باب 2- القصر و أسبابه و أحكامه

وجوب قصر الصلاة في السفر و علله و شرائطه و أحكامه

 الآيات النساء وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً.   تفسير وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي سافرتم فيها فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أي حرج و إثم في أَنْ تَقْصُرُوا قال في الكشاف في محل النصب بنزع الخافض و قيل   في موضع جر على تقدير حرف الجر لأن الحرف حذف لطول الكلام و ما حذف لذلك فهو في حكم الثابت و قرئ في الشواذ تقصروا من الإقصار و تقصروا من التقصير مِنَ الصَّلاةِ من زائدة و قال سيبويه صفة موصوف محذوف أي شيئا من الصلاة.    إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا في موضع نصب على المفعول به و قيل مفعول له أي كراهية أن يفتنكم و في قراءة أبي بن كعب بغير إِنْ خِفْتُمْ فقيل المعنى أن لا يفتنكم أو كراهة أن يفتنكم كقوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا    إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً أي ظاهر العداوة قال في الكافرين عدوا لأن لفظة فعول تقع على الواحد و الجماعة. ثم الضرب في الأرض معتبر في القصر بنص الكتاب و قد أجمع علماؤنا على أن المسافة شرط و سيأتي حدها و حد الترخص و إن كان خلاف ظاهر الآية إذ ظاهرها أنه يكفي الخروج من البيت كما قيل. و نفي الجناح و إن كان يصح في الواجب و المستحب و المباح بل في   المرجوح أيضا لكن الرواية المتواترة من طرق الخاصة و العامة توجب الحمل على الوجوب و التعبير بهذا الوجه لنفي توهم أنه ينقص من ثوابهم شي‏ء أو يوجب نقصا في صلاتهم قال في الكشاف كأنهم ألفوا الإتمام فكان مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر فنفى الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر و يطمئنوا إليه و سيأتي في رواية زرارة و محمد بن مسلم إيماء إليه و إطلاق السفر يعم ما كان معصية و لكن رفع الجناح عن القصر إرفاقا يناسب التخصيص بالمباح كما هو مقتضى الأخبار و الإجماع. و قال في مجمع البيان إن في المراد من قصر الصلاة هنا أقوالا الأول أن معناه أن يقصروا الرباعيات ركعتين ركعتين عن مجاهد و جماعة من المفسرين و هو قول الفقهاء و مذهب أهل البيت ع. الثاني و ذهب إليه جماعة من الصحابة و التابعين منهم جابر بن عبد الله و حذيفة بن اليمان و زيد بن ثابت و ابن عباس و أبو هريرة و كعب و ابن عمر و ابن جبير و السدي أن المعنى قصر صلاة الخوف من صلاة السفر لا من صلاة الإقامة لأن صلاة السفر عندهم ركعتان تمام غير قصر قال فهنا قصران قصر الأمن من أربع إلى ركعتين و قصر الخوف من ركعتين إلى ركعة واحدة و قد رواه أصحابنا أيضا. الثالث أن المراد القصر من حدود الصلاة عن ابن عباس و طاوس و هو الذي   رواه أصحابنا في صلاة شدة الخوف و إنما يصلي إيماء و السجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر على ذلك فالتسبيح المخصوص كاف عن ركعة. الرابع أن المراد به الجمع بين الصلاتين قال و الصحيح الأول. ثم لا يخفى أن ظاهر الآية أن الخوف أيضا شرط للقصر فلا يقصر مع الأمن لمفهوم الشرط لكن قد علم جواز القصر ببيان النبي ص فنقول المفهوم و إن كان حجة لكن بشرط عدم ظهور فائدة للتقييد سوى المفهوم و يحتمل أن يكون ذكر الخوف في الآية لوجود الخوف عند نزولها أو يكون قد خرج مخرج الأعم الأغلب عليهم في أسفارهم فإنهم كانوا يخافون الأعداء في غايتها كما قيل و مثله في القرآن كثير مثل وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً و ربما يدعى لزوم الخوف للسفر غالبا و يؤيد ذلك القراءة بترك إِنْ خِفْتُمْ. على أن المفهوم إنما يعتبر إذا لم يعارضه أقوى منه و المعارض هنا من الإجماع و منطوق الأخبار من الخاصة و العامة أقوى. قال البيضاوي و قد تظافرت السنن على جوازه أيضا في حال الأمن فترك المفهوم بالمنطوق و إن كان المفهوم حجة لأنه أقوى. و قيل قوله إِنْ خِفْتُمْ منفصل عما قبله روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال نزلت إلى قوله أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ثم بعد حول سألوا رسول الله ص   عن صلاة الخوف فنزل إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية هو في الظاهر كالمتصل به و هو منفصل عنه.

    و على هذا فيجوز أن يكون التقدير اقصروا من الصلاة إن خفتم أو لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم بقرينة السؤال و وقوعه في المصحف بعد ذلك. قيل و على هذا يتوجه القول الثاني أو الثالث في القصر بالنسبة إلى الخوف مع الأول بالنسبة إلى السفر و يتوجه أيضا قول أصحابنا إن كلا من السفر و الخوف موجب للقصر كما يتوجه على قراءة ترك إِنْ خِفْتُمْ. على أن الإجماع و الأخبار تكفي في ذلك كما تقدم و ربما أمكن فهم   القصر مع الخوف وحده من الآية الآتية أيضا كما سيأتي بيانه. قوله تعالى أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا قيل أي في الصلاة و قيل في أنفسكم أو دينكم و الفتنة قيل القتل و قيل العذاب و الأظهر أنه هنا التعريض للمكروه

1-  الكشي في الرجال، عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن محمد بن حكيم و غيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عن أبيه ع عن النبي ص قال التقصير يجب في بريدين

2-  تحف العقول، عن الرضا ع في كتابه إلى المأمون قال و التقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهبا و بريد جائيا اثنا عشر ميلا و إذا قصرت أفطرت

3-  المقنعة، قال الصادق ع ويل لهؤلاء القوم الذين يتمون الصلاة بعرفات أ ما يخافون الله فقيل له و هو سفر قال و أي سفر أشد منه

4-  المقنع، سئل أبو عبد الله ع عن رجل أتى سوقا يتسوق بها و هي من منزله على أربع فراسخ فإن هو أتاها على الدابة أتاها في بعض يوم و إن ركب السفن لم يأتها في يوم قال يتم الراكب الذي يرجع من يومه صوما و يقصر صاحب السفن

 بيان اعلم أنه أجمع العلماء كافة على أن المسافة شرط في القصر و إنما اختلفوا في تقديرها فذهب علماؤنا أجمع إلى أن القصر يجب في مسيرة يوم هي بريدان ثمانية فراسخ أربعة و عشرون ميلا و تدل عليه روايات كثيرة.   و اختلف الأصحاب في مسيرة أربعة فراسخ فذهب جماعة من الأصحاب منهم المرتضى و ابن إدريس و كثير من المتأخرين إلى أنه يجب عليه التقصير إذا أراد الرجوع من يومه و المنع منه إن لم يرد ذلك. و قال الصدوق في الفقيه و إذا كان سفره أربعة فراسخ و أراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب و إن كان سفره أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار إن شاء أتم و إن شاء قصر و نحوه قال المفيد و الشيخ في النهاية إلا أنه منع من التقصير في الصوم فيما إذا لم يرد الرجوع من يومه. و قال الشيخ في كتابي الأخبار إن المسافر إذا أراد الرجوع من يومه فقد وجب عليه التقصير في أربعة فراسخ ثم قال على أن الذي نقوله في ذلك أنه إنما يجب عليه التقصير إذا كان مقدار المسافة ثمانية فراسخ و إذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار في ذلك إن شاء أتم و إن شاء قصر. و ظاهر هذا الكلام العدول إلى القول بالتخيير و إن أراد الرجوع ليومه و لهذا نقل الشهيد في الذكرى عن الشيخ في التهذيب القول بالتخيير في تلك الصورة و نقل ذلك عن المبسوط و عن ابن بابويه في كتابه الكبير و قواه. أقول النقل من المبسوط لعله اشتباه إذ فيما عندنا من نسخه هكذا و حد المسافة التي يجب فيها التقصير ثمانية فراسخ أربعة و عشرون ميلا فإن كانت أربعة فراسخ و أراد الرجوع من يومه وجب أيضا التقصير و إن لم يرد الرجوع من يومه كان مخيرا بين التقصير و الإتمام انتهى و الكتاب الكبير للصدوق لم نظفر عليه نعم ظاهر كتابي الأخبار ذلك و إن كانا قابلين للتأويل. و قال ابن أبي عقيل كل سفر كان مبلغه بريدين و هو ثمانية فراسخ و بريد ذاهبا و بريد جائيا و هو أربعة فراسخ في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام فعلى من سافره عند آل الرسول إذا خلف حيطان مصره أو قريته وراء ظهره و غاب عنه منها صوت الأذان أن يصلي صلاة السفر ركعتين و نقل في المختلف عن سلار أنه إن كانت المسافة   أربعة فراسخ و كان راجعا من يومه قصر واجبا و إن كان من غده فهو مخير بين القصر و الإتمام و نقله عن ابن بابويه. فمرادهم بالغد إن كان معناه الحقيقي كان قولا آخر و إن كان المراد به ما عدا اليوم كان بعينه قول المفيد و حد المسافة ابن الجنيد بمسير يوم للماشي و راكب السفينة. و منشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار ففي كثير منها إناطة التقصير بثمانية فراسخ و في كثير منها بأربعة فراسخ و اختلفوا في الجمع بينها فحمل الشيخ في أحد وجهيه و جماعة أخبار الأربعة على ما إذا أراد المسافر الرجوع ليومه.

 و احتجوا على ذلك بصحيحة زرارة قال سألت أبا جعفر ع عن التقصير فقال بريد ذاهب و بريد جاء و كان رسول الله ص إذا أتى ذبابا قصر و ذباب على بريد و إنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ

و أمثالها و لا دلالة فيها على رجوع اليوم بوجه بل تدل على أن الذهاب و المجي‏ء محسوبان معا في مسافة البريدين. مع أن الروايات المتضمنة لتوبيخ أهل عرفات على عدم التقصير تأبى عن هذا الحمل إذ الظاهر أن خروجهم للحج بل بعضها صريح في ذلك و لا يتحقق معه رجوع اليوم نعم في فقه الرضا ما يدل على هذا الوجه و لعل الصدوق أخذه منه و تبعه القوم. و جمع الشيخ و غيره بينها بوجه آخر و هو تنزيل أخبار الثمانية على الوجوب و الأربعة على الجواز و حمل الشهيد الثاني أخبار الأربعة على الاستحباب و له وجه فإنه أنسب بالتوبيخ على الترك و الأمر بالفعل و إن كان بعيدا أيضا إذ التهديد بالويل و التخويف بالعذاب لا يناسب ترك المستحب إلا أن يقال التوبيخ و التهديد لاعتقادهم تعين الإتمام و إيقاعهم ذلك على وجه التعيين و اللزوم.   و الأظهر في الجمع بينها أن يقال المعتبر في السفر الموجب للتقصير أن تكون المسافة التي أرادها المسافر ثمانية فراسخ و إن كان بحسب الذهاب و العود معا فلو أراد السفر أربعة فراسخ و أراد الرجوع إلى المحل الذي سافر منه من غير أن ينقطع سفره بالوصول إلى منزله أو إقامة عشرة فيما بين ذلك كان عليه التقصير و إن لم يرد الرجوع من يومه لقصد المسافة التي هي ثمانية فراسخ. و به تتطابق الأخبار و تتصالح من غير منافرة

 و يؤيده مرسلة صفوان قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر قال لا يقصر و لا يفطر لأنه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به المسير إلى الموضع الذي بلغه و لو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له من بعد أن يصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك

و أما ما ذكره ابن أبي عقيل رحمه الله فإن كان مراده ما ذكرنا فنسبته إلى آل الرسول ص حسن لأنه الظاهر من أخبارهم و إلا فلا وجه لتخصيص العشرة أيضا إذ يمكن أن يرجع بعد عشرين يوما مثلا و لم يقطع سفره بقصد إقامة العشرة في موضع. و يؤيد الأربعة أن أحدا من المخالفين لم يقل به و منهم من قال بالثمانية فالتعبير عن الأربعة بالثمانية يمكن أن يكون لنوع من التقية أو لمن يريد الرجوع كما عرفت. و أما المخالفون فالأوزاعي قال هي ثمانية فراسخ و قال الشافعي ستة عشر   فرسخا و منهم من قال ستة و أربعون ميلا و قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري   أربعة و عشرون فرسخا و قال داود يلحق الحكم بالسفر القصير كالطويل لما روي أن النبي ص كان إذا سافر فرسخا قصر الصلاة و عن أنس كان رسول الله ص إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين. و قال الحسين بن مسعود في شرح السنة ذهب قوم إلى إباحة القصر في السفر القصير روي عن علي ع أنه خرج إلى النخيلة فصلى بهم الظهر ركعتين ثم رجع من يومه قال عمرو بن دينار قال لي جابر بن زيد أقصر بعرفة و أما عامة الفقهاء فلا يجوزون القصر في السفر القصير و اختلفوا في حده قال الأوزاعي عامة الفقهاء يقولون مسيرة يوم تام و بهذا نأخذ. قلت و روى سالم أن عبد الله بن عمر كان يقصر في مسيرة اليوم التام و قال محمد بن إسماعيل سمى النبي ص يوما و ليلة سفرا

 و أراد به ما روي عن النبي ص أنه قال لا تحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم و ليلة ليس معها حرمة

ثم نقل سائر الأخبار المتقدمة. و أما حديث المقنع ففيه دلالة على أن من سافر أربعة فراسخ لا يفطر إن رجع من يومه و إلا فيقصر و يمكن حمله على أن الراكب يمكنه أن يرجع قبل الزوال فيصوم بخلاف راكب السفينة و سيأتي الكلام فيه في كتاب الصوم   إن شاء الله تعالى. ثم اعلم أنه ورد في كثير من الروايات مسيرة يوم و اعتبره المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و غيرهما و قيدوه بسير الإبل السير العام فيجوز التعويل على كل منهما في القصر و لو اعتبرت المسافة بهما و اختلفا فمنهم من اكتفى ببلوغ أحدهما و احتمل الشهيد الثاني ره تقديم السير و ربما لاح من الذكرى تقديم التقدير و لعله أقوى لأنه تحقيق و الآخر تقريب و إن كان الأول لا يخلو من قوة و الأحوط حينئذ فيما به الاختلاف الجمع. ثم إنه نقل جماعة من الأصحاب اتفاق العلماء على أن الفرسخ ثلاثة أميال و هو مروي في الأخبار

 و أما الميل فقد روى الصدوق مرسلا عن الصادق ع أنه ألف و خمس مائة ذراع

و هو متروك و الظاهر أنه سقط من النساخ شي‏ء و يرشد إليه أن في الكافي روي أنه ثلاثة آلاف و خمس مائة فالظاهر سقوط الثلاثة من الفقيه و يؤيده أيضا أنه قال في المعتبر و في بعض أخبار أهل البيت ثلاثة آلاف و خمس مائة ذراع و قد قطع الأصحاب بأن قدره أربعة آلاف ذراع. و في الشرائع الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربعة و عشرون إصبعا تعويلا على المشهور بين الناس أو مد البصر من الأرض و فيه إشعار بنوع تردد في التفسير المشهور و في السرائر أسند ذلك إلى المسعودي في مروج الذهب و في القاموس الميل قدر مد البصر و منار يبنى للمسافر أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثنا عشر ألف ذراع بذراع المحدثين انتهى و منه يظهر وجه جمع بين المشهور و بين ما وقع في رواية الكليني بأن يكون   الاختلاف مبنيا على اختلاف الأذرع. و قال أحمد بن محمد المقري في المصباح المنير الميل بالكسر في كلام العرب مقدار مدى البصر من الأرض قاله الأزهري و الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع و عند المحدثين أربعة آلاف ذراع و الخلاف لفظي فإنهم اتفقوا على أن مقداره ستة و تسعون ألف إصبع و الإصبع ست شعيرات بطن كل واحد إلى ظهر الأخرى و لكن القدماء يقولون الذراع اثنتان و ثلاثون إصبعا و المحدثون أربع و عشرون إصبعا فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنتين و ثلاثين كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع و إن قسم على رأي المحدثين أربعا و عشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع و الفرسخ عند الكل ثلاثة أميال انتهى. و قدر الأكثر الشعير بسبع شعرات من شعر البرذون و ضبط مد البصر في الأرض بأنه ما يميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية و بالجملة الجمع بين هذه التقديرات و العلم بحصول كل منها في المسافات لا تخلو من عسر و إشكال و الأولى رعاية الاحتياط فيما اشتبه من ذلك بالجمع بين القصر و التمام. ثم اعلم أنه ذكر غير واحد من الأصحاب أن مبدأ التقدير من آخر خطة البلد في المعتدل و آخر محلته في المتسع عرفا و لم نطلع على دليله و قيل مبدأ التقدير مبدأ سيره بقصد السفر و قالوا البحر كالبر و إن قطع المسافة في ساعة واحدة لأن التقدير بالأذرع كاف في ثبوت الترخص قال في المنتهى لا نعرف في ذلك خلافا. و لو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا و جائيا فإن بلغ في الرجوع إلى موضع الأذان و مشاهدة الجدران فالظاهر أنه لا خلاف في عدم القصر و إن لم يبلغ فالمقطوع به في كلام الأصحاب أنه لم يجز القصر و خالف فيه العلامة في التحرير. و الأول لعله أقوى إذ الظاهر من أخبار المسافة كون ذلك في جهة واحدة   و إنما اعتبرنا في خصوص الأربعة الإياب مع الذهاب للأخبار الكثيرة الدالة عليه فلا يتعدى عنه و إن أمكن أن يقال إذا ظهر بتلك الأخبار كون الإياب محسوبا مع الذهاب فهو كاف في ذلك. و لو كان لبلد طريقان أحدهما يبلغ المسافة فإن سلك الأبعد لا لعلة الترخص قصر إجماعا و إن كان للترخص لا غير فالمشهور أنه يقصر أيضا و قال ابن البراج يتم لأنه كاللاهي بصيده و هو كما ترى. و لو شك في بلوغ المسافة القدر المعتبر في القصر فالمقطوع به في كلام الأصحاب أنه يتم و هو قريب و هل يجب الاعتبار مع الجهل بالبلوغ فيه وجهان و العدم أقوى

5-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع ستة لا يقصرون الصلاة الجباة الذين يدورون في جبايتهم و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق و الأمير الذي يدور في إمارته و الراعي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر و الرجل يخرج في طلب الصيد يريد لهو الدنيا و المحارب الذي يقطع الطريق

 مقصد الراغب، عنه ع مرسلا مثله

6-  الخصال، جعفر بن علي بن الحسن الكوفي عن جده الحسن بن علي عن جده عبد الله بن المغيرة عن السكوني عن الصادق عن أبيه ع قال سبعة لا يقصرون الصلاة الجابي الذي يدور في جبايته ثم ذكر نحوا مما مر إلا أنه قال و الراعي و البدوي الذي يطلب و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به و في آخره يقطع السبل

 و منه عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي   عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير يرفعه إلى أبي عبد الله ع قال خمسة يتمون في سفر كانوا أو في حضر المكاري و الكري و الاشتقان و هو البريد و الراعي و الملاح لأنه عملهم

 و منه عن أبيه عن موسى بن جعفر الكمنداني عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ع قال أربعة يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو في حضر المكاري و الكري و الاشتقان و الراعي لأنه عملهم قال الصدوق ره الاشتقان البريد

