باب 1- أنه جعل للنبي ص و لأمته الأرض مسجدا

1-  معاني الأخبار، و العلل، و الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله و محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى و أحمد بن أبي عبد الله البرقي و عن محمد بن خالد البرقي عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله ص أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا و نصرت بالرعب و أحل لي المغنم و أعطيت جوامع الكلم و أعطيت الشفاعة

 بيان جعلت لي الأرض مسجدا أي محل صلاة كما فهمه الأكثر و دلت عليه الأخبار الآتية فأطلق السجود على الصلاة تسمية للكل باسم الجزء و يظهر وجه التخصيص مما سيأتي أو محل سجود فيدل على جواز السجود على جميع أجزاء الأرض إلا ما أخرجه الدليل أو الأعم منهما و طهورا أي للتيمم فيدل على جواز التيمم على جميع أجزاء الأرض إلا ما خرج بالدليل و يحتمل شموله لحجر الاستنجاء و تعفير الإناء و تطهير النعل و الرجل و غيرها مما مر   تفصيله و نصرته بالرعب مسيرة شهر أو شهرين من خصائصه المشهورة ص قال في النهاية فيه نصرت بالرعب مسيرة شهر الرعب الخوف و الفزع كان أعداء النبي ص قد أوقع الله في قلوبهم الخوف منه فإذا كان بينه و بينهم مسيرة شهر هابوه و فزعوا منه و حل المغنم لأن سائر الأمم كانوا يحرقون غنائم الكفار و قال في النهاية فيه أوتيت جوامع الكلم يعني القرآن جمع الله بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة واحدها جامعة أي كلمة جامعة و منه الحديث في صفته ص أنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي أنه كان كثير المعاني قليل الألفاظ

2-  الخصال، عن محمد بن علي بن شاه عن محمد بن جعفر البغدادي عن أبيه عن أحمد بن السخت عن محمد بن الأسود عن أيوب بن سليمان عن أبي البختري عن محمد بن حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي ص قال قال الله تعالى جعلت لك و لأمتك الأرض كلها مسجدا و ترابها طهورا الخبر

3-  مجالس ابن الشيخ، عنه عن المفيد عن محمد بن علي بن رياح عن أبيه عن الحسن بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إن الله جعل لي الأرض مسجدا و طهورا أينما كنت منها أتيمم من تربتها و أصلي عليها

 و منه عن أبيه عن جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن محمد بن سليمان عن عبد السلام بن عبد الحميد عن موسى بن أعين قال أبو المفضل و حدثني نصر بن الجهم عن محمد بن مسلم بن وارة عن محمد بن موسى بن أعين عن أبيه عن عطاء بن سائب عن الباقر عن آبائه ع عن النبي ع قال جعلت لي الأرض مسجدا الخبر

    -4  إرشاد القلوب، عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع في جواب اليهودي الذي سأله عن فضل النبي ص فقال ع قال الله تعالى في ليلة المعراج إني جعلت على الأمم أن لا أقبل منهم فعلا إلا في بقاع الأرض التي اخترتها لهم و إن بعدت و قد جعلت الأرض لك و لأمتك طهورا و مسجدا فهذه من الآصار و قد رفعتها عن أمتك

5-  المحاسن، عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن محمد بن مروان جميعا عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى أعطى محمدا ص شرائع نوح و إبراهيم و موسى و عيسى إلى أن قال و جعل له الأرض مسجدا و طهورا

6-  المعتبر، قال قال رسول الله ص جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة صليت

 أقول سيأتي بعض الأخبار في الأبواب الآتية و قد مر بعضها في المجلدات السابقة.

تفريع

 قد عرفت أنه يستفاد من تلك الأخبار المتواترة معنى جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما أخرجه الدليل فمنها المكان المغصوب للإجماع على عدم جواز التصرف في ملك الغير إلا بإذنه صريحا أو فحوى أو بشاهد الحال و ربما يجوز بعض المحدثين الصلاة في المغصوب لعموم تلك الأخبار و هو ضعيف للآيات و الأخبار الكثيرة الدالة على تحريم الظلم و الغصب و التصرف في مال الغير بغير إذنه.  

 و روى الكليني في الحسن عن أبي عبد الله ع أن رسول الله ص قال من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه

و سيأتي بعض الأخبار في آخر الباب و في باب الغصب. و أما بطلان الصلاة مع العلم بالغصب فقال في المنتهى ذهب علماؤنا إلى بطلان الصلاة فيه و ظاهره دعوى الإجماع و قال في المعتبر و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم و ظاهره عدم تحقق الإجماع عليه حيث إن الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا ذكر في جواب من قاس من العامة صحة الطلاق في الحيض بصحة العدة مع خروج المعتدة من بيت زوجها ما هذا لفظه و إنما قياس الخروج و الإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى فيها فهو عاص في دخوله الدار و صلاته جائزة لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهي عن ذلك صلى أم لم يصل و كذلك لو أن رجلا غصب رجلا ثوبا أو أخذه فلبسه بغير إذنه فصلى فيه لكانت صلاته جائزة و كان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهي عن ذلك صلى أو لم يصل و كذلك لو أنه لبس ثوبا غير طاهر أو لم يطهر نفسه أو لم يتوجه نحو القبلة لكانت صلاته فاسدة غير جائزة لأن ذلك من شرائط الصلاة و حدودها لا يجب إلا للصلاة. و كذلك لو كذب في شهر رمضان و هو صائم بعد أن لا يخرجه كذبه من الإيمان لكان عاصيا في كذبه ذلك و كان صومه جائزا لأنه منهي عن الكذب صام أم أفطر و لو ترك العزم على الصوم أو جامع لكان صومه فاسدا باطلا لأن ذلك من شرائط الصوم و حدوده لا يجب إلا مع الصوم. و كذلك لو حج و هو عاق لوالديه أو لم يخرج لغرمائه من حقوقهم لكان عاصيا في ذلك و كانت حجته جائزة لأنه منهي عن ذلك حج أم لم يحج و لو   ترك الإحرام أو جامع في إحرامه قبل الوقوف لكانت حجته فاسدة غير جائزة لأن ذلك من شرائط الحج و حدوده لا يجب إلا مع الحج و من أجل الحج و كل ما كان واجبا قبل الفرض و بعده فليس ذلك من شرائط الفرض لأن ذلك أتى على حده و الفرض جائز معه و كل ما لم يجب إلا مع الفرض و من أجل الفرض فإن ذلك من شرائطه لا يجوز الفرض إلا بذلك على ما بينا و لكن القوم لا يعرفون و لا يميزون و يريدون أن يلبسوا الحق بالباطل إلى آخر ما ذكره ره. فظهر أن القول بالصحة كان بين الشيعة بل كان أشهر عندهم في تلك الأعصار و كلام الفضل يرجع إلى ما ذكره محققو أصحابنا من أن التكليف الإيجابي ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد و غيره و كذا التكليف السلبي متعلق بطبيعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد و النسبة بين الطبيعتين عموم من وجه فطلب الفعل و الترك غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة حتى يلزم التكليف بما لا يطاق و إنما جمع المكلف بينهما في فرد واحد باختياره فهو ممتثل للتكليف الإيجابي باعتبار أن هذا فرد الطبيعة المطلوبة و امتثال الطبيعة إنما يحصل بالإتيان بفرد من أفرادها و هو مستحق للعقاب أيضا باعتبار كون هذا الفرد فردا للطبيعة المنهية. و قيل هذا القول غير صحيح على أصول أصحابنا لأن تعلق التكليف بالطبيعة مسلم لكن لا نزاع عندنا في أن الطبيعة المطلوبة يجب أن تكون حسنة و مصلحة راجحة متأكدة يصح للحكيم إرادتها و قد ثبت ذلك في محله و غير خاف أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات إلا من حيث التحصل الخارجي باعتبار أنحاء وجوداته الشخصية و حينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو إما أن يكون حسنا و مصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا و على الأول لا يصح النهي عنه و على الثاني لم يكن القدر المشترك بينه و بين باقي الأفراد مطلوبا للشارع بل المطلوب الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد فلا يحصل الامتثال بذلك الفرد لخروجه من أفراد المأمور به.   أقول و يمكن المناقشة فيه بوجوه لو تعرضنا لها خرجنا عما هو مقصودنا في هذا الكتاب و بالجملة الحكم بالبطلان أحوط و أولى و إن كان إثباته في غاية الإشكال.

فائدة

 اعلم أنهم ذكروا أنه لا بد في مكان المصلي من كونه مملوكا عينا أو منفعة كالمستأجر و الموصي للمصلي بمنفعته و المعمر و المستعار أو مأذونا فيه صريحا بأن يقال صل في هذا المكان أو فحوى كإدخال الضيف منزله كذا أطلق الأصحاب و لو فرض وجود الأمارات على كراهة المالك للصلاة فيه بسبب من الأسباب كمخالفته له في الاعتقاد مثلا لم يبعد عدم الجواز أو بشاهد الحال و فسر بما إذا كان هناك أمارة تشهد بأن المالك لا يكره و ظاهر ذلك أنه يكفي الظن برضا المالك و ظاهر كثير من عبارات الأصحاب اعتبار العلم برضاه و الأول أنسب و أوفق بعمومات الأخبار السالفة و اعتبار العلم ينفي فائدة هذا الحكم إذ قلما يتحقق ذلك في مادة. بل الظاهر جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه و كان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله و إن فرضنا عدم العلم برضا المالك هناك على الخصوص بسبب من الأسباب نعم لو ظهرت كراهة المالك لأمارة لم تجز الصلاة فيه مطلقا. و بالجملة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في الصحاري و البساتين إذا لم يتضرر المالك بها و لم تكن أمارة تشهد بعدم الرضا و إن لم يأذن المالك صريحا أو فحوى و في حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف به المصلى كالحمامات و الخانات و الأرحية و غيرها و لا يقدح في الجواز كون الصحراء لمولى عليه بشهادة الحال و لو من الولي. قال في الذكرى و لو علم أنها لمولى عليه فالظاهر الجواز لإطلاق الأصحاب و عدم تخيل ضرر لاحق به فهو كالاستظلال بحائطه و لو فرض ضرر   امتنع منه و من غيره و وجه المنع أن الاستناد إلى أن المالك أذن بشاهد الحال و المالك هنا ليس أهلا للإذن إلا أن يقال إن الولي أذن هنا و الطفل لا بد له من ولي انتهى و العمدة عندي الاستدلال بعموم الأخبار السالفة إذ لم يخرج تلك الأفراد منها بدليل.

