باب 13- التسليم و آدابه و أحكامه

 الآيات الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً. أقول قد مر الكلام فيها في الباب السابق و استدلال القوم بها على وجوب التسليم قال في كنز العرفان في تفسير هذه الآية استدل بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج من الصلاة بما تقريره شي‏ء من التسليم واجب و لا شي‏ء منه في غير التشهد بواجب فيكون وجوبه في الصلاة و هو المطلوب أما الصغرى فلقوله سلموا الدال على الوجوب و أما الكبرى فللإجماع و فيه نظر لجواز كونه بمعنى الانقياد سلمنا لكنه سلام على النبي لسياق الكلام و قضية العطف و أنتم لا تقولون إنه المخرج من الصلاة بل المخرج غيره. ثم قال و استدل بعض شيوخنا المعاصرين على أنه يجب إضافة السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته إلى التشهد الأخير بالتقريب المتقدم قيل عليه أنه خرق للإجماع لنقل العلامة الإجماع على استحبابه و يمكن الجواب بمنع الإجماع على عدم وجوبه و الإجماع المنقول على مشروعيته و راجحيته و هو أعم من الوجوب و الندب. ثم قال و بالجملة الذي يغلب على ظني الوجوب و استدل ببعض الأخبار. أقول يؤيد عدم الإجماع ما ذكره في الذكرى حيث قال قال صاحب الفاخر أقل المجزي من عمل الصلاة في الفريضة تكبيرة الافتتاح و قراءة الفاتحة في الركعتين   أو ثلاث تسبيحات و الركوع و السجود و تكبيرة واحدة بين السجدتين و الشهادة في الجلسة الأولى و في الأخيرة الشهادتان و الصلاة على النبي و آله ع و التسليم و السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته. ثم قال الشهيد رحمه الله و كلام هذا يشتمل على أشياء لا تعد من المذهب و قال ثم قال يسلم إن كان إماما بواحدة تلقاء وجهه في القبلة السلام عليكم يرفع بها صوته و إذا كانوا صفوفا خلف إمام سلم القوم على أيمانهم و على شمائلهم و من كان في آخر الصف فعليه أن يسلم على يمينه فقط و من كان وحده أجزأ منه السلام الذي في آخر التشهد و يزيد في آخره السلام عليكم يميل أنفه عن يمينه قليلا و عنى بالذي في آخر التشهد قوله السلام على رسول الله ص و على أهل بيته السلام على نبي الله السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين و رسول رب العالمين السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته السلام على الأئمة المهديين الراشدين السلام علينا و على عباد الله الصالحين انتهى. ثم اعلم أن الأصحاب اختلفوا في التسليم فذهب المرتضى و أبو الصلاح و سلار و ابن أبي عقيل و الراوندي و صاحب الفاخر و ابن زهرة إلى الوجوب و الشيخان و ابن البراج و ابن إدريس و جماعة إلى الاستحباب و نسبه في الذكرى إلى أكثر القدماء و اختاره العلامة في عدة من كتبه. و اختلفوا أيضا في أنه هل هو جزء من الصلاة أم خارج عنها قال المرتضى لم أجد لأصحابنا فيه نصا و يقوى عندي أنها من الصلاة و الأخبار في المقامين   متعارضة و يشكل الجزم بأحد الطرفين و إن كان الاستحباب و الخروج لا يخلوان من قوة فالاحتياط يقتضي الإتيان به و نية الوجوب و الندب غير ضرور لا سيما إذا لم يعلم أحدهما و أما الأحكام المترتبة عليهما فسيأتي أكثرها و لها مدارك مخصوصة نتكلم فيها إن شاء الله تعالى

1-  قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف قال تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان عن يمينك أحد أو لم يكن