تفصيل و تبيين

 اعلم أن المشهور بين الأصحاب وجوب الإتمام على المسافر الذي سفره أكثر من حضره و هذا التعبير شائع في ألسنة الفقهاء و لم يرد في الأخبار هذا اللفظ بل إنما ورد فيها وجوب الإتمام على جماعة مخصوصة عملهم و صناعتهم السفر و لذا   أول جماعة كلامهم بهذا المعنى و الظاهر قصر الحكم على الجماعة المذكورين في تلك الأخبار و ظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوب التقصير على كل مسافر و الأول أقوى لما مضى من الأخبار و غيرها. و الكري فسره أكثر اللغويين بالمكاري و يحتمل تخصيص الكري بالجمال   و المكاري بغيره أو تعميم المكاري و تفسير الكري بمن يكري نفسه للسفر كالبريد قال في الذكرى المراد بالكري في الرواية المكتري و قال بعض أهل اللغة قد يقال الكري على المكاري و الحمل على المغايرة أولى بالرواية لتكثر الفائدة و لأصالة عدم الترادف انتهى. و لعل مراده بالمكتري من يكري نفسه و قيل الذي يأخذ الكري من المكاري   أو من صاحب المتاع و يكون دائما مع المكاري ملازما له. و الاشتقان سمعنا من مشايخنا أنه معرب دشتبان أي أمين البيادر يذهب من بيدر إلى بيدر و لا يقيم مكانا واحدا و فسره الصدوق بالبريد قال في المنتهى الاشتقان هو أمين البيدر ذكره أهل اللغة و قيل البريد. و قال في النهاية في الحديث إني لا أحبس البرد قال الزمخشري البرد يعني ساكنا جمع بريد و هو الرسول و البريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل و أصلها بريدة دم أي محذوف الذنب لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فأعربت و خففت ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدا و المسافة التي بين السكتين بريدا. و السكة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط و كان يرتب في كل سكة بغال و كان بعد ما بين السكتين فرسخا و قيل أربعة و منه الحديث لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة برد و هي ستة عشر فرسخا و الفرسخ ثلاثة أميال و الميل أربعة آلاف ذراع انتهى. و يستفاد من تعليل رواية ابن أبي عمير أن كل من كان السفر عمله و صنعته يجب عليه الإتمام

 و في رواية إسحاق بن عمار قال سألته عن الملاحين و الأعراب هل عليهم تقصير قال لا بيوتهم معهم

فيستفاد منها أن كل من شأنه أن يتحرك مع بيته و رحله فعليه التمام. فالظاهر أن المرجع في هذا الباب إلى صدق اسم المكاري و الملاح و أمثالهم عرفا و كذا صدق كون السفر عمله كاف في وجوب الإتمام و بهذا قطع العلامة و الشهيد لكنه قال في الذكرى و ذلك إنما يحصل بالسفرة الثالثة التي لم يتخلل قبلها إقامة تلك العشرة أي العشرة المنوية في غير بلده و مطلقا في بلده و اعتبر ذلك   جماعة من الأصحاب و اعتبر ابن إدريس في غير صاحب الصنعة ثلاث دفعات و قال إن صاحب الصنعة من المكارين و الملاحين يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم إلى السفر لأن صنعتهم تقوم مقام من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره و استقرب في المختلف الإتمام في الثانية إذا لم يقيموا بعد الأولى مطلقا و ليس لهذه التعليلات مستند يصح التعويل عليه غير ادعاء دلالة العرف عليه. و إذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلقا على الكثرة بل على مثل المكاري و الجمال و من اتخذ السفر عمله أو من كان بيته معه وجب أن تراعى هذه الأسماء عرفا فلو فرض عدم صدق الاسم بمرات كثيرة لم يتعلق حكم الإتمام. ثم اعلم أن أكثر الأصحاب قطعوا بأنه يشترط في إتمام هؤلاء أن لا يقيموا في بلدهم عشرة أيام

 و احتجوا بما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام و أقل قصر في سفره بالنهار و أتم بالليل و عليه صوم شهر رمضان و إن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام و أكثر قصر في سفره و أفطر

و هذه الرواية في سندها جهالة و ما تضمن من الاكتفاء في التقصير نهارا بأقل من خمسة أيام متروك بين الأصحاب و مقتضاها إقامة العشرة في البلد الذي يذهب إليه و هو غير ما اعتبروه من الإقامة في بلدهم و مع ذلك فالحكم فيه مختص بالمكاري و لذا احتمل المحقق في المعتبر اختصاص الحكم بالمكاري و نقل في الشرائع قولا بذلك هو مجهول القائل. و عبارة الحديث تحتمل احتمالا آخر و هو أن يكون المراد إن كان له إرادة المقام في البلد الذي يذهب إليه قصر في سفره إلى ذلك البلد بل هو أظهر و هو   خلاف مقصودهم و هذه الرواية أوردها الصدوق بطريق صحيح عن ابن سنان و متنه مغاير لما أورده الشيخ فإنه قال المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار و أتم صلاة الليل و عليه صوم شهر رمضان فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره و أفطر. و الظاهر أن في رواية الشيخ سقطت هذه الفقرة و مقتضى هذه الرواية اعتبار إقامة العشرة في المنزل الذي يذهب إليه أيضا و القول به غير معروف بين الأصحاب إلا أن العمل بمقتضى هذه الرواية الصحيحة غير بعيد. و استوجه ذلك بعض أفاضل المتأخرين و لم يعتن بمخالفة المشهور

 و مرسلة يونس أيضا تدل على ذلك حيث قال ع أيما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير

لكنها تدل على الاكتفاء بأحدهما و يمكن حمل الخبر الأول عليه و المسألة محل إشكال و قل مكار لا يقيم في بلده   أو في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام. و قال في المدارك ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن إقامة العشرة أيام في البلدة قاطعة لكثرة السفر و موجبة للقصر و الظاهر أنه محل للاحتياط و ألحق الفاضلان و من تأخر عنهما بإقامة العشرة في البلد العشرة المنوية في غير بلده و هو حسن بحمل العشرة في رواية يونس على المنوية للإجماع المنقول على عدم تأثير غير المنوية و ألحق الشهيد العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين و في التردد ثلاثين خلاف و الأقرب عدم الإلحاق كما اختاره الشهيدان. و متى وجب القصر على كثير السفر بإقامة العشرة ثم سافر مرة ثانية بدون إقامة فالأظهر وجوب الإتمام عليه مع بقاء الاسم كما صرح به ابن إدريس و غيره و اعتبر في الذكرى المرة الثالثة و هو ضعيف. و أما إقامة الخمسة فذهب الشيخ و ابن البراج و ابن حمزة إلى أنه يتم صلاة الليل خاصة للرواية المتقدمة و المشهور أنه لا تأثير لذلك أصلا و أجيب عن الرواية بأنها متروكة الظاهر فإنها تتضمن المساواة بين الخمسة و الأقل منها و الأقل يصدق على يوم و بعض يوم و لا قائل به مع أنها معارضة بقوله في صحيحة معاوية بن وهب هما واحد إذا قصرت أفطرت و إذا أفطرت قصرت. و مال بعض أفاضل المتأخرين إلى العمل به و أول الخبر بأن المراد إثبات الحكم المذكور لمن أقام خمسة أحيانا و أقل منه أحيانا أو بأن المراد بالأقل ما قارب الخمسة و ظاهر الصدوق العمل به و عدم الاشتهار بين المتأخرين غير ضائر. و ربما يحمل الخبر على التقية لأن الشافعي و جماعة كثيرة من العامة ذهبوا إلى الاكتفاء للإتمام بإقامة أربعة أيام سوى يوم القدوم و الخروج و ذهب جماعة منهم إلى احتساب اليومين و فيه تأمل و المسألة مشكلة و لعل الاحتياط   في الجمع

7-  المحاسن، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله ع في الرجل يخرج مسافرا قال يقصر إذا خرج من البيوت

 و منه بهذا الإسناد عن حماد عن أبي عبد الله ع قال المسافر يقصر حتى يدخل المصر

 و منه بهذا الإسناد عنه ع قال إذا سمع الأذان أتم المسافر

8-  قرب الإسناد، عن أحمد و عبد الله ابني محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب قال سمعت بعض الزراريين يسأل أبا عبد الله ع عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة و له بالكوفة دار و عيال فيخرج و يمر بالكوفة يريد مكة ليتجهز منها و ليس من رأيه أن يقيم أكثر من يوم أو يومين قال يقيم في جانب الكوفة و يقصر حتى يفرغ من جهازه و إن هو دخل منزله فليتم الصلاة

 و منه عن محمد بن الوليد عن عبد الله بن بكير قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة و له بها دار و أهل و منزل و يمر بها و إنما هو يختلف لا يريد المقام و لا يدري ما يتجهز يوما أو يومين قال يقيم في جانبها و يقصر قال قلت له فإن دخل أهله قال عليه التمام

    و منه عن السندي بن محمد البزاز عن أبي البختري وهب القرشي عن الصادق عن أبيه إن عليا ع كان إذا خرج مسافرا لم يقصر من الصلاة حتى يخرج من احتلام البيوت و إذا رجع لا يتم الصلاة حتى يدخل احتلام البيوت

تبيين

 اعلم أن الأصحاب اختلفوا في أنه هل يعتبر في قصر المسافر حد يصل إليه ذهابا و عودا أم لا فقال الشيخ علي بن بابويه إذا خرجت من منزلك فقصر حتى تعود إليه و ذهب المرتضى و الشيخ في الخلاف و العلامة و جماعة من المتأخرين إلى اشتراط خفاء الجدران و الأذان و ذهب الأكثر إلى أن المعتبر أحد الأمرين المذكورين و نسبه الشهيد الثاني إلى أكثر القدماء و قال ابن إدريس الاعتماد عندي على الأذان المتوسط و الصدوق في المقنع اعتبر خفاء الحيطان و القائلون بالجمع جمعوا بين الأخبار بذلك و القائلون بالتخيير جمعوا بينها بالحمل على أن كلا منهما كاف لذلك و هو أصوب. ثم المشهور اتحاد حكم الذهاب و العود و ذهب المرتضى و ابن الجنيد إلى أنه يجب عليه التقصير في العود حتى يبلغ منزله.   و اعلم أن الظاهر من أخبار التواري تواري المسافر عن البيوت أي أهلها لا تواري البيوت عنه و هو أقرب إلى خفاء الأذان و لا يبعد العمل به و حينئذ هل يكفي التواري بالحائل بحيث لا تضر الرؤية بعده أم لا وجهان و لعل العمل باعتبار الأذان أضبط و أولى و أما خفاء الجدران فإن اعتبر خفاء شبحها فلا تحصل في فراسخ و لذا اعتبروا خفاء صورتها و عدم تميز خصوصياتها لتقارب العلامة الأخرى. و ذكر الشهيدان أن البلد لو كان في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديرا و يحتمل الاكتفاء بالتواري في المنخفضة كيف كان لإطلاق الخبر. و قالوا لا عبرة بأعلام البلد كالمنارة و القلاع و لا عبرة بسماع الأذان المفرط في العلو كما أنه لا عبرة بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض فتكون الرواية مبنية على الغالب. و قالوا المراد جدران آخر البلد الصغير و القرية و إلا فالمحلة و كذا أذان مسجد البلد و المحلة و يحتمل البيت و نهاية البلد و ظاهر بعض الروايات خفاء جميع بيوت البلد و أذانه و يحتمل البيوت المتقاربة من بيته و كذا أذانها.

 و يدل على مذهب المرتضى و ابن الجنيد في العود صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله ع قال لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته

و في موثقة إسحاق بن عمار حتى يدخل أهله و حملوهما على أن المراد الوصول إلى موضع يسمع فيه الأذان و يشاهد الجدران و هو بعيد جدا. و يمكن القول بالتخيير بعد الوصول إلى سماع الأذان بين القصر و الإتمام جمعا بين الأخبار كما اختاره بعض المحققين من المتأخرين و ربما يحمل أخبار عدم اشتراط حد الترخص في الذهاب و العود على التقية إذ عامة فقهائهم على عدم   اشتراط ذلك. و أقول يمكن حمل الأخبار الأخر أيضا على التقية لأن فقهاءهم الأربعة يشترطون الخروج من سور البلد و إن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة و ذهب بعضهم إلى أنه إذا كان خارج السور دور و مقابر فلا بد من مجاوزتها و لا يشترط عندهم مجاوزة المزارع و البساتين المتصلة بالبلد إلا إذا كانت فيها دور و قصور يسكن فيها. و أما الأخبار التي قدمناها فالخبر الأول من المحاسن ظاهره الخروج من البيوت و لا يوافق شيئا من مذاهب الأصحاب إلا بالتكلف و هو بما ذكرنا من أقوال العامة أنسب و كذا الثاني. و أما الثالث فيوافق القول باعتبار الأذان و هو يشمل ظاهر الذهاب و العود معا و الخبر الرابع من قرب الإسناد يدل آخره على أن المعتبر في العود دخول المنزل و أوله على أنه لا يتوسط البلد إن حمل الجانب على الداخل أو لا يدخل البلد إن حمل على الخارج فيمكن حمل هذا الجزء على التقية و يمكن حمل المنزل على البلد مجازا. أو يكون محمولا على أنه لما كانت الكوفة من البلاد الوسيعة تعتبر فيها المحلة فإذا لم يدخل البلد يكون غالبا بينه و بين محلته حد الترخص فيحمل على ما إذا لم تكن محلته في آخر البلد من تلك الجهة و يمكن حمل الجزء الأول على الاستحباب و كذا الكلام في الخبر الخامس لكن الأهل فيه أوسع من المنزل و أقبل للتأويل. و بالجملة يشكل الاستدلال بالخبرين على شي‏ء من المذاهب و الخبر الأخير لعل فيه تصحيفا و لا أعرف لاحتلام البيوت معنا مناسبا في المقام إلا أن يكون كناية عن غيبة شبحها فإنها بمنزلة الخيال و المنام أو يكون بالجيم بمعنى القطع و البيوت تحتمل بيوت البلد و المحلة و بالجملة ظاهره عدم الاكتفاء بالخروج من المنزل   و الدخول فيه و أما تعيين ما يعتبر فيه على أحد المذاهب فلا يستفاد منه

9-  كتاب المسائل، بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن المكارين الذين يختلفون إلى النيل هل عليهم تمام الصلاة قال إذا كان مختلفهم فليصوموا و ليتموا الصلاة إلا أن يجد بهم السير فليفطروا و ليقصروا

 بيان قال في القاموس النيل بالكسر نهر مصر و قرية بالكوفة و آخر بيزد و بلد بين بغداد و واسط انتهى. قوله ع إذا كان مختلفهم أي يختلفون اختلافهم المعهود بالكراء أو من غير جد. و اعلم أن هذا و صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة الفضل بن عبد الملك تدل على أن المكاري و الجمال إذا جد بهما السير يقصران و ظاهر الجد في السير زيادته عن القدر المعتاد في أسفارهما غالبا و الحكمة فيه واضحة فيمكن تخصيص الأخبار السابقة بهذه الأخبار أو القول بالتخيير في صورة الجد في السير و لعل الأول أقوى. و اختلف كلام الأصحاب في تنزيل هاتين الروايتين فقال الشيخ في التهذيب الوجه في هذين الخبرين ما ذكره محمد بن يعقوب الكليني ره قال هذا محمول على من يجعل المنزلين منزلا فيقصر في الطريق خاصة و يتم في المنزل.

 و استدل بما رواه عن عمران الأشعري عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله ع قال الجمال و المكاري إذا جد بهما السير فليقصرا بين المنزلين و ليتما في المنزل

و هذه الرواية مع عدم قوة سندها غير دالة على ما ذكره لجواز   أن يكون المراد بالمنزلين المنزل الذي يبتدأ منه سفره و الذي ينتهي إليه. و قال في المختلف الأقرب عندي حمل الحديثين على أنهما إذا أقاما عشرة أيام قصرا و حملهما في الذكرى على ما إذا أنشأ المكاري و الجمال سفرا غير صنعتهما قال و يكون المراد بجد السير أن يكون مسيرهما مسيرا متصلا كالحج و الأسفار التي لا يصدق عليها صنعته. و احتمل أيضا أن يكون المراد أن المكارين يتمون ما داموا يترددون في أقل من المسافة أو في مسافة غير مقصودة فإذا قصدوا مسافة قصروا قال و لكن هذا لا يختص المكاري و الجمال به بل كل مسافر قيل و لعل ذلك مستند ابن أبي عقيل حيث عمم وجوب القصر. و حملهما الشهيد الثاني على ما إذا قصد المكاري و الجمال المسافة قبل تحقق الكثرة و ربما يحمل و يتم في المنزل على أن المعنى يتم إذا سافر منزلا منزلا و لا يخفى بعد هذه الوجوه و الأظهر ما ذكرنا أولا نعم يمكن تخصيص جد السير بما ذكره الكليني لأنه من أرباب النصوص مع أنه غير بعيد عن الإطلاق العرفي

10-  المحاسن، عن بعض أصحابه عن علي بن أسباط عن عبد الله بن بكير قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصر الصلاة قال لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين و إن المتصيد لهوا باطل لا يقصر الصلاة فيه و قال يقصر الصلاة إذا شيع أخاه

 بيان في التهذيب و الكافي و إن التصيد مسير باطل   و اعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن جواز السفر شرط في جواز التقصير سواء كان السفر واجبا كحجة الإسلام أو مندوبا كزيارة النبي ص و الأئمة ع أو مباحا كأسفار التجارات و لو كان معصية لم يقصر كاتباع الجائر و صيد اللهو و السفر لضرر المسلمين و الفساد في الأرض و قد حكى اتفاق الأصحاب على ذلك جماعة منهم الفاضلان و تدل عليه أخبار كثيرة. و يدل التعليل الوارد في هذا الخبر و غيره من الأخبار على عموم الحكم بالنسبة إلى كل سفر حرام سواء كانت غايته معصية كقاصد قطع الطريق أو قتل مسلم أو كان نفس سفره معصية كالفأر من الزحف و تارك الجمعة بعد وجوبها و السالك طريقا يغلب على الظن الهلاك فيه و إن كان لغاية حسنة كالحج و الزيارات و كذا إطلاقات كلام الأصحاب يقتضي التعميم. و لا خلاف ظاهرا في أنه إذا رجع المسافر العاصي عن نية المعصية في أثناء السفر يقصر إن كان الباقي مسافة و لو قصد المعصية في أثناء السفر المباح انقطع ترخصه و لو عاد إلى الطاعة قصر و هل يعتبر حينئذ كون الباقي مسافة قيل نعم كما حكم به في القواعد لبطلان المسافة الأولى بقصد المعصية و قيل لا و هو ظاهر المنتهى و المعتبر و المقطوع به في الذكرى

 و هو قوي لما رواه الشيخ عن بعض أهل العسكر قال خرج عن أبي الحسن ع أن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة فإذا عدل أتم فإذا رجع إليها قصر

ثم إن هذا كله في صيد اللهو و لا خلاف في أن الصائد لقوته و قوت عياله يقصر و أما الصائد للتجارة فقد اختلف الأصحاب فيه فذهب المرتضى رحمه الله و جماعة منهم الفاضلان إلى أنه يقصر في الصلاة و الصوم و ذهب الشيخ في النهاية   و المبسوط و جماعة إلى أنه يتم صلاته دون صومه كما يدل عليه ما سيأتي في فقه الرضا ع. و قال ابن إدريس إن كان الصيد للتجارة دون الحاجة للقوت روى أصحابنا بأجمعهم أنه يتم الصلاة و يفطر الصوم و كل سفر أوجب التقصير في الصلاة أوجب التقصير في الصوم و كل سفر أوجب التقصير في الصوم أوجب التقصير في الصلاة إلا هذه المسألة فحسب للإجماع عليها انتهى و هو غريب و مع ذلك فلعل الأول أقوى و الأحوط الجمع في الصلاة

11-  المقنع، روي ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام فإذا جاز ثلاثة أيام فعليه التقصير

 بيان هذا الخبر رواه الشيخ بسند فيه إرسال عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع و قال فالوجه في هذا الخبر من كان صيده لقوته و قوت عياله فأما من كان صيده للهو فلا يجوز له التقصير انتهى و رواه الصدوق في الفقيه بطريق حسن أو موثق عن أبي بصير ثم قال يعني الصيد للفضول. أقول ما ذكره الشيخ أصوب و لعله محمول على أن الغالب في صاحب الصيد أنه لا يبلغ مسافة القصر قبل ثلاثة أيام فإنه يتأنى في الحركة و يذهب يمينا و شمالا لا لطلب الصيد فلذا حكم بأنه لا يقصر قبلها.