تتمة

 اعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في عدم جواز الصلاة في الملك المغصوب بين الغاصب و غيره ممن علم الغصب و جوز المرتضى و الشيخ أبو الفتح الكراجكي الصلاة في الصحاري المغصوبة استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب و هو غير بعيد و لو صلى المالك في المكان المغصوب صحت صلاته و نقل الإجماع عليه إلا من الزيدية و لو أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة صحت لارتفاع المانع و قال الشيخ في المبسوط لو صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه و لا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه انتهى و الظاهر أن مراده بالإذن الغاصب و إن كان الوهم لا يذهب إلى تأثير إذنه في الصحة إذ يمكن أن يكون الاشتراط مبنيا على العرف و أن الغالب أنه لا يتمكن الغير من الصلاة فيه إلا بإذن الغاصب الغالب. و حمله على إرادة المالك كما هو ظاهر المعتبر بعيد جدا إذ لا جهة للبطلان حينئذ و وجهه في الذكرى بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة كما لو باعه فإنه باطل و لا يجوز للمشتري التصرف فيه و فيه نظر لمنع الأصل و بطلان القياس فلا يتم الحكم في الفرع و في الذكرى أيضا و يجوز أن يقرأ أذن بصيغة المجهول و يراد به الإذن المطلق المستند إلى شاهد الحال فإن طريان الغصب يمنع استصحابه كما صرح به ابن إدريس و يكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى ره و تعليل الشيخ مشعر بهذا انتهى و فيه ما ترى و ليت شعري ما المانع عن الحمل على ما ذكرنا مع أنه أظهر في عبارته لفظا و معنى و   ما الداعي على الحمل على ما يوجب تلك التكلفات. و سمعنا أن بعض أفاضل المتأخرين ممن ولي عصرنا زاد في الطنبور نغمة و حكم بأن لا يجوز للمالك أيضا أن يصلي فيه لأنه يصدق عليه أنه مغصوب و هذا فرع ورود تلك العبارة في شي‏ء من النصوص و لا نص فيه على الخصوص بل إنما يستدلون بعموم ما دل على عدم جواز التصرف في ملك الغير ثم يحتجون للبطلان بأن النهي في العبادة موجب للفساد و لا يجري ذلك في المالك و من أذن له فكم بين من يحكم بجواز الصلاة و صحتها للغاصب و غيره و إن منع المالك صريحا و بين من يقول بهذا القول. ثم اعلم أنه على القول بالبطلان لا فرق بين الفريضة و النافلة و هل تبطل الصلاة تحت السقف و الخيمة إذا كانا مغصوبين مع إباحة الأرض فيه إشكال و لعل الأظهر عدم البطلان و استند القائل به إلى أن هذا تصرف في السقف و الخيمة بناء على أن التصرف في كل شي‏ء بحسب ما يليق به و الانتفاع به بحسب ما أعد له. و اختلفوا في بطلان الطهارة في المكان المغصوب فذهب المحقق إلى العدم بناء على أن الكون ليس جزء منها و لا شرطا فيها و إليه ذهب العلامة في المنتهى و الفرق بين الطهارة و الصلاة في ذلك مشكل إذ الكون كما أنه مأخوذ في مفهوم السكون مأخوذ في مفهوم الحركة و ليس الوضوء و الغسل إلا حركات مخصوصة و ليس المكان منحصرا فيما يعتمد عليه الجسم فقط فإن الملك و الأحكام الشرعية لا تتعلق به خاصة بل تعم الفراغ الموهوم أو الموجود فكل منهما عبارة حقيقة عن الكون أو مشتمل عليه. و إنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لكثرة حاجة الناس إلى تلك المسائل و دورانها على السن الخاص و العام و الله يعلم حقائق الأحكام

7-  تحف العقول، للحسن بن علي بن شعبة عن النبي ص أنه قال في خطبة الوداع أيها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ و لا يحل لمؤمن مال أخيه   إلا عن طيب نفس منه

 و منه بإسناده عن أمير المؤمنين ع في وصيته لكميل قال يا كميل انظر فيما تصلي و على ما تصلي إن لم يكن من وجهه و حله فلا قبول

8-  بشارة المصطفى، لمحمد بن أبي القاسم الطبري عن إبراهيم بن الحسن البصري عن يحيى بن الحسن بن عتبة عن محمد بن الحسين بن أحمد عن محمد بن وهبان الدبيلي عن علي بن أحمد العسكري عن أحمد بن المفضل عن راشد بن علي القرشي عن عبد الله بن حفص المدني عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن زيد بن أرطاة عن كميل بن زياد مثله