 بيان ذهب الأصحاب إلى أن المنفرد يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة و قال الشيخ و أكثر الأصحاب و يومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه و لا تساعده الأخبار و قال الأكثر يسلم الإمام واحدة إلى القبلة و يومئ إلى اليمين بصفحة وجهه و قال ابن الجنيد إذا كان الإمام في صف سلم عن جانبيه و قال المأموم يسلم عن الجانبين إن كان على يساره أحد و إلا فعن يمينه و يومئ بصفحة الوجه و قال الصدوق يرد المأموم على الإمام بواحدة ثم يسلم عن جانبيه بتسليمتين و جعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافيا في التسليمتين للمأموم كذا فهمه القوم من كلامهما و قال في الذكرى   و لا بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان إلا عن ثبت. و قال في الفقيه و إن كنت خلف إمام تأتم به فسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الإمام و تسلم على يمينك واحدة و على يسارك واحدة إلا أن لا يكون على يسارك إنسان فلا تسلم على يسارك إلا أن تكون بجنب الحائط فتسلم على يسارك و لا تدع التسليم على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن. و قال الوالد قدس سره الظاهر أنه أخذه مما رواه في العلل عن المفضل بن عمر لأن ما ذكره سابقا مأخوذ منه و ظاهر كلامه أنه إذا كان على يساره الحائط يسلم على اليسار كما فهمه الأصحاب و ظاهر الخبر أنه إذا كان على يمينه الحائط لا يسلم على اليمين بل على اليسار و هو غريب إلا أن يحمل قوله و لا تدع التسليم على غير صورة الحائط ليكون مطابقا للرواية انتهى كلامه رفع مقامه. و لا يخفى أن ما يستفاد من الخبر أنسب و أوفق بالاعتبار و سيأتي الخبر. ثم إنه اختلفت الأخبار في إيماء الإمام ففي بعضها يسلم إلى القبلة و في بعضها إلى اليمين و ربما يجمع بينهما بأنه يبتدئ أولا من القبلة ثم يختمه مائلا إلى اليمين أو أنه لا يميل كثيرا ليخرج عن حد القبلة بل يميل بوجهه قليلا و الأظهر حملها على التخيير

 و يؤيده ما في فقه الرضا ع حيث قال ثم سلم عن يمينك و إن شئت يمينا و شمالا و إن شئت تجاه القبلة

و أما المأموم فقال السيد في المدارك ليست فيما وقفت عليه من الروايات دلالة على الإيماء بصفحة الوجه و لا يخفى أن ظاهر هذا الخبر الإيماء بالوجه إذ لا يعقل من التسليم عن اليمين إلا ذلك و أما الاكتفاء بذكر اليمين في هذا الخبر فهو إما محمول على ما إذا لم يكن على يساره أحد أو على أقل المجزي فإن الثاني مستحب اتفاقا.  

 و كذا يدل على ذلك ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي ص و تقول السلام علينا و على عباد الله الصالحين فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة السلام عليكم و كذلك إذا كنت وحدك تقول السلام علينا و على عباد الله الصالحين مثل ما سلمت و أنت إمام فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلم على من على يمينك و شمالك فإن لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين على يمينك و لا تدع التسليم عن يمينك إن لم يكن على شمالك أحد

فإن ظاهر التسليم على اليمين و الشمال ذلك و الحمل على القصد بعيد لا سيما و قد قوبل بقوله و أنت مستقبل القبلة

2-  المعتبر، نقلا من جامع البزنطي عن عبد الكريم عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله ع إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك

 بيان قال في المعتبر أما الإشارة بمؤخر العين فقد ذكره الشيخ في النهاية و هو من المستحب عنده و ربما أيده ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه و ذكر الخبر و قد عرفت أن ظاهر الخبر الإيماء بالوجه و لعله قدس سره جمع بذلك بين الأخبار و قد مر وجوه أخرى للجمع و قال في الذكرى لا إيماء إلى القبلة بشي‏ء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس و لا بغيره إجماعا و إنما الإمام و المنفرد يسلمان تجاه القبلة بغير إيماء و أما المأموم فالظاهر أنه يبتدئه مستقبل القبلة ثم يختمه بالإيماء إلى الجانب الأيمن أو الأيسر ثم قال و يستحب عند ذكر النبي ص بالتسليم عليه الإيماء إلى القبلة بالرأس قاله المفيد و سلار و هو حسن في البلاد التي يكون قبره ص في قبلة المصلي انتهى. و أقول لو لم يكن قولهما مأخوذا من خبر فهذا الوجه ناقص عن إفادة المرام و الله أعلم بحقائق الأحكام

    -3  الخصال، عن ستة من مشايخه منهم علي بن عبد الله الوراق عن أحمد بن محمد بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي عبد الله ع قال لا يقال في التشهد الأول السلام علينا و على عباد الله الصالحين لأن تحليل الصلاة هو التسليم و إذا قلت هذا فقد سلمت

 العيون، عن عبد الواحد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا ع فيما كتب للمأمون مثله إلا أن فيه لا يجوز أن تقول

توضيح و تنقيح

 اعلم أن الأصحاب اختلفوا فيما يجب من صيغة التسليم فذهب الأكثر إلى أنه السلام عليكم قال في الدروس و عليه الموجبون و ذكر في البيان أن السلام علينا لم يوجبه أحد من القدماء و أن القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة كالتسليم على الأنبياء و الملائكة غير مخرجة من الصلاة و القائل بندب التسليم يجعلها مخرجة. و ذهب المحقق إلى التخيير بين الصيغتين و أن الواجبة ما تقدم منهما و تبعه العلامة و أنكره الشهيد في الذكرى و البيان فقال في الذكرى إنه قول محدث في زمان المحقق أو قبله بزمان يسير و نقل الإيماء إلى ذلك من شرح رسالة سلار و قال في موضع آخر إنه قوي متين إلا أنه لا قائل به من القدماء و كيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا مع أنه قد قال بذلك في الرسالة الألفية و اللمعة الدمشقية و هي من آخر ما صنفه. و ذهب صاحب الجامع يحيى بن سعيد إلى وجوب السلام علينا و على عباد الله الصالحين و تعيينها للخروج من الصلاة و أنكره في الذكرى فقال إنه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر به قائله و نسب المحقق في المعتبر هذا القول إلى الشيخ و خطأه الشهيد في هذه النسبة و ذهب صاحب الفاخر إلى وجوب السلام على النبي ص و جعل ذلك من جملة أقل المجزي في الصلاة كما عرفت.   ثم الظاهر أن الواجب على القول بوجوب التسليم السلام عليكم خاصة و به قال ابن بابويه و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و قال أبو الصلاح يجب السلام عليكم و رحمة الله و ذهب ابن زهرة إلى وجوب و بركاته أيضا و قال في المنتهى و لو قال السلام عليكم و رحمة الله جاز و إن لم يقل و بركاته بلا خلاف و يخرج به من الصلاة و اختلف الأصحاب فيما يخرج به المكلف من الصلاة فقيل يتعين للخروج السلام عليكم و هو قول أكثر القائلين بوجوب التسليم و منهم من قال إنه يخرج من الصلاة بقوله السلام علينا و على عباد الله الصالحين و إن وجب الإتيان بالسلام عليكم بعد ذلك و هو صاحب البشرى قال في الذكرى و قال صاحب البشرى السيد جمال الدين بن طاوس و هو مضطلع بعلم الحديث و طرقه و رجاله لا مانع أن يكون الخروج بالسلام علينا و أن يجب السلام عليكم و رحمة الله و بركاته بعده

 للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق ع في وصف صلاة النبي ص في السماء أنه لما صلى أمر أن يقول للملائكة السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إلا أن يقال هذا في الإمام دون غيره قال

 و مما يؤكد وجوبه رواية زرارة و محمد بن مسلم عن الباقر ع قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته و إن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم و انصرف أجزأه