 و يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يتصيد فقال إن كان يدور حوله فلا يقصر و إن كان تجاوز الوقت   فليقصر و رواه الصدوق أيضا في الصحيح عن عيص بن القاسم عنه ع

فإن الظاهر أن المراد بتجاوز الوقت بلوغ حد التقصير و المراد به أيضا غير صيد اللهو و حمله على صيد اللهو و حمل الوقت على وقت الصيد بعيد جدا. و أما ما ذكره الصدوق في الحديث الأول فلعله حمله على أن الغالب أنه لا يشتغل بالصيد أكثر من ثلاثة أيام فعبر عن ترك الصيد بتجاوز الثلاثة أو مراده بالفضول فضول الرزق للتجارة. و قال العلامة في المختلف قال ابن الجنيد و المتصيد شيئا إذا كان دائرا حول المدينة غير متجاوز حد التقصير لم يقصر يومين فإن تجاوز الحد و استمر به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها و لم يعتبر علماؤنا ذلك بل أوجبوا القصر مع قصد المسافة و الإباحة لنا أنه مسافر فوجب عليه التقصير احتج برواية أبي بصير و الجواب أنه مرسل و لا يعول عليه انتهى. أقول لعل كلام ابن الجنيد أيضا مؤول بما وجهنا به الخبر و الخبر في الفقيه غير مرسل بل سنده معتبر و إن لم يكن صحيحا على مصطلح القوم

12-  قرب الإسناد، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال سألت الرضا ع عن الرجل يخرج إلى الضيعة فيقيم اليوم و اليومين و الثلاثة يتم أو يقصر قال يتم فيها

 و منه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن البزنطي قال سألت الرضا ع عن الرجل يريد السفر إلى ضياعه في كم يقصر قال ثلاثة

 بيان لعل الثلاثة محمول على ما إذا لم يبلغ حد مسافة التقصير قبلها فإن من يخرج إلى ضيعته للتنزه يسير متأنيا و متدرجا و يمكن حمله على التقية   فإنه قريب من مذهب أبي حنيفة و أصحابه و يمكن حمله على إقامة ثلاثة في الضيعة فإنه ذهب جماعة من العامة إلى أنه إن نوى الإقامة ثلاثة أيام قصر و إن زاد عليها أتم. ثم اعلم أن المشهور بين المتأخرين أن المسافر إذا دخل بلدا و قرية له في أحدهما منزل استوطنه ستة أشهر يتم و إن كان عازما على السفر قبل انقضاء العشرة و الأكثر لم يفرقوا في الملك بين المنزل و غيره حتى صرحوا بالاكتفاء في ذلك بالشجرة الواحدة و بعضهم اعتبر المنزل خاصة. و قال الشيخ في النهاية و من خرج إلى ضيعة له و كان له فيها موضع ينزله و يستوطنه وجب عليه التمام فإن لم يكن له فيها مسكن يجب عليه التقصير و ظاهره اعتبار المنزل و عدم اعتبار ستة أشهر بل الاستيطان و قريب منه عبارة ابن البراج في الكامل. و قال أبو الصلاح و إن دخل مصرا له فيه وطن و نزل فيه فعليه التمام و لو صلاة واحدة و الظاهر منه المنزل الذي يستوطنه سواء كان ملكا له أم لا و قال ابن البراج أيضا من مر في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها أو كان له في طريقه أهل أو من جرى مجراهم و نزل عليهم و لم ينو المقام عندهم عشرة أيام كان عليه التقصير و هو نفي للقول المشهور مطلقا كما حكي عنه. و قال في المبسوط و إذا سافر فمر في طريقه بضيعة له أو على مال له أو كانت له أصهار أو زوجة فنزل عليهم و لم ينو المقام عشرة أيام قصر و قد روي أن عليه التمام و قد بينا الجمع بينهما و هو أن ما روي أنه إذا كان منزله أو ضيعته مما قد استوطنه بستة أشهر فصاعدا تمم و إن لم يكن استوطن ذلك قصر انتهى. و أجرى ابن الجنيد منزل الزوجة و الأب و الابن و الأخ مع كونهم لا يزعجونه مجرى منزله و بالجملة فالأقوال في هذه المسألة مختلفة و كذا الروايات في ذلك في غاية الاختلاف.  

 فمنها صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن ع قال سألته عن الرجل يقصر في ضيعته فقال لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه فقلت ما الاستيطان فقال أن يكون له منزل يقيم فيه ستة أشهر

 و منها موثقة عمار عن أبي عبد الله ع في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها قال يتم الصلاة و لو لم يكن له إلا نخلة واحدة فلا يقصر و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها

و مستند المشهور هذان الخبران استدلوا بالثاني على مطلق الملك و بالأول على استيطان ستة أشهر و يرد على الأول أنه مع عدم قوة سنده معارض بأخبار كثيرة دالة على أن المعتبر في الإتمام أن يكون له منزل يستوطنه لا مطلق الملك و على الثاني أن ظاهر الخبر اعتبار إقامة ستة أشهر في كل سنة.

 و بهذا صرح الصدوق في الفقيه حيث قال بعد إيراد صحيحة إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل سافر من أرض إلى أرض و إنما نزل قراه و ضيعته قال إذا نزلت قراك و ضيعتك فأتم الصلاة و إذا كنت في غير أرضك فقصر

يعني بذلك إذا أراد المقام في قراه و أرضه عشرة أيام و من لم يرد المقام بها عشرة أيام قصر إلا أن يكون له بها منزل يكون فيه في السنة ستة أشهر فإن كان كذلك أتم متى دخلها و تصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع و أورد الخبر الأول. و صحيحة ابن الفضل المتقدمة تدل على الإتمام في مطلق الملك و الضيعة و صحيحة البزنطي التي أخرجناها من قرب الإسناد أيضا تدل على ذلك.  

 و من الأخبار ما يدل على مطلق الاستيطان كصحيحة علي بن يقطين قال قلت لأبي الحسن ع الرجل يتخذ المنزل فيمر به أ يتم أو يقصر قال كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل و ليس لك أن تتم فيه

 و صحيحة الحسين بن علي قال سألت أبا الحسن الأول ع عن رجل يمر ببعض الأمصار و له بالمصر دار و ليس المصر وطنه أ يتم صلاته أم يقصر قال يقصر الصلاة و الضياع مثل ذلك إذا مر بها

و الذي يقتضي الجمع بين الأخبار القول بأن الوصول إلى بلد أو قرية أو ضيعة له فيها منزل يستوطنه بحيث يصدق الاستيطان عرفا أو ولد و نشأ بها بحيث يصدق عرفا أنه وطنه و بلده كاف في الإتمام و أخبار الضيعة و الملك المطلق محمولة على ذلك أو على التقية لأنه قول جماعة من العامة. قال في شرح السنة ذهب ابن عباس إلى أن المسافر إذا قدم على أهل أو ماشيته أتم الصلاة و به قال أحمد و هو أحد قولي الشافعي إن المسافر إذا دخل بلدا له به أهل و إن كان مجتازا انقطعت رخصة السفر في حقه انتهى. و الأحوط فيما إذا وصل بلدة أو قرية أو ضيعة استوطنها ستة أشهر أن يحتاط بالجمع بين الصلاتين رعاية للمشهور. ثم إن جماعة من القائلين بالملك كالشهيدين اعتبروا سبق الملك على الاستيطان و بقاء الملك و اشترط جماعة في الستة أن يكون مقيما فيها و أن يكون إتمام الصلاة عليه فيها للإقامة فلا يكفي مطلق الإقامة كما لو أقام ثلاثين ثم أتم من غير نية الإقامة و لا التمام بسبب كثرة السفر أو المعصية أو شرف البقعة نعم لا يضر مجامعتها لها. و المشهور أنه لا يشترط التوالي و لا السكنى في ملكه بل يكفي الاستيطان في البلد أو القرية و لا يبعد أن يكفي في ذلك عدم الخروج على حد الخفاء و لا   يكفي استيطان الوقوف العامة كالمدارس و ذهب جماعة إلى الاكتفاء بالخاص و اشترط الشهيد ملك الرقبة فلا تجزي الإجارة و فيه تأمل و ألحق العلامة و من تأخر عنه بالملك اتخاذ البلد دار مقام على الدوام و لا بأس به. و هل يشترط استيطان الستة أشهر قال في الذكرى الأقرب ذلك و هو غير بعيد و الأصل ما ذكرنا من شهادة العرف بأنها وطنه أو مسكنه ليدخل تحت الأخبار الواردة في ذلك و أما ما شك في دخوله فيها فالاحتياط فيه سبيل النجاة

13-  السرائر، نقلا من كتاب حريز بن عبد الله قال قلت لأبي جعفر ع أ رأيت من قدم بلده متى ينبغي له أن يكون مقصرا و متى ينبغي أن يتم قال إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك فيها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة فإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج و بعد غد فقصر ما بينك و بين أن يمضي شهر فإذا تم شهر فأتم الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك فأتم

    بيان لا خلاف بين الأصحاب في أنه إذا نوى المقصر في بلد عشرة أيام أتم و يدل عليه هذا الخبر و أخبار كثيرة و المشهور عدم الإتمام بنية الإقامة دون العشرة بل قال في المنتهى إنه قول علمائنا أجمع. و نقل في المختلف عن ابن الجنيد رحمه الله أنه اكتفى في وجوب الإتمام بنية خمسة أيام

 و لعل مستنده ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي أيوب قال سأل محمد بن مسلم أبا جعفر ع عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام قال   فليتم الصلاة فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم و إن أقام يوما أو صلاة واحدة فقال له محمد بن مسلم بلغني أنك قلت خمسا قال قد قلت ذلك قال أبو أيوب فقلت أنا جعلت فداك يكون أقل من خمسة أيام قال لا

و أجيب عنه بأنه غير دال على نية إقامة الخمسة صريحا لاحتمال عود الإشارة إلى الكلام السابق و هو الإتمام مع العشرة و لا يخلو من بعد و أوله الشيخ بوجهين أحدهما

 أنه محمول على ما إذا كان بمكة أو المدينة للحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم قال سألته عن المسافر يقدم الأرض فقال إن حدثته نفسه أن يقيم عشرا فليتم و إن قال اليوم أخرج أو غدا أخرج و لا يدري فليقصر ما بينه و بين شهر فإن مضى شهر فليتم و لا يتم في أقل من عشرة إلا بمكة و المدينة و إن أقام بمكة و المدينة خمسا فليتم

و ثانيهما استحباب الإتمام لنأوي المقام خمسة أيام و لا يخلو من وجه و المناقشة بأن القصر عند الشيخ عزيمة فكيف يصير رخصة ضعيف لأنه سد لباب القول بالتخيير بين الإتمام و القصر مطلقا مع ثبوت ذلك في مواضع لا يمكن إنكارها. و الأظهر عندي حمله على التقية لأن الشافعي و جماعة منهم قائلون بإقامة الأربعة و لا يحسبون يوم الدخول و يوم الرحيل فيتحصل خمسة ملفقة و سياق الخبر أيضا يدل عليها كما لا يخفى على الخبير. و هل يشترط في العشرة التوالي بحيث لا يخرج بينها إلى محل الترخص أم لا فيه وجهان و قطع بالاشتراط الشهيد في البيان و الشهيد الثاني في جملة من كتبه   و قال في بعض فوائده بعد أن صرح باعتبار ذلك و ما يوجد في بعض القيود من أن الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى   موضع الإقامة كيوم أو ليلة لا يؤثر في نية الإقامة و إن لم ينو إقامة عشرة مستأنفة لا حقيقة له و لم نقف عليه مستندا إلى أحد من المعتبرين الذين يعتبر فتواهم فيجب الحكم بإطراحه حتى لو كان ذلك في نيته من أول الإقامة لكان باقيا على القصر لعدم الجزم بإقامة العشرة فإن الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها و نيته في ابتدائه يبطلها انتهى. و قيل المعتبر صدق إقامة العشرة في البلد عرفا و الظاهر أن عدم التوالي في أكثر الأحيان يقدح في صدق المعنى المذكور عرفا و لا يقدح فيه أحيانا كما إذا خرج يوما أو بعض يوم إلى بعض البساتين و المزارع المقاربة في البلد و إن كان في حد الخفاء و لا بأس به و المسألة مشكلة و هي من مواقع الاحتياط. و الظاهر أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل بل يلفق فلو نوى المقام عند الزوال كان منتهاه زوال اليوم الحادي عشر. و هل يشترط عشر غير يومي الدخول و الخروج فلا يكفي التلفيق فيه وجهان و استشكل العلامة في النهاية و التذكرة احتسابهما من العددين حيث إنهما من نهاية   السفر و بدايته لاشتغاله في الأول بأسباب الإقامة و في الأخير بالسفر و من صدق الإقامة في اليومين و احتمل التلفيق و لعل التلفيق أظهر. و لا فرق في وجوب الإتمام بنية الإقامة بين أن يكون ذلك في بلد أو قرية لعموم بعض الأخبار كما في صحيحة زرارة إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقاما و الظاهر أنه لا خلاف فيه. و لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية و لم يعزم على إقامة العشرة في واحدة منها لم يبطل حكم سفره لأنه لم ينو الإقامة في بلد بعينه فكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل قاله العلامة في المنتهى و غيره. و لو قصد الإقامة في بلد ثم خرج بقصد المسافة إلى حد خفاء الأذان ثم رجع إلى محل الإقامة لغرض مع بقاء نية السفر فالظاهر بقاؤه على حكم التقصير بخلاف ما لو كان الرجوع إلى بلده و لو رجع عن نية السفر أتم في الموضعين كما ذكره الأصحاب. و لو صلى بتقصير ثم نوى الإقامة في أثنائها يتم و نقل في التذكرة الاتفاق عليه. و هذا كله يتعلق بالحكم الأول من الخبر و أما الحكم الثاني و هو أن من تردد في الإقامة يقصر إلى شهر ثم يتم فلا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب و نقل بعض المتأخرين عليه الإجماع و تدل عليه أخبار لكن بعضها بلفظ الشهر و بعضها بلفظ الثلاثين يوما. فهل يجوز الاكتفاء بالشهر الهلالي إذا حصل التردد في أوله يحتمل ذلك لصدق الشهر عليه و هو مقتضى إطلاق كلام أكثر الأصحاب و حينئذ فالثلاثين محمول على الغالب من عدم كون مبدإ التردد مبدأ الشهر. و اعتبر في التذكرة الثلاثين و لم يعتبر الشهر الهلالي و له وجه و الأحوط   في يوم الثلاثين الجمع

14-  فقه الرضا، قال ع إن نويت المقام عشرة أيام و صليت صلاة واحدة بتمام ثم بدا لك في المقام و أردت الخروج فأتم و إن بدا لك في المقام بعد ما نويت المقام عشرة أيام و تممت الصلاة و الصوم

 بيان إن في قوله و إن بدا لك وصلية و لا خلاف ظاهرا بين الأصحاب في أنه لو نوى قاصد الإقامة عشرا السفر قبل أن يصلي صلاة بتمام يرجع إلى التقصير و لو صلى صلاة بتمام يتم إلى أن يخرج إلى المسافة و ظاهر الأصحاب أنه لا يشترط في الرجوع إلى القصر في صورة العدول عن نية الإقامة من غير صلاة كون الباقي مسافة و قواه الشهيد الثاني رحمه الله و احتمل الاشتراط و إطلاق هذه الرواية و غيرها يؤيد المشهور. ثم إنهم اختلفوا في أنه هل يلحق بالصلاة الفريضة الصوم الواجب فيثبت حكم الإقامة بالشروع فيه مطلقا أو إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن نية الإقامة أم لا فيه أوجه و الثالث أشهر و أقوى و إن كان ظاهر عبارة الفقه كون إتمام الصوم في حكم إتمام الصلاة إن حملنا الواو في قوله و الصوم بمعنى أو و يمكن أن يكون ذكر الصوم استطرادا و لا دخل له في الحكم. ثم الظاهر أن المعتبر إتمام الصلاة الفريضة فقط كما صرح به في صحيحة أبي ولاد فإلحاق نافلة لا يؤتى بها في السفر بالفريضة كما فعله العلامة في   النهاية و قواه الشهيد الثاني رحمه الله لا وجه له و الظاهر أن الحكم معلق على فعل الفريضة فلا يكفي دخول وقتها و لا فوت وقت الصلاة مع تركها سواء كان الترك عمدا أو سهوا و قطع العلامة في التذكرة بكون الترك كالصلاة نظرا إلى استقرارها في الذمة تماما و استشكله في النهاية و كذا الشهيد في الذكرى. و لو كان الترك لعذر مسقط للقضاء كالجنون و الحيض فهو كمن لم يصل قولا واحدا و هل يشترط كون التمام بنية الإقامة فلا يكفي التمام سهوا قبل الإقامة فيه وجهان و ظاهر الخبر الاشتراط. و لو نوى الإقامة ثم صلى تماما لشرف البقعة ذاهلا عن نية الإقامة ثم رجع عن الإقامة فالظاهر الكفاية لعموم الرواية و لو نوى الإقامة في أثناء الصلاة المقصورة فأتمها ففي الاجتزاء بها وجهان و لعل الاجتزاء أقوى. ثم ظاهر الرواية إتمام الصلاة فلو شرع في الصلاة بنية الإقامة ثم رجع عن الإقامة في أثنائها لم يكف و إن كان بعد الركوع في الثالثة و هو ظاهر المنتهى و تردد في المعتبر و فصل في التذكرة و المختلف بمجاوزة محل القصر و عدمه

15-  فقه الرضا، قال ع فإن فاتتك الصلاة في السفر فذكرتها في الحضر فاقض صلاة السفر ركعتين كما فاتتك و إن فاتتك في الحضر فذكرتها في السفر فاقضها أربع ركعات صلاة الحضر كما فاتتك و إن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة و لم تصل حتى خرجت فعليك التقصير و إن دخل عليك وقت الصلاة و أنت في السفر و لم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام إلا أن يكون قد فاتك الوقت فتصلي ما فاتك من صلاة الحضر في السفر و صلاة السفر في الحضر

 بيان لا ريب في أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات لا بحال الفعل فما فات قصرا يقضي قصرا و إن قضاه في الحضر و كذا العكس و لو حصل الفوات في أماكن التخيير   ففي ثبوت التخيير في القضاء أو تحتم القصر وجهان أحوطهما الثاني. و لو سافر بعد دخول الوقت قبل أن يصلي فالأصحاب فيه على أقوال شتى ذهب ابن أبي عقيل و الصدوق في المقنع و العلامة إلى أنه يجب عليه الإتمام و ذهب المفيد إلى أنه يجب عليه التقصير و اختاره ابن إدريس و نقله عن المرتضى في المصباح و هو اختيار علي بن بابويه و المحقق و جماعة. و ذهب الشيخ في الخلاف إلى التخيير و استحباب الإتمام و ذهب رحمه الله في النهاية و كتابي الأخبار إلى أنه يتم إن بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه على التمام فإن تضيق الوقت قصر و به قال في موضع من المبسوط و به قال ابن البراج و هو اختيار الصدوق في الفقيه. و كذا الخلاف فيما إذا دخل محل التمام بعد دخول الوقت فذهب المفيد و علي بن بابويه و ابن إدريس و الفاضلان إلى أنه يتم و هو المشهور بين المتأخرين و نقل عن ابن الجنيد و الشيخ القول بالتخيير و ذهب الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار إلى أنه يتم مع السعة و يقصر مع الضيق و حكى الشهيدان أن في المسألة قولا بالتقصير مطلقا. و منشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار

 ففي صحيحة إسماعيل بن جابر قال   قلت لأبي عبد الله ع يدخل علي وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي فقال صل و أتم الصلاة قلت فدخل علي وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج فقال صل و قصر فإن لم تفعل فقد خالفت و الله رسول الله ص

 و في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق فقال يصلي ركعتين و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا

 و في موثقة عمار عن أبي عبد الله ع قال سئل عن الرجل إذا زالت الشمس و هو في منزله ثم يخرج في سفر قال يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل أن يحضر الأولى و سئل فإن خرج   بعد ما حضرت الأولى قال يصلي الأولى أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمان ركعات لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى

 و عن بشير النبال قال خرجت مع أبي عبد الله ع حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله ع يا نبال فقلت لبيك قال إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري و غيرك و ذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج

و ربما يحمل صحيحة محمد بن مسلم على أن المراد أن الركعتين يؤتى بهما في السفر و الأربع في الحضر بأن يكون المراد بقوله يدخل من سفره إرادة الدخول أو الإشراف عليه و كان في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى و كذا قوله خرج يحمل على أحد الوجهين و كذا خبر بشير يحمل على أنه ع صلى قبل أن يخرج أو على أن المراد وجب علينا التمام و بعد السفر انقلب الحكم و إن كانا بعيدين مع أن سنده غير نقي على المشهور. و القائل بالتخيير جمع به بين الروايات

 و يؤيده في الرجوع صحيحة منصور   بن حازم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر و إن شاء أتم و الإتمام أحب إلي

و حمله على التقصير قبل الدخول و الإتمام بعده بعيد جدا. و الشيخ جمع بينها بالسعة و الضيق

 و أيده بما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا الحسن ع يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال إن كان لا يخاف الفوت فليتم و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصر

و روي هذا المضمون بسند مرسل عن أبي عبد الله ع أيضا و هما يدلان على التفصيل في القدوم و يمكن حملهما على أنه إن كان لا يخاف فوت الوقت يؤخر حتى يدخل أهله و يتم و إن كان يخاف الفوت إذا دخل أهله يصلي قصرا قبل الدخول. و أقول يمكن الجمع بينها بوجهين آخرين أحدهما حمل ما دل على الاعتبار بحال الوجوب على ما إذا مضى زمان من أول الوقت يمكنه تحصيل الشرائط المفقودة و إتمام الصلاة فيه و ما دل على الاعتبار بحال الأداء على ما إذا خرج عن حد الترخص أو دخل فيه و لم يمض هذا المقدار من الزمان كما أشار إليه العلامة في المنتهى و الشيخ في الخلاف قيد الحكم بذلك حيث قال إذا خرج إلى السفر و قد دخل الوقت إلا أنه مضى مقدار ما يصلي فيه الفرض أربع ركعات جاز له التقصير و كذا قال العلامة و أكثر الأصحاب و الفرق أيضا ظاهر   إذ بعد مضي هذا الزمان يستقر الفرض في ذمته. و ثانيهما أن يقال أنه إذا خرج بعد دخول وقت الفضيلة يعني إذا صار الفي‏ء قدمين أو انقضى مقدار النافلة للمتنفل يتم الصلاة و إذا خرج قبل دخول وقت الفضيلة و إن كان بعد دخول وقت الإجزاء يقصر. فالمراد بالوقت في بعض الأخبار الفضيلة و في بعضها الإجزاء و يشهد لهذا التأويل موثقة عمار لكن لا أعرف قائلا به و كذا الكلام في العود لاختلاف الأخبار فيه أيضا و المسألة في غاية الإشكال و إن كان القول بالتخيير لا يخلو من قوة و الاحتياط في الجمع

16-  السرائر، نقلا من كتاب جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما ع أنه قال في رجل مسافر نسي الظهر و العصر في السفر حتى دخل أهله قال يصلي أربع ركعات و قال لمن نسي صلاة الظهر أو العصر و هو مقيم حتى يخرج قال يصلي أربع ركعات في سفره و قال إذا دخل على الرجل وقت صلاة و هو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره

 بيان أقول يمكن أن يكون قوله ع و إذا دخل على الرجل بعد قوله لمن نسي صلاة الظهر تعميما بعد التخصيص أو يكونا حديثين سمعهما في مقامين أو يكون الأول للقضاء و الثاني للأداء أو يكون الأخير محمولا على العمد كما أن الأول كان للنسيان و قوله أولا في رجل مسافر يحتمل الأداء و القضاء و الأعم و ظاهر الخبر الإتمام في الدخول و الخروج معا كما هو مختار العلامة إن لم نحمل أحدهما على القضاء. ثم اعلم أنهم اختلفوا في القضاء أيضا أي إذا دخل وقت الصلاة في السفر و دخل بلده ثم فاتته الصلاة و كذا العكس هل يعتبر بحال الوجوب أي أول الوقت أو بحال   الفوات أي آخره فذهب المرتضى و ابن الجنيد إلى أنه يقضي بحسب حالها في أول وقتها و آخرون إلى أنه يقضي بحسب حالها في آخر وقتها.

