذ يصيبان الثوب قال لا بأس به

4-  و منه، بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن رجل مر في ماء مطر قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله   قال لا يغسل ثوبه و لا رجليه و يصلي و لا بأس قال و سألته ع عن رجل مر بمكان قد رش فيه خمر قد شربته الأرض و بقي نداه أ يصلي فيه قال إن أصاب مكانا غيره فليصل فيه و إن لم يصب فليصل و لا بأس

5-  و منه و من كتاب المسائل، قال سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أ يصلح أن تصلي المرأة و هو في رأسها قال لا حتى تغتسل منه قال و سألته عن الطعام يوضع على سفرة أو خوان قد أصابه الخمر أ يؤكل عليه قال إذا كان الخوان يابسا فلا بأس

6-  فقه الرضا، لا بأس أن تصلي في ثوب أصابه خمر لأن الله حرم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب أصابه و إن خاط خياط ثوبك بريقه و هو شارب الخمر إن كان يشرب غبا فلا بأس و إن كان مدمنا للشرب كل يوم فلا تصل في ذلك الثوب حتى يغسل و لا تصل في بيت فيه خمر محصور في آنية

7-  كتاب المسائل، بالإسناد المتقدم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن الكحل يصلح أن يعجن بالنبيذ قال لا

 أقول سيأتي بعض الأخبار المناسبة لهذا الباب في باب الأواني. تبيين اعلم أن الخبر الأول يدل على جواز الصلاة في ثوب أصابته الخمر و ظاهره الطهارة و إن أمكن أن تكون نجسة معفوا عنها و حمله القائلون بالنجاسة على التقية و أورد عليه أنه لا تقية فيه إذ أكثر علماء العامة أيضا على نجاسة الخمر و أجيب بأن التقية لعلها من السلاطين إذ سلاطين ذلك الوقت   كانوا يزاولون الخمر و لا يجتنبون عنها فلعل الحكم بالنجاسة كان شاقا عليهم لتضمنه شناعة لهم و إزراء بهم و رد بأنهم ع لو كانوا يتقون في ذلك لكانت تقيتهم في الحكم بالحرمة أوجب و أهم مع أنهم ع كانوا يبالغون في ذلك كل المبالغة حتى أنهم حكموا بأن مدمن الخمر كعابد وثن إلى غير ذلك من التهديدات و التشديدات. فإن قلت الحرمة لما كانت صريحة في القرآن المجيد و كانت من ضروريات الدين فالحكم بها لا فساد فيه إذ لا لأحد أن ينكر على من حكم بها قلت أصل حرمتها و إن كان كذلك لكن عظم حرمتها و كونها بالغة إلى ما بلغت من المراتب التي في أحاديثنا ليس في صريح القرآن و لا من ضروريات الدين فكان ينبغي أن يتقوا فيه فترك التقية في ذلك و التقية في الحكم بالنجاسة بعيد جدا بل الأظهر حمل أخبار النجاسة على التقية أو على الاستحباب. و بالجملة لو لا الشهرة العظيمة و الإجماع المنقول لكان القول بالجواز متجها و لا ريب أن الأحوط العمل بالمشهور. و الخبر الثاني أظهر في الدلالة على الطهارة لكنه يدل على طهارة ودك الخنزير أيضا و لم يقل به أحد و إن كان ظاهر الصدوق رحمه الله القول بجواز الصلاة فيه أيضا حيث قال في كتاب علل الشرائع باب علة الرخصة في الصلاة في ثوب أصابه خمر و ودك الخنزير فإنه و إن لم يكن صريحا في الطهارة لكنه صريح في جواز الصلاة فيه و يمكن حمل الخبر على ما إذا ظن ملاقاة الحاكة لها بالخمر و ودك الخنزير و إن لم يعلم ذلك فإن تلك الظنون غير معتبرة في النجاسة و إلا لزم الاجتناب من جميع الأشياء لا سيما ما يجلب من بلاد الكفر من الثياب و الأدوية و الأطعمة كما

 روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله ع عن الثياب السابرية يعملها المجوس   و هم أخباث و هم يشربون الخمر و نساؤهم على تلك الحال ألبسها و لا أغسلها و أصلي فيها قال نعم

فالمراد بقوله ع و لم يحرم لبسه و مسه و الصلاة فيه عدم التحريم إذا ظن ذلك و لم يعلم و لا يخفى بعده. و الخبر الثالث أيضا ظاهره الطهارة و يمكن حمله على عدم البأس بلبس الثوب و التمتع به لا طهارته و جواز الصلاة فيه. و الخبر الرابع أيضا ظاهر الدلالة على الطهارة و يمكن حمله على أن صب الخمر كان قبل وقوع المطر و بعده قد طهر المكان فلا بأس بأن يصيب ماء المطر حينئذ أو على أن صب الخمر في الماء كان في أثناء التقاطر و كذا أصابه ماء المطر الثوب أيضا كان في أثنائه أو على أن ماء المطر لعله كان كرا أو على أن القليل لا ينجس بملاقاة النجاسة. و جواب السؤال الثاني من علي بن جعفر أظهر في الطهارة و يدل على استحباب التنزه عنها مع الإمكان و يمكن حمله على نفي البأس في الصلاة في ذلك المكان مع عدم السجود عليها و عدم ملاقاته بالرطوبة بأن تكون النداوة نداوة لا تسري. لا يقال لا حاجة إلى السؤال حينئذ لأنه يجوز أن يتوهم أنه لا يصح الصلاة في مكان أصابته الخمر و إن لم يلاق برطوبة كما ورد أنه لا يصلى في بيت فيه خمر لكنه بعيد و ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال دليل العموم. و جوابا السؤال الثالث و الرابع ظاهران في النجاسة و إن أمكن حملهما على الاستحباب أو التقية كما عرفت. و أما ما في الفقه فالنهي مع الإدمان ظاهره الكراهة بقرينة سابقة و النهي عن الصلاة في بيت فيه خمر فالمشهور أنه على الكراهة و ظاهر الصدوق الحرمة و خبر النبيذ ظاهره الكراهة مع أنه على تقدير الحرمة أيضا لا يدل على النجاسة

    -8  دعائم الإسلام، سئل الصادق ع عن الشراب الخبيث يصيب الثوب قال يغسل و سئل عن السفرة و الخوان يصيبه الخمر أ يؤكل عليه قال إن كان يابسا قد جف فلا بأس به