انتهى و ذهب المحقق و العلامة في المنتهى و الشهيد في اللمعة و الرسالة إلى التخيير بينهما و أنه يخرج من الصلاة بكل منهما و لو جمع بينهما يحصل الخروج بالمتقدم منهما و قد سمعت إنكار الشهيد لذلك في الذكرى و قال في البيان بعد البحث عن الصيغة الأولى و أوجبها بعض المتأخرين و خير بينهما و بين السلام عليكم و جعل الثانية منهما مستحبة و ارتكب جواز السلام علينا و على عباد الله الصالحين بعد السلام عليكم و لم يذكر ذلك في خبر و لا مصنف بل القائلون بوجوب التسليم و استحبابها يجعلونها مقدمة و ذهب يحيى بن سعيد إلى تعيين الخروج بالصيغة الأولى. و أما القائلون باستحباب التسليمتين فمنهم من قال إنه يخرج من الصلاة بالفراغ   من الصلاة على النبي ص و منهم من قال إنه يخرج من الصلاة بالتسليم و هو ظاهر الشيخين. إذا عرفت هذا فالذي يقتضي الجمع بين الأخبار التخيير بين الصيغتين و استحباب الجمع بينهما بتقديم السلام علينا و هذا أحوط مع قصد القربة بهما من غير تعرض للوجوب و الندب و الأخبار في السلام علينا أكثر و السلام عليكم بين الأصحاب أشهر و يظهر من بعض الأخبار كخبر أبي بصير المتقدم أن آخر أجزاء الصلاة قول المصلي السلام علينا و به ينصرف عن الصلاة و بعد الانصراف عنها بذلك يأتي بالتسليم للإذن و إيذان المأمومين بالانصراف. قال في الذكرى و بعد هذا كله فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين و ليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه باديا بالسلام علينا و على عباد الله الصالحين لا بالعكس فإنه لم يأت به خبر منقول و لا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق ره و يعتقد ندب السلام علينا و وجوب الصيغة الأخرى و إن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته مخرجة بالإجماع انتهى و لا يخفى جوده ما أفاده ره إلا ما ذكره في اعتقاد الوجوب و الندب. و هل يجب نية الخروج على القول بوجوبه الأجود عدمه لعدم الدليل عليه و قال في المنتهى لم أجد لأصحابنا نصا فيه و قال الشيخ في المبسوط ينبغي أن ينوي بها و ربما يقال بالوجوب كما يظهر من صاحب الجامع

4-  المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، نقلا من جامع البزنطي عن عبد الله بن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عن تسليم الإمام و هو مستقبل القبلة قال يقول السلام عليكم

5-  الخصال، عن أبيه عن سعد عن اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن الصادق ع قال قال أمير المؤمنين ع   إذا انفتلت من الصلاة فانفتل عن يمينك

 بيان رواه في الفقيه بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك

و هو يحتمل وجهين أحدهما الإيماء بالسلام إلى اليمين و ثانيهما أن يكون المراد أنه إذا فرغ من التعقيب و أراد الذهاب لحاجة فليذهب من جهة اليمين كما فهمه الصدوق حيث أورده في باب مفرد بعد الفراغ من ذكر التعقيب و سائر أحكام الصلاة و بعد أن ذكر الالتفات في التسليم سابقا و لعله أظهر و أبعد من التخصيص و التأويل

6-  المناقب، لابن شهرآشوب عن أبي حازم قال سئل علي بن الحسين ع ما افتتاح الصلاة قال التكبير قال ما تحريمها قال التكبير قال ما تحليلها قال التسليم

7-  قرب الإسناد، عن محمد بن عبد الحميد عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي الحسن الأول ع صليت بقومي صلاة فقمت و لم أسلم عليهم نسيت فقالوا ما سلمت علينا قال أ لم تسلم و أنت جالس قلت بلى قال فلا شي‏ء عليك و لو شئت حين قالوا لك استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم

 بيان روى الشيخ أيضا هذا الخبر في الموثق عن يونس و فيه و لو نسيت حيث قالوا و لعل ما هنا أصوب و ظاهره أنه كان قال السلام علينا و على عباد الله الصالحين و لم يأت بالعبارة التي جرت العادة بسلام بعضهم على بعض بها و هي السلام   عليكم فقالوا له ما سلمت علينا فلا يدل على عدم وجوب التسليم كما استدل به بل على الوجوب أدل نعم يدل على عدم وجوب السلام عليكم بعد السلام علينا و ظاهر الخبر استحباب تحويل الوجه إلى المأمومين عند قوله السلام عليكم و تخصيصه بالسهو بعيد نعم على ما في قرب الإسناد الحكم مخصوص بما إذا بدأ بقوله السلام علينا و فيه وجه بحسب الاعتبار أيضا لأنه قد خرج بالصيغة الأولى عن الصلاة فلا يضره الالتفات و به يمكن الجمع بين أكثر الأخبار بحمل التسليم إلى القبلة على ما إذا لم يأت بالصيغة الأولى أو على الصيغة الأولى و الالتفات على الصيغة الثانية. قال في الذكرى عند ذكر الإيماء فيه دلالة ما على استحباب التسليم أو على أن التسليم و إن وجب لا يعد جزءا من الصلاة إذ يكره الالتفات في الصلاة عن الجانبين و يحرم إن استلزم استدبارا و يمكن أن يقال التسليم و إن كان جزء من الصلاة إلا أنه خرج من حكم القبلة بدليل من خارج. أقول على ما ذكرنا لا حاجة إلى التخصيص و التكلف

8-  الخصال، عن جعفر بن محمد بن بندار عن سعيد بن أحمد بن أبي سالم عن يحيى بن الفضل الوراق عن إسحاق بن إبراهيم عن سليمان بن سلمة عن بقية بن الوليد عن الزيادي عن الزهري عن أنس أن رسول الله ص كان يسلم تسليمة واحدة

 و منه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد البزنطي عن ثعلبة عن ميسر عن أبي جعفر ع قال شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم قول الرجل تبارك اسمك و تعالى جدك و إنما هو شي‏ء قالته الجن بجهالة فحكى الله عنهم و قول الرجل السلام علينا و على عباد الله الصالحين

 بيان قد مر أن المراد به قول السلام علينا في التشهد الأول

9-  العلل، عن علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن جعفر الأسدي عن محمد بن   إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن القاسم بن ربيع عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد الله ع عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة قال لأنه تحليل الصلاة قلت فلأي علة يسلم على اليمين و لا يسلم على اليسار قال لأن الملك الموكل الذي يكتب الحسنات على اليمين و الذي يكتب السيئات على اليسار و الصلاة حسنات ليس فيها سيئات فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار قلت فلم لا يقال السلام عليك و الملك على اليمين واحد و لكن يقال السلام عليكم قال ليكون قد سلم عليه و على من على اليسار و فضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه قلت فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كله و لكنه كان بالأنف لمن يصلي وحده و بالعين لمن يصلي بقوم قال لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين فصاحب اليمين على الشدق الأيمن و تسليم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته قلت فلم يسلم المأموم ثلاثا قال تكون واحدة ردا على الإمام و تكون عليه و على ملائكته و تكون الثانية على من على يمينه و الملكين الموكلين به و تكون الثالثة على من على يساره و ملكيه الموكلين به و من لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط و يساره إلى المصلي معه خلف الإمام فيسلم على يساره قلت فتسليم الإمام على من يقع قال على ملائكته و المأمومين يقول لملائكته اكتبا سلامة صلاتي لما يفسدها و يقول لمن خلفه سلمتم و أمنتم من عذاب الله عز و جل قلت فلم صار تحليل الصلاة التسليم قال لأنه تحية الملكين و في إقامة الصلاة بحدودها و ركوعها و سجودها و تسليمها سلامة العبد من النار و في قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله و إن لم تسلم صلاته و ردت عليه رد ما سواها من الأعمال الصالحة