 و يدل على الأول ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر ع أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها قال يصليها ركعتين صلاة المسافر لأن الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي أن يصليها عند ذلك

و موسى بن بكر و إن لم يذكر له توثيق و ذكر الشيخ أنه واقفي لكن واقفيته لم يذكره إلا الشيخ و رواية ابن أبي عمير و صفوان و أجلاء الأصحاب عنه مما يدل على جلالته فالخبر لا يقصر عن الصحيح أو الموثق. و أجاب في المعتبر عنه باحتمال أن يكون دخل مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعا فيقضي على وقت إمكان الأداء و المسألة في غاية الإشكال و الجمع أيضا فيه طريق الاحتياط

17-  العياشي، عن حريز قال قال زرارة و محمد بن مسلم قلنا لأبي جعفر ع ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي و كم هي قال إن الله يقول إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر قالا قلنا إنما قال الله عز و جل فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ و لم يقل افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر قال أ و ليس قد قال الله عز و جل في الصفا و المروة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أ لا ترى أن الطواف بهما واجب مفروض لأن الله عز و جل ذكره في كتابه و صنعه نبيه و كذلك التقصير في السفر شي‏ء صنعه النبي ص و ذكره الله عز و جل في كتابه قالا قلنا فمن صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا قال إن كان قد قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى أربعا أعاد و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا   إعادة عليه و الصلاة في السفر كلها الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله ص في السفر و الحضر ثلاث ركعات

 دعائم الإسلام، عن أبي جعفر ع مثله إلى قوله و كذلك التقصير في السفر ذكره الله هكذا في كتابه و قد صنعه رسول الله

بيان كيف هي أي على العزيمة أو الرخصة و كم هي أي في كم يجب القصر أو كم يصير عدد الركعات و لم يقل افعلوا قد يستفاد منه أن الأمر للوجوب مطلقا أو أمر القرآن أ و ليس قال الله الاستشهاد بالآية لبيان أن نفي الجناح لا ينافي الوجوب إذا دل عليه دليل آخر إذ قد يكون التعبير على هذا الوجه لحكمة كما مر و سيأتي. و صنعه نبيه أي فعله ص يدل على الوجوب و الجواز مستفاد من الآية فيدل على أن التأسي واجب مطلقا و إن لم يعلم أن فعله ص وجه الوجوب إلا أن يقال المراد أنه صنعه على وجه الوجوب أو واظب عليه أو الصنع كناية عن إجرائه بين الناس و أمره به. إن كان قد قرئت لعل ذكر قراءة الآية على التمثيل و المراد أن علم وجوب التقصير فعليه الإعادة و إلا فلا. و جملة القول فيه أن تارك التقصير في موضع يجب عليه لا يخلو من أن يكون عالما عامدا أو ناسيا أو جاهلا فالعامد العالم لا ريب في أنه تبطل صلاته و يعيدها في الوقت و خارجه و أما الناسي فالمشهور بين الأصحاب أنه يعيد في الوقت خاصة و ذهب علي بن بابويه و الشيخ في المبسوط إلى أنه يعيد مطلقا. و قال الصدوق رحمه الله في المقنع إن نسيت فصليت في السفر أربع ركعات فأعد الصلاة   إن ذكرت في ذلك اليوم و إن لم تذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا تعد فمراده باليوم إن كان بياض النهار فقد وافق المشهور في الظهرين و أهمل أمر العشاء و إن كان مراده ذلك و الليلة الماضية كان مخالفا في العشاء للمشهور لاقتضائه قضاء العشاء في النهار و إن كان مراده ذلك و الليلة المستقبلة خالف المشهور في الظهرين و في العشاء أيضا إلا على القول ببقاء وقتها إلى الصبح.

 و الأول أقوى لصحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله ع قال سألته عن رجل صلى و هو مسافر فأتم الصلاة قال إن كان في وقت فليعد و إن كان الوقت قد مضى فلا

و الحكم يشمل العامد و الجاهل أيضا لكنهما خرجا عنه بدليل منفصلا فيبقى الحكم في الناسي سالما عن المعارض.  

 و أما صحيحة أبي بصير قال سألت عن رجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات قال إن ذكر في ذلك اليوم فليعد و إن لم يذكر حتى يمضي اليوم فلا إعادة عليه

فظاهرها أن المراد باليوم بياض النهار فتدل أيضا على المشهور في الظهرين و حكم العشاء غير مستفاد منها فإن كان مراد الصدوق ذلك فنعم الوفاق و إلا فلا تدل على مذهبه و الاستدلال بالاحتمال البعيد غير موجه. و احتج القائلون بالإعادة مطلقا بأنها زيادة في الصلاة و خبر العياشي أيضا لا يخلو من دلالة عليه و كذا عمومات بعض الروايات الأخر لكنها مخصصة بما مر. و قال الشهيد في الذكرى و يتخرج على القول بأن من زاد خامسة في الصلاة و كان قد قعد مقدار التشهد تسلم له الصلاة صحة الصلاة هنا لأن التشهد حائل بين ذلك و بين الزيادة. و استحسنه الشهيد الثاني و قال إنه كان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها هنا و لا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور إما إلغاء ذلك الحكم كما ذهب إليه أكثر الأصحاب أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص فلا يتعدى إلى الثلاثية و الثنائية فلا يتحقق المعارضة هنا أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير كما ورد به النص هناك و لا يتعدى إلى الزائد كما عداه بعض الأصحاب أو القول بأن ذلك في غير المسافر جمعا بين الأخبار لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتحاد المحل انتهى. و السيد في المدارك ضعف هذه الوجوه و قال و الذي يقتضيه النظر أن النسيان و الزيادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد التشهد نسيانا و قد بينا أن الأصح أن ذلك غير مبطل للصلاة مطلقا لاستحباب التسليم و إن حصل النسيان قبل ذلك اتجه القول بالإعادة   في الوقت دون خارجه كما اختاره الأكثر انتهى. و أقول قد عرفت أن الحكم السابق على تقدير ثبوته مختص بالرابعة فلا إشكال و لا تنافي بل هذا مما يؤيد أحد قولي الإبطال مطلقا أو الاختصاص بالرباعية. و أما إذا أتم جاهلا بوجوب التقصير فالمشهور بين الأصحاب أنه لا يعيد مطلقا و حكي عن ابن الجنيد و أبي الصلاح أنهما أوجبا الإعادة في الوقت و عن ظاهر ابن أبي عقيل الإعادة مطلقا و الأول أقرب لرواية زرارة و محمد بن مسلم الصحيحة في سائر الكتب و اختلفوا في أن الحكم هل هو مختص بالجاهل بوجوب التقصير من أصله أو ينسحب في الجاهل ببعض الأحكام و توقف العلامة في النهاية فيها و ظاهر الرواية الأول. و لو انعكس الفرض بأن صلى من فرضه التمام قصرا جاهلا فقيل بالبطلان لعدم تحقق الامتثال و قيل بالصحة و هو اختيار صاحب الجامع

 و روى الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله ع قال إذا أتيت بلدا و أزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة فإن تركه جاهلا فليس عليه الإعادة

و هو دال على الصحة في بعض صور الإتمام و العمل به متجه و في التعدي عنه إشكال. و ألحق بعضهم بالجاهل ناسي الإقامة فحكم بأنه لا إعادة عليه و هو خروج عن النص و سيأتي في الفقه أن من قصر في موضع التمام ناسيا يعيد مطلقا و لعله محمول على ما إذا وقع بعد التسليم المبطل عمدا و سهوا كما عرفت سابقا

18-  كتاب محمد بن المثنى الحضرمي، عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال قلت لأبي عبد الله ع إن خرج الرجل مسافرا و قد دخل وقت الصلاة كم يصلي قال أربعا قال قلت و إن دخل وقت الصلاة و هو في السفر   قال يصلي ركعتين قبل أن يدخل أهله و إن دخل المصر فليصل أربعا

19-  كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن سماعة بن مهران عن العبد الصالح ع قال قال لي أتم الصلاة في الحرمين مكة و المدينة

20-  العلل، عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين عن الحسن بن إبراهيم يرفعه إلى محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله لأي علة تصلى المغرب في السفر و الحضر ثلاث ركعات و سائر الصلوات ركعتين قال لأن رسول الله ص فرض عليه الصلاة مثنى مثنى و أضاف إليها رسول الله ص ركعتين ثم نقص عن المغرب ركعة ثم وضع رسول الله ص ركعتين في السفر و ترك المغرب و قال إني أستحيي أن أنقص منها مرتين فلذلك العلة تصلى ثلاث ركعات في الحضر و السفر

 أقول قد مضى بعض الأخبار في ذلك في باب علل الصلاة

21-  العلل، و العيون، عن عبد الواحد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة في علل الفضل بن شاذان عن الرضا ع فإن قال فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك قيل لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا و جائيا و البريد أربعة فراسخ فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير و ذلك أنه يجي‏ء فرسخين و يذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ و هو نصف طريق المسافر فإن قال فلم قصرت الصلاة في السفر قيل لأن الصلاة المفروضة أولا إنما هي عشر ركعات و السبع إنما زيدت فيها بعد فخفف الله عنه تلك الزيادة   لموضع سفره و تعبه و نصبه و اشتغاله بأمر نفسه و ظعنه و إقامته لئلا يشتغل عما لا بد له من معيشته رحمة من الله تعالى و تعطفا عليه إلا صلاة المغرب فإنها لم تقصر لأنها صلاة مقصرة في الأصل فإن قال فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر قيل لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم فإن قال فلم وجب التقصير في مسيرة يوم قيل لأنه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة و ذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذ كان نظيره مثله لا فرق بينهما فإن قال قد يختلف السير و ذلك أن سير البقر إنما هو أربعة فراسخ و سير الفرس عشرين فرسخا فلم جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ قيل لأن ثمانية فراسخ هي مسير الجمال و القوافل و هو السير الذي يسيره الجمالون و المكارون فإن قال فلم ترك تطوع النهار و لا يترك تطوع الليل قيل لأن كل صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوعها و ذلك أن المغرب لا تقصير فيها فلا تقصير فيما بعدها من التطوع و كذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوع فإن قال فما بال العتمة مقصرة و ليس تترك ركعتاها قيل إن تلك الركعتين ليستا من الخمسين فإنما هي زيادة في الخمسين تطوعا و ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من النوافل فإن قال فلم جاز للمسافر و المريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل قيل لاشتغاله و ضعفه ليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته و يشتغل المسافر بأشغاله و ارتحاله و سفره

    بيان المشهور بين الأصحاب سقوط الوتيرة في السفر و نقل ابن إدريس عليه الإجماع و قال الشيخ في النهاية يجوز فعلها و قواه في الذكرى لهذا الخبر و لا يخلو من قوة إذ الظاهر من الأخبار سقوط نوافل الصلوات المقصورة و كون الوتيرة نافلة للعشاء غير معلوم بل الظاهر أنها تقديم للوتر و بدل عنها فكما أن قبلها نافلة المغرب و لا يشملها قولهم ليس قبلها نافلة فكذا بعدها

22-  العيون، بالإسناد المتقدم فيما كتب الرضا ع للمأمون التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد و إذا قصرت أفطرت

23-  قرب الإسناد، عن محمد بن الوليد عن ابن بكير قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يشيع إلى القادسية أ يقصر قال كم هي قال قلت التي رأيت قال نعم يقصر

 بيان قال في المغرب القادسية موضع بينه و بين الكوفة خمسة عشر ميلا انتهى و يدل على وجوب القصر في أربعة فراسخ لعدم القول بالفصل

24-  الخصال، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال رسول الله ص إن الله تبارك و تعالى أهدى إلي و إلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا قالوا و ما ذاك يا رسول الله قال الإفطار في السفر و التقصير في الصلاة فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله عز و جل هديته

 العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي مثله دعائم الإسلام، مرسلا مثله

    -25  الخصال، و المجالس، للصدوق بسند تكرر ذكره في خبر نفر من اليهود جاءوا إلى النبي ص قال أعطاني الله الرخصة لأمتي عند الأمراض و السفر

26-  الخصال، عن أحمد بن محمد بن الهيثم و خمسة أخرى من مشايخه عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبي معاوية عن الأعمش عن الصادق ع قال التقصير في ثمانية فراسخ و هو بريدان و إذا قصرت أفطرت و من لم يقصر في السفر لم تجز صلاته لأنه قد زاد في فرض الله عز و جل

27-  العيون، بالأسانيد الثلاثة المتقدم ذكرها في صدر الكتاب عن الرضا ع عن آبائه ع عن الصادق ع قال سئل أبي عن الصلاة في السفر فذكر أن أباه ع كان يقصر الصلاة في السفر

 صحيفة الرضا، بإسناده عنه ع مثله

28-  العيون، عن تميم بن عبد الله القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن رجاء بن أبي الضحاك قال كان الرضا ع في طريق خراسان يصلي فرائضه ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنه كان يصليها ثلاثا و لا يدع نافلتها و لا يدع صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر في سفر و لا حضر و كان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئا و كان يقول بعد كل صلاة يقصرها سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاثين مرة و يقول هذا لتمام الصلاة و ما رأيته   صلى الضحى في سفر و لا حضر و كان لا يصوم في السفر شيئا و كان إذا أقام ببلدة عشرة أيام صائما لا يفطر فإذا جن الليل بدأ بالصلاة قبل الإفطار

 بيان التسبيحات الأربع ثلاثين مرة بعد المقصورات في السفر مما قطع الأصحاب باستحبابه و ورد خبر المروزي بلفظ الوجوب و لم ينسب القول به إلى أحد و قال الصدوق في المقنع و الفقيه و على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصرها و لعل ظاهره الوجوب و ظاهر الأخبار اختصاص المقصورة و احتمل العلامة التعميم و لا وجه له نعم يستحب على وجه آخر في دبر كل صلاة سفرا و حضرا كما مر في التعقيب و هذا استحباب آخر على الخصوص

29-  مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن أحمد بن هارون بن الصلت عن ابن عقدة عن القاسم بن جعفر بن أحمد عن عباد بن أحمد عن عمه عن أبيه عن جابر عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عن عمر بن الخطاب و عن أبي بكر و عن علي ع و عن عبد الله بن العباس قال كلهم قال إذا كنت مسافرا ثم مررت ببلدة تريد أن تقيم بها عشرا فأتم الصلاة و إن كنت إنما تريد أن تقيم بها أقل من عشرة فقصر و إن قدمت و أنت تقول أسير غدا أو بعد غد حتى تتم شهرا فأكمل الصلاة و لا تقصر في أقل من ثلاث و قال سألتهم عن صاحب السفينة أ يقصر الصلاة كلها قال نعم إذا كنت في سفر ممعن و إن سافرت في رمضان فصم إن شئت و كلهم قال إذا صليت في السفينة فأوجب الصلاة إلى القبلة فإن استدارت فاثبت حيث أوجبت و كلهم صلى العصر و الفجاج مسفرة فإنها كانت صلاة رسول الله ص و كلهم قنت في الفجر و عثمان أيضا قنت في الفجر

    بيان الخبر عامي و إنما أوردناه تبعا للشيخ و فيه أحكام محمولة على التقية كما في قوله لا تقصر في أقل من ثلاث أي مسيرة ثلاث ليال و هو مذهب جماعة من العامة ففتوى أمير المؤمنين ع معهم إن لم يكن مفترى عليه محمول على التقية و كذا قوله فصم إن شئت و كذا تخصيص القنوت بالفجر. قوله ممعن يقال أمعن في الطلب أي جد و أبعد و المراد السفر الذي يكون بقدر المسافة و المراد بصاحب السفينة راكبها لا الملاح قوله و الفجاج مسفرة أي الطرق منيرة قد أشرقت عليها الشمس ردا على أبي حنيفة و أمثاله حيث يؤخرون صلاة العصر إلى آخر الوقت

30-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي و عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن البرقي عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن أسلم الجبلي عن صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن موسى بن جعفر ع عن قوم خرجوا في سفر لهم فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا فلما أن صاروا على رأس فرسخين أو ثلاثة أو أربعة فراسخ تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم فأقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم فقال إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا و إن ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا مضوا فليقصروا ثم قال ع و هل تدري كيف صارت هكذا قلت لا أدري قال لأن التقصير في بريدين و لا يكون التقصير في أقل من ذلك فلما كانوا قد ساروا بريدا و أرادوا أن ينصرفوا بريدا كانوا قد ساروا سفر التقصير و إن كانوا قد ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة   قلت أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه قال بلى إنما قصروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في سيرهم و إن السير سيجد بهم في السفر فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا

 المحاسن، عن أبي سمينة محمد بن علي عن محمد بن أسلم مثله بيان اعلم أن الأصحاب اشترطوا في القصر استمرار قصد المسافة إلى انتهاء المسافة فلو قصد المسافة و رجع عن عزمه أو تردد قبل بلوغ المسافة أتم و لو توقع رفقه علق سفره عليهم فإن كان التوقع في محل رؤية الجدار و سماع الأذان أتم و إن جزم بالسفر دونها و إن كان بعد بلوغ المسافة قصر ما لم ينو المقام عشرة أو يمضي ثلاثون يوما و لو كان بعد الوصول إلى حد الترخص و قبل بلوغ المسافة أتم إلا مع الجزم بالسفر بدونهم و هل يلحق الظن بالعلم هاهنا فيه وجهان و ألحقه الشهيد في الذكرى به و كذا لو رجع عن عزم السفر بدون توقع الرفقة في جميع ما مر و لو صلى قصرا ثم عرض له الرجوع أو التردد فالأظهر أنه لا يعيد مطلقا و ذهب الشيخ في الإستبصار إلى أنه يعيد مع بقاء الوقت لخبر المروزي و الأجود حمله على الاستحباب لمعارضته بصحيحة زرارة و هي أقوى.   و لو رجع عن التردد الحاصل قبل بلوغ المسافة قصر و في احتساب ما مضى من المسافة نظر و استقرب الشهيد في البيان الاحتساب. ثم إن هذا الخبر يدل على الرجوع عن القصر مع الرجوع عن العزم قبل المسافة لكن يدل على أن أربعة فراسخ يكفي لذلك كما قطع به الشيخ في النهاية في هذه المسألة. و يدل على ما مر من أن أربعة فراسخ مع إرادة الذهاب قبل قطع السفر بالإقامة يكفي لوجوب القصر و إنما حكم بالقصر لأنه مع تردده جازم بالسفر في الجملة لأنه إما أن يجي‏ء الرفقة فيذهب إلى منتهى المسافة ثمانية فراسخ أو أكثر أو يرجع قبل قصد الإقامة أربعة فراسخ فتصير ثمانية فعلى الوجهين قاطع بالسفر و لا يلزم القطع في جهة واحدة بخلاف ما إذا ذهب أقل من أربعة فراسخ فإنه على تقدير الرجوع لا يصير سفره ثمانية فراسخ فلا يكون قاطعا على المسافة فتفطن

31-  ثواب الأعمال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري عن أحمد بن هلال عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص خياركم الذين إذا سافروا قصروا و أفطروا

 و منه عن ابن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري رفعه إلى أبي عبد الله ع قال من صلى في سفر أربع ركعات متعمدا فأنا إلى الله   عز و جل منه بري‏ء

 المقنع، مرسلا مثله و مثل الخبر السابق

32-  المحاسن، عن أبيه عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار قال قال بعض أصحابنا لأبي عبد الله ع ما بال صلاة المغرب لم يقصر فيها رسول الله ص في السفر و الحضر مع نافلتها قال ع لأن الصلاة كانت ركعتين ركعتين فأضاف رسول الله ص إلى كل ركعتين ركعتين و وضعها عن المسافر و أقر المغرب على وجهها في السفر و الحضر و لم يقصر في ركعتي الفجر أن يكون تمام الصلاة سبع عشرة ركعة في السفر و الحضر

 بيان لعل المعنى أنه لما قصر في المفروضات كان ترك المسنونات المتعلقة بالمفروضات أولى بالوضع و الترك و إنما أبقيت ركعة من المغرب مع ست ركعات نوافل المغرب و الفجر ليوافق سبع عشرة ركعة الفريضة المقررة في الحضر و أما صلاة الليل و الوتيرة فإنها صلوات برأسها لا تعلق لها بالفرائض

33-  المحاسن، عن محمد بن خالد الأشعري عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن حذيفة بن منصور قال سمعت أبا جعفر ع يقول الصلاة في السفر ركعتان بالنهار ليس قبلهما و لا بعدهما شي‏ء

 بيان ليس قبلهما و لا بعدهما أي مما يتعلق بهما فلا ينافي نافلة المغرب و الوتيرة قبل العشاء و بعدها هذا إن أريد بالنهار ما يشمل الليل و الأظهر أن المراد به هنا ما بين طلوع الشمس إلى غروبها كما صرح به في القاموس فلا إشكال فيه

    -34  المحاسن، عن أبيه عن سليمان الجعفري عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال من سافر فعليه التقصير و الإفطار غير الملاح فإنه في بيته و هو يتردد حيث شاء

 و منه عن أبيه عن الجعفري عن موسى بن حمزة بن بزيع قال قلت لأبي الحسن ع جعلت فداك إن لي ضيعة دون بغداد فأقيم في تلك الضيعة أقصر أم أتم قال إن لم تنو المقام عشرا فقصر

35-  فقه الرضا، قال ع اعلم يرحمك الله أن فرض السفر ركعتان إلا الغداة فإن رسول الله ص تركها على حالها في السفر و الحضر و أضاف إلى المغرب ركعة و قد يستحب أن لا تترك نافلة المغرب و هي أربع ركعات في السفر و لا في الحضر و ركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس و ثمان ركعات صلاة الليل و الوتر و ركعتا الفجر فإن لم تقدر على صلاة الليل قضيتها في الوقت الذي يمكنك من ليل أو نهار و من سافر فالتقصير عليه واجب إذا كان سفره ثمانية فراسخ أو بريدين و هو أربعة و عشرون ميلا فإن كان سفرك بريدا واحدا و أردت أن ترجع من يومك قصرت لأنه ذهابك و مجيئك بريدان و إن عزمت على المقام و كان مدة سفرك بريدا واحدا ثم تجدد لك فيه الرجوع من يومك و أقمت فلا تقصر و إن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك و إن كنت مسافرا فدخلت منزل أخيك أتممت الصلاة و الصوم ما دمت عنده لأن منزل أخيك مثل منزلك و إن دخلت مدينة فعزمت على القيامة فيها يوما أو   يومين فدافعتك الأيام و أنت في كل يوم تقول أخرج اليوم أو غدا أفطرت و قصرت و لو كان ثلاثين يوما و إن عزمت على المقام بها حين تدخل مدة عشرة أيام أتممت وقت دخولك و السفر الذي يجب فيه التقصير في الصوم و الصلاة هو سفر في الطاعة مثل الحج و الغزو و الزيارة و قصد الصديق و الأخ و حضور المشاهد و قصد أخيك لقضاء حقه و الخروج إلى ضيعتك أو مال تخاف تلفه أو متجر لا بد منه فإذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير و إن كان غير هذه الوجوه وجب عليك الإتمام و إذا بلغت موضع قصدك من الحج و الزيارة و المشاهد و غير ذلك مما قد بينته لك فقد سقط عنك السفر و وجب عليك الإتمام و قد أروي عن العالم ع أنه قال في أربع مواضع لا يجب أن تقصر إذا قصدت مكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحيرة و سائر الأسفار التي ليست بطاعة مثل طلب الصيد و النزهة و معاونة الظالم و كذلك الملاح و الفلاح و المكاري فلا تقصير في الصلاة و لا في الصوم و إن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار فإن شئت تممت و إن شئت قصرت و إن كان سفرك دون أربع فراسخ فالتمام عليك واجب فإذا دخلت بلدا و نويت المقام بها عشرة أيام فأتم الصلاة و الصوم و إن نويت أقل من عشرة أيام فعليك التقصير و إن لم تدر ما مقامك بها تقول أخرج اليوم و غدا فعليك أن تقصر إلى أن يمضي ثلاثون يوما ثم تتم بعد ذلك و لو صلاة واحدة و متى وجب عليك التقصير في الصلاة أو التمام لزمك في الصوم مثله و إن دخلت قرية و لك بها حصة فأتم الصلاة و إن خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه   و اعلم أن المتمم في السفر كالمقصر في الحضر و لا يحل التمام في السفر إلا لمن كان سفره لله عز و جل معصية أو سفرا إلى صيد و من خرج إلى صيد فعليه التمام إذا كان صيده بطرا و شرها و إذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و التقصير في الصوم و إذا كان صيده اضطرارا ليعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم و لو أن مسافرا ممن يجب عليه مال من طريقه إلى الصيد لوجب عليه التمام لطلب الصيد فإن رجع بصيده إلى الطريق فعليه في رجوعه التقصير و إن كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها و أنت في وقتها فعليك الإعادة و إن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي‏ء عليك و إن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما مضى شي‏ء و لا إعادة عليك إلا أن تكون قد سمعت بالحديث و إن قصرت في قريتك ناسيا ثم ذكرت و أنت في وقتها أو في غير وقتها فعليك قضاء ما فاتك منها و روي أن من صام في مرضه أو في سفره أو أتم الصلاة فعليه القضاء إلا أن يكون جاهلا فيه فليس عليه شي‏ء

 توضيح يدل على ما هو المشهور من رجوع اليوم في أربعة فراسخ و لعله مستند الصدوق و بمجرد هذا الخبر يشكل تخصيص الأخبار الكثيرة المعتبرة قوله و إن كان أكثر من بريد أي بريدان و أكثر قوله ع فدخلت منزل أخيك موافق لمذهب ابن الجنيد و جماعة من العامة و لعله محمول على التقية قوله هو سفر في الطاعة يمكن حمل الطاعة على عدم المعصية فيشمل المباح و المكروه كما هو المشهور. قوله ع سقط عنك السفر أي مع قصد الإقامة و ظاهره الإتمام في جميع المشاهد كما قيل و سيأتي ذكره و النزهة أي النزهة في الصيد أو بسائر المحرمات   و ظاهره عدم القصر في التنزهات المباحة أيضا و لم يقل به ظاهرا أحد و إن كان يومئ إليه بعض الأخبار و الفلاح غير مذكور في غيره و هو محمول على فلاح يكون غالبا في السير كما مر في التاجر و الأمير. قوله ع و لك بها حصة أي من الملك و حمل على الاستيطان كما مر قوله في قريتك أي في وطنك الذي يجب عليك فيه إتمام الصلاة و قوله إلا أن يكون جاهلا بظاهره يشمل السفر و المرض و الأول هو المشهور بين الأصحاب و لم أر قائلا في المرض بذلك

36-  العياشي، عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ع في قوله فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قال الباغي طالب الصيد و العادي السارق ليس لهما أن يقصرا من الصلاة و ليس لهما إذا اضطرا إلى الميتة أن يأكلاها و لا يحل لهما ما يحل للناس إذا اضطروا

37-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه قال قال علي ع جاءت الخضارمة إلى رسول الله ص فقالوا يا رسول الله ص إنا لا نزال ننفر أبدا فكيف نصنع بالصلاة فقال سبحوا ثلاث تسبيحات ركوعا و ثلاث تسبيحات سجودا

 بيان أي لا تقصروا في كيفية الصلاة أيضا كما لا تقصرون في الكمية و يمكن أن يكون تجويزا للتخفيف فالمراد بالتسبيحات الصغريات

38-  كتاب صفين، لنصر بن مزاحم عن عمر بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه ع قال خرج علي ع و هو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة قال فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا   فقال يا أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم فإنا قوم على سفر و من صحبنا فلا يصم المفروض و الصلاة ركعتان

39-  كتاب زيد النرسي، عن أبي عبد الله ع قال سأله بعض أصحابنا عن طلب الصيد و قال له إني رجل ألهو بطلب الصيد و ضرب الصوالج و ألهو بلعب الشطرنج قال فقال أبو عبد الله ع أما الصيد فإنه مبتغى باطل و إنما أحل الله الصيد لمن اضطر إلى الصيد فليس المضطر إلى طلبه سعيه فيه باطلا و يجب عليه التقصير في الصلاة و الصيام جميعا إذا كان مضطرا إلى أكله و إن كان ممن يطلبه للتجارة و ليست له حرفة إلا من طلب الصيد فإن سعيه حق و عليه التمام في الصلاة و الصيام لأن ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور الأسواق في طلب التجارة أو كالمكاري و الملاح و من طلبه لاهيا و أشرا و بطرا فإن سعيه ذلك سعي باطل و سفر باطل و عليه التمام في الصلاة و الصيام و إن المؤمن لفي شغل عن ذلك شغله طلب الآخرة عن الملاهي الحديث

 بيان ما دل عليه الخبر من أن الصائد للتجارة يتم الصلاة و الصوم معا لم أر قائلا به لكن ظاهر الخبر أن الحكم مختص بصائد يكون دائما في السير و الحركة للصيد فيكون بمنزلة التاجر الذي يدور في تجارته فلا يبعد من مذاهب الأصحاب و ظواهر النصوص القول به و قد مر في الخبر تعليل الحكم بأنه عملهم فيشمل التعليل هذا أيضا. و أما الصائد الذي يذهب أحيانا إلى الصيد للتجارة فليس هذا حكمه و يمكن حمله أيضا على ما إذا لم يبلغ المسافة و لم يقصدها أولا كما هو الشائع في الصيد و الغالب فيه و الأول أظهر من الخبر

40-  كتاب الغايات، عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص خيار أمتي الذين إذا سافروا قصروا و أفطروا

    -41  دعائم الإسلام، عن علي ع أنه قال من قصر الصلاة في السفر و أفطر فقد قبل تخفيف الله و كملت صلاته

 و عنه صلوات الله عليه أن رسول الله ص نهى أن تتم الصلاة في السفر

 و عن جعفر بن محمد أنه قال أنا بري‏ء ممن يصلي في السفر أربعا

 و عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه أنه قال من صلى أربعا في السفر أعاد إلا أن يكون لم تقرأ الآية عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه يعني بالآية آية القصر

 و عن جعفر بن محمد ع أنه قال الفرض على المسافر من الصلاة ركعتان في كل صلاة إلا المغرب فإنها غير مقصورة

 و عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال ليس في السفر في النهار صلاة إلا الفريضة و لك فيه أن تصلي إن شئت من أول الليل إلى آخره و لا تدع أن تقضي نافلة النهار في الليل

 و عنه ع أنه قال إذا خرج المسافر إلى سفر يقصر في مثله الصلاة قصر و أفطر إذا خرج من مصره أو قريته

 و عنه ع أنه قال تقصر الصلاة في بريدين ذاهبا و راجعا يعني إذا كان خارجا إلى سفر مسيرة بريد و هو يريد الرجوع قصر و إن كان يريد الإقامة لم يقصر حتى تكون المسافة بريدين

 و عن علي ع أنه قال سمعت رسول الله ص يقول تسعة لا يقصرون الصلاة الأمير يدور في إمارته و الجابي يدور في جبايته و صاحب الصيد و المحارب يعني قاطع الطريق و الباغي على المسلمين و السارق و أمثالهم و التاجر يدور في تجارته و البدوي يدور في طلب القطر و الزراع فكل هؤلاء المراد فيهم إذا   كانوا يدورون من موضع إلى موضع لا يجدون في السفر

 و كذلك روينا عن جعفر بن محمد ع أنه قال في المكاري و الملاح و هو النوتي لا يقصران لأن ذلك دأبهما و كذلك المسافر إلى أرضين له بعضها قريب من بعض فيكون يوما هاهنا و يوما هاهنا فقال ع في هذا أيضا إنه لا يقصر و كذلك قال في المسافر ينزل في بعض أسفاره على أهله لا يقصر

 و عن أبي جعفر و أبي عبد الله صلوات الله عليهما أنهما قالا إذا نزل المسافر مكانا ينوي فيه مقام عشرة أيام صام و أتم الصلاة و إن نوى مقام أقل من ذلك قصر و أفطر و هو في حال المسافر و إن لم ينو شيئا و قال اليوم أخرج و غدا أخرج قصر ما بينه و بين شهر ثم أتم و قال لا ينبغي للمسافر أن يصلي بمقيم و لا يأتم به فإن فعل فأم المقيمين سلم من ركعتين و أتموا هم و إن ائتم بمقيم انصرف من ركعتين

 و عن جعفر بن محمد أنه قال من نسي صلاة في السفر فذكرها في الحضر قضى صلاة مسافر و إن نسي صلاة في الحضر فذكرها في السفر قضاها صلاة مقيم

 و عن رسول الله ص و عن علي و محمد بن علي بن الحسين و جعفر بن محمد ع أنهم رخصوا للمسافر أن يصلي النافلة على دابته أو بعيره حيثما توجه للقبلة أو لغير القبلة و تكون صلاته إيماء و يجعل السجود أخفض من الركوع فإذا كانت الفريضة لم يصل إلا على الأرض متوجها إلى القبلة و العامة أيضا على هذا و قالوا في قول الله عز و جل فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ في هذا نزل أي في صلاة النافلة على الدابة حيثما توجهت

    و روينا عن جعفر بن محمد ع أنه قال من صلى في السفينة و هي تدور فليتوجه إلى القبلة فإن دارت به دار إلى القبلة بوجهه و إن لم يستطع أن يصلي قائما صلى جالسا و يسجد إن شاء على الزفت

 و عنه ع أنه نهى عن الصلاة على جادة الطريق

 و عنه ع أنه قال في الغريق و حائض الماء يصليان إيماء و كذلك العريان إذا لم يجد ثوبا يصلي فيه صلى جالسا و يومئ إيماء

 بيان و لا تدع أن تقضي يدل على استحباب قضاء نوافل النهار بالليل و هو خلاف المشهور

 و قد ورد في عدة روايات كصحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله ع أقضي صلاة النهار بالليل في السفر فقال نعم فقال له إسماعيل بن جابر أقضي صلاة النهار بالليل في السفر فقال لا فقال إنك قلت نعم فقال إن ذلك يطيق و أنت لا تطيق

و في حسنة سدير كان أبي يقضي في السفر نوافل النهار بالليل و لا يتم صلاة فريضة و يعارضها روايات دالة على المنع و الشيخ حمل الروايات الأولة تارة على الجواز و أخرى على من سافر بعد دخول الوقت و الأظهر عندي حملها على التقية كما يومئ إليه الأخبار. و النوتي بالضم الملاح قال في النهاية النوتي الملاح الذي يدير السفينة في البحر و قد نات ينوت نوتا إذا تمايل في النعاس كأن النوتي يميل السفينة من جانب إلى جانب

42-  الهداية، الحد الذي يوجب التقصير على المسافر أن يكون سفره ثمانية فراسخ فإذا كان سفره أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار فإن شاء أتم و إن شاء قصر و إن أراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب و المتم في السفر كالمقصر في الحضر قال النبي ص من صلى في السفر أربعا متعمدا فأنا إلى   الله منه بري‏ء و لا يحل التمام في السفر إلا لمن كان سفره لله عز و جل معصية أو سفرا إلى صيد يكون بطرا أو أشرا فأما الذي يجب عليه الإتمام في الصلاة و الصوم في السفر فالمكاري و الكري و البريد و الراعي و الملاح لأنه عملهم و صاحب الصيد إن كان صيده ما يقوت به عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم

43-  الخصال، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن موسى المروزي عن أبي الحسن الأول ع قال قال رسول الله ص أربع يفسدن القلب و ينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر اللهو و البذاء و إتيان باب السلطان و طلب الصيد

 بيان الظاهر أن المراد بالصيد صيد اللهو و ظاهر الأخبار تحريمه كما هو ظاهر أكثر الأصحاب و يحتمل كونه مكروها و لكونه لغوا لا فائدة فيه لا يوجب قصر الصلاة و الصوم و الأول أظهر

 

مواضع التخيير

 

1-  كامل الزيارة، عن أبيه عن سعد بن عبد الله قال سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلوات في هذه المشاهد مكة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين الأربعة و   الذي روي فيها فقال أنا أقصر و كان صفوان يقصر و ابن أبي عمير و جميع   أصحابنا يقصرون

 و منه عن أبيه و محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسن بن متيل عن سهل بن زياد الآدمي عن محمد بن عبد الله عن صالح بن عقبة عن أبي شبل قال قلت لأبي عبد الله ع أزور قبر الحسين قال زر الطيب و أتم الصلاة عنده قلت أتم الصلاة عنده قال أتم قلت بعض أصحابنا يروي التقصير قال إنما يفعل ذلك الضعفة

 و منه عن الكليني عن جماعة مشايخه عن سهل بإسناده مثله

 و عنه عن أبي عبد الرحمن محمد بن أحمد العسكري عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن علي بن الحسن بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن رجل من أصحابنا يقال له حسين عن أبي عبد الله ع قال تتم الصلاة في ثلاثة مواطن في المسجد الحرام و مسجد الرسول ص و عند قبر الحسين ع

 و منه عن أبيه و أخيه و علي بن الحسين عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن عبد الملك القمي عن إسماعيل بن جابر عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله ع قال تتم الصلاة في أربعة مواطن في المسجد الحرام و مسجد الرسول ص و مسجد الكوفة و حرم الحسين ع

    المتهجد، عن إسماعيل بن جابر مثله

2-  الكامل، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحير

 قال ابن قولويه و زاده الحسين بن أحمد بن المغيرة عقيب هذا الحديث في هذا الباب بما أخبره به حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي بإجازته بخطه اجتيازه علينا للحج عن أبي النضر محمد بن مسعود العياشي عن علي بن محمد عن محمد بن أحمد عن الحسن بن علي بن النعمان عن محمد بن خالد البرقي و علي بن مهزيار و أبي علي بن راشد جميعا عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله ع أنه قال من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن حرم الله و حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين ع

 و منه عن محمد بن همام بن سهيل عن الفزاري عن محمد بن حمدان المدائني عن زياد القندي قال قال أبو الحسن موسى ع أحب لك ما أحب لنفسي أتم الصلاة في الحرمين و بالكوفة و عند قبر الحسين

 المتهجد، عن زياد القندي مثله و فيه بعد قوله ما أحب لنفسي و أكره لك ما أكره لنفسي

3-  الكامل، عن علي بن حاتم القزويني عن محمد بن أبي عبد الله الأسدي   عن القاسم بن الربيع الصحاف عن عمرو بن عثمان عن عمرو بن مرزوق قال سألت أبا الحسن ع عن الصلاة في الحرمين و عند قبر الحسين ع قال أتم الصلاة فيها

 و منه عن الكليني و جماعة مشايخه عن محمد العطار عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عمن سمع أبا عبد الله ع يقول تتم الصلاة في المسجد الحرام و مسجد الرسول و مسجد الكوفة و حرم الحسين ع