    بيان هذا الخبر مع ضعفه على المشهور مشتمل على أمور مخالفة لأقوال الأصحاب و سائر الأخبار. الأول الإيماء بالأنف لمن يصلي وحده و المشهور الإيماء بالعين و لم يقل به أحد إلا صاحب الفاخر كما مر مع أنه لا يمكن الإيماء به إلا مع الوجه و لعل المراد الإيماء القليل بالوجه بحيث ينحرف الأنف عن القبلة و التخصيص به من بين أجزاء الوجه لارتفاعه فهو كالشاخص المنصوب عليه و كالشاقول لاستعلام استوائه و انحرافه. الثاني الانحراف بالعين للإمام مع أن المشهور الانحراف بالوجه إلا أن يحمل أن المراد به انحراف قليل يرى بعينه بعض المأمومين أو انحراف كثير يرى كلهم أو أكثرهم. الثالث قعود الملكين على الشدقين بكسر الشين و قد يفتح بمعنى طرف الفم مع أن المشهور أن مقعدهما العاتقان و يمكن الجمع بأن جلوسهما على العاتقين و رءوسهما على طرفي الفم لاستماع ما به يتكلم. الرابع تسليم المأموم ثلاثا كما هو مختار الصدوق و يمكن حمله على الاستحباب. الخامس الاكتفاء بالتسليم على اليسار إذا كان اليمين إلى الحائط و لم أر به قائلا و إن أمكن تخصيص الأخبار العامة به. قوله ع و في إقامة الصلاة يحتمل أن يكون تتمة لما سبق أي يحيي الملكين ليحيوه بالسلام و لما كان سلامهم متضمنا للدعاء بسلامة أعماله و قبولها و دعاء الملك مستجاب فلا بد من التسليم لتحصيل هذا النفع العظيم و الفضل العميم و يمكن أن يكون علة أخرى بأن يتضمن دعاء بعض المصلين لبعضهم بمثل هذا الدعاء الجامع الكريم أو هو بشارة لهم من الله بذلك كما ورد في الخبر

10-  معاني الأخبار، عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبيه عن عبد الله   بن الفضل قال سألت أبا عبد الله ع عن معنى التسليم في الصلاة فقال التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة قلت و كيف ذلك جعلت فداك قال كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره و كانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم و إن لم يسلم لم يأمنوه و إن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم و ذلك خلق في العرب فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة و تحليلا للكلام و أمنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها و السلام اسم من أسماء الله عز و جل و هو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين به

 بيان قوله ع و أمنا أي إيذانا بأنهم فرغوا من الصلاة فلا يصدر منهم بعد ذلك ما يفسدها مما يعمل في أثناء الصلاة أو دعاء بالأمن عن عدم القبول و في النهاية التسليم مشتق من السلام اسم الله تعالى لسلامته من العيب و النقص و قيل معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا و قيل معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليك إذ كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه و انتفاء عوارض الفساد عنه و قيل معناه سلمت مني فاجعلني أسلم منك من السلامة بمعنى السلام انتهى و قال النووي أي اسم الله عليك أي أنت في حفظه كما يقال الله معك

11-  العلل، و العيون، بالإسناد المتقدم في علل الفضل عن الرضا ع فإن قال قائل فلم جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر قيل لأنه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجه إلى الخالق كانت تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها و ابتداء المخلوقين بالكلام إنما هو بالتسليم