 المتهجد، عن حذيفة مثله ثم قال و في خبر آخر في حرم الله و حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين

4-  الكامل، عن الحسين بن أحمد بن المغيرة عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن إسماعيل عن محمد بن عمرو عن فائد الخياط عن أبي الحسن الماضي ع قال سألته عن الصلاة في الحرمين فقال أتم و لو مررت به مارا

 و منه بالإسناد عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن أبي زاهر عن محمد بن الحسين الزيات عن حسين بن عمران عن عمران قال قلت لأبي الحسن ع أقصر في مسجد الحرام أو أتم قال إن قصرت فلك و إن أتممت فهو خير و زيادة في الخير خير

 و منه عن أبيه و محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة قال سألت العبد الصالح عن زيارة قبر الحسين ع فقال ما أحب لك تركه قلت ما ترى   في الصلاة عنده و أنا مقصر قال صل في المسجد الحرام ما شئت تطوعا و في مسجد الرسول ما شئت تطوعا و عند قبر الحسين فإني أحب ذلك قال و سألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين و مشهد النبي ص تطوعا و في مسجد الكوفة فقال نعم ما قدرت عليه

 و منه عن جعفر بن محمد بن إبراهيم عن عبيد الله بن نهيك عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن ع قال سألته عن التطوع عند قبر الحسين ع و بمكة و المدينة و أنا مقصر قال تطوع عنده و أنت مقصر ما شئت و في المسجد الحرام و في مسجد الرسول و في مشاهد النبي فإنه خير

 و منه عن علي بن الحسين عن علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير و إبراهيم بن عبد الحميد جميعا عن أبي الحسن ع مثله و منه عن أبيه عن سعد عن الخشاب عن جعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن ع مثله

 و منه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن إسماعيل عن صفوان عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن ع قال سألته عن التطوع عند قبر الحسين و مشاهد النبي ص و الحرمين و التطوع فيهن بالصلاة و نحن مقصرون قال نعم تطوع ما قدرت عليه فهو خير

 و منه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن ع جعلت فداك أتنفل في الحرمين و عند قبر الحسين بن علي و أنا أقصر قال نعم ما قدرت عليه

 و منه عن أبيه و محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين   بن سعيد عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي إبراهيم ع قال سألته عن التطوع عند قبر الحسين و مشاهد النبي ص و الحرمين في الصلاة و نحن مقصر قال نعم تطوع ما قدرت عليه

5-  العلل، عن محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله ع مكة و المدينة كسائر البلدان قال نعم قلت روى عنك بعض أصحابنا أنك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس فقال إن أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته

6-  الكامل، عن الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع في وصف زيارة الحسين ع إلى أن قال ثم اجعل القبر بين يديك و صل ما بدا لك و كلما دخلت الحائر فسلم ثم امش حتى تضع يديك و خديك جميعا على القبر فإذا أردت أن تخرج فاصنع مثل ذلك و لا تقصر عنده من الصلاة ما أقمت الحديث

 و منه عن علي بن محمد بن يعقوب الكسائي عن علي بن الحسن بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى قال سألت أبا عبد الله ع عن الصلاة في الحائر قال ليس الصلاة إلا الفرض بالتقصير و لا يصلي النوافل

7-  قرب الإسناد، عن الحسن بن علي بن النعمان عن عثمان بن عيسى قال سألت أبا الحسن موسى ع عن إتمام الصلاة في الحرمين مكة و المدينة قال   أتم الصلاة و لو صلاة واحدة

 و منه عن عبد الله بن عامر عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صالح بن عبد الله الخثعمي قال كتبت إلى أبي الحسن موسى ع أسأله عن الصلاة في المسجدين أقصر أو أتم فكتب إلي أي ذلك فعلت فلا بأس قال و كتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها و تكشف بين يديه قال فلم يجبني فيها قال فسألت أبا الحسن الرضا ع عنها مشافهة فأجابني بمثل ما أجابني أبوه إلا أنه قال في الصلاة قصر

8-  العيون، عن جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا ع عن الصلاة بمكة و المدينة تقصير أو تمام فقال قصر ما لم تعزم على مقام عشرة

9-  الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن علي بن النعمان عن محمد بن خالد البرقي عن علي بن مهزيار و أبي علي بن راشد عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله ع قال من مخزون علم الله عز و جل الإتمام في أربعة مواطن حرم الله عز و جل و حرم رسوله ص و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين ع

 قال الصدوق رحمه الله يعني أن ينوي الإنسان في حرمهم ع مقام عشرة أيام و يتم و لا ينوي مقام دون عشرة أيام فيقصر و ليس له ما يقوله غير أهل الاستبصار بشي‏ء أنه يتم في هذه المواضع على كل حال

    -10  قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن رجل قدم مكة قبل التروية بأيام كيف يصلي إذا كان وحده أو مع إمام فيتم أو يقصر قال يقصر إلا أن يقيم عشرة أيام قبل التروية قال و سألته عن الرجل كيف يصلي بأصحابه بمنى أ يقصر أم يتم قال إن كان من أهل مكة أتم و إن كان مسافرا قصر على كل حال مع الإمام أو غيره

تنقيح و توضيح

 اعلم أن الأصحاب اختلفوا في حكم الصلاة في المواطن الأربعة حرم الله و حرم رسوله و مسجد الكوفة و حائر الحسين ع فذهب الأكثر إلى أن المسافر مخير بين الإتمام و القصر و إن الإتمام أفضل و قال الصدوق يقصر ما لم ينو المقام عشرة و الأفضل أن ينوي المقام بها ليوقع صلاته تماما كما مر. و قال السيد المرتضى لا يقصر في مكة و مسجد النبي ص و مشاهد الأئمة القائمين مقامه ص و هذه العبارة تفيد منع التقصير و عموم الحكم في مشاهد الأئمة و نحوه قال ابن الجنيد و الأول أظهر لما مر من الأخبار الكثيرة الدالة على الإتمام جمعا بينها و بين ما ورد في التقصير و التخيير.  

 و يدل عليه صحيحة علي بن مهزيار قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني ع الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين و منها أن يأمر بأن يتم الصلاة و لو صلاة واحدة و منها أن يأمر أن يقصر الصلاة ما لم ينو مقام عشرة أيام و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا فإن فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة فقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك فكتب بخطه قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما فأنا أحب لك إذا دخلتهما ألا تقصر و تكثر فيهما من الصلاة فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة إني كتبت إليك بكذا فأجبت بكذا فقال نعم فقلت أي شي‏ء تعني بالحرمين فقال مكة و المدينة و منى إذا توجهت من منى فقصر الصلاة فإذا انصرفت من عرفات إلى منى و زرت البيت و رجعت إلى منى فأتم الصلاة تلك الثلاثة الأيام و قال بإصبعه ثلاثا

و أما حديث أيوب بن نوح فلا ينافي التخيير فإنهم اختاروا هذا الفرد و أما حديث أبي شبل و قوله إنما يفعل ذلك الضعفة فيحتمل أن يكون المراد به الضعفة في الدين الجاهلين بالأحكام أو من له ضعف لا يمكنه الإتمام أو يشق عليه فيختار الأسهل و إن كان مرجوحا و الوجه الأخير يؤيد ما اخترنا و هو أظهر و الأول لا ينافيه إذ يمكن أن يكون الضعف في الدين باعتبار اختيار المرجوح و الأخبار المشتملة على الأمر بالإتمام محمولة على الاستحباب و خبر عمران صريح فيما ذكرنا. و أما حديث معاوية بن وهب و إن كان فيه إيماء إلى أن الأمر بالإتمام محمول على التقية

 لكن يعارضه ما رواه الشيخ بسند لا يقصر عن الصحيح عن عبد الرحمن   بن الحجاج قال قلت لأبي الحسن ع إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين و ذلك من أجل الناس قال لا كنت أنا و من مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة و استترنا من الناس

فإن ظاهره أن ما ورد من الأمر بالتقصير محمول على التقية كما ذكره الفاضل التستري قدس الله سره.

 و روى الشيخ خبر معاوية بن وهب بسند صحيح هكذا قال سألت أبا عبد الله ع عن التقصير في الحرمين و التمام قال لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام فقلت إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام فقال إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون و يأخذون نعالهم و يخرجون و الناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام

ثم قال فالوجه في هذا الخبر أنه لا يجب التمام إلا على من أجمع على مقام عشرة أيام و متى لم يجمع على ذلك كان مخيرا بين الإتمام و التقصير و يكون قوله لمن كان يخرج عند الصلاة من المسجد و لا يصلي مع الناس أمرا على الوجوب و لا يجوز تركه لمن هذا سبيله لأن فيه رفعا للتقية و إغراء للنفس و تشنيعا على المذهب. و أما خبر العلل فيمكن حمله على أن المراد أنهما كسائر البلدان في جواز القصر بالمعنى الأعم و أما الخمس المذكور فيه فليس المراد به خصوص الخمس بل الأصحاب سألوه عن الخمس فأجابهم بذلك. و أما حديث عبد الرحمن فيحتاج إلى شرح و بيان قوله و ذلك من أجل الناس يمكن أن يقرأ بتشديد اللام أي كان هشام من أجل الناس و أعظمهم و هو لا يكذب عليك أو ليس ممن تتقي منهم أو بالتخفيف و هو أظهر أي كان يقول هشام إن الأمر بالإتمام للتقية من المخالفين. أو يكون استفهاما أي هل أمرته بذلك للتقية فقال ع لا ليس ذلك   للتقية بل أنا و آبائي كنا إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة مع استتارنا عن الناس أيضا لا أن الاستتار كان لأجل الإتمام بل الإتمام أوفق لما ذهب إليه أكثرهم من التخيير في السفر مطلقا مع أفضلية الإتمام. و يمكن أن يكون الاستتار لئلا يحتجوا على الشيعة بفعلهم ع أو لئلا يصير سببا لرسوخهم في الباطل أو لئلا يصير سببا لمزيد تشنيعهم على الأئمة لأن الفرق بين المواضع كان أغرب عندهم من الحكم بالتقصير مطلقا لأن هذا القول موجود بينهم و لعله لأحد هذه الوجوه قالوا إنه من الأمر المذخور مع أنه يحتمل أن يكون المراد أنه حجب عنهم هذا العلم هكذا حقق المقام و لا تصغ إلى ما ذهب إليه بعض الأوهام. و أما خبر الساباطي و الخثعمي و ابن بزيع فمع ضعف أسانيدها قابلة للتأويل و تأويل الصدوق رحمه الله مع بعده لا يجري في كثير منها و اشتهار الحكم بين القدماء و المتأخرين مما يؤيد العمل به. و ينبغي التنبيه لأمور الأول المستفاد من الأخبار الكثيرة جواز الإتمام في مكة و المدينة و إن وقعت الصلاة خارج المسجد و هو المشهور بين الأصحاب و خص ابن إدريس الحكم بالمسجدين أخذا بالمتيقن المجمع عليه و من رأينا كلامه إنما صرح بالخلاف بين البلدين و ظاهر بعض الأخبار شمول الحكم لمجموع الحرمين و هما أعم من البلدين. و الأصحاب استدلوا على البلدين بتلك الأخبار و ربما يومئ كلام بعضهم إلى كون المراد بالبلدين مجموع الحرمين و قال في البيان و في المعتبر الحرمان كمسجديهما بخلاف الكوفة مع أن عبارة المعتبر كعبارات سائر الأصحاب. و قال الشيخ في النهاية و يستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر على ساكنه السلام و قد رويت رواية بلفظة أخرى   و هو أن يتم الصلاة في حرم الله و في حرم رسوله و في حرم أمير المؤمنين ع و في حرم الحسين ع فعلى هذه الرواية جاز الإتمام خارج المسجد بالكوفة و على الرواية الأولى لم يجز إلا في نفس المسجد انتهى. و كأنهم حملوا الحرم على البلد أو أطلقوا البلد على الحرم مجازا و الأول أظهر و ظاهر عبارة الشيخ في التهذيب عموم الحرمين حيث قال و يستحب إتمام الصلاة في الحرمين فإن فيه فضلا كثيرا ثم قال و من حصل بعرفات فلا يجوز له الإتمام على حال و قد ورد في بعض الروايات الإتمام في خصوص منى و نقل في الدروس عن ابن الجنيد أنه قال روي عن أبي جعفر ع الإتمام في الثلاثة الأيام بمنى للحاج و أرى ذلك إذا نوى مقام خمسة أيام أولها أيام منى قال الشهيد و هو شاذ. أقول لعله أشار بهذه الرواية إلى صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة و ظاهرها أن خصوص منى داخل في الحكم و لعله لكونها من توابع مكة و يمكن أن يكون لدخلوها في الحرم و يكون المعتبر مطلق الحرم فالمراد بمكة و المدينة حرمهما بحذف المضاف أو تسمية للكل باسم الجزء الأشرف. فإن قيل فالمشعر أيضا من الحرم قلنا يمكن أن يكون عدم ذكر المشعر لأن ما يقع فيه ثلاث صلاة يقصر في واحدة منهن و هذه يدخل وقتها قبل دخول الحرم فلذا لا يتمها اعتبارا بحال الوجوب كما مر كذا خطر بالبال في توجيه الخبر لكن الظاهر من الخبر عدم العموم و بالجملة الحكم في غير البلدين مشكل و لعل الأظهر فيها القصر لاحتمال كون المراد بالحرمين البلدين

 فقد روي عن الصادق ع أنه قال مكة حرم الله و حرم رسوله و حرم علي بن أبي طالب و المدينة حرم الله و حرم رسوله و حرم علي بن أبي طالب و الكوفة حرم الله و حرم رسوله و حرم علي بن أبي طالب ع

و الظاهر شمول الحكم لمجموع البلدين   و عدم اختصاصه بالمسجدين و التخصيص في بعض الأخبار بالمسجدين لشرافتهما و لشيوع وقوع الصلاة فيهما و أما التفصيل الوارد في خبر علي بن جعفر في الصلاة بمنى بأنه إن كان من أهل مكة أتم و إلا فلا فالحكم في غير أهل مكة يدل على شمول حكم التخيير لمجموع الحرم و أما حكم أهل مكة فيمكن أن يكون للتقية كما يظهر من الأخبار أن المخالفين لم يكونوا يعدون الذهاب إلى عرفات سفرا أو يكون مبنيا على القول باشتراط رجوع اليوم و حمله على من لم يذهب إلى عرفات بعيد و الأظهر عندي حمله على الأيام التي يكون بمنى بعد الرجوع عن مكة فإنه لما رجع إلى مكة للزيارة انقطع سفره و بعد العود لا يقصد مسافة لأنه لا يتعدى عن منى فيتم بخلاف غير أهل مكة فإنه مسافر ذهابا و عودا فتفطن. الثاني ذكر الشيخ أنه إذا ثبت الحكم في الحرمين من غير اختصاص بالمسجد يكون الحكم كذلك في الكوفة لعدم القائل بالفصل و خص الحكم بن إدريس بالمسجد أخذا بالمتيقن و الروايات ورد بعضها بلفظ حرم أمير المؤمنين ع و حرم الحسين ع و بعضها بالكوفة و في الأول إجمال و قد مر أن الكوفة حرم علي بن أبي طالب ع. و الظاهر أن النجف على ساكنه السلام غير داخل في الكوفة و الشيخ في   المبسوط عدى الحكم إليه أيضا حيث قال و يستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر على ساكنه السلام و قد روي الإتمام في حرم الله و حرم الرسول و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين ع فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام خارج مسجد الكوفة و بالنجف انتهى. و كأنه نظر إلى أن حرم أمير المؤمنين ع ما صار محترما بسببه و احترام الغري به ع أكثر من غيره و لا يخلو من وجه و يومئ إليه بعض الأخبار و الأحوط في غير المسجد اختيار القصر. و قال المحقق في المعتبر ينبغي تنزيل حرم أمير المؤمنين ع على مسجد الكوفة خاصة أخذا بالمتيقن و أما الحائر فظاهر أكثر الأصحاب اختصاص الحكم به. و حكى في الذكرى عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أنه حكم في كتاب له في السفر بالتخيير في البلدان الأربعة حتى الحائر المقدس لورود الحديث بحرم الحسين ع و قدر بخمسة فراسخ و بأربعة و بفرسخ قال و الكل حرم و إن تفاوتت في الفضيلة و هو غير بعيد

 لما رواه الشيخ و الكليني بسند فيه   ضعف عن أبي عبد الله ع قال إذا أتيت أبا عبد الله ع فاغتسل على شاطئ الفرات و البس ثيابك الطاهرة ثم امش حافيا فإنك في حرم من حرم الله و حرم رسوله الخبر

 و بسند مرسل عنه ع قال حرم الحسين ع فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر

 و بسند ضعيف آخر عنه ع قال حريم قبر الحسين ع خمسة فراسخ من أربعة جوانبه

و الأحوط إيقاع الصلاة في الحائر و إذا أوقعها في غيره فيختار القصر. و أما حد الحائر فقال ابن إدريس المراد به ما دار سور المشهد و المسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه لأن ذلك هو الحائر حقيقة لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء و قد ذكر ذلك شيخنا المفيد في الإرشاد لما ذكر من قتل مع الحسين من أهله و الحائر يحيط بهم إلا العباس رحمة الله عليه فإنه قتل على المسناة و احتج عليه بالاحتياط لأنه المجمع عليه و ذكر الشهيدان في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل بإطلاقه على قبر الحسين ع ليعفيه فكان لا يبلغه انتهى. و أقول ذهب بعضهم إلى أن الحائر مجموع الصحن المقدس و بعضهم إلى أنه القبة السامية و بعضهم إلى أنه الروضة المقدسة و ما أحاط به من العمارات القديمة من الرواق و المقتل و الخزانة و غيرها و الأظهر عندي أنه مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في الدولة العلية الصفوية شيد الله أركانهم. و الذي ظهر لي من القرائن و سمعت من مشايخ تلك البلاد الشريفة أنه لم يتغير الصحن من جهة القبلة و لا من اليمين و لا من الشمال بل إنما زيد من خلاف جهة القبلة و كل ما انخفض من الصحن و ما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم   و ما ارتفع منه فهو خارج عنه و لعلهم إنما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد و التعليل المنقول عن ابن إدريس ره منطبق على هذا و في شموله لحجرات الصحن من الجهات الثلاثة إشكال.

 و يدل على أن سعة الحائر أكثر من الروضة المقدسة و العمارات المتصلة بها من الجهات الثلاثة ما رواه ابن قولويه بسند حسن عن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله ع قال إذا دخلت الحير و في بعض النسخ الحائر فقل و ذكر الدعاء ثم تمشي قليلا و تكبر سبع تكبيرات ثم تقوم بحيال القبر و تقول إلى أن قال ثم تمشي قليلا و تقول إلى قوله و ترفع يديك و تضعهما على القبر

 و عن ثوير بن أبي فاختة عن أبي عبد الله ع في وصف زيارته حتى تصير إلى باب الحائر أو الحير ثم قل إلى أن قال ثم اخط عشر خطا ثم قف فكبر ثلاثين تكبيرة ثم امش حتى تأتيه من قبل وجهه

 و عن أبي حمزة الثمالي بسند معتبر عن أبي عبد الله ع في وصف زيارة الحسين ع ثم ادخل الحير أو الحائر و قل إلى قوله ثم امش قليلا و قل إلى قوله ثم امش و قصر خطاك حتى تستقبل القبر ثم تدنو قليلا من القبر و تقول إلى آخر الخبر

فهذه الأخبار و غيرها مما سيأتي في كتاب المزار إن شاء الله تعالى تدل على نوع سعة في الحائر. الثالث الظاهر أن الحكم بالتخيير للمسافر إنما وقع في الصلاة خاصة   في النصوص و فتاوي الأصحاب و أما الصوم فلا يشرع في هذه الأماكن للأدلة على وجوب الإفطار على المسافر من غير معارض و قد يقال إن مفهوم صحيحة معاوية بن وهب حيث قال فيها إذا قصرت أفطرت يقتضي جواز الصوم مضافا إلى موثقة عثمان بن عيسى قال سألت أبا الحسن ع عن إتمام الصلاة و الصيام في الحرمين قال أتمهما و لو صلاة واحدة. و الجواب عن الأول أنه يمكن أن يكون المراد به القصر على الحتم كما هو الغالب فيه مع أن في عمومه للقوم كلاما و على تقدير ثبوته يشكل تخصيص الآية و الأخبار الكثيرة به مع خلو سائر الأخبار الواردة في التخيير عن ذكر الصوم. و أما موثقة عثمان ففي النسخ التي عندنا أتمها و هو يدل على نفي الصوم و يؤيده قوله و لو صلاة واحدة و إنها قد مرت برواية الحميري و لم يكن فيها ذكر الصوم أصلا مع أنه لا يعلم قائل به أيضا. الرابع صرح المحقق في المعتبر بأنه لا يعتبر في الصلاة الواقعة في هذه الأماكن التعرض لنية القصر أو الإتمام و أنه لا يتعين أحدهما بالنسبة إليه فيجوز لمن نوى الإتمام القصر و لمن نوى التقصير الإتمام و هو حسن. الخامس الأظهر جواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن كما صرح في الذكرى للتحريص و الترغيب على كثرة الصلاة فيها و لما مر من الأخبار و الظاهر عدم الفرق بين اختياره القصر أو الإتمام. السادس الأظهر جواز الإتمام في هذه الأماكن و إن كانت الذمة مشغولة بواجب و نقل العلامة عن والده المنع و هو ضعيف.   السابع الظاهر بقاء التخيير في قضاء ما فاتته في هذه الأمكنة و إن لم يقض فيها لعموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته و يحتمل تعيين القصر و هو أحوط كما مر و الظاهر عدم التخيير في القضاء فيها إذا فاتته في غيرها. الثامن لو ضاق الوقت إلا عن أربع فقيل بوجوب القصر فيهما لتقع الصلاتان في الوقت و قيل بجواز الإتمام في العصر لعموم من أدرك ركعة و قيل بجواز الإتيان بالعصر تماما في الوقت و قضاء الظهر و الأول أحوط بل أظهر. التاسع ألحق ابن الجنيد و المرتضى بهذه الأماكن جميع مشاهد الأئمة ع كما عرفت قال في الذكرى و لم نقف لهما على مأخذ في ذلك و القياس عندنا باطل. أقول قد مر في فقه الرضا ع إيماء إليه و لا يمكن التعويل عليه في ذلك. العاشر

 روى الشيخ رواية ابن بزيع المنقول عن العيون بسند صحيح ثم روى بسند ضعيف عن علي بن حديد قال سألت الرضا ع فقلت إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر و بعضهم يتم و أنا ممن يتم على رواية قد رواها أصحابنا في التمام و ذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم فقال رحم الله ابن جندب ثم قال لا يكون الإتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام و صل النوافل ما شئت قال ابن حديد و كان محبتي أن يأمرني بالإتمام

ثم أولهما بوجهين أحدهما أنه ع نفى الإتمام على سبيل الحتم و الوجوب كما مر. ثم قال و يحتمل هذان الخبران وجها آخر و هو المعتمد عندي و هو أن من حصل بالحرمين ينبغي له أن يعزم على مقام عشرة أيام و يتم الصلاة فيهما و إن كان   يعلم أنه لا يقيم أو يكون في عزمه الخروج من الغد و يكون هذا مما يختص به هذان الموضعان و يتميزان به عن سائر البلاد لأن سائر المواضع متى عزم الإنسان فيها على المقام عشرة أيام وجب عليه الإتمام و متى كان دون ذلك وجب عليه التقصير.

 و الذي يكشف عن هذا المعنى ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن مهزيار عن محمد بن إبراهيم الحضيني قال استأمرت أبا جعفر ع في الإتمام و التقصير قال إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتم الصلاة فقلت له إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة قال انو مقام عشرة أيام و أتم الصلاة

و أقول هذا غريب إذ ظاهر كلامه قدس سره أنه يعزم على إقامة العشرة و إن علم الخروج قبل ذلك و لا يخفى أن هذا العلم ينافي ذلك العزم إلا أن يقال أراد بالعزم محض الإخطار بالبال و لا يخفى ما فيه. و أما الخبر فيمكن أن يكون المراد به العزم على العشرة متفرقا قبل الخروج إلى عرفات و بعده و يكون هذا من خصائص هذا الموضع أو العزم على الإقامة في مكة و نواحيها إلى عرفات و يمكن أن لا يكون هذا من الخصائص و إن كان خلاف المشهور كما عرفت سابقا و يمكن حمل كلام الشيخ على أحد هذين المعنيين و إن كان بعيدا.

   فائدة غريبة

 قال في الذكرى قال الشيخ فرض السفر لا يسمى قصرا لأن فرض المسافر مخالف لفرض الحاضر و يشكل بقوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ و بعض الأصحاب سماها بذلك قيل و هو نزاع لفظي. أقول لعل الشيخ إنما منع من التسمية بذلك لئلا يتوهم المخالفون أن الصلاة المقصورة ناقصة في الفضل أو منع من التسمية به مع قصد هذا المعنى

 

صلاة الخوف و أقسامها و أحكامها

 

 الآيات البقرة فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ النساء وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً تفسير فَإِنْ خِفْتُمْ أي عدوا أو سبعا أو غرقا و نحوها فلم تتمكنوا أن تحافظوا عليها و توفوا حقها فتأتوا بها تامة الأفعال و الشروط فَرِجالًا جمع راجل مثل تجار   و صحاب و قيام و هو الكائن على رجله واقفا كان أو ماشيا أي فصلوا حالكونكم رجالا و قيل مشاة أَوْ رُكْباناً جمع راكب كالفرسان و كل شي‏ء علا شيئا فقد ركبه أي أو على ظهور دوابكم أي تراعون فيها دفع ما تخافون فلا ترتكبون ما به تخافون بل تأتون بها على حسب أحوالكم بما لا تخافون به واقفين أو ماشين أو راكبين إلى القبلة أو غيرها بالقيام و الركوع و السجود أو بالإيماء أو بالنية و التكبير و التشهد و التسليم. و يروى أن عليا ع صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالإيماء و قيل بالتكبير و أن النبي ص صلى ليلة الأحزاب إيماء و بالجملة فيها إشارة إلى صلاة الخوف إجمالا. فَإِذا أَمِنْتُمْ بزوال خوفكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ أي فصلوا كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ من صلاة الأمن و قيل اذكروا الله بالثناء عليه و الحمد له شكرا على الأمن و الخلاص من الخوف و العدو كما أحسن إليكم و علمكم ما لم تكونوا تعلمون من الشرائع و كيف تصلون في حال الأمن و حال الخوف أو شكرا يوازي نعمه و تعليمه. فَإِنْ خِفْتُمْ يدل على أن الخوف موجب للقصر في الجملة و قد سبق تفسيره في باب القصر في السفر و احتج الأصحاب بهذه الآية على وجوب القصر للخوف بأنه ليس المراد بالضرب سفر القصر و إلا لم يكن في التقييد بالخوف فائدة و أجيب بأن حمل الضرب في الأرض على غير سفر القصر عدول عن الظاهر مع أنه غير نافع لأن مجرد الخوف كاف في القصر على قولهم من غير توقف على الضرب في الأرض و قد مر الوجه في التقييد بالخوف. ثم إنه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب التقصير في صلاة الخوف في السفر و إنما اختلفوا في وجوب تقصيرها إذا وقعت في الحضر فذهب الأكثر منهم المرتضى و الشيخ في الخلاف و الأبناء الأربعة إلى وجوب التقصير سفرا و حضرا جماعة و   فرادى و قال الشيخ في المبسوط إنما يقصر في الحضر بشرط الجماعة و نسبه الشهيد إلى ظاهر جماعة من الأصحاب و حكى الشيخ و المحقق قولا بأنها إنما تقصر في السفر خاصة و المشهور لعله أقوى لصحيحة زرارة. ثم المشهور أن هذا التقصير كتقصير المسافر برد الرباعية إلى الركعتين و إبقاء الثلاثية و الثنائية على حالهما و يدل عليه الأخبار المستفيضة المتضمنة لكيفية صلاة الخوف و قيل ترد الركعتان إلى ركعة كما مر أنه ذهب إليه ابن الجنيد من علمائنا و كثير من العامة و يدل عليه بعض الأخبار و لعلها محمولة على التقية أو على أن كل طائفة إنما تصلي مع الإمام ركعة. وَ إِذا كُنْتَ يا محمد فِيهِمْ يعني في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم أو الأعم فيشمل الحضر كما ذكره الأكثر فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ بحدودها و ركوعها و سجودها أو بأن تؤمهم فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ في صلاتك و ليكن سائرهم في وجه العدو فلم يذكر ما ينبغي أن تفعله الطائفة غير المصلية لدلالة الكلام عليه. وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ أي الطائفة المصلية لظاهر السياق فيأخذون من السلاح ما لا يمنع واجبا في الصلاة كالسيف و الخنجر و السكين و نحوها إلا مع الضرورة

    فمطلقا وجوبا لظاهر الأمر و لتعليق نفي الجناح فيما سيأتي بشرط الأذى فتثبت مع عدمه و هو المشهور بين الأصحاب و قال ابن الجنيد يستحب و تردد في المعتبر و النافع و حمله ابن الجنيد على الإرشاد و فيه عدول عن الظاهر بناء على كون الأمر للوجوب من غير دليل. و هل يختص الوجوب بالمصلين فيه قولان و روى ابن عباس أن المأمور بأخذ السلاح هم المقاتلة و هو خلاف الظاهر بل الظاهر إما التعميم أو التخصيص بالمصلين كما قلنا أولا بناء على أن أخذ السلاح للفرقة الأولى أمر معلوم لا يحتاج إلى البيان. و على القول بوجوب أخذ السلاح على المصلين لا تبطل الصلاة بتركه على المشهور لكون النهي متعلقا بأمر خارج عن حقيقة الصلاة و النجاسة الكائنة على السلاح غير مانع من أخذه على المشهور و قيل لا يجوز أخذه حينئذ إلا مع الضرورة و لعل الأول أقرب عملا بإطلاق النص مع كون النجاسة فيه غير نادر و ثبوت العفو عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا و انتفاء الدليل على طهارة المحمول و لو تعدت نجاسته إلى الثوب وجب تطهيره إلا مع الضرورة. فَإِذا سَجَدُوا أي الطائفة الأولى المصلية فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ   أي فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم مصافين للعدو و اختلف هنا فعندنا أن الطائفة الأولى إذا رفعت رأسها من السجود و فرغت من الركعة يصلون ركعة أخرى و يتشهدون و يسلمون و الإمام قائم في الثانية و ينصرفون إلى   مواقف أصحابهم و يأتي الآخرون فيستفتحون الصلاة و يصلي بهم الإمام الركعة الثانية و يطيل تشهده حتى يقوموا فيصلوا بقية صلاتهم ثم يسلم بهم الإمام أو يسلم الإمام و تقوم الثانية فيتمون صلاتهم كما وردت الروايات بهما و هو مذهب الشافعي أيضا. و قيل إن الطائفة الأولى إذا فرغت من ركعة يسلمون و يمضون إلى وجه العدو و تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعة الأخرى و هذا مذهب جابر و مجاهد و حذيفة و ابن الجنيد و من يرى أن صلاة الخوف ركعة واحدة. و قيل إن الإمام يصلي بكل طائفة ركعتين فيصلي بهم مرتين عن الحسن و هذه صلاة بطن النخل و لا أعلم من أصحابنا أحدا حمل الآية عليها و إن جوزها الأكثر. و قيل إنه إذا صلى بالأولى ركعة مضوا إلى وجه العدو و تأتي الأخرى فيكبرون و يصلي بهم الركعة الثانية و يسلم الإمام خاصة و يعودون إلى وجه العدو   و تأتي الأولى فيقضون ركعة بغير قراءة لأنهم لاحقون و يسلمون و يرجعون إلى وجه العدو و تأتي الثانية و يقضون ركعة بقراءة لأنهم مسبوقون عن ابن مسعود و هو مذهب أبي حنيفة. فالسجود في قوله فإذا سجدوا على ظاهره عند أبي حنيفة و على قولنا و الشافعي بمعنى الصلاة أو التقدير و أتموا بقرينة ما بعده و هو و إن كان خلاف ظاهره من وجه إلا أنه أحوط للصلاة و أبلغ في حراسة العدو و أشد موافقة لظاهر القرآن لأن قوله وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا ظاهره أن الطائفة الأولى قد صلت و قوله فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ مقتضاه أن يصلوا تمام الصلاة فالظاهر أن صلاة كل طائفة قد تمت عند تمام صلاته و أيضا الظاهر أن مراد الآية بيان صلاة الطائفتين و ذلك يتم على ما قلناه بأدنى تقدير أو تجوز بخلافه على قوله و قول حذيفة و ابن الجنيد في ذلك كقولنا إذ لا بد بعد الركعة من التشهد و التسليم نعم التجوز حينئذ أقرب من التجوز على ما قلناه. قيل و ربما يمكن حمل الآية على ما يعم الوجوه حتى صلاة بطن النخل و هو في غاية البعد مع مخالفته للروايات و أقوال الأصحاب فيها. وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ أي الطائفة الثانية في صلاتهم و قد جعل الحذر و هو التحرز و التيقظ آلة تستعملها الغازي فجمع بينه و بين الأسلحة في الأخذ و جعلا مأخوذين مبالغة. وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي تمنوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً أي يحملون عليكم حملة واحدة و فيه تنبيه على وجه وجوب أخذ السلاح. قال في مجمع البيان في الآية دلالة على صدق النبي ص و صحة نبوته

    و ذلك أنها نزلت و النبي ص بعسفان و المشركون بضجنان فتواقفوا فصلى النبي ص بأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع و السجود فهم المشركون بأن يغيروا عليهم فقال بعضهم إن لهم صلاة أخرى أحب إليهم من هذه يعنون صلاة العصر فأنزل الله تعالى عليه الآية فصلى بهم العصر صلاة الخوف و كان ذلك سبب إسلام خالد بن الوليد. وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ رخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما ينالهم من مطر أو مرض و أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر بقوله و خذوا حذركم لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو. إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً هذا وعد للمؤمنين بالنصر على الكفار بعد الأمر بالحزم لتقوى قلوبهم و ليعلموا أن الأمر بالحزن ليس لضعفهم و غلبة عدوهم بل لأن الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التيقظ و التدبير   فيتوكلوا على الله. ثم اعلم أن الأصحاب استدلوا بهذه الآية على ما هو المشهور من عموم القصر سفرا و حضرا و جماعة و فرادى و فيه نظر إذ الظاهر أن الضمير في قوله سبحانه فِيهِمْ راجع إلى الأصحاب الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم كما ذكره الطبرسي رحمه الله و غيره فلا عموم لها مع أنه لا دلالة فيها على القصر فرادى. فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ يحتمل وجهين الأول أن يكون المعنى إذا فرغتم من صلاة الخوف فلا تدعوا ذكر الله بل كونوا مهللين مكبرين مسبحين داعين بالنصرة و التأييد في كافة أحوالكم من قيام و قعود و اضطجاع فإن ما أنتم فيه من الخوف و الحرب جدير بذكر الله و دعائه و اللجأ إليه. قال في مجمع البيان أي ادعوا الله في هذه الأحوال لعله ينصركم على عدوكم و يظفركم بهم عن ابن عباس و أكثر المفسرين و قيل المراد به التعقيب مطلقا و قيل إشارة إلى ما ورد به الروايات من استحباب التسبيحات الأربع بعد الصلوات المقصورة و قيل المراد به المداومة على الذكر في جميع الأحوال كما في الحديث القدسي يا موسى اذكرني فإن ذكري على كل حال حسن. الثاني أن يكون المراد إذا أردتم قضاء الصلاة و فعلها في حال الخوف و القتال فصلوها قياما مسايفين و مقارعين و قعودا جاثين على الركب مرامين و على جنوبكم مثخنين بالجراح. و قيل المراد حال الخوف مطلقا من غير اختصاص بحال القتال و قيل إشارة إلى صلاة القادر و العاجز أي إذا أردتم الصلاة فصلوا قِياماً إن كنتم أصحاء وَ قُعُوداً إن كنتم مرضى لا تقدرون على القيام وَ عَلى جُنُوبِكُمْ إن لم تقدروا على القعود روي ذلك عن ابن مسعود و على هذا التفسير يستفاد الترتيب أيضا   لكن لم نظفر برواية تدل على هذا التفسير في خصوص هذه الآية نعم روي ذلك في تفسير قوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً كذا قيل و أقول ذكره علي بن إبراهيم بعد إيراد هذه الآية حيث قال الصحيح يصلي قائما و العليل يصلي قاعدا فمن لم يقدر فمضطجعا يومئ إيماء و قد مر من تفسير النعماني مثله في باب القيام مرويا عن أمير المؤمنين ع و لا يخفى أن عدم اعتبار الخوف يأباه. قوله فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فإن ظاهره إذا استقررتم بزوال خوفكم و سكنت قلوبكم فأتموا حدود الصلاة و احفظوا أركانها و شرائطها إلا أن يحمل الاطمئنان على أعم من زوال الخوف و البرء من المرض و قيل معناه إذا أقمتم فأتموا الصلاة التي أجيز لكم قصرها و قد يجمع بين الوجهين و قد مر تفسير الموقوت

1-  المقنع، سئل الصادق ع عن الصلاة في الحرب فقال يقوم الإمام قائما و يجي‏ء طائفة من أصحابه يقومون خلفه و طائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة ثم يقوم و يقومون معه و يثبت قائما و يصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون مكان أصحابهم بإزاء العدو و يجي‏ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يجلس الإمام فيقومون و يصلون   ركعة أخرى ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه و إذا كنت في المطاردة فصل صلاتك إيماء و إن كنت تستأنف فسبح الله و احمده و هلله و كبره يقوم كل تحميدة و تسبيحة و تهليلة و تكبيرة مكان ركعة

 بيان ما رواه إلى قوله بتسليمه موافقة لما رواه الشيخ في الحسن كالصحيح عن الحلبي عنه ع. و اعلم أن صلاة الخوف أنواع منها صلاة ذات الرقاع و هي الكيفية الأولى الواردة في هذا الخبر و سميت بها لأن القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر و صفر و سود كالرقاع أو كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود و الخرق لشدة الحر أو لرقاع كانت في ألويتهم و قيل مر بذلك الموضع ثمانية نفر حفاة فنقبت أرجلهم و تساقطت أظفارهم و كانوا يلفون عليها الخرق و قيل الرقاع اسم شجرة في موضع الغزو و المشهور أن شروط هذه الصلاة أربعة الأول كون العدو في خلاف جهة القبلة بحيث لا يمكنهم مقابلته و هم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة هذا هو المشهور و استوجه في التذكرة عدم اعتباره و رجحه الشهيدان و الثاني أن يكون الخصم ذا قوة يخاف هجومه على المسلمين الثالث أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم الافتراق طائفتين يقاوم كل فرقة منهما العدو حال صلاة الأخرى و الرابع عدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين و هذا الشرط في الثنائية واضح و أما في الثلاثية فهل يجوز تفريقهم ثلاث فرق و تخصيص كل ركعة بفرقة قولان و اختار الشهيدان الجواز.   ثم اختلفوا في أنه هل يجب على الفرقة الأولى نية الانفراد عند مخالفة الإمام أم لا و الظاهر عدم انفكاك الإنسان في تلك الحال عن النية و أما الفرقة الثانية فظاهر الأكثر بقاء اقتدائهم في الركعة الثانية حكما و إن استقلوا بالقراءة و الأفعال فيحصل لهم ثواب الايتمام و يرجعون إلى الإمام في السهو و حينئذ لا ينوون الانفراد عند القيام إلى الثانية و قد صرح به العلامة في المختلف و صرح ابن حمزة بأن الثانية تنوي الانفراد في الثنائية و هو ظاهر المبسوط و اختاره بعض المتأخرين و الروايات مختلفة في تسليم الإمام أولا ثم قيامهم إلى الثانية أو انتظار الإمام إلى أن يفرغوا من الثانية فيسلم معهم و الظاهر التخيير بينهما فالظاهر على الأول انفرادهم و على الثاني بقاء القدوة. ثم إن جماعة من الأصحاب ذكروا أن المخالفة في هذه الصلاة مع سائر الصلوات في ثلاثة أشياء انفراد المؤتم و توقع الإمام للمأموم حتى يتم و إمامة القاعد بالقائم و لا يخفى أن الانفراد إنما تحصل به المخالفة على قول الشيخ حيث منع من ذلك في سائر الصلوات و إلا فالمشهور الجواز مطلقا إلا أن يقال بوجوب الانفراد هنا فالمخالفة بهذا الاعتبار و أما توقع الإمام المؤتم حتى يتم فإنه غير لازم هنا كما عرفت و أما إمامة القاعد بالقائم فإنما يتحقق إذا قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانية في الثانية و قد عرفت الخلاف فيه و تحقيق هذه الأحكام في تلك الأزمان قليل الجدوى فلا يهم التعرض لها. و من أقسام صلاة الخوف صلاة بطن النخل و قد ورد أن النبي ص صلاها بأصحابه قال الشيخ روى الحسن عن أبي بكرة فعل النبي ص و