12-  مصباح الشريعة، قال الصادق ع معنى السلام في دبر كل صلاة الأمان أي من أدى أمر الله و سنة نبيه خالصا لله خاشعا فيه فله الأمان من بلاء الدنيا و براءة من عذاب الآخرة و السلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه   ليستعملوا معناه في المعاملات و الأمانات و الإنصافات و تصديق مصاحبتهم فيما بينهم و صحة معاشرتهم فإن أردت أن تضع السلام موضعه و تؤدي معناه فاتق الله و ليسلم منك دينك و قلبك و عقلك و لا تدنسها بظلمة المعاصي و لتسلم حفظتك ألا تبرمهم و تملهم و توحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثم صديقك ثم عدوك فإن من لم يسلم منه من هو أقرب إليه فالأبعد أولى و من لم يضع السلام مواضعه هذه فلا سلم و لا سلام و كان كاذبا في سلامه و إن أفشاه في الخلق و اعلم أن الخلق بين فتن و محن في الدنيا إما مبتلى بالنعمة ليظهر شكره و إما مبتلى بالشدة ليظهر صبره و الكرامة في طاعته و الهوان في معصيته و لا سبيل إلى رضوانه إلا بفضله و لا وسيلة إلى طاعته إلا بتوفيقه و لا شفيع إليه إلا بإذنه و رحمته

13-  فلاح السائل، يقول السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته السلام على جميع أنبياء الله و ملائكته و رسله السلام على الأئمة الهادين المهديين السلام علينا و على عباد الله الصالحين ثم يسلم إن كان إماما أو منفردا تجاه القبلة يومئ بمؤخر عينه إلى يمينه و إن كان مأموما سلم عن يمينه و يساره إن كان على يساره أحد و إن لم يكن كفاه التسليم عن يمينه

14-  دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد ع قال إذا قضيت التشهد فسلم عن يمينك و عن شمالك تقول السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 بيان قال الشهيد رحمه الله في الذكرى

 روى علي بن جعفر أنه رأى موسى و إسحاق و محمدا يسلمون على الجانبين السلام عليكم و رحمة الله السلام عليكم و رحمة الله

و يبعد أن يختص الرؤية بهم مأمومين لا غير بل الظاهر الإطلاق   خصوصا و منهم الإمام ع ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام و المنفرد أيضا غير أن الأشهر الواحدة فيهما انتهى و يمكن حمل التعدد على التقية و الخلاف بينهم مشهور في ذلك

15-  السرائر، نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن يعقوب الهاشمي عن مروان بن مسلم عن أبي كهمش عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت و أنا جالس السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته انصراف هو قال لا و لكن إذا قلت السلام علينا و على عباد الله الصالحين فهو الانصراف

16-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم السلام معناه تحية و ذلك قول الله عز و جل يحكي عن أهل الجنة فقال دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ و الوجه الثاني معناه أمان و ذلك قوله وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ و الدليل على ذلك أنه أمان قوله هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ فمعنى المؤمن أنه يؤمن أولياءه من عذابه و سئل أمير المؤمنين ع عن علة قول الإمام السلام عليكم فقال يترجم عن الله عز و جل فيقول في ترجمته أمان لكم من عذابكم يوم القيامة و أقل ما يجزي من السلام السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته و ما زاد على ذلك ففيه الفضل لقول الله عز و جل فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ

    بيان القول بالاكتفاء بهذا التسليم منه غريب

17-  الهداية، قال الصادق ع تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم

 بيان استدل به المحقق في المعتبر على وجوب التسليم ثم قال لا يقال كون التحليل بالتسليم لا يستلزم انحصار التحليل فيه بل يمكن أن يكون به و بغيره لأنا نقول الظاهر إرادة حصر التحليل فيه لأنه مصدر مضاف إلى الصلاة فيتناول كل تحليل يضاف إليها و لأن التسليم وقع خبرا عن التحليل فيكون مساويا أو أعم من المبتدإ فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ أعم من الخبر و لأن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ و المعنى أن الذي صدق عليه أنه تحليل للصلاة صدق عليه التسليم انتهى. و أورد عليه بأنا لا نسلم تعين مساواة الخبر للمبتدإ فيما نحن فيه و لا كون إضافة المصدر للعموم إذ كما إنها تكون للاستغراق تكون لغيره كالجنس و العهد على أن التحليل قد يحصل بغير التسليم كالمنافيات و إن لم يكن الإتيان بها جائزا و حينئذ لا بد من تأويل التحليل بالتحليل الذي قدره الشارع و حينئذ كما أمكن إرادة التحليل الذي قدره الشارع على سبيل الوجوب أمكن إرادة التحليل الذي قدره الشارع على الاستحباب و ليس للأول على الأخير ترجيح واضح. أقول لا ريب في ظهور تلك العبارة في الحصر كقرينتها لتعريف الخبر و غيره لكن مع المعارض تقبل التأويل.

   فائدة

 قال في الذكرى يستحب أن يقصد الإمام التسليم على الأنبياء و الأئمة و الحفظة و المأمومين لذكر أولئك و حضور هؤلاء و الصيغة صيغة خطاب و المأموم يقصد بأولى التسليمتين الرد على الإمام فيحتمل أن يكون على سبيل الوجوب لعموم قوله وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها و يحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب لأنه لا يقصد به التحية و إنما الغرض بها الإيذان بالانصراف من الصلاة كما مر في خبر أبي بصير

 و جاء في خبر عمار بن موسى قال سألت أبا عبد الله ع عن التسليم ما هو فقال هو إذن

و الوجهان ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر و روى أمامة عن سمرة قال أمرنا رسول الله ص أن نسلم على أنفسنا و أن يسلم بعضنا على بعض و على القول بوجوب الرد يكفي في القيام به واحد فيستحب الباقي. و إذا اقترن تسليم المأموم و الإمام أجزأ و لا يجب ردها و كذلك إذا اقترن تسليم المأمومين لتكافئهم في التحية و يقصد المأموم بالثانية الأنبياء و الحفظة و المأمومين و أما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك و لو أضاف تسليمتين. أقول كأنه يرى أن التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة و لما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة و إنما قدم الرد لأنه واجب مضيق إذ هو حق الآدمي و الأصحاب يقولون إن التسليمة تؤدي وظيفتي الرد و التعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة و عن وظيفة الصلاة و هذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم و أما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب أن الأولى من المأموم للرد على الإمام و الثانية للإخراج من الصلاة و لهذا احتاج إلى تسليمتين.   و يمكن أن يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الأولى ردا و الثانية مخرجة لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه و كانت محصلة للرد و الخروج من الصلاة و إنما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب فإذا وجهه إلى أحد الجانبين اختص به و بقي الجانب الآخر بغير تسليم و لما كان الإمام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة و كذا المنفرد و لذا حكم ابن الجنيد كما تقدم أن يسلم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه انتهى. و أقول الظاهر أن الصدوق بنى حكمه بالثلاث على الخبر المتقدم لا على تلك الوجوه نعم تصلح حكمة للحكم كما يومئ إليه الخبر

18-  المقنع، ثم سلم و قل اللهم أنت السلام و منك السلام و لك السلام و إليك يعود السلام السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته السلام على الأئمة الراشدين المهتدين السلام على جميع أنبياء الله و رسله و ملائكته السلام علينا و على عباد الله الصالحين فإذا كنت إماما فسلم و قل السلام عليكم مرة واحدة و أنت مستقبل القبلة و تميل بعينك إلى يمينك و إن لم تكن إماما تميل بأنفك إلى يمينك و إن كنت خلف إمام تأتم به فتسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الإمام و تسلم على يمينك واحدة و على يسارك واحدة إلا أن لا يكون على يسارك أحد فلا تسلم على يسارك إلا أن تكون بجنب الحائط فتسلم على يسارك و لا تدع التسليم على يمينك كان على يسارك أحد أو لم يكن