    صفتها أن يصلي الإمام بالفرقة الأولى مجموع الصلاة و الأخرى تحرسهم ثم يسلم بهم ثم يمضوا إلى موقف أصحابهم ثم يصلي بالطائفة الأخرى نفلا له و فرضا لهم و شرطها كون العدو في قوة يخاف هجومه و إمكان افتراق المسلمين فرقتين و كونه في خلاف جهة القبلة. قال في الذكرى و يتخير بين هذه الصلاة و بين ذات الرقاع و يرجح هذا إذا كان في المسلمين قوة ممانعة بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية و يختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس و لا يخفى أن هذه الرواية ضعيفة عامية يشكل التعويل عليها و إن كانت مشهورة فيبنى الحكم بالجواز على أنه هل يجوز إعادة الجامع صلاته أم لا و قد سبق الكلام فيه. و من أقسام صلاة الخوف صلاة عسفان و قد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة و متى كان العدو في جهة القبلة و يكونون في مستوى الأرض لا يسترهم شي‏ء و لا يمكنهم أمر يخاف منه و يكون في المسلمين كثرة لا يلزمهم صلاة الخوف و لا صلاة شدة الخوف و إن صلوا كما صلى النبي ص بعسفان جاز فإنه قام ص مستقبل القبلة و المشركون أمامه فصف خلف رسول الله ص صف و صف بعد ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله ص و ركعوا جميعا ثم سجد ص و سجد الصف الذي يلونه و قام الآخرون يحرسونه فلما سجد الأولون السجدتين و قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين و تقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله ص و ركعوا جميعا في حالة واحدة ثم سجد و سجد الصف الذي يليه و قام الآخرون يحرسونه فلما جلس رسول الله ص و الصف الذي يليه سجد الآخرون ثم   جلسوا جميعا فسلم بهم جميعا. و قال العلامة لها ثلاث شرائط أن يكون العدو في جهة القبلة و أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها الافتراق فرقتين و أن يكونوا على قلة جبل أو مستو من الأرض لا يحول بينهم و بين أبصار المسلمين حائل من جبل و غيره ليتوقوا كبسهم و الحمل عليهم و لا يخاف كمين لهم. و توقف الفاضلان في العمل بها لأنه لم يثبت نقلها عن طريق أهل البيت ع و قال في الذكرى مرة هذه صلاة مشهورة في النقل كسائر المشهورات و أخرى أنها و إن لم تنقل بأسانيد صحيحة و ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند و لا محيل على سنده فلو لم يصح عنده لم يتعرض حتى ينبه على ضعفه فلا يقصر فتواه عن رواية ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم و التأخر و التخلف بركن و كل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا فكيف عند الضرورة انتهى. و اعترض عليه أما أولا ففي تصحيحه الرواية بمجرد نقل الشيخ و أما ثانيا ففي حكمه بعدم قدح التخلف عن ركن في صحة الصلاة اختيارا. و أما صلاة شدة الخوف التي أشار إليها أخيرا فقسمان إحداهما أن يتمكنوا من أفعال الصلاة و لو بالإيماء و لا يتمكنوا من الجماعة على الوجوه المذكورة فيصلون فرادى كيف ما أمكنهم واقفا أو ماشيا أو راكبا و يركعون و يسجدون مع الإمكان و إلا فبالإيماء و يستقبلون القبلة مع المكنة و إلا فبحسب الإمكان في بعض الصلاة على ما ذكره جماعة من الأصحاب و إلا فبتكبيرة الإحرام و إلا سقط الاستقبال و هذه الأحكام مجمع عليها بين الأصحاب و يدل عليها روايات   كثيرة و الثانية صلاة من لم يتمكن من الإيماء أيضا حال المسايفة فإنه يسقط عنه ذلك و ينتقل فرضه إلى التسبيح و هذا أيضا مجمع عليه بين الأصحاب

2-  تفسير علي بن إبراهيم، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فهي رخصة بعد العزيمة للخائف أن يصلي راكبا و راجلا و صلاة الخوف على ثلاثة وجوه قال الله تبارك و تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ فهذا وجه و الوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص و السباع في السفر فإنه يتوجه إلى القبلة و يفتتح الصلاة و يمر على وجهه الذي هو فيه فإذا فرغ من القراءة و أراد أن يركع و يسجد ولى وجهه إلى القبلة إن قدر عليه و إن لم يقدر عليه ركع و سجد حيثما توجه و إن كان راكبا يومئ إيماء برأسه و الوجه الثالث من صلاة الخوف صلاة المجادلة و هي المضاربة في الحرب إذا لم يقدر أن ينزل و يصلي يكبر لكل ركعة تكبيرة و صلى و هو راكب فإن أمير المؤمنين ع صلى و أصحابه خمس صلوات بصفين على ظهر الدواب لكل ركعة تكبيرة و صلى و هو راكب حيثما توجهوا

 بيان ظاهر الروايات الاجتزاء عند تلاحم القتال بالتكبير لكل ركعة من غير تكبيرة للإحرام و تشهد و تسليم

 و في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر ع فإذا كانت المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال فإن أمير المؤمنين ع ليلة صفين و هي ليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر و المغرب و العشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة

    و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك و تكبير و المسايفة تكبير بغير إيماء و المطاردة إيماء يصلي كل رجل على حياله

و المشهور بين الأصحاب أنه يقرأ عوض كل ركعة التسبيحات الأربع بعد النية و تكبيرة الافتتاح و يتشهد و يسلم و إيجاب غير النية لا دليل عليه نعم يظهر من صحيحة الفضلاء التسبيحات الأربع من غير ترتيب مع إضافة الدعاء و لعل المراد به الاستغفار فالأحوط الجمع بينها و إن احتمل الواو فيها بمعنى أو

3-  مجالس الصدوق، عن محمد بن عمر الحافظ عن أحمد بن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن صالح عن شعيب بن راشد عن جابر عن أبي جعفر ع قال ما كانت صلاة القوم يوم الهرير إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة

4-  تفسير علي بن إبراهيم، في قوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ الآية فإنها نزلت لما خرج رسول الله ص إلى الحديبية يريد مكة فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس ليستقبل رسول الله ص فكان يعارض رسول الله ص على الجبال فلما كان في بعض الطريق و حضرت صلاة الظهر أذن بلال و صلى رسول الله ص بالناس فقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم و هم في الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون الصلاة و لكن تجي‏ء لهم الآن صلاة أخرى هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم فنزل جبرئيل ع بصلاة الخوف بهذه الآية وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ إلى قوله مَيْلَةً واحِدَةً ففرق رسول الله ص أصحابه فرقتين فوقف بعضهم تجاه العدو و قد أخذوا   سلاحهم و فرقة صلوا مع رسول الله ص قائما و مروا فوقفوا مواقف أصحابهم و جاء أولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم رسول الله ص الركعة الثانية و هي لهم الأولى و قعد رسول الله ص و قام أصحابه فصلوا هم الركعة الثانية و سلم عليهم

    -5  قرب الإسناد، و كتاب المسائل، بسنديهما عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن صلاة الخوف كيف هي قال يقوم الإمام فيصلي ببعض أصحابه ركعة و يقوم في الثانية و يقوم أصحابه فيصلون الثانية و يخففون و ينصرفون و يأتي أصحابهم الباقون فيصلون معه الثانية فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون فيتشهدون معه ثم يسلم و ينصرفون معه و سألته عن صلاة المغرب في الخوف كيف هي قال يقوم الإمام ببعض أصحابه فيصلي بهم ركعة ثم يقوم في الثانية و يقومون فيصلون لأنفسهم ركعتين و يخففون و ينصرفون و يأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية ثم يقوم بهم في الثالثة فيصلي بهم فتكون للإمام الثالثة و للقوم الثانية ثم يقعدون فيتشهد و يتشهدون معه ثم يقوم أصحابه و الإمام قاعد فيصلون الثالثة و يتشهدون معه ثم يسلم و يسلمون

    بيان قوله لأنفسهم ثم يقعدون في كتاب المسائل ثم قعدوا فتشهدوا معه ثم سلم و انصرف و انصرفوا. و لا خلاف بين الأصحاب ظاهرا في أنه يتخير في المغرب بين أن يصلي بالأولى ركعة و بالثانية ركعتين و بالعكس لورود الروايات المعتبرة بهما جميعا و اختلف في الأفضلية فقيل إن الأول أفضل لكونه مرويا عن أمير المؤمنين ع فيترجح للتأسي به و لأنه يستلزم فوز الفرقة الثانية بالقراءة و بالزيادة ليوازي فضيلة تكبيرة الافتتاح و التقدم و لتقارب الفرقتين في إدراك الأركان و نسب هذا القول إلى الأكثر و اختاره في التذكرة و قيل إن الثاني أفضل لئلا يكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد و هي مبنية على التخفيف و الترجيح لا يخلو من إشكال

6-  فقه الرضا، قال ع إن كنت في حرب هي لله رضا و حضرت الصلاة فصل على ما أمكنك على ظهر دابتك و إلا تومئ إيماء أو تكبر و تهلل

 و روي أنه فات الناس مع علي ع يوم صفين صلاة الظهر و المغرب و العشاء فأمرهم علي فكبروا و هللوا و سبحوا ثم قرأ هذه الآية فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فأمرهم علي ع فصنعوا ذلك رجالا أو ركبانا فإن كنت مع الإمام فعلى الإمام أن يصلي بطائفة ركعة و تقف الطائفة الأخرى بإزاء العدو ثم يقوم و يخرجون فيقيمون موقف أصحابهم بإزاء العدو و تجي‏ء طائفة أخرى فتقف خلف الإمام و يصلي بهم الركعة الثانية فيصلونها و يتشهدون و يسلم الإمام و يسلمون بتسليمه فيكون للطائفة الأولى تكبيرة الافتتاح و للطائفة الأخرى التسليم   و إن كان صلاة المغرب يصلي بالطائفة الأولى ركعة و بالطائفة الثانية ركعتين و إذا تعرض لك سبع و خفت أن تفوت الصلاة فاستقبل القبلة و صل صلاتك بالإيماء فإن خشيت السبع يعرض لك فدر معه كيف ما دار و صل بالإيماء كيف ما يمكنك و إذا كنت تمشي متفزعة من هزيمة أو من لص أو ذاعر أو مخافة في الطريق و حضرت الصلاة استفتحت الصلاة تجاه القبلة بالتكبير ثم تمضي في مشيتك حيث شئت و إذا حضر الركوع ركعت تجاه القبلة إن أمكنك و أنت تمشي و كذلك السجود سجدت تجاه القبلة أو حيث أمكنك ثم قمت فإذا حضر التشهد جلست تجاه القبلة بمقدار ما تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك هذه مطلقة للمضطر في حال الضرورة و إن كنت في المطاردة مع العدو فصل صلاتك إيماء و إلا فسبح و احمده و هلله و كبره تقوم كل تسبيحة و تهليلة و تكبيرة مكان ركعة عند الضرورة و إنما جعل ذلك للمضطر لمن لا يمكنه أن يأتي بالركوع و السجود

7-  العياشي، عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله ع قال فرض الله على المقيم خمس صلوات و فرض على المسافر ركعتين و فرض على الخائف ركعة و هو قول الله لا جناح عليكم أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يقول من الركعتين فتصير ركعة

 بيان هذا يدل على مذهب ابن الجنيد و قد مر أنه يمكن حمله على التقية   أو على أنه يصلي مع الإمام ركعة

8-  العياشي، عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد ع في صلاة المغرب في الخوف قال يجعل أصحابه طائفتين بإزاء العدو واحدة و الأخرى خلفه فيصلي بهم ثم ينصب قائما و يصلون هم تمام ركعتين ثم يسلم بعضهم على بعض ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين و يصلون هم ركعة فيكون للأولين قراءة و للآخرين قراءة

 بيان هذا وجه ترجيح لتخصيص الأولين بركعة ليدرك كل منهما ركعة من الركعتين اللتين يتعين فيهما القراءة

9-  العياشي، عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال إذا حضرت الصلاة في الخوف فرقهم الإمام فرقتين فرقة مقبلة على عدوهم و فرقة خلفه كما قال الله تبارك و تعالى فيكبر بهم ثم يصلي بهم ركعة ثم يقوم بعد ما يرفع رأسه من السجود فيتمثل قائما و يقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلي كل إنسان منهم لنفسه ركعة ثم يسلم بعضهم على بعض ثم يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم و يجي‏ء الآخرون و الإمام قائم فيكبرون و يدخلون في الصلاة خلفه فيصلي بهم ركعة ثم يسلم فيكون للأولين استفتاح الصلاة بالتكبير و للآخرين التسليم مع الإمام فإذا سلم الإمام قام كل إنسان من الطائفة الأخيرة فيصلي لنفسه ركعة واحدة فتمت للإمام ركعتان و لكل إنسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة و الأخرى وحدانا و إذا كان الخوف أشد من ذلك مثل المضاربة و المناوشة و المعانقة و تلاحم القتال فإن أمير المؤمنين ع ليلة صفين و هي ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة   و إذا كانت المغرب في الخوف فرقهم فرقتين فصلى بفرقة ركعتين ثم جلس ثم أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فصلى ركعة ثم سلموا و قاموا مقام أصحابهم و جاءت الطائفة الأخرى فكبروا و دخلوا في الصلاة و قام الإمام فصلى بهم ركعة ثم سلم ثم قام كل إنسان منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الإمام ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة فتمت للإمام ثلاث ركعات و للأولين ثلاث ركعات ركعتين في جماعة و ركعة وحدانا و للآخرين ثلاث ركعات ركعة جماعة و ركعتين وحدانا فصار للأولين افتتاح التكبير و افتتاح الصلاة و للآخرين التسليم

 بيان المناوشة في القتال و ذلك إذا تدانى الفريقان و ليلة الهرير مشهورة سميت بذلك لكثرة الأصوات فيها

10-  العياشي، عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال فات الناس مع أمير المؤمنين ع يوم صفين صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة فأمرهم علي أمير المؤمنين ع فكبروا و هللوا و سبحوا رجالا و ركبانا لقول الله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فأمرهم علي فصنعوا ذلك

 و منه عن زرارة عن أبي جعفر ع قال قلت له صلاة المواقفة فقال إذا لم تكن انتصفت من عدوك صليت إيماء راجلا كنت أو ركبانا فإن الله يقول فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً تقول في الركوع لك ركعت و أنت ربي و في السجود لك سجدت و أنت ربي أينما توجهت بك دابتك غير أنك توجه حين تكبر أول تكبيرة

 و منه عن أبان بن منصور عن أبي عبد الله ع قال فات أمير المؤمنين ع   و الناس يوما بصفين صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء فأمرهم أمير المؤمنين ع أن يسبحوا و يكبروا و يهللوا قال و قال الله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فأمرهم علي ع فصنعوا ذلك ركبانا و رجالا

 و رواه الحلبي عن أبي عبد الله ع قال فات الناس الصلاة مع علي يوم صفين إلى آخره

 و منه عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً كيف يفعل و ما يقول و من يخاف سبعا و لصا كيف يصلي قال يكبر و يومئ إيماء برأسه

 و منه عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله ع في صلاة الزحف قال تكبير و تهليل يقول الله أكبر يقول الله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً

11-  كتاب المسائل، لعلي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن الرجل يلقاه السبع و قد حضرت الصلاة فلا يستطيع المشي مخافة السبع و إن قام يصلي خاف في ركوعه أو سجوده و السبع أمامه على غير القبلة فإن توجه الرجل أمام القبلة خاف أن يثب عليه الأسد كيف يصنع قال يستقبل الأسد و يصلي و يومئ إيماء برأسه و هو قائم و إن كان الأسد على غير القبلة

 بيان المشهور بين الأصحاب أن خائف السبع و السيل و الغرق يصلي صلاة الخوف كمية و كيفية حتى قال في المعتبر كل أسباب الخوف يجوز معها القصر و الانتقال إلى الإيماء مع الضيق و الاقتصار على التسبيح إن خشي مع الإيماء و إن كان الخوف من لص أو سبع أو غرق و على ذلك فتوى الأصحاب. و تردد في ذلك العلامة في المنتهى و نقل عن بعض علمائنا قولا بأن التقصير   في عدد الركعات إنما يكون في صلاة الخوف من العدو خاصة و لا يظهر من الروايات إلا القصر في الكيفية على بعض الوجوه و المذكور فيها العدو و اللص و السبع فإلحاق غيرها بها يحتاج إلى دليل. و قال الشهيد الثاني و ألحق بذلك الأسير في يد المشركين إذا خاف من إظهار الصلاة و المديون المعسر لو عجز عن إقامة البينة بالإعسار و خاف الحبس فهرب و المدافع عن ماله لاشتراك الجميع في الخوف انتهى. و قد يستدل على التعميم بأنه تجب الصلاة على جميع المكلفين لعموم الأدلة و الصلاة بالإيماء و التكبير مع العجز صلاة شرعية في بعض الأحيان فحيث تعذر الأول ثبت الثاني و إلا يلزم التخصيص فيما دل على وجوب الصلاة على كل مكلف. و المسألة قوية الإشكال و المشهور في الموتحل و الغريق أنهما يصليان بالإيماء مع العجز و لكن لا يقصران و ذكر الشهيد في الذكرى أنه لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق و رجا عند قصر العدد سلامته و ضاق الوقت فالظاهر أنه يقصر العدد أيضا و استحسنه الشهيد الثاني و تنظر في سقوط القضاء و ربما يقال جواز الترك للعجز لا يوجب جواز القصر من غير دليل و الله يعلم

12-  كتاب صفين، لنصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال خطب أمير المؤمنين ع في بعض أيام صفين و حض أصحابه على القتال و ساق الحديث الطويل إلى قوله فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق و ما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا

 و منه عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال اقتتل الناس في صفين من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب ما كان صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة

 و منه عن نمير بن وعلة عن الشعبي في وصف بعض مواقف صفين إلى أن   قال و اقتتل الناس قتالا شديدا بعد المغرب فما صلى كثير من الناس إلا إيماء

 و منه عن رجل عن محمد بن عتبة الكندي عن شيخ من حضرموت في وصف بعض مواقف صفين قال مرت الصلوات كلها و لم يصلوا إلا تكبيرا عند مواقيت الصلوات

 و منه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع في وصف ليلة الهرير إلى قوله و كسفت الشمس و ثار القتام و ضلت الألوية و الرايات و مرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن إلا تكبيرا

 بيان القتام بالفتح الغبار و لعل الكسوف أيضا كان لشدة ثوران الغبار

13-  قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن الرجل يلقاه السبع و قد حضرت الصلاة فلم يستطع المشي مخافة السبع قال يستقبل الأسد و يصلي و يومئ برأسه إيماء و هو قائم و إن كان الأسد على غير القبلة

14-  مجمع البيان، قال يروى أن عليا ع صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالإيماء و قيل بالتكبير و أن النبي ص صلى يوم الأحزاب إيماء

15-  دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد ع أنه سئل عن صلاة الخوف و صلاة السفر أ تقصران جميعا قال نعم و صلاة الخوف أحق بالتقصير من صلاة في السفر ليس فيها خوف

 و عنه عن آبائه أن رسول الله ص صلى صلاة الخوف بأصحابه في غزوة   ذات الرقاع ففرق أصحابه فرقتين أقام فرقة بإزاء العدو و فرقة خلفه و كبر فكبروا و قرأ فأنصتوا و ركع فركعوا و سجد فسجدوا ثم استتم رسول الله ص قائما و صلى الذين خلفه ركعة أخرى و سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى مقام أصحابهم فقاموا بإزاء العدو و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله ص فكبر و كبروا و قرأ فأنصتوا و ركع فركعوا و سجد فسجدوا و جلس فتشهد فجلسوا ثم سلم فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض

 و عنه ع أنه وصف صلاة الخوف هكذا و قال إن صلى بهم صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعة و بالثانية ركعتين حتى يجعل لكل فرقة قراءة

 و عن أبي جعفر ع أنه سئل عن الصلاة في شدة الخوف و الجلاد حيث لا يمكن الركوع و السجود فقال يومئون على دوابهم و وقوفا على أقدامهم و تلا قول الله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فإن لم يقدروا على الإيماء كبروا مكان كل ركعة تكبيرة

    بيان الحديث الثاني رواه الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه ع. و قوله عليه الصلاة و السلام أخيرا فكبر و كبروا لعل تكبير الإمام محمول على الاستحباب و ليس تكبير الافتتاح و هذه الرواية مروية في الكافي و التهذيب و ليس فيهما هكذا و فيهما فقاموا خلف رسول الله ص فصلى بهم ركعة ثم تشهد و سلم عليهم إلى آخر الخبر